Skip to main content

Full text of "مكتبة محمد زاهد الكوثري رحمه الله"

See other formats


الققة اطول التفه 


مزان ل ورا وزی 


یرہ ڳل 2 


خت اماقم 


a 2‏ اتنب ر برخت 


ازات بار راق 


آلا 


2n 


ف بجت رة کک کرو نة ررر ای نة ماک 
اتان تی جام تز ق 


ادم رة ر EY‏ اکررت 


ارخ8 ا 


2 ولک 
الخو اليف تنه رسالا ریف 
س ا ہے رو این ی ایرد A‏ 
الانشار ات 1 لاع 
ل اق ر کو وة 


البزق| اور شاه 

دافا عب ری عن اوی ار ودهع 

لذ اتان الکی مزق لازت . 
شنا ال صدا رر 


کاب E‏ نايت خي 


لفق وصور ا صو لل 


و 


ر ما الا ر O7‏ 
فت اع ارتام 


قد تة و ر رة 


انات باز یلاق 
آم مایت 


٥ IE‏ وة رة نة عرماکت 


اښتان تکام تلان 


ااام نري ت ا از عییک وی 
اشر هنر 


وا 
ARS a a RAS‏ ر لف 
الغو ای فرعتن الالام يتفم 
دن پام رع ل دورود نه ۳۴ش 
اتتا راتوا بلع 
میں ڪب 2 رو تراص 
ازن لاناق 
م کوب رر ہیی ایی لر د زم 
هذه التَلَذ Er‏ 


رضنا ین اول صا جورع 


کاب ال رازو ین تیت اد یروف 


جميع الحقوق محفوظة 
Copyright‏ 
All rights reserved‏ 
Tous droits réservés‏ 


جميع حقوق اللكية الأدبية والفنية محفوظة 
لدارالكتب العلمية بيروت- لبنان 
ويحظظر طبع أو تصوير أو ترجمة أو إعادة تنضيد الكتاب كاملا أو 
جزأً أو تسجيله على أهرطة كاسيت أو إدخاله على الكمبيوت ر 
أو برمجته على اسطوانات ضوئية إلا بموافقة الناش ر خطياً 
Exclusive rights by‏ 
Dar Al-Kotob Al-ilmiyah Beirut - Lebanon‏ 


No part of this publication may be translated, 
reproduced, distributed in any form or by any means, 
or stored in a data base or retrieval system, without the 
prior written permission of the publisher. 


Droits exclusifs ù 
Dar Al-Kotob Al-ilmiyah Beyrouth - Liban 


Il est interdit ã toute personne individuelle ou morale 
d'éditer, de traduire, de photocopier, d'enregistrer sur 
cassette, disquette, C.D, ordinateur toule production 
éorile, entière ou partielle, sans I'autorisation signée 
de I'êditeur. 


الطبعة الأولى 


ANT. 6 


الإدارة العامة؛ عرمون - القبة - مبنى دار الكتب الملمية 
هاتف وقاکس؛ ۱۱/۱۲/۱۴/ ۸۰4۸1۰ (۰ )۹٩۱‏ 
صندوق برید؛ 4۲۲ - ۱۱ بیروت - لبنان 


Dar Al-Kotob Al-ilmiyah 
Beirut - Lebanon 
Raml Al-Zarif, Bohtory Str., Melkart Bldg. 1st Floor 
Head office 
Aramoun - Dar Al-Kotob Al-ilmiyah Bldg. 
Tel & Fax: (+961 5) 804810/11/12/13 
P.O.Box: 11-9424 Beirut - Lebanon 


Dar Ai-Kutub Al-ilmiyah 
Beyrouth - Liban 
Raml Al-Zarif, Rue Bohtory, Imm, Melkart, 1er Étage 
Administration général 
Aramoun - Imm. Dar Al-Kotob Alilmiyah 
Tel & Fax: (+961 5) 804810/11/12/13 
P.P: 11-9424 Beyrouth - Liban 


7451-4365-4 


2- 
٠ | 1 
143655 


45 


http:/www.al-ilmiyah.com/ 


sales@al-ilmiyah.com 
info@al-ilmiyah.com 
baydoun@al-ilmiyah.com 


ISBN 


| 


رجانب العامة المحدد الإمار محمد راھد الکورو 
ع الفنتقل سنة |1٥١‏ قجساا الله تعالى بسر 


ا اوي 
بقلم الأستاذ الكبير الشيخ محمد أبو زهرة 
وكيل كلية الحقوق وأستاذ الشريعة بجامعة القاهرة 
(رحمهما الله تعالی) 


١‏ منذ أكثر من عام" قَدَ الإسلامٌ إمامًا من أئمة المسلمين الذين عَلَوا بأنفسهم 

عن سَفْسّافِ هذه الحياةء واتجهوا إلى العلم تجاه المؤمن لعبادة ربه» ذلك أنه عَلِم ن 
العلم عبادة من العبادات يطلب العالمُ به رضا اله لا رضا أَحَدٍ سرا لا ِي به اوا في 
الأرض ولا فسادًاء ولا استطالةٌ بفضل جاه ولا ريده عَرَضا من أعراض الدنياء إننا قي 
به تُصرةً الحق لإرضاء الحق جل جلاله . ذلكم هو الإمامٌ الكوثري» طيّب الله ثراه» 
ورَضِي عنه وأرضاه. 

لا أعرف أن عالمًا مات فخلا مكائةٌ في هذه السنين» كما خلا مكان الإمام 
الكوثري» لأنه بي السلف الصالح الذين لم يجعلوا العلمَّ مُرترَقّا ولا سلما لغاية» بل كان 
هو منتَهّى الغاياتِ عندهم» وأسمّى مَطارح نظارهم» فليس وراء علم الدين غاي يتغياها 
مؤمن» ولا مُرقى يَصل إلبه عالم. 

لقد كان رَضِيّ الله عنه عالمًا يتحفَقُ فيه القول المأثورٌ «العلماء وَرَنةُ الأنبياء» وما كان 
يّرى تلك الوراثة شَرًَا فقط» ليفعَجِرَ به ويَسَطِيلَ على الناس» إنما كان يرّى تلك الوراثة 
جهادًا في إعلان الإسلام» وبيانِ حقائقهء وإزالة الأوهام التي تلح جوهرَّه فيْبْدِيه للناس 
صافيًا مُشْرِفًا منيرّاء فيَعْشو الناس إلى تُوره» ويهتدون بهديه» وأنٌ تلك الورائةٌ تتقاضى 


() توفي الإمام الكوثري رحمه الله عام ١۳۷١ھ‏ 


۹ الإمام الكوثري بقلم الأستاذ الشيخ محمد آبو زهرة 


العالم اا پا ا ا 
العَكَتَ ممن يدعوهم إلى الحق والهداية كما لّوا فليس تلك الوراثة شَرَفا إلا لمن أخَذّ 

في أسبابهاء وقام بحقهاء وعَرّف الواجب فيهاء وكذلك كان الإمام الكوثري رَضِيّ الله 
عله . 

۲ إل ذلك الإمامٌ الجليل لم يكن من المنتحلين لمذهب جديدِ» ولا من الدعاةٍ إلى 
أمر بَِيءٍ به» ولم يكن من الذين يمهم الناس اليوم ي العجديف »بل کان ايل 
منهم» فنه کان مُنّبعّاء ولم یکن مُبْبَدعًا» ولكني مع ذلك أقول : إنه كان من المجددين 
بالمعنى الحقيقي لكلمة التجديد لأ التجديد ليس هو ما تعارَقَةُ الناس اليوم من حلع 
للربقة ورد عه الرة الأولى» إنما التجذيد هو أن بعاد إلى الذين رزه وبُرال عله ما َل 
به من وهام» ويي للناس صافيا كجوهره» نّا كأصلوء وإنه لمن التجديد أن تحيا الس 
وتَمُوتَ البدعة ويقومّ بين الناس عَمُودٌ الدين. 

ذلك هو التجديدٌ حمًا وصدفًاء ولقد قام الإمامٌ الكوثري بإحياء السنة النبوية» 
فكشفَ عن المخبوءٍ بين ثنايا التاريخ من كُتّهاء وبي مناهج رُواتهاء وأعلَنّ للناس في 
رسال نها وكمُب ألما سنه النبيّ ياء من أقوال وأفعالي یرات» ٹم عَکف على 
جهود العلماء السابقين الذين قاموا بالسنة ورعؤها حى رعايتهاء فشر كتبَهم التي دُوَئّث 
فيها أعمالهم لإحياء السنة والديِنْ قد أضربّت النفوس حب والقلوبٌ لم رل بفساو 
والعلماء لم تشغلهم الدنيا عن الآجرة» ولم يكونوا في ركاب الملوك. 

0 - لقد كان الإمام الكوثري عالمَا حمًاء عَرّف عِلمَة العلمائ وقليل منهم من أدرّك 
جهاده» ولقد عَرَفئةُ سِنينّ قبل أن ألقاه» عَرَفتّة في كتابايِهِ التي يشرق فيها تُورُ الحق» 
وعَرَفةُ في تعليقاته على المخطوطاتِ التي قام على نشرهاء وما كان والله عَجَبي من 
المخطوط بقّذرٍ إعجابي بتعليتي من عَلَنَ عليه» لقد كان المخطوط أحيانًا رسالة صغيرة . 

ولکنٰ مات الإمام عليه تجعلٌ منه كتابا مقروءاء وإ الاستيعابَ والاطَلاع واتساع 
الأفق» تَظهرٌ في التعليق بادية الان وكلٌ ذلك مع طَأاوةٍ عبارة ولطفي إشارة» وفَرَة 
نقد» وإصابةٍ للهدف» واستيلاء على التفكير والتعبير» ولا يمك أن يجول بخاطر القارىء 
أنه كاتبٌ أعجمي وليس بعربي مين . 

ولقد كان لمَرْط تواضي د لا يكب مع عنوان الكتاب عله الرسميَ الذي كان يتولاه 
في حکم آل عشمان» لأنه ما کال یری رَخٍ لله عنه أن شرف العام ينال ِن عَمَلِهِ الرسمي 
وإنما ينالةُ من عمله اليڵمي» فكان بعض القارئين - لسلامة المبنى مع دقة المعنى ولإشراقِ 
الديباجة وجزالةٍ الأسلوب - لا يَجُولٌ بخاطره أ الكاتبَ تُركيّ بل يعتقد أنه عربي» وَلِدّ 
عربياء وعاش عربًاء ولم نُظلَهُ إلا ية عربية . : 


خو لو ی ایا - ا و ا ¥ 

ولکن لا عجَبّ فإنه کان ترکیا فر بي سَلاليه وفي نشأيوء وفي حياته الإنسانيةٍ في المدة 
التي عاشها في الأستانةء أما حيائه العلمية فقد كانت عربيةً خالصة» فما كان يقراً إلا 
عربياء وما ملأ رأة المُشْرِقّ إلا الور العربيْ المحمديّ» ولذلك كان لا يفْب إلا كتابة 
نقيةٌ خاليةٌ من كل الأساليب الدخيلة في المنهاج العربي» بل كان يُختار الفصيح من 
الاستعمال الذي لم بَجرٍ لاف حول فصاحيه» مما يدل على عِظّم اطلاعِه على كتب اللغة 
متنا ونحوًا وبلاغةٌء ثم هو فوق ذلك يَقْرض الشعرَ العربي فيكون منه الحسَنٌ. 

NT as ٤ 
بالعلم عن سوق الإتجار» وأعلَمَ الخافِقينِ أن العام المسلم وطلةٌ أرض الإسلام» وأنه لا‎ 
يَرضى بالدَيّة في دينه» ولا يأخدٌ من يُذل الإسلام بهرَادة» ولا يجعل لغير الله والحق عنده‎ 
إرادة» وآنه لا يصح أن يعيش في أرض لا يستطيع فيها أن ينطق بالحق» ولا يُعليّ فيها‎ 
كلمة الإسلام وإن كانت بده الذي نشا فيه» وشا وترعرَعٌ في مَعًانيه» نالعال يحبا‎ 
بالروح لا بالمادةء وبالحقائق الخالدةء لا بالأعراض الزائلة» وحَسْبْة أن يكون وجيهًا عند‎ 
Ama EE 

. إل نظرءٌ عابرة لحياة ذلك العالم الجليلء تُرِينا أنه كان العالمَ المخلص 
المجاهد الصابرّ على البأساءِ والضرّاءء وتَنَمَلِهِ في البلا الإسلامية والبلاء بلاء» ونشرو 
انور والمعرفةً حيثما حَلٌ وأقام . ولقد طْوْفَ في الأقاليم الإسلاميةٍ فكان له في كل بلد 
حل فيه تلاميد هوا من منهله العذب» وأشْرَقّتْ في تفوسهم زوحه المخلصة المؤمنة 
ا و 0 
أو سَجْطّوا ما دام الذي بينه وبين الله عامرًا . 

ويظهر أن ذلك کان في ديه الذي يجري في عُروقه» فهو في الجهاد في الحقٌ منذ 
نشا واد في أُسرته ّى ووه تفس وصبر واحتمالٍ للجهادء إنه من أسرة كانت في 
الوقاز» حيث المع والَوة وجمان الجسم والروج» وسلامة الفكر وعم 

ولقد انتقل أبوه إلى الأستانة فرلد على الهْدّى والحق» در س العلومٌ الِينيةٌ حتى 
نال أعلى درجاتها في نحو الثامنةٍ والعشرين من عمره» ڈ ثم تدرَجَ في سل التدریس حتی 
وَصل إلى أقصى درجاته وهو في سن صغيرة» حتى إِذا ابي بالذين يُريدون قَضْلَ الدنيا 
عن الدين» لعُحكَمّ الدنيا بغير ما أنرّل اله » وكّفَ لهم بالمرصاد» والعُدُ أخضَرُء والآمال 
AS BET‏ وتر أن يُدافِعَ عن البقايا 
الإسلامية على أن يكون في عيش ناعم» بل اثر آن یکون في تَصَب دائم فيه رصا الله» على 
آن یکون في عيش رافو وفيه رصا الناس ورا من بيهم شُوون الدنیاء لأن إرضاءَ الله 
غايةٌ الإيمان. 


۸ اي اي اي = اڪ ا 


٦‏ جاهَد الاتحاديين الذين كان بيدهم أَمرٌ الدولة لما أرادوا أن ُضبَمُوا مَدَى 
الدراسات الدينية ويْقَصرُوا زمكهاء وقد رأى رَضِيّ الله عنه في ذلك التقصيرِ نقصًا 
لآطرافهاء قعل الجيلة ودبر وقذرة حتى قشى على رخيحهم ٠‏ رأطال المدة التي رغبوا 
في تقصيرهاء ليتمكن طالب علوم الإسلام من الاستيعاب وهَضم العلوم» وخصوصًا 
بالنسبةٍ لأعجميّ بلسانِ عربيٰ مُبين . 

۷- وهو في كل أحواله العالِمٌ لَه الأِفُ الذي لا يعمد على ذي جاه في ارتفاع» 
الا ماو تا جام لعل مطل از اا رم ا ال ی غایڑ جاک راک کا زین ال م وان 
ری أن معاليّ الأمور لا بُوصل إلبها إلا طريق سليم ومنهاجٌ مستقیم» ولا يُمِنُ أن يصِلَ 
كريمٌ إلى غاية كريمة إلا من طريتي يَصُونُ النفس فيها عن الهَوان» فإنه لا يُوصِل إلى 
شريفٍ إلا شريفٌ يثلّه» ولا شَرّف في الاعتماد على ذوي الجاه في الدنياء فإ من يعتمدُ 
علیهم لا یکون عند الله وجیها. 

۸ سَعّى رَضِيّ الله عنه بجِدَّهِ وعَمَلِه في طريق المعالي حتى صار وكيل مشيخة 
الإسلام في تركيا» وهو ممن يعرف للمنصب حف لذلك لم يفرط في مصلحة إرضاء 
لذي جاو مهما يكن قوبًا مسيطراء وقَبل أن يُعرَلَ من منصبه في سبيل الاستمساك 
بالمصلحة . والاعتزالٌ في سبيل الحقٌ خير من الامتثالِ للباطل . 

۹ عُزِلَ الشيحٌ عن وكالة المشيخة الإسلامية» ولكنه بَقَِيّ في مجلس وكالتها الذي 
کان ریسا له» وما کان يُرى عَصًا لمقايه أن ينل من الرياسة إلى العضوية ما دام سيب 
الخوزك رفيا إنة الغلو النضسي لا يمتح العامل من أن يعقل ريسا أو مرؤواء اة 
عمد من الحق في ذاتوء وبُباركها الح جل جلاله. 

1۰ - ولك العام الأبي العف التي يمحن حن أشد امتحان» إذ يّرى بلدَهُ العزيرّ وهو 
دار الإسلام الکبری»› ومناط عرټه» و آمال المسلمين يسود الإلحادء ٹم سيط عليه 
من لا برجو لهذا الدين وقازاء ثم بصي فيه القابض على دينه كالفابض على الجْر» ٤‏ 
يَجدٌ هو نَفْسَهُ مقصودًا بالأدی» وأنه إن لم ي ينج ألقِيّ في عَياباتِ السجن» وجيل بينه وبين 
اليلم والتعليم . 

عندئٍ يَجدٌ الإمام نفسّه بين أمور ثلاثة : إما أن يَبمَّى مأسورًا مقيّدّاء يَنطفىء علمْة في 
غياباتِ السجون» وإِدٌ ذلك لعزير على عالم تَعوَدٌ الدرس والإرشادء وإخراج كنوز الذين 
ليُعلمها الاس عن بينة» وإما أن يملق ويْداهِنٌ ويُمالىء» ودون ذلك حَرْط القتّاد بل حر 
الأعناق» وإما أن يُهاجر وبلا الله واسعة» وتذكُر قولّه تعالى : «وألم تكن رس آلو َة 
کنہاچروا فبا [النساء: الآیة ۹۷] . 


الإمام الكوثري بقلم الأستاذ الك .ج محمد أبو زهرة ۹ 

هاجَرَ إلى مصر ثم نفل إلى الشام» ثم عاد إلى القاهرة» ثم رجع إلى دمشق 
مرةٌ ثانية» ثم ألقّى عصا التسيار نهائيًا بالقاهرة» وهو في رحلاته إلى الشام ومُقامه في 
القاهرة کان تُورّا» وکان مَسْكةُ الذي کان يَسْكُئُه ضَوَلَ أو ائسَعَ مَذرَسٌَ يوي إليها طلابُ 
العلم الحقيقي» لا طلابُ العلم المَذْرَسِي» فَيَهَدِي أولئك التلاميذ إلى ينابيع المعرفة» من 
الكَنْب التي كُيبَثْ وسُوق العلوم الإسلامية رائجةٌ ونفوس العلماء عامرةٌ بالإسلام» فرَدٌ 
عقول أولئك الباحثين إليها ووجُهّهم نحوَهاء وهو يُْسَرٌ المُعْلَقَ لهم » وفيض بغزير عليه 
وثمارٍ فکره. 

۲ واد كاتبَ هذه السطور لم يلق الشيخ إلا قَْلَ وفايه بنحو عامين» وقد کان 
اللقاء الُوحيْ من قبل ذلك بنین» عندما كنت اقرا كتاباته» وأقراً تعليه على ما بُخرٍج من 
مخطوط » وأقرأ ما أف من كتب» وما كنت أحسَبٌ أن لي في نفس ذلك العالم الجليل مثلَ 
ما لَه في نفسي» حتى قرأتٌ كتابه «حسْنٌ التقاضي في سيرة الإمام أبي يوسف القاضي» 
فوجدئّه رَضِيّ الله عنه حصني عند الكلام في الجيَل المنسوبةٍ لأبي يوسف بكلمة خير. 
وأشهَّدُ أني سمعتُ ثناء من كُبّراء وعُلّماءء فما اعتززتُ بثناء كما اعتززت بثناء ذلك الشيخ 
الجليلء لأنه سام عِلْميّ ممن يَملِكٌ إعطاء الوسام العليي. 

سعيتُ إليه لألقاه» ولكني كنت أجهُل مام وإني لأسي في مَيدانِ الععَبةٍ 
الخضراءء فوجدت شيا وجيهًا وقورًا» الشيبٌُ ينبشق منه كثورٍ الحق» يَْبَس لباس علما 
الرك» قد الَف حول طلبةٌ من سُوْرِيةء فوَفع في نفسي أنه الشيح الذي أسعَى إليه. فما أن 
زيل تلاميدّهٌ حتى استفسرت من أحدهم: من الشيخ؟ فقال: إنه الشيحٌ الكوثري» 
فأسرعتٌ حن النقيت به لأعرف مُقاته» فقذّمتٌ إليه نفسي» فوجدث عنله من الرغبة في 
اللقاءِ مثلٌ ما عندي» ثم زره لمت آنه قوق که وفوف بحوته» وأنه نه كر في مِصر. 

۳ - وهنا أريد أن أبديّ صفحة من تاريخ ذلك الشيخ الإمام» لم يعرفها إلا عدد 


قلپل؛ 

لقد أردتُ أن َعم نفعّه» وأن يخمكن طلابُ العلم من أن يردوا رده العذب» 
وينتفعوا من مَنْهلِه الغزير» لقد اقتَرَح سم الشريعة على مجلس كلية الحقوق بجامعة 
القاهرة: أن يُندَبَ الشيح الجليل للتدريس في دبلوم الشريعة» من أقسام الدراسات العليا 
بالكلية» ووافَقَ المجلس على الاقتراح بعد أن عَلِمّ الأعضاء الأجلاء مكانً الشيخ من علوم 
الإسلام» وأعمالةُ العلميةً الكبيرة. 

وذهبث إلى الشيخ مع الأستاذ رئيس قسم الشريعة إبّان ذاك» ولكننا فوجئنا باعتذار 


5 الإمام الكوثري بقلم الأستاذ الشيخ محمد أبو زهرة 


الشيخ عن القبول بمَرَضِه ومَرَضٍ زوجه» وضَعْفٍ بصره» ثم يُصرٌ على الاعتذار» وكلّما 
الححنا في الرجاء لَجّ في الاعتذارء حتى إذا لم نجد جَذوّى رجوناء في أن يعاود التفكير في 
هذه المُعاونة العلمية التي رها وتمئاهاء ثم عدت إليه منفرا مرةٌأخرى» أكر الرجاء 
وألجف فيه» ولكنه في هذه المرة كان معي صريًاء قال الشيخ الكريم. . . إل هذا مكان 
غلم حقا؛ ولا آریڈ آن س فيه إلا ونا ري ألتي دوسي على الوجه الذي أُبُ» وإ 
شيخوختي وضَعْف صحتي وصِځة زؤچي» وهي الوحيدةٌ في هذه الحياة» كل هذا لا 
يمني من أداء هذا الواجب على الوجه الذي أرضاء. 

٤‏ - خرجتٌ من مجلس الشيخ وأنا أقول أي تفس عُلوِيّة كانت ثُسجَنُ في ذلك 
الجسم الإنساني» إنها نفس الكوثري . 

وإدٌ ذلك الرجلّ الكريم الذي بلي بالشدائد» فانكصّر عليهاء ابي بفقد الأحبة» 
َد أولادة في حياته» وقد اخترمَهّم الموت واحدًا بعد الآخرء ومع كل فق لَوْعَة» ومع 
كل لوعة دوب في النفس وأحزانً في القلب . وقد استطاع بالعلم أن يَصبرَ وهو يقول 
مقالة يعقوب : «فصَبْرٌ جميلٌ والله المُستعَانٌ؛ ولكنّ شريكته في السرًاء والضراء أو شريكئةُ 
في بأساء هذه الحياة بعد توالي النكبات» كانت تُحاولٌ الصبرَ فتقَصبَرُء فكان لها مُواسياء 
ولكلومها مُداويًا) وهو هو نفسُه في حاجة إلى دَوَاءِ. 

ولقد مَضی إلى ره صابرًا شاكرًا حامدًّا» كما يَمضِي الصدّيقُون الأبرار» فرَضِيّ الله 
عنه وأرضاه. 


محمد أبو زهرة 


الإمام الڪوثري 


المولود سنة ١۲۹١ه‏ - والمتوفى سنة ٠۴۷١‏ ه 


للفقير إلى الله تعالى 
أحمد خيري 


المولود سنة ١۲٠٠ه ‏ والمتوفى سنة ۵٠۲۸۷‏ 


إلى الذين بُكَلَّمُونٌ في سبيل الله فلا يتكلّمون» ويتالمون 


فلا يتململون» ويذبّون عن شرع طله ولا یتذبذبون؛ أهدي 
هذه السّيرة لليِظّة والّكرى» إنصافًا للمروءة والدين وإرضاء 
للحق واليقين . 


کے 


ا ا اکر ے ال 


الحمد لله الحكيم العليم القائل: تا نى أله من عِبادو ملز [فاطر: الآية 
۸ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ملك الأرض والسماء» وأشهد أن 
سيدنا محمدًا عبده ورسوله» خاتم الرسل وسيّد الأنبياء. اللَهِمّ صل وسلّم وبارك عليه 
وعلى آله وصحبه أهل الصفاء والوفاء صلاة وسلامًا يكونان لنا في هول المحشر نِم 
الأمل والرجاء. 

وبعد: 

فهذه سيرة رجل له علي من الفضل ما لا يحصر إذ أفدت من علمه وتجاربه ونصحه 
المشمر» وكان في كل ذلك عزوفًا عن الدنيا أبيًا عن أن أعوّضه شيئًا من دنياي المادية مقابل 
ما نلته منه لصلاح دنياي الروحبّة من علمية ودينية» حريصًا على أن يكون كل ما يمنحه من 
علومه خالصًا لوجه الله تعالى لا يرجو فيه الجزاء إلا من ربه الأعلى ولسوف يرضى . 

ومما لا شك فيه أن الإسلام رزىء رزءا فادحًا وأن الأحناف نكبوا نكبة واضحة 
بوفاة إمام العصر» وشيخ علماء مصر التقيّ النقَيّ - اللوذعي الألمعي - الأديب الأريب - 
الشاعر الناثر - الموخد المؤرّخ - الفقيه الجدلي المحقّق - والمحدث المفصل المدفق - 
مولانا حجة الله الأستاذ محمد زاهد أفندي"" الكوثري المنتقل إلى رحمة الله تعالى بعد 
عصر يوم الأحد ٠۹‏ من ذي القعدة سنة ٠۳۷١‏ إحدى وسبعين عن خمس وسبعين سنة 
ودون الشهر. 

وقد قسّمت هذه السيرة إلى ثمانية فصول: 

الفصل الأول: في سرد تاريخ حياته من المولد إلى الوفاة. 

الفصل الثاني : ذكر أهم الأحداث في حياته على ترتيبها الزمني . 

الفصل الثالك: وصفه وصفًا دقيقًا. 

الفصل الرابع : قصيدتي فيه وهي ۷٩‏ بينًا مع شرحها. 


(1) أفندي كلمة تركية معناها السيدء وكانت تطلق على أفراد البيت المالك العثماني» وعلى كبار 
العلماء» ولا نزال في مصر نستعمل كلمة (أفندم) ومعناها (سيدي)ء في مجال الأدب والتكريم . 


۱۹ الإمام الكوثري لأحمد خيري 

القصل الخامس : في بيان مؤلفاته وتقدماته وتعاليقه ومقالاته . 

القضل السادي: قي أمور خاس يه وبي 

الفصل السابع : بيان بعض شيوخه وبعض مأثور كلامه من منظوم ومنثور. 

الفصل الثامن : تلامذته مرتبة أسماء من تعيه الذاكرة منهم على حروف المعجم. 

وليس من عادتي أن أكيل المدح جزافًا كما أني أطبع هذه الترجمة ولا يزال عارفو 
الرجل والناهلون من فضله أحياء يُرزقون - ولذلك أقرّر أن كل ما سيرد في هذه الترجمة 
هو دون حقيقة فضائل الرجل ومناقبه - ومهما يتوهم الجاهل أو الحاسد فيها من الغلو 
والمبالغة» فإن العارف المنصف سيرى فيها قصوراً وتقصيراً 


HH RF 


الل ابل 


في سرد تاريخ حياته من المولد إلى الوفاة 


هو محمد زاهد» ابن الحسن الحلمي المتوفى في دوزجه يوم الأربعاء ثاني عشر 
ربيع الآخر سنة ٠٤١‏ عن مائة سنة» وكان انتقل إليها من قريته سنة ۳٠۳٠ء‏ وهو ابن 
علي الرضا المتوفّى بموضع قرية الحاج حسن قبل بنائها وعقب وصولهم مهاجرين من 
القوقاس سنة ٠۱۲۸ء‏ وهو ابن نجم الدين حَضْوع المتوفى بالقوقاس في حدود سنة 
٥‏ وهو ابن باي المتوفًى بالقوقاس حوالي سنة ٠۲۲١‏ وهو ابن فنَيّْ المتوفى 
بالقوقاس في حدود سنة »۱۸١‏ وهو ابن قانص المتوفى بالقوقاس حوالي سنة ١٤٠٠ء‏ 
وينحدر من أصل جركسي من فخذ يعرف جدهم باسم كوثر» ومن هنا كانت النسبة» 
ویر جح أن یکون بین قانص وکوثر نحو سبعة آباء. 

ولد یوم الثلاثاء ۲۷ أو ۲۸ من شوال سنة ٠۲۹١‏ ست وتسعين مع أذان الفجر في 
قرية الحاج حسن أفندي”"» وتلقى مبادىء العلوم من شيوخ دُوزْجَّه وغادرها سنة ٠١١١‏ 
للآستانة» ونزل عند وصوله في مدرسة دار الحديث التي بناها قاضي العسكر حسن أفندي 
المعوفى ٠٠٠٤٤‏ حيث كان ينزل عمّه موسى الكاظم"» وطلب العلم في جامع الفاتح 
على الشيخ إبراهيم حقي الأييني إلى أن توفي سنة ۸١۱۳ء‏ فتمَّم على الشيخ زين العابدين 
الألصوني المتوفُى سنة ٠١۳١‏ إلى أن تخرج عليه سنة ١۲١٠ء‏ وكان الامتحان للعالمية في 
ذلك الوقت يجري مرة كل خمس سنوات» وتصدر به إرادة سلطانيّة» وكان امتحان 
المترجم سنة ٠١٠١‏ بلجنة رئيسها وكيل الدرس أحمد عاصم المتوفى سنة ٠١۲۹‏ 
وأعضاؤها محمد أسعد الأخنْخُوي الذي ولي مشيخة الإسلام فيما بعد» ومصطفى بن 
عظم الداغستاني المتوفى سنة ١۳۳٠ء‏ وإسماعيل زهدي الطوسيوي المتوفُى ۱۳۲۷ 


(1) هي قرية أنشأها والد المترجم فعرفت باسمه (حاج حسن قريسي) وتقع قبلي قضاء دوزجه بنحو 
ثلاثة أميال» وشرق الأستانة بنحو خمس مراحل. 

(۲) هو موسى الكاظم الكوثري السيروزي المتوفى سنة ٠١١۳‏ في أطه بازار بالأناضول بين الآستانة 
ودوزجه عن حوالي تسعين سنة. 

(۳) انظر ص ۳١‏ من ثبت المترجم (التحرير الوجيز)» وقد ولّى كل من الآخرين مصطفى وإسماعيل 
رتبة قضاء العسكرء وهي المعروفة بصدارة الرومللي التي هي أرقى الرتب العلمية ويعرف 
أصحابها بالصدور العظام ومنهم كان يختار شيخ الإسلام عادة فيما سلف من تلك الأيام . 


1۸ الإمام الكوثري لأحمد خيري 


وله مشايخ غير هلؤلاء ذكر أغلبهم وترجم لبعضهم في ثبته المسمّى (التحرير 
الوجيز). 

ولما نال إجازته العلمية سنة ٠١۲١‏ اشتغل بالتدريس في جامع الفاتح إلى أوائل 
الحرب العظمى الماضية التي بدأت في سنة ۳۲١٠ء‏ ولما كان ممن قاوموا التغيير الذي 
أراد أن قوم به الاتحادیون القائمون E‏ العثمانية وقتغزِ» ذلك التغيير الذي أرادوا به 
القضاء على العلوم الدينية تحت ستار الإصلاح» فقد أصبح عرضة لاضطهادهم . 

وتفصيل الأمر أن النظام القديم كان يقضي بأ الطلبة يختارون شيخًا يحضرون عليه 
العلوم جميعها من مبدئها إلى غايتها لمدة خمس عشرة سنة» فأراد أصحاب النظام الجديد 
إدخال العلوم الحديثة الغربية وتخصيص المدزسين بأن يدرس كل منهم ما يختار له من 
العلوم لعدَة فصول» وجعلوا مدَة الدراسة ثماني سنين» وعقدوا لذلك مجمعاًء وكان 
شيخنا من أعضائه» فرأى في ذلك قضاء على الدين لقصر مدة الدراسة وكثرة العلوم» 
خصوصا وأن الطابة أتراك» والعلوم الدينية تستلزم دراسة اللغة العربية» فما زال يحتال 
ويمكر حتى جعل مدة الدراسة اثنتي عشرة سنة غير البدء بسنتين تحضيريّتين» وبعد ذلك 
ثلاث سنوات للتخضص» فأصبحت المدة سبع عشرة ستة» وذلك بمعاونة بعض الصلحاء 
من أعضاء اللجنة مما أثار حفيظة صنائع الاتحاديين من أعضاء اللجنة» فسعوا في عزل 
شيخ الإسلام في ذلك العهد محمد أسعد بن النعمان الأجْسْخُوي» وتعيين خيري أفندي' 
الأزكوبي الذي كان على بغضه للقديم وصرامته ذا ورع ودين إلى حدٌ ماء فلم ينل 
الاتحاديون مشتهاهم وصدر قانون الإصلاح محمَّقًا لرغبات المجمع وهادمًا لشهرات 
المتطرفين» فلما شمرت الحرب عن ساقهاء وكان شيخنا اختير له علوم البلاغة والوضع 
والعروض والتدريس في معاهد نظامية يوميًا ما عدا يوم الجمعة» أشار عليه بعض أصدقائه 
من الاتحاديين بأنٌ وجوده في الأستانة أثناء الحرب قد يجعله عرضة لبعض الاضطهادء 
فقال: إنه يود القيام بافتتاح المعهد الفرعي الذي أنشأته الحكومة في قسطموني بوسط 
الأناضول»ء فصدر الأمر بنقله حيث بقي هناك ثلاث سنوات استقال عقبها وعاد إلى 
الآستانة . 

ومما حدث له قبل ذهابه إلى قسطموني أن الجامنعة أرادت تعيين أحد أساتذتها 
لتدريس الفقه وتاريخه» فتنافس في ذلك الأساتذة الاتحاديون» فرأت الإدارة عقد امتحان 
وأخبره بالنبأً أحد زملائه» فقدَّم طلب الدخول في الامتحان آخر يوم وأصبح فأذى 
الامتحان» وكان الأول في النجاح» ولكنَ الاتحاديون غاظهم هذا الأمر» فقام أحد كبار 


() والإصلاح دائمّا هو الدعوى التي لجأ إليها الملاحدة إذا أرادوا محاربة الدين الذي يرونه مانعًا 
لهم من بلوغ مآربهم الفاسدة. 


الإمام الكوثري لاحمد خيري 1۹ 


نوابهم وكان زميلا للشيخ في التدريس بالفاتح واسمه فاضل عارف المتوفى سنة ١١١٠ء‏ 
وطلب من وكيل" المعارف المدعو محمد شكري بك أن يوقف تبليغ موافقته للجامعة 
ففعل ‏ فلما علم الشيخ بذلك زاره» وقال له - والآخر يعجب من زيارة خصمه -: علمت 
من الصحف نبأ تعييني» ولما كنت زميلي في التدريس ومن ذوي الجاه الآن فلا بد أن 
ذلك كان بمساعدتك ‏ واضطر عارف إلى مجاراة الشيخ وقبول شكره وتناسي معاكسته 
السالفة. 

ولما رأى الاتحاديون أنه لا مناص من تعيين خصمهم اكتفوا بانتداب أحد الأساتذة 
لهذه الوظيفة» ولم يعينوا فيها أحدًا حتى لا يتعرّضوا للنقد بتعيين أحد أعوانهم وتخطي 
الناجح الأول - وحتى يتفادوا تعيين عدوهم في وظيفة جديدة ذات مرب حسن. 

وعاد الشيخ من قسطموني إلى الآستانة» وفي طريقه غرق في أقتشه شهر» وتفصيل 
ذلك في الفصل الثاني» وكان وصوله إلى الآستانة عقب الهدنة مباشرة» فعيّن في دار 
الشفقة الإسلامية وهي مدرسة ليلة كبيرة تحت إشراف جمعية خاصة . : 

وساعده نجاحه في الامتحان السابق الذكر على أن يلي تدريس التخصص مع صغر 
سه بالنسبة إلى زملائه في تدريس التخصضص» وذلك بعد نحو شهر من اشتغاله بدار 
الشفقة الإسلامية - واستمرّ في ذلك حتى انتخب عضرا في مجلس وكالة الدرس نائبًا عن 
معهد التخصّص» وبعد ذلك عُيّن وكيا للدرس ورایتا الجا المذكور"» إلى أن 
عُزل واستمر بعد عزله عضرا بمجلس وكالة الدرس لأنه لما عَيّن ريسا لم يعيّن بدله في 
العضوية» فلما عُزل عن الرئاسة بقي في العضوية والتدريس إلى أن غادر الآستانة”" قاصدًا 
مصر على الباخرة العباسيّة من بواخر شركة البوستة الخديوية» فوصل الإسكندرية يوم 
الأحد ٠۳‏ من ربيع الآخر سنة ۱۳٤١‏ الموافق ۳ ديسمبر سنة ۱۹۳۳ م» ونزل بالقباري 
أيامًا ثم سافر إلى القاهرة ونزل بفندق دار السلام بالحي الحسيني أيامًاء ثم انتقل إلى شبرا 
وسكن منزلًا بجوار قسم شبرا أشهرًا» ثم سكن بمصر الجديدة لمدة أشهر أيضًاء ثم عاد 
إلى الإسكندرية ومنها رحل رحلته الأولى إلى الشام قبل انقضاء عام على يوم وصوله من 
الأستانة» فسافر بالبحر من إسكندرية إلى بيروت» ومنها بسكة الحديد إلى دمشق حيث 
مكث بها ما يزيد على سنة» ثم عاد بالسكة الحديديّة إلى مصر عن طريق فلسطين 
والقنطرة» فنزل بحلوان ثم تحوّل إلى مدرسة محمد بك أبي الذهب المتوفى سنة »۱١۸۹‏ 


(۱) أي الوزير وكانت تطلق عليه كلمة الوكيل وقتئذ باعتبار أن كل وزير ناثب عن السلطان في 
وزارته» فهو في حکم وکیله. 

() انظر معنى وكيل الدرس وسبب عزل الأستاذ في الفصل الثاني . 

(۳) انظر سبب مغادرته الآستانة في الفصل الثاني 


شا ارمام الكومري #احمد خيرې 


وهي المعروفة بين العامة باسم تكية الأتراك» وتقع شمال جامع أبي الذهب الكائن في 
شمال الجامع الأزهر والمطل على ميدان الأزهر. ثم رحل الرحلة الثانية إلى الشام سنة 
٠‏ عن طريق فلسطين بسكة الحديد» وأقام بدمشق حوالي سنة وعاد بنفس الطريق إلى 
ضر اة ۱۴٤۸‏ رل بغندق آلكلرب الممبرى بالحن الحسيتي» افلما التحي بدار 
المحفوظات المصرية لتعريب الوثائق التركية بعد اختباره نقل سكنه إلى القلعة ليكون قريباً 
من عمله» وهناك حضرت عائلته حيث رآها لأول مرة منذ مغادرته الآستانة» ثم انتقل 
بعائلته إلى شبراء فحلوان» فشارع حسن الأكبر» فشارع النزهة بالسكاكيني» فشارع سوق 
العباسية بالمنزل رقم ٠۷‏ فآخر شارع العباسية بالمنزل رقم ٠١١‏ حيث زرته لأول مرة 
سنة ١١١٠ء‏ ثم انتقل إلى رقم ٠١‏ من شارع العباسيّة في سنة ١١۳٠ء‏ وفي أوائل سنة 
۸ انتقل إلى المنزل رقم ٠۳‏ من شارع العباسية حيث بقي به عشر سنوات» وفي 
أواسط سنة ۱۳١۸‏ انتقل إلى المنزل رقم ۳ حارة الروم المتفرّعة من شارع الملك» وانتقل 
منه بعد أشهر يوم الاثنين ۲١‏ من شرال سنة ٠۳١۸‏ إلى المنزل رقم ٠٠١‏ بشارع العباسية 
على يسار السالك من مصر إلى مصر الجديدة بجوار قسم الواسلي» وبه توفي . 

وکان قد تزوج بعد اشتغاله بالتدریس» وذلك قبيل الحرب العالمية الأولى بالسيّدة 
الفاضلة التقَيّة التي شاركته أفراحه وأتراحه وساكنته في هجرته وغربته وهي لا تشكو ولا 
تتذمّر» بل كانت مثال المؤمنة الصالحة التقية على الرغم مما نالها من بلاء يؤود الجبال وما 
نزل بها من أحزام تعط منها الجمال ولم يبن على غيرها طول حياته» ورزق منها ولداً 
وثلاث بنات» مات الولد وإحدى البنات بالأستانة قبل هجرته» وماتت البنتان بمصر. 

فأما الآنسة سنيحة» فماتت أثناء إقامته الثانية بحلوان في ۲١‏ من شوال سنة ٠٠١١۳‏ 
بحمَّى التيفوئيد. وأما السيدة مليحة» فقد تزوجت ثم طلقت لسبب صحي» وتوفيت ليلة 
الأحد من رجب سنة ٠١١۷‏ وصلى عليها بالحرم الحسيني يوم الأحد» ودفنت مع شقيقتها 
وكانت وفاتها نتيجة ضعف عام من تسلّط مرض السكر على الرغم من صغر ستهاء وظلّت 
تصلّي إلى ظهر الجمعة ثم أحسّت بانهيار فأشهدت والدها أن عليها أداء الصلاة من عصر 


(1) من أهم من لقيهم في الرحلة الأولى السيد أبو الخير الحنفي المتوفى سنة ٠١١١‏ والمترجم 
بدمشق قبل عودته وهو السيد محمد أبو الخير بن أحمد المتوفى سنة ٠١١١‏ ابن عبد الغني 
شقيق العلامة ابن عابدين سنة ١١٠٠ء‏ ولقي أيضًا السيد محمد بن جعفر الكتاني المالكي 
المتوفى سنة ١٤۳٠ء‏ والشيخ محمد بن سعيد بن أحمد الفراء الحنفي المتوفى سنة ١٤٠٠ء‏ وهو 
اين بنت محمد علاء الدين بن عابدين المتوفى سنة ١١۳٠ء‏ وعلاء الدين هذا هو الذي أكمل 
حاشية والده على الدرّء ولقي في رحلته الثانية محمد صالح الآمدي الحنفي المذكور في ص١٠‏ 
من التحرير الوجيز؛ كما لقي في رحلته الأولى والثانية كلا من محمد توفيق الأيوبي الحنفي» 
وكذا محذث الشام السيد بدر الدين الحسني سمع منه ولم يستجزه. 


ارمام اوري ,خمد يري 1 


الجمعة» فانظر إلى هذه المؤمنة التي تخرج من الدنيا وعليها صلاة يوم واحد بسبب وطأة 
المرض وشدة الاحتضار» وس هذه الحالة على كثير ممن يدّعون الإسلام ويزعمون 
الانتساب إليه ثم لا يعرفون ما هي الصلاة. 

وانظر قبل ذلك كله إلى ذلك الرجل الصالح الذي ربى أولاده تربية إسلامية 
صحيحة» ثم احتسبهم عند الله صابرًا راضِيًا» واذكر قول رسول الله يا : «ما من مسلم 
تدرك له ابنتان فيحسن إليهما ما صحبتاه إلا أدخاتاه الجتة» (الجامع الصغير للسيوطي 
وح 

وكان المترجم رضي الله عنه يشكو في سنواته الأخيرة تارة من السكر» وتارة من 
الضغط» وآونة من الأملاح وغيرها من أمراض الشيخوخة» على أن ذلك لم يكن ليقعده 
عن التأليف ولقاء تلامذته وتعليمهم والرة على الأسئلة التي كانت تأتيه من المسلمين من 
مختلف البقاع» وفي السنة الأخيرة من عمره شعر بضعف في بصره» فأجريت له جراحة 
في إحدى عينيه ثم أصيب باحتباس البول ودخل مستشفى الجمعية الخيرية الإسلامية 
- بالأجر - وغادره في آخر ربيع الآخر» ولما زرته لآخر مرة وأفطرت عنده يوم الجمعة ۲۷ 
من رمضان كانت تبدو عليه آثار الضعف»› ولكنه كان سليم الحواس حديد الذاكرة» وأملى 
علي بعض فوائد عن مكتبة طوبقبو بالآستانة التي غادرها منذ أكثر من ثلاثين سنة» وفي 
شوًال عاوده احتباس البول» فدخل المستشفى الإيطالي وغادره بعد شفائه» وقد أكد لي 
الأخ الشيخ عبد اله عشمان أن المترجم ظلَ متمتعًا بحواسه إلى آخر لحظات حياته . ولذا 
فإن من يزعم أنه كف قبيل موته يكذب على الله ويكذب على الأحياء من عباد اله» وفي 
يوم السبت السابق على وفاته شعر بأعراض الحمّى» فأحضر له الشيخ عبد الله عثمان 
وكان يلازمه في المدَّة الأخيرة - طبيبًا قزر بعد فحصه أنه مصاب (بالأنفلونزا) وأمر له 
بدواء» وفي ليلة الأحد اشتدّت الحرارة وزاد الضعف» وبعد ظهر يوم الأحد المذكور رأى 
الشيخ عبد الله أن الحالة تستدعي حضور بعض الإخوان لمعاونته على ما قد يحدث» فنزل 
قبيل العصر ولما عاد في الساعة الخامسة إلا ثلا وجده انتقل إلى رحمة الله تعالى منذ 
خمس دقائق» أي في الساعة الرابعة والدقيقة الخامسة والثلاثين من بعد ظهر يوم الأحد 
تاسع عشر ذي القعدة سنة ٠۳۷١‏ إحدى وسبعين» ولم يحضره إلا زوجته التي أوصاها 
المترجم أن تقرأً الفاتحة عند خروج روحه» وقد نقذت وصيَّته وصْلّي عليه قبل ظهر 
الاثنين ٠١‏ منه في الجامع الأزهر» وأمٌ الناس الشيخ عبد الجليل عيسى شيخ كلية اللغة 
العربية - كان ودن في قرافة الإمام الشافعي في حوش صديقه الشيخ إبراهيم سليم شارع 
الرضوان» وهو شارع يتفرع من الشارع الرئيسي الموصل إلى البساتين» ويتجه شرقًا إلى 
الجبلء فإذا دخل فيه السائر مستدبرًا شارع البساتين مستقبلا جبل المقطم وجد الحوش 


۲۳ الإمام الكوثري لأحمد خيري 
عن یمینه» فإذا دخله وجد حوشًا صغيرًا غير مسقوف ویواجه الداخل قبر مکتوب عليه : 
الفاتحة لروحَيٰ سنيحة ومليحة ابنتي الكوثري في ۲١‏ شوال سنة ٠۳١۳‏ ه-۷ رجب 
۷ هه وإلی یمین الداخل دفن المترجم في قبر خاص لم تكن عليه كتابة يوم زرته بعد 
عصر الأربعاء ٠١‏ من ذي الحجة سنة ٠١١١‏ - وقد رأيت عند السيد حسام الدين القدسي 
لوحة من الرخام عت لتوضع على القبر مكتوب عليها ما يأتي : 
الفاتحة لروح محمد الزاهد الكوثري» وهو القائل : 
يا اواققًا غين اللحة معقجة قد صار زائر أمس اليوم قد فُبرا 
فالموت حتم فلا تغفل وکن حذرّا من الفجاءة وادع للذي عبرا 
فالزاهد الكوثري ثاو بمرقده مسترحمًا ضارعا للعفو" منقظرا 
توفي في ۱۹ (ذا) من سنة ۱۳۷۱ عن ۷١‏ سنة. 
وکان رضي الله عنه أملى علي هذا الشعر في ۲۷ من رمضان سنة ١۳۷٠ء‏ وقال إنه 
یود أن بُكتب على قبره» فكأنه كان يؤذنني بأ هذا هو آخر لقاء بينا في هذه الدنيا الفائية . 
وقبره قريب من قبر أبي العباس الطوسي المتكآم المشهور رضوان الله عليهما. 
هذا هو الرجل الذي فقده الإسلام وخسره الأحناف ورزىء فيه العلم وثكلته 
المروءة واستؤحش لغيابه الزهد وشغر مكانه بمصر رضي الله عنه وأرضاه وأعلى في جنان 
الخلد منازله ومثواه. 
HR‏ 


() يلاحظ أنه أملى علي (للصفح) بدلاً من (للعفو). 
ي (للصنح 


الفصل الثاني 


ذكر أهم الأحداث في حياته على ترتيبها الزمني 


فأؤّلها: حادث الغرق بأقششهر وتفصيل ذلك أنه عقب الهدنة استقال من عماله 
في قسطموني وأراد العودة إلى الآستانة» وكان الوقت شتاء ويستحيل السفر بالبر لكثرة 
الثلوج وصعوبة السير - وليس إلا طريق البحر الأسود - فسار من قسطموني إلى 
إينابولي» وهي ميناؤها على البحر وتبعد عن قسطموني نحو مرحلة إلى الشمال» وهناك 
بعد أن طال انتظاره اضطر إلى ركوب باخرة صغيرة قديمة كانت تسير حينًا وتلتف آخر 
حتى وصل إلى ميناء أرَبلي» وهناك فضل تركها واستقلَ قاربًا يقصد أقششهر وهي ميناء 
بلدته دوزجه وتبعد عنها خمس ساعات بالعربة التي تجرَها الخيل على نة أن يبقى ببلدته 
حتى يتير له سبيل العودة إلى الآستانة» وكانت مغادرة أريلي مع الفجرء وقبيل العصر 
بدت له ولمن معه من الركاب مدينة أقششهر وبدأً اضطراب البحر واشتداد هياجه» وما 
إن أشرفوا على الساحل عن بعد حتى انقلب بهم الزورق ولكنهم ظلَّوا متمسشكين به 
ورآهم من كان على الشاطىء فهمّوا بإنزال زورق آخر»ء ولكنهم اضطروا إلى العدول 
لشدَّة هياج البحر واضطراب أمواجه» فما كان من اثنين منهم إلا أن نزلا إلى الماء 
وسبحا ومعهما حبال طويلة ربطا بها الزورق وعادا لمن في الب لجذبه» وأثناء الجذب 
اشتدت الأمواج المثلثة» وهي: بأن تأتي الموجة تعقبها ثانية ثم ثالثة متتاليات . وأذى 
ذلك إلى أن أفلت من في البرّ الحبال وعاد الزورق إلى وسط البحر كما كان» كل هذا 
والغرقى مستمسكون بالزورق غير شاعرين بما بُبذل لإنقاذهم» فلما اشعدّت الأمواج 
المثلثة أرغمتهم على إفلات الزورق وهنا بدأ الشيخ يغرق» وکان مما دار بخلده عند 
انقلاب الزورق أن لو کان غرق بعيداً لکان أجدى من غرقة هنا حیث يعثرون على 
جثته» فيترّب على ذلك إزعاج والده وأهله» فلما بدأ يغرق قال لنفسه: أهكذا الموت 
غرقًا بهذه السهولة كنت أظنه أشدَ من ذلك» ثم غاب عن وعيه - ولم يقف إلا على 
طنين في أذنيه ثم بدأت حواسه تعود إليه حتى أفاق» ثم ألزمه منقذوه أن يجري حتى لا 
يهلك مما تحمّله من شدَة البرد ومقاومة الأمواج» ومع وجود كثير يعرفونه لم يعرفه أحد 
إلا بعد مدة حين تمت إفاقته وعاد الدم إلى وجهه - وعلم بعد ذلك أن الرجلين اللذين 
ربطا الزورق بالحبال كانا في شبابهما ممن يعمل في البحرء ثم أثريا وتركا تلك الصناعة 
لعمّال تحت أيديهماء فلمّا شاهدا الحادث - واتّفق عدم وجود أحد غيرهما يحسن 


¥ الإمام الكوثري لأحمد خيري 
الإنقاذ - نزلا وربطا الزورق» ولما اضطرَت الأمواج المنقذين إلى إفلات الزورق عادا 
إلى النزول وأنقذا جميع الغرقى الذين خرجوا أحياء ولم يمت أحد منهم» وله الحمد. 
ولما أراد شيخنا مكافأة الأخوين ماديًا - وذلك لأن الرجلين المنقذين كانا أخوين - قيل 
له: مهما تكافئهما لن تؤثر مكافأتك عليهما لأنهما من الثراء بمكان عظيم» ولكن لو 
توسطت لدى الحكومة فشكرت لهما هذا الصنيع لكان أجدى» فلما عاد إلى الآستانة 
وسط بعض أصدقائه لدى الصدر الأعظم» فأنعم عليهما بنوط وأشير إلى ذلك 
لشهامتهما. وعلم الشيخ أنهم عند إخراجه ظتّوه قد مات» ولكن أحد الشيوخ قال: 
اعملوا الواجب بأن تضربوه على رجليه وتستفرغوا الماء منه» إلى آخر ما يعمل لإنقاذ 
الغرقى» وما هي إلا هنيهة حتى أفاق وعاد إليه شعوره» وكان معه عند الغرق مجموعة 
من أنفس المخطوطات - بلغ الحرص به عليها ‏ أن نقلها معه من الآستانة إلى 
قسطموني» ولم یرد تركها هناك» فحملها معه حیث غرقت فیما غرق من متاعه ‏ وکان 
بینها مخطوط ۔ کان من ضمن ما فيه أن كاتبه ذكر أنه رأى (الأمالي) لأبي يوسف 
القاضي الصاحب المتوفى سنة ٠1۸۲‏ في قمطر (دولاب) خاص» وأن الكتاب المذكور 
في ثلاثمائة مجلّد» وكان هذا الحادث في سنة .٠۳۳۷‏ وكانت المخطوطات سالفة 
الذكرء منها ما هو من مخطوطات القرن السادس» ومنها ما هو من القرن السابع» أي 
أنها كانت من عيون الذخائر. أمّا المخطوط الذي ذكر الأمالي» فقد كان مخطوطا بعد 
الألف» وليس له تاريخ ولا اسم مؤلف» ولكن الشيخ يرجح أن مله هو العامة (نوح 
القونوي) مُحشّي درر الحكام شرح غرر الأحكام» المتوفى سنة ٠٠١١‏ - والمدفون 
بمصر قرب عقبة بن عامر - وكانت الكتابة مبتدئة في كل صفحة من الزاوية» ثم تسير في 
أسطر مائلة حتى تنتهي في الزاوية المقابلة» وكان هذا المخطوط يحتوي على مجموعة 
رسائل نادرة من ضمنها رسالة لابن حجر الهيثمي الشافعي» المتوفى سنة ٩۷٤‏ في 
مناقب أبي حئيفة (الخيرات الحسان)ء بوكان فيه أيضًا رسالة جاء بها أن مؤلفها رأى في 
مخطوط قديم رواية عن أبي عاصم العامري القاضي أن الأمالي بالوصف السابق ذكره 
ولأبي عاصم هذا (المبسوط) في الفقه الحنفي في ثلاثين مجلدًاء وذكر عبد القادر 
القرشي المتوفى سنة ۷۷١‏ أنه موجود بمكتبة نور الدين الشهيد بالشام - وكان هذا 
الحط ر ها اشع را خان ت ركة شيخه محمد القن الشرواتية المتر كى نة 
۳١‏ ارق ايشا يوعد كاب عقي لازي المعرفى تة ١‏ خط اين 
العديم صاحب تاريخ حلب المتوفى سنة ٠٠٦٠‏ وعليه سماعات وغير ذلك من الذخائر 
والنفائس. ولما أنقذ الشيخ لجأ إلى دوزجه ليستجم بها بضعة أيام» وفي أثناء ذلك 
وردت له برقية من الآستانة بتعيينه في دار الشفقة الإسلامية» فتوجًه إلى الأستانة كما مر 
ذكره في القصل الأول. 


اوم وري جه رې 


وثانيها: عزله المشرف من منصب وكالة الدرس» ويحسن أن نذكر معنى الكلمة» 
وسببها وذلك أن السلطان بايزيد"“ الثاني بنى مدرسة وأمر بأن يدرس فيها شيخ الإسلام» 
رمع تطؤرات الرين عبن مشايخ لاإشلام يجيدود الحياة أكثر من العلم» فكانوا ينيبون 
عنهم وکیلا لأداء هذا الدرس عرف باسم وكيل الدرس» أو (درس وكيلي)» كما يقول 
الترك؛ ثم انتهى الأمر بأن أصبح لشيخ الإسلام ثلاثة وكلاء أحدهم للفتوى ويسمونه 
(فتوى أميني)ء أي أمين الفتوى. والثاني: له الإشراف على العلم والعلماء والمدارس» 
وهر رل البو رر هال معب شيخ الأزسر جم والثالث : رئيس التحقيقات 
الشرعية» ووظيفته ضبط أعلام القضاة والإشراف على الشؤون القضائية . ما تعبين القضاة 
وعزلهم» فكان بأمر السلطان بناء على اقتراح شيخ الإسلام وتقرير مجلس القضاء» وكان 
سبب عزل الأستاذ عن منصب وكيل الدرس أن لجنة مساعدة منكوبي الحرائق بالآستانة 
أرادت هدم مدرسة أنشأها السلطان مصطفى الثالث المتوكى سنة ۸۷١۱ء‏ والمشهور 
باسم لاله لي - لتبنى عليها دارا لإسعاف المنكوبين تكون بمثابة مأوى لهم» وكانت 
اللجنة برئاسة شرف السلطان محمد وحيد الدين" السادس» ورئاسة توفيق باشا فعارض 
e‏ وطلب من شيخ الإسلام" أن يعارض» فلم يعمل شيا فما کان من 
الأستاذ إلا أن يرفع دعوى لدى المحكمة لمنع هدم المدرسة؛ لأنها مستكملة شرائطها 
ولا يجوز هدمها إلا بحکم ووکل عنه محاميیْن ورفعها أمام أحد القضاة المطربشين (أي 
لابسي الطربوش) لعدم ثقته بالمعمّمين» وأثناء سير الدعوى ولي توفيق باشا منصب 
الصدر الأعظم» وحاولوا ثني الأستاذ عن عزمه فلم يفلحواء فاحتجُوا بأل صاحب الحق 
في رفع الدعوى هو شيخ الإسلام فأخرج لهم الأستاذ نصًا بأل المدارس تابعة لوكيل 
الدرس» فلم يروا بدا من عزله وتعيبن سواه على أنه بقي عضرا في مجلس وكالة الدرس 
الذي کان رئیسه کما مر ذکره» فلم یسکت» بل ذهب لمن خلفه وقال له: إن سکت 
فبها ونعمت» وإن لم تسكت وتنازلت عن الدعوى بعزل المحاميين فثق بأني مهاجمك» 
فقال له: أنا أسكت والدعوى تأخذ سيرهاء ثم انقلبت الأمور ودخل الكماليون 
الآستانة» وقبيل دخولهم غادرها الأستاذ وهدمت المدرسة بعد ذلك فعلا» وبنى مكانها 


(1) المتوفّى سنة ٩1۸‏ وهو ابن السلطان محمد الثاني فاتح مدينة قيصر المتوفى سنة ۸۸١‏ ووالد 
السلطان سليم الأول فاتح مر نة 5۹۲ الغ رى 19 

(۲) وهو آخر سلطان عثماني وخلفه ابن عمّه عبد المجيد الثاني خليفة فقط بينما تولّى السلطة الفعلية 
عدو الله كمال رئيسًا للجمهورية» ثم عزل الخليفة وزالت تلك الدولة وسبحان من يرث الأرض 
ومن عليها. 

(۳) واسمه نوري أفندي وهو آخر قاض أرسلته الدولة العشمانية إلى مصر ويعده انفصلت مصر عن 
تركيا» كما أنه آخر شيوخ الإسلام بالآستانة وبعده ألغي المنصب. 


ا فة ال ا 
بناء سلم لإدارة الهلال الأحمرء وهذه الدار الآن""“ هي مركز الكفر والإلحاد والعياذ 
بالل بينما كانت المدرسة المهدومة مسكتًا للطلبة الذين حصلوا على إجازات علمية 
وأصبحوا علماء» ولکن لم يتزوجواء» فکان یسکنها کل صالح»› وکان لشیخنا صدیق من 
حاشية السلطان وحيد الدين» وكان ذلك الصديق صالخا ومتألَمًا لهدم المدرسة» فقال له 
الشيخ: أخبر السلطان أن السلطان مصطفى لاله لي وإن عرف عنه أنه كان مجنونًا إلا 
أنه بنی هذه المدرسة المباركة» وفي زمنه احترق جامع الفاتح فجدد بناءء ووقف عليه 
خيرات جمّة وله عدَّة أوقاف وصدقات جارية بالآستانة» فهدم هذه المدرسة المباركة 
يكون مشؤومًا خصوصًا وقد بلغني أن السلطان قال: هذا عمل جدي» ولا بد قبل هدمه 
ماو 

والآن أقف برهة أسائل فيها نفسي كم من علماء الإسلام يستطيع دفي سبیل ما 
یعتقده حمًا - أن يقف في وجه مَّن بيده أدنى سلطان فضلا عن الوقوف في وجه (جلالة) 
السلطان - اظن أن العدد يكون قليلا جدًا - والكوثري كان من هذا القليل النادر. 

وكان مرتب منصب وكيل الدرس خمسة وسبعين جنيها عشمانيًا ذهبًا في كل شهر» 
وهو مبلغ طائل في تلك الأيام . 

وثالشها: اضطراره إلى مغادرة بلاده فارًا بدينه» وسبب ذلك أن الأستاذ كان من 
المستمسكين بدينهم» واستلزم ذلك كراهته الاتحاديين لنزعتهم الإلحادية» فلما ولي الأمر 
الكماليون وكانوا أشدّ إلحادًا ولا دينية وبغضصًا للإسلام وعلمائه وكل ما يتّصل به كما ظهر 
منهم فیما بعد فقد رأى أن الخير في مغادرة البلاد مؤتًا حتى تهداأ الفتنة خصوصًاء وقد 
أخبره بعض المخلصين أن هناك مؤامرة لاعتقاله» فخرج من السوق إلى الميناء دون 
الرجوع إلى منزله حيث استقل الباخرة من الأستانة إلى الإسكندرية» كما مر في الفصل 
الأول. 

ويجمل بي أن أعرض في هذا المقام للإصلاح الفاسد الذي زعمه الكماليون» 
وفساده أتى من فصلهم الدين عن الدولةء فالدين الإسلامي كما يعلم كل من له أقلّ إلمام 
به ليس بقاصر على صلاة وصوم» ولكنه دين سياسة وتنظيم للمجتمع» فكتب الفقه تبدأً 
بالعبادات» ولكنها تشمل المعاملات العامة والخاصة والعقوبات والحظر والإباحة» وكتب 
السير تبحث في الحرب وأحكامها وما يترثب عليها والغنائم ومعاملة غير المسلمين مع 
مراعاة حقوقهم وحفظ ذمَتهم» وإجمالًا أقول: إن الدين الإسلامي فيه كل ما يراد من 


(۱) المراد من (الآن) وقت التدوين في المحرم سنة .٠۳١١‏ أما الآن أي في المحرم سنة ۱۳۷۲» 
فربما يكون الوضع تغير خصوصًا وقد ألغت الحكومة التركية كثيرًا من القيود التي كانت 
موضوعة لمحاربة الدين الإسلامي. 


الإمام الكوثري لأحمد خيري ¥ 


تحقيق مجتمع إنساني مثالي سعيد ولا يطلب فصل الدين عن الدولة إلا الذي لا يعرف ما 
هو الدين الإسلامي. 

ومما لا شك فيه أن هذا الحدث أهم أحداث حياته» فقد انتقل فيه من سِحَّة دنيوية 
فانية إلى ضيق» ولكن العكس حدث فيما يتعلق بالآخرة وهي خير وأبقى» ففضلا عن أجر 
مهاجرته إلى الله ورسوله» فقد انتقل من أفق تركي قاصر على دولة واحدة إلى أفق عالمي 
يشمل كل المسلمين - وذلك أن وجوده في مصر هيا له الاتصال بعلماء الإسلام في كثير 
من البلادء وهيَاً له حرية القول والتأليف» وهيَاً له أن يكون له تلامذة من مختلف الأجناس 
والبلدان. 

فما الدنيا فقد غادرها» وقد مضى ضيقها الزائل وعسرها الفاني. وأمّا الآخرة» فقد 
قام علیها حیث يلقی جزاء ما أفاد عباد الله وما علمهم وما نصح لهم به . 

وهكذا ترك هذا العالم الجليل وطنه غضبًا لدين الله ولو نافق الكماليين لعاش معهم 
كما عاش سواه» ولكنه فر بدينه إلى مستقبل غامض وتلقفته الأحداث بمصر» فهو حينًا 
يعيش من ترجمة الوثائق التركية بدار المحفوظات» وآرنة يعيش مما تجريه عليه وزارة 
الأوقاف من الخيرات» وفي كل ذلك تراه صابرًا راضيًا يشكر الله تعالى الذي حفظ عليه 
دینه» ولا یشکو مما کان يتعرَض له أحيانًا من نفر لا خلاق لهم من الأخلاق يحاربونه في 
مرب ضئيل ويشٽَون عليه غارات شعواء انتهت كلها إلى أن أصبحت هباء وبقي الشيخ 
راسخًا رسوخ الطود ماضيًا فيما عاهد الله تعالى عليه من ذب عن دينه وحفظ لدعائم 
تنزيهه» فلا يخرج من الدنيا حتى يكون سجل تعاليمه الخالدة النافعة الرائعة الناصعة في 
سطور تالیفه وصدور تلامیذه. 


HE e 


الفصل الثالث 


وصفه وصفًا دقيقًا 


كان رحمه الله طويل القامة ضخم الهامة ممتلىء الجسم في غير بدانة خفيف 
العارضين قصير الأحية أشيب الشعر جميل الصورة حديد السمع والبصر بديع الذاكرة 
جميل الخط» فقد كان خطه يقرأ بسهولة لضبط قواعده وحرصه على مواضع النقط من 
الحروف» فكأن دقته في تحقيقاته وعلمه كانت تنعكس على الأوراق حين يرسم عليها 
حروفًا ظاهرة جلبّة . وكان يجيد اللّغات العربية والتركية والفارسية والجركسية» وكان إذا 
تكلم بالعربية تبدو عليه مسحة طفيفة من اللكنة الأعجمية» ولکن کلامه کان واضځًا في 
عامية العربية وفصيحهاء وإذا تكلم بالفصحى أقام الإعراب» وفي بعض الأحيان كنت 
آخذًا عليه تعبيرًا أو جملة» فيقول: (أعجمي يا شيخ سيبك من نقده)» حتى إذا ظنئت أني 
ظفرت به أتى بشاهد عربي يؤيد وجهة نظره» ومن ثم أصبحت أنا وکثیر من تلامذته لا 
نعارضه في تعبير لشقتنا بأنه مستند فيه إلى شاهد لغوي متين. وبالجملة» فقد كان عالي 
الأللرت ديق الان مين الريب يضار من الألاط جا بحسو وآ المعني» كنا 
کان یقول الشعر ولکنه لم.یکن مبررًا فيه تبریزه في النثر» وذلك لأنه لم يشخل نفسه به» 
ولعلّه على حنفيته اقتدى في هذا المقام بالإمام الشافعي"“ رضي الله عنه في قوله : 

ولولا الشعر بالعلماء يزري لكنت اليوم أشعر من لبيد“ 

وكان ذا ذاكرة فة ولا سيما في حفظ الأسماء» فكان إذا سمع شيئًا أو رأى أحدًا 
مرّة واحدة ذكره ولو بعد سنوات وهيَاً له ذلك مع كثرة اطلاعه على المخطوطات النادرة 
في الآستانة ومصر والشام أن يصبح حجّة لا يبارى في علم الرجال» وجمع إلى براعته في 
الحديث ورجاله مهارة فائقة في علم الكلام وتنزيه الله سبحانه وتعالی»› کما کان أستاذ 
العصر في علمَيٰ الأصول والفقه» وكان على عبقريته المدهشة يسره أن يتعقبه العلماء 
والمراد بالعلماء المدلول الصحيح لهذه الكلمة - وقد ظل يذكر السيد أحمد رافع 
الطهطاوي المتوفًى سنة ٠١٠١‏ بخير دائمًّا مع أنه تعقب بعض تعاليقه في ذيول تذكرة 


(1) هو الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس المتوفّى بمصر في سلخ رجب سنة »٠٠١‏ وعلى قبره 
قبة يستجاب فيها الدعاء . 


(۲) لبيد شاعر جاهلي مشهور أسلم وترك الشعر» وهو من أصحاب المعلقات» توفي سنة ٤١‏ 


الإمام الكوثري لأحمد خيري ۴۹ 
الحفاظ بمؤلفه (التنبيه والإيقاظ)» ولم يغضبه أبدًا تأليف السيد أحمد لأن شيخنا كان 
يقصد من تعليقه النفع والإفادة وتعقب السيد أحمد كان كذلك. 

وکان يرذ على مهاجمیه ردا يتفاوت بين جملة في ثنایا کتاب وبين مؤلف خاص»› 
فقد اكتفى في الرد على مؤلف تنبيه الباحث السري بقوله في ص۸٤‏ من حسن التقاضي 
(يأتي في فصل ذکر مؤلفاته): (فمن یشتبه في شيء مما سطرناه. . . إلى قوله: ویرٹی لمن 
يطلق لسانه بكل عدوان في أقدس مكان غير متصوّن مما يوجب تضاعف السيعات» والله 
ولي الهداية) اه. يشير بذلك إلى أن مؤلف تنبيه الباحث السري من سكان البلد الحرام» 
والواقع أن مؤلفه أراد أن يعاتب شيخنا على تعصّبه للأحناف» فتعصب في تنبيهه للمالكية 
تعصَبًا شدیدًا ظاهرًا فی مؤلفه. 

كما أنه لما أراد أن يرد على طليعة التنكيل" رد بمؤلفه الترحيب بنقد التأنيب» فلما 
رذ معللتق الطليعة على المترجم بكتابه (حول ترحيب الكوثري بنقد تأنيبه)“ وحَشًا كتابه 
سبًا وشتمًا ترفع المؤلف عن الرذ عليه تنرَمًا عن مجاراة المهاترة والسباب. ويلاحظ أن 
المؤلف لم يكتفِ بسب شيخنا فحسب» ولكنه سب المصريين عمومًا الذين يزورون مقام 
الإمام الحسين عليه السلام بمصر» والسباب ليس من شأن العلماء والسّفه أولى بالجهلاءء 
وقد مضى الكوثري وسيمضي شاتموه» بل سنمضي جميعًا ويبقى علم الكوثري وسب 
شانئيه لتقارن الأجيال القادمة بينهماء وحينئذ يتبيّن الت من السمين ويتّضح التافه من 
الثمين» فأما الزبد فيذهب جفاء» وأمّا ما ينفع الناس فيمكث في الأرض . 

وقد عاش المترجم طول حياته خصمًا لابن تيمية“» ومذهبه سرد آراء الأستاذ 
يخرج بالترجمة عن القصد» وهي مبسوطة في كثير من تآليفه وتعاليقه» وعلى الرغم من أن 
لابن تيمية بعض المشايعين الآن بمصر» فإنه سيتبيّن إن عاجلا وإن آجلا» ولو يوم تعرض 
خفايا الصدور» أن ابن تيمية كان من اللاعبين بدين الله» وأنه في جل فتاواه کان يتبع هواه 
وحسبك فساد رأيه في اعتبار السفر لزيارة النبيّ بي سفر معصية لا تقصر فيه الصلاة . 


(۱) اسمه الكامل التنبيه والإيقاظ لما في ذيول تذكرة الحفاظ» مطبعة الترقي بدمشق» سنة ٠١١۸‏ في 
صفحة غير التصويبات. 

(9) طبع بمطبعة مصطفى الحلبي بمصر سنة ٠۳١۷‏ في ٠٠١‏ صفحة. 

(۳) طبع بمطبعة الإمام بمصر سنة ٠۳١۸‏ في ١١١‏ صفحة. 

() طبع بمطبعة الإمام بمصر في ۷١‏ صفحة. 

)٥(‏ هو تقيّ الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام الحراني» ثم الدمشقي الحنبلي» 
الت كق م ۲۸ 

(0) انظر عبارته الوقحة بهذا النص في ص۱۸ من الجزء الأول من مجموع فتاواه» طبع بمطبعة 
كردستان بمصر سنة »٠۳۲١‏ ولابن تيمية عجائب غير هذه منها وقوعه في الخليفة العادل عمر بن= 


۳ الإمام الكوثري لاحمد خيري 


وقد كان المترجم في كل ناحية تعرض لها بتأليف أو تعليق يفيد ويجيد» وقد 
یکون هذا ميسورًا لغيره إذا راجع وبحث» ولكن عبقرية المترجم كانت في سرعة رده 
وحضور ذهنه في کل ما وجه إليه من أسئلة أثناء المحاورات العلمية المختلفة» فكان 
دائما إما يقطع بالجواب الشافي أو يحيل إلى المرجع الوافي» وكان إذا تكلم في موضوع 
علمي تدفّق كالنيل في فيضانه» وحينئذ لست ترى المتكلّم عالمّا واحدًا بل ولا جماعة 
من العلماءء وإنما هو دار كتب قَيّمة تعرض على رادها نفائسها في دفة وترتيب وإبداع 
وأمانة. 


HF 


تعصّبه المزعوم 

دعاني إلى جلاء هذه النقطة ما نسب إلى الشيخ من التعضب» والتعصب لا يعدو أن 
تكون غايته الاستمساك باليقين والذبٌ عن الدين» فهذا: فرض لازم على كل مسلم لدينه 
وعقيدته» أو أن يكون تعصَبًا مذمومًا للهوى ونزغ الشيطان» وهذا ما عصم الله تعالى 
أستاذنا مئه . وکتبه وتآلیفه شاهدة جمیعها بأن تعصبه کان لله ورسوله - وعم التعصب هذاء 
فإن أبا حنيفة وأتباعه لم يخرجوا عن كونهم من الأمة ومن خير من دافعوا عن الدين 
الإسلامي - ورمي المترجم بالتعضب من خصومه مردود بأن مذمّة الخصم معللة وتجريحه 
محجوج لخصومته وبغضه ‏ والحالة الوحيدة التي قد يرتكز عليها بعض ذوي الهوى هي 
أن أحد تلامذته أشار إلى ذلك في بعض مطبوعاته» ولكن حتى هذه الحجة منهارة» فإن 
ذلك التلميذ حرص بعد ذلك على العودد إلى المترجم والإفادة من علمه والتفاخر 
بالانتساب إليه إلى يومنا هذا مما يدل على اعتذاره مما قال» والفعل يجب القول؛ والاخر 
ينسخ الأول؛ والحسنة تمحو ااسيئة . 

وقد يقول متورّع ‏ وما أكثرهم حين لا يلزمون وأقلّهم إذا ادلهِمٌ الخطب - قد يقول 
هذا المتورع المتزهد» أفلا نمسك عن قوم مضواء ولعل لهذا السمَّ المعسول بعض الوجه 
إذا كان أذى المؤذي مات بموته» NY HEPA sr‏ 
على توالي القرون» بل زاد انتشارها بطبعهاء وقد تجد من يميل إلى زيفهاء فالرذ عليها 
كفيل بقمع المفسد المتهور ونفع التائه المتحيّر - والغضب لله لا يكون تعصَبًاء قارۇق 
بعد هذا أنه كذلك فيم التعصب هذا لأنّ السفيه إن لم يغلظ له في القول لا ينفك مصرًا 
على سفاهته ولا یفتاً سادرًا في حماقته . 


= الخطاب رضي الله عنه» فكأنه أراد الجمع بين غلاة النواصب في بخض علي عليه السلام 
ومتطزفي الشيعة في بغض عمر رضي الله عنه. 


U E o MEHE 


وأيّ ورع يكون في الإمساك عمَّن يقول إن إمام ثلغي الأمة فان هذه الأمة» وأن 
جنازته تری في النوم علیها ثوب أسود وحولها قسیسون'“ أو أن يلبس جلد كلب ويتوضاً 
بنبيذ» ويقول: إن هذه هي صلاة الأحناف" . 

وأ ورع يكون فيمن يقف ملجم اللّسان من أجل سواد عيني الخطيب البغدادي» 
أو إمام الحرمين» اللذين لم يتورّعا عن ذكر هذه المثالب القذرة التي لا تليق روايتها 
بحق عوام الناس وفساقهم» فكيف بالإمام الجليل الذي تواضع الناس على إجلاله واتباعه 


جیلا بعد جيل . 
ويُعْدَرٌ مضطر إذا ضاق ذَرْعُةُ فجرَد صَمْصَّامًا به يَمَدَرٌ 
الل تفا ةه اة .اق ا و ت 
ي تعيا به من ٍ : 1 ی 


HE #F 
زهده الفريد وعفافه النادر‎ 

كان الكوثري في زهده ملا حيًا لاسمه زاهد» وکان في عفافه مترفَعًا عن الدنيا وعن 
أهلها إلى حدٌ قد لا يتصور - ولا أستسيغ أن أذكر هنا بعض ما أعرف من نوادر عفافه» لأنه 
کان يستحي من ذکرها ویتأذی من الکلام عن عسره - ولذا یکفیني والله سبحانه وتعالی 
يعلم صدقي أن أقول إن المترجم كان على قَلّة ذات يده أعف من رأيت ‏ وإذا كان التعمٌف 
عن الدنيا في هذا الزمان أضحى متعسَرًا على الميسورين مستحيلا في حق المملقين» 
فن الله سبحانه وتعالى أراد خرق هذه الاستحالة فأوجد لنا مُعْسرًا عفيمًاء هو الزاهد 

الكوثري . 
ومن فضائله الجمّة عزوفه التامٌ عن المماكسة» وقد كتب لي السيد حسام الدين 
القدسي يقول ضمن كتابه عن الأستاذ لما لقيه عند قدومه لدمشق أول مرة - في دار الكتب 
الظاهرية (وعاشرته فرأيت من خلقه أنه لا يساوم بائعًاء ولکن إذا تحقق من غشّه ترکه ولم 
يعامله . وأخبرني الشيخ عبد الله الحمصي أنه كان في مستشفى الجمعية الخيرية الإسلامية 


(۱) انظر ص ٠٠٤ - ٠٥۳‏ من الجزء الثالث عشر من تاريخ بغداد طبع بمطبعة السعادة بمصر سنة 
O‏ 

(۲) انظر ص ٠٦‏ و۸ من كتاب مغيث الخلق لإمام الحرمين المطبعة المصرية بمصر سنة .٠١١۲‏ 

(۳) هو أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الشهير بالخطيب البغدادي توفي في بغداد سنة »٤۳‏ وله 
تاريخ بغداد طبغ بمصر في أربعة عشر مجلدًا وقع في الجزء الثالث عشر منه وقيعة بذئية في 
إمامنا أبي حنيفة رضي الله عنه. 

() هو أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني المعروف بإمام الحرمين له كتاب مغيث الخلق 
في ترجيح القول الحق جرح فيه مذهب الأحناف تجريجًا كاذبًا سخيفًا. 


E E RO RD 

يعطي ثلاثة من الممرضين ثلاثين قرشًا يوميًا ويعطي اثنين يساعدانه في الحمام للغسل كل 
أسبوع مائة قرش لمرة واحدة يختسل فيها في الأسبوع ويساعدانه على تنظيف جسمه؛ 
ويقول للشيخ عبد الله : جرت عادة بعض المنتمين إلى سلك المشايخ أو العلماء على 
التقتير والشح والمساومة و. . . فيجب أن نقتلع من رؤوس الناس هذه الفكرة عنهم اه) . 
قلت : وبهذه المناسبة أذكر أن سبب حرصي على التعرف إليه والتتلمذ عليه هو أني لقيته 
بمكتبة المرحوم السيد محمد مين الخانجي المتوی ستة ٠۴١۸‏ وهو يلخ على الخانجي 

فى أن يأخذ أكثر مما طلب» ويقول له الكتاب يساوي أكثرء وإنما أنت تحط من السعر 
لأجليء وهذا أمر لا أقبله» والخانجي يصمَّم على الرفض» ويقول: إن الثمن الذي أطلبه 
فيه ربح لي . فعجبت من هذه المحاورة التي يندر حدوثها قديمًا وينعدم حديتًاء وآخیبتا 
أن تكون لي صلة بهذا العالم الفاضل الذي لا يريد استغلال علمه في أي ناحية مادية» وقد 
تم لي ذلك بحمد الله وكنت آنا الفائز بتلقّي العلم على علامة عصره . 

ومما هو مشهور بین عارفيه أنه كان لا يقبل أجرًا على تعليمه أحدًا ولا على 
تصحیحه کتابًا» بل كان قول ما قاله للسيد حسام الدين القدسي لما عرض عليه مائة نسخة 
من كل كتاب صححه من مطبوعاته: (هل يجتمع هذا مع الأجرة في الآخرة)» فسكت 
القدسي . 

ولا اشتذت به العلّة في أخريات أيامه وأرهقته أسباب العلاج شرع في بيع كتبه 
وامتنع بتانّا من قبول المعاونات المادية التي عرضها عليه بعض الفضلاء من تلامذته . 

وقد عرض عليه في السنة الأخيرة من حياته أستاذان من أساتذة الجامعة» هما أبو 
زهرة والخفيف أن يلقي بعض الدروس في الشريعة بجامعة فؤاد الأول» فاعتذر وألخا 
فأصرّ» فلما عاتبته في ذلك قال: إن هذين الفاضلين عرضا ما عرضاء لاطمئنانهما بأني 
سأقوم بواجب التدريس كما ينبغي» وصحتي لا تسمح لي بذلك الآن» ولا أستحل لنفسي 
وقد أوشك الأجل على الانتهاء أن ألتزم القيام بأمر أثق بأني عاجز عنه .اه. قلت: ولو 
أن كل مسلم امتنع من أخذ أجر ما لا يقوم به لامتلأت خزائن الدول الإسلامية ولا سيما 
الحكومة المصرية مما يتوفر لها من ذلك . 

وقد ظلَ طول إقامته بمصر يولّف ويدرّس وينصح ويرشد ما وجد إلى ذلك سبيلا. 
وكان يشير على تلامذته بطبع النافع من الكتب ونشرهاء وكان ممن سمع له السيد عت 
العطار فطبع كثيرًا من نفائس المخطوطات بإشارته . 

وكان المغفور له الصديق النبيل الشيخ مصطفى عبد الرزاق يجلّ أستاذنا ويبخله ولا 
غرو» فالفضل يعرفه ذووه. ولما رأى شيخنا حرص شيخ الأزهر على الإفادة من توجيهاته 
كتب تقريرًا ضمنه ما يراه لإصلاح الأزهر وإحياء علم الحديث الذي اندثر من الديار 


الإمام الكوثري لاحمد خيري .0 
المصرية بعد أن كان فيها أشهر حفاظه. ولكن موت الشيخ مصطفى في ربيع الأنور سنة 
٠‏ جعل هذا التقرير يحفظ ضمن المهملات التي يحفظ فيها كل مشروع نافع في 
مصر. ولا يزال التقرير موجودًاء ولعلّ شيخ الأزهر الحالي وهو ممن يعرفون فضل شيخنا 
يعمل على بعثه والإفادة مما فيه» والله ولي التوفيق . 


RRR 


الفصل الرابع 


قصيدتي فيه وهي ٠‏ بيتا مع شرحها 


EE ET EE EE E 
۲لم يقض ري أن بُځّلد کان‎ 
کا از الوت اة اني اة وکسا‎ 
اة كزبة‎ E EE 
ويخفَف الظنُ الجميل برنا‎ 
ويهون الحُزدٌ اليقينُ بأئهم‎ ١ 
من مات يؤمن بالإلله وأ‎ -۷ 


HOF oF 


نى المر وءةٌ إذا عى لي (زاهدًا) 
ينعّى الشهامة والكرامة والوفا 
۲ ينعاه لاإسلام أخلص مسلم 


HR ¥ 


المنشاً 


۳ يا ابن الألى هَجُرُوا القُفارّ بدينهم 


(1) أناف على الشيء: أشرف عليه . 


(۲) تشط: تصوت من الثقل» ويعتري: يغشي ويجيء. 
)٤(‏ صرف أحمد ضرورة. 


(۳) الأسى هنا: الحزن. 


فَقَقَذث منه جلي ضري“ 
في هذه الدنيا قَفِيم كدري 
بحياتنا إِيّاه حتمُانشتري 
تا عط ال ما و ی 
وقعٌ الى مو اة ر e‏ 
في جتةبشفاعة ال 
اة وة و ا 9 


يأتي بمكروه الحديث مُنَمُر 
فتالة ارات الع © 

يَنْعّى الَقَيّ أخا الرجال الأبځر 
والصدق والححقيق غير مُعَذر 8 
في عهدنا اع أو مبصرٍ 


واستوطنوا الأناضُول حين المَهْجر“ 


)٥(‏ فتخاله: فتظنه» والواله: من ذهب عقله من شدّة الوجد. 
(1) قصر الوفاء ضرورة» معذر: بكسر الذال المشددة اسم فاعل من عذر في الأمر قصر بعد 


جهد. 


(۷) القفاز أو القوقاز أو القفقاس بلاد في جنوب أوروبة كانت للمسلمين ثم غلبهم عليها الروس فيد 


الإمام الكوثري لأحمد خيري 


1٤ 


( 


2 
(A) 


فولدت فيه بين قوم جاهدوا 
ET‏ في دار السعادة طالبًا 
EEE ESE EE‏ 
ووليت خير مراتب بجدارة 
ونشرت عِلْمَّا طول عمرك داعيا 
أشرقت شمسًا في مدينة قيصر 


HOF 


وآلامه 


جهاده 
يامَنٰ حييتَ مجاهدًا بعقيدةٍ 
والناس للانياغبيد فما 
- والرهد مزهودٌ ومعظمُ أهله 
اة قك الد ق ق 
اق کل ماق براع 


كم الوك وعَلبرة لجهلهم 


يي مثل الشمس بين الات 
رقع ھا وة ا لري 
كل الأنام إلى الصراط الأنور 


وأتيت تغربٌ في محيط الأزهر“ 


لائنَحْتُ خرف مقط“ 
و 
ردقي الودلاي درن ن ي 
في رُهْدِهِ من معرب أو عبقري“ 

في قَوةٍ وحماسة ونَسَّنٍ ر 
ELE EE‏ 
لعا زارد الهم غر مير 


القرن الماضي» فغادرها المسلمون بعد حروب طويلةء وكان والد المترجم ورهطه فيمن هاجروا 


واستوطنوا الأناضول» ويعرف بآسيا الصغرى» ويشغل الآن معظم الجمهورية التركية أو كلهاء 
الآسيوي» والكلمة يونانية الأصل ومعناها مطلع الشمس لأنها تقع في شرق بلاد اليونان بينهما 
بحر إيجه. 

الأقمر: الأبيض وهو كناية عن حسنه ية . 

دار السعادة من أسماء الآستانة» وفيها تعلم المترجم وعلّم. ونهلت: من النهل وهو الشرب 
الأول. 

الأنهر: جمع نهار وفيه تكون الشمس. )٤(‏ الجريء بالمد والهمزة التي حذفت للضرورة. 
مدينة قيصر من أسماء الآستانة» وصرف قيصر ضرورة» ومحيط الأزهر كناية عن القاهرة التي 
فيها الأزهر وفيها توفي المترجم» وأشرقت: كناية عن أشرقت الشمس» أي: أضاءت خلافًا 
لشرقت» أي طلعت؛ وذلك لأن المترجم لم يولد في الآستانة وإنما اشتهر فيها بعد تخرجه. 
الزخرف: الذهب» والمقنطر: المكمل والمضعف» والمراد بهما زينة الدنيا الزائفة . 

الإملاق: الافتقار. 

الفذ: الفردء والعبقري: الجيد القوي العجيب في حذقه. 

یحیف : يجور ویظلم . 


تَبْهِي وَجَة رَبك راضِيًا 
۹ للك أزض اليل شقا مكرما 
١-والنيل‏ يرم صَيْمَة وبلادةٌ 
١‏ فوجدت أقوامًا يرونك فُدوة 
٣‏ - ولقد أساءك في الكنانة معشرّ 
۳ فاترك لئام الحاقدين بغيظهم 
رای رون الى نواد 
٥‏ -_ والله لن ینسی مروءةً (يوسف) 


HF 


الإمام الكوثري لأحمد خيري 
أضحى به الإسلامٌ شبه مُكم 
مَُاقَصَاءبِمَنَْمَةومُقَدَرٍ 
وعدا نریل النبل سبط الگوتر“ 
کم رَحَبَّث ث بالضيف دون قر 
فغذوتهم فضلا بصع معمر 
ا 1 1 « (O)‏ 
وأبى كرامُهُمُ موان مُعَمَر 
واذکر مآثر (مصطفی) الم الثزي e‏ 


فغدت محايدمُ بخیف مُدَكُرِ 
وشهامة (اللبّان) يوم ال 


فضله وعلمه 


لات اة اة على اران مان 


۷ ىة فوق مناكب بجدارةٍ 


وال لین لی الوری ت ۹ 
وشمتا به اردان بین ا 


(۱) المكفر بضمَّ أله وفتح الكاف وفتح الفاء المشدّدة المجحود النعمة مع إحسانه» وكذلك أصبح 
دين الإسلام في نظر الدولة التركية الحديثة حيث أحلوا محله القوانين الغربية . 

(۲) الكوثر هنا هو جد المترجم» وفيه تورية بنهر الجئة المشهور. 

(۳) التعير بالعين المهملة : اقتراض الماعون والأمتعة ونحوها. 


(6) 


(0) 


(0 


الكنانة: كناية عن مصر للحديث المشهور وهو وإن لم يصح عند المحدثين إلا أن المأمول في 
کرم الله تعالی تحقیق ما فيه . 

هو الشيخ مصطفى عبد الرزاق شيخ الجامع الأزهر المتوفى في ربيع الأنوار سنة ١١١٠ء‏ وكان 
یعرف فضل المترجم وینزله منزلته ویمنع عنه آذی معاکسيه سواء يوم كان وزيرًا للأوقاف» أو 
حینما کان شيخًا للأزهر» غفر الله لهما. 

صرف يوسف ضرورة» وهو الشيخ يوسف الدجوي المالكي المتوفّى في صفر سنة ١١١٠ء‏ 
واللبان هو الشيخ عبد المجيد السنديوني الشافعي المتوفى في ذي القعدة سنة ٠۳١١‏ ومروءة 
الدجوي هي أنه شاطر المترجم منزله في عزبة النخل وأصرَ على أن ينزله عنده إبان اشتداد 
الغارات الجوية في غضون الحرب العالمية الأخيرةء إذ كانت العباسية حيث يقطن المترجم هدفا 
للغارات الجوية» وأما شهامة اللبان فقد كان يحول دائمًَا بين المترجم وبين شانئيه الذين كانوا 
يحاربونه في مرتبه» ويسعون في إخراجه من مصرء فخاب فألهم ومروءة اللبان وبنيه يشهد بها 


کل من يعرفهم . 
(۷) الورى: الخلق. 
() المناکب جمع منكب وهو مجتمع عظم العضد والكتف وحبل العاتق . 


الإمام الكوغري لاحمد خيري 

۸ تأرف الخاسدن عله 
۹- قد عاش آية ره في عقله 
٠‏ في فقهه كالَزْدَويّ محملٍِ 
١‏ وإذا تكلم في الرجال فإئّما 
راا تف نت وا 


HE oF 


۳ ألَفْتَ في نصر الشريعة صادقًا 
٤‏ نرَمْتَ ربك حسبما أمرت به 

سجلت علمك في الطروس مخلَدًا 
- أحقَفَّتَ في (الإشفاق) شرع محمد 
۷ ثم انبریت مبيْنًا كذب (الخطي 
۸ - ولوت رَبْفَ مزاعم في (نظرة) 
٩‏ _ وأبْنت في (النَكتِ الطريفة) مُنْصِمًا 
١‏ _ وحَوَبْتَ في (الحاوي) مناقب صالح 
١‏ ومحقت في (محق التقول) باطلا 


NE 


وبحسن سيرته وصدق المخبر 
سبحانه الوهاب فاسمع وانظر 
آو مغل (عبد اث) أو کالگزدري“ 
(بحيلى) يُحَدّتٌ بالكزير الأوقر“ 


فد إن فقت آو الاش 


كُمْبّا أفاقث في انقماع المجتري“ 
ياكاب وة الت اال 
ماابین مخطوط وبين مشر“ 
وعَلَبْتَ في (الإحقاق) كَل مُق“ 
المُنْبَري 
آراء اء صادقًا کا تشر 0 
وهدیت (بالنبراس) هدي ضفر e‏ 
وأضات (لا عصان اللجستبضر 


فعَدَوْتَ نعم 


(۱) البزدوي هو الصدر أبو اليسر محمد المتوفى سنة ٤۹۳‏ وعبد الله هو أبو البركات النسفي 
المتوفى سنة ١١٠۷ء‏ وقيل: ۷٠١‏ والكردري هو محمد بن عبد الستار المتوفى سنة 1٤١‏ 


وئلاتهم من عيون فقهاء الأحتاف. 


(۲) یحیلی هو ابن معين المتوفُى سنة ۲۳۳ بالمدينة حاجًاء وكان أعلم الناس برجال الحديث. 

() محمد هو أبوامتصوز الماتريدي المعوفى سنة ٠۳۳١‏ والأشعري هو يو الحسن المخوفى سثة 
٤‏ وكانا لا يزالان إمامي أهل السنة في علم التوحيد. 

)٤(‏ المجترىء بالهمزة وحذفت للضرورة» والانقماع: القهر والإذلال. 


)٥(‏ السري: السخي في مروءة. 


() الطروس: جمع الطرس وهو الصحيفة التي يكتب فيهاء والمنشر كناية عن المطبوعات 


لانتشارها. 


(۷) هذا البيت والأبيات التالية له لغاية البيت ٠٤‏ يرد فيها بعض أسماء مؤلفات الأستاذء انظرها 


وسواها في الفصل التالي. 
0 شري تدك 


)٩‏ الهدى بفتح فسكون: السيرة» والغضنفر: الأسد» والمراد الدمرداش المحمدي. 


(A) 
(4) 


الإمام الكوثري لأحمد خيري 


ونشرت في (حُسْن التقاضي) سيرة ار ت ا کو افع ر عر 
- أنْصَفْتَ في (الإمتاع) شيخي أمَةٍ وجعلت من (رَفَرَ) الشَّذا الأ“ 
وبَلَفْتَ قبلا بالإمام محمَلٍ أمد (الأمانِي) من وكورٍ ا 
ا ا ك ی في مصر أو في الشام أو أثقغة © 
-واعلم بأن اله جل جلااله أرضاهٌ ما أبدّغته من أسطر 
فافرح بجيرة من نصرت كتابه وامرح بجتته وفُز واستبش ر 
- وهناك حَيّ المصطفى وصحابه وارفل هنيئًا خي الحرير الأخضر“ 
HR #*‏ 
حبّه لمذهبه 
حيبت ل أبي تة في الوزى وجلوك ما أخفاد م المبتري“ 
بيج الأانام محجاهدا ومرقغانضل لشفي هر 
ألْقَمْتَ حخصمان لاإمام حجارة في شدة ونفاسة كالجوهر“ 
- ورَدَذْتَ كيدَمُمُ ورب معان ظلث سفامَُة طول الأعصر 
- حتى انبريت له بأقوى حجَة وجعلت قولته حديث المزدري 
- أمسيت بين رجال مذهبك السني كالبيهقي الشافعي المسفر”“ 
ات أتباع الإمام بأسرهم ونفحت بينهمْ شدًا ا 


أرجت توهج ريح طیبها والعبیر أخلاط ت تجمع بالزعفران» وقيل: هو الزعفران وحده. 


الشذا: حدة ذكاء الرائحة» والأذفر: ال والمراد الإشارة إلى مؤلف الأستاذ لمحات 
النظر. 

الأنسر: جمع نسر طائر معروف من الجوارح يعيش في رؤوس الجبال. 

أقششهر أو أقشة شهر ميناء دوزجه» وهي مدينة في الأناضول بجوارها قرية الحاج حسن التي 
ولد فيها المترجم . 

المرح بالميم شدة الفرح بالفاء. () رفل في ثيابه: آطالهاء وجرَها متبخترًا. 
الورى الخلق كما مر» والممتري: المتشكك. 

خصمان بض أوله: جمع مخاصم مثل خصماء. 

انبریت له: اعترضت له. 


)٠١(‏ البيهقي هو أبو بكر أحمد بن الحسين المتوفى سنة ٠٤0۸‏ وفيه إشارة إلى ما قيل من أنه ما من 


شافعي إلاً وللإمام الشافعي عليه منة ما عدا البيهقي» فإن له مئة على الشافعي بما آلف في الذبّ 
عه والدفاع عن مذهبه» وكذلك كان المترجم يدافع عن مذهبه والضرورة توجب تخفيف ياء 


اف 


()نفح الطيب: فاح» والشذا: حدة ذكاء الرائحة. 


الإمام الكوثري لأحمد خيري ۴۹ 


١‏ ولطالبا عمجتي وتصضخت الي بابرتتي بالعرق ون :انكر“ 
۷ - ون رَتَيْعُْكٌ ما حيث فإما بعض الجميل أردٌ غير مَرَوْرٍ 
E E J‏ 
الخاتمة 
۸ يا معشر الأحناف مات فقيهكم من كان يدقع عَنكُمٌ من يفتري 
4-إني الأخشى أن يعر شبيهة في الدين والتقوى وطيب العتصر 
-١‏ ويُطيفٌ بي حزني فأذكر حكمة نمث وكررها حديث الشير“ 
ك السا لانم اعت سك با ومان 2 
اادآئي و اتف كل اة وة ب ي ق 
ا اتم عو ر ما ا وغرفته من طيب ومطه ر 
٠‏ كيف الإحاطة بالفضائل والحجا والعلم والإخلاص دون فع(“ 
-٥‏ ولذاك أخصَرٌ في الكلام وإنما حسبي إذا أنا قلت (مات الكوثري) 
HH oH‏ 


(۱) العرف بضم العين المعروف. 
() یطیف بضم اله ويقارب ويلم» السمر: الذين يتحدثون بالليل» ويلاحظ أن غالب اجتماعات 


الناس يكون ليلا لاشتغالهم بالتهار. 
(۳) هذا البيت ليس من نظمي» وإنما هو مضمن ولا أعرف قائله. 
() المغلب: بفتح اللام المشددة المغلوب مرارًا. 
)٥(‏ الحجا: العقل» تمّت القصيدة وشرحها. 


الل القاس 


في بیان مؤلفاته وتقذماته وتعالیقه ومقالاته 


تنقسم مؤلفات الأستاذ إلى قسمين رئيسيين» أولهما: ما ألّفه قبل هجرته من 


الآستانة» والثاني : ما ألّفه بعدهاء والخالب على القسم الأول أنه مخطوط» والثاني على 
العكس: كما أن مؤلفات القسم الأول لا ندري عنها شيا سوى إرغام المريد الذي أهدى 
مله سخا لغلامتة, 


HR 


القسم الأول 
١‏ نظم عوامل الإعراب (باللغة الفارسية)» وهو أول مؤلفاته» مخطوط . 
۲ - إزاحة شبهة المعمّم عن عبارة المحرم» مخطوط . 
۳ - الجواب الوفي في الرد على الواعظ الأوفى"» مخطوط . 
٤‏ - تفريج البال بحل تاريخ ابن الكمال"» مخطوط . 
ه ‏ الصحف المنشرة في شرح الأصول العشرة لنجم الدين الطامة الكبرى» 


ره 


0) 


(0 


( 


لشيخ يدعى المحرم شرح على شرح عبد الرحملن الجامي على كافية ابن الحاجب في النحو فيه 


عبارة في باب الندبة في المنصوبات» رأى أحد زملاء الشيخ شطب أسطر منها ليستقيم المعنى 
ت نظره» وكان رأي الشيخ إبقاء العبارة كما هي بتأويل مستساغ تصخ معه العبارة» فألفها رسالة 
في ساحل البحر الأسود بلد يسمّى أوف معروف بكثرة الوعاظ» فقصد أحدهم بلدة الأستاذ 
واشتهر بحسن الإلقاء» وكان يقسو على الصوفية» وفي يوم أوغل في وعظه بعد الظهر» وكان 
الشيخ وقتئذ يناصرهم فاختلى في غرفته حتى أت رسالة في الرد عليه في نحو ۲١‏ صفحة 
وقدمها قبيل ظهر اليوم التالي إلى الواعظ فكأنما ألقمه الحجر وأقلع عن الكلام في الصوفية. 
لابن الكمال لغز تاريخي اخترعه يذكر فيه الأسداس والأرباع ونحو ذلك كان يقول في الربع 
الثاني من العام الثالث من العقد الرابع من الثلث الثالث» وهكذاء ورسالة الأستاذ هي حل لذلك 
اللغز ببيان ووضع جداول لشرح المقصود. 


ارفا جوري عمد يوي 8 

. ترويض القريحة بموازين الفكر الصحيحة في المنطق'» مخطوط‎ - ٦ 

۷ قرة النواظر في آداب المناظر"» مخطوط . 

۸ - النظم العتيد في توسل المُريد"» طبع بآخر تاليه في ٠‏ صفحات . 

٩‏ إرغام المريد في شرح النظم العتيد لتوسل المُريد“» طبع في الأستانة سنة 
۸ في ٠٠١‏ صفحة غير الفهرس والتصويبات . 

. إصعاد الراقي على المراقي» مخطوط‎ ٠١ 

. النقد الطامي على العقد النامي على شرح الجامي"» مخطوط‎ ١ 

۲ - الفوائد الكافية في العروض والقافية» طبع وليس عليه اسم المؤلف . 

۳ - تدريب الوصيف على قواعد التصريف» مخطوط . 

. تدريب الطآاب على قواعد الإعراب» مخطوط‎ - ٤ 

٠‏ - حنين المتفجع وأنين المتوجع قصيدة في ويلات الحرب العظمى الأولى 

. إبداء وجوه التعدي في كامل ابن عدي» مخطوط‎ - ١ 

۷ _ نقد كتاب الضعفاء للعقيلي» مخطوط . 

۸ _ التعقب الحثيث لما ينفيه ابن تيمية من الحديث“» مخطوط . 

. البحوث الوفية في مفردات ابن تيمية» مخطوط‎ - ٩4 

١‏ الروض الناضر الوردي في ترجمة الإمام الرباني السرهندي المتوفى سنة 
٤‏ ألفه بقسطموني وهو الكتاب الوحيد الذي أله باللغة التركية » مخطوط . 


() نشر اسم هذا الكتاب في ترجمة الأستاذ في تأنيب الخطيب (بمناهج) بدل (بموازين) كما أملى 
عليّ» ولما سألته عن الصحيح» قال: إنه لا يستطيع الجزم بذلك الآن» وإنما كل ما يذكره أنه 
ترجمة كتاب معيار سداد الذي ألفه بالتركية الوزير جودت باشا في المنطق. 

(۲) هو ترجمة كتاب آداب سداد الذي ألفه بالتركية جودت باشا أيضًا في المناظرة. 

(۳) الفه سنة ٠۳١۸‏ وهو في ٣٤‏ بيتاًء ا س e‏ 

() يتضمن تخريج أحاديث مراقي الفلاح ومواضع الإشكال في الكتاب المذكور. 

)١‏ للشيخ محمد رحمي الأكيني من علماء الأستانة (العقد النامي) في مجلد في التعليق على 
الفوائد الضيائية شرح الكافية لعبد الرحملن الجامي نفذه الأستاذ وسمَى نقده (النقد الطامي) في 
النجى: 

(۷) هكذا أملى علي (الكافية) ولكن جاءت الكلمة في آخر الاستبصار (ص۴۷) (الوافية) . 

(۸) تعقبه فیما نفاه في کتابه منهاج السنة من ورود أحاديث في بعض المواضع مغالطة مع ورود 
أحاديث فيها. 


۲ ا الكوثري لاحمد خيري 

١-المدخل‏ العام لعلوم القرآن مخطوط في مجلدين أله بالآستانة وهو أهمَ 
مؤلفاته مطلقًا لما فيه من التقصَى والمقارنة والبحث» سواء من ناحية الموازنة بين 
المفشرين بالرواية» والمفسّرين بالدراية» ومسالكهم وقيما يتعلق بجمع القرآن في أدواره 
الثلاثة (النبيّ عليه الصلاة والسلام - وأبي بكر - وعثمان رضي الله عنهما)» وما يتعلق برسم 
القرآن وقراءاته الأربع عشرة وطبقات قرائه والإلمام العام بما أف في القراءة والرسم 
وتراجم المفقسّرين وذلك على توالي القرون» ولم يكن الشيخ يأسف على شيء أسفه على 
ضياع هذا الكتاب الذي لا يدري ماله» ولعلَ الله يسهل العثور عليه فقد أخبرني الأستاذ 
محمد سامي الخانجي أن كتب الشيخ التي كان يملكها ظهرت أخيرًا في الآستانة بعد 
انقضاء ثلاثين سنة على اختفائها عقب هجرته» مما يدل على أنها كانت محفوظة» ولعلَ 
المدخل يظهر يومًا. ويلاحظ : أن ما ذكر ألّف بعضه بالآستانة والبعض بدوزجه» أثناء 
العطلة المدرسية والبعض بقسطموني . 


HF 


القسم الثاني 

. رفع الريبة عن تخبطات ابن قتيبة» مخطوط‎ - ١ 

۲ صفعات البرهان على صفحات العدوان"» طبع في دمشق بمطبعة الترقي سنة 
۸ في ۵٤‏ صفحة. 

٠٠٤ الإشفاق على أحكام الطلاق"» طبع في مطبعة مجلة الإسلام في‎ ٣ 
. صفحه‎ 

٤‏ - بلوغ الأماني في سيرة الإمام محمد بن الحسن الشيباني» طبع ضمن الرسائل 
النادرة التي كان يطبعها الخانجي سنة ٠٠١‏ في ۷۲ صفحة غير الفهارس والتصويبات . 

ه ‏ القحرير الوجيز فيما يبتغيه المستجيز» طبع بمطبعة الأنوار سنة ٠١١١‏ في ٤۷‏ 


فة 


(۱) رڌ به على ابن في مؤلفه مختلف الحديث الذي وقع فيه في التشبيه والطعن في أبي حنيفة 
والنقل عن كتب أهل الكتاب واصقًا إياها بالصحة؛ كقوله: التوراة الصحيحة والإنجيل» ألّفه 
أوائل مجيئه مصر. 

(۲) نقض به ما كتبه السيد محب الدين الخطيب في مجلة الزهراء. 

(۳) رذ به على نظام الطلاق للشيخ أحمد شاكر. 

)٤(‏ وهو ثبته ذکر فيه أسانیده وشیوخه وشیوخهم وترجم لکثیر منهم وفیه على صغره فوائد 
َة 


الإمام الكوثري لأحمد خيري r‏ 

٦‏ تأنيب الخطيب على ما ساقه في ترجمة أبي حنيفة من الأكاذيب"“» طبع سنة 
١‏ في ۲٠١‏ صفحة غير مقدمة حافلة في ترجمة الأستاذ . 

۷ إحقاق الحقّ بإبطال الباطل في مغيث الخلق» طبع بمطبعة الأنوار سنة ٠١١١‏ 
في ٦٦‏ صفحة . 

۸ - أقوم المسالك في بحث رواية مالك عن أبي حنيفة ورواية أبي حنيفة عن مالك› 
طبع في آخر إحقاق الحق في الصفحات ٦۷‏ - ۷۲. 

٩‏ - تذهيب التاج الأجيني في ترجمة البدر العيني المتوفى سنة ۸٠١‏ لخُصها طابع 
شرحه للبخاري وطبعها بأوله. 

. لم يطبع‎ ۸٦١ الاهتمام بترجمة ابن الهمام» المتوفى سنة‎ - ٠١ 

. عتب المغترين بدجاجلة المعمرين» مخطوط‎ ١ 

۲ _ تحذير الخلف من مخازي أدعياء السلف» مخطوط . 

۳ قطرات الغيث من حياة الليث المتوفى سنة »۱۷١‏ مخطوط . 

٤‏ - الحاوي في سيرة الإمام أبي جعفر الطحاوي المتوفى سنة ۳۲١‏ طبع بمطبعة 
الأنوار سنة ٠۳١۸‏ في ٤١‏ صفحة. 

٠١‏ فصل المقال في بحث الأوعال ثم سمّاه فصل المقال في تمحيص أحدوثة 
الأوعال"» مخطوط . 

البحوث السنية عن بعض رجال أسانيد الطريقة الخلوتية“» مخطوط . 

۷ - نظرة عابرة في مزاعم من ينكر نزول عيسى عليه السلام» مطبعة أمين 
عبد الرحملن ٠١١١‏ في ٦۷‏ صفحة غير التصويبات . 


(۱) رذ به على مفتريات الخطيب البغدادي في الجزء الثالث عشر من تاريخ بغداد عند ترجمته إمامنا 
أبا حنيفة مع تذييل في الرد على ما جاء في حقّ أبي يوسف ومحمد بن الحسن» والحسن بن 
زياد اللۇلؤي . 

(۲) رد به على مطاعن إمام الحرمين في مؤلفه مغيث الخلق التي افترى فيها على الأحناف. 
(1 و١٠)‏ ملخصهما دحض المزاعم المنتشرة بين بعض أرباب الأثبات بخصوص معمرين 
أعمارًا وهمية تبلغ المثات من السنين واستعارهما منه الأيوبي بالشام في رحلته الثانية وبقيا 
عنده. 

(۳) يتضمن الكلام على الحديث الخرافي القائل بأن حملة العرش أوعال» وكانت قامت له ضجة في 
قق ق اجو 1۴ مل 

(4) ألفه ربيع الآخر سنة ٠١١١‏ بإشارة الشيخ عبد الخالق الشبراوي المتوفى في سنة ١٣۱۳ء‏ وترجم 
فيه لثلاثة عشر شيخًا خلوتيًا في ٠١‏ صفحات كبيرة» وعندي الأصل الذي بخط المؤلف 
ونسخت له صورة أرسلتها إليه. 


4٤‏ الإمام الكوثري لأحمد خيري 


۸ - نبراس المهتدي في اجتلاء أنباء العارف دمرداش المحمدي المتوفّى سنة 
۹ء مطبعة الأنوار سنة ٠۴١١‏ في ١١‏ صفحة . 

_النكت الطريفة في التحدث عن ردود ابن أبي شيبة على أبي حنيفة'“» مطبعة 
الأنوار سنة ٠١١١‏ في ۲۷۳ صفحة. 

١‏ - رفع الاشتباه عن مسألتي كشف الرؤوس ولبس النعال في الصلاة» طبع سنة 
٢‏ في ۲١‏ صفحة. 

١‏ تز جاة العامة محمد متيب العقابى > المتوفى 01۴۳۸ امخظرطة: 

١ن‏ خر اا اریخ طبع ست 1۴۹۷ في ۴٠١‏ فة تعر السيد عت 
العطار. 

۳ حسن التقاضي في سيرة الإمام أبي يوسف القاضي» المتوفى سنة »٠۸۲‏ 
مطبعة الأنوار سنة ٠۳١۸‏ في ٠٠١‏ صفحة . 

٤‏ لمحات النظر في سيرة الإمام زفر» المتوفُى سنة »٠١۸‏ مطبعة الأنوار سنة 
۸ في ۳۰ صفحة. 

٠‏ الإمتاع بسيرة الإمامين الحسن بن زياد» المتوفًى سنة ٠٠١‏ وصاحبه محمد بن 
شجاع المتوفى سنة ۲٠١‏ مطبعة الأنوار سنة ٠١١۸‏ في ۷١‏ صفحة. 

الترحيب بنقد التأنيب» نشرته مكتبة الخانجي سنة ٠۳١۹‏ في ٠۲‏ صفحة. 

۷ - مسح التقول في مسالة التوشل» مطبعة الأنوار سنة ١۳۹۹‏ في ١۸‏ ضفحة. 

۸- تعطير الأنفاس بذكر سند ابن أركماس» طبع ضمن مجموعة سنة ٠۳۹۹‏ 
مطبعة الأنوار من ص ٩‏ إلى ص .١١‏ 

۹ الإفصاح عن حكم الإكراه في الطلاق والنكاح» طبع ضمن المجموعة السابقة 
من ص۱۲ إلى ص١۱‏ . 


(1) اذعى ابن أبي شيبة مخالفة أبي حنيفة لأحاديث صحيحة في ٠‏ مسالة من أقهات المسائل 
الاجتهادية» فقام هذا الكتاب بتمحيص ألّة الطرفين كاشمًا عن كثير من الحقائق في تفاوت 
مدارك الفقهاء وأطوار الفقه الإسلامي مما له خطره عند الباحثين. 

(۲) الها فى رمضان سنة ۱۳۹۷ بناء على طلب الفقير. 

شه ةه اة 

(4) رخب فيه بالنقد الذي هدد به مؤلف طليعة التنكيل وقد مر ذكر ذلك. 

() نفى فيه الشرك المزعوم عمّن يتوسلون برسول الله ية وآل بيته وهم الوسيلة الحفة. 

)١(‏ ألفه بناء على طلب الأخ الفاضل الحاج إبراهيم الختني من علماء المدينة المنورة» ولم يحتفظ 
المؤلف بصورة» فلما استنسخت صورة من الأصل بالمدينة المنورة نقلت له صورة طبع 
عليها. 


الإمام الكوثري لاحمد خيري ڪا 


-٠‏ الاستبصار في التحدّث عن الجبر والاختيار» طبع بمطبعة الأنوار في ذي 
القعدة سنة ۰٣۱۳ء‏ وهو آخر ما نشره من مؤلفاته رضي الله عنه» ولعله آخرها تأليقًا. 

فجملة مؤلفاته التي أفردها هي ١١‏ مؤلفًا كما مر ذكره"» على أن هناك مؤلفات 
تاها ولكتها طبعت ضمن الكتب التي كانت مؤلفات الأستاذ بمقابة التعاليق والحواشي 
لهاء وأذكر من ذلك: ر ا 

١‏ لفت اللحظ إلى ما في الاختلاف في اللفظ» وهو مقدمة وتعاليق على كتاب 
الاختلاف فى اللفظ والرد على الجهمية والمشبَهة لابن قتيبة طبعه القدسي بمطبعة السعادة 
بمصر في ۸ صفحة» بما في ذلك الفهارس سنة .۱۳١۹‏ 

۲ - تبديد الظلام المخيّم من نونية ابن القيم» وهو مقدمة وتعاليق على كتاب السيف 
الصقيل في الرد على ابن زفيل للسبكي الكبير» مطبعة السعادة سنة ٠١١١‏ في ٠۹۲‏ صفحة 
غير الفهارس والتصويبات وكلمة الناشر. 

HF RF 
تقدماته وتعالیقه‎ 

لأستاذنا الكوثري رضي الله عنه تقدمات وتعاليق على كثير من الكتب النافعة» 
وسأكتفي بالکلام على ثلاث منهاء ثم أسرد أسماء الباقي نقلا عن آخر مؤلفاته الاستبصار» 
حیث سردها في اخره: 

١‏ مقدمته الحافلة القَيّمة على نصب الراية لأحاديث الهداية للحافظ الزيلعي» 
المتوفى سنة ٠۷1۲‏ طبع بمصر سنة ٠۳١۷‏ وتقع من ص۱۷ إلى ص۹٤؛‏ ثم من ص۷٠‏ 
إلى ص٠1»‏ من الجزء الأول وتعتبر تاريخًا للفقه ومنشأً تطؤراته . فقد استهلها بكلمة عن 

فقه أهل العراق ثم استطرد إلى الرأي والاجتهادء ثم تكلم عن الاستحسان» وانتقل إلى 
Rg‏ ثم استعرض منزلة الكوفة من علوم الاجتهاد» وذکر ۳۳ جِبْرًا من 
ا بک ا را ھا م انتهى إلى طريقة أبي حنيفة اي 
التفقيه» وذكر ٩١‏ حافظًا من كبار المحدثين الأحناف» وانتهى بكلمة في كتب الجرح 
والتعديل» والواقع أن هذه المقدمة تعتبر دستورًا جليآا ومدخلا مضيئًا للفقه الإسلامي . 


(1) رذ فيه على الشيخ مصطفى صبري التوقادي نزيل مصر» والذي كان شيا لاإسلام بالدولة 
العثمانية. 
n REE (0‏ 
- تاريخ مذاهب الفقهاء وانتشارها. 
۲ - تاريخ الفرق وتأثيرها على المجتمع. 
ولم یذکرهما المترجم لي ولذا لا أدري أين فا ولا أعلم شيتًا عنهما. 


۹ الإمام الكوثري لأحمد خيري 

مقدمته لكتاب المقدمات الخمس والعشرون. . . من دلالة الحائرين لابن 
ميمون الفيلسوف الإسرائيلي المتوفى سنة ٠٠١‏ طبع بمطبعة السعادة بمصر سنة »۱۳١۹‏ 
ومقدمة الأستاذ تقع من ص۳ إلى ص۳٠‏ وفيها عدة أبحاث نفيسة خصوصًا عن 
الشخصيات الإسرائيلية في تاريخ الإسلام مع استطرادات مفيدة نافعة . 

۳ تعليقة قيّمة على مادة (الجركس) في تعريب دائرة المعارف الإسلامية وتقع 
تعليقة الأستاذ في المجلد السادس ص٥٠٠۳‏ إلى ٠٠٠١‏ أراد بها تصحيح ما ورد في الدائرة 
المذكورة عن الجركس» فأجاد وأفاد على عادته . أما باقي تقدماته وتعاليقه فقد ذكر في 
ص۳۸ من موْلّمه الاستبصار بعد سرد أسماء مؤلفاته» ما نضّه: ومما قدم له وعلق عليه : 

١‏ - الخرة المنيفة للسراج الغزنوي الهندي في تحقيق نحو مائة وسبعين مسألة ردا 
على الطريقة البهائية للفخر الرازي. 

۲ - دفع شبه التشبيه لابن الجوزي . 

۳ رسالة أبي داود السجستاني في وصف سننه. 

٤‏ مناقب أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن للذهبي› ومعها أيضًا تعليق 
الأستاذ أبي الوفاء. 

. ذيول طبقات الحفاظ للحسيني وابن فهد والسيوطي‎ ٥ 

٦‏ - تبيين كذب المفتري في الذبَّ عن الإمام الأشعري لابن عساكر. 

۷- التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية من الفرق الهالكين لأبي المظفر 
الإسفراييني . 

۸ العالم والمتعلم رواية أبي مقاتل عن أبي حنيفة . 

٩‏ - رسالة أبي حنيفة إلى التي إمام أهل البصرة في الإرجاء. 

. الفقه الأبسط رواية أبي مطيع‎ ١ 

١-الفرق‏ بين الفرق لعبد القاهر البغدادي مع ملء الخروم من كلامه وكلام 
أصحابه . 

٢‏ - التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع لأبي الحسين الملطي. 

۳ - اللمعة في الوجود والقدر وأفعال العباد لإبراهيم بن مصطفى الحلبي المذاري. 

. كشف أسرار الباطنية لمحمد بن مالك الحمادي‎ _ ٤ 

. الروض الزاهر للبدر العيني في سيرة الملك الظاهر (ططر)‎ - ٠١ 

١‏ - الانتصار والترجيح للمذهب الصحيح لسبط ابن الجوزي. 


الإمام الكوثري لاحمد خيري ¥ 

۷ _ شروط الأئمة الستة لمحمد بن طاهر المقدسي والخمسة للحازمي» 
والتعليقات عليهما مسمَّاة بالتعليقات المهمة على شروط الأئمَة . 

۸ - مراتب الإجماع لابن حزم ونقده لابن تيمية . 

۹ - النبذ في أصول المذهب الظاهري لابن حزم . 

. اختلاف الموطآت للدارقطني‎ ١ 

-١‏ كشف المغطى من فضل الموطأً لابن عساكر. 

۲ - العقل وفضله لابن أبي الدنيا. 

۳ - الحدائق في الفلسفة العالية للبطليوسي . 

. حقيقة الإنسان والروح للجلال الدواني‎ - ٤ 

. العقيدة النظامية لإمام الحرمين‎ - ٠ 

. -الإنصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به للباقلاني‎ ١ 

۷ _ خصائص مسند أحمد لأبي موسى المديني . 

۸ المصعد الأحمد لابن الجزري . 

۹- زغل العلم للذهبي. 

. الأسماء والصفات للبيهقي‎ - ١ 

ومما قم له وکتب فيه كلمة : 

. شرح مقامة (الحور العين) لنشوان الحميري‎ ١ 

۲ - نشر الدرّ المكنون في فضائل اليمن الميمون للسيد محمد الأهدل شيخ رواق 
ا 

۳ الد الفريد الجامع لمتفرّقات الأسانيد للسيد عبد الواسع اليماني . 

٤‏ - بيان مذهب الباطنية وبطلانه من كتاب قواعد عقائد آل محمد لمحمد بن الحسن 
الديامي. 

. طبقات ابن سعد من الطبعة المصرية‎ _ ٥ 

فتح الملهم في شرح صحيح مسلم لمولانا العلامة شبير أحمد العثماني 
رحمه الله . 

۷- ترتيب مسند الإمام الشافعي للحافظ محمد عابد السندي . 

۸ - أحكام القرآن جمع البيهقي من نصوص الإمام الشافعي رضي الله عنه . 

٩‏ - مناقب الإمام الشافعي للحافظ عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي الشافعي. 


4۸ الإمام الكوثري لأحمد خيري 

. ذيل الروضتين للحافظ أبي شامة‎ ٠١ 

-١‏ فهارس البخاري لفضيلة الأستاذ الشيخ رضوان محمد رضوان. 

۲ - إشارات المرام لكمال الدين البياضي . 

۳ _ كشف الستر عن فرضية الوتر لعبد الخني النابلسي . 

٤‏ - العالم والمتعلم لأبي بكر الورّاق الترمذي. 

٠‏ - الأعلام الشرقية للأستاذ زكي مجاهد. 

- انتقاد المغني عن الحفظ والكتاب للأستاذ حسام الدين القدسي . 

۷ - النهضة الإصلاحية للأسرة الإسلامية للأستاذ الكبير مصطفى الحمامي 
رحمه الله . 

منتهى آمال الخطباء له أيضًا. 

4 - براهين الكتاب والسنة للعلامة العارف بالله الشيخ سلامة العزامي . 

. قانون التأويل لحجة الإسلام الغزالي‎ - ٠١ 

. الثمرة البهية للصحابة البدرية لمحمد سالم الحفناوي‎ ١ 

۲ _ کتاب بغداد لابن طیفور. 

۳ - الروض النضير في شرح المجموع الفقهي الكبير للسياغي الصنعاني . 

قلت: وأزید على ما ذكره ما يأتي 

١‏ منية الألمعي فيما فات من تخريج أحاديث الهداية للزيلعي» للحافظ ابن 
قطلوبغاء قدم له وحققه ونشر مذيلا بتعليقات الحافظ قاسم بن قطلوبغا على النصف الثاني 
من الدراية » مطبعة السعادة بمصر سنة ٠١١۹‏ . 

۲ - إيضاح الكلام فيما جرى لعز بن عبد السلام في مسألة الكلام بقلم ولده الشيخ 
محمد عبد اللطيف» طبعه الأستاذ من نسخته بمطبعة الأنوار سنة ٠۳۷١‏ وصخحه وعلق 
بأوله تعليقة . 

۳-الانتفاء في فضائل الثلاثة الأئمَة الفقهاء علق عليه لغاية ص۰۸۸ والكتاب طبع 
سنة ٠١١١‏ في ٠۹١‏ صفحة بما في ذلك مقدمة الناشر والفهارس . 

وهناك أشياء من هذا القبيل أخقى الأستاذ فيها نفسه» أذكر منها الآتي : 

١‏ تعليقاته النفيسة على تاريخ القوقاز الذي طبع تعريبه بمطبعة عيسى الحلبي سنة 
١٠ه.م,.‏ وذكرت منسوية إلى عالم جركسي جليل . 

۲ مذكرات الأمير محمد علي توفيق عربها وطبع التعريب في مطبعة عناني سنة 
في ۵٥۷‏ صفحة» ولم يذكر فيها اسمه. 


الإمام الكوثري لأحمد خيري ۹ 

۳ بيان الخطوط الجميلة المحفوظة في المتحف الذي أنشأه الأمير محمد علي في 
سراي منيل الروضة المطبوع بمطبعة مصر سنة ٠۳۷١‏ في ٠۲‏ صفحة. 

٤‏ - بعض وثائق تاريخية من عهد ساكني الجنان إسماعيل باشا وتوفيق باشا انتقاها 
وأمر بترجمتها الأمير محمد عليّ» وطبعت بمطبعة عناني سنة ۱۳١۷‏ في ٩۳‏ صفحة غير 
التصويب» وذكر بأولها أنها ترجمة الأستاذ رضي الله عنه» وكان الإفصاح باسمه هنا 
خالا لما سی 

وإني أشكر مزيد الشكر كل من يتفضل فيرشدني إلى ما أكون غفلت عنه من مؤلفاته 
خاصة» ومن تقدماته وتعاليقه عامة. 

وقد عثر في أوراق المترجم رضي الله عنه على رسالة بخطه في ٠١‏ فة اسما 
(المنتقى المفيد) انتقى فيها أشياء من (العقد الفريد في عل الأسانيد) تأليف العامة سيدي 
الشيخ أحمد بن سليمان الأروادي المتوفى سنة ٠۲۷١‏ فرغ منها المترجم في خامس 
جمادى الثانية سنة »٠١١٤‏ وهي مخطوطة بخطه كما دُكر. 

كما عثر على نسخة من (حنين المتفجع) طبع قسطموني سنة ۱۳۳۷ » وقد مر ذكرها 
ويأتي ذكر بعض أبياتها في الفصل السابع الخاص بذكر شعره ونثره بمشيئة الله تعالى . 
وعلى قدر ما بذلته من جهد لحصر مؤلفات أستاذنا رضي الله عنه وتعاليقه وتقدّماته» فإني 
أستشعر أن منها ما فاتني مضطرًاء وقد نهني السيد حسام الدين القدسي إلى أن الترجمة 
الموجودة في صدر الجزء الأول من فتاوى السبكي الذي طبعه سنة ١١١٠ء‏ والواقعة في 
ص۳٠‏ - ٠١‏ هي من صنع الأستاذ رضي الله عنه» ولكنه لم يرد أن تذكر باسمه لصغرها 
وقلّة الجهد المبذول فيهاء ولخلو الكتاب المطبوع من أي مجهود للأستاذ رضي الله عنه» 
ومن يطالع هذه الترجمة ولا سيما في أواخر ص٤٠‏ يستشفَ منها روح الكوثري ومقدرته 
وعلمه وسِعًة أفقه» وأخيرًا أرجو قبول عذري في ما فاتني وتكرار شكري لمن ينبهني ليه . 

# # # 
مقالاته 

للمترجم رضي الله عنه مقالات كثيرة في فنون متشعَبة وفي كل مقالة منها من 
الدروس ما يفيد جماعة» وقد كان يُنشر في معظم المجلات التي تتمشى مع نواحي مقالاته 
على أنه اختصض مجلة الإسلام ثم الشرق العربي بمعظم ما نشر» وقد حرص بعض فضلاء 
تلامیذه على جمع مقالاته ونشرها في مجلد مستقلَ رأوا أن تكون هذه الترجمة في صدره» 
والله المستعان. وختامًا أحبَ أن أسجل أن للمترجم عدة رسائل علمية» وهذه لا يسهل 
جمعها لأنها منتشرة في بقاع الأرض› حیث کان يرسل ردا إلى مَّن يسألونه ولا أدري إذا 


#5 ارمام الكودري عمد ري 


كان احتفظ بصورها في أوراقه . أما مراسلاته الخاصة معي فمحفوظة بفضل الله» ويأتي 
الكلام عليها في الفصل التالي إن شاء الله . 

ويحسن التنويه بن للأستاذ ترجمة نفيسة للسيد عرّت العطار في صدر تأنيب 
الخطيب» وأخرى للأستاذ السراوي في أول الطبقات الكبرى لابن سعد طبع مصرء وقد 
كتب لي السيد عزّت العطار بأن آخر ما كتبه شيخنا بخطه الكريم من تقدمات للكتب تقدمة 
كتاب جذوة المقتبس الذي طبعه السيد عزت ونشره. 

هذه هي صفحة فخار من سجل حياة مجيدة لرجل عاش يرغب عن دنياه ويرجو 
من الله أخراه» رجل نقاه الله تعالى من الخطايا كما نقى الثوب الأبيض من الدنس» والله 
المسؤول أن يغسله بالماء والثلج والبرد» وأن يكرم نزله بمّه وفضله . 

# oF 


أكتفي في هذا الفصل بذكر بعض ما قرأته على الأستاذ رضي الله عنه مما يكون في 
بيانه فائدة عامة ‏ كما أشير إلى بعض ما جاء في مراسلاته مما يناسب ذلك. 

فمما قرأته عليه: كتاب منار الأنوار في أصول الأحناف لأبي البركات عبد الله بن 
أحمد النسفي المتوفى سنة ۷١١‏ نسخة مخطوطة سنة ٩٠٤‏ ذيّلها بالإجازة بخطّه وهي 
عندي برقم ٠۲‏ أصول» وهذا بعض ما قاله الأستاذ: 

أ تقسيمات التربيعات التي في أول كتب الأصول من عمل أبي زيد الدبوسي من 
كبار فقهاء الحنفية» وممن يضرب به المثل توفي ببخارى سنة ٤۳١‏ ومن جاؤوا بعده 
تابعوا على تقسیماته لسرورهم بها . 

ب - عدم الجمع بين قطع يد السارق وضمان ما سرقه عند الأحناف أمر لو فطن له 
الذين يشرعون لعلموا أن مسألة قطع اليد التي يجعلونها سببا لتنكبهم الشرع وانكبابهم على 
القانون الفرنسي ليس جزافًاء وإنما هي مع ضماناتها الشرعية لازمة» وقليل بل نادر من لا 
يفتدي يده برذ ما سرق . 

ج - عدم ضمان المنافع يخالفه الأستاذ» ويرى وجوب دفع إيجار. 

د عند الكلام على القسم الأول من أقسام السَنة جملة (وهو ما كان من الآحاد في 
الأصل ثم انتشر)» قال الأستاذ: كحديث: «إنما الأعمال بالنيات». 

ه- عند ذكر جملة (وعند بعض المتكلمين لا يصح بيان المجمل والمشترك إلا 
موصولًا)ء قال الأستاذ: هذا هذيان وليس برأي فقهي» فلا داعي إلى الوصل . 

و عند جملة: (والاستشناء متى تعقب كلمات معطوفة بعضها على بعض ينصرف 
EE‏ . وعندنا إلى ما يليه)» قال الأستاذ مل قوله 
تعالى في سورة النور: ورک هم اتيش @ ل ١‏ اأ [النور: الآيتان »٤‏ ه]» 
فالاستثناء يزيل الفسق» ولكنه لا يزيل عدم قبول الشهادة عندنا؛ خلاًا للشافعي . 

ز - عند الكلام على حديث معاذ رضي الله عنه» قال الأستاذ: إنه يرى صحة حديث 
معاذ وله في ذلك تعليق على كتاب النبذ لابن حزم الذي طبعه السيد عرّت العطار. 


o۲‏ الإمام الكوثري لاحمد خيري 


ح - عند الكلام على البتيراى قال: إنها الركعة الواحدة» وفي الحديث أنه نهى عن 
البتيراء. 

ومما قرأته عليه قصيدة البردة المباركة. . . ليلة الجمعة ۲۸ من شهر رمضان سنة 
۸ ثمان وخمسين» وعند الوصول إلى الفصل الأخير قال بأنه يفضل تجلى بالجيم في 
البيت: 

ون يَضِيق رَسُولَ الله جَاهْكٌ بي إِذا الكرِيمْ تَجَّلى باشم ملقم 

وذلك لان الانتقام لا يكون حليةء ولكنه من تجليات الحق سبحانه وتعالى لإقامة 
العدل وتنفيذ القصاص» وكتب الإجازة بخطّه الشريف وبسند فيه هبة الله البعلي المتوفى 
سنة ٠٠۲۲١‏ ومحدث الشام صالح الجنيني المتوى سنة ١۷٠۱ء‏ وعبد الغني الثابلسي 
المتوفى سنة ١١٠١ء‏ ونجم الدين الغزي المتوفى سنة ١١٠٠ء‏ والذي كان يتعسّر عليه 
الطواف عند حجته الأخيرة من انكباب الناس عليه لاستجازته» ووالده بدر الدين الغزي 
المتوفى سنة ۹۸4 والقاضي زكريا الأنصاري المتوفّى سنة 4۲١‏ وغيرهم» أفيعقل أن 
هلؤلاء العلماء الأعلام كلهم أشركوا من أجل سواد عيني ابن عبد الوهاب النجدي. وهل 
لأنه لم يفهم روائع المعاني التي في البردة نرمي عقولنا ونسب سلفنا المنصف ونطيع 
النجدي المتعسّف . وماذا في قول البوصيري : 

ا أَعرَمّ الحُلتي ما لي مَن أَود به سوا عِنْدَ حول الحاوثِ العَمم 

وأيّ شرك في هذا البيت المترع باليقين والإيمان. إن البوصيري يتكلم عن يوم 
القيامة» وحديث الشفاعة الطويل المتواتر الذي اتفق عليه البخاري ومسلم صريح في أن 
الناس يموجون يوم القيامة ويترددون على الأنبياء رجاء الشفاعة» وأن كل نبي يقول: لست 
لهاء فإذا جاؤوا النبِيّ اة يقول: أنا لهاء ويحمد ربّه ويسأله ساجدًا فيحد له حدًا 
فيخرجهم من النار ويدخلهم الجنَةء وهكذا عدة مرات حتى لا يبقى في النار إلا من وجب 
عليه الخلود» وينجو كل مؤمن . والبوصيري لم يقل غير ما جاء في الحديث» وجملة: يا 
أكرم الخلق فيها إشارة لمن يتدبر إلى الاعتراف بخالق هلؤلاء الخلق» وكلمة سواك في 
البيت مرجعها الأنبياء الذين يعتذرون من عدم الشفاعة يومئلٍ بن الحديث. والتوجه إلى 
النبيْ اة في قوله تعالى: #ولو لمم إذ لمو سهم اموك اترو أله انعر 
لے التسون لودو آله ربا E‏ : الآية »]٤‏ فجعل توبته ورحمته متعلقتین 
بالتوجه إلى الرسول ية واستغفاره للمتوجهين» فإن قيل : إن ذلك في حياته تمشينا مع 
القائل وتركنا جانا حياة النبيّ َة في قبره التي نوقن بهاء وقلنا للمعترض : هل تنكر 
حياة النبيّ َة يوم القيامة» وأنه سيكون في وسطنا كما کان بين صحابته يوم نزلت آية 
سورة النساء؟ فأين خطأ البوصيري إدا؟ ومقام النبيّ ية الذي يوجب على المسلم أن 


الإمام الكوثري لأحمد خيري or‏ 
يسلم عليه بصيغة المخاطب الحاضر في كل جلسة عقب ركعتي الصلاة - والمرء بين 
يدي الله تعالی - هذا المقام لا يتعرض له بسوء إلا من ضاق عقله أو ضاع عدله. 

فالبوصيري مؤمن ورميه بالشرك بلاء يوقع قائليه في مآزق تجعلهم يهتمون بسفساف 
الكلام ويغفلون عن المصائب والكلام التي ستنتهي بتسليم آخر معاقل الإسلام إلى الكفار 
باسم الاتجار وما هو إلا نوع من أنواع الاستعمار والاشتغال بدرء هذا البلاء أولى من 
المهاترة والإسفاف» ولكن أين الإنصاف! 

ومما قرأته عليه أيضًا متن القدوري» وهو كتاب مبارك تواتر عند الأحناف أنه إذا 
قرىء على شيخ صالح كان سببًا لتيسير الرَزق ولمَّا لم أجد أصلح من الأستاذ بمصرء 
وذلك لأني لم أكن عرفت يومئذ الأخ الصالح السيد محمد إبراهيم أبي العيون شيخ معهد 
المنيا حال فقد قرأته عليه سنة ۹١١٠ء‏ ودعى لي في ختامه وكتب الإجازة بخطّه» فيسّر الله 
تعالى رزقي تيسيرًا لم يكن على بالي من حل مبارك لا شبهة فيه ولا ريبة» فللّه الحمد 
والشكر والمئة, 

والكتب التي قرأتها على الأستاذ كثيرة» وكنت أحرص دائمًا على أن يكتب الإجازة 
في آخرها بخطه وسردها يطيل الترجمة . 

وقد كتب الأستاذ نقدّا بخطه لمؤلفي إزالة الشبهات يوجد في آخر الكتاب المذكور. 

كما أجازني بعد إجازات منها ما لم يدخل في ثبته (التحرير الوجيز) وكلها بخطه 
الجميل المبارك. 

وقد كتب بعض فوائد وتصحيحات بخطه على نسخة الفقه الأكبر المنسوخة عن 
مكتبة شيخ الإسلام بالمدينة المنورة» وقد جلّدت تصحيحات الأستاذ مع فوائد أرسلها 
الشيخ عبد القادر الشلبي الطرابلسي المتوفى سنة ٠١١١‏ من المدينة المنورة بآخر النسخة 
المذكورة المحفوظة عندي برقم ۷١‏ توحيد. 

ومن أعرّ ما أعترّ به مجموعة مراسلاتناء وقد بلغ عددها ۲۹ من ذلك ٠٠١‏ صادرة 
عني» و۹٠٠‏ واردة من الأستاذ ويوجد بعض خطابات برقم مكرر لخطاب سابق تعلق 
المكرر به وجميع مراسلات الأستاذ جليلة مفيدة» وأكتفي هنا بالكلام على خمسة أشياء 
هي ضمن ما ورد في خمسة خطابات منها : 

ففي الخطاب رقم ۱۷ المؤرخ من رجب سنة ۱۳٣۸‏ قال: وأما حدیث رڏ 
الشمس فهو صحيح باعتبار الصناعة وحكمة حكم أخبار الآحاد الصحيحة» ولت ممن 
يجعل لقدرة الله حدًاء انتهى. قلت: والفقير يؤمن به أيضًا ويرثي لحضرات الذين 
يتشككون فيه وفي انشقاق القمر لتعارض ذلك مع نواميس الطبيعة؛ لأن الاشتغال 


of‏ الإمام الكوثري لأحمد خيري 


بالجاذبية وجعلها مما يعارض قدرة الله يؤدي إلى مذاهب النشوء والارتقاء والتطوّر ورذ 
الإنسان إلى قرد» ور القرد إلى سمكة» ورد السمكة إلى ما تقسع له عقولهم الفاسدة 
وعلومهم الجاحدةء والله الذي خلق الكون على ما يشاء وأجرى الكواكب كما يشاء قدير 
على أن ير الشمس ثم يعيدهاء وعلى أن يشق القمر ثم يعيده دون أن يتأثر شيء من نظام 
الكون؛ لأن الكون لا يقوم بنفسه وإنما هو قائم بالله الفحَال لما يريد. 

وفي الخطاب رقم ٠٤‏ المؤرخ من جمادى الآآخرة سنة ٠١١١‏ أن الإنارة في طرق 
حديث الزيارة لابن حجر هي في حديث زر غباء وليست في زيارة قبر المصطفى ييو كما 
ظنَ الكتاني . 

وفي الكتاب رقم ٠١١‏ المؤرخ ۷ من ربيع الآخر سنة ٠١٠١‏ أن الكتاب الذي طبعه 
الشيخ راغب الطباخ الحلبي المتوفى سنة ٠۷١‏ باسم الإفصاح هو في الحقيقة كتاب 
الإشراف على مذاهب الأئمّة الأشراف الذي هو قطعة من الإفصاح . 

وفي الكتاب رقم ۲٠۲‏ المؤرخ ٠١‏ من ذي الحجَة سنة ٠۳١۷‏ شرح معنى 
أرطغرل» وأن أر بفتح الهمزة وسكون الراء الذكر والرجل» وأن طغرل بضم الطاء 
المهملة وسكون الغين المعجمة وض الراء وسكون اللام هو الصقر» وأن كلمة 
الطغراء مأخوذة من هذا لأنها على رسم صقر مفتوح الجناحين.اه. قلت: وهذه 
فائدة هامةء فإن أحد أساتذة الجامعة نشر في هذه السنة سنة ۱۳۷۲ كتابًا ذكر فيه نقلا 
عن أحد الأجانب أن للطغراء قصة ا نشأتهاء فقد اضطرٌ السلطان مراد 
الأول العثماني إلى أن يعقد معاهدة مع أحد أعدائه وكتبت المعاهدة وقرئت عليه ثم 
قدمت له لکي يوفع عليهاء ولما كان أميًا لا يعرف القراءة ولا الكتابة فقد دهن يده 
اليسرى بالحبر ثم طوى إبهامه ومد أصابعه الثلاثة التالية إلى أعلى وترك خنصره 
منفرجًا قليلا عنها» ثم ضغط بيده على المعاهدة» فإذا صورة قريبة من صورة الطغراء 
التى نعرفها قد ظهرت على الورقة وتناول كاتبه هذه الورقة وكتب في داخل الصورة 
اسم السلطان واسم أبيه» ثم لقب خان وعبارة عر تصره. والأستاذ الجامعي مشكور 
فى نشر المصدر ومعذور فى تصديقه الأجانب لأن ثقافتنا الأخيرة تكاد تكون مستمدّةَ 
منهم» ولكنه معذول لعدم رد هذه الفرية الصادرة عن قلب مغيظ من السلطان مراد 
الذي كان هو وأسلافه وبعض من خلفوه قذى في عين كل أوروبي» وهذه العبارة 
مردودة من أربعة أوجه: 

الأول: أنه كان يكفي السلطان التوقيع بأصبع واحد» لأن أخذ البصمات لتحقيق 
الشخصية لم يكن عُرف بعد في تلك الأيام . 

والثاني : أن السلطان مسلم» والمسلم يعاهد بيده اليمنى لا باليسرى. 


الإمام الكوثري لاحمد خيري oo‏ 
والثالث: أنه كان يمكن للسلطان أن يأمر أحد أتباعه بالتوقيع نيابة عنه دون أن يلؤّث 
يده بالمداد» کما یفعل صبیان المکاتب . 

والرابع : أن الطغراء معروفة قبل ظهور العثمانيين بنحو مائتي سنة» وكان الذي 
يكتبها يعرف باسم الطغرائي . والطغرائي الشاعر المشهور توفي سنة »٥٠١‏ وأول سلطان 
عشماني وهو عثمان ولى الملك سنة 1۹4. ومراد الأول من سنة ۷٠١‏ وبذلك يتَبيّن 
استحالة القصة قا وعقلا كما يبن أن الطغراء أقدم من العثمانيين» وأنها كما قال الأستاذ 
نسبة إلى الصقر في اللخة التركية» واللغة التركية قديمة واختلاط العرب بالأتراك أقدم من 
ظهور العثمانيين بعدة قرون. 

وفي الکتاب رقم ۲۲۳ المؤرخ ۲٤‏ من شعبان سنة ۱۳۹۹ء ذكر أن سودوب بالباء 
الموحدة في آخر تصحيف متوارث . وأن الصواب سودون بالنون في آخره» ومعناه: (فتی 
الدون)ء والدون نهر معروف في شمالي مروج شمالي القوقازء والاسم المركب علم 
جرکسي . 

وبهذا يتبيّن أن مراسلات الأستاذ كانت دائرة معارف عامّة فيها من كل بحر قطرة» 
وأنه كان كالنحلة تجمع رحيق الزهور المختلفة . ثم تخرجه عسلا حلرًا فيه شفاء للناس» 
وكما أن النحلة يؤذيها الزنبور» فكذلك لم يسلم الأستاذ من زنابير البشر. وفي البشر من 
هم کالزنابیر لا يعملون شيتًا ولا يفيدون أحدًا ويعتدون على العاملين النافعين» وقد تفضل 
رضي الله عنه فكتب تقريظا نافعًا جامعًا نقد فيه مؤلفي إزالة الشبهات» وهذا التفريظ مطبوع 
بنصه في آخر مؤلفي المذكور. 

وكنت ‏ مع إجلالي التام للأستاذ - أخالفه في أشياء» وكان رضي الله عنه لا يغضب 
من ذلك ولا تبراً مني» لأنه كان يحب أن يعتقد الإنسان ما يقتنع به ما دام الأمر لا يمس 
أصول الإسلام المعروفة . 

ولا بأس بأن أذكر هنا بعض ما خالفت فيه شيخي الجليل رضي الله عنه وأرضاه: 
فأولا مخالفاتي للمذهب الحنفي» ومنها: 0 

١‏ اعتقادي نجاة أبي طالب رضي الله عنه» ولي في ذلك مؤلف خاص سهّل الله 
تعالى إتمامه. 

۲ اعتقادي أفضلية سيدنا علي عليه السلام على سيّدنا أبي بكر رضي الله عنه» ولي 
في ذلك (القول الجلي)» وقد سبقني بعض الحنفية إلى ذلك. وحسبك قوله: ويجوز 
إمامة المفضول مع وجود الفاضل إلى آخر ذلك البحث المشهور» وليس هنا مقامه. 

۳ - حرصي على صوم الأيام الستة من شوال متتالية مبتدئة باليوم التالي لعيد الفطر» 
مع أن الراجح في المذهب صومها متفرّقة ودليلي في حرصي أن الحديث ورد بلفظ : امن 


۹ الإمام الكونري لاحمد خيري 


صام رمضان وأتبعه سنّا من شوال»» والإتباع مفهومه التوالي لا التفرق؛ كما أن خيفة توهم 
أن تظن مما فرض أمر أنزه نفسي عنه» فالعوام قبل الخواص يعلمون أن الله تعالى لم 
يفرض إلا صوم شهر رمضان. 

٤‏ - مخالفتي المذاهب الأربعة في الحامل المتوفى عنها زوجهاء فإنهم يقولون 
بأقرب الأجلين. والمرويّ عن علي عليه السلام وابن عباس رضي الله عنهما أبعد 
الأجلين» وهو الوجه؛ فإن الحامل التي يموت زوجها ظهرًا وتلد عصرًا يصح لها على 
الرأي الأول أن تتزوج ولا يزال جثمان زوجها مسجّى على سريره لما يدفن بعد. أما على 
الرأي الثاني» فإنها تنتظر أربعة أشهر وعشرًا ومن الحتم انتظار الزوجة حتى تضع وقتئذ 
فلا ضرر عليها أن تنتظر بعد المولد إلى استيفاء أجل الحداد مراعاةٌ لحرمة الزوجية 
وروابطها المقدسة. 

هذه بعض المسائل التي أخالف بها مذهبي» وجملتها ثمان مسائل مبسوطة في أول 
مؤلفي (أبو طالب). أما فيما عداهاء فأنا حنفي عن عقيدة وبحث ماتريدي عن يقين 
اجس المد ر الاين 0 

وثانيا : كان رضي الله عنه يقطع بفساد نسب الفاطميين والذي أراه أن ذلك محتمل» 
كما أن صحة نسبهم محتملة أيضًاء والطعن في الأنساب بلاء قديم . وزوال الفاطميين 
وقت أن كان أعداؤهم العباسيون لا يزالون ملوكا مكن لمن يشاء أن ينشر الطعن ويكتب 
المحاضر» وإلا فكيف ترمى الأمّة التي حكمها الفاطميون بالخضوع إلى يهودي زنيم» 
وهي تتكون وقتئذ من مصر والشام والحجاز واليمن والمغرب» فذاك بعض ما خالفته فيه . 

وأختم هذا الفصل بقولي : إنه كان رضي الله عنه يرى الإسلام من وجهته 
الصحيحة» ولما سألته: أيجب علي العشر بينما أرضي خراجية ولا يجمع بينهما في 
المذاهب والخراج هو الضريبة التي نؤديها للدولة باسم الأموال على الأرض الزراعية» 
والعشر هو ما يجب على الزرع . أجابني بقوله: اعتبر الخراج زكاة وتصدَق بالعشر مذَخرًا 
إياه عند الله» فنحن في وقت قست فيه القلوب ومعاونة الفقير مجابة للبركة محفظة 
للرزق. والعاقل يذخر من ماله لما يتوقعه من عسر محتمل مقبل» فكن عاقلا واڏخر 
عند الله تعالى ما تضمن حفظه ومضاعفته وما تجده في وقت أنت أحوج ما تكون فيه إليه 
- وهي كلمات طاهرة نقيّة - صادرة عن نفس مطمئنة تَقَيّة . 

## # 


الفصل السابع 
بیان بعض شیوخه 
وبعض مأثور کلامه من منظوم ومنثور 


ذكر أستاذنا رضي الله عنه وشيوخه وترجم لهم في ثبته التحرير الوجيز فيما يبتغيه 
المستجيز» مطبعة الأنوار سنة ٠١٠١‏ بالقاهرة» وأكتفي هنا بنقل ترجمة خمسة من شيوخه 
مع ترك الاستطرادات والاقتصار على ترجمة كل شيخ منهم . 

فأولهم : والده الشيخ حسن بن علي الكوثري المولود في قوقاسية سنة »٠۲٤١‏ 
وتلقّى العلم هناك من الشيخ سليمان الأزهري المقرىء المتوفى شهيداً سنة »٠۲۷۷‏ 
والشيخ موسى الصوبوصي المتوقى سنة ٠۲۷١‏ والشيخ موسى الحناشي المتوفى سنة 
١‏ والشيخ حسن الصجحي المتوفُى سنة ۱۲۹١‏ تلميذ الشيخ شامل المجاهد 
الجركسي المشهور المتوفّى بالمدينة المنورة سنة ۱۲۸۷ء ثم هاجر المترجم إلى البلاد 
العثمانية مع طلبته سنة ۰٠۲۸٠١‏ وبنى قرية جنوبي دوزجه بنحو ثلاثة أميال وتدعى باسمه 
إلى اليوم» وبنى بها أيضًا مدرسة كثيرة الغرف لطلبة العلم سنة .٠۲۸١‏ 

واجتمع فيها الطلبة» فاستمر على تدريسهم إلى أن بنى أشراف مركز دوزجه مدرسة 
في جنب الجامع الجديد بها فطلبوه ليدرّس بهاء فانتقل من القرية إلى دوزجه سنة ٠١١۳‏ 
فاشتغل بتدريس الطلبة بهاء إلى أن بنى خانقاها جانب المدرسة» فانتقل إليه متخْلَيًا عن 
شؤون المدرسة لأنجب تلاميذه» وتفرّغ المترجم لإقراء الفقه والحديث وإرشاد السالكين. 

ومن شيوخ المترجم أيضًا الشيخ دولت المتوفى سنة ١۲۸٠ء‏ والشيخ موسى 
الأسترخاني المكي المتوفى سنة ٠١٠١‏ صاحب عبد الله الأرزنجاني المكي تلميذ مولانا 
خالد البغدادي اجتمع به سنة ۱۲۸۷ في موسم الحج وبقي عنده مدّة. ومن مشايخ 
المترجم أيضاً الشيخ أحمد ضياء الدين الكمشخانوي المولود سنة ۲۲۷٠ء‏ والمتوقى سنة 
١‏ وهو عمدة المترجمء وكانت للمترجم رضي الله عنه يد بيضاء في الفقه والحديث» 
وقد أقرأً مهات كتب الفقه مرات ومراموز الأحاديث مرات» وكان له شغف عظيم بصحيح 
البخاري» يختمه مطالعة مح شرحي ابن حجر والبدر العيني» ثم يعيده وهكذا. وقد تلقى 
شيخنا من المترجم الفقه والحديث وغيرهماء وأجازه بمروياته عامة» ومنها دعاء الفرج 
المبارك المسلسل بقول رواته: (کتبته وها هو في جيبي)» توفي بدوزجه وشيخنا في بلاد 


0۸ الإمام الكوثري لأحمد خيري 


الغربة مهاجرًاء وذلك يوم الأربعاء ٠١‏ من ربيع الآخر سنة ٠٤١‏ عن مائة سنة رضي الله 
عنه. 

وثانيهم: الشيخ إبراهيم حقي الأكيني» كان آية في الذكاء» وحسن الإلقاء» ولم ير 
شيخنا مثله في ذلك بين من أدرك من أهل طبقته» وكانت له يد بيضاء في علوم القراءة 
والأدب العربي» وكان بارعا في الأصلين والمنطق والحكمة والفقه. تخرَّج في العلوم 
على الشيخ أحمد شاكر المتوفى سنة ١٠١٠ء‏ وهو عمدته فيهاء وقد تخرج عليه نحو 
مائتي عالم في الطبقة الأولى . وكان شيخنا يلازمه في الطبقة الثانية في عدد لا يقل عن 
ذلك» إلى أن مرض في شعبان واستمرّ مریضًا حت موته يوم السبت ۲۷ من شوال سنة 
۸ عن ٥۷‏ سنة» وهو عمدة شيخنا ويمينه في العلوم من صرف ونحو وبلاغة وأدب 
وفقه وأصول وتوحيد ومصطلح وتفسير وحديث ومنطق وآداب وحكمة إلى غير ذلك مما 
كان يدرس في الآستانة وقتئذ» رضي الله عنه . 

وثالشهم : هو الشيخ علي زين العابدين الألصوني المولود سنة ٠۲١۸‏ في آلاصونيا 
حيث تعلم مبادىء العلوم في بلده» ثم رحل إلى إستامبول فحضر درس العامة رجب 
الأرناوطي» ولما توفي سنة 1۲۸۹ انتقل إلى درس الشيخ أحمد شاكر ويه تخرج في 
العلوم» وأخذ الحديث عن الشيخ حسن القسطموني . وتلقى برهان الكلنبوي وغيره من 
المحقق الشهير عبد الكريم النادر الألبصاني المتوفى سنة ٠١٠١‏ ودرّس العلوم في جامع 
الفاتح . 

وتخرج عنده طبقتان من أهل العلم الأولى نحو مائة عالم» والثانية نحو مائة وأربعين 
عالمًاء وكان آية في الورع» حتى إنه بعد أن أت التدريس في الطبقة الثانية تخلّى عن مرتّبه 
لبيت مال المسلمين مرتثيًا أنه لم يعد يستطيع التدريس» فلم يبق وجه لصلته من بيت 
المال» فطار هذا الخبر كل مطار» فكثر الزوار» فتوهّم متوهمون مؤامرة سياسية في 
المترددين إليه» فأصابه بعض أذى إلى أن أذاع بين محبَيه ألا يزوروه فامتنع من مقابلة 
الزوّار لهذا العذر إلى الانقلاب الدستوري في الدولة العثمانية سنة .٠۲١‏ ولمّا أحيل أمر 
إصلاح المعاهد الدينية إلى الفا هة خاي الشرواني المتوفى سنة ٠۳۳١‏ بتعيينه 
وكيا للدرس. اختار المترجم في عداد من اختارهم لمجلس الوكالة فقبل بعد إلحاح 
شديد» وعاد إلى ساحة التوظيف بالحكومة. وفي سنة ۱۳۲۹ء عيّن وكيا للدرس. ومن 
نصائحه لشيخناعندما تخرج عليه او ا 
الإخلاص). 

ولما توفي الشيخ إبراهيم الأكيني انتقل الأستاذ بوصية منه إلى الألصوني حيث أكمل 
عليه العلوم» ونعته بأنه قدوته ومساعده وشيخه وملاذه. توفي المترجم يوم الجمعة ٠۸‏ 


الإمام الكوثري لأحمد خيري ۹ 
صفر الخير سنة ٠۳۳١‏ ودفن بعد ظهر السبت في مقبرة السلطان محمد الفاتح رضي الله 
عنهما. 


ورابعهم : : الشيخ حسن القسطموني المولود في بلدة طاطاي سنة ١٤۲٠ء‏ تخرج في 
العلوم على العامة أحمد حازم الصغير النوشهري المتوفى سنة ۱۲۸١‏ حفيد أحمد حازم 
الكبي ر المتر ئى س 13 وأخذ الحديث والتصوّف عن الكمشخانوي وهو من أقدم 
أصحابه . وشارك شيخه في الأخذ عن السيد أحمد بن سليمان الأروادي المتوفى سنة 
٥‏ حين ما ورد الآستانة سنة ٠۲١١‏ . وأقام بها سنتين يدرس الحديث بآياصوفيا» كما 
أخذ المترجم عن الشيخ عبد الفتاح العقري أحد أوصياء مولانا خالد البغدادي دفين 
صالحين الشام. . كان من الموفقين في الإرشاد ونشر الحديث وسمع شيخنا عليه راموز 
الأحاديث وغيره وأجازه سنة ٠۳١۸‏ بما حوى ثبت شيخ المترجم وبمرؤياته عامَة. . توفي 
یوم الخمیس ۲۳ من صفر سنة ۱۳۲۹» عن ۸٩‏ سنة وذُفن قرب شيخه الكمشخانوي في 
مقبرة السلطان سليمان رضي الله عنهم . 

وخامسهم : الشيخ يوسف ضياء الدين التكوشي المولود سنة ٠۲٤١‏ في يكوش 
بولاية سلانيك ورحل إلى الآستانة ولازم درس العلامة الحافظ السيد السيروزي. تلمیذ 
محمد أسعد إمام زاده» ثم تخرج في العلوم على المحقق علي الفكري بن بهرام الباقوري 
المتوفى سنة ٠۲۹۳‏ تلميذ العامة سليمان الكريدي المتوكى سنة ۸١۲٠ء‏ وتلقى المترجم 
المسلسل بالأولية من الشيخ محمد بن علي التميمي المتوفى بالآستانة سنة »٠۲۸۷‏ وأخذ 
منه المطول في سنتين. وللمترجم غير ذلك المشايخ» إلا أن الياقوري هو عمدته . 

وقد سمع شيخنا من المترجم حديث الرحمة المسلسل بالأولية» وكان المترجم 
شيخًا طوالًا نير الوجه مهيبا على سيرة السلف الصالح IGEN SA‏ 
ئم في بيان الحق» وذلك أن بعض المخذولين من كبار رجال المعارف في حدود سنة 
٠١‏ رفع تقريرًا عن أن في رد المحتار لابن عابدين كلمة ماسة تثير الخواطر» وهي قوله 
في كتاب الأشربة من قال لسلطان زماننا عادل فقد كفر» فصدر الأمر بمصادرة الكتاب» 
قش ارج وم العادبةمخمه قرھا بق کر آتریزوی المتر ی م ۱۳6۲ عن ۸۸ 
سنة» وكان من الشيوخ الهرمين مثله . وقابلا السلطان عبد الحميد الثاني المتوفى بعد خلعه 
سنة ٠١۴۳١‏ رحمه الله . وقالا له ما خلاصته: إن العبارة المنسوبة إلى الكتاب موجودة 
تقريبًا في كل كتاب فقهي» وإن مصادرة الكتاب تدمي قلوب المخلصين ومثل هذا العرض 
كان يعد جرأة بالغة في ذلك العهد» فأمر السلطان بإعادة الكتب إلى أصحابهاء ونفى ذلك 
الموظف الكبير صاحب التقرير إلى إحدى الولايات البعيدة على أن يكون شاويشًا خادمًا 
بسيطًا في البلدية. قلت: إن هذه الحسنة من السلطان الذي كان لا راد لأمره وقت ملكه 


1 الإمام الكوثري لاحمد خيري 


نزولا على حكم عالمين جايلين تغمر في بحرها كثيرا من سيئاته . اه. وتوفي التكوشي 
في ۲۹ من صفر سنة ۱۳۳۹ء وذدُفن في مقبرة الفاتح رضي الله تعالى عنهما . 

هذه صفحات ناصعة من سير رجال طلقوا الدنيا ورغبوا في الآخرة» طمعًا فيما عند 
لله تعالى من عظيم الأجر وخالد النعيم» وقد اخترت هلؤلاء الخمسة من شيوخ الأستاذ 
الكثير وكلهم كان عظيمًا جليلا يجمع بين العلم والعمل والتقوى والصلاح واقتصرت على 
هلؤلاء عزوفًا عن الإطالة . والله سبحانه وتعالى ينفعنا بهم وبعلومهم التي كان لشيخنا 
الكوثري فضل إيصالها إلينا. 

وللشيخ الكوثري كما ذكرت من قبل نظم ونثرء وطريقته في النثر يعرفها كل من 
طلب العلم عليه» وكثيرًا ما كنت أقرأ مقالا يخفي فيه نفسه فأستشقها من عباراته التي 
يلتزمها في نثره» وكنت أكتب له بذلك» فكان يعجب في أول الأمر ثم أخذ يسر بعد ذلك 
وشعره کما قلت من قبل لا یلیق بقدره خلافًا لنثره» فشعره دون المتوسط» ولکن نثره 
يعد من أبلغ وأجود ما كتب في العربية» على الرغم من أنه لم يكن عرييا 

فمن مأثور نثره قوله : (اللامذهبية قنطرة اللادينية)» وهو قول لو تدبّره المنصف 
لوجده من جوامع الكلم» فإن لاشيطان تلبيسات وهو يزين للمرء الوقوع في اللمم ولا يزال 
به حتی یجرئه علی ارتکاب الکبائر. والمذاهب الإسلامية كلها توصل إلى السعادة الدنيوية 
وإلى الجتة في الآخرة» فهي أشبه بعدّة طرق توصل إلى مدينة» فالسالك في أي طريق منها 
واصل. 

أما الذي يسير في هذا الطريق حيتًا ثم يعرج إلى الآخر ثم يحاول تجربة الثالث» ثم 
يسعى إلى سلوك الرابع ينتهي به الأمر إلى التيه في الشعاب» وتلتوي عليه المسالك 
والطرق فلا يصل أبدّا. وكذلك اللامذهبية مهما تزينها الوساوس وتزيّف بريقها الكاذب» 
فإنها تؤدي إلى التهاون فالاستخفاف فالجحود؛ وذلك لأن الأئمّة المتبوعين رضوان الله 
عليهم التزم كل منهم من قواعد الكتاب والستة ما فتح الله به عليه ولهم شروطهم في النسخ 
ودرجات الحديث ومفهوم الحروف والإجماع والتمييز بين الصحابة وعمل أهل المدينة 
والقياس والاستحسان» وغير ذلك مما يعرفه أهله. 

فإذا ابع الإنسان مذهبًاء فمعنى ذلك أنه رجح أدلّته فإذا عاج إلى آخر فمعناه أنه 
ارتاح إلى براهينه» فإذا انتقل إلى ثالث بدأ الخلط والوسواس يعتريه . اما إذا أراد أن يأخذ 
من كل مذهب ما يوافق هواه» فقد أصبح ممن يحتكمون إلى الهوى» وهوى النفس أعظم 
أسباب ترذيها وإتعاسها والتشريع لا يكون عن هوى» ومن المستحيل أن تكون في خلق 
السلف الصالح الذين شرعواء وأنا لا أريد التعرّض لعلماء هذا الزمن» ولا أنكر أن منهم 
الصالح التقي» والعامل النقي» ولکن لا يمکنني ولا يمکن سواي أن يتغافل عن انکباب 


الإمام الكوثري لأحمد خيري 1 


معظمهم على الدنيا وحرصهم على زخرفها وتعلقهم بأسبابهاء فإذا وجد بيننا اليوم من 
يُضرب ليلي القضاء فيعتذر عزوفًا عن مناصب الدنياء أو من يمشي في المدينة المثورة 
حافيّا حتى لا يطأً بنعليه موضعًا وطئه النبيّ بء أو من يجلد لأنه امتنع عن مجاراة الخليفة 
على ما لا يعتقده في القرآن الكريم» إذا وجد أمثال هلؤلاء قبلنا متهم أن يضعوا لنا تشريعًا 
موخدًا ومذهبًا مفردًاء أمّا والحال كما نرى في كل بلاد الإسلام فلنعض بالنواجذ على 
مذاهب السلف الصالح ولا نحاول خلطها ولا مزجهاء فكل مذهب منها فيه الغناء والكفاء 
لجميع التشريعات العصرية من غربية أو شرقية» ويزيد عليها بسموّ أصله وطهارة منبعه 
واستمداده من الله ورسوله» وليتمسشك كل متا بمذهبه كما وصل إليه من سلفه الصالح» 
ولنعلم أن في اختلافهم من التيسير والألطاف الخفية ما يجعل الجملة الخالدة (اختلافهم 
رحمة) من روائع الحكم. 

ومن مأثور قول الأستاذ أيضًا: (نفي الوجود بعدم الوجدان ليس بجيد)ء وهذه 
حكمة نفيسة؛ لأن المرء قد يتعجَل فيقطع بنفي ما لا يجده وقد يتابعه سواه فيشتهر الخطاً 
ويكون عليه وزره. أما إذا قطع بما يعلم وتوقف فيما يجهل» فإن ذلك يكون أولى 
بالباحث وأعود بالنفع عليه وعلى غيره. 

ومن مأثور قوله أيضًا: (والفقه صلح لكل زمان ومكان في أيام مجد الإسلام فلا 
يعقل آلا يصلح لهذا الزمان الذي ظهر فيه للعيان مبلغ الخلل في أنظمة الغرب حتى 
أصبحت المجتمعات عرضة للانحلال من فساد تلك الأنظمة)ء وذلك في مقدمة مؤلفه 
الإشفاق» ثم قوله في الصفحة التالية عن مسايرة العابثين بالطلاق بتعبيد طرق لهم : (بل 
هذه المسايرة تزيد في فتك المرض بهم وتوجب اتساع الخرق على الراقع وتزيل حكمة 
استباحة الأبضاع بكلمة الله سبحانه من حصول البركة في الحرث والنسل بإقامة كلمة بعض 
المتفيهقين «المتمجهدين؛ الذين ليس لأهوائهم قرار مقام كلمة الله جل جلاله في ذلك» 
وليس بالأمر الهيّن الخروج عما يفقهه الأئمة المتبرعون إلى أقوال شذاذ ما صدرت تلك 
الأقوال منهم إلا غلطًا أو إلى آراء رجال متهمين أظناء يسعون في الأرض فسادا؛ إذ زين 
الشيطان لهم سوء عملهم» وهذه المسايرة هي التي أذت إلى تخلي الفقه عن كثير من أبوابه 
في المحاكم بأيدي أبنائه الذين عقوه» وليس ذلك ناشًا من عدم صلاحية الفقه لكل زمان 
ومکان بدون تقویض دعائمه أو قص خوافیه مع قوادمه) اه. 

ومن مأثور نظمه قوله ضمن قصيدته حنين المتفجع وأنين المتوجع التي طبعها في 
قسطموني في ۱۲ من صفر سنة ۳۳۷٠ء‏ أي بعد أسبوع من الهدنة التي نهت الحرب 
العالمية الأولى وعدة القصيدة ٠١‏ بيّاء وفيها يقول: 


أرض مقدسة عنا قد انزعت آياتها انتبذت فالعيش مملول 


1۲ الإمام الكوثري لأحمد خيري 


أعلامها انتكست صلبانها ارتفعت تتلى بها اليوم توراة وإنجيل 

بلا (صلاح) فهل ترجی استعادتها وما الصلاح لنا في الكون مأمول 

وفي البيت الثالث تورية بين الصلاح ضد الفسادء وبين اسم السلطان صلاح الدين 
يوسف المتوفى سنة ۸4 ومستعيد القدس من الصليبيين في رجب سنة ٥۸۳‏ وليت 
شعري ماذا عسى شيخنا قائله وقد أصبحت الأرض المقدسة حكرًا لليهود. بعد أن طردوا 
منها العرب وباقي سکانها من مسلمین ونصاریى» ولله الأمر من قبل ومن بعد. 

وقوله في مطلع قصيدته التي سًاها النظم العتيد لتوسل المريد برجال الطريقة 
النقشبندية الخالدية الضيائية : 

حمدًا لمن أبدع الأكوان من عدم هو الغفور لعبد عاد بالندم 

ثم الصلاة على مهدي طرائقنا محمد شمس رشد ضاء في الظلم 

كذا على الآل والأصحاب قاطبة هم النجوم فنستهدي بهديهم 

يا رب سهل صعابيب السلوك لنا وجد بفيض ووصل غير منفصم 

بجاه أحمدنا الهادي الشفيع غدّا وذا وسيلتنا في الحل والحرم 

وأختم هذا الفصل بقولي: إن أستاذنا رضي الله عنه بلغ قدره في بقاع الإسلام 
مبلعًا جليلا» فكان العلماء ينقلون عنه في مصنفاتهم» كما فعل مولانا ظفر أحمد 
التهانوي في كتابه إعلاء السنن؛ حيث قال في ص١٠٥‏ من الجزء الحادي عشر طبع 
الهند سنة ۷١١٠ء‏ ما نصه: (وبعد» فلما كان وقوع الطلاق في الحيض ووقوع الطلقات 
الفلاث بلفظ واحد جملة واحدة مما قذ كثر فيه الشغب واعتنى بالبحث عنه كثير من أهل 
العلم أصحاب المعالي والرتب» وكان من أحسن ما صنف في الباب كتاب «الإشفاق 
على أحكام الطلاق» للعلامة محمد زاهد الكوثري المصري أطال الله بقاءء ومتع 
المسلمين ببركات أنفاسه القدسية» أحببت أن أذكر هنا ما ذكره مما لم أذكره في الإعلاء 
ولا الحبيب في الإنقاذ). ولخص بعد ذلك أكثر مباحث كتاب الإشفاق ونقل منه 
عشرات الصفحات» وقوله المصري هو على اصطلاح المحدثين في ذكر آخر موطن 
للمترجم» كأن يقال عن ابن منظور الإفريقي ثم المصري - وقد سبق أن الأستاذ الكوثري 
جركسي الأصل أناضولي المولد إستامبولي النشأة مصري الهجرة والوفاة - وقوله في آخر 
كلامه : ولا الحبيب في الإنقاذ يقصد حبيب أحمد الكيرانوي مؤلف الإنقاذ من الشبهات 


(۱) هو تلمیذ حکیم الأمة محمد أشرف علي التهانوي المتوفُى سنة ٠۳١۲‏ عن مائة سنة وعن 
خمسمائة كتاب مطبوع وخمسمائة محاضرة مطبوعةء وهو الذي أمر تلميذه المذكور» وهو ابن 
أخته أيضًا بتلخيص كتاب الإشفاق كما أخبرني السيد حسام الدين القدسي . 


الإمام الكوثري لأحمد خيري ۳ 


في إنفاذ المكروه من الطلقات ضمنه صاحب إعلاء السنن في مؤلفه في الجزء الحادي 
شی المدگور انق . 

والآن وقد فرغت من سرد سيرة رجل طلب العلم لله وعمل في دنياه بما يسعده في 
أخراه» وکان مثالا بُحتذى في إخلاصه وتقواه وإماما یقتدی في دینه وهداه» لا يسعني 
قبل أن أترك القلم إلا سؤال الله سبحانه وتعالى له الرحمة والرضوان وفسيح الفردوس 
وأعلى الجنان» وأن يجزيه عن علمه وصبره وجهاده وهجرته خيرًا» وآن يجزل لنا في فقده 
ثوابًا ويعظم لنا أجرًاء وأن يوفقنا لترسم خطواته والانتفاع بنفحاته والإفادة من مؤلفاته» 
وأن يفيض علينا من بركاته بجاه النبيّ ية وسيلة كل مؤمن في الدنياء وشفيعه في الآخرة» 
وإمامه إلى الجئّة. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والحمد لله رب 
العالمين. 


(1) وأخبرني اليد حسام الدين القدسي أن شبير أحمد العثماني المتوفُی سنة ٠۳۹۹‏ وضم جل ما 
جي ایو ي اي الخخويي ضع جل 
في الإشفاق في مؤلفه (فتح الملهم في شرح مسلم) في باب الطلاق. 


الفصل الثامن 
تلامذته مرتبة أسماء من تعيه الذاكرة منهم 
على حروف المعجم 


آری قبل سرد بعض الأسماء التي أعرفها الإشارة إلى أن الأستاذ رضي الله عنه درس 
فى الأستانة وقي غيرها مدة طويلة» وأنه کان لا یشارکه آو يقاربه أحد من آهل طبقته في 
الاک ایی کارا ترون اقات کرو حیے بتر( القات: وان انکر کل مخ 
يتفضل منهم» فيكتب لي بأسماء من يعرف من زملائه في الحضور على الأستاذ» وعنواني 
(روضة خيري باشا دسونس بحيرة القطر المصري)ء فلعلي أستطيع سرد أكبر عدد منهم 
في طبعة مقبلة إن شاء الله تعالى . 

هذا فيما يتعلتق بتلامذته الذين حضروا عليه قبل هجرته . 

أما الذين استجازوه فهم ببلغون المثات أيضًاء وذلك لأن ثبته «التحرير الوجيز» طبع 
مه ۳٠١‏ نسخة - ولم يبق منه نسخة واحدة تحت يده - بل كان ينوي إعادة طبعه قبيل موته 
لكثرة من کانوا يستجیزونه» ويلاحظ أنه كتب إجازات كثيرة قبل طبع ثبته المذكور. 

وقد أجازني بأكثر من إجازة بخطه» كما أن الأستاذ أمين سراج نسخ لنفسه بخط يده 
إجازة وفع له الأستاذ عليهاء كما أفاد السيد حسام الدين القدسي؛ فمن ذلك يتبيّن أن 
المستجيزين زادوا على ثلاثمائة» وأظنَ أن آخر إجاز بغبته حرّرها للأستاذ فؤاد السيد 
عمارة بدار الكتب المصرية» وقد أرانيها وتاريخها في شهر رمضان سنة ١۱ء‏ أي قبل 
وفاة الأستاذ رضي الله عنه بشهرين . 1 

أما تلامذته بعد هجرته» فإن عددهم قليل» وذلك لأن الأستاذ اشتغل بعد الهجرة 
بالمطالعة والتعليق والتأليف ولم يتعرَض للتدريس العام» ولكتّه كان لا يمتنع عن تدريس 
من يلجا إليه كما حدث مع الفقير مؤلف هذه الرسالة» ومع سواه من الإخوان. 

وأنا إذ أكتب أسماء بعض التلامذة الذين تيسر لي إحصاؤهم أتبع کل اسم بيان 
موضع تلمذته» واسم من أخبرني به إلا إذا كان ذلك معرودًا لدي بمشاهدتي» وهذه هي 
الأسماء: 

١‏ حاجي جمال الألصوني واعظ في إصطنبول في جامع الساطان بايزيد وهو من 
تلامذة الأستاذ قبل هجرته» كما أفاد القدسي . 


اخ ا و a‏ 

۲ السيد حسام الدين القدسي صاحب مكتبة القدسي بمصر وناشر الضوء اللامع 
في ٠۲‏ جزءا» ومجمع الزوائد في عشرة أجزاء» وشذرات الذهب في ۸ أجزاء» عرفه 
الأستاذ في رحلته إلى الشام بعد هجرته» وتتلمذ عليه وأفاد منه» ونشر بإشارته كثيرًا من 
الكتب النافعة» وقد اهت بعد موت الأستاذ للقيام بجمع مقالاته والمشاركة في نشرها وهو 
الذي جمع لي بعض أسماء تلامذته . 

۳ الشيخ حسين بن إسماعيل أطاي بكلية الشريعة ببخداد تتلمذ للأستاذ بعد 
هجرته» كما أفاده القدسي . 

۴ب البرتسحسين خير لين ابن بت الساظان عبد العريز العقمانى :المكوفى سنة 
۴۳ كان من تلامذة الأستاذ قبل هجرته - ورأيته بمصر بمنزل الأستاذ يقرأ عليه دلائل 
الخيرات ليستجيزه بها حرصًا على دوام الصلة العلمية بينهما» فيكون ممن جمع بين 
الحسنيين» وقد جمع أيضًا بين حسن الخلق (بفتح الخاء) وحسن اللق (بضم الخاء)» 
وعليه سمت العلماء وزيّهم» وهيبة الأمراء ووقارهم» وخطّه من أجمل ما رأيت . 

- الشيخ عبد الفاح أبو غدة كان يطلب العلم بالأزهر» واشتغل بعد تخرّجه 
بالتدريس في بلدته حلب» رأيته أكثر من مرَّة بمصر يسأل الأستاذ ويستمليه ويكتب عنه» 
وبلغ من شد تعلقه به أن نسب نفسه إليه» فهو الشيخ عبد الفتاح أبو دة الحنفي الكوثري» 
وهو من تلامذته بعد هجرته . 

٦‏ - الشيخ عبد الله بن عثمان الحمصي الجركسي الأصل» وهو الذي لازم الأستاذ 
في أواخر أيامه حتى موته» ومن المهتمين لجمع ونشر مقالاته» وكان الأستاذ يزوره في 
غرفته بمدرسة محمد بك أبي الذهب في ميدان الأزهر» وهو من تلامذته بعد هجرته . 

۷ السيد عرّت العطار الحسينى ناشر الكتب النافعة» كان يقرأ على الأستاذ تجارب 
ما ینشره ونشر له من مؤلفاته تأنیب الخطیب» وهو من تلامذته بعد هجرته. 

۸ الشيخ علي آق صوي الواعظ في أزمير من تلامذة الأستاذ قبل هجرته» كما أفاده 
القدسي وزاد بأنه كان رئيس الوعَاظ ثم صار مفتَيا بأندرمة بقرب إصطنبول . 

٩‏ - الشيخ محمد إبراهيم الختني ثم المدني الشهير باسم الحاج إبراهيم الختني» 
وهو الذي ألّف الأستاذ من أجله رسالته في ابن أركماس كما مر في ص؟٤.‏ حضر مصر 
في أواخر أيام الأستاذ واجتمع به» وكان ممن صلوا عليه وشيّعوه» كان شديد التعلق 
بالأستاذ وتتلمذ له بالمكاتبة وهو في المدينة المنؤرة» ثم راد الله له أن یلقاه قبل موته فلقیه 
بمصر كما سلف القول. 

٠١‏ -الشيخ محمد إحسان بن عبد العزيز من أقدم تلامذة الأستاذ بعد هجرته كما 
أفاده القدسي» وهو الآن مدرّس اللغة التركية في جامعة إبراهيم بالقاهرة» وشيخ تكية 


EY‏ ا ا ٠‏ لاحمد خيري 
السلطان محمود في درب الجماميز ومعرب كتاب (العاهل العثماني أبو الفتح السلطان 
محمد الثاني فاتح القسطنطينية وحياته العدلية)» الذي طبع بمصر سنة .٠١۷۲‏ 
١-الأستاذ‏ محمد أمين سراج بن مصطفى في كلية الشريعة بالأزهر الشريف بمصر 
تركي الأصل» وهو من تلامذة الأستاذ بعد هجرته» وأجازه الأستاذ كما أفاد القدسي . 

۲ -الأستاذ محمد رشاد عبد المطلب بالإدارة الغقافية التابعة لجامعة الدول 
العربية» رأيته أكثر من مرة بمنزل الأستاذ يتلقى منه ويستفيد» وهو من تلامذته بعد 
هجرته. 

۳ - الشيخ مصطفى عاصم كان بمصر وأجازه الأستاذء کما فاده القدسي . 

فهلؤلاء هم تلامذة الأستاذ الذين وعتهم الذاكرة أو أرشدت إليهم» ولم أذكر اسمي 
في هذا السجل لأني كرهت أن أتقدّم عليهم بحكم حروف المعجم - وقد سبق في هذا 
المؤلف - أكثر من مرة - أني تتلمذت لاجمام الكوثري رضي الله عنه بعد هجرته وأفدت منه 
كثيرًا لمدة سنوات طويلة. 

على أن الكوثري كانت له رسالة نبيلة في الحياة» هي أبقى أثرّا وأدوم خلودًا من 
تلامذته» وقد بيّنها في مؤلفاته» وسيتبين للناس يوماً ما» أن الرجل كان من المجاهدين 
الصادقين في صمت وإخلاص ويقين» وأنه كان ينشر العلم لوجه اله» ويدافع عن الدين 
ابتغاء مرضاة الله . 

وإذا كانت الظروف جعلت شهرة الرجل» على انتشارها في حياته» أقلٌ من حقيقته 
وفضله» ودون خلقه وعلمه ونبله» إلا أن الأيام كفيلة بإصلاح هذا وسيأتي يوم إن شاء الله 
تعالى يعرف فيه الناس جميعًا من هو الكوثري» وما هي مؤلفاته القَمة النافعة» المباركة 
الناجعة ؛ فإن عرف العتر يضوع ولا يضيع› وأريج الرند مهما حصرته فإنه ينتشر ويشيع » 
وشذا الورد لم يخلق ليحبس وإنما لينمو ويذيع . 

وإذا أنكر مزكوم نفح العطورء وطيب المسك والعبير» وحاول تجاهل ذلك. فإنٌ 
الزكام سيزول يومًَا ما ويبقى للطيب أثره الخالد وعبقه التالد. 

والآن وقد تم ما التزمته في مقدمة هذا الكتاب» أرى من المناسب ذكر سند الإمام 
الكوثري في الفقه إلى إمام المذهب رضي الله عنهما. ثم إلى إمام الأئمَة صلى الله تعالى 
عليه وسلم» لينتفع به من يتعسّر عليه الحصول على نسخة من التحرير الوجيز. 

كما أني رأيت أن أتبع هذا السند قصيدة نظمتها يوم الخميس ۱۹ من ذي القعدة سنة 
بمناسبة مرور سنة على انتقال الأستاذ رضي الله عنه إلى رحمة الله تعالى ونعيمه 
وغفرانه وجواره وجتاته ورضوانه . 


سند الإمام الكوثري في الفقه 
إلى إمام المذهب أبي حنيفة النعمان 


ِء 


تم إلى إمام الأئمة وسيد سادات هذه الأمة 


تفقّه مولانا الكوثري المتوفى بمصر سنة ٠۳۷١‏ على والده وعلى الأستاذين الحافظ 
إبراهيم حقي الأكيني» وعلى زين العابدين الألصوني كما سلف القول. 

فالأول - المتوفى سنة ٠١١‏ كما مر - عن الشيخ أحمد ضياء الدين الكموشخانوي 
المتوفى سنة ١١١٠ء‏ عن السيد أحمد بن سليمان الأروادي المتوفى سنة »۱۲۷١‏ عن 
العامة محمد أمين الشهير بابن عابدين المتوفى سنة ٠۲١١‏ وسنده مشهور في ثبقه 
المطبوع» وبهذا السند ساق المترجم إجازته لي بالقدوري - وقد سلفت الإشارة إليها - وفيه 
هبة الله البعلي المتوفى سنة ١۲۲٠ء‏ وصالح بن إبراهيم الجينيني المتوفى سنة ١١١١‏ 
وغيرهما من عيون المذهب الحنفي رضي الله عنهم وأرضاهم . 

والأخيران أي الألصوني المتوفى سنة ١١۳٠ء‏ والأكيني المتوفى سنة ۸١۱۳ء‏ أخذا 
عن الحافظ أحمد شاكر المتوفى سنة ٠٠١‏ عن الحافظ محمد غالب المتوفى سنة 
1, عن سليمان بن الحسن الكريدي المتوفى سنة ۱۲۹۸ء عن إبراهيم بن محمد 
الإسبيري المتوفى سنة ١٠٠٠ء‏ عن علي الفكري بن محمد صالح الأخسخوي المتوفى 
سنة ١۲۳٠ء‏ عن محمد منيب العينتابي المتوفّى سنة ۱۲۳۸» عن إسماعيل بن محمد 
القونوي المتوفى سنة ١۹٠٠ء‏ عن عبد الكريم القونوي الآمدي المتوفى سنة ١١٠٠ء‏ عن 
محمد اليماني الأزهري المتوفى سنة ١١٠٠ء‏ عن عبد الله بن محمد النحريري وشمس 
الدين محمد المحبي القاهري المتوفى سنة ٠١١١‏ كلاهما عن علي المقدسي المتوكى سنة 
٤‏ عن أحمد بن يونس الشلبي المتوفى سنة ۹٤۷‏ عن عبد الب بن الشحنة المتوفى 
سنة ۹۲١‏ عن الإمام كمال الدين بن الهمام المتوى سنة »۸1١‏ عن سراج الدين عمر بن 
علي قارىء الهداية المتوئّى سنة ۸۲۹ عن علاء الدين السيرامي المتوفى سنة ۷۹١‏ عن 
جلال الدين الكرلاني شارح الهداية عن عبد العزيز البخاري صاحب كشف الأسرار 
المتوفّى سنة »۷۳١‏ عن حافظ الدين عبد الله بن أحمد النسفي المتوفى سنة ۷١١‏ صاحب 
اة عن شمس الأئمة محمد ين عبد الستار الكرذري -ح- وأخذ قارىء الهداية أيضًا 
عن أكمل الدين محمد بن محمود البابرتي صاحب العناية المتوفى سنة »۷۹١‏ عن قوام 


۸ الإمام الكوثري لأحمد خيري 


الدين محمد بن نصر البخاري المتوفى ستة »۷١١‏ عن حافظ الدين الكبير محمد بن 
محمد بن نصر البخاري المتوفّى سنة 1۹۳ عن محمد بن عبد الستار الكردري المتوفّى 
سنة ٠٤١‏ عن صاحب الهداية علي بن أبي بكر المرغيناني المتوفّى سنة ۵۹۳» عن النجم 
أب حقف نر لقي المتركى س 20۴۷ عن الأخرين البردرين فخر السام ودر 
الإسلام؛ فالأول المتوفُى سنة ٤۸١‏ أخذ عن شمس آلأئنة المدر جى المتزفى س 2۸۴ 
شار السير الكبيو وضاحب الميسوط المطيوع في ثلائين جزغاء عن شس الانقة 
الحلواني المتوفى سنة ٠٤٤۸‏ عن الحسين بن خضر النسفي المتوفّى سنة »٤١٤‏ عن 
محمد بن الفضل البخاري المتوأى سنة ۲۸١‏ عن عبد له ين محمد الحارقي المتوأى ست 
٠‏ عن محمد بن أحمد بن حفص المتوفّى سنة ٠۲ء‏ عن أبيه أبي حفص الكبير 
المتوفى سنة ۲٠۷‏ كما في تاريخ بخارى للنرشخي» عن الإمام محمد بن الحسين الشيباني 
الصاحب المتوفى نة ۱۸۹. 

وأخذ صدر الإسلام المتوفى سنة ٤۹۳‏ عن إسماعيل بن عبد الصادق» عن 
عبد الكريم البزدوي المتوفى سنة ٠۳۹١‏ عن إمام الهدى أبي منصور الماتريدي المتوفى 
سنة ۳۳۳ عن أبي بكر أحمد الجوزجاني» عن أبي سليمان موسى بن سليمان 
الجوزجاني» عن الإمام محمد بن الحسن الشيباني الصاحب المتوفى سنة ۰1۸٩‏ عن إمام 
المذهب أبي حثيفة النعمان المتوفى سنة »٠6١‏ عن خماد بن أبي سليمان المتوفى سنة 
٠‏ عن إبراهيم بن يزيد النخعي المتوكّى سنة ۹۵» عن علقمة بن قيس المثوفى سنة 
۲ والأسود بن يزيد المتوفى سنة ٠۷١‏ وأبي عبد الرحملن عبد الله بن حبيب السلمي 
القاریء المقریء المتوفى سنة ۷٤‏ وقيل ۷۳؛ فالأولان عن عبد الله بن مسعود المتوفى 
سنة ۳ رضي الله عنه» والسلمي عن سيّدنا علي عليه السلام المستشهد بالكوفة في 
شهر رمضان سنة ٠٤١‏ وسيدنا علي وابن مسعود عن خاتم انين وقائد الغْرّ المحجلين 
سيد الأرلين والآخرين من ملائكة وجِنٌ وإنس وأنبياء ومرسلين المنتقل إلى الرفيق 
الأعلى ضحى يوم الاثنين ٠١‏ من شهر ربيع الأول سنة ١١‏ إحدى عشرة» صلى الله 
وسلم وشزف وكرم وبارك عليه وعلى آله الطيّبين الطاهرين وصحبه الأصفياء المتقين» 
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين . اه. 

# # #* 


ذکری مرور عام 
على وفاة فقيد الإسلام الإمام الكوثري بمصر 
يوم الأحد ٠١‏ من ذي القعدة سنة ٠۴۷١‏ رضي الله عنه 


١‏ مَصَى العام مُذْ عاد الْقِيُ مُوَذّعَا 
۲ قرغا جلى في فِراق تَرَدّدّت 
۴ فائقع آماقا رأجزغ فسا 
1 افق اة الي با 
٥‏ واب عن الدُنيا بِعَيْبَة رَاهِدٍ 
إذا ْلَب الهَوّى 


۷ وكا إذا بث رَعَازع فِْمَةٍ 


ققد اة بسا 


۸ قزغنا إلى أا و 
٩‏ فَمَنْ يُرْئَجى لِلدينِ يخرس ذُرَهُ 
٠١‏ ويمع عة مُلْجدًا ومُمَبْهًا 
وو الان راج اة 
۲ - وَيُقُصِي عَنِ الدَينِ الحِيف عِصَابةٌ 


وخلى فَرَاغا حَلقَةٌ لا تُطِيفُة 


له فرات القَلب جين يُدُوفُةُ 


ا کیا وکت ی 


َحَل محل الرس في ليلم شر شو 


حَدِيت وتَوْجِيد وفِفة ٠ري“‏ 


طف على مزج السار غَرية*“ 


وَلَاحث بمَجييم العَويٰ بر a‏ 


لِيُذْهِبً رور القَؤْل عَنا حَِيفُةُ 
ويَخمِيه من رنف اى بَرِيفُةُ 


ME HIE a E 
فتوقه‎ 


() ادع إناءه: ملأه حتى يفيض» والآماق جمع مؤق العين» طرفها مما يلي الأنف. 


(۲) السوق هنا جمع ساق القدم. 
)٤(‏ طف: ارتفع وأشرف. 


(۳) العريق: الأصيل العتيق. 


(ه) التجسيم: دعوى المجسمة الذين يقولون إن الله تعالى جسم له حدّ ونهاية . 
(0) المشبه من يشبه الله تعالى بغيره» والرتق: إلحام الفتق وإصلاحه» وتشت: تتفرّق» والفتوق: 


جمع الفتق. 


(۷) المراد بالشرير ابن تيمية الذي يقول إن زيارة النبيّ ييو سفر معصية لا تقصر فيه الصلاة» وكان 
الأستاذ رضي الله عنه حربًا على ابن تيمية وعلى سواه ممن حادوا عن جادة الدين ٠‏ 


8 الإمام الكوثري لأحمد خبري 


W2 
نقيقه‎ 


۳ -تَراهُمْ وَقُذ عَجُوا بِمَيْن كَضِفدَع 

: 2 
٤‏ - سَلَام عَلَى الدُنيا فَقَذ رال راد وعُيّْبَّ بَذر لا يُرجى شُرُوفُة 
٠‏ - ونام شيوخ اين عن بَيْصَة الهُدَى ‏ وقامَث أساليب الفاق وَسُوفةُ 
١‏ قيا رَبّ أزشِذنا وَأضياعٌ ينا 


¥ ارا ةة E‏ 
اتاك بو شرق اتخعي اة ء 


4 - شَقَاعَته جرَر إذا تال لي بها 


(۱) عجوا: رفعوا أصواتهم» والمين: بفتح الميم بعدها آخر الحروف ساكنة: الكذب» والضحل: 
الماء الرقيق ليس له عمق على وجه الأرض» والمراد: أوللغك الذين يكفروننا إذا قلنا: يا 
رسول الله» ثم هم يجسمون ويشبّهون ويحاولون نشر ترهات ابن تيمية وإحلالها محل فقه علماء 
الإسلام ومذاهبهم المتبوعة. 

(۲) نال له بالعطية: أعطاه إياء» والخلوق بفتح الخاء المعجمة: ضرب من الطيب. 


تہ اخ ال راقم 


و . 
تاليف 
ادم ریہ ہز مزر کرای کروی 
المر ا۷ر 


او 
ية رر لفت( و س بوق 


التقدمة 


الحمد لله العليم الحكيم» والصلاة والسلام على سيدنا محمد عبده ورسوله 
الرؤوف الرحيم» وعلى آله وأصحابه إلى يوم الدين. 

أما بعد فإن للفقه الإسلامي تاريخاً واسع الجَّبات والأطراف» لم يكتب فيه 
باستيفاء بعد» وقد قامت فى السنوات الأخيرة القريبة محاولات حسنة لتأريخه» تارةٌ 
باسم (تاريخ التشريع)» وحیناً باسم (تاريخ الفقه)» وطوراً باسم دراسة تاريخ رجاله 
وأئمته ومذاهبهم . 

وكل هذه الجهود العظيمة التي بُذلت لم تستوف ولا قاربّت» إذ لا يمكن 
استيفاء تاريخ هذا الفقه الواسع العريض - الممتد من عهد المصطفى صلوات الله عليه 
وسلامه إلى ما شاء الله» مع تعدّد الأمصار» واختلاف الأنظار في الأقطار» على مدى 
القرون المتطاولة - إلا بالكتابات المتلاحقة في مراحله ودياره» مرحلة مرحلةًء وإقليماً 
إقليماً» حتى يأتي يوم يُقَارَبُ فيه أن يُستوفى تأريخ فقهنا الإسلامي العظيم وتاريخ 
علمائه البررة الأطهار. 

وكان مما أخلَّ به الكاتبون إخلالاً بيناً: تاريحٌ الفقه والحديث في العراق» ذلك 
القطرٌ الواسم العريض» الذي كانت بغداد منه وحدَها تُعَدُ دُنيا بحالها. ولعل الُذر في 
تجنّب الكتابة فيه قَلّةٌ المحيطين بتاريخ الفقه الإسلامي وجوانبه الواسعة» إذ يتطلَّبُ 
ذلك من الكاتب فيه أن يكون عالماً متمكناً من علوم القرآن» والسنة» والرجال» 
والفقه» والأصولء واختلاف فقهاء الأمصارء والكلام» والتحَل» والتاريخء وما إلى 
ذلك مما يتحمَىُ معه تبيينُ الحقيقة التاريخية على وجهها إذا تولاه القادرون على ذلك. 

وما أندر هذه الصفات مجتمعةٌ في عالم تَقّادة بصير» لكُمكئه من النهوض بأداء 
هذا الحق الممطول منذ أمدٍ بعيد» لذلك القطر الزاجر بالعلم» المزدحم بالصحابة 
والتابعين وتابعيهم. . . من فقهاء الأمة ومُحدّثيها وعلمائها من صدر الإسلام إلى عهود 
متطاولة. ولا أَبعدٌ إذا قلت: لعل تاريخ العراق من هذه النواحي يقارب أو يعادل 


Vé‏ تقدمة 


تاريخ سائر الأمصار مجتمعةً» على فضل بعضها على بعض بما أقام الله فيها من معالم 
شعائره وبرکاتِ عبادته سبحانه . 

ولم ينهض أحد بأداء هذا الحق على وجههء لذاك القطر العظيم فيما أعلم» 
سوى شيخنا الإمام البارع الجامع: الحُجة المحدث الفقيه الأصولي المتكلم التظار 
المؤرّخ التَقادة البصير محمد زاهد الكوثري رحمه الله تعالى وجزاه عن العلم وأهله 
چو 

فإنه بما آتاه الله من تلك المواهب العظيمة المَذّة» وتلك العبقرية النادرة تمكّن 
أن يَجمع في صفحاتٍِ معدودة أبررًّ الجوانب من تاريخ الفقه والسنة في العراق. وكان 
ذلك منه إجابة إلى التماس (المجلس العلمي) الموقر في الهند» حينما اعتزم هذا 
المجلس الخيّر الكريم سنة ٠۳١١‏ طَبْعَ كتاب «نصب الراية لتخريج أحاديث الهداية) 
للحافظ الزيلعي . 

فكتب له شيخنا مقدمةً حافلةٌ جامعة» استوفى فيها أهمَّ ما يتعلّق بالعراق بيغةٌ 
وفقهاً وحديثاً ورأياً واجتهاداً. . . » وبخاصة ما يتصل بفقه السادة الحنفية وأئمته 
ورجالِه المحذّثين الكبار» الذين هَضّم كثير من الناس شأنهم في الحديث وعلومه» 
واذعوا عليهم دعاوى لا صحة لها. فبيّن الشيخ رحمه الله تعالى فيما كتبه الحقائق 
ناصعة ناطقة بأدلتها من التاريخ والواقع» فكان ما كتبه - على لطافته وقلَةٍ أوراقه - 
ذخيرةٌ للعلم والعلماء من مختلف المذاهب والبلدان. 

وقد تشوق كثير من أهل العلم إلى الحصول عليه بعد نفاد كتاب «نصب الراية) 
من الأسواق من أمَدٍ بعيد» فرأيتُ - استجابة لإلحاح الكثيرين من أهل العلم - تَشْرَّ 
تلك المقدمة في كتاب مستقل» وتحت العنوان الذي وضَعَّه لها شيخنا رحمه 
الله تعالى» مع تعديل يسير. فها أنا ذا أنشرها بتعليتي وجيز على أماكن منهاء» عن 
نسخة ملفها شيخنا الأستاذ الكوثري رحمه الله تعالى . 


() وقد كان ْح كتاب «نصب الرايةه حسنة من حسنات (المجلس العلمي)» أسدى - بها إلى 
أياديه الكثيرة - يدا كريمة إلى العلم والعلماء والفقه والفقهاء والسنة المطهرة» يدا دائمةٌ الأجر 
من الله إن شاء الله» واصبة الشكر من الناس إلى يوم الناس. 
واليوم يُسدي (المجلس العلمي) يداً أخرى كريمة أكرّمّ من أختها وسابقاتهاء وهي: طَبُْ 
«المصتف» لاومام عبد الرزاق الصنعاني اليمني» بتحقيق العلامة المحدّث المحقق الجليل 
المشهود له بالبراعة في هذا الفن من أهله الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي حفظه الله ورعاهء 
وسيكون في نحو عشرة مجلدات كبار. ويار اله لأسرة (آل مِيًا) في جنوب إفريقياء الخيّرة 
بحسن أياديها العلمية على العلم والعلماء في دنيا الإسلام» بارك لهم هذه الحسناتِ الباقيات 
الصالحات» وأكرمهم بزيادة رضاه» وتوفيقه لما يرضاه» إنه سميع مجيب . 


Vo تقدمة‎ 


وقد كنت استعرتٌ منه نسخته من «نصب الراية؟ فى حياته الشريفةء ونقّلت منها 
تعديلاته وتصحيحاته وإضافاته عليهاء ثم قر الله تعالى أن تؤول نسخئه إليّ شرا 
فأنا أنشرها عن نسخة مؤلفهاء ولذا سيرى فيها القارىء المتتبع تعديلاتٍِ وإضافاتِ 
وزياداتِ على النسخة المطبوعة مع «نصب الراية٠»‏ وقد أشرتُ إليها في أكثر الأماكن› 
وفي بعض الأماكن أثبّتٌ الزيادة دون إشارة إليها. 
وسيرى القارىء في هذه الطبعة المستقلة مزايا لم تكن في تلك الطبعة على 
فضلهاء فقد نسَعَتّها وفصَنُها جُمَلاً ومقاطع» وضبطتٌ بعض ألفاظهاء وأثبتٌ فيها ما 
آنه دخا تي لیخت من اغلاات وإلحاقات وتصحيحات» واستدرکتٌ ما تيسّر لي 
N‏ وعلق علۍ ي بعض المواطن تنويراً للمقام وأهميته. وقد لاحظتٌُ ‏ فيما 
علقت وضبّطتٌ - غير المختصين من أهل العلم» فضبطتُ وعلَقَّتُ ما قد یکون بَدَهِیًا 
عندهم» فمعذرة. 
وكان أستاذنا العلامة الشيخ محمد يوسف البَُوري حفظه الله تعالى قد علق 
بعض جُمَل كريمة على كلام شيخنا الكوثري رحمه الله تعالى في هذه المقدمة» 
فأبقيتها - معزو إليه - استمراراً لطيب عَرفها وزاكي نفعها. 
وكان يُسعدني أن أترجم لمؤلّفها شيخنا وأستاذنا ومعلّمنا رحمة الله تعالى عليه» 
لولا أن ذلك يزيد في حجم الكتاب كثيرأً» ويزيد في تكاليفه وثمنه على الراغبين» 
فأحيلهم إلى ترجمته الحافلة التي كتبها الأستاذ العلامة أحمد خيري رحمه الله تعالى 
في جزء بلغ نحو مئة صفحة» بعنوان «الومام الكوثري؛ ثم طبع هذا الجزء ء مع کتاب 
شيخنا «مقالات الكوثري». 
وأحيلهم أيضاً إلى ترجمته التي كتبها الأستاذ عرّت العطار رحمه الله تعالى في 
أول كتاب «تأنيب الخطيب»» وإلى ترجمته التي کتبها الأستاذ أحمد السّراوي كان الله 
له في أول طبعة كتاب «طبقات ابن سعداء الذي طبع بالقاهرة شطرٌ منه ولم ت 
وإلى ما كتبه العلامة البثوري والعلامة أبو زهرة حفظهما الله تعالى» وقد تشر مقالٌ كل 
منهما في أول كتاب «مقالات الكوثري» أيضاً. 
والله المرجوّ أن يتقبل منه حسناته» وير لنا وله خطیئاتنا بمنّه وکرمه» وأن 
يرحمناء وأن ينفع بهذا الكتاب أهلَ العلم وطلابه» إنه ولي الرضا والتوفيق» وهو 
أرحم الراحمين» وآَجْرٌ دعوانا أن الحمدٌ له رب العالمين. 
بیروت الأربعاء ۱۲ من جمادى الأولى سنة ٠۳۹۰‏ 
وکتبه 
عبد الفتاح أبو غدَّة 


پر اکر اک ال در 


الحمدٌ لله الذي أعلى منازل الفقهاء"» إعلاء يُوازِنُ ما لهم من الهم القغساء 
في جدمة الحنيفية السمحة البيضاءء والصلاءُ والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء 
وسَكَدٍ الأتقياء» ومُخرج الأمَة من الظلمات إلى النور والضياء» وعلى آله وصحبه» 
السادة التجّباء» والقادة الأصفياء» شُموس الهداية» وبُدُور الاهتداء» الناضري الوجوه» 
بتبليغ ما بلغوه من أدلة الشريعة الغراء. 


وبعد: فإن كتاب «نصب الراية لتخريج أحاديث الهداية» للإمام الحافظ الفقيه 
الناقد الشيخ عبد الله بن يوسف الزيلعي - أعلى الله سبحانه منزلته في الجنة - كناب لا 
نظير له في استقصاء أحاديث الأحكام» حيث كان موْلَفه لا يَْتّر ساعةٌ عن البحث»ء 
ولا يٌعوقه عن التنقیب عائق» ولا يحول دون فحصه تواکل» ولا تکاسل» ولا يُرْهَدّه 
في الأخذ عن أقرانه» وعمن هو دونه ِبر النفس» وسَعَنّه في العلم» بل طريقكه 
الدأب» ليل نهار» على بُشدانِ طلبته» أينما وجدّ ضالته. 


وهذا الإخلاص العظيم» وهذا البحتُ البالغ» جَعَّلا لكتابه من المنزلة في قلوب 
الحفاظ» ما لا تساميه منزلةٌ كتاب من كتب التخريج 


(۱) تحتوي هذه (التقدمة) على مزية تخريج الحافظ الزيلعي على تخاريج سائر حفاظ الحديث» 
وكلمة في القياس والاستحسان» وبيانِ حقيقة الرأي في نظر السلف» وذكر مزية الكوفة على 
عار ابلا شي جد القكزة دة هرا رة ها وخا کرم رتخاف ودک 
الحفاظ» والمحدثين من الحنفية في العصور المختلفة» وكلمة في كتب الجرح والتعديل. ٠‏ 
وهذه جواهر وذُرَرٌ من الحقائق الناصعة التاريخية» التي لا مجال للكلام فيهاء عند البصير 

عر لي من الأكابر ما لا يتلقاه إلا أمثاله» » جاد بها قلمٌ المحقق النظار المحئك 
المتبخرء الأستاذ الكبير الشيخ محمد زاهد الكوثري» في عجلة المستوفزء بالتماس (المجلس 

العلمي) من فضيلته» طالت حياته في عافية . (البوري). 


VY 


VA‏ فقه آهل العراق وحديثهم 

والحقٌ يقال: إنه لم يَدَعَ مَطمعاً لباحث وراء بحثه وتنقیبه» بل استوفی في 
الأبواب ذِكرَ ما يُمكِنْ لطوائف الفقهاء أن يتمسّكوا به على اختلاف مذاهبهم» من 
أحاديث» قلما يهتدي إلى جميع مصادرها أهلْ طبقته» ومن بعدّه من محذثي 
الطوائف» إلا من أجهد نفسّه إجهاده» وسعَى سعيه» لوجود كثير منها في غير 
مظانها . 

بل قل من يُنصفٌ إنصاقه» فيُدون أدلةً الخُصوم تدويئه» غير مقتصر على 
أحاديث طائفة دون طائفة» مع بيان ما لها وما عليهاء بغاية التصفَة» بخلاف كثير ممن 
أّفوا في أحاديث الأحكام في المذاهب» فإنك تراهم يَعْلِبُ عليهم التقصيرٌ في 
البحث» أو السيرٌ وراء أهواء» فالتقصيرٌ في البحث يُظهر المسألة القوبَةً الحُجَة بمظهرٍ 
e EE E SPÎ‏ ا ل اة : 

وأخطرٌ ما يُعْشّي على بصيرة العالم عند النظر في الأدلة» هو التعضب 
المذهبي» فإنه يُلبس الضعيفَ لباس القوي» والقويّ لباس الضعيف» ويَجعل الناهض 
من الحجة داحضاًء وبالعكس» وليس ذلك شأ من يخاف الله في أمر دينه» ويَتَهيَبُ 
ذلك اليم الرهيب الذي بُحاسَّبٌ فيه كل امرىء على ما قذمت يداه 

فإذا ود المتفقَةُ من هو واس العلم» غَوَاص لا يتغلب عليه الهوى» بين 
حَفَاظ الحديث» فيعض عليه بالنواجذ» فإن ذلك الكبريتٌ الأحمر بينهم. 

والحافظٌ الزيلعي هذاء جام لتلك الأوصاف حقاًء ولذلك أصبحت أصحابُ 
التخاريج بعده عالة عليه» فدُوّك كب : البدرٍ الزركشي» وابنِ الملقّن» وابن حجر» 
وغیرهم» من الذين يُصّنْ بهم أنهم يُحلّقون في سماء الإعجاب» ويناطحون السحاب» 
وقارنها بكتب الزيلعي» حتى تتيقن صِدقٌ ما قلناء بل إذا فعلت ذلك ربما تزيدء 
وتقول: إن سَدَّى تلك الكتب ولَُحمتَها كتبُ الزيلعي» إلا في التعصّب المذهبي. 

وكثابُ الزيلعي هذا يجد فيه الحنفيّ صفوةً ما اسعدلٌ به أثمةٌ المذهب من 
أحاديث الأحكام» و المالكيّ فيه تقاوءً ما خرّجه ابن عبد البر في «التمهيد؛ 
و«الاستذكار»» وخلاصةٌ ما بسطه عبد الحق في كتبه» في أحاديث الأحكام. والشافعي 
يّرى فيه غربلة ما خرّجه البيهقي في «السنن و«المعرفة» وغيرهماء» وتمحيص ما ذكره 
النووي في «الخلاصة» و«المجموع؟ و«شرح مسلما» واد ما بّنه ابن دقيق العيد 
في «الإلمام»» و«الإمام؟» واشرح العُمدة». وكذلك الحنبليّ يلاقي فيه وجوه النقد في 
کتاب «التحقيق» لابن الجوزي» واتنقيح التحقيق» لابن عبد الهادي» وغير ذلك من 
الكتب المولفة في أحاديث الأحكام. 


فقه آهل العراق وحديثهم 9 


بل يجد الباحث فيه سوى ما في الصحاح» والسثن» والمسانيدء والآثار» 
والمعاجم» من أدلة الأحكام أحاديتٌ في الأبواب» من «مصتَف» ابن أبي شيبة - اهم 
كتاب في نظر الفقيه - و«مصئّف» عبد الرزاق"» ونحوهماء مما لیس بمتناول يد كل 
باحث اليوم» مع استيفاء الكلام في كل حديث» من أقوال أئمة الجرح والتعديل› 
ومن كتب العلل المعروفة» وهذا مما جعلّ لهذا الكتاب ميزه عظمى بين كتب 
التخاريج . 


ولا أريد بهذا الثناء على كتابه بيط العزائم» وتخديرً الهمم» ولا إنكارّ أنه لا 
نهاية لما يفيض الله سبحانه على أهل العزيمة الصادقة من خبايا العلوم» ولا نفيّ أن 
في کتب من بعده بعض فوائد» يُشكر مؤلفوها عليهاء ويزدادٌ استقاء أمثالِها من ينابيعها 
الصافية» عند مضاعفة السعي» وصِدقٍ العزيمةء وإنما قلت ما قلت» إعطاء لكل 
ڏي حق حقّه» وإجلالاً للعلم» واستنهاضاً للهمّم» نحو محاولة الاستدراك» على مثلٍِ 
هذا العالم الجليل. 

وهذا حافظ واحد من حفاظ الحنفية» قام بمثل هذا العمل العظيم الذي وقع 
موقع الإعجاب الكلي بين طوائف الفقهاء كلهم» في عصره» وبعد عصره» فمن قَلّب 
صحائف هذا الكتاب» ودَرَس ما في الأبواب من الأحاديث تيمّن أن الحنفية في غاية 
التمسك بالأحاديث والآثار في الأبواب کلها. 

لكن لا تخلو البسيطةٌ من مُتعنّت يتقؤل فيهم» إما جهلاًء أو عصبيةٌ جاهليةء 
فمرةٌ يتكلّمون في أخذهم بالرأي عند فِقدانِ النص» مع أنه لا فقه بدون رأي. ومرةٌ 
يرمونهم بقلة الحديث» وقد امتلأت الأمصارٌ بأحاديثهم. وأخرى يقولون: إنهم 
يستحسنون» ومن اسَحسّن فقد شرع . 

وأين يكون موقم هذا الكلام من الصدق؟! بعد الاظّلاع على كلامهم في 
الاستحسان» وكيف يستطيع القائلُ بالقياس رَد الاستحسان؟ والشرع لله وحده» إنما 
الرسول صلواث الله عليه وسلامه مبلغة. وقصارى ما يعمل الفقيةٌ كُهْمْ النصوص فقطء 
فمن جَعل للفقيه حظاً من التشريع» لم يفهم الفقه والشرع» بل ضل السبيل» وجعَل 
شرع الله من الأوضاع البشرية» وحاش لله أن يَجعل للبشر دَخلاً في شرعه ووّخيه. 


(۱) وقد زففنا البشرى لأهل الإسلام بطبعه قريباًء فاللهم يسر وأعن» وأتهم بخير. 


۸ فقه هل العراق وحدیثهم 


هذا» وقد رأيتُ تفنيدَ تلك التقوّلات» بسَردِ مقدّمات في الرأي والاجتهاد» وفي 
الاستحسان الذي يقول به الحنفية» وفي شروط قبول الأخبار عندهم» وفي منزلة 
الكوفة من علوم القرآن» والحديثِ» والعلوم العربية» والفقه» وأصوله» وكونٍ الكوفة 
ينبوع الفقه المُشرق› من بلاد المَشرق» المنتشرٍ في قارات الأرض كلهاء ومِيزة 
مذهب أهل العراق على سائر المذاهب ومَّبلغ اتساعهم في الحفظ» وكثرةٍ الحُمَاظ 
بينهم من أقدم العصور الإسلامية إلى عصرنا هذاء زيادةٌ على ما لهم من الفهم 
الدقيق» والغوص في المعاني» وقد اعرف لم بذلك كل الخصوم» ونظرةٍ عجلّى في 
كتب الجرح والتعديل» والله سبحانه حسبي» ونعم الوكيل . 


الرأي والاجتهاد 


ورت في الرأي» آثاز تذمه» وآثار تمدحه» والمذمومٌ هو الرأي عن هوى» 
والممدوح هو استنباط حكم النازلة من النص» على طريقة فقهاء الصحابة والتابعين 
وتابعيهم» برد النظير إلى نظيره» في الكتاب» والسنة. وقد خرّج الخطيب غالب تلك 
الآثار في «الفقيه والمتفقه»» وكذا ابن عبد البر» مع بيان موارد تلك الآثار. 


والقولٌ المحتّم في ذلك: أن فقهاء الصحابة والتابعين وتابعيهم» جروا على 
القول بالرأي بالمعنى الذي سبق» أعني استنباط حكم النازلة من النص» وهذا من 
الإجماعات التي لا سبيل إلى إنكارها. 


وقد قال الإمام أبو بكر الرازي”" في «الفصول»» بعد آن سرد ما كان عليه 
فقهاء الصحابة والتابعين من القول بالرأي: «إلى أن نشا قوم ذوو جهل بالفقه وأصوله» 
لا معرفةٌ لهم بطريقة السلف» ولا توفي للإقدام على الجهالةء واتباع الأهواء البشعة 
التي خالفوا بها الصحابة» ومن بعدّهم من أخلافهم . 


(۱) انظر «الفقيه والمتفقه» للخطيب البغدادي ۱: ۱۷۸ - ١٠١۲ء‏ فقد استوفى واستوعب كل ما يتعلق 
بالرأي والقياس وله وعليه. وكذلك عصريّه الحافظ ابن عبد البر في «جامع بيان العلم وفضله»» 
انظر منه ۲: ۵۵ ۔ ۷۸ و٣۱۳‏ ۔ .۱١۰‏ 

(1) وهو المشهور بالجَصًّاص أيضاًء وستأتي ترجمته بإيجاز في عداد فقهاء الحنفية المحدثين» انظر 
الترجمة ذات الرقم .٤١‏ وكتابه «الفصول في الأصول؛ من أعظم الكتب جودةٌ وتحقيقاً في 
موضوعه» وما يزال مخطوطاًء وتوجد منه نسختان في «دار الكتب المصرية؛ بالقاهرة. 


فقه أهل العراق وحديشهم 3 


فكان أوَلّ من نمَى القياس والاجتهاد في أحكام الحوادث» إبراهيمُ النظام» 


وطكَنَّ على الصحابة من أجل قولهم بالقياس» ونسبهم إلى ما لا يليق بهم» وإلى ضِد 


ما وصفهم الله به» وأثت ثنی به علیهم» » بتهوره وقَلَةٍ عليه بهذا الشأن 


۳ 


() أوجز الإمام أبو بكر الرازي هنا في كشف حال (التظًام)» بمّذر ما يتسع له المقام» ولاستيفاء 


التعريف به أسوق هذه الكلمات فأقول: 

هو أبو إسحاق إبراهيم بن سيار النظّام» ابن أخت أبي الهُذّيل العلا أحدِ كبار المعتزلة» وقيل 
له: التظّام» لأنه كان ينظم الخرز في سوق البصرة. وهو أحَد الملاحدة الخبثاءء الذين تستروا 
بالاعتزال خوفاً من سيف الشرع . 

ترجم له الإمام أبو منصور البغدادي في كتابه «القَرْق بين الفْرّق» عند ذكره (الِرقة التَظاميّة) 
ص۷۹ ۸٠‏ فقال: «عاَرّ في شبابه قوماً من الَوبَة» وقوماً من السّمنيّة القائلين بتكافؤ الأدلة! 
وخالّط بعد کبره قوماً من مُلجدة الفلاسفة» ثم َون مذاهب الشنوية» وبذّع الفلاسفة وشُبّه 
المُلجدة» في دين الإسلام. 

وأعجِبَ بقول البراهمة بإبطال التبوات» ولم يَجسر على إظهار هذا القول خوفاً من السيف» 
فأنكر إعجاز القرآن في نظمه» وأنكر ما رُوي في معجزات نبينا هل من انشقاق القمر» وتسبيح 
الحصى في يده» ونس الماء من بين أصابعه» ليتوصل بإنكار معجزات نبينا عليه السلام إلى 
إنكار نبوته. 

ثم إن استفقل أحكام شريعة الإسلام في فروعهاء ولم يجمنر على إظهار رفعهاء فأبطل الطْرْق 
الدالة عليهاء فأنكر لأجل ذلك حُجْة الإجماع» وحْجَة القياس في الفروع الشرعية وأنكر الحْجَة 
من الأخبار التي لا توجب العلم الضروري. 

ثم إنه عَلِمّ إجماع الصحابة على الاجتهاد في الفروع الشرعية» فذكرهم بما يقرأه غداً في 
صحيفة مَخازيه» وطعَنَ في فتاوى أعلام الصحابة رضي الله عنهم» وجميع فرق الأمَة» من 
فريقي الرأي» والحديث» مع الخوارج 6 والتَجارية. 

وأكتَرٌ المعتزلة متفقون على تكفير النظام» وإنما تبعَّه في ضلالته شرذمة من القدرية 
كالجاحظ . . . وغيرهم» مع مخالفتهم له في بعض ضلالاته» وزيادةٍ بعضهم عليه . 

وقد قال بتكفیره أكثرٌ شيوخ المعتزلة» منهم: أبو الهُدّيل - خاله» وقد قيل: ويل لمن كَفْره 
فرعون » فإنه قال بتكفيره في كتابه المعروف ي«الرد على التظام؟. ومنهم: الجُبّائي» كفر النظام 
- في مسائل ذكرها أبو متصور البغدادي -» وله في ذلك كتاب عليه» ومنهم: الإسكافي» له 
كتاب على النظام» كقره فيه في أكثر مذاهبه. 

وأما كب أهل السنة والجماعة في تكفيره فالله يُحصيهاء ولشيخنا أبي الحسن الأشعري رحمه الله 
في تكفير التَظّام ثلاث كتب» وللقلانسي عليه كتب ورسائل» وللقاضي أبي بكر الباقلاني 
رحمه الله كتابٌ كبير في بعض أصول النَظّام» وقد أشار إلى ضلالاته في كتاب «إكفار 
المتأولين؛. ونحن نذكر في هذا الكتاب ما هو المشهور من فضائح التظام؟. انتهى 

ثم ساق أبو منصور من فضائحه وآقواله وضلالاته وكغرياته الشنيعة إحدى وعشرين فضيحة 
وضلالة» كل واحدة منها تقضي بكفره وفك رقبته بسيف الإسلام. انظرها في «الفَرْق بين د 


۸۲ فقه آهل العراق وحديثهم 


ثم تبعه على هذا القول نفرّ من المتكلمين البخداديين» إلا أنهم لم يطعنوا على 
السلف كطعنه» ولم يَعيبوهم» لكنهم ارتكبوا من المكابرة» وجحد الضرورة أمراً 
بشعاً» فراراً من الطعن على السلف» في قولهم بالاجتهاد والقياس» وذلك أنهم 2 
أن قول الصحابة في الحوادث كان على وجه التوسط والصلح بين الخصوم. . 
على وجه قطع الحكم» وإبرام القول» فكأنهم قد حسنوا مذهبهم بمثل هذه 2 
وتخلصوا من الشناعة التي لحقت النظًام بتخطئته السلف . 

ثم تبعهم رجل من الحشو جهول» - یرید داود بن علي - لم يدر ما قال هؤلاءء 
ولا ما قال هؤلاء» وأخدٌ طَرَفاً من كلام النظًام» وطرَفاً من كلام متكلمي بغداد» من 
ُفاةٍ القياس» فاحتَجَ به في نفي القياس والاجتهاد» مع جهله بما تكلم به الفريقانء 
من مثبتي القياس» ومبطليه» وقد كان مع ذلك ينفي حُجَج العقول» ويزعم أن العقل 
لا حَظ له في إدراك شيء من علوم الدين» فأنزل نفسّه منزلة البهيمة بل هو أضل 
منهاء اھ. 

وأبو بكر الرازي أطال التَقس جداً في إقامة الحجة على حُجِيّةٍ الرأي والقياس» 
بحيث لا يدع أي مجال للتشغيب ضِدَ حُجّيته . 

فالرأي بهذا المعنى» وَصفٌ مادح بُوصّفٌ به كل فقيه» ينبىء عن دقة الفهم» 
وكمالِ الغوص» ولذلك تجد ابنّ قتيبة يذكرٌ في كتاب «المعارف» الفقهاء بعنوان 
(أصحاب الرأي)» يعد فيهم الأوزاعي» وسفيان الثوري» ومالك بن أنس 
رضي الله عنهم . وكذلك تجد الحافظ محمد بن الحارث الحُشّني يذكر أصحاب مالك 
في «قضاة قرطبة» باسم (أصحاب الرأي). وهكذا يفعل أيضاً الحافظ أبو الوليد بن 
القَرّضي في «تاريخ علماء الأندلس». 

وكذلك الحافظ أبو الوليد الباجي» يقول“ في شرح حديث الداء العْضال من 
«الموطأً؛ في صدد الرد على ما يرويه النَقّلة عن مالك» في تفسير الداء العُضال: 


= الفْرّق' ص٠۸‏ - .4١‏ وقد ساق الغزالي في «المستصفی؟ ۲٤١ - ۲٤٦:۲‏ في أوائل مبحث 
القياس وإثبات القياس على منكريه جُمَلاً من كلام النظام وطُمُونه في الصحابة . .. وإنكاره 
آلقباس.. 
قال شیخنا الکوری رحمه اله الى معلا على ترجمة لتقام في ارق بین ابرق ص۷۹ : اوهو 
كثير الوقيعة في أهل الحديث»› وهو آولٌ من فى القياس› والإجماعء وبتشغيباته فيهما انخُلع 
الخوارج» والظاهرية» والشيعة . توفي في حدود .٠۲١١‏ أخزاه الله وبأ المكان اللائق به. 

(۱) في کتابه «المنتقى» ۳۰٠:۷‏ 


فقه أهل العراق وحديثهم 


«وقال ابن عبد البرً: ولم يرو مثلّ ذلك عن مالك أحَدٌ من (أهل الرأي) من أصحابه» 
يعني أهلّ الفقه» من أصحاب مالك» إلى غير ذلك مما لا حاجة إلى استقصائه هنا. 

وبهذا يتبين أن تنزيل الآثار الواردة في ذم (الرأي عن هوى) في فقه الفقهاء» 
وفي رَذهم النوازل التي لا تنتهي إلى انتهاء تاريخ البشر» إلى المنصوص في كتاب 
الله» وسنة رسوله» إنما هو هوى بَشِع» تنبذه حْجَج الشرع . 

وأما تخصيص الحنفية بهذا الاسم فلا يصح إلا بمعنى البراعة البالغة في 
الاستنباط» فالفقه حيثما كان» يصحبه الرأي» سواء كان في المدينة أو في العراق. 
وطوائفٌ الفقهاء كلهم إنما يختلفون في شروط الاجتهاد» بما لاح لهم من الدليل» 
وهم متفقون في الأخذ بالكتاب» والسنةء والإجماع» والقياس» ولا يقتصرون على 
واحد منها. 

وأما أهل الحديث فهم الرواة النْقَّلة» وهم الصيادلة» كما أن الفقهاء هم 
الأطباء» كما قال الأعمش» فإذا اجترأ على الإفتاء أحدٌ الرواة الذين لم يتفقهواء يقع 
في مهزلة» كما نص الرامَهُرْمُرِي في «الفاصل؟ وابنُ الجوزي في «التلبيس» و«أخبار 
الحممًى». والخطيب في «الفقيه والمتفقه» على نماذج من ذلك" فإِكرٌ مدرسة 
للحديث هناء مما لا معنى له" . 

قال سليمان بن عبد القوي الطوفي الحنبلي في شرح «مختصر الروضة في 
أصول الحنابلة: «واعلم أن أصحاب الرأي بحسب الإضافة» هم كل من تصرف في 
الأحكام بالرأي» فيتناول جميعَ علماء الإسلام» لأن كل واحد من المجتهدين لا 


يستغني في اجتهاده عن نظر ورأي» ولو بتحقيق المناط» وتنقيحه الذي لا نزاع في 
)( 
صحته َه 


(۱) انظر من کتاب «تلبیس إبلیس» فصل (ذکر تلبیس إبليس على أصحاب الحديث) ص١١١‏ ۔ 
۳ ومن «أخبار الحمقی والمغفلین»: البابًَ الحادي عشر ص۹٣۱۱‏ ۔ ۲۷٠۱ء‏ ومن «الفقيه 
والمتفقه» ۲: ۸۱ ۔ .۸٤‏ 

(۲) تبيه على رَد ما قاله بعض أهل العصر في بعض كتبه. (البنوري). 

(۳) من خير من أوضح (تحقيق المناط) و(تنقيح المناط) و(تخريج المناط) إيضاحاً حسناً: الإمام 
ابن ُدامة المقدسي الحنبلي في كتابه في أصول الفقه: «روضة الناظر وجُتة المُناظر» فقال رحمه 
الله تعالی في أول باب القیاس ۲: ۲۲۹ - ۲۳١‏ بحاشية عبد القادر بدران. 
اتحقيق المناط نوعان: 
أولهما: لا نعرف في جوازه خلافاًء ومعناء أن تكون القاعدةٌ الكلية متَفَقاً عليهاء أو منصوصاً 
عليهاء ويجتهد المجتهدٌ في تحقيقها في الع . 


فقه أهل العراق وحديثهم 


ومثاله: قولنا في جزاء لقوله تعالی: جرا ينل تا لل بن 

ألَمٍَ4 [المَائدة: .]٠١‏ فنقول: اة والبقر lS‏ ا وهو 

وجوبٌ المثلية معلومٌ بالنص والإجماع. آما تحقيقٌ | البقرة فمعلوم بنوع من الاجتهاد. 

ومن تحقيق المناط : الاجتهاد في القبلةء فنقول: وجوبٌ التوجه إلى القبلة معلوم بالنص» آمَا 

أن هذه جهة ١‏ بالاجتهاد. وكذلك ‏ من تحقيق المناط - تعيين الإمام» والعَذلي 

ومقدار الكفايات في النفقات» ونحوه» فليْعبّر عن هذا بتحقيق المناط» إذ كان معلوماًء لكن 

تعر معرفةً وجوده في آحاد الصوّر؛ فاستّدل عليه بأمارآت. 

انيهما: ما عُرِفَ عِلَةٌ الحكم فيه بنص أو إجماع» فين المجتهدٌ وجودها في الفرع باجتهاده» 

مثل قول النبي ب في الهرة: «إنها ليس بئجّس» إنها من الطوافين عليكم والطوافات». 

جِعَلَ الطواف علّة» فين المجتهد باجتهاده وجود د الطواف في الحشرات من الفأرة وغیرها» 

ليلحقها بالهرة في الطهارة. فهذا قياس جلي قد أقرّ به جماعةٌ ممن ينكر القياس. 

أا النيع الأول من تحقيق المناط E‏ ذلك قياساًء فإن هذا النوع متفق عليه» والقياس 

مختلّف فيه. وهذا ‏ أي تحقيق المناط - من ضرورة كل شريعة» لأن التنصيص على عدالة كل 

شخص» وقدر كفاية ا لا يوجد - أي لا يمکن -. 

وأما تقیح المناط فهو أن بُ این الائ ا یه رة ي ااا اکنل نای 

الحكم» فيجب حذفها من الاعتبار ليتع الحكم. 

ومثاله: قوله به للأعرابي الذي قال له: هلكتٌ يا رسول الله! قال: ما صنعت؟ قال: واقعتُ 

أهلي في نهار رمضان! قال: أعيّق رقبة. 

فنقول: كوه أعرابیاً لا مدخل له في الحكم» فيْلحَقُ به التركي والعجمي» لعلمنا أن مناط 

الحكم وقلع مکلڵف» لا وقاعٌ ا إذ التكاليف تعُم الأشخاص. ويْلحَق به من أفطر بوقاع 

في زمضان آخر» لعلمنا أن المناط حرمةٌ رمضان» لا حرمة ذلك الرمضمان بعيثه: وكود 

الموطوءة منكوحتةُ - أي زوجته - لا مدخل له في الحكم» فإ الزنا أشدٌ في هتك الحرمة. 

فهذه إلحاقات معلومة تُبنى على مناط الحكم» بحذفِ ما عُلِم من عادةٍ الشرع في مصادره 

وموارده وأحكامه أنه لا مدخل ولا أثر له في الحكم. 

فهذا هو النظر - أي الاجتهاد - في تنقيح المناط وتعيينِ سبب الحكم» بعد معرفة الحكم بالنص 

من الشارع» لا بالاستنباط . وقد أقَرّ به أكثرٌ منكري القياس. 

وأما تخريج المناط فهو أن ينص الشارع على حكم في محلء ولا يتعرض لمناطه أي عله 

أصلاً كتحريمه الربا في البْر والشعير والتمر والملح والذهب والفضة التي جاء فيها قوله : 

«الذْهَّبُ بالذهب» والفضة بالفضة» والبُر بالبُر» والشعيرٌ بالشعير» والتمرٌ بالتمر» والملح 

بالملح: مثلاً بمثل» سواء بسواءء يداً بيد. فإذا احتَلّفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا 
ن يداً بيد٤.‏ رواه مسلم والإمام أحمد عن عَبّادة بن الصامت رضي الله عنه. 

فنقول مستنبطين عِلَةٌ هذا الحكم: : إنما حرم الربا في البُر لكونه مكيل جنس» فنقيس عليه الأرّز» 

ونُلجقّه به في تحریم بیعه بجنسه متفاضلاً . وهذا هو الاجتهاد القياسي الذي وقع الخلاف فيه بين 

العلماءء فأثبته الجمهورء وأنكره الظاهرية ومن وافقهم؟. انتهى بتلخيص مع زيادة يسيرة. 


فقه أهل العراق وحديثهم Ae‏ 

وأما بحسب الَلَمِيةَ فهو في عرف السلف من الرواة بَعْدَ يحنة خلق القرآن : 
عَلَمّ على أهل العراق» وهم أهل الكوفة» أبو حنيفة» ومن تابعه منهم. . . 

وبالًعٌ بعضهم في التشنيع عليه. . . وإني والله: لا أرى إلا عصمته مما قالوه» 
وتنزيهه عما إليه نسبوه. وجملة القول فيه: أنه قطعاً» لم يخالف السنة عنادأًء وإنما 
خالف فيما خالف منها اجتهاداًء بحجج واضحة» ودلائل صالحة لائحة» وحْجَجّه بين 
أيدي الناس موجودةء وقلَ أن ينتف منها مخالفوه» وله بتقدير الخطأً أجر» وبتقدير 
الإصابة أجران» والطاعنون عليه إما حُسّادء أو جاهلون بمواقع الاجتهاد» وآجِرُ ما 
صح عن الإمام أحمد رضي الله عنه إحسانٌ القول فيه والثناء عليه» ذكره أبو الؤرد 
من أصحابنا في كتاب «أصول الدين؛ اه. 


وقال الشهاب ابن حجر المكي الشافعي في «الخيرات الحسان»: ص۲۹: 
«يتعيَنٌ عليك أن لا تفهم من أقوال العلماء - أي المتأخرين من أهل مذهبه - عن 
أبي حنيفة وأصحابه : إنهم أصحابٌ الرأي» أن مرادهم بذلك تنقيصُهم» ولا نسبتهم 
إلى أنهم يمون رأيهم على سنة رسول الله ب ولا على قول أصحابه» لأنهم بَراء 
من ذلك». ثم بسط ما كان عليه أبو حنيفة وأصحابُه في الفقه» من الأخذ بكتاب الله» 
ثم بستة رسوله» ثم بأقوال الصحابة» رداً على من توهم خلاف ذلك. 

ولا أَنْكرّ أن هناك أناساً من الرواة الصالحين» يخصون أبا حنيفة وأصحابه 
بالوقيعة من بين الفقهاء» وذلك حيث لا ينتبهون إلى العلل القادحة في الأخبار التي 
تركها أبو حنيفة وأصحابه» فيظنون بهم أنهم تركوا الحديث إلى الرأي» وكثيراً ما يعلو 
على مداركهم وَجُةٌ استنباط هؤلاءِ الحُكَمَّ من الدليلء لدقة مداركهم» وجُمود قرائح 
التقلة» فيطعنون في الفقهاء أنهم تركوا الحديث إلى الرأيء وهذا النبذ منهم لا يؤذي 
سوی أنفسهم . 

وأما ابن حزم فقد تبرأ من القياس جملةٌ وتفصيلاًء فحَظ أبي حنيفة وأصحابه من 
شتائمه مل حَظ باقي الأئمة القائلين بالقياس. والقاضي أبو بكر بن العربي ممن قام 
بواجب الرد عليه في «العواصم والقواصم؟» وليس لابن حزم شِبْةُ دليل» فيما يذعيه 


(۱) وانظر لشرح هذه القاصمة الشمطاء (مسألة خلق القرآن) وتبيين شيء من حقيقتها والحق فيها: 
ما علَمَتّه على «قواعد في علوم الحديث» للعلامة التهانوي في أواخره عند المقطع ٠١‏ من (تتمة 
في مسائل شتی). 


A1‏ فقه آهل العراق وحديثهم 


من نفي القياس» غير المجازفة بنفي ما ثبت من الصحابة في حجية القياس» وغيرَ 
الاجتراء على تصحیح دات ا وکت في رد القياس. 1 

والغريب أن بعض أصحاب المجلات“ ممن لم ينشأً نشأة العلماءء اتخذ مجلته 
منبراً يبخطب عليه للدعوة إلى مذهب» لا يُدرّى صله ولا فرعُه» فألّف قبل عشر 
سنوات رسالة في «أصول التشريع العام؟» وجمَعَ فيها آراء ابن حزم في نفي القياس» 
وآراء بعض مثبتيه» على طريتي غير طريق الأئمة المتبوعين» وآراء أخرى لبعض 
الشذّاذ» يبني مذهبَه على ما يده مصلحة فقط"» وإن خالف صريح الكتاب والسنةء 
فصار بذلك جامعاً لأصول متضادة» تفرع عليها فروعٌ متضادةء لا يجتمع مثلّهاء إلا 
في عق مضطرب» وما هذا إلا من قبيل محاولة استيلاد البشر من البقر» ونحوه. 


فترى ابن حزم يحتج في نفي القياس بحديث غيم بن حماد) الذي سَمّط تيم 
بروايته عند جمهرة النقاد» ولیس ابن حزم على علم من ذلك! وهذا مما يعرفه صِغارٌ 
أهل الحديث من المشارقة» وهو حديث قياس الأمور بالرأي“ . 


(1) وقد رَد على ابن حزم في هذا غير واحد من العلماء القدامى والمتأخرين. ومن أحسن ما 
أبطلَّث به دعواه من نفي القياس في الشريعة المطهرة كتاب «أقيسة الرسول كه للإمام 
ناصح الدين بن نجم الدين الحنبلي» و«مختصره» للإمام صلاح الدين الكيكلدي» ففيهما نحو 
۰ حدیاً العمل بالقياس. والله المرجو أن يُعينني على إتمام خدمتهم وتقديمهما 
لأهل العلم. 

() هو الشيخ محمد رشيد رضا صاحب «مجلة المنار؟. واسم رسالته المشار إليها بعد قليل: ايسر 
الإسلام وأصول التشريع العام؟. 

(۳) قلت: ومما يتعيَنُ على الباحث الوقوفُ عليه: ما كتبه شيخنا الإمام الكوثري رحمه الله تعالى 
في كشف ضلالة (المصلحة) في «مقالاته»» انظر منها المقالات التالية المتتالية : (نظر المرء إلى 
شرع الله معيارٌ دينه)» و(أثر العرف والمصلحة في الأحكام)» و(رأي النجم الطوفي في 
المصلحة). فإنك سترى فيها من البيان الحق ما لا تجده في كتاب. 

(4) قال شيخنا الكوثري رحمه الله تعالى في تقدمة «الفرق بين الغرق؟ لأبي منصور البغدادي صه 
اومن الغريب أن ابن حزم یستدل في «إحکامه» ۱۱۳:۷ و۸:٢۲‏ على بطلان القياس بحديث 
تُعيم بن حماد: «تفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة» أعظمُها فتنةٌ على أمتي قوم يقيسون 
الأمور برأيهم» فيُحلون الحرام» ويّحرّمون الحلال»» مع سقوط هذا الحديث من وجوه عند 
جماعة أهل العلم بالحديث من المشارقة بل المغاربة. 
وقد سل يحيى بن معين عن هذا الحديث فقال: ليس له أصل» فقيل له: فتعَّيم بن حمّاد؟ 
قال: ُعَيم ثقة» فقيل: كيف يُحدّث ثقةٌ بباطل؟ قال: شَبّه له. وقد أطال الخطيب الكلام في 
هذا الحديث في «تاریخه» ۳٠۷:۱۳‏ والكلام فيه معروف». 


فقه أهل العراق وحديثهم AV‏ 

وفي سنده أيضاً (حُرِيرٌ الناصبيٰ)» وإن كان الصحافي - المتمجهد! - يجعله: 
جُريراً. ويزيد على حُجْة ابن حزم حجة أخرى» وهي حديث «سبايا الأمم» في «ابن 
ماجه)» ويرى - الصحافي - أنه حسّن. مع أن في سنده (سُوَيداً)» وفيه يقول ابن 
معين: حلالٌ الدم. وأحمد: مترو الحديث. والشهاب البوصيري الحافظ يعدّه في 
«مصباح الزجاجة» ضعيفاً على تلطفه البالغ في النقد. 

ونی أيضاً (ابنْ أب إبي الرَّجّال)» وهو متروك عند النسائي» ومنكرٌ الحديث عند 
لساري 

ويتصوَرٌ فريقين من الفقهاءء أهل رأي» وأهل حديث. وليس لهذا أصل بالمرةء وإنما 
هذا خيال بعض متأخري الشذاذ» أخذاً من كلمات بعض جهلة النمًلة » بعد محنة أحمد. 

وأما ما وقع في كلام إبراهيم النخعي وبعض أهل طبقته من القول: بأنَ هل 
الرأي أعداء السَنّن» فبمعنى الرأي المخالف للسنة المتوارثة في المعتقدء يعنون به: 
الخوارجّ» والقدرية» والمشبهة» ونحوّهم من أهل البدع» لا بمعنى الاجتهاد في فروع 
9 وداه لی لات ولك تدرف اکم عن برا نیف راي 
نفسّه» وابنُ المسيّب نفسّه من أهل القول بالرأي في الفروع» رغم انحراف المتخيّلين 
خلاف ذلك!. 

ویحارل ابن حزم أن يُكذبَ كل ما يُروى عن الصحابة في القياس» لا سيما 
وی عم ٤‏ مع آن الخطيب وغيرَّه يروونَةُ عنه بطرق كثيرة› بألفاظ متقاربة» وكذا 
عن باقي الصحابة . 


(۱) وقد قال البخاري: كل من قلت فيه: منكرٌ الحديث» فلا تحل الرواية عنه. انظر «الرفع 
والتکمیل» لامام عبد الحي اللکنوي وما علمنّه عليه في ص۱۲۹ و٩٤۱‏ - ٠١١‏ . 

(۲) وهو ما رواه الإمام أحمد في «المسنده ۱ وأبو داود في «سئنه» في كتاب الصيام في (باب 
القّبلة للصائم) ٤۱۸:١‏ «عن عمر بن الخطاب قال: هَيْشْتُ يوماً فقبّلتٌ وأنا صائم» فأتيت 
النبي إا فقلت: صنعتٌ اليوم أمراً عظيماً: قيلت وأنا صائم! فقال رسول الله بي: أرأيت لو 
تمضمضت بماءٍ وأنت صائم؟ قلتٌ: لا بأس بذلك» فقال ي : ففيم؟. 

في «نيل الأوطار؟ ٤‏ :۱۷۹ «صخحه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم. وأخرجه 

قال: إنه منكر٤.‏ قال الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على «الإحكام؟ لابن حزم ٠٠١:۷‏ 
«وإسناد هذا الحديث صحيح . ونسبه المنذري إلى النسائي وأنه قال: هذا حديث منكر. ولم 

أجده في «النسائي»» ولا وجه للحكم عليه بأنه منكر؟. 

وانظر شرح هذا الحديث وتوجية المقايسة فيه» في «الفقيه والمتفقه» للخطيب البغدادي 

1 


AM‏ فقه آهل العراق وحديثهم 


قال الخطيب: بعد أن روى حديتٌ معاذ في اجتهاد الرأي في «الفقيه 
والمتفقه»: وقول الحارث بن عَمُرو: عن أناس من آصحاب معاذ يدل غل شهرة 
الحديث» وكثرةٍ رواته» وقد عرف فضلٌ معاذ ورهدّه. والظاهرٌ من حال أصحابه: 
الين والثقة» والزهد والصلاح» وقد قيل: إن عبادة بن بُسّي» رواه عن عبد الرحمن بن 
عنم عن معاذء وهذا إسناد متصل» ورجاله معروفون بالثقة» على أن أهل العلم قد 


تقبلوه» واحتجوا به» وفنا بذلك على ته عندهې اھ" . 


ومثله بل ما هو أوفى منه» مذكور في «فصول؟ أبي بكر الرازي» وقد سبقٌّت 
كلمته في (ثفاة القياس)» وليس هذا موضعَ بسط لذلك» فليُراجع «فصول» أبي بكر 
الرازي» و«الفقيه والمتفقه» للخطيب» من أراد معرفةً طرق الروايات القاضية على 
مجازفات الظاهرية وأذيالهم ولعل هذا القدر كاف هاهنا. 


الاستحسان 


ظنْ أناس ممن لم يُمارس العلم» ولم يوت الفهم» أن الاستحسان عند الحنفية 
هو الحكم بما يشتهيه الإنسان» ويهواهء ويَلَذّه! حتی فسّره ابن حزم في «إحکامه» بأنه 
ما اشتهته النفس ووافقهاء خطأً كان أو صواباً. لكن لا يقول بمثل هذا الاستحسان 
فقية من الفقهاءء فلو كان هذا مراد الحنفية بالاستحسان»ء لكان للمخالفين» مِلء 
الحق» في تقريعهم» والرد عليهم» إلا أن المخالفين ساءت ظنونهم» وطاشت 
قوا سهاماً إليهم» رتد إلى أنفسهم» وذلك لتقاصر أفهامهم عن إدراك 
مرامهم» ودِفَةٍ مُدرَكٍ هذا البحث في حذ ذاته. 


وليس بين القائلين بالقياس من لا يستحسن بالمعنى الذي يريده الحنفية» 


أحلامهم» ف 


AN (0O 

(۲) أي فالحديتُ ‏ على فرض ضعف فيه - قد عملَّث الأمَةٌ به وتلقغه بالقبول» وذلك دليل على 
صحته. وهذا مبحث هام جدًّاء استوفيته بتوسع بالغ: إثباتاً وتحقيقاً ونصوصاً وشواهد فيما 
ألحقته بآخر «الأجوبة الفاضلة» لاومام عبد الحي اللکنوي ص۲۲۸ - ۲۳۸ فانظره فإنه نفيس. 

7 ف 4 ۷ا: 

(©) وفي كتاب «أقيسة الرسول به وما قدمت له وما علْقَتُ عليه: ما لا يدع للظاهرية وأشباههم 
صوتاً يرتفع بذلك. أعان الله على إخراجه للناس ويسّر. 

() أي فالاختلاف بينهم لفظي في التسمية وعدمهاء وهو الذي يعبر عنه بعض الناس اليوم بقولهم : 
اختلاف اصطلاحي. 


فقه أهل العراق وحديشهم ۸۹4 
وهذا الموضح لا يتسع لذكر نمافج من مذاهب الفقهاء» في الأخذ بالاستحسان. 
وإبطال الاستحسان ما هو إلا سبق قلم من الإمام الشافعي رضي الله عنه» فلو صخت 
حُجَجه في إبطال الاستحسان» لقضت على القياس الذي هو مذهبه»ء قبل أن يَقضي 
على الاستحسانء 

ومن الحكايات الطريفة في هذا الباب» ما يُروّى عن إبراهيم بن جابر» أنه لما 
سأله أحدٌ كبار القضاة في عهد المتقي لله العباسي» عن سبب انتقاله من مذهب 
الشافعي إلى مذهب أهل الظاهر؟ جاوبه قائلاً: «إني قرأت إبطال الاستحسان 
للشافعي» فرأيته صحيحاً في معنا إلا أن جميع ما احتَج به في إبطال الاستحسان هو 
بعينه بُبطل القياس» فصح به عندي بطلانه»» کأنه لم يُرد أن يبق في مذهب يهد 
بعضٌه بعضاًء فانتقل إلى مذهب بُبطلهما معا 

لكن القياس والاستحسان» كلاهما بخير» لم بطل واحدٌ منهما بالمعنى الذي 
يريده القائلون بهماء بل الخلاف بين أهل القياس في الاستحسان» لفظي بحت. 


وأود أن أسوق بعض كلمات من «فصول» أبي بكر الرازي» لتنوير المسألةء لأنه 
من أحسن من تكلم فيه بإسهاب مفهوم - فيما أعلم -. 

وهو يقول في «الفصول؟ في بحث الاستحسان: «وجميعٌ ما يقول فيه أصحابنا 
بالاستحسان» فإنهم قالوه مقروناً بدلائله وحُجُّجه» لا على جهة الشهوة واباع 
الهوى» ووجوه دلائل مسائل الاستحسان موجودة في الكتب التي عَيلناها» في شرح 
كتب أصحابناء ونحن نذكر هنا جملة فضي بالناظر فيها إلى معرفة حقيقة قولهم في 
هذا الباب» بعد تقدمة القول في جواز إطلاق لفظ الاستحسان» فنقول: 

لما کان ما حسنه الله تعالی بإقامته الدلائل على حُسنه» مستحسَناً» جاز لنا 
إطلاق لفظ الاستحسان» فيما قامت الدلالة بصحته» وقد ندب الله تعالى إلى فعله» 
وأوجب الهدايةٌ لفاعله» فقال عر من قائل: وليب جوا الطلعوت أن يقيدوا أب إل 
ال هم اش مر عاد © اي بنتيموة لقو يتيوت اخس أوكيك الي هكم 
ا واک م أو الأب @4 [الرمر: ۱۷ء .]١۸‏ 


وروي عن ابن مسعود» وقد رُوي مرفوعاً إلى النبي بي أنه قال: «ما رآه 
المسلمرن خا فهو مدد اه عسو وما راه الموشتون سا فهو غد اله 


۹۰ فقه أهل العراق وحديثهم 
سىء“ . فإذا كنا قد وجدنا لهذا اللفظ أصلاً في الكتاب» والسنةء لم يُمنع إطلافّه 
في بعض ما قامت عليه الدلالة بصحته على جهة تعريف المعنى وإفهام المراد. . . 

ثم ليس يخلو العائبُ للاستحسان من أن ينازعنا في اللفظ» أو في المعنى . 

فإن نازعنا في اللفظ» فاللفظ مُسَلّم له» فليعبُر هو بما شاء» على أنه ليس 
للمنازعة في اللفظ وجه» لأن لكل أحد أن يعبر عن المعنى بما عَقّله من المعنى» بما 
شاء من الألفاظ» لا سيما بلفظ يطابق معناه في الشرع» وفي اللغة. وقد يعبر الإنسان 
عن المعنى بالعربية تارةًء وبالفارسية أخرى» فلا ننكره . 

وقد أطلتق الفقهاء لفط الاستحسان في كثير من الأشياء» وقد رُوي عن إياس بن 
معاوية أنه قال: قِيسُوا القضاء» ما صَلَّح الناس» فإذا فسدواء فاستحسنوا. ولفظ 
الاستحسان موجود في كتب مالك بن أنس. وقال الشافعي: أستحيِنٌ أن تكون المُتعةٌ 
ثلاثين درهماً. فسقّطٌ بما قلنا المنازعةٌ في إطلاق الاسم أو مَلْعه.. 

وإن نارَعَّنا في المعنى» فإنما لم يُسلّم خصمُنا تسليجَ المعنى لناء بغير دلالة. 
وقد اصطحَبَ جميعَ المعاني التي نذكرهاء - مما ينتظمه لفظ الاستحسان عند أصحابنا - 
إقامة الدلالة على صحته» وإثبانه بحجته. 

ولفظٌ الاستحسان يکتنفه معنيان : 

أحدهما: استعمال الاجتهاد» وغابةٌ الرأي في إثبات المقادير الموكولة إلى 
اجتهادنا وآرائناء نحو تقدير مُتعة المطلقات» قال الله تعالى: وعوش على الويع درو 
عل المقير َم مسا بالموية علا عل الضيييك) [البَقرة: .]۲۳١‏ فأوجبها على مقدار 
يّسارٍ الرجل وإعساره. ويقدارها غير معلوم» إلا من جهة أغلب الرأي» وأكثرٍ الظن. 

ونظيرها أيضاً نفقات الزوجات» قال الله تعالى: وَل آلؤلود لم رذن ونون 
بعرو [البَقَرَة: ۲۳۳]. ولا سبيل إلى إثبات المعروف من ذلك» إلا من طريق 
الاجتهاد. 

وقال تعالی: وین لم یکم سما راء ل ما نل ن العم كم يوه دوا عل 


نکم هدیا بل الكنبة أو كمرةٌ طعا سكين أو عَدَلُ درك ميا [المائدة: .]۹١‏ 


() والصحیح وقفه على ابن مسعود رضي الله عنه. وقد رواه عنه من كلامه الإمام أحمد في 
«المسنده ۳۷۹:١‏ والهيثمي في «مجمع الزوائده ۱۷۷:١‏ وقال: «أخرجه أحمد والبزار 
والطبراني في «الكبير؛» ورجالّه ثقات». وقال الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على المسنده 
٥‏ اإسناده صحیح؟. 


فقه أهل العراق وحديثهم ۹۱ 

ثم لا يخلو المِثلُ المراد بالآيةء من أن يكون القيمةٌ أو النظيرَ من النَعَم على 
حسب اختلاف الفقهاء فيه» وأيهما كان» فهو موكول إلى اجتهاد العّدلين. 

وكذلك أرُوش الجنايات التي لم يرد في مقاديرها تص» ولا أتفاق» ولا تُعرّف 
إلا من طريق الاجتهاد. ونظائرها في الأصول أكثر من أن تحصى» وإنما ذكرنا منها 
فالا دل په على فظارم ٠‏ 

فسمى أصحابُنا هذا الضربً من الاجتهاد استحساناً» وليس في هذا المعنى 
خلاف بين الفقهاء» ولا يُمكِنْ أحداً منهم القولٌ بخلافه. ٤‏ 

وأما المعنى الآخر من ضَربَيٰ الاستحسان» فهو ترك القياس إلى ما هو أولى 
منه» وذلك على وجهین : 

أحدهما: أن يكون فرع يتجاذبه أصلان» يأخْدٌ الَبَةَ من كل واحد منهماء 
فيجب إلحافّه بأحدهماء دون الآخرء لدلالةٍ تُوجبه» فسمُوا ذلك استحساناًء إذ لو لم 
يَّعرض شَبّه للوجه الثاني» لكان له شه من الأصل الآخر» فيجب إلحافٌه به. وأغمض 
ا بجي مئ اتل الفرئ وأا سلا اكان مو ةا الين» ررقت هدا 
الموقف» لأنه محتاج في ترجيح أحد الوجهين على الآخر» إلى إنعام النظرء 
واستعمالِ الفكر» والرويّة» في إلحاقه بأحد الأصلين دون الآخر. . . 

فنظيرٌ الفرع الذي يتجاذبه أصلان» فيْلحَقُ بأحدهما دون الآخر» ما قال أصحابنا 
- في الرجل يقول لامرأته: إذا جضتٍِ» فأنتِ طالق»ء فتقول: قد جضت -: إن القياس 
أن لا تُصدّق حتى يُعلّم وجودٌ الحيض منهاء أو يُصدَقهًا الزوج» إلا أنا نستحسن» 
فنوقع الطلاق. قال محمد: وقد تُدخلُ في هذا الاستحسان بعض القياس . 

قال أبو بكر: أما قولهم: إن القياس أن لا تصدّق» فإن وجهه أنه قد ثبت بأصل 
متفق عليه» أن المرأة لا تُصدّق في مثله في إيقاع الطلاق عليهاء وهو: الرجل يقول 
لامرأته: إن دخلتٍِ الدار» فأنت طالق» وإن كلمتٍ زيداًء فأنت طالق»ء فقالت بعد 
ذلك: قد دخلتًها بعد اليمين» أو كلمت زيداًء وكذّبها الزوج» إنها لا تُصدَق» ولا 
َطلَقُ حتى يُعلّم ذلك ببيّنة» أو بإقرار الزوج. 

فكان قياس هذا الأصل يُوجِبٌ أن لا تُصدَق في وجود الحيض» الذي جعله 
الزوج شرطاً لإيقاع الطلاق. 

وكما أنه لو قال لها: إذا جضتِ» فان عبدي حرء أو قال: فامرأتي الأخرى 
طالق» فقالت: حضت» وكذّبها الزوج: لم يَعيّق العبدء ولم تطلُق المرأة الأخرى. 


۹۲ فقه أهل العراق وحديثهم 

فقد أخدّت هذه الحادثة شَبَهاً من هذه الأصول التي ذكرناء فلو لم يكن لهذه 
الحادثة غير هذه الأصول لكان سبيلُها أن تلق بهاء ويُحكم لها بحكمهاء إلا أنه قد 
عَرَض لها أصل آخر» منع إلحاقها بالأصل الذي ذكرنا وأوجب إلحاقها بالأصل 


الثاني : 
وهو أن الله تعالی لما قال: لا يِل هَن أن يكن ما حل أله ف أرَامه) 
[البَقَرَة: ۲۲۸]. وروي عن السلف أنه أراد: من الحيض والحْبّل. وعن أبُيّ بن كعب 


أنه قال: من الأمانة أن اثمُمِنّت المرأة على فرجها. دل وعظّه إياهاء ونهيّه لها عن 
الكتمان» على قبولِ قولها في براءة رجمها من الحبّل» وشُغلها به» ووجودِ الحيض 
وعدیه» كما قال تعالی في الذي عليه الڌێْن: وَين له ركم ولا يك ينه باي 
[البَقرَة: ۲۸۲]. فلمّا وعَطَّه ونهاه عن البخس والنقصان» عُلِم أن المرجع إلى قوله في 
مقدار الدّْن» فصارت الآية التي قَدّمنا أصلاً في قبول قول المرأةء إذا قالت: أنا 
حائض» وتحريم وطئها في هذه الحالء فإنها إذا قالت: قد طَهَرتُ» حل لزوجها 
فُربها» وكذلك إذا قالت» وهي معتدة: قد انقضت عِدتي» صُدَقّت في ذلك» 
وانقطعت رجعةٌ الزوج عنهاء بانقطاع الزوجية بينهما. وكان المعنى في ذلك أن انقضاء 
العدة بالحيض معّى يَخْصهاء ولا يُعلَمٌ إلا من جهتهاء فيُوجبٌ على ذلك - إذا قال 
الزوج : إذا حضتٍ» فأنتِ طالق» فقالت قد حضتٌ » أن تُصدَق في باب وقوع 
الطلاق عليهاء كما صُدَقّت في انقضاء العِدَّة» مع إنكار الزوج» لأن ذلك معئّى 
يَخْصهاء أعني أن الحيض لا بعلم وجودّه إلا من جهتهاء ولا يلع عليه غيرها. 

ولأجل ذلك أنها لا تُصدَقُ على وجود الحيض» إذا علق به طلاق غيرهاء أو 
علق به عِتق العبدء لأنه إنما جل قولُها كالبيّنة في الأحكام التي تَحْصهاء دون 
غیرهاء ألا تری أنهم قالوا: إن الزوج لو قال: قد أخبرتني أن عِدَّتها انقضت» وأنا 
أريد أن أتزوج أختَهاء كان له ذلك» ولا تصدّقُ هي على بقاء العدة في حق غيرهاء 
وتكون عِدَنها باقيةٌ في حقهاء ولا تسقط نفقتُها. فصار كقولها: قد جضت وله 
حکمان: 


أحدهما: فيما يخصهاء ويتعلق بهاء وهو طلافُهاء وانقضاءٌ عِدّتهاء وما جَرّى 
مجرى ذلك» فيْجعَلّ قولّها فيه كالينة. 

والآخر: في طلاق غيرهاء أو عت العبد» فصارت في هذه الحال شاهدةء 
كإخبارها بدخول الدار» وكلام زيد إذا عَلّق به العتق» أو الطلاق). اه. 


فقه أهل العراق وحديثهم ¥ 


ثم ضرّب أبو بكر الرازي أمثالاً كثيرة» مما يكون فيه لقولها حكمان من 
الوجهين» وأجاد في ذكر النظائرء إلى أن أتى دور الكلام في القسم الآخر من 
الاستحسان» وهو تخصيصض الحكم مع وجود العلة» وشرّحه شرحا ينثلج به الصدرء 
ولا يدع شكاً لمرتاب» في أن هذا القسم من الاستحسان» مقرون أيضاً في جميع 
الفروع» بدلالة ناهضة» من نص» أو إجماع» أو قياس آخر يوجب حكماً سواه في 
الحادثة» وهذا القدر يكفي في لفت النظرء إلى أن قول الخصوم في الاستحسان بعيد 
عن الوجاهة. 


شروط قبول الأخبار 


ترق الحية ابول الخبي المركل إذا كان مرس فة كالخ المسيت ‏ وعكه 
جرت جمهرة فقهاء الأمة» من الصحابة والتابعين وتابعيهم إلى رأس المئتين. ولا شك 
أن إغفال الأخذ بالمرسل - ولا سيما مرسّل كبار التابعين - ترك لشطر الستَة. 


قال أبو داود صاحب «السنن» في «رسالته» إلى أهل مكة المتداولة بين أهل 
العلم بالحديث: «وأما المراسيل» فقد كان يَحتجَ بها العلماء فيما مضى» مثْلُ 
سفيان الثوري» ومالك بن أنس» والأوزاعي» حتى جاء الشافعي فتکلم فيه . 


وقال محمد بن جرير الطبري: «لم يزل الناس على العمل بالمرسّل» وقبولِه 
حتى حدَّث بعد المثتين القول برّذه»» كما في «أحكام المراسيل؛ للصلاح العلائي» 
وفي كلام ابن عبد البر" ما يقتضي أن ذلك إجماع . 

ومناقشةٌ من ناقشهم" بأنه يوجد بين السلف من يحاسب بعض من أرسل 
محاسبةٌ عسيرة: مناقشةٌ في غير محلهاء لأن تلك المحاسبة إنما هي من عدم الثقة 
بالراوي المرسل» كما تّرى مثل هذه المحاسبة في حق بعض المسيدين» فإذن ليست 
المسألةٌ مسألةً إسناد وإرسال» بل هي مسألة الثقة بالراوي. 

والشافعي لما رَد المرسلء وخالَفٌَ من تقدّمه اضطربت أقوالّه» فمرةٌ قال: إنه 
ليس بحجة مطلقاًء إلا مراسيل ابن المسيّب» ثم اضطر إلى رذ مراسيل ابن المسيّب 


() وقد طبعت بمطبعة الأنوار في القاهرة سنة ۱۳١١‏ بتحقيق شيخنا الكوثري رحمه الله تعالى . 
(۲) في أول كتابه «التمهيده .٤:١‏ 
(۳) كالصلاح العلائي في «أحكام المراسيل؟. 


4 فقه آهل العراق وحديثهم 
نفینه في مسائل» ذكرتّها فيما علْقَتُ على «ذيول طبقات الحفاظا» ثم إلى الأخذ 
بمراسيل الآخرِين» ثم قال بحجية المرسّل عند الاعتضادء ولذلك تعب أمثال البيهقي 
في التخلص من هذا الاضطراب» وركبوا الصعب. 

وفي «مسند الشافعي» نفسه مراسيل كثيرة» بالمعنى الأعم الذي هو المعروف 

بين السلف”» وفي «موطأً مالك؛ نحو ثلاث مئة حديثِ مرسّل» وهذا القدرٌ أكثرٌ من 

نصف مسانيد «الموطأً»» وما في «أحكام المراسيل» للصلاح العلائي من البحوث في 
الإرسال» جزء يسير مما لأهل الشأن من الأخذ والرد في ذلك. 

وفيما علّقناه على «شروط الأئمة الخمسة» وجه التوفيق بين قول الفقهاء بتصحيح 
المرسل» وقول متأخري أهل الرواية بتضعيفه» مع نوع من البسط في الاحتجاج 
بالمرسل"» بل البخاري نفسه تراه يستدل في كتبه بالمراسيل» وكذا مسلم في 
«المقدمة»» و«جُزء الدَبَاغ» ولا يتحمَلُ هذا الموضعٌ لبسط المقال في ذلك بأكثر 
من هذا. 

ومن شروط قبول الأخبار عند الحنفية مسدةٌ كانت أو مرسلة: أن لا تشد عن 
الأصول المجتيعة عندهم» وذلك أن هؤلاء الفقهاء بالغوا في استقصاء موارد النصوص 
من الكتاب» والسنة» وأقضية الصحابة» إلى أن أرجعوا النظائرّ المنصوص عليهاء 
والمتلقاءً بالقبول إلى أصل تتفرّع هي منه» وقاعدةٍ تندرج تلك النظائرٌ تحتها. 

وهكذا فعلوا في النظائر الأخرى» إلى أن أتمُوا الفحص والاستقرار» فاجتمعت 
عندهم أصول - موضع بيانها كتبٌ القواعد والفروق - يَعرضون عليها أخبارً الآحادء 
فإذا دت الأخبار عن تلك الأصول»ء شاك ندرا مامه ا هو اقتوئ ا 
منها» وهو الأصلٌ المؤضّل من تتبع موارد الشرع الجاري مجرى خبر الكافة . 


)١(‏ يريد أستاذنا: «لحظ الألحاظ بذيل طبقات الحفاظ؛ للحافظ تقي الدين محمد بن فهد المكي. 
وذلك ص۳۲۹ من ترجمة الحافظ ابن حجر العسقلاني. والمسائل التي أشار إليها هي في زكاة 
الفطر بمُدين من حنطةء وفي التَولية في الطعام قبل استیفائه وفي ڍية المعاهدء وفي قتل من 
ضرَّب أباه. كما في تعليق شيخنا الكوثري رحمه الله تعالى على «ذيول تذكرة الحفاظا 
Hu‏ 1 

(۲) وهو أن المرسل: كل ما لا يتصل إسناده» سواء كان الساقط صحابياً أو غيره واحداً أو اثنين . 
أفاده أستاذنا الكوثري رحمه الله تعالى. 

(۳) انظر «شروط الأئمة الخمسة» للحازمي وتعليق شيخنا عليه في ص١٤‏ وا٥.‏ 

(9) انظر ما وقع في اصحيح مسلم؟ من مراسیل في «تدریب الراوي» ص۱۲۹ ۔ ۲٢‏ 


فقه آهل العراق وحدیثهم 4 


والطحاوي كثيرٌ المراعاة لهذه القاعدة في كتبه» ويَظْنَ من لا خبرة عنده أن ذلك 
ترجيح منه لبعض الروايات على بعضها بالقياس. 

واقةٌ هذا الشذوذ المعنويّ في الغالب» كثرةٌ اجتراء الرواة على الرواية بالمعنى» 
بحيث نجل بالمعنى الأصلي. وهذه قاعدة دقيقةء يعرف بها البارعون في الفقه مواطن 
الضعفِ والنتوءِ في كثير من الروايات» فيرجعون الحقّ إلى نصابه بعد مضاعفة النظر 
في ذلك. 

ولهم أيضاً مَداركٌ أخرى في عِلَل الحديث دقيقة» لا ينتبه إليها دَهُماء النقلة. 


وللعمل المتوارّث عندهم شأن يُحتبَرٌ به صِحَةٌ كثير من الأخبار» وليس هذا 
الشأنُ يختص بعمل أهل المدينة» بل الأمصار التي تزلها الصحابة وسكنوها ولهم بها 
أصحاب» وأصحابُ أصحاب: سواء في ذلك. وفي «رسالة الليث إلى مالك“ ما 
يشير إلى ذلك. 

ومن القواعد المرضية عند أبي حنيفة أيضاً: اشتراطُ استدامة الحفظ من آنِ 
التحمل إلى آنِ الأداء» وعدم الاعتداد بالخط» إذا لم يكن الراوي ذاكراً لمرويه» كما 
في «الإلماع؟ للقاضي عياض» وغيره. 

وكذلك اقنصارٌ تسويغ الرواية بالمعنى على الفقيه» مما يراه أبو حثيفة حتماً. 

ومن قواعدهم أيضاً: مراعاءٌ الأدلة في الثبوتِ» والدلالةء فللقطعيّ ثبوتاً أو 
دلالةً مرتبئه» وللظنيّ كذلك حُكمُه عندَهم» فلا يقبلون خبرّ الآحاد إذا خالف 
الكتاب» ولا يعون بيان المجمّل به في شيء من المخالفة للكتاب» فلا يكون بيان 
المجمّل بخبر الآحاد من قبيل الزيادة على الكتاب عندهم» وإن أورد بعض المشاغبين 
ما هو من قبيل البيان على قاعدة الزيادة» تعنتاء وجهلاً بالفارق. 

ومن قواعدهم أيضاً: رَد خبر الآحاد في الأمور المحكّمة التي تَعّمّ بها البلوى» 
وتتوفْرٌ فيها الدواعي إلى نقلها بطريق الاستفاضة» حيث يَعُدَون ذلك مما تكذبه شواهد 
الحال واشتراط شهرة الخبر عند طوائف الفقهاء. 


(1) هي تحت الطبع بعون الله تعالى» وقد عُنيت بخدمتها مع رسالتين أخريين. «رسالة مالك إلى 
الليث؟ و«رسالة أبي حنيفة إلى عثمان البتي»» وئنشر باسم «نمافج من رسائل الأئمة وأدبهم 
اللىي 


0© ھن 


۹1 


فقه آهل العراق وحديثهم 


ویقول ابن رجب: إل أبا حنيقة يرى أن الثقات إذا اختلفوا في خبرء زيادةٌء أو 


نقصاًء في المتن» أو السند» فالزائد مردود إلى الناقص . 


إلى غير ذلك من قواعد رصينةء أقاموا الحجج على كل منهاء في كتب 


الأضرل ال 


0) 


وقد توسع شيخنا الكوثري رحمه الله تعالى في بیان أصول الإمام أبي حنيفة وأصحابه بعض 
التوشع في «تأنيب الخطیب» ص۲٥۱ ٠١٤‏ وآنا ناقله لك بطوله» وقد یکون فيه ما هو مکرر 
مع بعض ما كر هناء لكنه بعبارة أخرى» في التكرار من هذا النوع تمتين وتوضيح. قال 
رحمه الله تعالى: «ومن طن بأبي حنيفة أنه قليل الحديث» أو كير المخالفة للحديث» أو كثير 
الأخذ بالأحاديث الضعيفة: جَهلّ شروط قبول الأخبار عند الأئمة» ووَزدٌ علوم أئمة الاجتهاد 
بميزانه الخاص الذي ربما يكون مختل العيار. 

وللإمام أبي حنيفة آصول ناضجة في باب استباط الأحكام» ريما يرميه بكل ما تقدم من يجهل 
ذلك . ومن تلك الأصول: 

١‏ قبول مُرْسلات الثقات إذا لم يعارضها ما هو أقوى منها. 
والاحتجاج بالمرسل كان نة متوارثة» جرت عليه الأمة في القرون الفاضلة» حتى قال ابن 
جرير: رَد المرسل مطلقاً بدعة حدَئّث في رأس المثتين. اه. كما ذكره الباجي في «أصوله». 
وابن عبد البر في «التمهيد؛ وابن رجب في «شرح علل الترمذي». بل ترى البخاري يحتج في 
اصحیحه) بمراسيل» كما بٌحتج بها في اجزء القراءة خلف الإمام» وغيره» بل عند مسلم في 
«اصحيحه» مراسيل» كما تجد بيان ذلك في مقدمة «فتح الملهم بشرح صحيح مسلم» لمولانا 
المحدّث العثماني ١‏ _ وفي «تدريب الراوي؟ للسيوطي ص۹٣۱۲ ۱۲١‏ ۔» ومن ضعف 
بالإرسال نبد شطرّ السنةٍ المعمول بهاء 

۲ ومن أصول أبى حنيفة عرض أخبار الآحاد على الأصول المجتيعة عنده» بعد استقرائه 
موارد الشرع» فإذا خالف حبر الآحاد تلك الأصول يأخذ بالأصل» عملا بأقوی الدليلين» وعد 
الخبرّ المخالف له شاذاًء ولذلك نمافج كثيرة في «معاني الآثار» للطحاوي وليس في ذلك 
مخالفة للخبر الصحيح› وإنما فيه مخالفة لخبر بث عِلة فيه للمجتهد. وصِخة الخبر فرع خُلوه 
من العلل القادحة عند المجتهد. 

ی أصوله أيضاً: عَرْض أخبار الآحاد على عموماتِ الكتاب وظواهره فإذا خالف 
الخبرٌ عاماً أو ظاهراً في الكتاب» أذ بالكتاب ويرك الخبر» عملا بأقوى الدليلين أيضاًء لأن 
الكتاب قطعي الثبوت» وظواهره وعموماته قطعية الدلالة عنده» لأدلة ناهضة مشروحة في 
مفصلات كتب الأصول» ك«فصول» أبي بكر الرازي و«شامل؛ الإتقاني» وأما إذا لم يخالف 
الخبرٌ عاماً أو ظاهراً في الكتاب» بل کان بیاناً لمُْجمّل فیه» فيأخذ به حيث لا دلالة فيه بدون 
بيان» ولا يدخل هذا في باب الزيادة على الكتاب بخبر الآحاد» وإن توم ذلك بعص من تعد 
التشخيب. 
وسن أصوله ایضاً ف الأخذ بخبر الآحاد: أن لا يُخالِفَ السَنَةٌ المشيورة» سواء أكانت 
سنة فعلية أو قوليةء عملا بأقوى الدليلين أيضاً. 


فقه اهل العراق وحديثهم ۹۷ 


(» 


ه - ومن أصوله أيضاً في الأخذ بذلك: أن لا يُعْارض خير مثلّه» وعند التعارض يرجح أحدٌ 
الخبرين على الآخر» بوجوه ترجيح تختلف أنظار المجتهدين فيهاء ككون أحد الراوبين فقيهاً أو 
أفقة بخلاف الآخر. 

- ومن أصوله أيضاً في ذلك: أن لا يعمل الراوي بخلاف خبره» كحديث أبي هريرة في 
غسل الإناء من ولوغ الكلب سبعاًء فإنه مخالف لفُتيا أبي هريرة» فترك أبو حنيفة العمل به 
لتلك العلة» ومعه في الإعلال بمثل ذلك كثيرٌ من السلف» كما تجد نمافج من ذلك في «شرح 
عِلّل الترمذي» لابن رجب» وإن ارتأى خلا ذلك آناس ممن فقهُهم أقربُ إلى الظاهرية . 

۷ - ومن أصوله أيضاً: رَد الزائد متناً كان أو سنداً إلى الناقص» احتياطاً في دين الله» كما 
ذكره ابن رجب. وإغفالٌ هذا الأصل عند بعض متأخري أصحابناء في مناقشاتهم مع 
المخالفين» من قبيل إلزام الخصم بما يراه هوء 

۸ - ومن أصوله أيضاً: عدم الأخذ بخبر الآحاد فيما تَعُمْ به البلوى - أي فيما يَحتاج إليه 
الجميعُ حاجةٌ متأكدةٌ مع كثرة تكرره - فلا يكون طريقٌ ثبوت ذلك غير الشهرة أو التواترء 
ويدخل في ذلك الحدود والكفارات التي تدرأ بالشّبّه. 

٩‏ - ومن أصوله أيضاً: أن لا يرك أحَدٌ المختلفين في الحكم من الصحابة الاحتجاجّ بالخبر 
الذي رواه أحذهم. 

. ومن أصوله أيضاً في خبر الآحاد: أن لا يَسبق طعنُ أحدٍ من السلف فيه‎ - ١ 

. ومنها: الأخذٌ بأخف ما ورد في الحدود والعقوبات عند اختلاف الروايات‎ ١ 

۲ - ومنها: استمرارٌ حفظ الراوي لمَّرويّه من آنٍ التحمَّل إلى آنِ الأداء» من غير تخلل 
نسیان. 

۳ ۔ ومنها: عدم تعویل الراوي على حَطّه ما لم ٌذکر مَروێه. 

٤‏ - ومنها: الأخدٌ بالأحوط عند اختلاف الروايات في الحدود التي تدرأ بالشبهات»ء كأخذه 
برواية قطع السارق بما ثمئه عشرة دراهم» دون رواية رع دینار من حيث إنه ثلاثة دراهم» 
فتكون رواية عشرة دراهم أحوط وأجدر بالثقة» حيث لم يُعلّم المتقدم من المتأخر حتى يُحكم 
بالنسخ لأحدهما. 

٠‏ _ ومنها: الأخذٌ بخبر تكون الآثار أكثر في جانبه. 

١‏ -ومنها: عدَمٌ مخالفة الخبر للعمل المتوارث بين الصحابة والتابعين» في أي بل نزله هؤلاء 
بدون اختصاص بمصر دون مصر» كما أشار إلى ذلك الليث بن سعد فيما كتب به إلى مالك . 
وله أصول أخرى من أمثال ما سَبّق» تَحْيلّه على الإعراض عن كثير من الروايات» عملاً 
بالأقوى . 
وقد آشار الحاقظ محمد ين يوف المامى.الصالحي الشافعي صاحب #السيرة الغامية 
الكبرى في صد الرد على اين أبي شيبةء إلى بعض ما تقدم» في «عقود الجُمّان في مناقب _ 


توفى سنة ٩٤6١‏ بالقاهرة رحمه الله تعالى. 
توفي بالقاهرة ر 


۹۸ فقه آهل العراق وحديثهم 

فمن يَقَبلٌ الحديتٌ عن كل من هَبَ ودب في عهد يوع الفتن» وشيوع 
الكذبء بقن الرسول وات اله غليهة چ ام يخالفون الحديث» لكنّ 
الأمرَ ليس كذلك» بل عُمدئهم الآثار في التأصيل والتفريع» كما يظهر ذلك لمن 
أحسنَّ البحث» ووْفَقَ للإجادة في المقارنة والموازنة» من غير أن يَستسلم للهوى»› 
والتقليدِ الأعمى» والله سبحانه هو الموفق: 


منزلة الكوفة من علوم الاجتهاد 


ولا بد هنا من استعراض ما كانت عليه الكوفة» من عهد بنائها إلى زمن 
أبي حنيفة» ليّعلم من لا يعلم وجة امتيازها عن باقي الأمصار» في تلك العصور حتى 
أصبحت مَشرِق الفقه الناضج» المتلاطم الأنوار» فأقول: 

لا يخفى أن المدينة المنورة زادها الله تشريفاًء كانت مهبط الوحي» ومستقر جمهرة 
الصحابة» رضوان الله عليهم أجمعين» إلى أواخر عهدٍ ثالث الخلفاء الراشدين» خلا 
الذين رحلوا إلى شواسع البلدان للجهاد» ونشر الدين» وتَفقيهِ المسلمين . 

ولما ولي الفاروق رضي الله عنه» وافَيّحَ العراق في عهده» .سعد :بن آبي 
وقاص رضي الله عنه» أمَر عمر ببناء الكوفة» فَبْنيّت» سئة ۷١ه»‏ واگ حولها 
المْصحَ من قبائل العرب» وبعَتٌ عمر رضي الله عنه عبد اله بن مسعود رضي الله عنه» 
إلى الكوفةء بعلم أهلها القرآنء ويفقهَهم في الڏينء قائلاً لهم: وقد آثرتکم بعبد الله 
على نفسي. 


= ابي حنيفة النعمان». ثم قال: «فبمقتضى هذه القواعد ترك الإمام أبو حئيفة رحمه الله العمل 
بأحادیث کثيرة من الآحاد» وأبی الله سبحانه وتعالی إلا عصمتّه مما قال فيه أعداؤه وتنزیهه عما 
شس 
والح آنه لم بُخاِف الأحاديث عِنادأء بل خالقها اجتهاداًء لحجج واضحة» ودلائل صالحة» 
وله بتقدير الخطأً أجرء وبتقدير الإصابة أجران. والطاعنون عليه إمّا حُسادء أو جُهال بمواقع 
الاجتهادا. اه. 
وأما تضعيفٌ بعض أحاديثه من جهة بعض شيوخه أو شيوخ شيوخه» بناء على قول بعضٍ 
المتأخرین فیهم» فلیس بمستساغ» لظهور آنه أدرّی بأحوال شیوخه وشیوخ شیوخه» ولیس بینه 
وبين الصحابي إلا راويان اثنان في الغالب». انتهى من «تأنيب الخطيب؟. 

)١(‏ أي بالحنفية. 


»( هكذا اسم الكتاب في أغلب النسخ المخطوطة في الخزانات» لكن نسخة المكتبة العامة في ميدان آبي يزيد في 
إصطنبول باسم (عقد الجمان). رهي أصح نسخة رآيتهاء وعليها خط المؤلف. (الكوثري). 


فقه أهل العراق وحديثهم 4 

وعبدٌ الله هذا منزلئه في العلم بين الصحابة عظيمة جداًء بحيث لا يَستغني عن 
علمه مثل عمر في فقهه» ويقظته» وهو الذي يقول فيه عمر: كيف مُلىء فقهاً» وفي 
OE Ry‏ 

وفيه ورد حديتٌ: «إني رَضِيبٌ لأمَتي» ما رَضيّ لها ابن أمّ عَبْدا» وحديتُ: 
«وتمسّکوا بعهد ابن مسعودا» وحدیتٌ: «من أراد آن يقرا القرآن غضًا كما آنزل» 
فليقرأه على قراءة ابن أم عبدا» وقال النبي صلوات الله عليه: «خذوا القرآن من 
أربعة٠»‏ وذكَرَ ابن مسعود في صدر الأربعة. 

وقال حُديفة رضي الله عنه: كان أقربَ الناس هدياًء ودلا وسَمتاً برسول الله لل 
ابن مسعود» حتی ټتواری منا في بيته» ولقد عَلِّ المحفوظون من أصحاب محمد أن 
ابن أم عبد» هو أقربُهم إلى الله زلفى. وحذيفة حذيفة» وما ورد في فضل ابن 
مسعود» في كتب السنة شيء كثير جد . 

فاب مسعود هذا عُني بتفقيه أهل الكوفة» وتعليمهم القرآن من ستَةٍ بناء الكوفة 
إلى أواخر خلافة عثمان رضي الله عنه» عناية لا مزيد عليهاء إلى أن امتلأت الكوفة 
بالقراء» والفقهاء المحدثين» بحيث أبلغ بعض ثقات أهل العلم" عدَدَ من تفه عليه» 
وعلى أصحابه» نحو أربعة آلاف عالم. 

وكان هناك معه أمثال سعد بن مالك - أبي وقاص - وحذيفة» وعَمّار» وسلمان» 
وأبي موسی» من أصفياء الصحابة رضي الله عنهم» يُساعدونه في مهمته» حتى إل 
غلي بن ابي طالب كرم الله وجهه» لما انتقل إلى الكوفة» سر من كثرة فقهائهاء 
وقال: رم اللَّهُ ابنّ أمّ عَبْد» قد ملأ هذه القريةٌ علماً. وفي لفظ: أصحابُ ابن 


مسعود سرج هذه القرية . 


. الكئيف: تصغير «كثف»» وهو الوعاء. وهو تصغير تعظيم‎ )١( 

() منه ما روی البخاري ومسلم في «الصحيحين؟ مسنداً إلى مسروق قال: قال عبد الله بن مسعود: 
والذي لا إله غيره ما نَت سورة إلا وأنا أعلم أين نزلت» ولا أنزلت آية إلا وأنا أعلم فيم 
أنزلت. ولو أعلم أحداً أعلم مني بكتاب الله تعالى تبلغه الإبل لركبت إليه». 
ومما رواه ابن سعد في کتابه «الطبقات الکبری؛ ۳۲٤١:۲‏ عن التابعي الجليل مسروق بن 
الأجدع» أحد كبار علماء الكوفة وفقهائهاء قال: «لقد جالستٌ أصحابَ محمد بء فوجدتّهم 
كالإخاذ - آي كالخدير يُستَقّى منه الماء ويؤخذ - فالإخادٌ يُروي الرجل» والإخادٌ يروي الرجلين» 
والإخاد يُروي العشرة» والإخادٌ يُروي اليئةء والإخادٌ لو تَرّل به أهلٌ الأرض لأصدرهم - أي 
رَواهم -» فوجدتٌ عبد الله بن مسعود من ذلك الإخاذ. 

(۳) هو الإمام السرخسي في «المبسوطا» أفاده شيخنا الكوثري رحمه الله تعالى. 


Ke‏ فقه أهل العراق وحديثهم 

ولم يكن بابُ مدينة العلم» بأقل عناية بالعلم منه» فوالّى تفقيههم» إلى أن 
أصبحت الكوفة لا مثيل لها في أمصار المسلمين» في كثرة فقهائهاء ومحدَّثيهاء 
والقائمين بعلوم القرآن» وعلوم اللغة العربية فيهاء بعد أن اتخذها علي بن أبي طالب 
کرم الله وجهه» عاصمةً الخلافةء وبعد أن انتقل إليها أقوياءٌ الصحابة» وفقهاؤهم . 

وبینما تّرى محمد بن الربيع الجيزي. والسيوطيّ لا يستطيعان أن يذكرا من 
الصحابة الذين نزلوا مصر إلا نحو ثلاث مئة صحابي» تجدٌ الججليّ يذكر أنه تون 
الكوفة وحدّهاء من الصحابة» نحو ألفٍ وخمس مئة صحابي» بينهم نحو سبعين 
بدرياً» سوى من أقام بهاء ونشر العلم بين ربوعهاء ثم انتقل إلى بلد آخر» فضلاً عن 
باقي بلاد العراق. 

وما يُروّى عن ربيعة» ومالك من الكلمات البتراء في أهل العراق» ليس بثابت 
عنهما أصلاًء وجل مقدارٌهما عن مثل تلك المجازفة» ولسنا في حاجة هنا إلى شرح 
ذلك» فنكتفي بالإشارة. 

فکباڙ أصحاب علي» وابن مسعود رضي الله عنهما بهاء لو دُوَنّت تراجمهم في 
كتاب خاص لأتى كتاباً ضخماًء والمجالُ واسع جداً لمن يريد أن يؤلّف في هذا 
الموضوع . 

وقد قال مسروق بن الأجلع التابعي الكبير: وجدت عِلمّ أصحاب محمد ينتهي 
إلى سةد ائ علي» وعبد الله» وعمر» وزيد بن ثابت»› وأبي الدرداء» وا بن 
كعب؛ ثم وجدتٌ عِلمٌ هؤلاء الستة انتهى إلى: عليّ» وعبد الله. 

وقال ابن جرير: لم يكن أحد له أصحاب معروفون» حرروا فُتیاه ومذاهبّه في 
الفقه» غير ابن مسعود» وکان ير مذهبَه» وقولّه» لقول عمر» وکان لا یکادٌ یخالفه 
في شيءَ من مذاهبه» ويَرجِعٌ من قوله» إلى توله. 

وكان بين فقهاء الصحابة من يُوصي أصحابه بالالتحاق إلى ابن مسعود»ء إقراراً 
منهم بواسع علمه» كما فعل معاذ بن جبل» حیث أوصی صاحبّه عمرو بن ميمون 
الأودي باللحاق بابن مسعود» بالكوفة. 

ولا مطمع هنا في استقصاء ذكرِ أسماءِ أصحاب علي» وابنِ مسعود بالكوفة» 
ولکن لا بأس في ذكر بعضهم هناء فنقول: 

١‏ منهم: عبيدة بن قيس السّلّماني» المتوفى سنة ۷۲ه» كان شُرَيح إذا اشتبّه 


فقه أهل العراق وحدیثهم 11 
عليه الأمر في قضية يُرسل إلى السّلْماني هذا يستشيره» كما في «المحدّث الفاصل» 
للرامهرمزي. وشُرَيح» ذلك المعروف بكمال اليقظة في الفقه» وأحكام القضاء . 

۲ - ومنهم : عمرو بن ميمون الأودي» المتوفى سنة ٤۷ه»ء‏ من قدماء أصحاب 
معاذ بن جبل كما سبق» مُعمّر مُخضرّم» أدرك الجاهلية» وحجَ مئة عُمرةٍ وحجة. 

۳ - ومنهم: زر بن حْبَبْش» المتوفى سنة ۸ه مُعمّر مُخضرَم» وكان يؤم 
الناس في التراويح» وهو ابن مثة وعشرين سنة» وهو راوية قراءة ابن مسعود» ومنه 
أخذها عاصم» وقد رواها عنه أبو بكر بن عيّاش» وفيها الفاتحة والمعوّذتان. وأما ما 
بُروّى عن ابن مسعود من الشواذ» فليس بقراءته» وإنما هي ألفاظ رُويّت عنه في صدد 
التفسيرء فدَوّنها من دَزّنها في عِداد القراءة» كما يظهر من «فضائل القرآن» لأبي عُبّيد. 
وكان زر يِن أعرب الناس» وكان ابن مسعود يسأله عن العربية. 

٤‏ - ومنهم: أبو عبد الرحمن عبد الله بن حَبيب السلّمي» المتوفى سنة ۷۲ه» 
عرض القرآنٌ على علي كرّم الله وجهه» وهو عُمدته في القراءة» وقد فرغ نفسه لتعليم 
القرآن لأهل الكوفة بمسجدهاء أربعين سنة» كما أخرجه أبو نعيم بسنده» ومنه تلقى 
السَبْطانِ الشهيدان القراءةَ بأمر أبيهما. وعاصم تلقی قراءة علي عنه» وهي القراءة التي 
يرويها حفص عن عاصم» وقراءء عاصم بالطريقين في أقصى درجات التواتر في جميع 
الطبقات» وعرَّض السَلّمي أيضاً على عثمان» وزيدِ بن ثابت. 

٥‏ - ومنهم: سويد بن عَمَّلة المَذججي» ولد عام الفيل» فصحب أبا بكر ومَّن 
بعدّه» إلى أن توفي بالكوفة سنة ۸۲ه. 

- ومنهم: علقمة بن قيس التَخُعي» المتوفى سنة ١٠ه»‏ وعنه يقول ابن 
مسعود: لا أعلم شيئاً إلا وعلقمة يعلمه. وفي «الفاصل»: حدثنا الحسن بن سهل 
العدوي» من أهل رامَهُرْمُّر» حدثنا علي بن الأزهر الرازي» حدثنا جرير عن قابوس» 
قال: قلت لأبي: ا أصحابً النبي بية؟! فقال: يا بني» لأن 
أصحاب النبي ية يستفتونه. وله رحلة إلى أبي الدرداء بالشام» وإلى عمر» وزيدء 
وعائشة بالمدينة» وهو ممن جمعَ علوم الأمصار. 

۷ - ومنهم: مسروق بن الأجدع» عبد الرحمن الهَمْداني» المتوفى سنة ٣ه‏ 
مُعَمّر ممخضرم» أدرك الجاهلية» وله رحلات واسعة في العلم. 


0 وسات ترجة بعد قلیل» انظرها بجانب رقم ٩‏ ص۱۰۲. 
اي شریح ص 


E‏ فقه أهل العراق وحديثهم 


۸ - ومنهم: الأسود بن يزيد بن قيس النخعي» المتوفى سنة ٤۷ه‏ معَمّر 
مخضرم» حح ثمانين» ما بين حجْة وعُمرة» وهو ابن أخي علقمة. وكان خال إمام 
أهل العراق: إبراهيمّ بن يزيد لتخي . ر 

٩‏ ومنهم: شرّيح بن الحارث الكندي» مَُمَر مخضرَّم» وَليّ قضاء الكوفة في 
عهد عمر» واستمر على القضاء» اثنتين وستين سنةء إلى أيام الحجاج» إلى أن توفي 
سنة ١۷ه»‏ وهو الذي يقول فيه علي بن أبي طالب كرَم الله وجهه: قم يا شُرَیح! 
فأنت أقضى العرب"» فناهيك بقاض يكون مرضي القضاء في عهد الراشدين» وفي 
الدولة الأموية طول هذه المدة» وقد عَذّى بأقضيته الدقيقة» فقة أهل الكوفة» ونه 
على الفقه العملي. 

١‏ - ومنهم: عبد الرحمن بن أبي لَيلّى» أدرك مه وعشرين من الصحابة» 
وَوَلِيّ القضاء» رق مع ابن الأشعث شهيدأ» سنة ٣۸ه.‏ 

۱ ومنهم : عمرو بن شرّخپیل الهَمْداني ۱۲ ۔ ومُرَّة بن شراحیل ۱۳ - وزيد بن 
صوحان ٠١‏ - والحارث بن قيس الجُعْفي ٠١‏ - وعبد الرحمن بن الأسود النخعي ٠١‏ 
وعبد الله بن عُتبة بن مسعود ١۷‏ - وحَيمة بن عبد الرحمن ۱۸ - وسَلَّمة بن صَهيب 
۹ _ ومالك بن عامر ۲۰ - وعبد الله بن سَخْبرّة ۲۱ ۔ وخلاس بن عَمْرو ۲۲ - وأبو 
وائل شقیق بن سَلّمة ۲۳ ۔ وعُبید بن نَضلَة ۲٢‏ والربيع بن حينم ۲۵ وعُتبة بن فرقد 
١‏ ۔ وصِلَة بن فر ۲۷ - وهَمّام بن الحارث ۸ ۔ والحارث بن سويد ۲۹ - ورَادّان 
أبو عَمْرو الکندي ۳۰ - وزید بن وَهْب ۳۱ - وزیاد بن جریر ۳۲ - وکردوس بن هانیء 
۳ - ويزيد بن معاوية النخعي» وغيرهم من أصحابهما. 

وأكتَرٌ هؤلاء لَمُوا عمر» وعائشة أيضاًء وأخذوا عنهما. وهؤلاء كانوا يفتون 
بالكوفة» بمحضر الصحابة» .فلو ثَلِيّ حديتٌُ هؤلاءء أو يِقهُهم على مجنون لأفاق» 
فلا يستطيع من يدري ما يقول» أن يُوجه أي مؤاخذة نحو حديثِ هؤلاءء وفقههم. 

وتلیهم طبقةٌ لم یدرکوا علياً» ولا ابن مسعود» ولکنهم تفقهوا على أصحابهماء 
وجمعوا علوم الأمصار إلى علومهم. وما ذكره ابن حزم» منهم نبذة يسيرة فقطء 
وعدَدُ هؤلاء في غاية الكثرةء وأمرهم في نهاية الشهرة. 


(۱) هذه الجملة: وكان خال. . . مما زاده شيخنا المؤلف رحمه الله تعالى في نسخته . 
(۲) وليكن بين عينيك أنه قول من ورد فيه «وأقضاهم علي» نعم» إنما يعرف ذا الفضل من الناس 
ڏووه »اتور 


فقه أهل العراق وحديثهم 1۳ 


ولسنا بسبيل سرد أسمائهم» إلا أنا نلفت الأنظار إلى عدد الذين خرجوا مع 
عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث» على الحَجَاج الثقفي» في ذَيْر الجَماجم سنة 
۳ه من الفقهاء القَراءِ خاصة من أهل الطبقتين» وبينهم أمثال: أبي الَخْتّري سعيد بن 
فيروز» وعبد الرحمن بن أبي ليلى» والشعبي» وسعيد بن جُبَّير» قال الجصًاص في 
«أحكام القرآن» :۷٠:١‏ وخرَّج عليه من الُراء أربعة آلاف رجلء هم خيارٌ التابعين» 
وفقهاؤهم» فقاتلوه مع عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث» اه. 

فإذا نظرت إلى علماء سائر الأمصار" يُعْذَ من أحسنهم حالاً من يهاجِرٌ أباهء 
ومن يبل جوائز الحكام» ویسایر آهل الحكم» وَل بينهم من يخطر له على بال 
مقاومة الظلم» وڌل کل مرتخّص وغال في هذا السبيل» فبذلك أصبحت أحوالُ 
الكوفة في أمر الدين» والخُلّق» والفقه» وعلمّ الكتاب» والسنةء واللغة العربية ماثلةٌ 
أمام الباحث المنصف» فيحكم بما تُمليه الَصَفة» في الموازنة بين علماء الأمصار. 


وهذا ما يجعل للكوفة مركزاً لا يُسامَى على توالي القرون» ولولا ذلك لما 
كانت الكوفة معقل أهل الدين» يفر إليها المضطهدون» طول أيام الجّور» في عهد 
الأموية. 


رسوا بن جر وجل جن سلج این انی لی عاج کیا إن این 
كان يقول» حينما رأى أهل الكوفة يأتونه ليستفتوه ليستفتوه: اليس فيكم ابن أ الذهماء؟ يعني 
ع بو کیو اگیم جا اا و نا اترا میت ی شه ادا 
الكوفة» عن علم ابن عباس. 

وإبراهيم بن يزيد النخعي من أهل هذه الطبقة» قد جمع أشتات علوم هاتين 
الطبقتين» بعد أن تفقه على علقمة» قال أبو نعيم: أدرك إبراهيم أبا سعيد الخدري» 
وعائشة» ومن بعدّهماء من الصحابة رضي الله عنهم» اه. 


وعامِرٌ بن شراجيل الشعبي - الذي يقول عنه ابن عمر» لما رآه يحدَتُ 
بالمغازي: لهو أحمَظٌ لها مني» وإن كنت قد شهدتها مع رسول الله ياء -. يُفضل 
أبا عمران إبراهيمّ النخعي هذا» على علماء الأمصار كلهاء حيث يقول لرجل حضر 
جنازته» عندما توفي سنة ١۹ه:‏ دفنتم أفقه الناس» فقال الرجل: ومن الحسن؟ قال: 


(1) يشير الأستاذ المحقق إلى مزية الكوفة وعلمائهاء علماًء وديانة» ووَرَعأًء وتقوی» وهذا مهم» 
فاعلمه. (البنوري). 


s€‏ فقه آهل العراق وحديثهم 


أفقَةُ من الحسن» ومن أهل البصرة» ومن أهل الكوفة» وأهل الشام» وأهل الحجازء 
كما أخرجه آبو نعيم بسنده إليه. 

وأهل النقد يعدُون مراسيل النخعي صحاحاًء بل يفضلون مراسيله على مسانيد 
نفسه» كما ص على ذلك ابن عبد البر في «التمهيده"“. ويقول الأعمش: ما عَرضتُ 
على إبراهیم حديثاً قط إلا وجدت عنده منه شيئاً. وقال الأعمش أيضاً: كان إبراهيم 
صَيرَفيّ الحديث» فكنتٌ إذا سمعتٌ الحديث من بعض أصحابنا عرضته عليه . 

وقال إسماعيل بن أبي خالد: كان الشعبي» وأبو الصَحى» وإبراهيم» وأصحابنا 
يجتمعون في المسجد» فيتذاكرون الحديث» فإذا جاءتهم فُتياء ليس عندهم منها 
شيء» رموا بأبصارهم إلى إبراهيم النخعي. وقال الشعبي عن إبراهيم: إنه نشأً في 
e‏ فأخذ فقههم» ثم جالَسّنا» فأخذ صف حديشناء إلى فقه هل بيته» فإذا 
نعیگه از انعي العلم» ما خلف بعد مله 

وقال سعيد بن جبير: تستفتوني» وفيكم إبراهيم النخعي؟!. ومما أخرجه آبو 
نعيم في «الحلية): حدثنا بو محمد بن حيّان» ثنا أبو أسيد» ثنا أبو مسعود»ء ثنا ابن 
الأصبهانيء ثنا عَٿام عن الا قال: ما رأیتُ يراجم يقول برأيه في شيء قط» 
اه. ومثلّه في «ذم الكلام» لابن مَك فعلی هلا یکوت كل ما يُروّى عته من الأقوال 
في أبواب الفقه» - في «آثار أبي يوسف» و«آثار؟ محمد بن الحسن» و«المصئّف» 
لابن أبي شيبة» وغيرها - أثراً من الآثار. 

والحقٌ أنه كان يروي ويّرى» فإذا روى فهو الحجة» وإذا رأى واجتهد فهو 
البحر الذي لا تُعكره الدلاء» لتوفر أسباب الاجتهاد عنده بأكملهاء بل هو القائل: لا 
يستقیم رأي إلا برواية ولا رواية إلا برأي. كما أخرجه أبو نعيم بسنده إليه» وهي 
الطريقة المثلى في الأخذ بالحديث والرأي. 

وقال الخطيب في «الفقيه والمتفقه» أخبرنا أبو بشر محمد بن عمر الوكيل» 
آخبرتا قمر ئ امد بن الزافظ حدقا عبد الراب ین عیسی :ابن بي س > شا 
محمد بن معاوية» ثنا ابو بكر بن عياش» جلا االحشن بن حد ل النى, قال: 


TEY OW 

NHTEY 
هذا الراوي بتمام نسبه ساقط من كلام شيخنا الكوثري رحمه الله تعالى. واستدركته من «الفقيه‎ )۳( 

والمتفقه. 


فقه آهل العراق وحديشهم 0.\ 
قلت لإبراهيم: أكلْ ما أسمَعْك تُفتي به سمعتَّه؟ فقال لي: لاء قلت: تُفتي بما لم 


تسمع؟!» فقال: سمعت الذي سمعتٌ» وجاءني ما لم أسمع» فقَسته بالذي سمعت» 
اه. وهذا هو الفقه حقاً. 


وبمشل هذا الإمام الجليل تفقّه حمادٌ بن أبي سليمان» شيخ أبي حنيفة» وكان 
حماد شديدً الملازمة لإبراهيم» قال أبو الشيخ في «تاريخ أصبهان»: حدثنا أبو بكر 
أحمد بن الحسن بن هارون بن سليمان بن يحيى بن سليمان بن أبي سليمان» قال: 
سمعت أبي يقول: حدثني أبي عن جدي» قال: وجُة إبراهيمُ النخعي حماداًء يوماً 
يشتري له لحماً بدرهم» في زنبيل» فلقيه أبوه راكباً دابة» وبيد حماد الزنبيل» فزجره 
ورمّی به من يده» فلما مات إبراهيم جاء أصحابٌ الحديث» والخراسانية يَدقون على 
باب مسلم بن يزيد - والدِ حماد -» فخرج إليهم في الليل بالشمع» فقالوا: لسنا 
نريدك» نريد ابنك حماداًء فدخل إليهء فقال: يا بني! قم إلى هؤلاء» فقد علمتُ أن 
الزنبيل أذى بك إلى هؤلاءء اه. 


وقال أبو الشيخ» هبل هذا: حدثنا أحمد بن الحسن» قال: سمعت ابن خالي 
عبيد بن موسى» يقول: سمعت جَدّتي تقول» عن جَذَتها الكبرى عاتكة» أختِ 
حماد بن أبي سليمان» قالت: كان التعمانٌ ببابنا يدف فُظتتا» ويّشري لبتنا وبقلناء وما 
أشبه ذلك» فكان إذا جاء الرجل يسأله عن المسألة» قال: ما مسألتك؟ قال: كذا 
وكذا» قال: الجوابُ فيها كذاء ثم يقول: على رسلك» فيدخل إلى حماد» فيقول 
له: جاء رجل» فسأل عن کذاء فأجبته بکذا» فما تقول أنت؟ فقال: حدّثونا بكذاء 
وقال أصحابنا كذاء وقال إبراهيم كذا» فيقول: فأروي عنك؟ فيقول: نعم» فيخرج» 
فیقول: قال حماد: کذاء اه. 


هكذا كانت ملازمة بعضهم لبعض» وخدمة بعضهم لبعض» أوانّ الطلب» وبهذا 
نالوا بركة العلم . 

وقد أخرج ابن عدي في «الكامل» بطريق يحيى بن معين» عن جرير» عن 
مغيرة» قال: قال حماد بن أبي سليمان: لقيت عطاءاًء وطاوساًء ومجاهداًء فصبيالكم 
أعلمٌ منهم» بل صِبيانٌ صبيانكم أعلم منهم. إنما قال هذا تحديثاً بالنعمة» وردًا على 
بعض شيوخ الرواية» ممن لم يوت نصيباً من الفقه» حيث كان يفتي في مسجد 
الكوفة» غلطاًء ويقول: لعل هناك صبياناً يخالفوننا في هذه الفتاوى . 


1۹ فقه أهل العراق وحديثهم 

وماذا یفید تقادُمٌ السن في الرواية لمن حُرِمُ الدراية؟ ويريد بالصبيان: الذين لم 
تتقادم أسنانهم من أهل العلم بالكوفة كحمَادٍ وأصحابه» فحمّاد يفوق هؤلاءِ في الفقه» 
وكذلك خاصةٌ أصحابه» وإن كنت في ريب من ذلك فقارن بين ما تُوورٹ من هؤلاء 
وهؤلاء في الفقه» ثم احكم بما شثت. وليس الكلام في الرواية المجردة“ 

وقد أخرج ابن عدي في «الکامل؟ بطريق يحیی بن معين» عن ابن إدريس عن 
الشيباني» عن عبد الملك بن إياس الشيباني» أنه قال: قلت لإبراهيم من سال بعدك؟ 
قال حماداًء اه. وخماد و سليمان هذا» توفي سنة .٠۲١‏ 

وقال العُقّيلى: حدثنا أحمد بن محمود الهروي» قال: حدثنا محمد بن المغيرة 
البلخي» قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم» حدثنا محمد بن سليمان الأصبهاني» قال: 
لما مات إبراهيم اجتمع خمسة من أهل الكوفة» فيهم عُمّر بن قيس الماصر؛ 
وأبو حنيفة» فجمعوا أربعين ألفَ درهم» وجاؤوا إلى الحكم بن عُتَيبةء فقالوا: إنا قد 
جمعنا أربعين ألفَّ درهم» نأتيك بهاء وتکون رئیسًنا؟ . . . فأبی عليهم الحكم» » فأتوا 
حماد بن أبي سليمان» فقالواء فأجابهم» . . 

وبهذا القدر نكتفي من أنباء هذه الطبقة» لكثرة رجالهاء وتشعب أنبائهاء مقتصِراً 
على سوق خبرين» مما يدل على اتساع الكوفة في الرواية والدراية في تلك الطبقة. 

قال أبو محمد الرامهرمزي في «الفاصل»: حدثنا الحسين بن نبهان» ثنا سُهيل بن 
عثمان» ثنا حفص بن غياث» عن أشعث» عن أنس بن سيرين» قال: أتيت الكوفة» 
فرأيت فيها أربعة آلاف يطلبون الحديث» وأربعَ مثة قد فَمُهواء اه. وفي أي مصر من 
أمصار المسلمين» غير الكوفة» تجدٌ مثلَ هذا العدد العظيم للمحدثين» والفقهاء؟ وفي 
هذا ما يدل على أن الفقيه مهمه شافَةٌ جداء فلا يُكثر عدَده كثرةً عدَدِ النقلة. 


وقال الرامهرمزي أيضاً: حدثنا عبد الله بن أحمد بن مَعّدان» ثنا مذكورٌ بن 
سليمان الواسطي» قال: سمعت عفان يقول - وسَمِعَ قوماً یقولون: نشخنا کنب فلان» 
ونسشنا کب فلان ۔» فسمعته يقول: رى هذا الضربًّ من الناس لا يفلحون"» كنا 


(۱) من قوله: الذين لم تنقادم أسنانهم. . . إلى هناء مما زاده شيخنا الكوثري رحمه الله تعالى في 

(۲) وفي مشل هؤلاء الرواة المتسابقين إلى الازدياد من مجرد الرواية» والاستكثارٍ من الشيوخ 
والطرٌق» ولا يبالون اهتماماً بما سواها من وجوه العلم؛ جاءت لمات دم عن كثير من 
السلف» ومنها قول الحسن البصري رضي الله عنه: «هِمَةٌ العلماء الرعاية وهِمَة السَفُهاء 
الرواية٠.‏ كما رواه الخطيب البخدادي في «اقتضاء العلم العمل؟ ص٠٣‏ 


فقه أهل العراق وحديثهم 0Y‏ 


نأتي هذا فتسمع منه ما ليس عند هذاء» وتسمع من هذا ما ليس عند هذاء فقدمنا 
الكوفة فأقمنا أربعة أشهرء ولو أردنا أن نكتب مئة ألف حديث لكتبناهاء فما كتبنا إلا 
در خمسين ألف حديث» وما رضينا من أحد إلا ما لأمة"» إلا شريكاًء فإنه أبى 
عليتاء وما رأينا بالكوقة لخانا مجوزا »> اع 


انظر» مصرا يَكشّبُ بھا - مثْل عمّان - في أربعة أشهر» خمسين ألفَ حديث! مع هذا 
التري"» و«مسكَدٌ أحمد؛ قل من ذلك بكثيرء أيْعَدَ مثلْ هذا البلد قليل الحديث؟! على 
أن أحاديث الحرمين مشتركة بين علماء الأمصار في تلك الطبقات» لكثرة حَجُهم» وكم 
بينهم من حَجَ أربعين حجة وعُمرةٌ وأكثر» وأبو حنيفة وحده» حجَ خمساً وخمسين 
حجة . وأنت ترى البخاري يقول: ولا أحصي ما دخلتٌ الكوفة في طلب الحديث» 
حينما يذكر عدَدَ ما دخل باقي الأمصار» ولهذا أيضاً دلالنّه في هذا الصدد. 

ومما يدل عليه الخبرٌ السابق» براءءٌ علماء الكوفة من اللخن الذي اكتظّت به 
بلادُ الحجاز» والشام» ومصرء في ذلك العهد. وأنت تجد في كلام ابن فارس 
مدافعدّه عن مالك في ذلك. وقول الليث في ربيعة» تجده في «الحلية. وقول 
أبي حنيفة فيي نافع » تجده في «كتاب» ابن أبي العام . 

وما الكَلِمَةٌ التي تُروّى عن أبي حنيفة“» فبدون سند متصل» على أن وجهها 
في العربية ظاهر جداً» على فرض ثبوتها عنه» وقد توسع المبرّدُ في «اللُحنة» في أئباءِ 
اللاحنين من أهل الأمصار» سوى بلاد العراق. وقد نمل مسعود بن شيبة جملةٌ من 


ذلك في «التعليي». 


(1) يريد: لم نرض في قبول حديث أحد» أو روايته إلا ما تلماه الأمة» انظر إلى هذا الشرط 
الصعب» ثم إلى هذا الاستكثار» وهذا مهم» فاعلمه. (البنوري). 

(۲) أي متسامحاً في الرواية متساهلاً في الضبط والإتقان» أفاده أستاذنا الكوثري رحمه الله تعالى 
مشافهة. 

() وعفان هذاء هو: عفان بن مسلم الأنصاري البصري» شيخ البخاري» وأحمد» وإسحاقء 
وخلائق. وهو الذي يقول فيه ابن المديني: كان إذا شك في حرف من الحديث تركه» كذا في 
«التقريب٠.‏ ويقول أبو حاتم: إمام ثقة» متقن متين. ويقول ابن عدي: أوتق من أن يقال فيه 
شيء» كذا في «خلاصة التذهيب». (البنوري). 

() يريد بها الأستاذ كلمة (أبا فييس)» وسمعتُ منه أن المراد به خشبّة الجزار» لا الجبل المعروف 
بمكةء زادها الله تكريماً. (البنوري). 

() يعني الكتاب المسمّى «مقدمة كتاب التعليم؟ لمسعود بن شيبة السندي» وذلك في ص۲۲۳ - 
FEF‏ 


۸ فقه آهل العراق وحديثهم 


على أن مصرَّ كانت تُعاشِرٌ القبط» والشام يُساكِنْ الروم» وكان الحجاز يطرقه 
كل طارق من الأعاجم» ولا سيما بعد عهد كبار التابعين» مع عدم وجود أئمة بها 
للخة» يحفظونها من الدخيل» واللحون. 

وأما الكوفة» والبصرة» ففيهما دُوَنّت العربية» فأهل الكوفة راعَوا تدوينَ جميع 
اللهجات العربية» في عهد نزول الوحي» ليستعينوا بذلك على فهم أسرار الكتاب 
والسنة» ووجوء القراءة. وأهلُ البصرة انتهجوا مسلَكٌ التخْيَرٍ من اللهْجَاتِ ما يَجِقّ أن 
ينَحْذَ لغةً المستقبل» » فأحَدٌ المسلكينِ لا يُغني عن الآخر. 

فعْلمّ بذلك مركز الكوفة في الفقه»› والحديث» واللغة. وأما القرآن» فالأئمة 
الثلاثة» من السبعة» كوفيون» وهم: ١‏ عاصم ۲ - وحمزة ٣‏ - والکسائي» وزد 
خلا ءالخا من بي المفرة وقد سن ياف را عا 


طريقة يقة بي حنيفة في التفقيه 

ولسنا نخوض هنا في عُبَاب ترجمة أبي حنيفة النعمان» وفي كتب الأئمة ما 
يغنينا عن ذلك» فدُونك كتابَ «أبي القاسم بن أبي العرّام» الحافظ» وكتاب «أبي 
عبد الله الحسين الصَيْمري»» و«كتاب الحارثي» المندمج في «كتاب الموفق المكي»› 
و«جزء ابن الدخجيل» الذي نقّل ابن عبد البر غالب ما فيه في «الانتقاء» . 

وكان ابنْ الدجيل راوية العُمًيلي» فألّف جزءاً في فضائل أبي حنيفة» ردا على 
العْمّيلى» حيث أطال لسانه في فقيه الملة وأصحابه البررة» شأنّ الجهلة الأغرارء 
زرا سال بج الق سا جا الت قشمعهخكم بن !الحددر اليوط 
الأندلسى من ابن الجيل بمكة» وسمعه منه ابن عبد البر» فساق غالب ما فيه من 
المناقب في (ترجمة أبي حنيفة) من «الانتقاء) . 

وما یذکره ابن عبد البر عن البخاري کان من تمام النَصَفة» أن يَنظر في سنده» 
وکذا ما یرویه إبراهيمٌ بن بشار”“ عن ابن عُيَينة» وأما ابن الجارود"» فقد ثبت رَد 
شهادته عند قاضي المسلمين› » فلو أشار إلى ذلك كله لأحسَنّ صنعاً. 


(۱) في ص۱١۱.‏ 

(۲) هو إبراهیم بن بشار الرمادي. وسیأتي له ذکر بالنقد في ص۱۳۷ » فانظره. 

(۳) هو أحمد بن عبد الرحمُن بن الجارود الرقي الكذاب. وقد كذبه الخطيب البغدادي في تاريخ 
بغداد»» انظر منه 1۱:۲ و۹٦‏ و١٤۲.‏ 
أما (ابن الجارود) صاحب (المنتَمًّى) فهو الإمام أبو محمد عبد الله بن علي بن الجارود 
النيسابوري» فلا قَشْسَه . 


فقه آهل العراق وحديثهم 14 


والحاصل أ انه لم يتكلم فيه أحَدٌ بحْجَةء كما شرحنا ذلك أوسع شرح» فيما فیما 
رددنا به على الخطيب في هذا الصدد"» وإنما تكلم هنا عن طرف من أحواله» مما 

فأقول: هو أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن النعمانٍ بن المرزبان بن رَوطى بن ماه 
الفارسي الأصل» لم يقع عليه رق أصلاً. وإسماعيل بن حماد مدق في ذلك» وقد 
قال الصلاح بن شاكر الكتبي في «عيون التواريخ): قال محمد بن عبد الله الأنصاري : 
ما وَلِيّ القضاء من أيام عمر بن الخطاب إلى اليوم - يعني بالبصرة - مثلُ إسماعيل بن 
حماد» فقيل له» ولا الحسنْ البصري؟ قال: والله» ولا الحسنْ البصري» وكان 
عالماًء زاهداًء عابداًء ورعاً. اه. أيه لا يُصدَق في نسبه؟! 

وقد حدث الطحاوي في «مشكل الآثار؛ ٠٤:٤‏ عن بكار بن قتيبة» عن 
عبد الله بن يزيد المقرىء: «أتيتُ أبا حنيفة» فقال لي: يمن الرجل؟ فقلت: رجل من 
الله عليه بالإسلام» فقال لي: لا تقل هكذاء ولكن وال بعض هذه الأحياء» ثم انتم 
إليهم» فإني كنت أنا كذلك». فعُلِمَ أن ولاءء کان وَلاءَ الموالاةء لا وَلاء العتقء ولا 
وَلاء الإسلام» قماا َد لحي إل دّ4 اب 1 

وقال ابن الجوزي في «المنتظم: لا يختلفُ الناس في فهم أبي حنيفة» وفقهه» 
كان سفيان الثوري» وابن المبارك» يقولان: أبو حنيفة أفقَةٌ الناس. وقيل لمالك: هل 
رأيتٌ أبا حنيفة؟ فقال: رأيتُ رجلاًء لو كمك في هذه السارية أن يجعلها ذهباًء لقام 
بحجته . وقال الشافعي : الناس عيال في الفقه على أبي کا 

وقال القاضي عياض في «ترتيب المدارك»: قال الليتُ لمالك: أراك تَعْرّق؟ 
فقال مالك: «عَرِقتٌ مع أبي حنيفة» إنه لفقيه يا مصري». اه. 

وقد ذكرتٌ وجوه استمداد باقي المذاهب من مذهبه رضي الله عنه» في «بلوغ 
الأماني»"» فلا أعيد الكلام هنا. 

وکان أجلى مميزات مذهب أبي حثيفة» أنه مذهَبُ شوژی» تلقنه جماعةٌ عن 
جماعة» إلى الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين» بخلاف سائر المذاهب» فإنها 
مجموغة آراء لأنمتها. 


(۱) انظر «تأنیب الخطيب على ما ساقه في ترجمة أبي حنيفة من الأكاذيب»» فقد جمع فأوعى ولم 
يترك لوالغ لساناً. 

(۲) هو «بلوغ الأماني في سيرة الإمام محمد بن الحسن الشيباني» طبع بالقاهرة بمطبعة السعادة سنة 
٥‏ ثم طبع في مدينة حمص من بلاد الشام سنة .٠۳۸۸‏ 


۰ فقه آهل العراق وحديثهم 


قال ابن أبي العرًام: حدثني الطحاوي» كتب إليّ ابن أبي ثور» قال: أخبرني 
نوح أبو سفيان» قال لي المغيرة بن حمزة: كان أصحاب أبي حنيفة الذين ونوا معه 
الكتبَ أربعين رجلا كبراء الكبراء اه. 
وقال ابن أبي العوام أيضاً: حدثني الطحاوي» كتبً إليّ محمد بن عبد الله بن 
بي ٹور (الرُعَيني)» حدثني سليمان بن عِمران» حدثني أُسَدٌ بن المُرات» قال: كان 
أصحابٌ أبي حنيفة الذين دَوّنوا الكتبَ أربعين رجلا فكان في العْشّرة المتقدمين: أبو 
يوسف» ورزر بن الهذّيل» وداود الطائي» وأسد بن عمرو» ويوسف بن خالد السمُتي 
(أحد مشايخ الشافعي)ء ویحیی بن زكريا بن أبي زائدة» وهو الذي کان يكتبها لهم 
ثلاثين سنة» أه. 
وبهذا السند إلى أسد بن الفرات» قال: قال لي أسدٌ بن عمرو: كانوا يختلفون 
عند أبي حنيفة في جواب المسألة» فيأتي هذا بجواب» ا بجواب» ثم یرفعونها 
إليه» ويسألونه عنهاء فيأتي الجواب من گئب - ي من فُرب - وکانوا يقيمون في 
المسألة ثلاثة أيام» ثم يكتبونها في الديوان» اه. 
قال الصَيْمري: حدثنا أبو العباس أحمد الهاشمي» ثنا أحمد بن محمد المكي» 
ثنا علي بن محمد النخعي» » ثنا إبراهيم بن محمد البلخي» ثنا محمد بن سعيد 
الخوارزمي» ثنا إسحاق بن إبراهيم» قال: كان أصحاب أبي حنيفة يخوضون معه في 
المسألة» فإذا لم يحضّر عافية - ابن يزيد القاضي -» قال أبو حنيفة: لا ترفعوا المسألة 
حتى يحصر عافية» فإذا حضر عافية وواقَقّهم. قال أبو حنيفة: أثبتوهاء وإن لم 
يوافقهم» قال أبو حنيفة: لا تثبتوهاء اه. 
ارا يحيى بن معين في «التاريخ» و«العِلّل»: رواية الدُورِي عنه - في ظاهرية 
-: قال أبو تيم (الفضل بن دكين): سمعت رر يقول: كنا نختلف إلى 
ag‏ ومعنا أبو يوسف. ومحمدٌ بن الحسن» فكنا نكب عنه» قال زفر: فقال 
يرما ابو حنيفة؛ لأبي يوسف: ويحك يا یعقوب» لا تكتب كل ما تسم مني» فاني 
قد أرى الرأي اليوم» وأتركه غدأًء وأرى الرأيّ غداًء وأتركه في غده»» اه. انظر 
كيف کان ينهى أصحابه عن تدوين المسائل» إذا تعجّل أحدهم بكتابتها قبل تمحيصها 
کما یجب . 
فإذا أحطتّ حبرا بما سبّق» علمتَ صِدق ما يقوله الموفق المكي في «مناقب 
اھ حنيفة ۳۳۲٠ء‏ حيث قال بعد أن ذكر كبار أصحاب أبي حنيفة: وضع أبو حنيفة 


فقه أهل العراق وحديثهم 1 
مذهبه شورّی بینهم» لم یستبدٌ فيه بنفسه دونهم» اجتهاداً منه في الدين» ومبالغةٌ في 
النصيحة لله» ورسوله» والمؤمنين. فكان يلقي المسائل مسألةَ مسألة» ويَسمَمٌ ما 
عندهم» ويقول ما عنده» ويناظرهم شهراًء أو أكثر» حتى يستقرَ أحَد الأقوال فيهاء ثم 
بشخّها بو يوسف في الأصول» حتى أثبَتَ الأصول كلها. وهذا يكون أولى وأصوب» 
وال الق انرب والقلرف اله ان وه آلب بن ملحب من اترو فرع 
مذهبّه بنفسه» وبرج فيه إلى رأيه» اه. 

ومن هذا يظهر أن أبا حنيفة لم يكن يحمل أصحابه على قبول ما يلقيه عليهم» 
بل کان یحملهم على إبداء ما عندهم» إلى أن يتضح عندهم الأمر» كوصح الضبح» 
ُيقَلون ما وصح دليله وینبدون ما سقَطّت جه وکان یقول ما معناه: لا يَجل 
لأحد أن يقول بقولناء حتى يَعلم من أين قلنا. وهذا هو سِرّ ظهور مذهبه في 
الخافقين» ظهوراً لم يُعهّد له مثيل» وهو السبَبٌ الأصلي لبراعة المتفقهين عليه» 
وكثرتهم» إذ طريقئه تلك هي الطريقة المُثلى» في التدريب على الفقه» وتنشئة 
الان 

ولذلك يقول ابن حجر المكي في «الخيرات الحسان» ص٠۲:‏ «قال بع 
الأئمة: لم يَظهر لأحد من أئمة الإسلام المشهورين» يِثلُ ما ظهر لأبي حنيفة» من 
الأصحاب والتلاميذ. ولم ينتفع العلماءء وجميعُ الناس» بمشل ما انتفعوا به» 
وبأصحابه في تفسير الأحاديث المشتبهة» والمسائل المستنبطة» والنوازل» والقضاءء 
والأحكام»» اه. 

وقال محمد بن إسحاق النديم في «الفهرست»: و«العلمُ برا وبحراً» وشرقاً 
وغرباًء بُعداً وفرباً تدویئه رضي الله عنه)» اھ. 

وقال المجد بن الأثير في «جامع الأصول» ما معناه: لو لم يكن لله في ذلك سر 
خفي» لما كان شَطْرٌ هذه الأمة من أقدم عهد إلى يومنا هذاء يعبدون الله سبحانه على 
مذهب هذا الإمام الجليل؛. 

وليس أحَدٌ من هؤلاء الثلاثة“ على مذهب هذا الإمام» حتى يُرمَى بالتحرّب 
له» رضي الله عنه. 


() وانظر شرح ذلك في «تأنیب الخطيب» ص۳۹١‏ - ٠١٤٠ء‏ وفي «حسن التقاضي في سيرة الإمام 
أبي يوسف القاضي» لشيخنا الكوثري رحمه الله تعالى في ص۴١‏ - ٠١‏ من طبعة حمص. 
(۲) يعني: ابنّ حجر المكي» ومحمد بن إسحاق النديم» والمجد بن الأثير. 


¥ فقه أهل العراق وحديثهم 

والحاصلٌ أن من خصائص هذا المذهب: كودً تدوين المسائل فيه على 
الشورى» والمناظراتِ المديدة» وتلقي الأحكام فيه من جماعة» عن جماعة» إلى أل 
نيع غزير قاض في الفقه في عهد جمهرة فقهاء الصحابة» و: مرا سمي الجماعة 
في تبيين أحكام النوازل» جماعةً بعد جماعةء إلى ما شاء الله سبحانه كذلك» بحيتُ 
يَتمشّی المذهب مع حاجات العصور. ومقتصَيّات الرقي الحضاري في البشر. 

ولذا ترى ابن خلدون يقول في «مقدمته» عن مذهب مالك ما لفظه: وأيضاً 
فالبداوءٌ كانت غالبةً على المغرب» والأندلس» ولم يكونوا يَُانُونَ الحضارة التي لأهل 
العراق""» فكانوا إلى أهل الحجاز أميل» لمناسبة البداوة» ولهذا لم يزل المذهبُ 
المالكي عضا عندهم» ولم يأخذه تنقيح الحضارة وتهذيبُها. اه 

فإذا كان مذكَبُ مالك الذي عاش الأندَلُسُ تحت حكمه طوال قرون» هكذا في 
الو اندر فاشك ما سرا فو اماف اي لم ماس الها ي 
أحكامها مدة طويلة؟!. 

وأما قراءة أبي حنيفة» فهي قراءة عاصم المنتشرة في الآفاق. وللقرآن الكريم 
المنزلة العليا عنده في الاحتجاج» حيث يعد عموماته قطعية . وقد عَلِمّ الخاص والعام 
نمه القرآن في ركعة» على يَلّةٍ من فعّل هذا من السلف. 

وما بسب إليه من القراءات الشاذة» في بعض «كتب التفسير»» غير ثابت عنه 
أصلاً فلا حاجة لتكلّف توجيههاء كما فعل الزمخشري» والنسّفي في اتفسيريهماا› 
بل تلك القراءات موضوعة عليه» كما ذكره الخطيب في «تاريخه»» والذهبي في 
«طبقات القراء»» وابن الجزري في «الطبقات» أيضاً. وواضعُها الخُراعي» قال التي 
في «الميزان» في ترجمة أبي الفضل› محمد بن جعفر الخزاعي» كرفي س 80۷ 
أف كتاباً في قراءة أبي حنيفة» فوضَحَ الدارقطني حْطّه» بان هذا موضوع» لا أصلَ 
له. وقال غیره: لم يكن ثقة» اھ. 

وأما كثرةٌ حديثه فتظهر من حُجَجه المسرودة في أبواب الفقه» والمدونة في تلك 
المسانيد السبعة عشر» لكبار الأئمة من أصحابه» وسائر الحفاظء وكان مع الخطيب 
غندما حل دمشق «مسگد آبي حنيفة» للدارقطني» و«مسكد أبي حنيفة لابن شاهين› 
وهما زائدان على السبعة عشر المذكورة. د 


(۱) انظر هذا لیس بقول حنفي» ولا کوفي» بل قول مؤرخ جليل» مغربي محتداًء مالكي المذهب 
نشأة» قاضي مصر. (البنوري). 


فقه هل العراق وحديثهم فا 


وقال الموفق المكي في «المناقب» ١‏ : قال الحسن بن زياد: كان أبو حنيفة 
يروي أربعةٌ آلاف حديث: ألفين لحماد» وألفين لسائر المشيخة اه . 


وأقلَ ما يقال في مسائله: أنها تبلغ ثلاثةً وثمانين ألفاً» وكانت مشايخه بكثرة 
بالخ 


وأما رَه أبي حنيفة في العربية» فمما يدل عليها نشأنّه في مهد العلوم العربية» 
وتفريعانّه الدقيقة على القواعد العربية» حتى أف أبو علي الفارسيّ» والسيرافيّ» وابنُ 
جني كتباً في شرح آرائه الدقيقة في الأيمان ف في «الجامع الكبير؟» إقراراً منهم بتغلغل 
صاحبها في أسرار العربية» وفي هذا القدر كفاية . 


بعض كبار الحقَاظ وكبار المحدّثين 
من أصحابه وأهل مذهبه 


١‏ الإمام فر بن الهُذّيل البصري» المتوفى سنة ۸١٠ه»‏ ذكره ابن جِبّان 
بالحفظ والإتقان» في كتاب «الثقات»» وهو من أجل أصحاب الإمام. وله كتاب 
IS‏ 
«الآثاں» . 


(۱) وقال شيخنا الكوثري رحمه الله تعالى في «تأنيب الخطيب» ص١٠٠‏ «وما عند أبي حنيفة من 
أحاديث الأحكام المروية في «المسانيده من غير تكرير للمتن» ولا سرد للطرق عن حديث 
واحد: مقداز عظیم» لا يستقله من يَعلمٌ مقدارّ ما عند مالك والشافعي من أحاديث الأحكام» 
ى ملاحظة ما لم يأخذا به من مرويّات أنفسهما. وفي هجرء ابن عقال» من زواية آبن بشکوال 
آراءٌ في العدد الذي يكون المجتهد في حاجة إليه» وفي نقلها طول. وكل ذلك حول خمس مةٍ 
حديث» بل بعض المتأخرين من الحنابلة ص على كفاية خمس مئة حديث للمجتهد. 
قال عبد الفتاح: هو الطوفي في مختصره لكتاب «روضة الناظر' لابن قدامة المقدسي 
الحنبلي» المسمى: «بلبل الروضة)» قال فيه ص۷۴١‏ - ٠۷٤‏ «فالواجب على المجتهد من 
الكتاب معرفةً ما يتعلق بالأحكام منه» وهو كُذْرٌ خسس مثةٍ آية» وكذلك من السنة» - 
ومن ظنّ بأبي حنيفة أنه قليلْ الحديث» أو كثيرٌ المخالفة للحديث» EES‏ بالأحاديث 
الضعيفة: جَهل ذلك كلّه! وجهل شروط قبول الأخبار عند الأئمةء ووَرَنَ علوم أئمة الاجتهاد 
بميزانه الخاص! الذي ريما يكون مختل العيار؟. 

(۲) انظر ترجمته العظيمة في كتاب شيخنا الكوثري رحمه الله تعالى: «لمحات النظر في سيرة الإمام 
زفر» وقد طبع بالقاهرة بمطبعة الأنوار سنة ۸١۱۳ء‏ ثم طبع في مدينة حمص من بلاد الشام سنة 
۹ 


14 فقه أهل العراق وحديثهم 


- الإمام الحافظ إبراهيم بن طّهمان الهروي» المتوفى سنة »٠١۳‏ مترجم في 
«طبقات الحفاظ»» كان صحيح الحديث مكثرا. 

الإمام الليث بن سعد» المتوفى سنة ١۱۷٠ء‏ عه كثير من أهل العلم حنفياًء 
وبه جزم القاضي زكريا الأنصاري» في «شرح البخاري»» وأخرج ابن أبي العام 
يحاجن ليت الد هلبمک وقد سل في ابن يروه بوه 
بصرفِ مال کثیر» فيْطلَمُها صى أبو حنيفة السائل أن 


U‏ وإن أعتقها لم يَجُز عِتَمّه. قال الليث: فوالله ما أعجبني صوابه» كما 
أعجبني سرعةٌ جوابه» وكان الليث من الأئمة المجتهدين . 


٤‏ - الإمام الحافظ القاسم بن مَعْن المسعودي» المتوفى سنة »٠۷١‏ كان من 
أروى الناس للحديث والشعر» وأعليهم بالفقه والعربية» وكان محمد بن الحسن يسأله 
عن العربية» وهو من أجل أصحاب أبي حنيفة» راجع «طبقات الحفاظ» للذهبي» 
و«الجواهر المضيّة» للحافظ القرشي . 


- عبد الله بن المبارك» المتوفى سنة ۱۸١‏ كُتّبه تحتوي على نحو عشرين 
ألفَ حديث» وكان ابن مهدي يُفْضلّه على الثوري» قال يحیی بن آدم: إذا طلبتُ 
الدقيق من المسائل» فلم أجده في كتب ابن المبارك» أيشْتٌ منه» اه» وهو من أخصض 
أصحاب أبي حنيفة» وقد فَوّله بعض والرواةء ما لم يله في حق أبي حنيفة» کج 
فعلوا مثل ذلك» في كثير من العلماء سواه“ 


- الإمام أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم القاضي"» ذكره الذهبي في اطبقات 
الحفاظ»» وترجم له في جزء . وقال ابن جرير: كان فقيهاً» عالماً» حافظاً» وكان 


(۱) وكذلك المؤرخ القاضي شمس الدين ابن لكان الشافعي في كتابه «وّفيات الأعيان؛. 

(۲) کما تراه مبسوطاً منقوضاً في مواضع متعددة في «تأنيب الخطيب». وقد كان شيخنا الكوثري 
رحمه الله تعالی إقولة "#زالااذيت غالا تون وة با بظهر ا خلقهة: 

وضع أستاذنا العلامة الكوثري في نسخته هنا إشارة يشير بها إلى استحسان ذكر ابن المبارك قبل 
أبي يوسف لتقدمه عليه في الوفاة. ليلاحظ هذا في طبعة ثانية» فعملت به هنا فأخّرت أبا 
وه ,رمت او امارة کے :التریے: 

() وقد طبع هذا الجزء مع جزأين للذهبي أيضاً باسم «مناقب الإمام أبي حنيفة وصاحبيه الإمام أبي 
يوسف والإمام محمد بن الحسن؟ رحمهم الله تعالىء وحقّق الأجزاء الثلاثة وعلق عليها أستاذنا 
العلامة المحقق الكبير الجليل الشيخ أبو الوفاء الأفغاني» رئيس «لجنة إحياء المعارف النعمانية؟ د 


فقه آهل العراق وحدیثهم ا 
يعرف بحفظ الحديث» كان يحصَرٌ المحدَتٌ» فيحفظ خمسين وستين حديثاًء ثم يقوم 
فيُمليها على الناس» وكان كثيرً الحديث» اه. ووصفه بالحفظ البالغ ابن الجوزي في 
«أخبار الحفاظ). وابن حبان قبله في كتاب «الثقات» له» توفي سنة 1۱۸۲ء وكتابُ 


«الأمالي» له وحده» يقال: إنه في ثلاث مئة جزء» وفي هذا القدر كفاية". 


۷ کی بو رک چا چن آي زائدة» الحافظ التَبت الفقيهء المتوفى سنة ۱۸۳» 
كان من أجل أصحاب أبي حنيفة» ترجمته في «طبقات الحفاظ» للذهبي» و«الجواهر 
المضية). 


الإمام محمد بن الحسن الشيباني» المتوفى سنة 1۸۹ كان كثير الحديث»› 
تَرجَممّه في «بلوغ الأماني» وكُتُّبه: «الآثار»» و«الموطأ»» و«الحْجّة على أهل 
المدينة)» مما يَقضي له بالبراعة في الحديث» رغم أنوف الجاهلين بمقداره العظيم . 


٩‏ - حفص بن غياث القاضي» كتبوا عنه أربعةً آلاف حديث من حفظه» توفي 
سنة ٤۱۹ء‏ راجع «الطبقات)» و«الجواهر؟. 


١‏ - وكيع بن الجراح» المتوفى سنة ۱۹۷ قال الذهبي: قال يحيى: ما رأيت 
أفضل منه» وکان يفتي بقول بي حنيفة. قال أحمد: علیکم بمصتّفات وکیع ما رأیت 
أوعى للعلم ولا أحفظٌ من وكيع . 


١‏ يحيى بن سعيد القطان البصري» إمام الجرح والتعديل» المتوفى سنة 
۸ قال الذهبي: کان يفتي برآي ابي حنيفة. راجع «الطبقات»» و«الجواهر؟. 


۲ _ الحافظ القدوة الحسن بن زياد اللؤلؤي» المتوفى سنة ٠٠٠٤‏ كان عنده 
نحو اثني عشر ألفَ حديث من ابن جُرّج» مما لا يسع الفقية جهلّهء وقال یحیی بن 


= في بلدة حيدر آباد الدن في الهند» حفظه الله تعالى وبارك في عمره الشريف مع العافية 
والسرور» وطبعت الأجزاء الثلاثة في كتاب واحد بالقاهرة بمطبعة دار الكتاب العربي سئة 
۷ بإضافة تعليقات نادرة لشيخنا المحقق الكوثري رحمه الله تعالى . 

(1) واقرأ سيرة أبي يوسف العظيمة الجامعة الممتعة في كتاب شيخنا المحقق الكوثري رحمه 
الله تعالی : «حسن التقاضي في سيرة الإمام أبي يوسف القاضي». وقد طبع بالقاهرة بمطبعة 
الأنوار سنة ٠۳١۸‏ في ٠٠١‏ صفحةء ثم طبع بمدينة حمص سنة ٠۳۸۸‏ . وفیه جزء کبیر من 
تاريخ الفقه الإسلامي كان حلقة مفقودة. 

(۲) تقدم تعلیقاً بیان طبعه في ص٥٥.‏ 


111 فقه آهل العراق وحديثهم 


آدم : ما رأيت أفقه منه. وتقوّلاتُ بعض الرواة فيه» كقولهم في الإمام نفسه» راجع 
«الجواهر» . 

۳ - الحافظ مُعَلّى بن منصور الرازي» المتوفى سنة ۲١١‏ جمَعَ بين الإمامة 
في الفقه والحديث» راجع «الطبقات»» و«الجواهر). 

٤‏ - الحافظ عبد الله بن داود الخرَّيبي» المتوفى سنة ۳٠۲ء‏ إمام قدوة في الفقه 
والحديث› راجع «الطبقات»» و«الجواهرا. 

»۲٠۳ أبو عبد الرحمن المقرىء عبد الله بن يزيد الكوفي» المتوفى سنة‎ - ٠١ 
من المكثرين عن أبي حنيفة» راجع «الطبقات».‎ 

١‏ - أسّد بن الفرات القيرواني» المتوفى سنة ۲٠۳‏ ممن جمَعَ بين الطريقة 
العراقية والحجازية في الفقه والحديث. 

۷ - مكي بن إبراهيم الحنظلي» شيخ خراسان» المتوفى سنة »۲٠١‏ من 
المكثرين عن أبي حنيفة» راجع «الطبقات». 

۸ - أبو تّيم القُضل بن دكين» المتوفى سنة »۲٠۹‏ من المكثرين عن 
ابي حنيفة» راجع «الطبقات!. 

٩‏ - الإمام عيسى بن أبان البصري» المتوفى سنة ۲۲١‏ كتابُ «الحْجَّج الكبيره 
له» وکتابُ «الحْجّج الصغيراله» مما يَّشهد له بالبراعة في الحديث› راجع 
«الصيمري»» و«ابن أبي العرّام» و«الجواهر). 

٣١‏ _ هشام بن عبيد الله الرازي» المتوفى سنة ۲۲۱ صاحب محمد بن الحسن» 
راجع «طبقات الحفاظ» للذهبي . 

١د‏ أبو عبيد قاسم بن سلام من أجلة أصحاب محمد توفي سنة ۲۲٤‏ . 

- الحافظ الت علي بن الجَعْد» المتوفى سنة ۲٠١‏ إمام جليل في الفقه 
والحديث» و«الجعديات» له من هم الكتب» راجع «الطبقات» و«الجواهر؟. 


() وقد ترجم له شيخنا الكوثري رحمه الله تعالى ترجمةً وافية مستوعبة» مع صاحبه (محمد بن 
شجاع الثلجي) في جزء بلغ ۷١‏ صفحةء وسمَاء الإمتاع بسيرة الإمامين الحسن بن زياد 
وصاحبه محمد بن شجاع؟ . طبع بالقاهرة بمطبعة الأنوار سنة ۸١۱۳ء‏ ثم طبع بحمص سنة 
4۹ 

(۲) هاتان الترجمتان: ۲۰ و١۲‏ مما أضافهما شيخنا رحمه الله تعالى بقلمه. 


فقه اهل العراق وحدیثهم NWE‏ 


۳ - يحيى بن مَعين إمام الجرح والتعديل» المتوفى سنة ۲۳۳ سَمع «الجامع 
الصغير» من محمد بن الحسن» وتفقّه عليه» وسَّمع الحديتٌ من أبي يوسف. وفي 
«عيون التواريخ؟: كان ابن المديني» وأحمد» وابن أبي شيبة» وإسحاق يتأدبُون معه» 
ويعرفون له فضلّه» وَرِتٌ من أبيه ألفَ ألفِ درهم» فأنفقها جميعاً على الحديث» 
وكتبَ بيده ست مئة ألفِ حديث. وقال أحمد: كل حديث لا يعرفه يحيى» فليس 


بحدیث . 


ورأيت «تاريخه» - روايةً الدوري - في ظاهرية دمشق» وتختلف الروايات عنه 
في الجرح والتعديل» ويّعدّه الذهبي حنفياً صَلْباً في «جزئه» الذي ألّفه في الذين تكلم 
فیهم من الثقات» بل يَعُذّه متعصّباً لأهل مذهبه» ومع ذلك تُرى بعض الرواة لا يأبى 
أن يقوّله"“ كلماتِ قاسية في كثير من أصحاب أبي حنيفة» ولله في خلقه شؤون. 


٤‏ - محمد بن سَمَاعة التميمي» المتوفى سنة ۲۳۳ وفي «عيون التواريخ: 
وهو من الحفاظ الثقات» صاحبٌ اختيارات في المذهب» وروايات» وله مصنفات . 
قال ابن معين: لو كان أهل الحديث يَصدّقون كما يصدق ابن سماعة في الرأي» 
لكانوا فيه على نهاية› راجع «الجواهر. 

٠‏ - الحافظ الكبير إبراهيم بن يوسف البلخي الباهلي الماكياني» المتوفى سنة 
۹ کان مقاطعاً بن سعيد» لأنه آذاه عند مالك» فقال: هذا مُرجیء» فأقامه 
من مجلسه» وما سَمِعَ من مالك غير حديثِ واحد» وقه النسائي. وفي ذلك عبرة» 
راجع «الطبقات»» و«الجواهرا. 

١‏ _ إسحاق بن البُهلول التنوخي» المتوفى سنة ٠٠٠١‏ صاحب «المسند الكبير 
راجم «تاريخ الخطيب» و«طبقات الذهبي». أملى أربعين أل حديث من حفظه. قال 


آبو حاتم و 


(۱) جاء في «فهرس مخطوطات الظاهرية في التاریخ وملحقاته» لیوسف العش ص۲۳۱ و۲۳۲: 
«معرفة الرجال؟ لابن معين في مجموع (F01‏ و«التاریخ والعلل؟ لابن معين في مجموع 0 
(۱) انتھی . 

(۲) أي يذعيها عليه افتراءء يقال: قوّله ما لم يقل»ء أي اذعاه عليه» كذا في «مختار الصحاح». 
(البتوري). 

(۳) هذه الترجمة مما أضافه شيخنا المؤلف رحمه الله تعالى بقلمه. 


۸ وکن ری وق 


۷ - أبو الليث الحافظ عبد الله بن سرّيج بن حجر البخاري» المتوفى في 
حدود سنة »۲٥۸‏ هو من أصحاب أبي حفص الكبير البخاري» كان يحفظ عشرة 
آلاف خدیث» وکان عَبْدان يجله ذکره عُنجّار في تاریخ بُخارّی؛» ولم یذکر وفاته 
راجع «الطبقات». 

۸ - الإمام محمد بن شُجًاع التَلجي» المتوفى سنة ۲٦١‏ وهو ساجد في 
صلاة العصر» قال الموفق المكي: إنه ذر في تصانيفه نَا وسبعين ألفَ حديث» وله 
«المناسك» في نيف وستين جزءاً» وله «تصحيح الآثار» كبير جداً» وله «الرة على 
المشبّهة». وقال الذهبي في «النبلاء»: كان من بحور العلم» اه. تكلم فيه بعض 
الرواة بتعصب» راجع ترجمته في «فهرست ابن النديم» و«الجواهر المضيّة» وفيما 
كتبناه على «تبيين كذب المفتري» و«تكملة الرة على نونية ابن القيّم» . 

الفقية الحافظ آبى العباس أحمد بن محمد بن عيسى البرزتي ٠‏ المترفى 
سنة ۲۸٠‏ تفقه على أبي سليمان الجُوزجاني» وكان يُجلَهُ إتمامبل التاشي؛ وله 
«مسند أبي هريرة»» راجع «الطبقات»» و«الجواهر؟. 

١‏ - أبو الفضل جعفر بن محمد الطيالسي توفي سنة ۲۸۲. ناظَرّ زهير بن 
حرب وغيره في تحليل النبيذ وغلبّهم» راجع «تاريخ الخطيب» . 

١‏ - أبو الفضل عُبّيد الله بن واصل البخاري» المتوفى شهيداً سنة ۲۸۲» وهو 
محدَتٌ بُخارّى» وأخذ عنه الحارثي» راجع «الطبقات». 

۲ - أبو بكر محمد بن النضر بن سَلَّمة بن الجارود النيسابوري توفي سنة 
۱ قال الحاكم: كان شيخ وقته حفظاً وكمالاً ورياسة؛ وأهل بیته حنفیون وقد کان 
رفي مسلم في الطلب . 

۳ - الحافظ إبراهيم بن مَعْقّل النّسَفي» مصنّف «المسئّد الكبير» و«التفسيرا» 
المتوفى سنة ۲۹١‏ حدّث ب«الصحيح» عن البخاري» قال المستغفري: كان فقيهاًء 
حافظاً» بصيراً باختلاف العلماءء عفيفاًء صََا» راجع «الطبقات»» و«الجواهر. 


(۱) وانظر معها جزء شيخنا الكوثري رحمه الله تعالى الذي سماه: «الإمتاع بسيرة الإمامين الحسن بن 
زياد وصاحبه محمد بن شجاع» وقد تَقدّم بیان طبعه في ص۳٦۰‏ وفیه ما يشفي ویکفي . 

(۲) نسبة إلى ا(يزت) قرية بنواحي بغداد. 

(۳) هذه الترجمة مما زاده شيخنا الكوثري في تسخته رحمه اله تعالى. 


فقه آهل العراق وحديثهم 114 


٤‏ - أبو يعلى أحمد بن على بن المثتّى الموصلي» صاحب «المسند الكبير" 
و«المعجما» الترفى مةك أذ ع علج ن اانه وطبقَيِه» قال أبو علي 
الحافظ : لو لم يشتغل أبو يعلى بكتب أبي يوسف على بشر بن الوليد» لأدرك بالبصرة 
سليمانٌ بن حرب» وأبا داود الطيالسي. وهذا مما يدل على أن كتب أبي يوسف بكثرة 
بالخة» ولولا ذلك لما حال سماعٌ كتبه» دون عُلَوّ سَنَدِ أبي يعلى مع تسرَع المحدثين 
في السماع» راجع «الطبقات). 

٠٠٠١ الحافظ أبو شر الدّولابي محمد بن أحمد بن حَمّاد» المتوفى سنة‎ - ٠ 
وهو مؤلف «الكتّى». وغیره من الكتب الممتعةء قال الدارقطني : تکلموا فیه» ما تبیْن‎ 
من أمره إلا خير. فقول ابن عَِيّ: ابن حماد مهم في تّيم" » إسراف في القول»‎ 
کما هو شأنه» راجع «الطبقات».‎ 

١‏ - الحافظ أبو جعفر أحمد بن محمد الطحاوي» المتوفى سنة ۲١‏ في 
غاية من الاتساع في الحفظ» ومعرفة الرجال» والفقه. توسّع البدر العيني في ترجمته 
في «رجال مَعاني الآثار» وشيوخ الطحاوي الثلاثة : بكار بن فُبَيبة» وابنْ أبي 
عمران» وأبو حازم» كلهم من كبار حفاظ الحديث. 

۷ _ الحافظ أبو القاسم عبد الله بن محمد بن أبي العوام» السعدي» المتوفى 
في حدود سنة ٠۳١‏ له ذكر في «طبقات الذهبي» في ترجمة النسائي» أخَذٌ عن 
النسائي» والطحاوي» وأبي بشر الدولابي. وكتابه في «فضائل أبي ا في مجلد 
ضخم» و«مسند أبي حنيفة)» له» من أهمّ المسانيد السبعة عشر. وحفيده مترجم في 
«قضاة مصرا» و«الجواهرا. 

۸ _ الحافظ أبو محمد عبد الله بن محمد الحارثي البخاري» المتوفى سنة 
٠١‏ له «مناقب أبي حنيفة)» وله «مسند أبي حا آيفا آکر فيه جدا من شوق 
طرق الحديث» قك آقتر ابن منده الروايةً عنه» وكان حسنٌّ الرأي فيه» وقد تكلم فيه 
أناس بتعصب» وأكبْرٌ ما يرمونه به إكثاره من الرواية عن اللَجيرّمي: أباءِ بن جعفر» في 
مسد أبي حنيفة۲» ولم يتتبهوا إلى أن روايته عنه ليس في أحادیث ينفرد هو بهاء بل 


(۱) أي في کلامه وجرحه لنُعَیم بن حمادء الذي وضع على الحنفية وأبي حنيفة حكايات مزورة 
للنيل منهم . وسیأتي ذکره تعليقاً قي آخر الکتاب في ص۱۳۷ - ۰۱۳۸ فانظره . 

(۲) وأفرد شيخنا المؤلف الكوثري رحمه الله تعالى سيرته العَطرة في كتاب سماه: «الحاوي في 
سيرة الإمام أبي جعفر الطحاوي» طبع بالقاهرة بمطبعة الأنوار سئة .۱١١۸‏ 


e‏ فقه أهل العراق وحديثهم 
فيما له مُشارك فيه» كما فعَل مثلّ ذلك الترمذي في محمد بن سعيد المصلوب» 
والكلبيْ. لكن قاتَلَ الله التعصب» يُعمي ويُصِمَ! راجع «الجواهر»» واتعجيل 
المنفعة). 

4 - أبو القاسم علي بن محمد التنوخي» توفي سنة ۳٤۲‏ كان حافظاً تا كما 
ذكره الخطيب» وكان من أصحاب أبي الحسن الكرخي” . 

٠٠‏ الحافظ أبو الحسين عبد الباقي بن ۳ القاضي» صاحب التصانيف 
المتوفى سنة ٠٠١١‏ قال الخطيب: عامَةٌ شيوخنا يُونّقونه. قال الحسن بن الفُرات: 
حَدَّث به اختلاط قبل وفاته بسنتین. 

١‏ - الحافظ الإمام أبو بكر أحمد بن علي الرازي الجصًاص» المتوفى سنة 
١‏ كان إماماً فى الأصول» والفقه» والحديث» كان جِيّدَ الاستحضار لأحاديث 
بي داودء وابن بي شيبة وعبد الرڙاق» والطيالسي» يسوقُ سه ما شاء منها في 
أي موضع شاءء وكتابُه «المُصول في الأصول» وشروحه على «مختصر الطحاوي»» 
و«الجامع الكبير»» وكتابُه في «أحكام القرآن» مما يَقضي له بالبراعة التي لا تُلحق» 
وفْرَةٌ معرفيه بالرجال تَظهَرٌ من كلامه في أدلّة الخلاف. 

- الحافظ محمد بن المظفر بن موسى البغدادي» المتوفى سنة ۳۷۹» وهو 
مؤلف «مسند أبي حنيفة٠»‏ وكان الدارقطني يُجلّه» وهو من أعيان الحفاظ» راجع 
«الطبقات) . 

۳ - الحافظ أبو نصر أحمد بن محمد الكلاباذي» المتوفى سنة ۳۷۸» مؤلف 
«رجال البخاري»» وكان الدارقطني يَرضی فهمّه» وهو کان أحفظً من کان بما وراء 
النهر في زمانه» راجع «الطبقات؛. ٠‏ 

٤‏ - أبو حامد أحمد بن الحسين المروزي» المعروف بابن الطبري» المتوفى 
سنة »۳۷١‏ كان متَقِناً في الحديث والروايةء راجع «الجواهر). 

٥‏ الحافظ أبو القاسم طلحة بن محمد بن جعفر المُعَدّل البغدادي صاحب 
«مسند أبي حنيفة)» المتوفى سنة .۳۸١‏ 

_ الحافظ أبو الفضل السَّلّيماني أحمد بن علي البيكندي» شيخ ما وراء 
النهر» المتوفى سنة ٤٠٤‏ وعنه أخذ جعفر المستخفري» راجع «الطبقات). 


)١(‏ هذه الترجمة مما زاده شيخنا الكوثري رحمه الله تعالى في نسخته. 


فقه أهل العراق وحديثهم 11 

۷ عجار الحافظ أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد البخاري» المتوفى 
سنة »٤١۲‏ صاحب «تاريخ بخاری»» راجع «الطبقات» . 

۸ - الحافظ أبو العباس جعقر بن محمد المستغقري» صاحب المصتفات 
المتوفى سنة ۲ راجع «الطبقات»»ء و«الجواهر». 

٩‏ - الحافظ أبو سعد السمّان إسماعيل بن علي بن رَنْجُويه الرازي. المتوفى 
سنة ٠٤٤١‏ كان إماماً في الحديث» والرجال» وفقه أبي حنيفة» على بدعيه» راجع 
«الطبقات»» و«الجواهر. 

٠١‏ _ الحافظ عُمَّر بن أحمد النيسابوري توفي سنة ٤٦۷‏ راجع «الأربعين؛ 
لعبد الغافر الفارسي و«الجواه . 

١‏ - الحافظ أبو القاسم عُبّيد الله بن عبد الله النيسابوري الحاكم» المتوفى سنة 
٠١‏ راجع «الطبقات»ء و«الجواهر. 

۲ - الحافظ أبو محمد الحسن بن أحمد بن محمد السمرقندي» المتوفى سنة 
۱ تخرج بالمستغفري» قال آبو سعد: لم يكن في زمانه في فنه مله في الشرق 
والخرب» له كتاب «بحر الأسانيد من صحاح المسانيد؛ في ثمان مئة جزء» جَّمعَ فيه 
اال خایت ولو زئب ولي لم يقع في الإسلام مله راجع «الطبقات». 


(۱) ضبط العلماء هذا اللفظ (زنجويه) وأمثالّه على وجهين. 
قال الحافظ السيوطي رحمه الله تعالى في «تدريب الراوي؛ أواخر النوع الثالث والعشرين 
ص٣۲۲‏ «سُثل إسحاق بن راهويه لمّ قيل له: ابن راهويه؟ فقال: إن أبي ولد في الطريق» 
فقالت المراوزة - بالفارسية -: راهويه» يعني أنه وَلِدَ في الطريق. 
وفي فوائد «رحلة ابن رُشّيد٤:‏ مذهبٌ النحاة في هذا - راهويه - وفي نظائره فتح الواو وما قبلّها 
وسكونٌ الياء ثم هاء. والمحدثون ينحون به نحو الفارسية فيقولون: هو بضم ما قبل الواو 
وسكونها وفتح الياء وإسكانِ الهاء» فهي هاءٌ على كل حال» والتاء خطأ. قال: وكان الحافظ 
أبو العلاء العطار يقول: أهلٌ الحديث لا يحبون (وَبه) اه. 
قال الحافظ ابن حجر: ولهم في ذلك سَلّف» رويناه في كتاب «معاشرة الأهلين» عن أبي 
عمرو» عن إبراهيم النخعي أن (وَيه) اسم شيطان. 
قلت - أي السيوطي - ذكَرّ ياقوت في «معجم الأدباء» في ترجمة (نفطويه) نحو ما ذكره ابن 
رُشيد. وقال المصنف - أي النووي - في «تهذيب الأسماء واللغات» في ترجمة (أبي عُبّيد بن 
حَربوه) ۲۸:۲ من قسم الأسماء: هو بفتح الباء الموحدة والواوٍ وسكونِ الياءء ثم ها 
ويقال: بضم الباء مع إسكانٍ الواو وفتح الياء. ويجري هذان الوجهان في كل نظائره» كسيبويه 
ونفطويه وراهويه وعمرويه» فالأول مذهبٌ النحويين وأهلٍ الأدب» والثاني مذهبٌ المحدثين». 
(۲) هذه الترجمة مما زاده شيخنا المؤلف رحمه الله تعالى في نسخته. 


نا فقه أهل العراق وحديثهم 


۳ مُسيد هَراة نصر بن أحمد بن إبراهيم الزاهد بقيةٌ المسيدين» المتوفى سنة 
۰. 

٤‏ مُسيد سَمَرد إسحاق بن محمد بن إبراهيم التنوخي النسفي» المتوفى سنة 
۸. 

٥‏ - المحدث أبو عبد الله الحسين بن محمد بن خرو البلخي» صاحب 
«مسند أبي حنيفة). المتوفى سنة ٥۲۲‏ يأخذه ابن حجر بروايته «المسند» لقاضي 
المارستان» قائلاً: إنه لا «مسند» له» لكن تلميذه السخاوي يَرويهِ عن الَذْمُرِيء عن 
المَيْدومي» عن التجيب» عن ابن الجوزي» عن الجامع قاضي المارستان» فبهذا ظهر 
هور ابن حجر. 

_ الحافظ أبو حفص ضياء الذين عُمّر بن بدر بن سعيد الموصلي المتوفى 
س ۳ 

۷ - أبو الفضائل الحسن بن محمد الصَعَّاني» المتوفى سنة ٠٠٥١‏ كان إماماً 
في اللغة» والفقه» والحديث» له «العباب»» و«المحكم)» و«مشارق الأنوار». 

۸ - المحدث الجرال أبو محمد عبد الخالق بن أسد الدمشقي» صاحب 
«المعجم» المتوفى سنة .٥1٤‏ 

٩‏ - مُسيد الشام تاج الدّين أبو اليْمن زيد بن الحسن الكثدي» المتوفى سنة 
NY‏ 

.1۲۹ الإمام المسيد أبو علي الحسن بن المبارك الزبيدي» المتوفى سنة‎ - ٠ 

١‏ _ وأخوه الحسين راوية البخاري المتوفى سنة .1٠١‏ راجع ما علقناه على 
«ذيول تذكرة الحفاظ . 

- الإمام المحدّث الجمّال أبو العباس أحمد بن محمد الظاهري» المتوفى 
سنة ٠1۹1‏ خرّج «مَشْيّخة» للفخر البخاري في خمسة أجزاء. راجع «الطبقات)» 
و«الجواهر. 

۳ - المحدّث أبو محمد علي بن زكريا بن مسعود الأنصاري المَنبجي» موف 
«الباب في الجمع بين السنة والكتاب»» وشارح «آثار الطحاوي» المتوفى في حدود 
سنة 14۸ وابئه محمد مذكور في «الجواهر المضية»» و«الدرر الكامنةا. 


(۱) ص ۲۹۹. 


فقه أهل العراق وحديثهم \r‏ 

٤‏ - أبو العلاء محمود البخاري» توفي في ماردين سنة »۷٠١‏ وامشيخته) 
تحتوي نحو سبع مئة شيخ. سمع منه المرَي والبَرزالي والذهبي وأبو حيّان» راجع 
«الجواهر» و«الفوائد البهية» . 

٥‏ - الشمس السَرُوجي أمد بن إبراهيم بن عبد الغني شارح «الهداية» المتوفى 
سنة .۷١١‏ 

علاء الذين علي بن بَلْبَان الفارسي» شارح «تلخيص الخلاطي» ومؤلف 
«الإحسان في ترتيب صحيح ابن حبان»» توفي سنة .۷۳١‏ 

۷ - المحدّث الكبير ابن المهندس محمد بن إبراهيم بن غنائم» الشُرُوطي 
المتوفى سنة ۷۳۳. 

۸ اا قطب الدين عبد الكريم بن عبد النور الحلبي» شارح «البخاري» 
في عشرين مجلدا» ومؤلف «الاهتمام بتلخيص الإلمام»» و«القدح المعلى في الكلام 
على بعض أحاديث المحلى»» توفي سنة ١۷ء‏ راجع ذيل الحسيني» على 
«الطبقات» . 

- الحافظ أمين الدين محمد بن إبراهيم الواني» المتوفى سنة ۷٠١‏ راجع 
«ذيل السيوطي» على «طبقات الحفاظ). 

»۷٤٤ الحافظ الشمس السَرُوجي محمد بن علي بن أيْبّك» المتوفى سنة‎ - ١ 
راجع «الذيول» أيضاً.‎ 

١‏ الحافظ علاء الدين علي بن عثمان المارديني» مؤلف «الجوهر النقي»» 
المتوفى سنة »۷٤۹‏ به تحرج الجمال الزيلعي» وعبد القادر القرشي» والجمال المَلطي 
صاحب «المعتصر»» والزين العراقي» راجع «الذيول». 2 

الحافظ ابن الواني عبد الله بن محمد بن إبراهيم» المتوفى سنة »۷٤۹‏ 
راجع اذيل الحسيني». 

۳ _ الحافظ جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي» مؤلف «نصب الرايةا» 
توف م ۷۲ 1 

٤‏ - الحافظ علاء الدين مُعُلْطاي البكجري» المتوفى سنة ۷۲ء راجع «ذيل 
ابن فهد). 


(۱) هذه الترجمة مما زاده شيخنا رحمه الله تعالى في نسخته. 


4 فقه أهل العراق وحديثهم 

05 -_ بدو الدين محمة ين غبد الله القَبْلى كان أبوه قَيّم المدرسة الشَبْلية 
بدمشق» فنسب إليه» توفي سنة ۷1۹ راجع «الدرر الكامنة» . 

_ الحافظ عبد القادر القرشي» المتوفى سنة ٠۷۷١‏ راجع «الذيول؟. 

۷ - المجد إسماعيل البَلبيسي صاحب «مختصر أنساب الرشاطي»» المتوفى 
سنة ۸*۲. 

۸ - العلامة جمال الدين يوسف بن موسى المَلّطي» صاحب «المعتصر؛ 
المتوفى سنة .۸٠۳‏ 

4 - العلامة شمس الدين محمد بن عبد الله الدّيري» مؤلف «المسائل الشريفة 
في أدلة مذهب الإمام أبي حنيفة)» المتوفى سنة ۸۲۷. 

٠‏ المحذث أبو الفتح أحمة بن عجان ي محمد الكلوتاتي االكرماني؛ 
المتوفى سنة ۸۳١‏ مكثر جداً من رواية الكتب الكبار» وسماعهاء وإسماعهاء راجع 
«الضوء اللامع؟. 

٠۸١١ المحدّث عز الدين عبد الرحيم بن محمد بن المُرات» المتوفى سنة‎ - ١ 
من المحدّثين المكثرين» أصحاب الأسانيد العالية» راجع «الضوء اللامع؟.‎ 

_ الحافظ البدر العيني محمود بن أحمد» المتوفى سنة ۸0١‏ تَرجُمْئه ترجمةٌ 
واسعةً» في أوّل «عمدة القاري» من الطبعة المنيرية . 


۳ - كمال الين بن الهُمام محمد بن عبد الواحد صاحب «فتح القدير المتوفى 


سنة .۸1١‏ < 
٤‏ - سعد الدين بن الشمس الذيري صاحب «تكملة شرح الهداية» للسرُوجي» 
المتوفى سنة .۸٦۷‏ 


-٥‏ تقي الدين أحمد بن محمد السمُني» المتوفى سنة ۸۷۲. شزحه على 
«الوقاية» المسمى باكمال الدراية» يدل على يده البيضاء في أحاديث الأحكام . 

1 الحافظ العلامة قاسم بن فُطلُوبُغا» المتوفى سنة ۸۷۹. تخريجًه لأحاديث 
«الاختيار»» ولأحاديث «أصول البردوي»» وسائر ما أله في الحذيث والفقهء تذل 
على عِظم شأنه في الحديث والفقه» راجع «الضوء اللامع؟. 


)١(‏ هذه الترجمة مما زاده شيخنا رحمه الله تعالى في نسخته. 


فقه أهل العراق وحديثهم 1 

۷ عبد اللطيف بن عبد العزيز الشهير بابن مَلَكَ» مؤلف «مبارق الأزهار شرح 
مشارق الأنوار» المتوفى سنة ۸۸١‏ راجع «الشذرات. 

۸ - ابئه: محمد بن عبد اللطيف الشهير بابن مَلّك» شارح «مصابيح السنة» 
للبغوي. وله «شرح الوقاية٠»‏ انظر «الفوائد البهية ص۷٠٠.‏ 

٩۹‏ - شهاب الدين أبو العباس أحمد بن عبد اللطيف الشزجي الرّبيدي المتوفى 
سنة ۸۹۳ مؤلف «التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح؟. 

٠‏ - شمس الدين محمد بن علي» المعروف بابن طُولُون الدمشقي» المتوفى 
سنة 4٥۳‏ هو من المكثرين في الحديث والفقه» له من المؤلفات ما يقارب خمس مئة 
مۇلف. 

١‏ - علي المتقي بن حسام الدين الهندي» صاحب «كنز العمال؛ في ترتيب 
«الجامع الكبير» للسيوطي» قال أبو الحسن البكري: له ينه على السيوطي» توفي سنة 
0. 

۲ - مَك المحدّثين: الشيخ محمد بن طاهر اقبي الكجراتي» مؤلف «مجمع 
بحار الأنوارا» و«تذكرة الموضوعات؛» و«المغني»» وغيرها من المؤلفات الممتعة» 
في الحديث» وغريبه» توفي سنة ٩۸۷‏ شهيداً. 

۳ - المحذث علي بن سلطان محمد القاري الهَرّوي المكي» المتوفى سنة 
.٤‏ شرحه على «المشكاة٠»‏ وشرحه على «مختصر الوقاية"» من الكتب المهمة 
في أحاديث الأحكام» تخرّج على القطب التَهْرَوًالي» وعبد الله السندي. 

٤‏ - المحدّث أحمد بن محمد بن أحمد بن يونس الشّلّبي» المتوفى سنة 
NY‏ 

٥‏ - محدث الهند عبد الحق بن سيف الدين الدَْلّوي» مؤلف «اللمعات شرح 
المشكاة»» و«التبيان في أدلة مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان؛ توفي سنة ٠٠٠۲‏ أخَذّ 
عن عبد الوهاب المتقي» تلميذ علي المتقي» وعن علي القاري» أخذ عنه محمد 
حسین الخافي» وعنه حسن العْجيمي. 


(1) هذه الترجمة والترجمتان بعدها زيادة مني على ما ذكره شيخنا رحمه الله تعالى. 
(1) واسمٌْ شرحه هذا: «فتح باب العناية بشرح كتاب القّاية عُنيتُ بتحقيقه» وطبع الجزء الأول منه 
بحلب سنة ۱۳۸۷. 


1۹ فقه آهل العراق وحديثهم 
_ المحدث أيوب بن أحمد بن أيوب الخَلْوّتي الدمشقي» المتوفى سنة 
۱. 

۷ - المحدّث حسن بن علي الْجّيمي المكي» المتوفى سغة ٨١١١۴‏ :وأسانيد 
مروياته في «كفاية المستطلع' في مجلدین . 

۸ _ أبو الحسن الكبير» ابن عبد الهادي السندي» المتوفی سنة ۹١١١ء‏ 
صاحب «الحواشي على الأصول الستة» و«مسند أحمدة . 

۹ - الشيخ عبد الغني بن إسماعيل النابلسي» مؤلف «ذخائر المواريث» في 
أطراف الأصول السبعة» المتوفى سنة .٠٠١۳‏ 

٠١‏ - المحدّث محمد بن أحمد عَقيلة المكي» المتوفى سنة ١١٠٠ء‏ له 
«المسلسلات»» وعِدَّة أثبات» و«الدر المنظوم؟ في خمس مجلدات في تفسير القرآن 
بالمأثور» و«الزيادة والإحسان في علوم القرآن»؛» هدب به «الإتقان»» وزاد كثيراً من 
علوم القرآن» وغالبُ مؤلفاته في مكتبة علي باشا الحكيم» بإصطنبول» أخذ عن 
العْجَيْمي» وغيره. 

١‏ الشيخ عبد الله بن محمد الأمَاسي» شرح «البخاري»» وسماه: «نجاح 
القاري في شرح البخاري» في ثلاثين مجلداً» وشرَحَ «صحيح مسلم» في سبع 
مجلدات» وسماه: «عِناية المنهم بشرح صحيح مسلم» بلع فيه إلى شطر «مسلم»» 
توفي سنة ۷١١۱ء‏ 

۲-_-_ محمد بن الحسن المعروف» بابن هِمّات الدمشقي» ملف اتُحفة 
الراوي في تخريج أحاديث البيضاوي»» المتوفى نة ٠۷٥‏ . 


(۱) وحاشيته على «مسند أحمد رأيها في المدينة المنورة في مكتبة شيخ الإسلام أحمد عارف 
حکمت. 

(۲) رأيتُ ذكر كلمة عنه» لقلة شهرته بين المشتغلين بالسئة. قال صديقنا الأستاذ حسام الدين 
القدسي حفظه الله تعالى في مقدمة كتابه: «انتقاد المغني» ص۳ _ ٠٤‏ مستفيداً ذلك من شيخنا 
الإمام الكوثري رحمه اله تعالى: «هو الشيخ الإمام المسند الأوحد» العالم البارع محمد بن 
حسن» المعروف بابن همات الدمشقي» بهاء مكسورة وميم مشددة» بعدها ألف» على ما 
ضبطه تلميه المحدّث الشيخ مرتضى الزبيدي . 
ولد سنة إحدى وتسعين وألف ورحل إلى مكة» وأخذ فيها عن الجمال عبد الله بن سالم 
البصري»ء وتاج الدين بن عبد المحسن القلعي مفتي مكة» وعن البدر محمد بن محمد البديري 
الدمياطي . وتلقى عنه ولي الدين شيخ الإسلام» والشيخ مرتضى الزبيدي شارح «القاموس؟ 
و«الإحياء؟ وغيرهما. 


فقه آهل العراق وحديثهم 1V‏ 

۳ - السيد محمد المرتضى الرّبيدي» شارح «الإحياء» ومؤلّف «عقود الجواهر 
المنيفة في أدلة مذهب الإمام أبي حنيفة٠»‏ المتوفى سنة .٠٠٠١‏ 

٤‏ _ المحدَث الفقيه محمد هبة الله البَغْلي» مؤلف «حديقة الرياحين في 
طبقات مشايخنا المسيدين؛. ومؤلف «التحقيق الباهر في شرح الأشباه والنظائر» في 
خمس مجلدات ضخام» المتوفى سنة ١۲۲٠ء‏ بإصطبول. ووَهِمّ من قال: إنه توفي 
بدمشق . 

٠‏ _ صاحب رَد المحتار؛ العلامة محمد أمين بن السيد عمر المشهور (بابن 
عابدين) المتوفى سنة ١١٠٠ء‏ صاحب المؤلفات المشهورة. وأسانيده ومرويائه في 
اينه“ المشهور باسم «عقود اللآلي في الأسانيد العوالي». 

١‏ - الشيخ محمد عابد السّندي صاحب «حَصْر الشارد» و«طوالع الأنوار على 
الدر المختار» في ستة عشر مجلداً ضخماً» وشارح «مسند أبي حنيفة» في مجلدات» 
سماه: «المواهب اللطيفة٠»‏ المتوفى سنة .٠١١۷‏ 

۷ - الشيخ عبد الغني المجددي» المتوفى سنة ١۲۹٠ء‏ أسانيده في «اليانع 
الجني». 

۸ -- الشيخ محمد عبد الحي اللكنويّ» أعلمٌُ أهل عصره بأحاديث الأحكام» 
المتوفى سنة ٠٠١‏ إلا أن له بعض آراء شاذةء لا قبل في المذهب» واستسلامه 
لكتب التجريح من غير أن يتعزّف دخائلهاء لا يكون مَرضِيًا عند من يعرف ما هنالك. 

۹ -_ الشيخ المحقق محمد حسن السَنْبَهْلي» عصري الشيخ عبد الحي 
وصديقه ومُشابهه في كثرة التاليف العديدة وتنؤعهاء مع فصر العمر أيضاًء ولد سنة 
4 وتوفي سنة ٠٠١‏ . له نحو مئة ملف أو أكثر» وبعضها في مجلدات ضخمة 
كحاشيته على «الهداية». وكتابه «تنسيق النظام في مسند الإمام ينادي بقوّة بحثه 
وضلاعته في الحديث والرجال ومعرفة العلل . 


= وله مؤلفات جليلة» منها: «تحفة الراوي في تخريج أحاديث البيضاوي». وهو من أمتع ما كتب 
في الباب» يوجد منه نسخة خطية في مكتبة شيخ الإسلام ولي الدين» وثانية في خزانة أسعد 
أفندي نقيب الأشراف» في الآستانة. ومنها «التنكيت والإفادة في تخريج أحاديث خاتمة سفر 
السعادة)» ومنها: شرح حافل على «نخبة الفكر؟» في دار الكتب المصرية نسخة منه» ورسائل 
عديدة في كثير من الفنون. 
وجِطّةٌ الرجل في تخاريجه : التتبعٌ التام» والفحص الدقيق» ولذا يوجد فيها من الفوائد ما ليس 
في بقية التخاريج» وكانت وفاته سنة خمس وسبعين ومئة وألف». 

(1) هذه الترجمة مما زدته على ما ذكره شيخنا الكوثري رحمه الله تعالى. 


1۸ فقه أهل العراق وحديثهم 
۰ ۔_ شیخ مشایخناء الشيخ المحدث أحمد ضياء الدين بن مصطفى 
الكَمشانوي» المتوفى سنة ٠١١١‏ أف «راموز أحاديث الرسول؟ في مجلد ضخم» 
وشرحه الوامع العقول؛ في کس مجلذاكة وله تجو حسين موقا سوى دلك" : 
وفي الهند علماء بارعون في الحديث من أهل المذهب» لا مجال لاستقصائهم 
كتر الله أمثالّهم» وهذه نبذة يسيرة من محدثي الحنفية» سردنا أسماءهم هناء ليدل 
القليل على الكثير» رحمهم الله. 


)١(‏ وترجمته الحسنة المطولة في كتاب شيخنا الكوثري «التحرير الوجيز فيما يبتغيه المستجيز 


es 


أحببت 


تكملة وتذييل 


نظراً إلى تعرض الأستاذ الجليل (الكوثري) إلى ذكر طائفة من المحدثين بالهندء 


أن أذيْلَ هذا الموضوع بذكر عِدة من المحدثين إلى يومنا هذاء وسلكتٌ مسلكه 


في الاقتصار في تراجمهم بسطر أو بسطرين» واعتنيتٌ بذكر من له تصنيف في 
الحديث» أو شهرة له فيه» بترتيب الاستحضار من غير ترتيب الوّفيات» أو الطبقات› 


فى جلسة واحدة» وبالله التوفيق. 


البنوري 
المحذث الشيخ محمد حياة السّندي» المتوفى سنة ١١١١‏ بالمدينة. 
المحدث المحقق الشيخ هاشم بن عبد الغفور السندي» له مؤلفات» مثل 
«فاكهة البستان»» واترتيب صحيح البخاري على ترتيب الصحابة)» وغيرهما. 
الشيخ المحدث أبو الطيّب السندي» صاحب «الحواشي على الأصول الستة) 
معاصر الشيخ أبي الحسن السّندي» المتوفى في حدود سنة ١١٠١ه.‏ 
الشيخ محمد مُعين الشندي» من تلامذة الشاه ولي الله الدهلوي» ومن كبار 
شيوخ الشيخ هاشم» والشيخ محمد حياة المذكورين» المتوفى في حدود 
۰ھ 
المحدث الإمام الشاه ولي الله الدهلوي» المتوفى سنة ١١١١ه»‏ إمام نهضة 
الحديث في الهند» صاحب «حجة الله البالخة٠»‏ و«إزالة الخفاء»» و«الإنصاف»»› 
وقد الجيد» و«المصفى»» و«المسورى» شرحَيْ «الموطأ» لمالك» و«الإرشاد 
إلى مهمات علم الإسناد»» و«شرح تراجم صحيح البخاري»» و«الانتباه في 
سلاسل أولياء الله». 
والقسم الثاني من «الانتباه» في أسانيد كتب الحديث والفقه» وفوائد سامية من 
الحديث. وهذا القسم غير مطبوع» موجود بمكة - عند الشيخ عَبَّيد الله 
الديوبندي - وغيرٍها من المؤلفات الجليلةء وإليه ينتهي إسناد محدثي ديوبند. 


14 


۰ 


8 


٥ 


0 


¥ 


فقه آهل العراق وحديثهم 


المحدث الشيخ محمد أفضل السيالكوتي» ثم الدهْلّوي» شيخ الشاه ولي الله 
الدهلوي قي الحديث» وتلميذ المحدّث الشيخ عبد الله بن سالم البصري 
المكي. 

المحدّث الحجة الشاه عبد العزيز بن الشاه ولي الله الدهلوي» المتوفى 
۹ه صاحب «بستان المحدثين»» و«العُجالة النافعة» في مهمات علم 
الحديث» و«التحفة الإثنا عشرية» وغيرها. 

المحدّث الكبير الشيخ القاضي ثناء الله المَظهري الفانيفتي» من تلامذة الشاه 
ولي اله الدهلوي» كان الشاه عبد العزيز يسميه (بيهقي العصر) له تفسير عظيم» 
لا نظير له في أحاديث الأحكام» وأدلتهاء لم يُطبع کله" » وله کتاب «منار 
الأحكام» لم يُطبع» وغيرهما. 

الشاه عبد القادر بن الشاه ولي الله الدهلوي» المتوفى في سنة ١١١٠ه.‏ 

الشاه رفيع الدين بن الشاه ولي الله الدهلوي» المتوفى في سنة ۳۳١١ه.‏ 
المحذث الشيخ عبد الحي الدهلوي» من أكبر تلامذة الشاه عبد العزيز. 
المحدّث مسيد الهند» الشيخ محمد إسحاق بن بنت الشاه عبد العزيز 
الدهلوي» المتوفى سنة ١١١١ه.‏ 

الشيخ محمد يعقوب أخو الشيخ محمد إسحاق الدهلوي» توفي سنة ١۸١٠ه.‏ 
الشيخ عبد القَيّوم بن بنت الشاه عبد العزيز» أخذ من الشيخ محمد إسحاق» 
توفي سنة ۲۹۹١ه.‏ 

الشيخ المحدث محمد إسماعيل الدهلوي» استشهد في الجهاد مع الكفار سنة 
TE‏ 

المحدث الشيخ أحمد علي السهانوري» المتوفى سنة ۲۹۷٠ه»‏ صاحب شرح 
جيد حافل على «صحيح البخاري؟ . 

الشيخ العارف المحدّث محمد قاسم الناتوتّوي الذيوبَدي» المتوفى سنة 
۷ ؛, ‏ مؤسس دار العلوم بديوبند» مركز الثقافة الدينية والعلمية بالهندء 
صاحب التصانيف العالية . 

الشيخ المحدَث الشيخ رشيد أحمد الكنكوهي» الديوبندي» المتوفى سنة 
٣ه‏ صاحب التآليف السامية . 


(۱) ثم طبع في الهند بأبهى حلّةء» في عشر مجلدات. 


فقه آهل العراق وحديثهم 1۳1 


E 


۸ 


NE 


4 


8 


8 


WW 


a ۸ 


الشيخ المحدّث محمد يعقوب النانوتوي الديوبندي» المتوفى في حدود 


۰ھ 

الشيخ فخر الحسن الكنكوهي الديوبندي» صاحب حاشية جيدة» على سنن أبي 
داود» من تلامذة الشيخ الكنكوهي . 

الشيخ أحمد حسن الأمْرُوهوي الديوبندي» من تلامذة الشيخ محمد قاسم 
النانوتوي . 


المحذث أستاذ العالّم» الشيخ محمود حسّن الديوبندي المدعو ب(شيخ الهند)ء 
المتوفى سنة ۳۳۹٠ء‏ صاحب التحقيقات والتصانيف الفائقة» في الحديث» 
والتفسير» والكلام. 

الشيخ المحدّث ظهير أحسن اليمَوي» صاحب «آثار السنن» وعدة رسائل 
جيدة» في مسائل من الحديث . 

المحدث الكبير إمام العصر محمد أنور الكشميري» ثم الديوبندي» المتوفى 
سنة ١١١٠ه»‏ صاحب المؤلفات الحاوية على تحقيقات باهرة» مثل فصل 
الخطاب»» و«نيل الفرقدين»» و«كشف السّترا» وغيرها. - مثل افيض 
الباري» -. 1 

الشيخ المحدّث محمد أشرف علي التهانوي الديوبندي» الملقّب بحكيم الأمة» 
بلع سنه الشريف إلى ثمانين سنة» جاوزت تاليفه خمس مئة مصتف» قلما يخلو 
فن من تالیفه» طال بقاؤه . 

المحدث الشيخ حسين علي الميانوالي» في البّنجاب» من تلامذة المحذّث 
الشيخ الكنكوهي» ولعل عمره ثمانون سنة» أو جاوزهاء طال بقاؤه. : 
المحدّث محقق العصر الشيخ شَبّير أحمد العثماني الديوبندي» صاحب «فتح 
الملهم بشرح صحيح مسلما» في مجلدات ضخام» وشيخ الحديث اليوم» 
بالجامعة الإسلامية بدابهيل سورت» بلغ عمره الشريف ستين عاماًء طالت 
حیاته . 

المحدّث شيخ العصر حسين أحمد» شيخ الحديث بدار العلوم» في ديوبندء 
جاوز سه الشريف ستين سنة» طال بقاؤه. 


(۱) ومن تلامذة الإمام عبد الحي اللكنوي» ولد سنة ۱۲۷۸ وتوفي سة ۳۲۲٠ء‏ 


(۲) وتوفي رحمه الله تعالی في ۱١‏ من رجب سنة ٠۳١۲‏ وهو ابن إحدى وثمانين سنة. 


NY 


a 


E 


9 


FE 


E 


e 


9 


د 


۴۷ 


فقه آهل العراق وحديثهم 


المحدّث المحقق الشيخ محمد كفاية الله الدهلوي» مفتي الديار الهندية» وشيخ 
الحديث بالمدرسة الأمينية فى إهلّى» غمره الشريف حوالى ستين ستةء طال 
المحدث الشيخ عبد العزيز الفنجابي» صاحب «أطراف البخاري» و«حاشية 
تخريج الزيلعي» إلى الحج» وغيرهماء له تحقيقات في الحديث» واشتغال جيد 


في الرجال والطبقات» عمره نحو ستين سنة. 

المحدث الشيخ مهدي حسّن الشاهجانفوري» صاحب التآليف المفيدة في 
الحديث وغيره» ومن أعظمها «شرح كتاب الآثار» لمحمد بن الحسن الشيباني» 
المحدّث الشيخ محمد إدريس الكاندهلوي» شارح «مشكاة المصابيح» في 
خمس مجلدات كبيرة» بلغ الخمسين من عمره. 

المحدث الشيخ محمد زكريا الكاندلوي» شيخ الحديث اليوم بمدرسة مظاهر 
العلوم» في سهارنفور» صاحب «أوجز المسالك في شرح موطأ مالك»» قارب 
مسین غاماً من غمره: 

العلامة الشيخ أبو المحاسن عبد الله الحيدر آبادي العبد الصالح» صاحب 
«زجاجة المصابيح» في خمسة مجلدات كبار» توفي رحمه الله تعالى في سنة 
۲۳ أو التي بعدهاء وقد جاوز الثمانين . 

العلامة الداعية الموهوب الرباني الشيخ محمد يوسف الكاندهلوي» أمير 
(جماعة التبليغ) في الهند وباكستان» ولد سنة ١١١٠ء‏ وتوفي يوم الجمعة ٠٠‏ 
من ذي القعدة سنة ٠۳۸١‏ رحمه الله تعالىء له كتاب «حياة الصحابة» في ثلاثة 
مجلدات كبار» و«أماني الأحبار في شرح معاني الآثار» للطحاوي» ع ن 
مجلدان كبيران» وهو شاهد بضلاعته في الفقه والسنة وعلومها. 

العلامة المحدّث البارع الشيخ محمد بدر عالَّم الميرتهي» تلميذ إمام العصر 
الكشميري» وناسج إملاءاته في «فيض الباري على صحيح البخاري» في أربعة 
مجلدات كبار» له كتاب «ترجمان السنة» بالأوردية» طبع منه ثلاث مجلدات أو 
أكثر. توفي رحمه الله تعالى بالمدينة المنورة في ۳ من رجب سنة .٠١۸١‏ 
العلامة المحدث الفقيه الشيخ فر أحمد العثماني التهانوي» ولد في ٠۳‏ من 
ربيع الأول سنة ١٠١٠ء‏ وهو ابن أخت مولانا حكيم الأمة أشرف علي 
التهانوي» له كتب منها: .«إعلاء السنن» فريد في بابه بما جَمَع من الاستدلال 


فقه آهل العراق وحديثهم Ir‏ 


FA 


۴۹ 


بالكتاب والسنة والآثار على أبواب الفقه الحنفي» في عشرين مجلداً طبع منه 
۸ مجلداً في الهند وباکستان ومولمُه الآن جاوزت سنه الشمانين أمتع الله به 
ورعاه. 
العلامة المحدث الفقيه أبو المحاسن محمد يوسف البَنوري تلميذ إمام العصر 
نور الكشميري» من كتبه الحافلة : «عوارف السنن» في شرح «سنن الترمذي»» 
في أكثر من عشرة مجلدات ضخام» طبع شطره في كراتشي» أعان الله على 
إتمامه» وهو الآن في عقد السبعين أو جاوزهاء أطال الله بقاءء بالعمر المديدء 
والعيش الرغيد. وهو صاحب هذه التراجم لعلماء الهند المحدثين الأفاضل من 
آوچ 
العلامة المحدث البارع الفقيه الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي» صاحب 
التعليقات البديعة» والتحقيقات النادرة» العالم بالرجال واليلّل. وتعليقاته 
وتحقيقاته السَنيَّة على «سنن سعيد بن منصور» و«الزهد» لابن المبارك» وامسند 
الحُميدي» و(استدراكائه) على الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على «مسند 
أحمد»» ثم (تعليقاته الحافلة) على «مصتف عبد الرزاق» الذي يطبع الآن بعون 
اله» كلها تنطق بمو فضله وبسطة يديه في هذا العلم الشريف. وقد قارب 
السبعين أو جاوزهاء أمدّ الله في عمره ونقَعٌ په. 
العلامة الناقد الضليع الشيخ محمد عبد الرشيد النعماني» صاحب التعليقات 
والتدقيقات والجولات الظافرة في ميادين العلم . وكتابه: «ما تمس إليه الحاجة 
لمن يطالع سنن ابن ماجه» وتعليقاته على «دراسات اللبيب»» و«ذب ذبابات 
الدراسات»» و«مقدمة التعليم؟ لمسعود بن شيبة السندي تدل على فحولته في 
علوم الحديث» وهو قد قارب الخمسين أو جاوزهاء أطال الله عمره في عافية 
وسرور» ونفع بجهوده وآثاره. 

# 3F 3F 


هذه التراجم السبعة من الترجمة ٤١ ٠١‏ من زيادتي على ما كتبه أستاذنا 


العلامة البنوري حفظه الله ورعاه. وهناك كثير من علماء الحديث في الهند وباكستان 
عندي كتبهم وآئارهم» لكني لم أتمكن من ذكرهم هناء لكوني أكتب هذه التعليقات 
بعيداً عن بلّدي ومكتبتي» والله المستعان» والحمد لله رب العالمين. 


كلمة في كتب الجرح والتعديل 


نجدٌ في «الضعفاء؛ للعُمّيلي» و«الكامل» لابن عَِي» كلاماً كثيراً عن هوى في 
سادتنا أئمة الفقه» فالأرلُ: لفساد معتقده على طريقة الحشوية» والثاني: لتعصبه 
المذهبي عن جهل» مع سوء المعتقد. وسار من بعدهما سيرهماء إما جهلاًء أو 

ولم يؤذ من سلك هذا المسلك إلا نفسه» ولم يضع من شأن أحد إلا من شأن 
نفسه» انظر قول ابن عدي في (إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي) شيخ 
الشافعي : «نظرت الكثيرّ من حديثه فلم أجد له حديثاً منكرأً مع أنك تعلم أقوال أهل 
النقد فيه» كأحمد» وابنِ حبان» قال اللي : «مَدني» رافضي» جَهمي» قَدَري» لا 
بُكَبُ حدیثه»! بل كڏّبه غير واحد من النقاد. ولولا أن الشافعي کان يُكثر منه» قدرَ 
إكثاره من مالك» لما سعَى ابن عدي في تقوية أمره» استناداً إلى قول مثل ابن عُقدة. 

ولا أدري كيف ينطلق لساك ابن عدي بالاستغناء عن عِلم مثلٍ محمد بن 
الحسن؟ وإمامُه لم يَستغنِ عن علمه» بل به تخرّج في الفقه» لكنْ المتشبَعَ بما لم 
بعطً» يستغني عن علم كل عالم» ممَقَمْقِماً في جَهلاته"» غير ناظر إلى ما وراءء 
وأمامه» وهکذا يصنع مع سائر أئمتنا كلهم» ألهمهم الله سبحانه مسامحته . 

ومن معايب «كامل بن عدي» طَعْنّه في الرجل بحديث» مع أن آفته: الراوي عن 
الرجل» دون الرجل نفيه» وقد أقرَ بذلك الذهبي في مواضع من «الميزان». 


(۱) انظر ترجمته فیما علْمَنّه على «الرفع والتکمیل؛ لللکنوي ص٤٥۲‏ ۔ .۲٠٠١‏ 

(۲) اقرا ترجمته فیما عله على «الرفع والتکمیل؛ ص۲۰۹ - ۲۱۰. 

(۳) قال في «القاموس؟: «تقمقم: ذهب في الماء وعُمرَ حتى عَرق». ومن محاسن شعر الزمخشري 
قولّه : 
اليلمٌّللرحمْنِ جل جلاله وسواه في جهلاته يعقمقَمُ 
ماللعوموللتراب وإنما يحيىليعلم انه لايعلا 


فقه أهل العراق وحديثهم re‏ 


ومن هذا القبيل كلامُه في أبي حنيفة في مرويّاته البالغة ی ابق فی 
ثلاث مثة حديث» وإنما تلك الأحاديتٌ من رواية اء بن جَعْفرٍ الّجيرمي وکل ما في 
تلك الأحاديث من المؤاخذات كلّهاء بالنظر إلى هذا الراوي الذي هو من مشايخ ابن 
عدي» ويُحاول ابن عدي أن يُلصِق ما للئجيرّمي إلى أبي حنيفة مباشرة» وهذا هو 
الظلم والعدوان» وهكذا باقي مؤاخذاته» وطريق اچ أمثاله النظرٌ في أسانيدهم. 


وأما العقيلي» فقد نقلنا كلمةً الذهبي فيه» في مقدمة «انتقاد المغني»» وسبق 
منا الكلام فيه أيفا" . 


وأما كتب البخاري في الرجال» فليس بوتها منه» كثبوت «الجامع الصحيح)» 
على أن النظر في أسانيدها هو الطريقٌ الوحيد» لتعرّفِ دخائلهاء فإذا رأيكه يروي عن 
يم بن حمّاد» تذگر قول الذولابيء وأبي الفتح الأزدي". وإذا رأيتّه يروي عن 


(۱) ونص ما قاله شيخنا رحمه الله تعالى في مقدمة «انتقاد المغني؟ للأستاذ حسام الدين القدسي 
ص۸ اوالغقيلي هن أكبر المتعكين في الجرح ٠٠‏ كني كثيرٌ الحكم بالنفي» وهذا ما حَمَل الذهبي 

بزانه» مع أنه كبير الدفاع عن الرواة من الحنابلة . 

يا ل۲ أتدري فيمن تتكلم؟! كأنك لا تدري أن كل واحد من 
هؤلاء أوثق منك بطبقات» بل وأوثق من ثقاتِ توردهم في كتابك. ..! 
ونْقَمّ عليه أن تكلم في ابن المديني» وصاحبه محمد» وشيخه عبد الرزاق» وعثمان بن 
أبي شيبة» وإبراهيم بن سعد» وعمّان» وأبان العطارء» وإسرائیل؛ وأزهر السمّانء» وبهز بن 
أسّد» وثابت البناني» وجرير بن عبد الحميد. وقال: لو ترك حديتُ هؤلاء لعلْقنا الباب وانقطع 
الخطاب» ولماتت الآثار. اه. 
و ای اء کین ن جال شین وأئمة الفقه وحَمَلة الآثار 

مما رَد بعضّها ابن عبد البر في «انتقائه». وکان من ينځ في بُو التعصب من الرواة يرون 

بكتابه فتناً! كما وقع لصاحب «الكمال» - عبد الغني المقدسي - في الموصل» كما ذكره سبط 
ابن الجوزي في «مرآة الزمان؛ ۸ c01:‏ والحافظ ابن رجب في «ذيل طبقات الحنابلةه ۲ e‏ 
على أنه كثيراً ما يتصحْفٌ اسم الرجل عليه» فيجِهَلّه ويرد حديئه! وربما يقول: لا يصح في 
هذا الباب شيء» بمجرد النظر إلى سَنَدٍ مخَلّق» وإن صح المتنُ بطريق أخرى» فيكون ظاهرُ 
کلامه مُوقِعاً في العّلط للآخذين به». انتهى. وتمامٌ كلام الذهبي أشد مما أورده شيخنا هناء 
فانظره في «الميزان؛ في ترجمة (علي بن المديني). 
قلت: ومن تاليف شيخنا الكوثري رحمه الله تعالى «نقدٌ كتاب الضعفاء للعُمَّيلي». ما يزال 
مخطوطاً. وانظر جملة مما تفاه العقيلي من الحديث فأخطأء في «المنار المنيف؛ لابن القيم وما 
علقته عليه في ص۱۱۲ و٣۱۲‏ و۱۲۹ و۰٣۱‏ و٤۱۳.‏ 

(۲) في ص۱۰۸. 

() وسيأتي كلامُهما فيه تعليقاً في المقطعين الأخيرين في ص۳۸٠.‏ 


1۳۹ فقه أهل العراق وحديثهم 


الخخيدي؛ تذگّر كلمةً محمد بن عبد الله بن عبد الحكم فيه" » وإذا وجدته يروي عن 
إسماعيل بن عَرعَرة» تبځث عنه في كتب الرجال مع الانتباه إلى انقطاع خبر 
الحميدي» وخبر إسماعيل". وهكذا تَفعَلّ في باقي الكتب. 

وأما كتاب ابن جِبّان في الرجال» فتنظرٌ حال مله في «معجم البلدان» لياقوت 
في (بُشت)» وقد قال الذهبي عن ابن حبان في ترجمة (أيوب بن عبد السلام) من 
«الميزان»: إنه صاحبُ تشنيع وتشغيب" . 

ولا تنس كلمة ابن الجوزي في «مناقب أحمد» في ابن المديني. 

وأما عبد الرحمن بن مهدي» ا ی كثيرَ التراجع» قال أبو 
المكي في «قوت القلوب»: : كان عبد الرحمن a BA ae‏ 
فيقول: هو صحيح»› وقد وجدتّه. وعن ابن أخته أنه قال: کان خالي قد خط على 
أحاديث» ثم صخح عليها بعد ذلك» وقرأتها عليه» فقلتٌ: قد كنت خططت عليها؟ 
فقال: نعم» ثم تفكرتٌ» فإذا أني إذا صَعَفتّها أسقطت عدالة ناقلهاء وإن جاءني بين 
يدي الله تعالی» وقال لي: لم أسقطت عدالتي؟ رأيئّني لم يكن لي حجة. راجع كلمة 
اليجلي في «سؤالات ابنه»» في ابن مهدي . 

وأما الخطيب البغدادي» فَتَدرْس أشعاره التي نقلها ابن الجوزي في «السهم 
المصيب» من خطه» ثم ما ذكره سبط ابن الجوزي في «مرآة الزمان» بشأنه“ حتى 
تعلم قيمةٌ كلامه في الجرح . 

وأما كتابُ «الجرح والتعديل؛ لابن أبي حاتم» فَبَعْدّ أن تَرَى فيه كلامّه في 
البخاري شيخ حُفاظ الأمة: «تركه أبو رُرعة› واا حاتما. تُعْلَمْ مبلعٌ تهوره» ری 


(۱) راجع «طبقات الشافعية» للسبكي ١‏ قال شيخنا المؤلف في «تأنيب الخطيب» ص٠٣‏ 
«والحُمّيدي شديد التعصب وقاع؟. 

(۲) قال شيخنا المؤلف الكوثري رحمه الله تعالى في «تأنيب الخطيب» ص۸٤‏ «وإسماعيل بن غرعرة 
هذا مجهول الصفة» لم يذكره أحد من أصحاب التواريخ التي اطلعنا عليهاء حتى البخاري لم 
یذکره في «تاريخه الكبير» مع أنه رَوى هذا الخبر المقطوعَ عنه». وانظر تمام كلامه هناك. 

(۳) وانظر لاستيفاء حال ابن حبان «الرفع والتكميل؛ لاإمام عبد الحي اللکنوي ص۱۷۷ ۔ ٠۷۹‏ 
وانظر «قواعد في علوم الحديث» لشيخنا ظفر أحمد التهانوي وما علقت عليه في الفصل السابع 
في المقطع - ٤‏ -. 

() راجع كلام ابن الجوزي في (الخطيب) من «نصب الرايةه ۱۳۹:۲ و۴۷٠.ء‏ 

() وانظر أيضاً «تأنيب الخطیب» ص١٠‏ - .٠١‏ 


فقه أهل العراق وحديثهم 1v‏ 


في قبول ما يقوله من الجروح» وفي أوائل ما علّقناه على «شروط الأئمة»“ فوائدٌ من 
الرامهرمزي في هذا الصدد. قال ابن معين: ريما نتكلّمُ في الرجل» وقد حط رحلَّه 
في دار النعيم من زمن بعيد! 

وكم اخَلّق إبراهيم بن بشار الرَمّادي على لسان 0 من الروايات“ وكم 
افتروا على مالك في هذا الصدد؟! كما يظهر من كلام أبي الوليد الباجي في «المنتقى 
شرح الموطأ» .٠٠٠:۷‏ 

وقال أبو الحسن بن القطان وغيرّه عن (الساجي): مُحتَلّفٌ فيه في الحديث» 
ضعَّفه قوم» ووتقه آخرون» بل تراه كثير الانفراد بمناكير الأخبار عن مجاهيل» كما 
تجد ذلك منه بكثرة في «تاريخ الخطيب». وقال أبو بكر الرازي في حديث (ذكاةٍ 
الجَين)» عند ذكره كلمة اتفرد بها الساجيى: إنه ليس بمأمون» ولا ثقة. فلا يكون 
كلامه في «العّل؛ و«الخلاف؟ موضع تعويل أصلاً. وتعصبه البارد مما لا يطاق. 

ومن تحامَلَ على أئمتناء إما راو جامد» لا ينتبه إلى دِقّة مَدارك أئمتنا في الفقه» 
فيطعن فيهم بمخالفة الحديث» وهو المخالِفٌ للحديث دونهم» أو زائمْ» صاحبُ 
بدعة» يَظنَ بهم أنهم على ضلال» وهو الضال المسكين. 

ومن الطعون ما يَسقطً به الطاعنٌ بأول نظرة» حيث يكون كلامُه ظاهِرًّ 
المجازفةء فإذا رأيتّه يقول مثلاً: «فلانٌ ما وَلِدَ في الإسلام أشأمٌ منه». لاحظتَ أنه لا 
شؤم في الإسلام» وأنه على تسليم وجوده في غير الثلاث الواردة في الحديث» لا 
تشك أن درجاتِ الشؤم تكون متصاعدة» فالحكمٌ على شخص بأنه أشأمٌ المشؤومين 
بغير نص من المعصوم: حُكمّْ غيبي يبرا منه أهلْ الدين» فمثل هذا الكلام يْسقَطٌ قاثله 
على تقدير ثبوته عنه» قبل إسقاط المقول فيه» فمسكين جداً من يسجل مثل هذا 
الهُراء في شأن الأئمة القادة . 


(1) يعني «شروط الأئمة الخمسة» للحازمي» ص۲۲ ۔ ۲۳. 

(۲) انظر بيان شيء من ذلك في «تأنيب الخطيب» لشيخنا الكوثري رحمه الله تعالى ص۸۲. 

(۳) هو: زكريا بن يحيى الساجي» انظر كلمة عنه في «تأنيب الخطيب» ص۱۸. 

)٤(‏ قال البخاري في كتابه «التاريخ الصغير؟ ص٤۷٠‏ : «حدثنا تّيم بن حمّاد» قال : حدثنا القزاري» 
قال: كنت عند سفيان فمِيّ التعمان - أي أبو حنيفة -» فقال: الحمد له» كان ينمض الإسلام 
عُروة عُروة! ما ولد في الإسلام أعأم من . انتھی 
قال بجا الزات الى حه افا ف فايب ات هة و۷۲ و١۱۱‏ تعقیباً 
على (قالّةٍ الشؤم) هذه: «لو كان هذا الخبرٌ ثبت عن سفيان الثوري لسقط بتللك الكلمة وحدها ‏ 


1۴۸ فقه أهل العراق وحديثهم 


وأما الطعنُّ في الرجل باعتبار أنه ليس من بلد الطاعن» أو ليس من قومه» أو 
ليس على مذهبه» فتعصَبٌ باردء يأباه أهلُ الدين» قال الشافعي في «الأم»: من أبعَّض 
الرجلٌ» لأنه من بني فلان» فهو متعصَبٌ» مردودٌ الشهادة. قال أبو طالب في «قوت 
القلوب»: وقد يتكلم بعض الحفًاظ بالإقدام» والجرأةء فيتجاوَرٌ الح في الجرح» 
ويتعدّى في اللفظ› ویکون المتكلْمٌ فيه فيه أفضلَ منه» وعند العلماء بالله تعالى أعلى 
درجة» فيعود الجر على الجارح» آھ. 


= في هوه الهرّى والمجازفة. ويكفي في رد هذا الخبر وجودٌ (نُعَيم بن حماد) في سنده» وأقل ما 
نه صاحب مناكير» متهم بوضع مثالب في أبي حنيفة. 

وقد ورَدّ: «لا شؤم في الإسلام» . وعلى فرض أن الشؤم يوجد في غير الثلاث الواردة في السنةء 
وأن آبا حنيفة شؤم! فمن أين له معرفةٌ أنه في أعلى درجات المشؤومين؟ فلا يتصور أن يَصدّرَ من 
سفيان الثوري مثلٌ هذه الكلمة المردية لقائلها قبل كل أحد. ومعرفة أشأم المشؤومين في هذه الأمة 
لا تكون إلا بوحي» وقد انقطع الوحيّ إلا وحيّ الشياطين! فلا حول ولا قوة إلا باله». انتهى . 
وأورد شيخنا العلامة ظَفّر أحمد التهانوي حفظه الله تعالى في كتابه «إنجاء الوطن» ۲۲:٠‏ (قالةٌ 
الشؤم) هذه ثم تعقبها بقوله: «قلت كَبْرّث كلمة تخرج من أفواههم! إن يقولون إلا كذباً. فوالله 
لم يولد في الإسلام بعد النبي 5ل واصحابه أيمنٌ وأسعد من النعمان أبي حيفة. ودلیل ذلك ما 
هو شاهدٌ من اندراسِ مذاهب الطاعنين عليه» وانتشارٍ مذهب أبي حنيفة » وازدیاه اشتهاراً ليلا 
ونهارأًء ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا حنيفة. 

وهذه الروايةء لا نهم بها البخاري» فإنه حدّث کما سمع؛ ولکن انهم بها شيخه (نُعَّيم بن 
حمّاد) فإنه وإن كان حافظاً للأحاديث» وتقه بعضهم» ولكن قال الحافظ أبو شر الدولابي: 
غيم يروي عن ابن المبارك» قال النسائي: ضعيف. وقال غيره: كان يصع الحديكٌ في تفوية 
السَنَة» وحكاياتِ في تُب أبي حنيفة» كلها كذب. 

وكذا قال أبو الفتح الأزدي: قالوا كان يض الحديت في تقوية السنة وحكاياتِ مزورة في تَلْب 
أبي حنيفة» كلها كذب. كذا في «تهذيب التهذيب» ٤٦۲ :٠١‏ ۔ »٤٦۳‏ وفي «المیزان» ۲٠۸: ٤‏ 
«قال العباس بن مصعب في «تاريخه» عَم بن حماد وَضْعٌ كنبا في الرد على الحنفية. اه. 
وإني وله أجل تُعيم بن حتاد عن نسبته إلى الوضع في الحديث النبوي» ولكن لا شك في 
كونه شديداً على الحنفية» متعصباً على إمامهم» فلا قبل قولّه ولا روایئه في حقه أبداً. 

ولو سلما صحة ما رواه» فسفيانٌ كان معاصراً لأبي حنيفة ومن أقرانه» وقد ورد عنه الثناء على 
الإمام أيضاً كما مَرَّ من قوله: كنا عند أبي حنيفة كالعصافير بين يدي البازء وأنه سيد العلماء. 
اه. ولما عرّاه الإمامٌ بموت أخيه قام له وأكرمه وأجلّه وأجاَسَةُ في مكانه» وقال لمن أنكر عليه 
ذلك: هذا رجل من العلم بمكانء إن لم أقم لعلمه آقومٌ ليته» وإن لم أقم لته أقوم لوَرَعِه» 
وإن لم أقم لورعه قمتٌ لفقهه. اه. 

وقد تقذّم نقلاً عن السبكي: أنه لا يلقت لكلام الثوري وغيره في أبي حنيفة» وابن 
وغيره في مالك» وابنِ معين في الشافعي. اه. لكونه ناشئاً من المعاصرة والمنافرة ونحوها. 
انتهی کلام شیخنا التهانوي حفظه الله تعالى ورعاه. 


آي اذب 


فقه أهل العراق وحديثهم 1۳۹ 
وفي ص۲٦‏ من «الاختلاف في اللفظ) لابن فنَيبة ما يكف النقاب عن وجوه 
مجازفاتهم باسم الجرح والتعديل» بعد محنة أحمد" . 


وقال ابن الجوزي في «التلبيس؟: ومن تلبيس إبليس على أصحاب الحديث قاح 
بعضهم في بعض» طلباً للتشفي» ويُخرجون ذلك مخرجً الجرح والتعديل الذي 


(۱) قال ابن قتيبة في كتابه «الاختلاف في اللفظ؛ ص٠٥‏ - ٠۲‏ و۲٠‏ «ثم انتهى بنا القول إلى غرضنا 
من هذا الكتاب» وغايينا من اختلاف أهل الحديث في اللفظ بالقرآن» وتشايئهم وإكفار بعضهم 
بعضاً. وليس ما اختلفوا فيه مما يقطع الألفة» ولا مما يوجب الوحشة» لأنهم مجمعون على 
أصل واحد وهو (القرآن کلام الله غير مخلوق). 
وإنما اختلفوا في فرع لم يفهموه لغموضه ولطف معناه» فتعلق كل فريق منهم بشعبةٍ منه» ولم 
يكن معهم آله التمييزء ولا فحص النظارين» ولا علمٌ أهل اللغة. . 
وكل من ادعى شيثاًء أو انتحل نحلة فهو يزعم أن الحق فيما ادعى» وفيما انتحل» خلا الواقف 
الشاك» فإنه يقر على نفسه بالخطاء لأنه يعلم أن الحق في أحد الأمرين اللذين وقف بينهماء 
وأنه لیس على واحد منهما. 
وقد بلي بالفريقين المستبصرٌ المسترشد» وبإعناتهم وإغلاظهم لمن خالفهم» وإكفاره وإكفارٍ من 
شك في كفره! فإنه ربما ورد الشيخ المصرَء فقعد للحديث» وهو من الأدب عُفْل ومن 
التمييز» ليس له من معاني العلم إلا تقادُمٌ سِّه» وأنه قد سمع ابنّ عيينة» وأبا معاوية» ويزيد بن 
هارون» وأشباههم» فيبدأونه قبل الكتاب بالمحنة. 
فالویلٌ له إن تلعثم» أو تمكث» أو سَعَّل» أو تنحنح» قبل أن يعطيهم ما يريدون» فيحمله 
الخو من قدحهم فيه وإسقاطهم له» على أن يعطيهم الرضاء فينكلم بغير علم» ويقول بغير 
فهم» فيتباعد من الله في المجلس الذي أمل أن يتقرب فيه منه. وإن كان ممن يَعقِدُ على 
مخالفتهم سام نفسّه إظهارّ ما يحبون» ليكتبوا عنه. 
وإن رأوا خَدَثاً مسترشداًء أو كهلاً متعلماً سألوه» فإن قال لهم: أنا أطلب حقيقة هذا الأمر» 
واسال عنه» ولم يصح لي شيء بعد - وإنما صَدقُهم عن نفسه» واعتذر بعذر الله يعلم صدقه» 
وعم يعلمون آنه لم يكلفه إذا لم يعلم إلا أن يَسأل ويبحث ليعلم کبوه اوآذوه» وقالرا: 
خبیتٌ فاهجروه ولا تقاعدوه! 
أفترى لو كان ما هم عليه من اعتقادهم هذا الأمر أصل التوحيد الذي لا يجوز للناس أن 
يجهلوه» وقد سمعوه من رسول اله ية مشافهة» أكان يجب أن يبلغ فيه هذه الغاية؟٠‏ انتهى 
مختصراً. 
وعلق عليه شيخنا الكوثري رحمه الله تعالى بقوله: «المصنّف - آي ابن قتيبة - شاهِدٌ عِيان فيما 
يحكي في هذا الباب» وهذا البحث من أجل أبحاث الكتاب» يدعو المتبصر إلى التثبت فيما 
يُررّى من الجروح في كتب الجرح والتعديل» بطريق رجال هذا العصر الذين أشار إليهم 
المصنف - ابن قتيبة -. وقد صَدَّق أبو طالب المكي حيث قال: وقد يتكلم بعض الحفاظ 
بالإقدام والجرأة فيجاوز الحد في الجرح» ويتعدى في اللفظ» ويكون المتكلم فيه أفضل منه» 
وعند العلماء بالله تعالى أعلى درجةء فيعود الجرح على الجارح اهه. 


Ee‏ فقه أهل العراق وحديثهم 
استعمله فُدَماء هذه الأمة» للب عن الشرع» والله أعلم بالمقاصد. ودليل حُبثِ هؤلاء 
سکوتُهم عمن أخّذوا عنه» اھ. 

والحاصلٌ أن كتب الجرح من أمثال ما سبّق» وأمثالِ تاريخ ابن أبي خيشمة» 
وكتاب «المدلّسين؛ للكرابيسي» لم دع من لم تغمز فيه» سواء أكان من الحفًاظء أم 
من الأئمة الفقهاء» بحيث يجد مثلٌ الصاحب بن عَبَّاد أكبر طعن في كبارِ الحفاظء 
وأحل,الخنيق ي تلك الب ويرلف دفي ذلك مرا اما رفذلك نحل بقن 
الفاتنين في أئمة الذين» فلا نود أن نتوسع هنا في البحث بأكثر من هذا. 

ومما يوْسَّفٌ له جداً استمرارٌ هذا التعصب المردود» على توالي القرونء وهذا 
الحافظ ابن حجر» تراه بسند في «لسان الميزان» في ترجمة (مَعْمّر بن شبيب بن 
شيبة): أنه سيوع المأمونَ يقول: «امتحنتٌُ الشافعيّ في كل شيء» فوجدّه كاملاًء وقد 
بقيّت حَصلَّة» وهو أن أسقِيّه من النبيذء ما يَعْلِْبُ على الرجل الجِيّد العقل» قال: 
فحذثني ثابتٌ الخادم أنه استّدعی به» فأعطاه رطلاًء فقال: يا أمير المؤمنين ما شربئه 
قط» فعرَمّ عليه» فشرِبه» ثم والی عليه عشرین طلا فا تد حقلء ولا زال عن 
حجُيه»! ثم قول ابن حجر: وك لا يخفى على من له أدنى معرفة بالتاريخ أنها 
کزب اھ. 

ثم تجدٌ ابن حجر يقول في «توالي التأبيس» ص٦٥:‏ «وقال مَعْمّر بن شبيب: 
سمعت المأمودً يقول: «امتحنت محمد بن إدريس الشافعي في كل شيء فوجدئه 
كاملا؛. مقتصِراً على هذا القدر من الحديث» مع أن الحكاية بأسرها مكذوبة» فكيف 
استساغ ابن حجر الاحتجاجَ بشطر الخبر المكذوب في إثبات منقبة للشافعي؟ وما ورد 
بسن واحد» إما أن يُرَدَ كلّه» أو يبل كلّه» وما فعله ابن حجر هنا هي الخيانة بعينهاء 
وکم سجُل عليه أب أصحابه | اليه من تعصّبات باردة ضد الحنفية وغيرهم في «الدرر 
الكامنة)» راجع - هوامشها - المنقولة من خط السخاوي» وليس هذا موضعَ بسط 
لسرد ما له من هذا القبيل . 

ومن هذا القبيل ما قاله في «توالي التأنيس» ص۷٤:‏ «ويَدُل على اشتهاره في 
المَدَماء ما أخرجه البيهقي من طريق أحمد بن عبد الرحمن». اه» وهو يعلمُ أن 
أحمد بن عبد الرحممن هو: ابن الجارود الرّقي الكذاب المشهور". ولا عُذرَ له في 
رواية البيهقي بطريقه» لأنه يعلم آنه لا يتقي رواية رحلة الشافعي الظاهرة الكذب»› 
بطريق أحمد بن موسى النجار عن عبد الله بن محمد البلّوي» كما فعل مل ذلك أبو 


(۱) وتقدم ذکره في ص۱۰۸. 


فقه آهل العراق وحديثهم ا 
نعیم الأصبهاني» وهما يعرفان جميعاً أن البلّوي كذاب» والنجَارٌ مثله» لكن قاتل الله 
التعصب» يفيك بالمتعصيين . 

قال الذهبي ف فى «الميزان» عن النجار هذا : يوان وخشيّ» قال او ا 
سهل الأموي» مخفا عبد این جحد الری: فذكر محنةٌ مكذوبة للشافعي» فضيحة 
لمن تدبرهاء اه. وهي الرَحلة التي كذّبها ابن حجر أيضاً في «مناقب الشافعي» ص١۷.‏ 

ومما يؤاحَدٌ عليه ابن حجر: ذكرّه البلوي في عِداد أصحاب الشافعي» واصفاً له 
أنه من الضعفاء فقط» مع أنه كذاب مشهور. 

وفى هذا القدر كفاية فيما نريد لَفْتَ النظر إليه هناء وصلى الله على سيدنا 
مك وآله وصحبه» وسلم تسليماً كثيرأًء وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. 


كتبه الفقير إلى آلاء مولاه» محمد زاهد بن الحسن بن علي الكوثري 
عفا الله عنهم» وعن مشايخهم» وقرابتهم» وسائر المسلمين 
في ۲ جمادى الآخرة سنة ٠٠١١۷‏ 


() ولقد توسع شيخنا المؤلف الكوثري رحمه اله تعالى في كثير من كتبه» غير مرة في تفنيد هذه 
الرحلة المكذوبة ورحلةٍ أخرى مثلها كذباًء وفي كشف حال ابن النجار والبَلّوي الكذابيْن» وفي 
نقد الاآبُري وأبي تُعَيم الأصفهاني والبيهقي الذين أخرجوا تلك الرحلة المكذوبة ساكتين عليها 
وهم يعلمون» وفي نقد اغترار أمثال ابن الجُوّيني والغزالي والفخر الرازي بها؛ إذ لا يدلهم 
بالمنقول وأحوال رجال النقل. وفي نقد اعتماد النووي في «المجموع؟ ۸:١‏ عليها وأنها في 
مصنف «مشهور مسموع؟ وقولِه في «تهذيب الأسماء واللغات» ٥۹:١‏ «وبعَّتٌ أبو يوسف 
القاضي إلى الشافعي . . . في حين أنه لم يجتمع بأبي يوسف أصلاً. .. إلى آخر ما في تلك 
الرحلة وشقيقتها من الأكاذيب الملفقة. 
انظر لتفنيد ذلك كله من كتب شيخنا رحمه الله تعالى: «إحقاق الحق بإبطال الباطل في مغيث 
الخلق» ص١٠‏ - ١١ء‏ وابلوغ الأماني؛ ص۲۸» و«حسن التقاضي» ص٤‏ - ۵۹ من طب ة 
حمص تحت عنوان (هل اجتمع الشافعي بأبي يوسف رضي اله عنهما). واتأنيب الخطيب» في 
مواضع متعددة. 

HHR 

قال الفقير إليه تعالى عبد الفتاح بن محمد بن بشير أبو غدة» أحسن الله حالّه ومالّه» وبلّغه مناه 
وآمالّه: فرغتٌ من تعليق هذا الكتاب وخدمته على الوجه الذي يسّره الله وأعان عليه - وله 
الفضل والينة - في مدينة بيروت ضحوة يوم الثلاثاء ۱١‏ من جمادی الأولى سنة ۳۹۰٠ء‏ والله 
المرجو أن يتقبله عملاً صالحاًء وينقع به» كما نفع بأصله كتاب شيخنا الإمام الكوثري رحمه 
الله تعالى وجزاه الله عن العلم والدين والعلماء خيراً. 
وأسأله سبحانه أن يغفر لنا ولوالدينا ومشايخناء وللمسلمين والمسلمات» إنه سميع مجيب 
الدعوات» والحمد له رب العالمين. 


احقاق احق 
اطا لاط زمغ کان 


الت 
1 او که وو زر وت 5 
إلامام رة سی راغلی کور ری 
E Yj EF]‏ 


بے اتر الک یط 


الحمد لله الذي يُحق الحق بباهر كلماته وإن كره المجرمون» ويْبطل الباطل 
بقاهر آياته مهما شاغب المبطلون. والصلاة والسلام على سيدنا محمد الأمين المأمون 
المبعوث في خير القرون» وعلى آله وأصحابه ما تعاقبت السنون. وبعد. 

فهذه رسالة سميتها «إحقاق الحق بإبطال الباطل في مغيث الخلق» أرد بها على 
كتيب يعزى إلى أبي المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني» ويسمى 
«مخيث الخلق في ترجيح القول الحق»» كان مثار فتن في منتصف القرن الخامس في 
خراسان وما والاهاء إلى أن اضطر مؤلفه إلى مغادرة تلك الجهات لينجو بنفسه من 
عاقبة ما زرعه من الفتن في بلاد آمنة مطمئنة» حتى قام مدة طويلة في الحرمين 
الشريفين» يؤم مدة في الحرم المكي» ومدة في الحرم المدني» فلقب بإمام الحرمين» 
ثم عاد إلى بلده بعد أن عادت المياه إلى مجاريهاء فأصبح هدا بكثير مما تقدم» 
وربما ندم على ما قدم» كما يستفاد مما ألفه من الكتب فيما بعد. 

لكن لم يخل تلميذه الخاص أبو حامد الغزالي من التأثر من منهج شيخه في 
مبداً أمره» فأساء إلى نفسه في مقتبل عمره“ 
دهره» وكان الفخر الرازي ثالثة الأثافي فيما ألّف باسم «مناقب الإمام الشافعي» 
رضي الله عنه؛ حيث ضمنه من الأباطيل ما يزيد في الطين بلّة» بل سعى في نقل بلد 
بأاسره من مذهب إلى مذهب بتأليفه «الطريقة البهائيةا"" باللغة الفارسية. ٠‏ 


؛ حيث دون في هذا الصدد ما هو سبة 


(۱) وکان ذلك في عهد شبابه» ولقي جزاء علمه هذا حيث اتهمه أهل مذهبه بالزندقة. فكاد أن 
يقتل لولا سعي بعض الحنفية عند الأمير سنجر السلجوقي - وإلى خراسان بعد عهد والده 
ملکشاه - في تخلیصه» كما ذكره شمس الأئمة الكردي. ثم تاب وأناب وحسن رأيه في 
أبي حنيفة عند تأليفه الإحياء. عفا الله عما سلف . 

() شاع استعمال الطريقة في كتب الجدل عند الأقدمين» فيقال الطريقة العميدية والطريقة الرضوية 
والطريقة الحصيرية» والطريقة البهائية» فتنسب إلى مؤلفهاء أو إلى من ألفت له» كالأمير 
بهاء الدين هنا. وهي التي يسميها بعضهم بالبراهين البهائية. 


\fo 


5 إحقاق الحق بإبطال الباطل في مغيث الخلق 


وقد رذ الأصحاب على كل تلك الكتب بحيث لا تقوم لها قائمة بعد تلك 
الردودء وإن قاست الأمة عواقب ذلك التخاذل والتصاول. 

والإمام الشافعي رضي الله عنه» قد تبوأً من قلوب الأمة مكانه الجدير به منذ 
قدیم» حيث تقاسم هو وباقي الأئمة الأمة المحمدية مدى القرون حتى أصبح ثالث 
الأئمة المتبوعين رضي الله عنهم أجمعين. وله من المناقب الجليلة ما لا يحوج إلى 
اختلاق أکاذيب في رفع منزلته» فإمام الحرمين والغزالي والرازي لا يتعمدون الكذب 
فيما يكتبون - فيما أرى -» لكن من جهل أدلة الأحكام في المسائل الخلافية» وبعد 
عن معرفة الحديث والتاريخ» وما إلى ذلك من العلوم التي لا بد من معرفتها لمن 
يريد السباق في هذا الميدانء إذا خاض في مثل هذا المطلب تعويلاً على يده في 
النظر فقط» هاج وماج ظناً بالأخبار الكاذبة أنها صادقة» وفضح نفسه بسوقه الأكاذيب 
والتقاطه الساقطات» فيهوي في هوة الجهل والخذلان» فيصدق فيه المثل «على نفسها 
جنت براقش». 

ولست أسلك فيما أكتب من الرد على ابن الجويني مسلك العلامة نوح القونوي 
في كتابه «الكلمات الشريفة في تنزيه أبي حنيفة عن الترهات السخيفة» من التلطف 
البالغ في الرد على الكتاب المذكور» وإنكار نسبة الكتاب إلى إمام الحرمين بعد أن 
شغل مكانه من التاريخ على تعاقب القرون» ولا أتنحى منتحى العلامة على القارىء 
في كتابه «تشيبع الفقهاء لتشنيع السفهاء» من القسوة المتناهية مع تصحيح نسبة الكتاب 
إليه» بل أسلك فيما أكتب إن شاء الله تعالى منهجاً وسطاً بين التلطف والقسوة على 
قدر ما يستوجبه الكلام الذي أرد عليه من جهة بُعده عن الحق وقربه مئه. كائلاً له 
بکیله في غير ضعف ولا عنف. ولولا أن الكتاب طبعت منه آلاف ووزعت في المدن 
والأرياف مع إعادة طبع كتاب الرازي لجاز إهماله حتى مع استمرار اطلاع الجمهور 
على صلاة تعزى إلى القفال المروزي في ترجمة يمين الدولة محمود بن سبكتكين في 
وفيات الأعيان المتداولة بأيدي الجمهور» لكن السكوت على تعاقب مسعى الفاتنين 
يكون جريمة لا تغتفر. 

فأكتب بتوفيق الله سبحانه ما يعيد الحق إلى نصابه» وأكتفي فيما أكتب بالكلام 
في الجليات التي هي أقرب إلى فضح دخيلة المؤلف» والكشف عن مبلغ جهله فيما 
يعانيه. وأما المسائل الخلافية الفرعية التي يتكلم هو عنهاء فإنما يتكلم عنها بمعيار 
عقله وميزان رأيه بدون أن يتعرض لأدلتها الشرعية من الكتاب والسنة ومدارك الفقهاءء 
فإذا سلكت طريق الرد عليه في ذلك كله طال الكلام بدون حاجة» على أن شمس 


إحقاق الحق بإبطال الباطل في مغيث الخلق 14۷ 


الأئمة الكردري لم يدع قولاً لقائل في تلك المسائل في كتابه المسمى «الرد على 
الطاعن المعثار والانتصار لسيد فقهاء الأمصار»“ حيث رة على نخالة «المنخول» لأبي 
حامد أجلى رد» وفي ضمنه مسائل مغيث الخلق» فلا داعي إلى نقل ما فيه مما 
يتمحض للرد على صاحب المغيث . 

وكذلك فعل الإمام البارع قاضي القضاة وشارح الهداية ومؤلف زبدة الأحكام 
في اختلاف الأئمة الأعلام سراج الدين عمر بن إسحاق الغزنوي المتوفى بمصر سنة 
(ه) حيث وفى الرد حقه في كتابه «العزة المنيفة في ترجيح مذهب أبي حنيفة“ 
الذي ترجم به «الطريقة البهائية» للرازي» ورد على مسائلها بأدلة ناهضة تُرجع الحق 
إلى نصابه. وهو مما يجب الاطلاع عليه لمن يعنى بهذه المباحث لسعة دائرة بحث 
مؤلفه المعروف ببالغ الذكاء» بل في الكتب المبسوطة في المذهب ما يغني عن تعقب 
مسائله خطوة فخطوةء فأكتفي بما يكفي في هتك الستر عن مسعى المؤلف. 

ومؤلف الكتاب على جلالة قدره بين الشافعية وكثرة مؤلفاته في الفقه وأصوله لا 
خبرة له بالحديث مطلقاًء حتى تراه يقول في «البرهان» أن حديث معاذ في اجتهاد 
الرأي مخرج في الصحاح وهذا خلاف الواقع» لأنه لم يخرج في أحد من الصحاح» 
وإن كان الحديث صحيحا عند الفقهاء على الطريقة التي شرحتها فيما علقت على 
«النبذ» لابن حزم 

ثم هو لم يذكر في «نهاية المطلب في دراية المذهب» التي هي أضخم مؤلفاته 
حديثاً واحداً ينسبه إلى البخاري إلا حديث الجهر بالبسملة» وليس هو في البخاري» 
كما أشار إلى هذا وذاك ابن تيمية والذهبي تشهيراً له بجهله في الحديث» بل قال أبو 
شامة المقدسي في «المؤمل» عند ذكره استدلال أهل مذهبه بالأحاديث الضعيفة› 
وتصرفهم في الأحاديث نقصاً وزيادة: «وما أكثره في كتب أبي المعالي وصاحبه أبي 
حامد» وهما - كما ترى - مضرب مثل عند أبي شامة في الجهل بالحديث. 

ويذكرنا هذا ما قاله ابن الجويني حينما غلبه غلبة فخر الإسلام البزدوي في 
مناظرة: «إن المعاني قد تيسرت لأصحاب أبي حنيفة لكن لا ممارسة لهم بالحديث». 
يعني كأن له شأناً في الحديث وإن أصبح مغلوباً في النظر وهذا ما يتسلى به 
المفلسون. 


(1) منه نسخ في دار الكتب المصرية . 
() بمكتبة شيخ الإسلام في المدينة المنورة. 


16۸ إحقاق الحق بإبطال الباطل في مغيث الخلق 


فإذا كان حال ابن الجويني والخزالي هكذاء فماذا يكون حال الفخر الرازي في 
ذلك؟ فلا يكون هؤلاء من رجال هذا الميدان - كما سيظهر ذلك بأجلى من هذا في 
مناقشاتنا معه - ولسنا ننكر أن لإمام الحرمين فضلاً جسيماً في مؤلفاته في علم أصول 
الين: وهو إمام من أئمة هذا العلم» ومع ذلك له وهلة فظيعة أتعبت مدافعيه في 
الجواب عنها» وهي مسألة علم الله بالمحدثات المتجددة. وصيغته مما لا يصدر ممن 
يعرف الله سبحانه. وقد أطال التاج ابن السبكي في الإجابة عنها بما لم يقتنع هو به 
فضلاً عن أن يقنع الآخرين» وعلى كل حال هي غلطة خطرة نسأل الله الصون. وهذا 
أوان الشروع في الرد التفصيلي ومن الله التوفيق والتسديد. 


HER oF 


قال ابن الجويني في مفتتح كتابه : 

(الحمد لله الذي خص من شاء من الأنام بإعلام الأدلة والأعلام» ووفقهم 
لمعرفة قواعد الأحكام» وسهّل لهم سبيل الأدلة على تفاصيل الحلال والحرام» ثم 
اختار من علماء الدين وفقهاء اليقين من هو خير أحبار الأمة وسيد كبار الأئمة أبا 
عبد الله محمد بن إدريس. . . الشافعي رضي الله عنه» وجعل مذهبه أحسن المذاهب 
ومطلبه أقصد المطالب بشهادة سيد المرسلين» وخاتم النبيين محمد المصطفى بلا 
وعلى آله وصحبه أجمعين بقوله: «الأئمة من قريش» وبقوله: («قدموا قريشاً ولا 
تقدموها»). 

أقول: الموصول في صدر الكلام مع صلاته المتعاطفة يدل على المحمود عليه» 
فالواجب على الحامد في مثل هذا الموضع أن لا يذكر إلا ما هو مجزوم به Yb‏ 
يكون غير حامد له تعالى. والذي اختار الشافعي هو المؤلف» ولا دليل على أن 
الله تعالی اختاره فیکون هذا رجماً بالغیب. 

ثم قوله: (من هو خير أحبار الأمة وسيد كبار الأئمة) ما هو إلا مجازفة إن كان 
يريد الاستغراق الحقيقي» ويأبى السياق أن يكون الاستغراق عرفياً على أن يكون خير 
أحبار الأمة وسيد كبار الأئمة من أهل طبقته فقط . 

ثم قوله: (وجعل مذهبه أحسن المذاهب) إن كان يريد به أن الله جعل مذهب 
الشافعي أحسن المذاهب في نظر المؤلف» فلا يجدي ذلك نفعاً فيما يحاوله. وإن 
كان يريد أنه ثعالى جعلة أحسن المذاهب في تقس الأمر» فلا يكون هذا إلا قولاً 
بالتشهي بدون دليل . 

وقوله: (بشهادة سيد المرسلين. .. بقوله الأئمة من قريش» وبقوله قدموا قريشاً 
ولا تقدموها) تقويل وإشهاد لسيد المرسلين بما لم يشهد به نصاً» وتحريف للكلم عن 
مواضعه؛ لأن المعروف في عهد النبي صلوات الله عليه من معنى الإمام هو القدوة 


5 إحقاق الحق بإبطال الباطل في مغيث الخلق 
مطلقاً أو الخليفة أو الإمام في الصلاةء واستعماله في القدوة في المسائل الظنية 
الاجتهادية فقط اصطلاح محدث لا يسوغ حمل لفظ الرسول عليه السلام على ذلك 
المعنى المستحدث» ولو جاز ذلك لفسد المعنى على تقديري حمله على المعنى 
الأعم أو المعنى الأخص: لأنه لم يقل أحد أن إمامة غير القرشي في الصلاة غير 
جائزة» ولا أن غير القرشي لا يكون قدوة في شيء مطلقاً. وأما إذا خص الإمام في 
الحديث بالمعنى المستحدث» فيكون في هذا الرأي إبطال إمامة كل إمام سوى 
الشافعي؛ لأن مالكاً غير قرشي» وكذا أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد بن الحسن 
وأحمد بن حنبل وأبو نور والمزني وداود وابن جرير وابن حزم وغيرهم» لأنهم ليسوا 
من قريش» بل الشافعي أيضاً ليس بقرشي في بعض الروايات"“ عند مسعود بن شيبة 
0( ومن دأب أهل العلم آن لا يفتخروا بأنسابهم ذاکرین قوله تعالی: یی یح فی سور 5 ناب 
تهر وهر ا شای @+ [المؤمنون: ]٠١١‏ وأن لا يناقشوا الناس في أنسابهم اتماناً لهم 
عليها ما لم يحاولوا جر مغنم بهاء فإذ ذاك يطالبونهم بحجة شرعية تثبت نسبهم» والنسب ليس 
بمكتسب والمرء إنما يوجه إليه المدح أو القدح بما كببت يمينه» ولم نر أحداً قبل زكريا 
الساجي رفع نسب شافع إلى عبد مناف» والساجي مما تكلم فيهم الناس كما ذكره الجصاص 
وابن القطان» وقد توارد الناس على سوق هذا النسب» إلا أن اختلاف الروايات في مسقط 
رأس الإمام الشافعي رحمه الله هل هو غزة أم عسقلان أم الرملة أم اليمن؟ وعدم ذكر ترجمة 
لوالديه ولا تاريخ لوفاتهما في كتب الثقات مما يدعو إلى التثبت في الأمر» وحديث الشافعي 
في مجلس الرشيد مما لا يعول عليه لما في السند والمتن من الاضطراب والمآخذء وعد شافع 
صحابياً أول من ذكره هو أبو الطيب الطبري - صديق أبي العلاء المعري - بدون سند» وفي 
رواية إياس بن معاوية عند الحاكم ذكر ابن للسائب غير مسمى فجعله بعضهم شافعاً» وأول من 
عد السائب صحابياً من مسلمة بدر هو الخطيب في تاريخه بدون سند. ولم يذكرهما ابن 
عبد البر في الاستيعاب في عداد الصحابةء وربما يعذرنا إخواننا الشافعية إذا تروينا في قبول ما 
سطره أمثال الساجي والحاكم وأبي الطيب والبيهقي والخطيب لما بلونا في رواياتهم من المآخذ 
ورواية الحاكم عن أحمد بن سلمة ليس سندها بذاك القوي. والأكثرون على أنه قرشي بدون 
تعرض لكونه صليباً أو غير صليب فيهم» قال فخر الدين الرازي في «مناقب الشافعي» 
رضي الله عنه (ص٥): OL LOR TOT‏ 
أن نسب الشافعي رضي الله عنه من قريش بل يزعمون أن شافعاً كان مولى لأبي لهب» فطلب 
من عمران يجعله من موالي قرش فامتنع فطلب من عثمان ذلك ففعل؟ اه٠‏ ثم آوسعه سبًا 
وشتماًء والجرجاني هذا هو: أبو عبد الله محمد بن يحيى بن مهدي والجرجاني صاحب 
المؤلفات الممتعة وله ترجمة عند ابن الجوزي في المنتظم وبه تخرّج الام أبو الحسين 
القدوري. وينقل منه كثيراً ابن الصباغ الشافعي في الشامل بل تراه يتابعه في بعض آرائه. وهو 
معروف في بيثات العلم بالورع والسعة في العلم ومثله لا يقابل بالسبء ولو علم الرازي منزلته 
في العلم والورع لسلك في الرد عليه منهجاً آخر على أنه يقول: «يزعمون» وهذا يدل على أنه = 


إحقاق الحق بإبطال الباطل في مغيث الخلق 11 


وغيره» فظهر أن تمسك المصنف بالحديث المذكور قيما يحاول أن يستدل به عليه 
باطل مردود. ثم لو سألناه عن الحجة في صحة الحديثين لضاقت عليه الأرض بما 
رحبت بالنظر إلى حالته في معرفة الحديث» وسيأتي الكلام في الحديثين إن شاء الله 
تغال 


وقال في (ص٤۱):‏ 

(يجب على العامي حتماً أن يعين مذهباً من هذه المذاهب» إما مذهب الشافعي 
رضي الله عنه» في جميع الوقائع والفروع» وإما مذهب مالك» أو مذهب أبي حنيفة 
أو غيرهم رضوان الله عليهم» وليس له أن ينتحل مذهب الشافعي في بعض ما يهواه 
ومذهب أبي حنيفة في باقي ما يرضاه). 

أقول: هذا اعتراف منه بإمامة الأئمة المتبوعين» وهو ينافي القصر المستفاد من 
حديث «الأئمة من قريش» على ما يريد أن يفهمه ابن الجويني من لفظ «الإمام» كما 
يناقض قوله (ص١٠):‏ (ويجب على كافة العاقلين وعامة المسلمين» شرقاً وغرباًء 
بُعداً وقرباً ا انتحال مذهب الشافعي) على أن وجوب اتباع ج جميع المكلفين شرقاً وغرباً 
لشخص لا يتصور إلا إذا كان ذلك الشخص نبياً مرسلاً» فجعل ابن الجويني ما 
للرسول با لإمامه» وهذا مما لا يصدر ممن يعي ما يقول! أليس إمامه مجتهداً 
يخطىء ويصيب؟ فكيف يرفعه إلى مقام العصمة؟ نسأل الله الحفظ . 

ثم إنك ترى المصنف يوجب تقليد الشافعي على جميع المسلمين شرقاً وغرباً 
مع أن إمامه ينهى عن تقليد نفسه كما في مفتتح مختصر المزني» فبذلك أصبح 
المصنف خارجاً على مذهب إمامه» داعياً إلى خلاف مذهبه من غير أن يعرف ما هو 
مذهب إمامه. وهكذا التعصب يوقع صاحبه في مهازل. 

ولا يصح القول بوجوب اتباع مجتهد واحد معين على المسلمين كافة إلا على 
رأي من يقول بتأثيم المجتهد المخطىء بعد العلم بيقين من هو المجتهد المخطىء في 
كل المسائل؟ وتأثيم المجتهد المخطىء مذهب إبراهيم بن علية وبشر بن غياث 


E = 

باب الاجتهاد على النسب بل على العلم والورع. قال الله تعالی: 5ل ڪرم عند اش 

نگ [الحجرات : ۳ وقال کل : ER E‏ 

ولا يزال عهد المصطفى إلى أمته صلوات الله وسلامه عليه في حجة الوداع يرن في الأسماع 
لمن ألقى السمع وهو شهيد. 


10۲ إحقاق الحق بإبطال الباطل في مغيث الخلق 


وغيرهما من المبتدعة. وينم كلام المصنف في كثير من المواضع عن ميله إلى هذا 
الرأي المناقض للسنةء وإلا لما ردد الأمر بين الحق والباطل في (ص٠۲).‏ ثم إيجابه 
اتباع المسلمين كافة لإمام خاص مخالف للإجماع ولمدارك الأصوليين» قال الشهاب 
أحمد بن إدريس القرافي في شرح تنقيح الفصول: «انعقد الإجماع على أن من أسلم 
فله أن يقلد من شاء من العلماء بغير حجرء وأجمع الصحابة رضوان الله عليهم على 
أن من استفتى أبا بكر وعمر رضي الله عنهما أو قلدهما فله أن يستفتي أبا هريرة 
ومعاذ بن جبل وغيرهماء ويعمل بقولهما من غير نکير» فمن ادعی رفع هذين 
الإجماعين فعليه الدليل» اه يريد به الرد على المصنف» حيث إن من حكم هذين 
الإجماعين أن تكون الناس في سعة من أتباع أي واحد من الأئمة المتبوعين لأسباب 
ترجيح تلوح لهم من غير وجوب اتباع واحد معين منهم على كافة المسلمين كما يزعم 
المصنف . 


وقال في (ص٩۱):‏ 

(أصول الصحابة لم تكن كافية لعامة الوقائع؛ ولذا كان المستفتي في عهد 
الصحابة مخيّراً في الأخذ بقول الصديق في مسألة وبقول الفاروق في أخرى بخلاف 
عهد الأئمة» فإن أصولهم كافية) . 

أقول: هذه الفلتة منه مستغنية عن الإفاضة في التعليق» لأن معنى عدم كفاية 
أصول الصحابة رضي الله عنهم» أنه ليس عندهم ما يبنون عليه جواب المسائل» 
فيستلزم هذا عدم جواز أن يفتواء لا تخيير المستفتي في الأخذ عمن شاء منهمء لأن 
القول بعدم كفاية أصولهم تجهيل لهم» وسوء أدب نحوهم» وقلة معرفة بأحوالهم» 
وإلى الله نبرأ من ذلك كله على أنا نعلم أن أبا حنيفة توقف في مسائل» وأن مالكاً 
كان عسراً في الجواب» بل كان كثيراً ما يقول في مسائل: «لا أدري» وأن الشافعي 
كان يقول في كثير من المسائل: «فيه قولان» ويقول في مسائل: إن صح الحديث 
فيها أقول بها» ولم يخل ذلك بإمامتهم عند الأمة إذ ليس علم كل شيء إلى البشرء 
وكفى للمرء أن يسكت عما لا يعلم» فما جاز في عهد الصحابة من تخيير المستفتي 
بشرط عدم تتبعه الرخص - يجوز فيمن بعدهم بالأولى» فتصور كفاية أصول الأئمة 
بخلاف أصول الصحابة إخسار في الميزان» وإيغال في الهذيان» فلو راعى جانب 
الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين لتهيّب مقامهم» وقال ما قاله عصريه الإمام آيق 
إسحاق الشيرازي في طبقات الفقهاء عند ذكر فقهاء الصحابة من أن أكثر الصحابة كانوا 


إحقاق الحق بإبطال الباطل في مغيث الخلق 1r‏ 


فقهاء عرفوا معنى كل من القرآن وحديث الرسول يي وفهموا مبهمه وفحواه وأفعاله 
عليه السلام وهي التي فعلها من العبادات والمعاملات»ء والسير والسياسات» وقد 
شاهدوا ذلك كله وعرفوه وتكرر عليهم وبحروه إلى آخر ما ذكره في فقهاء الصحابة» 
أفي مثلهم يقال ما قاله المصنف؟ ثم قوله هنا إن أصول الأئمة كافية» ينافي ما سيأتي 
مله في (ص٤):‏ (أصول أبي حنيفة أبعد عن الوفاء من أصول الشافعي» فإنه أول من 
أبدع ترتیب الأصول - أي في مذهبه -). 

هكذا ترى المؤلف يكيل بكيلين في الموضعين . 
وقال في ( ص۱۸ - ۲۱): 

(أبو حنيفة استغرق عمره في وضع المسائل» فلم يتفرغ إلى النخل والتمييز» بل 
أدركته المنية قبل أن يتفرغ إلى ذلك؛ ولذا كان أبو يوسف ومحمد يخالفاه في مسائل 
عدة» ونخلا وميزا الصحيح من الفاسدء ولذا رجع أبو يوسف في مسألة الوقف حيث 
أنكر أبو حنيفة الوقف» وقال لا أصل للوقف وإنما هو وصية» ويلزم بقضاء القاضي . 
وكذا الصاع حيث خالف الشافعي في أن الصاع أربعة أمداد كل مد رطل وثلث 
بالعراقي»! وحيث قال بإفراد الإقامة» وخالف أبا حنيفة» فحضر الشافعي وأبو يوسف 
والرشيد في مدينة النبي ب وكان ثمة مالك في الأحياءء قاراد أبو يوسف آن يتكلم 
مع الشافعي بين يدي مالك والرشيد في مسألة من المسائل فتكلموا في هذه المسائل 
الثلاث فأمر الشافعي بإحضار أولاد بلال الحبشي وأبي سعيد الخدري وسائر مؤذني 
رسول الله إل فقال: كيف تلقيتم الأذان والإقامة من آبائكم؟!ء فقالوا: الأذان مثنى 
مثنی بالترجيع» والإقامة فرادی فرادی» هكذا تلقیناه من آبائناء وآبائنا من أسلافنا 
وأجدادنا وهلم جراً إلى زمن رسول الله بء وكذا أمر بإحضار الصيعان» فقالوا: من 
آبائنا وأسلافنا إلى زمن النبي يية. وكان مقداره ما هو مذهب الشافعي ومالك. 
وخرجوا إلى الصحراء مع هارون الرشيد ومر الشافعي رضي الله عنه بأرض فقال: 
لمن هذه؟ فقالوا: هذا وقف الصديق وقفه على الفقراءء وهذا وقف الفاروق»ء وهذا 
وقف ذي النورين» وهذا وقف المرتضى» وهذا وقف فلان وفلان» فقال الشافعي 
رضي الله عنه : هذا الذي تتكلم فيه ليس بوضع من تلقاء أنفسنا وإنما يجب علينا اتباع 
النبي ا وهكذا كان في زمن النبي ب وزمن الصحابة» فأي المذهبين أحق بالحق 
يا أمير المؤمنين؟ فقال: أحقهما ما يوافق سنة النبي يي فرجع أبو يوسف إلى قول 
الشافعي. . .). 


14 إحقاق الحق بإبطال الباطل في مغيث الخلق 

آقول: فيه شقان وكلاهما باطل : 

فالأول: اشتغال أبي حنيفة طول عمره بتفريع المسائل وإدراك المنية له قبل أن 

والثاني : اجتماع أبي يوسف مع الشافعي في مجلس الرشيد» واتباع بي يوسف 
للشافعي في الوقف والإقامة والصاع . 

أما وجه بطلان الأول: فإن كثرة الاشتغال بالتفريع مما يزيد بصيرة في المسائل» 
وابن الجويني عكس الأمر» على أن أبا حنيفة ما كان يأمر بتسجيل المسائل إلا بعد 
بحثها من كل ناحية في مجمع فقهي يرأسه هو - وعلمه باللغة علم من نشا في مهد 
العلوم العربية بذكائه المعروف» وحفظه للكتاب حفظ من يتلوه ختماً في ركعة» 
ومعرفته بالحديث معرفة من قرب عهده من المصطفى صلوات الله وسلامه عليه 
ومعرفته بمسائل الاتفاق والاختلاف معرفة من طالت مدارسته الفقه مع فقهاء الصدر 
الأول - وأركان ذلك المجمع اختصاصيون في علوم الاجتهاد. 

قال الخطيب في تاريخه :)۲٤۷ - ٠١(‏ «أخبرني الخلال» أخبرنا الحريري 
علي بن عمرو: أن علي بن محمد النخعي حدثهم قال: حدثنا نجيح - يعني ابن 
إبراهيم - حدثنا ابن كرامة قال: كنا عند وكيع يوماً فقال رجل: أخطأً أبو حنيفة. فقال 
وكيع : كيف يقدر أبو حنيفة يخطىء ومعه مثل أبي يوسف وزفر في قياسهما» ومثل 
يحي ٻڻ آبي زائدة وحفص بن غياث وحبان ومندل في حفظهم الحديث» والقاسم 
ابن معن في معرفته باللغة العربية» وداود الطائي وفضيل بن عياض في زهدهما 
وورعهما؟! من کان هؤلاء جلساؤه لم يکد یخطیء لأنه إن أخطأً ردوه ١ا.ه.‏ ويليه 
قول أبي حنيفة : «أصحابنا هؤلاء ستة وثلاثون رجلاً. . .“ إلى آخر ما هناك. 


وقد سقت الأسانيد في كيان هذا المجمع الفقهي بطريق الطحاوي في اتقدمة 
نصب الراية» ولو لم يطل عمر أبي حنيفة» ولم يكن له سعة ذات اليد واستبد 
ببحوثه» ولم تكن عنده يقظة بالغة باعتراف الخصوم لكان يترنح في خمس سنوات 
تعقبها خمس سنوات في قدیم وجدید بحیث يلع أصحابه في اضطراب» فأصبح ابن 
الجويني بهذا الكلام يرتب على الشيء ضد مقتضاه. 


(1) ورث أبو حنيفة من أبيه مبلغ مائتي ألف دينار» صرفه في العلم كما ذكره مسعود بن شيبة 
السندي. 


إحقاق الحق بإبطال الباطل في مغيث الخلق 16 

وأما وجه بطلان الثاني: فما ثبت بين النقاد من أن الشافعي لم يجتمع بالرشيد 
إلا بعد وفاة أبي يوسف» وقال السخاوي في المقاصد الحسنة (ص۲۲۲): «وكذلك 
ما ذكر من أن الشافعي اجتمع بأبي يوسف عند الرشيد باطل» فلم يجتمع الشافعي 
بالرشيد إلا بعد موت أبي يوسف»» فيذهب قول ابن الجويني هنا وفي المستظهري 
دراج الرياح. وللنووي أغلاط مكشوفة في «المجموع؟ وفي اتهذيب الأسماء» ليس 
هذا موضع شرحها. 

ثم إن الشافعي كان غير طائل في عهد أبي يوسف» وإنما ارتفع شأنه بعد أن 
حمل إلى العراق سنة (١۸٠ه)‏ وتلقى من محمد بن الحسن حمل بختي من العلم» 
حتى تمكن من الموازنة بين فقه أهل الحجاز وفقه أهل العراق» واشتق منهما قديمه 
فقام بنشره سنة (١۹٠ه)‏ بعد وفاة محمد بست سنوات» ولم يستمر عليه إلا خمس 
سنوات» ثم عسله وجدّ جديده بمصر» وعليه انتقل إلى رحمة الله سنة )۲٠٤(‏ فيكون 
القول برجوع أبي يوسف إلى قول الشافعي الذي لم يكن له قول ومذهب في عهد أبي 
يوسف تخريفاً مضاعفاً. 

وأما مسألة الوقف: فكان عبد الرحمن بن أبي ليلى وابنه محمد القاضي 
والحسن بن صالح يقولون بصحة الوقف على أي وجه كان» وبأي لفظ صدر» وهم 
من أئمة العراق» وهذا هو اختيار أبي يوسف بعد أن رأى أوقاف الصحابة في البصرة 
وسمع من إسماعيل بن علية حديث عمر في الوقف» ولا شأن للشافعي في ذلك 
مطلقاًء ولا مانع من أن يجري بين أبي يوسف ومالك كلام في هذا الصدد لأنهما كانا 
يتذاكران العلم عندما يتلاقيان في المدينة المنورة. وأما أبو حنيفة فإنه يقول بجوار 
الوقف إلا أن المالك إذا وقف على الأغنياء له أن يرجع فيه ويجعله كالوصية إن أراد 
الورثة ذلك إلا أن يتصل به حكم حاكم. وأما وقف النبي بء والخلفاء من بعده 
ففعلهم حکم لازم» وشرع بن فلا يحتاج إلى حكم حاكم آخر. 

قال ابن أبي العوام الحافظ في ترجمة أبي يوسف: قال لنا أبو جعفر» حكى 
عيسى بن أبان» أن أبا يوسف لما قدم بغداد من الكوفة كان على قول أبي حنيفة في 
بيع الأوقاف حتى حدثه إسماعيل بن علية عن ابن عون عن نافع عن ابن عمر في 
صدقة عمر لسهامه من خيبر»ء فقال: هذا مما لا يسع خلافه» ولو تناهى هذا إلى 
أبي حنيفة لقال به ولما خالفه. ثم ذكر عن بكار بن قتيبة رؤية أبي يوسف أوقاف 
الصحابة بالبصرة وغيرها حتى تغير رأيه في الوقف. فلا يمكن أن يكون للشافعي شأن 
فيه مطلقاً بل الشافعي تجده بعد بلوغه رتبة الاجتهاد كثير الاتباع في المسائل لأبي 


101 إحقاق الحق بإبطال الباطل في مغيث الخلق 


يوسف ومحمد بن الحسن كما لا يخفى على من درس مذاهبهم. وجعل المتقدم تابعاً 
للمتأخر من انتكاس في الفهم وارتكاس في الوهم. 
وأما الصاع فهو صاع سعيد بن العاص نقصه من عيار الصاع الذي كان في زمن 
ایج يا وجعله خمسة أرطال وثلثاًء وألزم الناس بالمعاملة به» وهذد من استعمل 
غيره» وضرب جماعة وحبسهم وتوارثه الناس وفيه يقول الشاعر: 
قد جات ااج رجاسميةه قهن قي الصاع ولا يزيد 


وکان ذلك في أول إمرة معاوية» ولما ولي أبو جعفر المنصور الخلافة تحرّى 
صاع عمر الذي كان بالعراق فأخبره جماعة من فقهاء المصرين أنه متحري على صاع 
النبي با فاتخذه صاعاً ببغداد وغيرها من أمصار العراق محافظة على معايير الشرع . 
ولا حلاف بين أبى حنيفة اؤأبى يوشت إلا فى وازن الزطل لان الرطل عشرون أستاراً 
عند أبي حنيفة» وثلاثون أستارً عند أبي يوسف» فيكون الخلاف بينهما لفظياً في 
مقدار الصاع. هذا ما ذكره مسعود بن شيبة» ويؤيده عدم ذكر محمد بن الحسن في 
كتبه خلاف أبي يوسف لأبي حنيفة في المسألة. وأما من ادعى رجوعه إلى قول أهل 
المدية بمناظرة مالك له قإنما يورد خبراً غفل عن الإسناد: 

وأما خبر الحسين بن الوليد القرشي عند البيهقي )١۷١  ٤(‏ بلفظ «قدم علينا 
أبو يوسف من الحج فقال: إني أريد أن أفتح عليكم باباً من العلم أهمّني ففحصت 
عنه فقدمت المدينة - إلى أن قال - أتاني نحو من خمسين شيخاً من أبناء المهاجرين 
والأنصار مع كل رجل منهم الصاع تحت ردائه» كل رجل يخبر عن بيه وأهل بيته أن 
هذا صاع رسول الله بلاة. . . الحديث» فما يبعد أن يتمسك بمثله أبو يوسف للجهل 
بأعيان الرواة ورجال أسانيدهم في الطبقات كلهاء على أن هذا الخبر لو صح لما انفرد 
به رجل من خارج المذهب» ولما خفي علم ما خاطب به أبو يوسف الناس جميعاً 
هكذا على مثل محمد بن الحسن» بل كان شأنه الاستفاضة. وهذا علة تناهض صحة 
الخبر» فربما يكون السند مركباً وإن كان ابن الوليد ثقة. 

وأما ما أخرجه الدارقطني في سننه من إساءة مالك القول في أبي حنيفة لأجل 
هذه المسألة فإسناده مظلم كما يقول ابن عبد الهادي صاحب التنقيح. وهو الذي ذكره 
صاحب المصباح المنير عند ذكره الصاع باختصار ولا مستند لما نقله عن الخطابي 
بعدما ثبت عن النخعي ما سيأتي. ومرسلات النخعي صحاح عندهم. 


إحقاق الحق بإبطال الباطل في مغيث الخلق 1۷ 

ولأهل العراق أدلة ناهضة على أن الصاع ثمانية أرطال» منها: حديث مجاهد 
عن عائشة عند النسائي عن قدح حزره ثمانية أرطال أن رسول الله بل كان يغتسل 
بمثل هذا. مع سائر الأحاديث المصرحة بأنه كان يغتسل بالصاع. وقد روی ابن أبي 
شيبة عن يحیى بن آدم عن الحسن بن صالح : صاع عمر ثمانية أرطال - وعمر لا 
يحدث في معايير الشرع حدثاً - وأسند الطحاوي عن إبراهيم النخعي : قدرنا صاع عمر 
فوجدناه حجاجياً. والحجاجي عندهم ثمانية أرطال. ومثله عن موسى بن طلحة عند 
الطحاوي. وقال محمد بن الحسن في الآثار: والصاع هو القفيز الحجاجي وربع 
الهاشمي وهو ثمانية أرطال. 

ومالك ليس عنده حديث مسند صريح في مقدار الصاع» بل متمسك بصيعان 
المدينة في عهده على أصله في الأخذ بعمل أهل المدينة حتى إنه لما سئل عن 
صاعهم قال: هو تحرّى عبد الملك لصاع عمر. کما روی الطحاوي عن أبي خازم. 
والتحري ليس معه حقيقة بخلاف العيار الذي ذكره النخعي وموسى بن طلحة. 

ومع أبي حنيفة في هذه المسألة إبراهيم النخعي وموسى بن طلحة والشعبي وابن 
أبي ليلى وشريك وغيرهم» كما ذكر أبو عبيد في «الأموال» بأسانيده إليهم . 

وقول بعض الصحابة : «صاعنا أصغر الصيعان» بعيد عن الدلالة على مذهب 
أهل المدينة في أن الصاع خمسة أرطال وثلث» بل هو دليل على تعدد الصيعان 
المستعملة في عهد المصطفى صلوات الله وسلامه عليه» ولم يختلفوا ف في أن الصاع 
أربعة أمداد» وإنما اختلفوا في مقدار المد. والمد الهشامي الذي ب مالك في 
كفارة الظهار في الموطأً ١(‏ - ۲۸) أكبر. وهو مد وثلثان أو مدانء ولو لم یکن 
مالك يعده مستعملاً في عهد النبي بء لما استطاع أن يأخذ به في الظهار حذراً من 
التشهي» فيكون صاع عمر أصغر من الصاع الهشامي فيكون الصحابي المذكور أراد 
بالصاع ا و أرطال» E‏ 
سبق» فيكون تشنيع ابن حبان على أهل العراق بعدم أخذهم بخبر «صاعنا أصغر 
a BA e al‏ کی و عدو د تجا 
الهاشمي كما سبق . 


() نسبة إلى هشام بن إسماعيل بن الوليد بن المغيرة عامل المدينة لعبد الملك بن مروان نسب إليه 
لكونه هو المذيع له مع وجوده فيما سبق. وأما الصاع الهاشمي فهو اثنان وثلاثون رطلاً كما 
يعلم من كلام محمد بن الحسن وهو كان قديم الاستعمال أيضاً. 


10۸ إحقاق الحق بإبطال الباطل في مغيث الخلق 


فظهر أن قول أهل المدينة في المقدار توليد من التعامل في عهد مالك بدون خبر 
صریح مسند. والتعامل تعتریه شبه؛ ودون إثبات التوارث فيه خرط القتاد. وأما قول أهل 
العراق فمستمد من خبر صحيح مسند وآثار معتبرة وعمل متوارث وعيار أهل الشأن كما 
مق فمحاولة أبي عبيد تأويل أدلة أهل العراق الصريحة فيها تكلف ظاهر . 

ولقوة أدلتنا في ذلك لم يستطع ابن تيمية غير أن يخص الصاح العراقي بالغسل 
رأياً. ولكن هذا التخصيص من غير مخصص»› وتعدد الصاع الشرعي خلاف الأصل› 
فالأخذ بقول أهل العراق في الصاع متعين في الكفارات والصدقات أيضاً لتبرأ الذمة 
بيقين وللخروج عن الخلاف وللأخذ بما هو أصلح للفقير. فلا حيدة عما ذهب إليه 
أبو حنيفة في ذلك فضلاً عن تضعيفه . 

وقد أسند الطحاوي عن أبي يوسف: قدمت المدينة فأخرج لي من آثق بصاغ 
فقال: هذا صاع النبي کي فقدرته فوجدته خمسة أرطال وثلث رطل. ثم قال: سمعت 
ابن ابي عمران يقول إن الذي أخرج هذا لأبي يوسف هو مالك بن أنس اه. لکن أين 
سند من أخرج إليه الصاع في وصل صاعه إلى المصطفى عليه السلام؟ ولم يذكر في 
الخبر رجوع أبي يوسف إلى قول أهل المدينة. 

والحاصل: أن المناظرة في المسألة یمکن جريانها بين مالك وأبي يوسف»› ولا 
يتصور أن تقع بين أبي يوسف المتقدم الوفاة وبين الشافعي الذي لم يلقه أصلاًء بل 
تأخرت دعوته إلى اجتهاده إلى سنة (١١٠ه)‏ بعد وفاة أبي يوسف باثنتي عشرة سنة. 
ولو كان المؤلف ممن له إلمام بالتاريخ والآثار لرباً بنفسه من أن يفوه بما فاه. 

وأما الأذان والإقامة فمذهب أبي يوسف فيهما لم يزل كمذهب أهل العراق في أن 
الأذان بلا ترجيع› والإقامة مثنى كالأذان. وقد أخرج أبو يوسف حديث الأذان مثنى 
والإقامة مثله في «الآثار» له» فظهر فرط كذب من زعم رجوع أبي يوسف في ذلك . 

ثم قول ابن الجويني: (فأمر الشافعي بإحضار أولاد بلال الحبشي وأبي سعيد 
الخدري وسائر مؤذني رسول الله ) مما تضحك منه الأكلى؛ لأن علماء الأنساب 
من أمثال الكلبي وابن إسحاق وأبي مخنف الأزدي والمديني وابن سيف وغيرهم 
اتفقوا على آن بلالاً لم يعقب" وأبا سعيد الخدري لم يكن مؤذناً» كما في التعليم 


(۱) وانتماء بعض (الخوارزميين) من المتأخرين إليه من قبيل انتساب بعض الأعاجم إلى بعض 
الصحابة الذين نص أهل الشأن على أنهم لم يعقبوا ولا مانع من أن يكون هذا وذاك من جهة 
الولاء. 


إحقاق الحق بإبطال الباطل في مغيث الخلق 14 


لمسعود بن شيبة وحديث أبي محذورة أن الأذان والإقامة مثنى مثنى أخرجه بو داود 
وابن ماجه في سننهماء وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهماء قال ابن دقيق العيد 
في «الإلمام؛ إسناده على شرط الصحيح. وإن زعم البيهقي أنه غير محفوظ ذاكراً أن 
مسلماً لم يخرجه» وأن خلافه مروي عن أبي محذورة» وأن هذا الخبر لم يدم عليه 
أبو محذورة ولا أولاده. ورد عليه ابن دقيتق العيد قائلاً إن كل الصحيح ليس في 
مسلم» ون أولاد أبي محذورة لم يخرج لهم في الصحيح - فلا يعول على خبرهم - 
وأن رواية عدم دوام أبي محذورة عليه إنما يدخل في باب الترجيح لا التضعيف» 
والترجيح مما يختلف فيه الناس» بل كلام البيهقي نفسه هنا يناقض أوله آخره» وفي 
تثنية الإقامة أحاديث عن بلال وأبي محذورة رضي الله عنهما ذكرها الزيلعي في نصب 
الراثةة :رقي سردا طول» ولم يسح الأذاة في رلاد آي مخذررة كما تج د تقضيل 
ذلك في الاستيعاب لابن عبد البر. وليس للمسألة تعلق ما بالشافعي مطلقاً لا أولاً ولا 
آخراً إلا عند من يجهل مبدأ ارتفاع شأنه في الفقه. 

وأما ما وقع في بعض كتب الفروع - كما في الفوائد البهية في ترجمة عصام بن 
يوسف - من أن أبا يوسف بعد أن توضأً من ماء قليل وصلى» ثم ظهر وقوع نجاسة 
فيه» قال: فلنأخذ في ذلك بقول الشافعي فخطأً بحث عن «فلنأخذ بقول أهل 
الحجاز»» لأن الشافعي إنما بدأ يذيع اجتهاده بعد وفاة أبي يوسف بدهر. وأما ما في 
جامع المسانید (۲ - )۲٠١‏ من سؤال الشافعي أبا يوسف عن النبيذ فغلط صرف. 
والصواب ايوسف» بدون «أبا» وهو يوسف بن خالد السمتي» وهو من مشايخ 
الشافعي» ولولا جهل ابن الجويني بالتاريخ والآثار لربأً بنفسه أن ينطق بمثل ذلك 
الكلام الساقط المسقط لقائله. 
وقال أيضاً في (ص۲۱): 

(أبو حنيفة لم يتفرغ إلى النخل فجاء الشافعي» وأبو حنيفة أعطاه روح الكفاءة 
وأغناه عن تمهيد القواعد فلم يكن محتاجاً إلى وضع الأساس وكان بمندوحة عن هذا 
كله فتفرغ إلى النخل والتمييز بين الحق والباطل... ولم يكن تلميذاً له. . . بل نظر 
الشافعي في كتب أبي حنيفة كنظر أبي حنيفة في كتب من قبله. . .). 

أقول: اعترف بأن الشافعي أخذ قواعد الفقه وأصوله من كتب أبي حنيفة» ثم 
جعل التمييز بين خطأ المسائل وصوابها إلى الشافعي متجاهلاً أن الاعتراف بالأصل 
اعتراف بالفرع المترتب عليه» والنخل إنما يكون عند التصرف في الأصل قبل الفرع» 


1 إحقاق الحق بإبطال الباطل في مغيث الخلق 


وببيانه هذا جعل الشافعي في طبقة المجتهد في المسائل دون طبقة المجتهد في 
المذهب فضلاً عن مرتبة المجتهد المطلق المنتسب أو المستقل» مع مناقضة قوله هذا 
لادعائه أن الشأن كل الشآن في الأصول للشافعي» وهذا هو التهاتر بعينه . 


ثم التمييز بين المسائل الاجتهادية ليس من قبل تمييز الحق من الباطل بل من 
قبيل تمييز الصواب من الخطأً ظا قي مذهب أهل الحق» وليس أئمة الاجتهاد من أهل 
الباطل أصلاًء بل هم مأجورون سواء أصابوا أم أخطأوا بخلاف أهل الباطل. وأئمة 
الاجتهاد في الفروع على هدى من ربهم؛ وقد برئت ذمة من تابعهم عند أهل الحق. 
فقول ابن الجويني : (بين الحق والباطل) ليس مما ينبغي ذكره هنا» لكن من كان 
غالب أحواله الرد على فرق الزيغ إذا كتب في الفقه ساء كلامه في مخاليفه في الفقه . 
وهذا مما يجب التوقي منه رغم ما سلكه الباقلاني وابن الجويني والخزالي والفخر 
الرازي في ردودهم على مخالفيهم في الفقه مع قلة بضاعتهم في معرفة الأخبار 
الصحيحة ‏ حاشا الباقلاني - واكتفائهم بأنظار عقلية تعودوها في بحوثهم مع أهل 
الزيغ . 

والمصنف يقول بعد أن اعترف بأن أبا حنيفة أعطى الشافعي روح الكفاءة وأغناه 
عن تمهيد القواعد: إنه لم یکن تلمیذاً له. فان کان یرید أنه لم یکن تلمیذاً له 
مباشرة. فنعم» إلا أن تفقهه كان على محمد بن الحسن تلميذ آبي حنيفة فيكون تلميذ 
التلميذ» والشافعي هو القائل : «الناس في الفقه عيال على أبي حنيفة» و«ليس أحد أمن 
علي في الفقه من محمد بن الحسن» كما ذكرهما الخطيب بأسانيده. 


ثم الفرق بين من يجتهد في المسائل بابانة آدلتها بادیء ذي بدء» وبين من 
يختار مسائل من مسائل من قلبه في كتب مدونة لأمثال أبي حنيفة ومالك وأبي يوسف 
ومحمد وغیرهم» فرق عظيم لا نؤلم المؤلف بشرحه وإيضاحه. 


وأما قول المؤلف : (نظر الشافعي في كتب أبي حنيفة كنظر أبي حنيفة في كتب 
من تقدمه)» فیدل على أنه ليس على علم بعهد تدوين الفقه والحديث. وأي كتاب 
كان مؤلفاً في الفقه قبل عهد أبي حنيفة؟ حتى يتصور نظره فيه كنظر الشافعي في 
كتبه» وليس الشافعي وحده هو الذي كان ينظر في كتب أبي حنيفة› بل كان المزني 
ناشر مذهب الشافعي كان يديم النظر فيهاء كما أخرجه أبو يعلى الخليلي في الإرشاد 
بسنده إلى الطحاوي في بيان سبب انتقاله إلى مذهب أهل العراق. 


إحقاق الحق بإبطال الباطل في مغيث الخلق 1 
وقال أيضاً في (ص٥۲):‏ 

(إن الشافعي ذو فنون» وأبا حنيفة ذو فن واحد» وكان الشافعي من قريش» قال 
النبي ي: «الأئمة من قريش» وقال عليه الصلاة والسلام: «قدموا قريشاً ولا 
تقدموها»» وأبو حنيفة نبطي). 

أقول: فسنتحدث إن شاء الله تعالى عما إذا كان الشافعي ذا فنون. 


وأما كونه من قريش في رواية أصحابه فلا دخل له في باب العلم. وقد 
قال یة: «من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه» كما في صحيح مسلم. وحديث «الأئمة 
من قريش» محمول على الخلافة عند من استجود سنده» وليس مما أخرجه أصحاب 
الأصول الستة بإسناده. وأمثل أسانيده رواية إبراهيم بن سعد الزهري عن أبيه عن أنس 
مرفوعاً. ولكن قال أحمد: لا ينبغي أن يكون له أصل» وليس هذا في كتب إبراهيم بن 
سعد اه. وقال الذهبي رواه غير واحد عن إبراهيم اه فظهر أنه ثابت عن إبراهيم بن 
سعد منفرداً به. فلننظر في إبراهيم وهو ممن أخرج لهم الجماعة» وكان نزيل بغدادء 
وبها توفي سنة (١۸٠ه)‏ في عهد الرشيد. لكن يقول الخطيب في تاریخه ٩(‏ - ۸۳): 
حدثنا علي بن أبي علي المعدل» حدثنا أبو بكر محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن 
يزيد بن مهران الصفار الضرير» حدثنا علي بن الحسن بن خلف بن قديد أبو القاسم 
- بمصر ۔ حدثنا عبید الله“ بن سعید بن کثير بن عفير عن أبيه» قال: قدم إبراهيم بن 
سعد الزهري العراق سنة أربع وثمانين ومائة» فأكرمه الرشيد» وأظهر بره. وسئل عن 
الغناء» فأفتى بتحليلهء وأتاه بعض أصحاب الحديث ليسمع منه أحاديث الزهري 
فسمعه يتغنى فقال: لقد كنت حريصاً على أن أسمع منك» فأما الآن فلا سمعت منك 
حديقاً أبداً. فقال: «إذاً لا أفقد إلا شخصك. علي وعلي إن حدثت ببغداد. ما أقمت 
حدیاً حتی آغني قبله وشاعت هذه عنه ببغداد. فبلغت الرشید فدعا به فسأله عن 
حديث المخزومية التي قطعها النبي ل في سرقة الحلي» فدعا بعود فقا الرشيد: 
أعود المجمر؟ قال: لاء ولكن عود الطرب. فتبسم ففهمها إبراهيم بن سعد» فقال: 
لعله بلغك يا أمير المؤمنين حديث السفيه الذي آذاني بالأمس وألجأني إلى أن حلفت. 
قال: نعم» ودعا له الرشيد بعود فغناه: 


ياأم طلحة إن البين قدأفدا قل الثواء لن كان الرحيل غدا 


(۱) مختلف فیه. 


۲ إحقاق الحق بإبطال الباطل في مغيث الخلق 


فقال الرشيد: من كان من فقهائكم يكره السماع؟ قال: من ربطه الله. قال: 
فهل بلغك عن مالك بن أنس في هذا شيء؟ قال: لا وال إلا أن أبي أخبرني أنهم 
اجتمعوا في مدعاة كانت في بني يربوع وهم يومئذ جلة» ومالك أقلهم في فقهه وقدره 
ومعهم دفوف ومعازف وعيدان يغنون ويلعبون» ومع مالك دف مریع وهو يغنيهم : 

و اج عقا ا و العا اا 
وقداقالتلأتراب لهازهر»تلاقينا 

فضحك الرشيد ووصله بمال عظيم اه. فأنت وشأنك في مثله. 

وحديث «الأئمة من قريش ما إذا حكموا فعدلوا. . .» أخرجه البخاري في 
تاريخه بهذه الزيادة بطريق إبراهيم بن سعد الزهري عن أبيه عن أنس مرفوعاً. انفرد به 
إبراهيم بن سعد ومع قيد العدل يكون الحديث بمعنى حديث ثوبان «استقيموا لقريش 
ما استقاموا لكم المخرج في مسند أحمد (۵ - ۲۷۷) فلا يفيد الاشتراط المطلق. 
وسيرة الخلفاء بعد الراشدين بعيدة عن أن توصف بالعدل وقل بينهم جداً من يلحق 
بالراشدين في العدل مدى القرون» على أن التقييد بالعدل في الحكم يكون نصاً على 
أن المراد بالإمامة في الحديث المذكور هو الإمامة الكبرى» بدون أي مناسبة للإمامة 
في المسائل الاجتهادية الظنية على اصطلاح المستحدث إذ لا قائل باختصاص الاجتهاد 
بالخليفة . 

ثم إن لفظ «الأئمة من قريش؛ بدون ذلك القيد يخالف كتاب الله تعالى. قال 
اله تعالی: إن جاولك لگا ماما ال رین رب َال لا يال عَهْدى التي [البقَرَة: 
٤‏ حيث اقتصر الشرط على التمكن من إقامة العدل» وساوى بين القريب والغريب 
بعد هذا التمكن. 

ثم قول عمر رضي الله عنه «لو كان سالم مولى أبي حذيفة حياً ما تخالجني فيه 
الشك» يدل على فقه الصحابة في المسألة ولم يكن سالم قرشیاً بل کان مولی لامرأة 
من الأنصار كانت تحت أبي حذيفة فنسب إليه . 

ثم الحديث لو صح لاحتج به أبو بكر رضي الله عنه يوم السقيفة لأنه حجة 
ظاهرة في موضع النزاع» وكثير من أهل النقد يرى من أمارات عدم صحة الحديث 
عدم احتجاج أحدمن الصحابة به فيما تنازعوا فيه. وقد نص الصلاح العلائي في 
«تلقيح الفهوم بتنقيح صيغ العموم؛ على أنه لم ثبت احتجاج أبي بكر به وإن ذكر 
ذلك يعفن المتكلمين: 


إحفاق الحق بطال الباطل قي مخيث الخاق ۳ 

وأما ما ساقه ابن حزم بطريق حجاج بن المنهال عن أبي عوانة في الإحكام في 
)١۲۷ -۷(‏ فيخالف - مع اتحاد السند - لفظ أحمد عن عفان عن أبي عوانة عن 
داود بن عبد الله الأودي عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي بكر رضي الله عنه «قريش 
ولاة هذا الأمرء فبر الناس تبع لبرهم» وفاجرهم تبع لفاجرهم» وأين هذا من لفظ 
«الأئمة من قريش۲؟ على أن الخبر منقطع حيث لم يدرك حميد أبا بكر» بل في إدراكه 
علياً خلاف. والمنقطع لا يحتج به عندهم. ثم ابن حزم يقول في الوضوء بفضل 
المرأة عن داود بن عبد الله في السند: إن كان عم ابن إدريس فضعيف» وإن كان 
غيره فمجهول. وهنا يسكت عن هذا وعن الانقطاع في الحديث. ثم أبو عوانة وإن 
کان ممن ينتقي الصحیح من أحادیثه إلا آنه کان أمیاً یستعین بمن یکتب له كما يقول 
ابن معین» وکان لا يصلح إلا أن يکون راعي غنم في نظر سليمان بن حرب ويقولون 
کتابه صحیح وربما يقرا من کتاب غیره فلا یحتج به وما کتب عنه بعد سنة (۱۷۰ه) 
إلى وفاته سنة (١۷٠ه)‏ فليس بشيء. ومن هذا شأنه تكون غربلة مروياته متعبة جداً. 
ثم اختلفوا عنه حيث يخالف لفظ أحمد لفظ ابن حزم. وغاية ما يعتذر للراوين أن 
أحدهما روى بالمعنى فاضطرب المتن. ثم عزو ابن حجر الحديث بلفظ «الأئمة من 
قريش؟ إلى أبي بكر وأبي هريرة رضي الله عنهما في مسند أحمد خطأً بحت من قبيل 
عزو النووي الحديث إلى الصحيحين لأنه لا وجود لهذا اللفظ في مسندي أبي بكر 
وأبي هريرة أصلاًء كما أنه لا وجود له في الصحيحين أيضاً بل لفظ أبي بكر في مسند 
أحمد كما سبق راجع )٥ - ١(‏ من مسند أحمد ولا ذكر له أصلاً في مسند أبي هريرة 
بل فيه ذكر قول زيد بن ثابت راجع ( - )۱۸١‏ من المسند. ومثل هذا التساهل في 
العزو يجب أن يترفع عنه مثل ابن حجر. فبان بذلك سقوط كلام المصنف هنا سقوطاً 
لا نهوض له بعده. 

وأما جزء ابن حجر المسمى «لذة العيش في طرق حديث الأئمة من قريش» 
وادعاؤه التواتر فيه» ففيما ورد في فضل قريش مطلقاًء لا في هذا الحديث خاصة. 

وأما حديث «قدموا قريشاً ولا تقدموها» فقد ورد في الحلية )٠١ - ٩(‏ وفي 
سنده محمد بن سلیمان بن مشمول ضعفه غير واحد» وقال ابن حزم منكر الحديث. 
وفي مسند الشافعي (ص١١١)‏ عن ابن أبي فديك عن ابن ابي ذئب عن ابن شهاب أنه 
بلغه أن رسول الله ييه قال: «قدموا قريشاً ولا تقدموها وتعلموا منها ولا تعالموها أو 
تعلموها» يشك ابن أبي فديك. وهذا کما تری من بلاغات الزهري. ومراسیله شبه 
الريح عند الشافعي ويحيى بن سعيد القطان فضلاً عن بلاغاته. . 


1 إحقاق الحق بإبطال الباطل في مغيث الخلق 


وأما إسناده ففيما أخرجه الآبري والحاكم وكلاهما في مناقب الشافعي من طريق 
محمد بن خالد بن عثمة عن عدي بن الفضل قال: أخبرني أبو بكر بن أبي جهمة عن 
أيه عن ابن عباس عن علي کرم الله وجهه عن النبي بل «لا تؤموا قريشاً وائتموا بهاء 
ولا تقدموا على قريش وقدموهاء ولا تعلموا قريشاً وتعلموا منها. . . الحديث». ولو 
صخ «قدموا قريشاً ولا تقدموها» لحملناه على الإمامة الكبرى» كما حمل حديث 
«الأئمة من قريش» عليهاء لكن في السند محمد بن عثمة وهو ربما أخطأء وعدي بن 
الفضل متروك» وأبو بكر بن أبي جهمة وأبوه مجهولان. 

ولفظ لا تعلموا قريشاً وتعلموا منها» متروك الظاهر يخالف ما صح عن 
النبي بلا من أمره للأمة بتعلم القرآن من أربعة ليس بينهم قرشي» بل عمل الصحابة 
والتابعين ومن بعدهم كلهم على ضد ذلك» فلا يعارض مثل هذه الأحدوثة هذا 
الإجماع» والإمام الشافعي نفسه أخذ العلم عن مسلم بن خالد الزنجي وهو غير 
فرشي» وعن ٳبراهيم بن أبي يحيى الأسلمي وهو غير قرشي» وکڏا عن ابن عيينة وهو 
ليس بقرشي . 

وعن مالك ومحمد بن الحسن ويوسف بن خالد وأسد بن عمرو وسعيد بن 
سالم القداح وليس واحد منهم بقرشي . ولعل المصنف استحيا أن يسوق تمام الخبر 
لما فيه من الفوادح المكشوفة» لكن أطرف ابن حجر في توالي التأنيس بمعالي ابن 
إدريس» حيث تلطف في السند مجارياً للساجي وقال في (ص۷٤)‏ عن ابن أبي جهمة 
وأبیه «(مجهولان» وعن عدي بن الفضل: فيه مقال». ثم قال «ويدل على اشتهار 
الحديث في القدماء ما أخرجه الببهقي من طريق أحمد بن عبد الرحمن عن الربيع بن 
سليمان. . ٠.‏ مع أن أحمد بن عبد الرحممن هو ابن الجارود الرقي الذي كذبه الخطيب 
وغيره. لكن التعصب يوقع هكذا في المهازل. 

وأما أبو حنيفة فمن مواليد العراق وسكنها فيصح أن يقال فيه أنه نبطي بمعنى أنه 
عراقي . والنبط هم الآراميون سكنة العراق الأصليون» وقد يقال للرجل نبطي بمعنى 
أنه عراقي» كما في أنساب ابن السمعاني. وأما نسبه فهو فارسي الدم اتفاقاً فذهب 
كلام ابن الجويني هنا أدراج الرياح بدون أن ينفعه في شيء مما توخاه. 
وقال في (ص۲۸): 


(لو لم يكن للشافعي على غيره مزية ورجحان إلا تردد أقواله كفانا كفاية 
وقشقعاء :+ ولم يبق له تردد إلا في ثماني عشرة مسألة إذ لم يتفرغ إلى التخريج على 


إحقاق الحق بإبطال الباطل في مغيث الخلق 1 


أصله ونخله وتمييزه لأنه اخترمته المنية في ريعان شبابه. . . قبل أن يتفرغ للنخل 
والتیر2.): 

أقول: الشق الأول من هذا الكلام مما يكتفى فيه بمجرد تسجيله» وقد أبدع 
بعض أصحابنا حيث قال هنا: وما مثل القائل بالقولين إلا كما قال الجاحظ: لا يزال 
علم الغيب في بيتناء لأني أقول شيا وتقول امرأتي ضد ذلك» فلا بد أن يصح 
أحدهما اه. ومن تكافأت الأدلة في نظره» وقال قولين لا يكون له قول» وحقه أن 
يسكت لاعترافه بجهل الحكم فضلاً عن أن يفتخر بمثل ذلك. 

ومن طريف ما يحكى في هذا الصدد ما ذكره محمد بن عبد الستار الكردري في 
رد على المدخول أن طالبا رحل للتفقة في عذهب:الشافعي» وطال أمد تققهه في 
القديم والجديد» وفي مسائل يقال فيها: فيها قولان عن الشافعي» إلى أن طلبه أهل 
بلده لحاجتهم إليه فتشوش خاطر الطالب حيث لم يعلق بخاطره شيء ثابت من الفقه» 
فاستشار شيخه فأشار إليه أنهم إذا فاجأوه بالسؤال عن مسألة يجاوبهم بأن فيها قولين 
عن الشافعي ليتمكن من مراجعة كتب المذاهب فيما بعد فعاد ففعل لكن أهل بلده 
لما رأوا إكثاره من الجواب بقوله «فيه قولان عن الشافعي» ارتابوا في أمره» فسأله 
أحدهم أفي الله شك؟ فأجاب من غير تعقل لما ينطق به: «فيه قولان عن...٠»‏ 
فافتضح وبان جهله. 

ثم تكلم الكردري عن أجوبتهم المشفعة في مسائل باعتبارهم تكافؤ الأدلة فيها 
فذكر ما يضحك ویبکي . وليست المسائل التي يقال عنها «فيها قولان» منحصرة في 
ثماني عشرة مسألة» كما يقول ابن الجويني» وأسهل مرجع يفيد كثرة مسائله من هذا 
النوع كتاب «التنبيه لعصريه أبي إسحاق الشيرازي» و«الوجيز» لتلميذه أبي حامد. 
وكان المؤلف قال فيما سبق أن أبا حنيفة مات قبل أن يتمكن من نخل المسائل - مع 
دقته التي تشق الشعر على تعبيره ومع عمره المديد وكثرة أصحابه البارعين الذين ما 
كانوا مستملين فقط بل كانوا يشاطرونه البحوث - والشافعي هو الذي نخل مسائله في 
نظر المؤلف والآن يقول إن الشافعي هو الذي مات في ريعان شبابه» فلم يتمكن من 
نخل المسائل» وترك أمر النخل إلى المزني وابن سريج. وهذا التناقض مما لا يحتاج 
إلى تعليق. 
وقال في (ص۳۲): 

(قد وقع لأبي حنيفة أصول باطلة مقطوع بهاء منها القول بالاستحسان» وذلك 
عمل بلا دليل. . .» ومنها أن خبر الواحد إذا ورد مخالفاً للقياس كان مردودا). 


1 إحقاق الحق بإبطال الباطل في مغيث الخلق 


أقول: لا أتعرض هنا لأصول إمامه من نحو عدم تجويزه نسخ السنة بالكتاب» 
ولا نسخ الكتاب بالسنة» وعده القطعي الثبوت مع الظني الثبوت في مستوى واحد» 
لأن تمحيص ذلك في كتب أصول الفقه لأصحابنا. ونكتفي هنا بدفع العدوان فقط . 

وجد عجيب من مثله أن يرسل الكلام جزافاً في الاستحسان» وهو يعرف أن 
الاستحسان عندنا هو ترك موجب القياس الجلي إلى الدليل الأقوى من كتاب أو سنة 
أو قياس خفي يخصص العلة» وأمثلتها مشروحة في أمهات كتب الأصول» لكن حيث 
كتب الشافعي ثلاثة أوراق في إبطال الاستحسان لا بد وأن يسير المصنف في هذه 
السا ور مع أن عمل الشافعي هذا لم يكن إلا سبق قلم منه لأن الاستحسان 
ENS Yl‏ مهما کان مذهبه» ولأنه لو صح ما أورده على 
الاستحسان لأبطل القياس الذي يقول هو به قبل إبطاله الاستحسان» أو معه كما يقول 
ابن جابر الظاهري. وقد توسعنا بعض توسع في بيان الاستحسان الذي نقول به في 
اتقدمة نصب الراية» فلا نعيد هنا البحث. وفي فصول أبي بكر الرازي ما يكفي 
ويشفي في ذلك. 

وأما رد خبر الآحاد الصحيح إذا خالف القياس فافتراء على أبي حنيفة أن يكون 
هذا من أصوله» بل لا يأخذ بالقياس أصااًء إلا إذا لم يجد الحكم في كتاب الله 
وسنة رسوله وإجماع المسلمين. نعم إن أبا حنيفة درس موارد الشرع حتى اجتمع 
غنده ut‏ فیعرض خبر الآحاد على تلك الأصول فإذا خالفها يعده شاذاً خارجاً 
على نظا في الشرع فيضاعف النظر ليحكم حكمه في الخبر. . وهذا شيء غير مخالفة 
E E a‏ فیکون هذا عملا بأقوی الدلیلین لا 
رداً للحديث بمخالفته القياس. وشروطه في قبول الأخبار من أحكم الشروط عند من 
يتوقى الزلل في شرع الله. وهو ليس يرد رواية أحد من الصحابة شكاً في أنهم 
عدول» بل إنما يرجح بعض الأخبار على بعضها عند اختلاف الروايات أو تضادها 
بوجوه ترجیح لا غبار عليها. 

منها: ترجيح رواية من هو أكثر ملازمة وأفقه وأبعد عن قلة الضبط ببلوغه سن 
الهرم وغير ذلك مما هو مشروح في محله. 

وقلما يمكن تضعيف شرط من شروطه عند من ألقى السمع وهو شهيد» والفرق 
بین من قصر زمن صحبته مع كثرة روايته» وبين من طال زمن صحبته مع قلة روايته» 
وین من يكتب وهن لا يكب » وبين ,المي وغيره: من المتحتم عند تعارض الأنباء 
وفي ذلك إنزال الناس منازلهم بدون بخس حق أحد منهم. وهذا ظاهر. 


إحققاق الحق بإبطال الباطل في مغيث الخلق ۷ 
وقال في (ص٩):‏ 

«الشافعي كان من صميم العرب. . .“ وكان من أعلم الناس بالأحاديث 
والأخبار» وكانت بضاعة أبي حنيفة من علم الحديث مزجاة. والذي يدل عليه أن 
أصحاب الحديث شددوا النكير على ت إن أقواماً أعوزهم حفظ 
أحاديث رسول الله ية فاستعملوا الرأي فضلُوا 6ر وأصحاب الحديث تابعوا 
الشافعي . . . وأظهروا النكير على أبي حنيفة» ولم 0 ذلك لقوله بالقياس» وإنما 
كان لتوسعه في القياس وخروجه عن الحدا. 

أقول: يريد أن الشافعي بارع في اللغة» لكن ينسى أن أبا حنيفة ولد بالكوفة 
مهد العلوم العربية» ونشأ في بيئة عربية وتغلغل في أسرار العربية» وارتوى من أصفى 
مناهلهاء وليس بين الأئمة من هو بهذه المثابة لأن الحجاز وغزة ومصر واليمن كانت 
فسدت اللغة بها من مجاورة أمم أخرى» وطروق طوائف من العجم من غير أن توجد 
بها أئمة في اللخة تقيم عوجهاء كما تجد ذلك مفصلاً في مواضع من المزهر 
للسيوطي. ولا تكون لغة البادية بمجردها صالحة لعدها لغة الوحي. والكلمات 
المعروفة من الشافعي أتعبت كثيراً من اللغويين من أهل مذهبه» وقد توسعت في بيان 
ذلك في «تأنيب الب على ما ساقه في ترجمة أبي حنيفة من الأكاذيب». : 

وأما علم الشافعي بالحديث"" فليس أمامنا ما يدلنا عليه غير مسنده الذي جمعه 
بعض النيسابوريين" من مسموعات أبي عباس الأصم من الربيع عن الشافعي في 
الأ وغير السنن التي جمعها الطحاوي من مسموعاته من المزني عن الشافعي» ولم 
نر فيهما ما يملا العين مع تأخر زمنه. بل نراه يكثر عن إبراهيم بن أبي يحيى الأسلمي 
إكثاره عن مالك» ص مسلم بن خالد الزنجي إكثاره عن ابن عيينة مع أنهما 
ممن تكلم فيهم أهل النقد وهكذا. بل نری في مسنده يقول: أخبرنا مسلم بن خالد 


() لیس من العلوم شيء يورث من الآباء من غير تعلم فلا دخل للنسب في العلوم الكسبيةء فماذا 
يخنيه كونه من العرب في معرفة اللغة؟ لو لم يكن سعى في تحصيل العربية وهو القائل: «رأيت 
في العراق عجباً نبطياً يتنحى علي كأنه عربي وأنا نبطي» وعربياً لا يعرب كلمة! يريد بهما 
الزعفراني وأبا ثور كما في ثبت ابن الخراط. ومعرفة من هم أئمة العلوم العربية تقضي بأنها 
كسبية لا وهبية فمن حاول أن يجعل للنسب شأناً في علم الدين ما عرف العلم ولا الدين. 

(۲) ولست أنقل هنا نصوص الحنابلة في ذلك مكتفياً بالمحسوس الملموس وسيأتي نقل ما قاله 
القاضي عياض في ذلك عتد كلام المصنف على المالكية. 

(۳) ومن المضحك جعل الرازي المسند من مؤلفات الشافعي مباشرة بخلاف مسانيد أبي حنبفة . 


۸ إحقاق الحتق بإبطال الباطل في مغيث الخلق 


عن ابن أبي ذئب بإسناد لا أحفظه أن رسول الله بيا قال في قريش شيئاً من الخير لا 
أحفظه» وقال شرار قریش خيار شرار الاس اه. ويقول أيضاً في الأم في حديث 
القلتين «أخبرنا مسلم عن ابن جريج بإسناد لا يحضرني؛ وهذا في مسألة ينفرد بها 
عمن قبله» وقال المزني في مختصره روى الشافعي عن الحسن عن النبي ئة لا 
نکاح إلا بولي وشاهدي عدل؟. فبينه وبين الحسن البصري مفازة كما أن بين الحسن 
وبين الرسول ية مفازة وهذا أيضاً في مسألة ينفرد بها عمن قبله. وجملة ما في 
الكتابين بعد حذف المكرر لا تزيد على خمسمائة حديث . 


ولم يعتنِ أحد بجمع أحاديث الشافعي إلى القرن الخامس حتى أصبح للبيهقي 
منة عليه على ما يقولون. وبذلك تأخر تدوين أدلة هذا المذهب من الحديث إلى 
القرن الخامس» مع أنهم يعدونه مذهب أهل الحديث. ويكثر في روايته المرسل» 
وقوله أخبرنا الثقة» وأخبرنا من لا أفهمه كثرة مفرطة» مع أن هذا القول وذلك القول 
في حكم الانقطاع عند النقادء وقل ما شئت في نقد من ينكر حجية المرسل ويكثر في 
روايته تلك الأنواع. 

وأبو حنيفة على تقدمه قد أف في أحاديثه سبعة عشر عالماً من حفاظ أصحابه 
وغيرهم سبعة عشر سفراً هي بمتناول أيدي أهل العلم إلى اليوم. 


والجمع المنكور متى كان يراد به الخاص؟ حتى يعد قول القائل: (إن أقواماً 
أعوزهم.. .) قولاً في أبي حنيفة» وأبو حنيفة جمع إلى علمه علم الكتاب والسنةء ثم 
قال بالرأي فيما لم يجد فيهما . فمن أين علم المصنف أن هذا القول يشمله؟ وهذا 
القول إنما هو في الرأي الخالي عن علم الكتاب والسنة. وقد أخرج ابن عبد البر ما 
پمعناه کن خر وسا بو الو اجان بيان اللي ا ۱۳۰) وهما من أهل 
الرأي واجتهاد الرأي فلا يعقل أن يردا على أنفسهماء فنكيرهما موجه إلى من تكلم 
في الدين بالرأي مع جهله بالكتاب والسنة وهذا ظاهر. ولم يطعن في أبي حنيفة إلا 
الجاهلون بمداركه أو المنطوون على زيغ وضلالء ومع بي حنيفة من أئمة الحديث 
من لا يحصون كثرة. واتباع جهلة النقلة للمرء أو إعراضهم عنه لا يزيد في شأنه ولا 
ينقص من منزلته . 

وأما المتوسع في القياس فهو الذي يقول بقياس الشبه وقياس المناسبة وهما 
باطلان عند أبي حنيفة وأصحابه» بل اختلفوا في قياس الطرد واتفقوا في القياس 
المۆئر. 


إحقاق الحق بإبطال الباطل في مغيث الخلق 4 


وهو الذي يكون بين الأصل والفرع معنى مشترك مؤثر» كما تجد تفصيله في 
كتب الأصول» ولعله ظهر بذلك من هو المتوسع في القياس. 


وقال في (ص۳۸): 


(ونظر أبي حنيفة وإن دق إلا أنه لا يوافق الأصول ويخالفها ويحيد عنها. وأكثر 
نظره يخالف الكتاب والسنة والآثار وإجماع الأمة على ما أسلفنا شرحها). 

أقول: رجعت النظر إلى ما سبق منه من أول الكتاب إلى هنا فلم أجد موضعاً 
يشرح فيه المؤلف كون أكثر نظر أبي حنيفة مخالفاً للكتاب والسنة والآثار وإجماع 
الأمة» بل لم أرَّ تدليل المؤلف على مخالفته لتلك في مسألة من مسائله» ولعله كتب 
ما كتب هنا وهو غير واع لما سبق» كيف وأبو حنيفة لم يبح أكل متروك التسمية 
عمدأً» ولا نكاح الرجل لبنت خلقت من مائه. ولم يترك العمل بالسنة المتوارثة» ولا 
بالمراسيل التي كانت يعمل بها فقهاء الأمة قبل المائتين حتى يرمي بذلك. ولو ذكر 
المؤلف كتاب محمد بن عبد الله بن عبد الحكم الذي سماه «ما خالف فيه الشافعي 
كتاب الله وسنة رسوله» لما قال ما قال» بل لعلم أن من يرمى بمخالفة كتاب الله وسنة 
رسوله من قبل أعز أصحابه عليه غير أبي حنيفة» ومخالفة الآثار ملازمة لمن يرد 
المراسيل المعمول بها وهي شطر السنة. ورد المرسل بدعة حدثت بعد المائتين كما 
نقله ابن عبد البر في التمهيد عن ابن جرير ومثله في أصول الباجي. وقد نص ابن 
جرير على أن الشافعي خالف الإجماع في أربعمائة مسألة. كما في الإحكام لابن حزم 
٤(‏ - ۱۸۹) فإذاً من يرمى بمخالفة الإجماع من مثل ابن جرير غير أبي حنيفة . 


وقال في (ص١٤):‏ 
(الشافعي امتنع من إجراء القياس في مسألة إزالة النجاسة بالخل لأنه يقول: 
الماء مزيل بخلاف القياس» فلا يقاس عليه غيره على خلاف قول أبي حنيفة) . 


أقول: إذاً يجعل ابن الجويني الماء الذي جعله الله طهوراًء غير مطهر في 
الحقيقة لتواصل ورود الماء المتنجس - بأول ملاقاته النجس - على الشيء المتنجس 
فتكون طهارة المغسول بعد الخسل طهارة حكمية ثابتة له على خلاف القياس من جهة 
أن أجزاء النجاسة لا تتلاشى بورود الماء عليها على التوالي في نظره حيث يدخل في 
الفقهيات حكم القول بالجزء الذي لا يتجزء عند المتكلمين من أهل مذهبه. وهذا 
تدقيق منه لا نغبطه عليه. وأما النجاسة الحقيقية فتزول بكل طاهر قابل للإزالة» فلو 


V۰‏ إحقاق الحق بإبطال الباطل في مغيث الخلق 


فقد المكلف الماء ولباسه متنجس وعنده خل أو ماء ورد فليس له أن يصلي مكشوف 
العررة بتو ت الاسن» بل عليه أن يدل البامه المتتجس بالكل فيضلي اترا به عررتة 
عند أبى حنيفة» وخالفه الشافعي في ذلك حيث رأى أن تطهير الماء على خلاف 
القاس فلا يقاس عليه الخل في إزالة النجاسة. وداود الظاهري مع أبي حنيفة في 
المسألة» فيكون رد القول بإزالة النجاسة بمثل الخل جموداً فوق جمود الظاهرية» على 
أن حجة أبي حنيفة في ذلك ليست القياس فقط» والحديث الوارد في غسل الإناء من 
ولوغ الكلب في الصحيح مطلق غير مقيد بالماء فيجري على إطلاقه . 

وکذا حدیث أم سلمة عند أبي داود «فإن أصابه دم غسلناه» والتقييد قول بغير 
دليل رغم من يمتعض من هذا» وحديث القصع في البخاري دليل على أن المقصود 
إزالة عين النجاسة» سواء كانت إزالتها بالماء أو بغيره» بل يدل دليل إزالة النجاسة 
بالماء على أن إزالتها بالخل وماء الورد بالأولوية لأن الخل أقلع للأثر» وماء الورد 
مزيل للرائحة مع إزالته النجاسة» فتكون هذه الدلالة من قبيل دلالة النص» ولم يثبت 
في الشرع النهي عن إزالتها بغير الماء حتى يتمكن المخالف من التمسك به. وذكر 
الماء في حديث أسماء عند الترمذي ثم اغسليه بالماء لا يدل على نفي ما عداه» بل 
ذكر الماء خرج مخرج الغالب لا مخرج الشرط على أن مفهوم اللقب ليس بحجة» 
ومع هذا كله ليس حكم الشافعي بعدم إجزاء الخل في إزالة النجاسة من اجتهاده 
مباشرة بل هو متابع في ذلك لشيخه محمد بن الحسن» فظهر من ذلك كله أن كلام 
ابن الجويني هنا هباء. 


وقال في (ص۱٤):‏ 


(اختص النكاح بلفظ مخصوص تعبداً من جهة الشارع - وهو لفظ النكاح 
والتزويج - فلا يجري فيه القياس بخلاف سائر العقود). 


أقول: إن كان في النكاح - الذي هو التمكن من قضاء الشهوة بوجه مشروع - 
معنى التعبد ففي جميع العقود المشروعة هذا المعنى» فينسد عليه باب القياس في 
جميع الأبواب فينحاز إلى الظاهرية الذين هم من أبغض الطوائف إليه» والتقييد بلفظ 
خاص مع وضوح الدلالة في غيره يضاهي مذهب الإمامية من اشتراط العربية في 
العقود كلهاء ولا يخفى ما في ذلك من التضييق المنافي لمقاصد الشرع . 


إحقاق الحق بإبطال الباطل في مغيث الخلق ۷ 
وقال في (ص٤٤‏ - :)٤٤‏ 

(ثم دقق نظره وقال بأن التعبد في المعاملات أبعد من النكاح والنكاح أبعد من 
التكبير في الصلاة» فلا جرم كان حسم باب قياس غير التكبير على التكبير أصلاً. . . 
ويقام إنكاح الفارسية مقام العربي عند العجز بخلاف قراءة القرآن. . . 

وأبو حثيفة ساوى بين المعاملات والمناكحات والتكبير والعبادات والقرآن 
المعجز المنرّل من رب السماوات والأرض. وقال: ينعقد البيع بغير لفظه والنكاح 
بغير لفظه والتكبير بغير لفظه والقرآن بغير نظمه حتى لو قرأ فارسية القرآن تنعقد صلاته 
وهذا مزج فن بفن وخلط قبيل بقبيل وذهول عن الدقائقء فلهذا استنكف محمد بن 
الحسن وأبو يوسف عن متابعته في ثلشي مذهبه ووافقا الشافعي في أكثر المسائل). 

أقول: إن كان ابن الجويني يرى معنى التعبد في النكاح باعتبار وجوب مراعاة 
أحكام خاصة شرعية فيه فباقي المعاملات مثله في هذا المعنى: فإما أن يبيح القياس 
في الكل أو يحظر في الكل» وليس تجويز أبي حنيفة افتتاح الصلاة بغير لفظ الله 
أكبر بمجرد القياس» بل هو متمسك في ذلك بقوله تعالی: 6 اح من یگ ©5 
َد َي َس 463 [الأعلى: ١٠ء ]٠١‏ وذكر اسم الرب هو افتتاح الصلاة فدل على 
كفاية ذكر الرب سبحانه في الافتتاح بأي صيخة كان. وتوارث «الله أكبر» لا يدل على 
تعيينه» لأن الأفعال المتوارثة في الصلاة لا يدل مجرد توارثها على تحتمها كلها في 
الصلاة» بل بينها سنن وآداب» والمصنف هو الذي يعترف في انهاية المطلب» بصحة 
الأثر الوارد عن سلمان الفارسي في ترجمة الفاتحة» كما ينقل النووي في المجموع 
نص عبارة ابن الجويني فيها . 

وإقامة الترجمة مقام الأصل في التلاوة المفروضة. والخلاف فيها بحث متشعب 
يسع المقام للإلمام بأطراف الحديث في ذلك» ولذا اكتفى هنا بنقل نص عن الشافعي 
من كتاب الأم“ في المسألة وهو يقول: في )٠٤١ - ١(‏ «فإن أم أعجمي أو لحان 
فأفصح بأم القرآن «الفاتحة؛ أو لحن فيها لحناً لا يحيل معنى شيء منها أجزأته 


(۱) إلا أن كتابٍ الأم للشافعي يحتوي على مذهبه القديم دون الجديد عند المؤلف! كما حكى ذلك 
عنه ابن کثیر وغیره» فیکون ما حواه في حكم المنسوخ في نظره» ومن يجهل كتاب الأم إلى 
هذه الدرجة كيف يعد من أصحاب الوجوه في مذهب الشافعي؟ ومن لم يتسع له وقت للاطلاع 
على كتب إمامه هكذا كيف يقوم يدعو الناس كلهم إلى مذهبه؟ وبعد أن علمت حاله وإطراآت 
أهل مذهبه فيه تعلم قيمة كتب التراجم التي ألفها المتعصبون. 


r‏ إحقاق الحق بإبطال الباطل في مغيث الخلق 


وأجزأتهم» وإن لحن فيها لحناً بحيل معنى شيء منها لم تجز من خلفه صلاتهم 
وأجزأتهم إذا لم يحسن غيره كما يجزيه أن يصلي بلا قراءة إذا لم يحسن القراءة» 
ومثل هذا إن لفظ منها بشيء بالأعجمية وهو لا يحسن غيره أجزأته صلاته ولم تجز 
صلاة من خلفه قرأوا معه أم لم يقرأوا. وإذا ائتموا به فإن أقاما معاً أم القرآن أو لحنا 
أو نطق أحدهما بالأعجمية أو لسان أعجمي في شيء من القرآن غيرها أجزأته ومن 
خلفه صلاتهم إذا كان أراد القراءة لما نطق به من عجمية ولحن» فإن أراد به کلاماً 
غير القراءة فسدت صلاته فإن ائتموا به فسدت صلاتهم». 

ويقول الشافعي أيضاً في «اختلاف الحديث» بهامش الأم (۷ - :)٦۳‏ «وقد 
اختلف بعض أصحاب النبي بي في بعض لفظ القرآن عند رسول الله بي ولم يختلفوا 
في معناه فأقرهم» وقال هكذا أنزل» إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرأوا ما 
تيسر منه» فما سوى القرآن من الذكر أولى أن يتسع هذا فيه إذا لم يختلف المعنى». 
هذا كلام إمامه في صدد التدليل على جواز رواية الحديث بالمعنى» ومثله في شرح 
ألفية العراقي للسخاوي. فكان الواجب على ابن الجويني - قبل أن يجلب بخيله 
ورجله على أبي حنيفة - أن يطلع على هذين النصين من أقوال إمامه ويشرح للملا ما 
هو مرمی إمامه منهماء وسيأتي شرح مذهب أبي حنيفة في ذلك إن شاء الله تعالى. 
وقد أسلفنا ما يتعلتق بقوله في العبادات والمعاملات والمناكحات فلا نعيده. 

وقوله: (ولهذا استنکف محمد وأبو يوسف عن متابعته في ثلشي مذهبه ووافقا 
الشاي ان قرت اير من كل لان مسا ر .قان فيان 
تخرّج بهما مجتهدون يتابعان ما لاح لهما من الأدلة كما هو شأن كل مجتهد» وكان 
أبو حنيفة هو الذي ينهى أصحابه من أن يتابعوه حتى يعلموا من أين قال. ومتابعة 
المجتهد لما لاح له من الدليل لا يعد استنكافاً. وإنما الاستنكاف شأن المقلد الذي لا 
يدري الدليل» على أن كثيراً من أهل العلم يرى أن رأي أبي يوسف ومحمد مستمّد 
من أبي حنيفة حتى ألّف الشيخ عبد الغني النابلسي كتابه «الجواب الشريف للحضرة 
الشريفة في أن مذهب أبي يوسف ومحمد هو مذهب أبي حنيفة» في هذا الموضع 
فليراجعه من شاء فإن فيه فوائد. 

وكيف يقال فيهما ما قاله المؤلف؟ مع أنهما ناشرا علم أبي حنيفة شرقاً وغرباً 
بكتبهما التي بين أيدينا. وهما کانا من أبر أصحابه له حياً وميتاً رحمهم الله. ثم ذكر 
الثلثين من المسائل في هذا الموضع من أعجب ما ينطق به ذو عينين بعد أن يرى 
كتب الفقه لأصحابناء وأين مخالفتهما له من الثلث فضلاً عن الثلثين؟ وهذا هو 
الهذيان بعينه. 


إحقاق الحق بإبطال الباطل في مغيث الخلق Wr‏ 

وأما عدهما موافقين للشافعي فمن أعجب التصرف من ابن الجويني» أبو يوسف 
لم يدركه الشافعي كما سبق» ومحمد بن الحسن به تفقه الشافعي بدون شك فكيف 
يتصور متابعة المتقدم أو موافقته للمتأخر؟! بل حق الكلام أن يقال: «وقد وافق 
الشافعي أبا يوسف ومحمد بن الحسن في أكثر المسائل» وهذا ظاهر جداً لكن 
التعصب والجهل يوقفان المرء هكذا في موقف السقوط . 


وقال في (ص۹٤):‏ 


(فإن قيل: محمد بن الحسن وأبو يوسف کكانا في زمانه وکانا مساویین له في 
منصب الاجتهاد» ونحلا مذهب أبي حنيفة» وعلم الشافعي مذهبهماء فلماذا لم ينتحل 
مذهبهما؟ قلنا: ومن يقول بأنهما كانا مساويين له؟ وهذه فرية عظيمة؛ إذ هما كانا 
يتكلمان معه على وجه الاستفادة من عزيز أنفاسه» والاحتساء من غزير كأسه» 
ويحترمانه غاية الاحترام» ونهاية الاحتشام» ويجلسان بين يديه كأنما على رؤوسهما 
الطير. وحكي عن الشافعي رضي الله عنه لما دخل بغداد حضر مجلس هارون الرشيد 
فأجلسه هارون في دسته علی سریره فامتلا محمد وأبو یوسف حسداً وکادا یتفطران 
غيظاً ويتلظيان غضباً فأرادا أن يفضحاه فسألاه. . .). 


أقول: هذا جهل مطبق» وعماية فاضحة» يحار المرء فيمن يجهل الجليات هذا 
الجهل» ويبعد عن معرفة منازل أهل العلم وتواريخهم هذا البعدء كيف يجترىء على 
الكتابة في موضوع كهذا؟! فيعكر صفو مشربه» ويضع من مقدار مذهبه» ويفضح 
نفسه» ويضيع نفسه» وكيف يرتفع شأن مثله في بيئة علمية لا تكون أحط وأسقط 


منه؟ . 


قال ابن حجر في (ص١۷)‏ من توالي التأنيس: «والذي تحرر لنا بالطرق 
الصحيحة أن قدوم الشافعي بغداد أول ما قدم كان سنة أربع وثمانون ومائة» وكان أبو 
يوسف قد مات قبل ذلك بسنتين ولم يجتمع به الشافعي وأنه لقي محمد بن الحسن 
في تلك القدمة» وكان يعرفه قبل ذلك من الحجاز وأخذ عنه ولازمه. وسبق من 
السخاوي أن الشافعي لم يجتمع بأبي يوسف أصلاً. ولم يكن مجلس الشافعي لما 
دخل على الرشيد سرير الخليفة بل كان موقفه موقف المتهم كما هو معلوم» وقد صح 
عن الشافعي أنه سمع من محمد إذ ذاك حمل بختي من الكتب ليس عليها إلا سماعه» 
كما في «الانتقاء» لابن عبد البر» وتاريخ الخطيب وتاريخ الذهبي وغيرها. 


v4‏ إحقاق الحق بإبطال الباطل في مغيث الخلق 


وأخرج الخطيب بسنده أن الشافعي قال: «ليس أحد أمن علي في الفقه من 
محمد بن الحسن» |.ه. أفلا يكون بعد هذا عكس الأمر وقلب الحقيقة وقاحة بالغة. 
وانتسابهما لأبي حنيفة لا يخل باجتهادهما المطلق» ولا يحط من منزلتهما في العلم! 
ورفعة شأنهما في العلم مما يظهر من كتبهما الخالدة. وأنى للمتأخر أن يساويهما في 
العلم؟ والشافعي لما حمل إلى العراق كان حمل لتهمة سياسية» ومحمد بن الحسن 
هو الذي أنقذه من القتل» وفقهه» وأسدى إليه كل خير» لكن جهلة المتعصبين 
يقابلون هذا الإحسان بالنكران وأنواع البهتان. 


وعذر المؤلف أن يجهل التاريخ والعلوم النقلية كل الجهل»ء وقد اتر بإخراج 
البيهقي وأبي نعيم والآبري رحلة الشافعي المختلفة بسند فيه عبد الله بن محمد البلوي 
وأحمد بن موسى النجار وهما لا يلحقان في الكذب. 


وفي تلك الرحلة من الأكاذيب المكشوفة تحريض أبي يوسف ومحمد بن 
الحسن الرشيد على قتل الشافعي» وكل شافعي يعتقد صحة ما حوته الرحلة المذكورة 
فهو معذور في بغض الحنفية إن كان الجاهل يعد معذوراً. لكن أبا يوسف كان مات 
قبل هذا التاريخ بسنتين» ومحمد بن الحسن هو صاحب اليد البيضاء على الشافعي 
إذ ذاك بإنقاذه وتفقيهه وإسداء كل خير إليه طول تلمذته عليه. ومن المتواتر أن 
الشافعي حمل من محمد إذ ذاك حمل بختي من العلم فأي عقل ذلك العقل الذي 
يتصور حسد مثله على تلميذه وربيب نعمته؟ مع صرف النظر عن وجود كذابين في 
سند هذه الرحلة وسيأتي بيان ذلك بأوسع مما هناء والإساءة البالغة إزاء الإحسان 
البالغ مما يبرأ منه كل إنسان إلا هؤلاء. والمؤلف المسكين لجهله بحال الرحلة اغترَ 
بها وامتلاً غيظاً ضد الحنفية فحاول أن يثأر منهم لإمامه فقابل الإحسان بالإساءة من 
بالغ جهله بالقضية» وهذا عذره ولكن ماذا يكون عذر البيهقي - مدؤّن حجج الشافعي 
في القرن الخامس - عذر زميليه؟ في إخراجهم الرحلة الكاذبة في كتبهم مع علمهم 
بخال سندها نسأل الله الحفظ . 


وقال في (ص۳٥):‏ 


(من توضاأً بنبيذ التمر فقد جعل نفسه شوهة للعالمين. .. ولو أن ماجناً مدمن 
الخمر تنكس في بركة نبيذ فأدى صلاته بذلك التنكيس جوز أبو حنيفة صلاته ولا شك 
أن هذا يناقض إلطهارة والنظافة والتعبد). 


إحقاق الحق بإبطال الباطل في مغيث الخلق فا 


أقول: هذا تصوير الأفاكين» والذي يقول به أبو حنيفة أن المرء إذا لم يجد غير 
ماء ألقى فيه تميرات لإزالة ملوحته بعض إزالة» وليحلو يسيراً من غير أن تترك فيه إلى 
التفتت كما هو عادة العرب في ذلك العهد - وهو المراد بالنبيذ هنا - توضأً به لأن 
التمرة لم تزل تمرة حيث لم تتفتت والماء لم يزل طهوراً كما في حديث الترمذي 
اتمرة طيبة وماء طهور» وأبو فزارة راشد بن كيسان في سنده ثقة عندهمء كما قال ابن 
عبد البر في الاستيعاب. وقد هذى من قال إنه كان نبّاذاً بالكوفة . وأبو زيد هو مولى 
عمرو بن حريث الصحابي صاحب الدار المعروفة بالكوفة» وبها كان دكان أبي حنيفة 
فليس مولاه بمجهول العين. وقد روى عنه أبو فزارة راشد بن كيسان وأبو روق 
عطية بن الحارث كما في العارضة» وهما ثقتان. ومن في طبقة كبار التابعين إذا روى 
عنه ثقتان من غير أن يثبت فيه جرح فهو مقبول الرواية» وكم له من نظير في صحيح 
البخاري وغيره. ويؤيده حديث أحمد بطريق علي بن زيد عن أبي رافع عن ابن 
مسعود. وعلي بن زید وإن کان مختلفاً فيه لکنه قد وثق وأخرج له مسلم مقروناً. 
وأبو رافع مخضرم ثقة معاصر لابن مسعود حتماً فخبره يكون موصولاً عند مسلم ومن 
يرى رأيه» بل نص عبد الغني المقدسي في الكمال على سماعه منه» فيظهر بذلك أن 
قول الدارقطني في الحديث المذكور ساقط مردود» بل قال البدر العيني في عمدة 
القاري أن هذا الحديث رواه عن ابن مسعود أربعة عشر رجلاً فساقه من طرقهم. وكم 
في هذه المسألة من أحاديث وآثار يقوي بعضها بعضاً وسردها في كتب التخاريج 
وشروح كتب السنة فلا محيص عن القول إما بالسخ» أو بأنه ماء ألقيت فيه تميرات 
ليحلوا يسيراً لا المسكر على اصطلاح الحدثاء. ويلغو التشنيع من أساسه في رواية 
رجوع الإمام عن المسألة. والخريب أنهم يتطاولون على أبي حنيفة مع قصره الدليل 
على مورده» ولا يتكلمون ببنت شفة في الأوزاعي ابن أبي ليلى وغيرهما ممن 
يجوزون الوضوء بالمياه المعتصرة من الشمار والأشجار. والله سبحانه من ورائهم 
محیط . 


وأما ما يشنع به المصنف على أبي حنيفة من تجويزه الصلاة مع نجاسة يسيرة 
قدر الدرهم البغلي» وتجويزه أيضاً بستر العورة بجلد كلب مدبوغ إذا لم يظفر بغيره» 
فأتفه من أن يعني به هنا لأن المأمور به هو الاستنقاء بالأحجار» والمسح بالأحجار لا 
يستأصل النجاسة من محل الاستنجاء بل يخففهاء والباقي المعفو عنه قدره أبو حنيفة 


۱۷1 إحقاق الحق بإبطال الباطل في مغيث الخلق 


بالدرهم البغلي“ وهو قدر ظفر الإبهام في السعة. والمصلي إذا لم يجد ما يستتر به 
غير جلد كلب مدبوغ يستتر به ويصلي عند أبي حنيفة. ويرى الشافعي أن يصلي وهو 
مكشوف العورة» مع أن شيخه الأول يبيح أكل لحم الكلب فضلاً عن التلبس بإهابه 
المدبغ. وحديث «أيما إهاب دبغ فقد طهر؟ يشمل إهاب الكلب بخلاف الخنزير لأنه 
نجس العين بنص القرآن . 


وقال في (ص٩٥):‏ 

(وإذا عرض أقل صلاة أبي حنيفة على عامي جلف غبي كاع وامتنع عن 
اتباعه"» فإن من انغمس في مستنقع نبيذ» ولبس جلد كلب غير مدبوغ» وأحرم 
بالصلاة مبدلاً بصيغة التكبير ترجمته بالتركية أو الهندية» ويقتصر في القرآن على 
ترجمة قوله: #مدمامتان ©©) [الرحمن: ٤٦]ء‏ ثم يترك الركوع» وينقر نقرتين لا 
قعود بينهماء ولا يقرأ التشهد» ثم يحدث عمداً في آخر صلاته بدل التسليم. وقد 
زعم أن هذا القدر أقل الواجب فهي الصلاة التي بعث بها النبي بي وما عداها آداب 
وسنن). 

أقول: هذا ما يقوله ذلك العالم المتورع البعيد عن التعصب» وأما قوله إن 
أبا حنيفة زعم أن هذا القدر من الصلاة هو الصلاة التي بعث بها رسول الله بف فهذا 


(۱) نسبة إلى رأس البغل الذي كان لليهودي الذي ضرب الدرهم في زمن عمر رضي الله عنه» 
وقيل في أيام عبد الملك. وقدر الدرهم البغلي ظفر الإبهام» كما ذكره مسعود بن شيبة» وهو 
المتوسط بين الطبرية والسود والرائجتين قبل الإسلام؛ لأن الطبرية أربعة دوانيق» والسود ثمانية 
دوانيق» فيكون المتوسط ستة دوانيق . وكان ضربه في الإسلام مدورا. والدانق حبتا خرنوب. 

(۲). ليطمثن ابن الجويني أن صلاة أبي حنيفة عرضت - من أول يوم إلى يومنا هذا - على العامة 
والخاصة من الأمة المحمدية فقبل شط الأمة - على قول ابن الأثير - بل ثلثاها - على قول علي 
القاري - عبادة الله سبحانه على طبق مذهبه مدى القرون لما وجدوا في صلاته من السكون 
والسكينة الموافقين لإجلال الله جل جلاله مع ما فيها من إنزال الأدلة منازلها فماذا على 
أبي حنيفة إن كاع الأجلاف أو امتنع الأغبياء عن اتباعه في ذلك؟. . كما يقول ابن الجويني. . 
بيد أن صلاته ليست كما وصفها الباهت الأثيم» بل هي كما دونت في كتب المذهب ولا سيما 
كتاب الصلاة للإمام محمد بن الحسن الشيباني وفي كتب الخلاف لفقات أل العلم من 
الخشوع له والسكون وإقامة الفرائض والواجبات والسنن والآداب فهياء ولو لم يكن لله تعالى 
سر خفي في ذلك لما تابعته الأمة هذه المتابعة كما يقول ابن الأثير في الجزء الأخير من «جامع 
الأصول» فيجب أن يعلم المصنف وكل من هو على شاكلته أنه لا حيلة لهم في خفض من رفع 
الله شأنه مهما أكل الحسد قلوبهم . 


۰ 


إحقاق الحق بإبطال الباطل في مغيث الخلق VY‏ 


كلام متلق على أي حنيفة بل هو بريء من هذاء ونحن نعلم أن هذا القدر ليس كل 
الواجب ولا بعضه عند أبي حنيفة» ولم ينقل عن أبي حنيفة ولا عن أحد من أصحابه 
أنه صلى هذه الصلاة التي حكاها هذا المتعصب» ولم ينقل عن أبي حنيفة أنه قال: 
يجب على المحدث أو الجنب أن ينخمس في مستنقع نبيذ ويخرج في جلد كلب 
مدبوغ . وقد كال له بكيله ابن شيبة السندي في «التعليم» وعلى القارىء في «التشييع» 
وصوراً أقل صلاة الشافعية بنصوص من مذهب الشافعي في القلتين وفي أفعال الصلاة 
بحيث لو رآها المصنف لندم كل الندم على ما اختلقه» ولعلم أن في بني عمه رماحاًء 
و«من جر ذيل الناس بباطل جروا ذيله بحق» ولكن أترفع عن نقل تلك الصور هناء 
وأنزه قلمي عن الخوض في هذه المخاضة بل أكتفي بدفع الشناعة وتكذيب الكاذب» 
وإعادة الحق إلى نصابه. 

فأقول: إن التشنيع بالنبيذ بالصورة السابقة فرية بلا مرية» لأنه إنما يجوز الوضوء 
بالنبيذ الذي هو عبارة عن ماء تلقى فيه تميرات لتزيل بعض ملوحته من غير أن تتفتت 
فيه عند عدم وجود ماء سواه خاصة» لا في حالة الاختيار» لحديث ابن مسعود وقد 
أبطل أصحابنا وجوه إعلال ذكرها الخصوم في حديث النبيذ كما سبق» والمتمسك 
بالحديث لا يعيبه من يعرف الحديث. وتصوير المصنف النبيذ بالنبيذ المسكر وتصوره 
مستنقع نبيذ يغطس فيه المتوضىء في حالة الاختيار كذب مضاعف لمجرد التشنيع . 

والتحقيق في الافتتاح والقراءة إجزاء الترجمة عنده وقت العجزء لأن العاجز عن 
اللفظ لا يعجز عن المعنى. وله في ذلك أدلة ناهضة» من ناطحها يفقد قرنه» وبسطها 
يحتاج إلى جزء خاص» على أن ما ورد في كتب السنة بأسانيد صحيحة - باسم 
القراآت - مما يخالف لفظ القرآن ويوافق معناه» محمول عنده على أداء معنى القرآن 
بلفظ غير منرّل تيسيراً أو تفسيرا» لا أنه قرآن نزل ونسيته الأمة وإلا لزم إكفار المتزيد 
أو المسقط . ودون إثبات أنه منسوخ التلاوة خرط القتاد ثم قوله تعالی: ولم یی ر 
الأ €3 [السُعَرَاء: ]۱۹١‏ نص على أن القرآن يطلق على المعنى» فإذا يكون 
المعنى ركناً أصلياً لا يحتمل السقوط بحال» كالعقد في الأيمان بخلاف اللفظ حيث 
يسقط وجوب النطق به عند العجز كالإقرار في الإيمان في حالة الإكراه أو الخرس» 
وحينما قال أهل السنة: «القرآن كلام الله غير مخلوق» أرادوا به المعنى القائم بالله 
سبحانه قبل إنزال لفظ يعبر به عنه كما في «تبصرة الأدلة“ - وفيها تبيين الحق في ذلك 
وأن تخبط كثير من المتأخرين في المراد بالمعنى القديم - ثم العجز المراد هنا عنده 


هو العجز المشوب بالتيسر لأن مبنى القراءة على التيسر. قال تعالى: فاقوا ما َر 


1۷۸ إحقاق الحق بإبطال الباطل في مغيث الخلق 


ر 


من ألفرَاٍ) [المزمل: ]٠١‏ فلا داعي إلى تقييد الأمر بالعجز التام عنده فلا يسهل 
دحض حججه في هذا الباب بالدرجة التي يتصورها المصنف» وقد ذكرنا له نصين من 
قول إمامه وفيهما ما يرجعه إلى صوابه إذا أحسن التدبر فيهماء وهذا مقتضى ظاهر 
الرواية عن أبي حنيفة» ويروي رجوعه الفخر البزدوي وأبو بكر الرازي وغيرهما فيلغو 
التحدث عن ذلك على هذه الرواية. 


ثم الفرق بين ما ثبت بدليل قطعي وبين ما ثبت بدليل ظني من مزيات مذهب 
اپ حنيفة» فالمفروض بنص القرآن هو ما تيسر ويوافقه حديث الأعرابي في الصحيح› 
وتقدير المتيسر بمقدار قوله تعالى: «مدهاان ®©) [الرحمن: ]٤‏ لم يقع في كلامه 
أصلاًء بل هذا التقدير إنما وقع في كلام بعض المتأخرين» فيكون عزوه إليه افتراء 
عليه كباقي افتراآته . 


وأما قراءة الفاتحة فواجبة عنده لثبوتها بالدليل الظني» فيستلزم تركها نقصاً 
وخداجاً في الصلاةء لا فساداً. واستعمال النفي بمعنى نفي الكمال شائع» فيحمل 
حديث «لا صلاة» على نفي الكمال جمعاً بين الأدلة. وأما الركوع والسجود 
فمفروضان لثبوتهما بدليل قطعي . وأما الاعتدال منهما فواجب بالنظر إلى دليله» 
فيكون رميه بترك الركوع وبالنقر نقرتين من غير فصل بين السجدتين افتراء عليه. لكن 
صاحبنا لا يميز بين الفرض والواجب» ولذلك يقول هنا ما يشاء. والقعود الأخير 
فرض» وقراءة التشهد فيه ليست بفرض بل هي واجبة مراعاة لمرتبة الدليل في 
المسألتين. 


والحاصل: أن الطمأنينة في الركوع والقومة منه والسجود والقعدة الفاصلة بين 
السجدتين واجبة كلها وتاركها آثم عنده لكن ترك شيء منها غير مبطل للصلاة وإن 
وجبت إعادتها على المتعمد وحديث الأعرابي المسيء صلاته دليل ظني لا يفيد 
الفرضية وإن أفاد الوجوب. وأما الركوع والسجود نفسهما فمفروضان فترك أحدهما 
يكون مبطلاً للصلاة للدليل القطعي القائم في ذلك وهو قوله تعالی: مايا اب 
مارغو وأسْجُدط4 [الحَحَ: ۷۷] فظهر أن في مذهب أبي حنيفة إنزال الأدلة 
منازلها وحاشاه أن تثبت عنه الصلاة بغير طمأنينة» وصلاة أتباعه كما ترى في المساجد 
بُعداً عن الجابة والضوضاء ومراعاة لتمام الخشوع والسكون وتعديل الأركان ومحافظة 
على السنن والآداب. فيكون التشنيع بكل ما تقدم تشنيع من لا يفرق بين القطعي 
والظني . 


إحقاق الحق بإبطال الباطل في مغيث الخلق 1۷4 


وأما سبق الحدث في آخر الصلاة فقد أخرج أبو داود والترمذي بسند فيه 
عبد الرحمن بن زياد الإفريقي عن رسول الله ية أنه قال: «إذا قضى الإمام الصلاة 
وقعد فأحدث قبل أن يتكلم فقد تمت تمت صلاته ومن كان خلفه ممن أتم الصلاة)» 
وتابع جعفر بن عون» الأفريقي في مسند ابن راهويه» بل أخرج ما بمعناه الشافعي في 
الأم بطريق عاصم بن ضمرة وهو صالح للاستشهاد به إلى غير ذلك من الأخبار 
والآثار التي تمسك بها أبو حنيفة. فالتشنيع عليه في ذلك بتلك الصورة المستبشعة 
تشنيع على تلك الأدلةء فظهر بذلك مبلغ تهور المؤلف في الافتراء عليه» ودرجة 
جهله بالأدلة. 
وقال في (ص۷٥):‏ 

(ويحكى أن السلطان يمين الدولة وأمين الملة أبا القاسم محمود بن سبكتكين 
رحمه الله كان على مذهب أبي حنيفة» وكان مولعاً بعلم الحديث» وكانوا يستمعون 
الحديث من الشيوخ بين يديه وهو يسمع› وكان يستفسر الأحاديث فوجد الأحاديث 
أكثرها موافقاً لمذهب الشافعي فوقع في خلده حكة» فجمع الفقهاء من الفريقين في 
مرو» والتمس منهم الكلام في ترجيح أحد المذهبين على الآخر فوقع الاتفاق على أن 
يصلوا بين يديه ركعتين على مذهب الشافعي» وركعتين على مذهب أبي حنيفة» لينظر 
فيهما السلطان ويتفكر ويختار ما هو أحسن وأفضل» فصلى القفال المروزي من 
أصحاب الشافعي بطهارة مسبغة وشرائط معتبرة من السترة واستقبال القبلة» وأتى 
بالأركان والهيئات والسنن والآداب والفرائض على وجه الكمال والتمام وكانت صلاة 
لا يجيز الشافعي غيرها. ثم صلى ركعتين على ما يجوزه أبو حنيفة فلبس جلد كلب 
مدبوغ ولطخ ربعه بالنجاسة“ وتوضاً بنبيذ التمر وكان في صميم الصيف في المفازة 
فاجتمع عليه الذباب والبعوض وكان الوضوء معكوساً منكساً ثم استقبل القبلة وأحرم 
بالصلاة من غير نية وأتى بالتكبير بالفارسية ثم قرأ آية بالفارسية «دوبركك سبزا. ثم 
نقر نقرتين كنقرات الديك من غير فصل ومن غير ركوع» وتشهد» وضرط في آخره 
من غير سلام وقال: أيها السلطان هذه صلاة أبي حنيفة» فقال السلطان: إن لم تكن 
هذه صلاته قتلتك لأن مثل هذه الصلاة لا يجوزها ذو دينء وأنكرت الحنيفة أن تكون 


(1) والمعفو في المخقف ما دون الربع لا الربع» ثم المراد بالربع ربع الموضع الساتر للعضو في 
موضع الإصابة لا الثوب كله فيكون ما دون الربع قليلاً جداً ثم هذا التقدير ليس لاإمام بل 
للإمامين فظهر ما في الكلام من وجوه الاختلال. 


1۸۰ إحقاق الحق بإبطال الباطل في مغيث الخلق 
هذه صلاة أبي حنيفةء فأمر القفال بإحضار كتب الفريقين وأمر السلطان نصرانيً كاتباً 
يقرأ فقرأً المذهبين جميعاًء فوجدت الصلاة في مذهب أبي حنيفة على ما حكاه 
التغانء فاشرن اقات عن متحت آي فة ربك متب العا 
رضي الله عنه. ولو عرضت الصلاة التي جوزها أبو حنيفة على العامي لامتنع من 
قبولها فناهيك من فساد اعتقاده في الصلاة وضوحا على بطلان مذهبه. هذا في 
الصلاة). 


أقول: الذي صلاها أو صوّرها هو القفال المروزي في رواية المصنف» ولا 
شأن لأبي حنيفة فيها أصلاً لأنه ما صلاها ولا صرّرهاء فإذن هي صلاة القفال لا 
صلاة أبي حنيفة. وما یتخیله المشنع أنه من لوازم مذهبه لا يكون مذهباً له» وليس 
التوضؤ بنبيذ التمر في حال الاختيار عنده» والنبيذ هو الذي سبق ذكره» لا المسكر. 
ولبس جلد كلب مدبوغ فرضي لم يقع نص عليه في کلامه . 


وأما الوضوء بغير ترتيب فلا يمنع الصحة عند علي وابن مسعود وابن عباس 
رضي الله عنهم کما حکی ابن بطال في شرح البخاري وابن المنذر في الأشراف. 
ووافقنا على ذلك مالك. وهو قول عطاء وابن المسيب ومكحول والزهري وربيعة 
وداود والنخعي والليث والثوري والأوزاعي والمزني» بل قال أبو بكر الرازي: لا 
يروى عن أحد من السلف مثل قول الشافعي اه. بل دعوى أن الواو للترتيب موضع 
هزء أهل العربية. 

وتلطيخ ربع الثوب بالنجاسة مطلقاً افتراء بحت» بل مذهبه عفو المخفف - وهو 
ما اختلفت الآثار فيه - ما لم يستفحشه الرائي کبول ما يؤکل لحمه. وهو وروثه 
طاهران عند الأصطخري والروياني من الشافعية فلا مانع من أن يغطس الثوب كله 
فيهما في وجه من مذهب هذا المتعصب . 

والإحرام من غير نية افتراء عليه إلا أن النية من أعمال القلب» لا اللسان عنده. 
والقراءة بالفارسية عند العجز كما سبق» وتمشيل المتيسر بقوله تعالى: مدماتان ®©) 
[الرّحمْن: ]٠٤١‏ افتراء عليه ومعناه: هاتان الجنتان مخضارتان يضرب اخضرارهما إلى 
السواد من شدة الخضرةء فلا شأن للورق ولا للتصغير في الترجمة» فتكون ترجمته 
بلفظ «دوبركك سبز» - يعني وريقتان خضراوان - افتراء على الله سبحانه. وترك الركوع 
وعدم الفصل بين السجدتين والنقر نقرتين من افتراء ذلك الجاهل باللختين الجامع بين 
الهجنتين» فبهذا ظهر كيف كذب على الله في الترجمة وكيف كذب على أبي حنيفة 


إحقاق الحق بإبطال الباطل في مغيث الخلق 1۸1 


في مسائل الصلاة من مبدأها إلى الخروج منها. وتحاكم الفريقين إلى مترجم نصراني 
في أيام عز الإسلام مما لا يقع إلا في مخيلة هذا المفتري . 

والحكاية كلها مختلقة» لا القفال المروزي رئيس الطريقة الخراسانية في 
المذهب الشافعي صلى هذه الصلاة» ولا السلطان انتقل من مذهبه بسب ما. وتجد 
التوسع في التدليل على اختلاق الأسطورة في «نظم الجمان في طبقات فقهاء مذهب 
النعمان» لابن دقماق المؤرخ» وفي «عقد الجمان في تاريخ الزمان» للبدر العيني 
وغيرهما. فلو كان القفال صلاها واستهان بالصلاة على تلك الصورة المصطنعة لسقط 
من مقام الإمام لأهل مذهبه» بل لكفر بتمثيله الصلاة ذلك التمثيل المزري الذي لا 
يجرؤ عليه أجرأ أهل الخلاعة والمجون» ونسبة المصنف تلك الصلاة إلى القفال - شيخ 
والده - أشنع ما ينسب إلى عالم في صدد التعصب للمذهب» ولم يكن القفال بأحسن 
حالاً في الحديث من والد المؤلف المعلوم حاله في الحديث"“ حتى يكون له قول 
في أن هذا المذهب أكثر موافقة للحديث وأن ذلك المذهب ليس كذلك. ثم إن 
عاصمة ملك السلطان كانت غزنة» لا مرو. 


ثم إن السلطان كان ملماً بمذهبه لا أمياً حتى يروج التدجيل عليه» بل له 
مؤلفات معروفة. قال الحافظ عبد القادر القرشي في «الجواهر المضية»: قال الإمام 
مسعود بن شيبة في التعليم : كان السلطان محمود بن سبكتكين من أعيان الفقهاء فريد 
العصر في الفصاحة والبلاغة. وله تصانيف في الفقه والحديث والخطب والرسائل وله 
شعر جيد قال: ومن تصانيفه كتاب التفريد على مذهب أبي حنيفة مشهور في بلاد 
غزنة. وهو في غاية الجودة وكثرة المسائل» قال: لعله يحوي نحو ستين ألف مسألة. 
وتوفي سنة إحدى وعشرين وأربعمائة اه. ومثله ليس يحتاج إلى مترجم نصراني في 
الاطلاع على مذهب إسلامي» كما هو ظاهرء بل كان المذهب الحنفي هو المذهب 


(۱) يروى عن الشافعي أنه قال: إذا صخ الحديث فهو مذهبي. وهذا جرؤ كبير من الشافعية على 
تأليف كتب يعدونها على مذهب الشافعي حيث صحت أحاديث في مسائلها في حسبانهم مع 
أنها لم تصح ولا كادت أن تصح. ومن هؤلاء أبو محمد عبد الله بن يوسف الجويني والد 
المؤلف فإنه شرع في كتاب سماه «المحيط» يجمع فيه من المسائل ما يحسب أن الأحاديث 
صحت فيه» ولما اطلع البيهقي على ثلاثة أجزاء منه نهاء عن المضي فيه لكثرة ما وقع له من 
الأوهام فترك واستراح» مع أن البيهقي لم يكن عنده من الأصول الستة غير الصحيحين وسنن 
أبي داود ولا كان عنده مسند أحمد. ومن يكون حاله هكذا في الحديث لا يكون بالمنزلة التي 
يعتقدها أهل مذهبه له» ومع ذلك كان مصيباً في إرشاد أمثال الجويني. 


۸۲ إحقاق الحق بإبطال الباطل في مغيث الخلق 


السائد في تلك الجهات على مر القرون بدون أن يقع انتقال ملك ودولة من مذهب 
إلى مذهب في تلك النواحي إلى عهد الفخر الرازي» بل لو كان القفال اجترأً على 
مغل تلك الصلاة لكان أول ما يلقاه من ذلك الملك العالم المتصلب في الحق 
التوسيط» وكل ما فعله القفال""“ هو أن يصور مل تلك الصلاة في فتاويه بقلمه حين 
قام بحظه من فتنة المزاحمة على القضاء التي أثارها أبو حامد الأسفرايني في أواخر 
القرن الرابع - كما شرحه المقريزي في الخطط . . 


والغريب أن ينخدع التاج السبكي بالحكاية المزورة فيترجم لمحمود بن سبكتكين 
في عداد الشافعية في طبقاته مع أن الحكاية كما شرحناه» وفي صلب الحكاية ما 
يكذب الخبر بأول النظر» على أن طريقة التاج السبكي في طبقاته حشد كل من سلَّم 
على شافعي أو تلقى كلمة من شافعي في عداد الشافعية كما لا يخفى على الباحث. 


(1) وهذا القفال أفنى ريعان شبابه في صناعة الأقفال وبعد أن بلغ من العمر ثلاثين سنة ابتدأ التعلم 
فتفقه على مذهب الشافعي فكان شأنه في الطيش والعنف شأن من يغتني بعد عدم» ونشأ بين 
السندان والمطرقة» ولم يكن ممن شب في العلم حتى يشيب على أخلاق أهل العلم من 
السكينة واللطف. وفي فتاويه غرائب» من ذلك «آن الربيع بن سليمان المرادي - راوية الجديد - 
كان بطيء الفهم فكرر الشافعي عليه مسألة واحدة أربعين مرة فلم يفهم وقام من المجلس حياء 
فدعاه الشافعي في خلوة وكرر عليه حتى فهم اها . والربيع هذا راوية المذهب الجديد للشافعي 
ومستمليه الذي يقولون عنه أن البويطي كان يقول فيه : «إنه أثبت مني»» وأنه سمع مئه أبو زرعة 
الرازي كتب الشافعي قبل وفاة البويطي» وأن المزني مع جلالته کان استعان على ما فاته عن 
الشافعي بكتاب الربيع. وأنه حضره بعضهم وقد حط على باب داره سبعمائة راحلة في سماع 
كتب الشافعي منه. فهذا المرادي الذي عليه مدار الفقه عن الشافعي» يصف القفال فهمه كما 
ترى والفقه كله الفهم لا سرد الرواية ثم نرى مسلمة بن القاسم القرطبي يقول عنه: «كان 
يوصف بغفلة شديدة وهو ثقة). وزد على ذلك قول أبي يزيد يوسف بن يزيد القراطيسي : 
«سماع الربيع بن سليمان من الشافعي ليس بالثبت وإنما أخذ أكثر الكتب من آل البويطي بعد 
موت البويطي»ء والقراطيسي هذا وثقه ابن يونس وأحمد بن خالد وغيرهماء وزد على ذلك 
قول الذهبي : «كان الربيع راوية كأنه لم يكن له حظ من الفقه وكان المزني فقيهاً كأنه لم يكن 
له حظ من الرواية؛. ورواية آبي علي الحسن بن حبيب الحصائري الدمشقي المتوفى سنة 
(۳۳۸ه) للأم عن الربيع هي المشهورة على تلاحق الأقلام فيها. وأما كتاب الأم المطبوع ففيه 
خلط رواية الحصائري مع ترتيب الأم للسراج البلقيني المتوفى سنة (١٠۸ه)‏ خلطاً فظيعاً بإزالة 
الحواجز وتكرير البحوث حتى تجد في صلب الكتاب ذكر أقوال المزني والبويطي وأبي حامد 
الإسفرايني وأبي الطيب الطبري وأبي الحسن الماوردي وابن الصباغ ومن بعدهم كما في ١(‏ - 
٤‏ و( - )٠١۸‏ وغيرهما فأزال الطابع الانتفاع بالكتاب بما فعل» فالواجب إعادة طبعه من 
أصل وثيق. 


إحقاق الحق بإبطال الباطل في مغيث الخلق A‏ 


فليكن ذكره لابن سبكتكين لأدنى مناسبة من هذا القبيل. ثم عند الرجل من مذهب 
لمجرد تلقيه بعض العلوم من بعض شيوخ ذلك المذهب تصرف قبيح لأنه ما من عالم 
إلا وقد تلقی عمن تقدمه کائناً ما كان مذهبه» فما جرى بعض أصحاب كتب الطبقات 
عليه من حشد مثله في عداد أهل مذهبه تخليط شنيع . 


والمصنف صدر الحكاية بلفظ «يحكى» مع أن النبأ المتصل بشيخ والده ليس 
مما يحق أن يحكى بمثل تلك الصيغة حيث يجب عليه وعلى والده الذي تخرّج به أن 
يكونا على بينة من هذا الأمر» ولم نر مطلقاً هذه الحكاية لأحد قبل الجويني» فالآن 
أسحب كلمتي فيما سبق «إني لا أظن به أن يتعمد الكذب» وأقول: لعل ابن الجويني 
هو الذي اصطنع هذه الأقصوصة ثم تناقلتها عصبة التعصب على توالي القرون ليجعل 
الله افتضاحهم بها. والظاهر أنه لم یکن بینهم رجل رشید یتنبه إلى بطلانها حتی یبین 
بطلانها للآخرين ولله في خلقه شؤون. وقد أجاد شمس الأئمة محمد بن عبد الستار 
الكردري جد الإجادة في الرد عليها تفصيلاً في كتابه «الرد على الطاعن المعثار 
والانتصار لسيد فقهاء الأمصار» وكذا عماد الإسلام مسعود بن شيبة السندي في مقدمة 
كتاب التعليم له. ولا أتوسع بنقل نصوصهما في رد تلك الحكاية المصطنعة» وكفى ما 
أسلفته في الرد على ابن الجويني نسأل الله الصون. 
وقال في (ص٩٠):‏ 

(جثنا إلى الزكاة قال الشافعي : المقصود منها سد الخلات ودفع الجوعات» 
وإحياء المهج ودفع حاجة الفقير» فاللائق بهذا الغرض أن تكون على الفور وأن لا 
تسقط بالموت» وخلاف ذلك يؤدي إلى إبطال الزكاة وتعطيل مقصود الشرع وغرضه 
وهو باطل قطعاً» والمغلب في الزكاة معنى المواساة فلا جرم يجب في مال الصبيان). 

أقول: قال الشمس الكردري لم ينقل عن أبي حنيفة شيء في تأخر الزكاة. لكن 
محمداً يقول بأنها تجب على التراخي ويروى مثله عن أبي يوسف وهو الصحيح» لأن 
وجوبها مستفاد من قوله تعالى : واا ألرّكرة [البَمَرّة: ]٤١‏ وهو مطلق عن الوقت 
فيفوض تعيينه إلى المكلف بالأداءء فأي وقت عيّنه له كان أداء فيه إلا إذا غلب على 
ظنه الفوات فحينئذ يتضيق الوقت عليه» ففي إيجابها على الفور نسخ إطلاق النص. 
وذكر الغرض هنا ليس بجيد“ وإن أراد به الإرادة لأن المراد لا يتخلف عن الإرادة 


(1) لأن أفعال الله لا تعلل بالأغراض عند أهل الحق. 


1۸4 إحقاق الحق بإبطال الباطل في مغيث الخلق 


عند أهل الحق. ولو سلم ا و ا 
يوجد عند تمام الحول ففي أي وقت أداها كان فيه دفع حاجة الفقير. وإذا أخر إلى 
آخر عمره يجب عليه الأداء أو الإيصاء من الثلث اه. وقال ابن شيبة قدر الزكاة أمانة 
في يد المزكي فأشبه الوديعة حتى لو طالبه العامل فلم يؤد إليه الزكاة حتى هلك 
النصاب أو مات المزكي فعليه الضمان» وفي ذلكم مراعاة جانب المزكي والفقير. 
وعلى رأي الشافعي يلزم تفسيق الناس كلهم بمجرد التأخير بأي مدة كان لأن 
حكمها عنده حكم المغصوب مع أنها في يد مالكها. وادعاء أن المغلب في الزكاة 
معنى المواساة غلط لأن القروض والهدية جائزان في حق النبي وهما مواساة ولا تجوز 
الزكاة وصدقة الفطر والتطوع . وإنما المغلب فيها التطهير والتزكية. قال تعالى: خد 
ين ميم صكََه هرشم وركيم [النوبة: ]٠٠١‏ فلا جرم لا تجب في مال الصبيان 
والمجانين. ومن کروی واپ هذا المعترض أنه يوجب الزكاة في مال اليتيم 
المسكين والمجنون الواله للمواساةء وكذا يقول بوجوب الزكاة في أربعين شاة مشتراة 
بين اثنين» وبوجوبها على المديون المحجور عليه. وعلى من سرق ماله» أو غرق في 
لجة ويمنع وجوب الزكاة في الحلي وأموال اناز والبزازين وعامة التجار الذين لا 
يبقى المتاع في يديهم س کا بأن يستبدل مال الزكاة بمثله متاعاً بمتاع أو بدراهم» 
ودنانير بدراهم أو بالعكس ومن يستفيد ألوفاً مؤلفة من غير جنس النصاب لا يضم إلى 
ما عنده من النصاب» وبأنه لا يجب الزكاة في الحديد والرصاص والنحاس والسمسم 
والكتان والزعفران والحناء والعصفر والخضروات والثمار وما أشبه ذلك» ویب يبح الج 
بين العشر والخراج وهذا هو الظلم المحض والمخالفة لإجماع الناس لأن أحداً من 
الظلمة من المسلمين والكفرة - إلى عصر ابن شيبة - لم يعمل بذلك. انتهى ما لخصناه 
من الكتابين. ولو أخذنا نسرد أدلتنا في تلك المسائل لطال وأمل» فبان من هو على 
الصواب في باب الزكاة. 


وقال في (ص۱٦):‏ 


(جئنا إلى الصوم» قال الشافعي: المقصود من الصوم التعبد المحض وقهر 
دواعي الهوى - فلا بد من تبييت النية - والقول بالاستناد لا يسمع). 


(۱) كيف وقد سمع الاسعناد في النقل ولا فارق. والاستناد» العود إلى المبدأ جوازاً وصحة 
كتصرف الغاصب فيما غصبه يكون حراماً إلى أن يحالل مالكه الأصلي فتنقلب تصرفاته فيه إلى 
الجواز من أن المحاللة إلى آن الغصب. 


إحقاق الحق بإبطال الباطل في مغيث الخلق 16 


أقول: حديث تبييت الصوم لم يخرج في الصحاح» بل قال النسائي: والصواب 
أنه موقوف والموقوف لا يكون حجة عند الشافعي وحديث سلمة بن الأكوع عند 
الشيخير في صوم عاشوراء «... ومن لم يكن أكل فليصم؛ يدل على اشتراط 
التبييت. وكان مفروضاً قبل فرض رمضان كما في البخاري. وخبر معاوية لا ينافيه 
لأنه من مسلمة الفتح» فحديثه عن صوم عاشوراء ينصرف إلى زمانه. فيكون ابن 
الجوزي واهماً في زعمه عدم كونه مفروضاً تعويلاً على حديث معاوية. وأخرج مسلم 
حديث عائشة «دخل على النبي بيا ذات يوم فقال: هل عندکم شيء؟ فقلنا: لاء 
فقال: إني إذاً صائم» وهذا يدل على عدم اشتراط تبييت النية في النفل ولا فارق بينه 
وبين الفرض من حيث إنه صوم» فنحمل حديث التبييت على نفي الكمال فقط 
ونتمسك بالحديثين لما في خلاف ذلك من حرج لأنه کم من مکلف ینام ولا يستيقظ 
إلا بعد الفجر فإذا لم نصحح نيته من النهار يصوم يومه ويقضي عنه بدون دليل ملزم 
وفي ذلك من الحرج ما لا يخفى . 


قال ابن شيبة : وضع الشافعي مسائل في الصوم لو اعتقدها إنسان وعمل بها لما 
صام في عمره صوم رمضان لأن الله تعالى أمر بالصيام وجعل الشرع لإفساده زواجر 
وروادع وهي الكفارة» والصوم هو الإمساك عن الأكل والشرب والجماع» فقال 
الشافعي: تجب الكفارة بالجماع ولا تجب بالأكل والشرب» والدواعي إلى الأكل 
والشرب أكثر من الدواعي إلى الوقاع» فإذا علم الإنسان أنه إذا أكل أو شرب لا تلزمه 
تبعة ولا غرامة» يبادر إلى الأكل والشرب ثم يواقع أهله وهو غير صائم. والقضاء 
عنده لا يجب على الفور. فيؤخر فيموت فجأة أو يتوفى بعد أرذل العمر فيؤدي إلى 
إبطال الصوم وتعطيل حكمة التشريع اه. وتشدد الشافعي في اتصال النية بالصلاة 
حمل كثيراً من أهل مذهبه على العدول عن مذهبه حتى جوز النووي النية المتقدمة 
على الصلاةء فأزال الحرج عن أهل مذهبه. وقوله بعدم الاعتداد بصوم من لم يبيت 
النية فيه من الحرج ما لا يخفى. 


وقال في (ص۲٦):‏ 


(لو كان وجوب الحج على الفور لأدى إلى أن يلزم على كافة الأغنياء أن 
يحجُوا في سنة واحدة وأي صوب يجمعهم وأي طريق يسعهم؟! فجعل أبو حنيفة ما 
حقه الفور على التراخي وما حقه التراخي على الفور). 


1۸1 إحقاق الحق بإبطال الباطل في مغيث الخلق 

آقول: هذا غلط لأن الناس لا يجدون الاستطاعة جميعاً في آن واحد ولا سنة 
واحدة حتى يلزم ما تقدم» بل جرت سنة الله على أن يغني هذاء ويفقر ذاك. ويغني 
ذاك ويفقر هذا في أزمان متفاوتة كما هو المشاهد» فلا يلزم أن يحجوا في سنة 
واحدة» ولا أن تضيق بهم أرض الحجاز ولا الطرق المؤدية إليها. 

وأما القول بالتراخي فيبيح خلو الموسم من الحج» بل المواسم حيث يسوغ 
للجميع عدم المبادرة إلى الحج سنة بل سنين فيكون في هذا الرأي تعطيل الركن 
العظيم من الإسلام في كثير من السنين» وفي ذلك الطامة الكبرى» لأنهم إذا عطلوا 
الحج ولم يحجوا بأجمعهم في سنة من السنين لا يأثمون في مذهب الشافعي» فإذا 
أخروا هكذا سنة بعد أخرى ولم ير الناس من يحج على توالي السنين تناسوا هذا 
الركن العظيم» بل نسوه وما في ذلك من المفاسد مستغن عن البيان. 

قال ابن شيبة : يرى الشافعي جواز خروج النساء إلى الحج من غير محرم مهما 
بعدت بلادهن مع ما في ذلك من الفتن الجسيمة» ويكره زيارتهن للقبور للفتنة. 
وعكس ذلك هو الأولى. ويرى أيضاً أن من دخل البيت الحرام والتجأ إليه لا يكون 
آمناء بل يُقتل في مكانه إن كان ارتكب ما يوجب القتل في الخارج. وفي ذلك انتهاك 
لحرمة البيت مع إمكان الانتظار إلى خروجه إلى خارج الحرم بترصده. على أن 
وجوب الحج على الفور لم ينقل فيه عن أبي حنيفة شيء نصاًء وأصحابه هم الذين 
نصوا على الغور بالسنة احتياطاً وإن كان الكتاب مطلقاً عن الوقت. والفرق بين الحج 
والزكاة أن المزكي يسهل عليه أداء الزكاة في أي وقت شاء متى أحس بشيء من 
احتمال الموت فييادر إلى أداء ما عليه بخلاف الحج» فإن له مكاناً مخصرصاً وزماناً 
مخصوصاً لا يمكن تدارك ما عليه عند الإحساس بأمارات الموت ففي الحكم 
بالتراخي خطر في الحج دون الزكاة. 
وقال في (ص۷٦):‏ 

(من غصب من إنسان شاة فشواها لا ينقطع حق المالك عنهاء وأبو حنيفة 
يقول: يزول وينقطع حق المالك لأنه زال جل المقصود - وكذا إذا اغتصب ساحة 
وبنی عليه أو استسخر قوماً يبنون له فيها ما اغتصبه من أناس مع أنه ليس لعرق ظالم 
حق ۔). 

أقول: ذكر المصنف قبل هذا كلمة في المعاملات أهملتها حيث لم يأتِ فيها 
بما يستحق التحدث عنه والآن يذكر هذه المسألة تحت عنوان صيانة الأملاك عن 


إحقاق: الحق بإيطال الباطل فن مغيث الخلق AY‏ 


الملاك. ومذهب أبي حنيفة أن المرء إذا غيّر بضاعة شخص وتصرف فيها تصرف أزال 
به اسمها ومعظم منافعها أو أحدث فيها صفة متقومة كطحن الحنطة وشي الشاة وخبز 
الدقيق ونسج الغزل ونحوها من غير إذنه يملكه ملكا خبيثا. ويكون حق صاحب 
البضاعة مثلها أو قيمتها وقت الغصب. ودليله حديث الشاة المذبوحة المشوية بدون 
إذن صاحبها. وهو ما أخرجه أبو داود من حديث عاصم بن كليب وأحمد والدارقطني 
والطبراني وغيرهم أن النبي ية زار قوماً من الأنصار في دارهم فذبحوا له شاة فصنعوا 
منها طعاماً فأخذ شيئاً من اللحم ليأكله فمضغه ساعة لا يسيغه فقال: ما شأن هذا 
اللحم؟ قالوا: شاة لفلان ذبحناها حتى يجيء فنرضيه بشمنها. فقال عليه السلام: 
أطعموها الأسارى. واللفظ للطبراني وحديث الآخرين بهذا المعنى» فدلّ الحديث 
على أن حق المالك قد انقطع عنها حين شواها. ولولا ذلك لأمر بردها على 
المغصوب منه» أو أخبر أن له الخيار في أخذها أو أخذ قيمتها فسار ذلك الحكم في 
نظائرها. وضمان العدوان في الكتاب بالمثل» ويكون ذلك في غير المثليات بالقيمة. 
وقلع البناء من الساحة ضار للباني ودفع قيمة الساحة لصاحبها يدفع الضرر من صاحبها 
كما هو حكم ضمان العدوان بخلاف ما إذا غصب الساحة من شخص» والآجر 
والأعمدة والعروق والألواح من آخر واستسخر البناة فإنه يهدم وتعاد الساحة لصحابهاء 
وغيرها لأصحابها لعدم لحوق الضرر للباني وهو آثم في الحالات كلها ما لم يرض 
أصحاب الحق. 


وما يروى عن الشافعي من مناظرته لمحمد بن الحسن في ساجة سمرت على 
سفينة بسند تالف » ودعوى قياس الحرام بالحلال ساقطة لأن إتلاف الرجل لماله 
وهدمه لبنائه من غير مصلحة داعية إليه تضييع للمال محرم عليه فالقياس قياس حرام 
بحرام. ومثل ذلك مما لا يخفى على مثل محمد بن الحسن والشافعي وكفى الإثم 
والتعزير زاجراً للغاصب . 


(۱) لأن في سنده عند أبي نعيم ۷١  ٩(‏ و١۷)‏ أبا الشيخ» ضعفه العسال. وأبا بكر النسائي وليس 
ابن أبي خيشمة لأن أبا الشيخ لم يدركه فمجهول. وعبد الله بن سلم الإسفرايني أيضاً مجهول. 
وليس الحميدي ممن يصدق في مثل هذا البالغ تعصبه. وفي سنده الآخر غير أبي الشيخ› 
والحميدي عبد الرحمن بن محمد بن جعفر وعبد الرحمن بن داود مجهولان. والمتن منكر 
جداً لأن فيه عمل الشافعي في اليمن قبل رحلته إلى مالك ثم رحلته إلى مالك لسماع الموطأء 
ثم خروجه إلى العراق بنفسه. وكل ذلك خلاف ما دونه الثقات . فكفى الله المؤمنين القتال. 


A۸‏ إحقان الحق بزبطال الباطل في مخيت الخلق 

وحديث ليس لعرق ظالم حق» أخرجه النسائي الترمذي وأبو داود وغيرهم 
وأمره يدور بين الإسناد والإرسال. واتفق رواة الموطاً على إرساله فلا يصلح للتمسك 
به على أصل الشافعي لحال السند ولحال الدلالة» وفي بعض سنده عنعنة محمد بن 
إسحاق. وعنعنته مردودة. وكان عمر وعثمان أدخلا دوراً كثيرة في المسجد بغير رضا 
أصحابها بتقويم أثمانها وهذا مبنى الاستملاك للصالح العام وفيه ضمان القيمة. فظهر 
الذي يصون الأملاك للملاك من الذي لا يصونه. 
وقال في (ص۹٩):‏ 

(المرأة ناقصة العقل والرأي» سيئة الاختيار» فيكون عقد نكاحها إلى الولي). 

أقول: استدل أبو حنيفة على أن صحة النكاح لا تتوقف على الولي بحديث 
«الأيم أحق بنفسها من وليها» وهو في الصحيحين. 

وأما حدیث «لا نكاح إلا بولي» فليس في الصحيحين لأن فيه اختلافاً. 
والأغرب أن الشافعي لم يقع له الحديث إلا مرسلاء ومذهبه رد المرسل» ومع ذلك 
أخذ بالحديث. 

وحديث «أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل» ولم يعرفه الزهري» 
مع آن الرواة يروون عنه. وهذه علة. ثم راوية الحديث عائشة قد عملت بخلافه في 
تزويج بنت أخيها عبد الرحمن. وهي علة أخرى عند كثير من أهل النقد من 


الأقدمين. ولذا لم يخرجه الشيخان» ولا يجعل عدم ظهور هذه العلل لإمامه موجباً 
للأخذ بالحديث. 


وقال في (ص۷۱): 

(قال أبو حنيفة : القتل بالمثقل لا يوجب القصاص - خلافاً للشافعي - ومعظم 
القتل بالمثقل). 

أقول: الفتوى في المذهب على أن القتل بالمثقل يوجب القصاص أخذاً بقول 
این يوسف ومحمد وتابعهما الشافعي. وأما أبو حنيفة فيقول: القاتل عمداً هو الذي 
يقتص منه» والعمد إنما يظهر إذا كان القتل بآلة معدة للقتل» بخلاف أن يضرب 
بسوط أو عصا فيموت المضروب» وهو المسمى بالقتل بالمثقل» ومعه عدة من 
السلف. 


إحقاق الحق بزبطال اباطل في مغيت الخلى خا 

ويعد هذا شبه عمد يوجب الدية لا القتل لحديث «ألا إن دية الخطأً شبه العمد 
ما كان بالسوط والعصا مائة من الإبل» أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان 

وحديث ابن راهويه «شبه العمد قتيل الحجر والعصا فيه الدية مغلظة» إلى غير 
ذلك من الأحاديث والآثار الكثيرة» وربما يكون الحامل على الضرب بالسوط قصد 
الزجر دون القتل . 

ومثل هذه المسألة الاجتهادية لا يتخذه وسيلة تشنيع إلا من حرم التوفيق. وقد 
توسعنا في بيان ذلك في «تأنيب الخطيب» فلا نعيد ما هناك. 

والتمشيل بحجر الرحى أو بصخور الجبل لمجرد التشنيع ورأي أبي حنيفة في 
المسألة هو ما ذكره محمد بن الحسن في الآثار» وليس فيه شيء من هذا القبيل. وقد 
نقلنا نص عبارته في «تأنيب الخطيب»» ومعظم القتل بالآلة كما هو المشهور» حتى لو 
كثر بغير آلة القتل - كما يقول المصنف - فللقاضي زجر أمثاله بقتله سياسة» لأن له 


ذلك عند أبى حنيفة. 


وقال في (ص۷۳): 

(من استأجر امرأة ليزني بها يجب الحد عليه» وأبو حنيفة يقول: لا يجب 
الحد). 

أقول: أبو حنيفة لم يقل بأن من استأجر امرأة للخدمة فوطئها لا يحد» بل قال 
إذا استأجرھا لیطأھا ٹم وطئها لا يحد» لأنه لیس بزنى مقطوع به. 

ومقتداه في ذلك عمر رضي الله عنه «فإن امرأة استسقت راعياً فأبى أن يفعل إلا 
أن تمكنه من نفسها ففعلت فبلغ ذلك عمر فلم يقم عليها الحد» على ما أخرجه 
الحافظ طلحة بن محمد بن جعفر المعدل في مسنده» والخوارزمي في جامع المسانيد 
)۲٠۲ - ۲(‏ عن أبي حنيفة عن حماد عن الوليد بن جميع عن واثلة عنه. فأبو حنيفة» 
وحماد والوليد من رجال مسلم وواثلة صحابي» وفي لفظ: «وذلك مهرها» كما في 
المبسوط وغيره» وقد سمى الله سبحانه المهور بالأجور» فتكون تسمية الجر للوطء 
بمنزلة تسمية المهر للنكاح» وأمر الشهود مختلف فيه فتكون في ذلك شبهة النكاح 
فيدر بها الحدء واحتمال تذرع الزناة بذلك إلى التخلص من الحد ليس بأقرب من 
اتخاذ القول بأني وجدت في فراشي فظننت الزوج» ذريعة إلى التخلص منه كما هو 
عند الشافعي . 


اوا إحقاق الحق بإبطال الباطل في مغيث الخلق 


وقال في (ص٤۷):‏ 

(وأبو حنيفة قال: قضية القضاة تنفذ ظاهراً وباطناً حتى لو ادعى رجل نكاح 
امرأة زوراً وبهتاناً. وأقام شاهدين كاذبين فقضى القاضي له بالنكاح يحل له ظاهراً 
وباطناً. وقال الشافعي: لا تنفذ إلا ظاهرا). 

أقول: لو لم ينفذ قضاء القضاة ظاهراً وباطناً لزم تجويز تمكين المرأة زوجها 
بقضاء القاضي ظاهراً» وتمكين زوجها الأول باطناً.. وكم لذلك من لوازم شنيعة لا يقر 
بها عاقل. والحديث في اقتطاع الحق باللحن لا في الحكم بالشهود» فلا يكون له 
دخل فيما هنا. 

ومن الدليل على نفاذ قضاء القاضي ظاهراً وباطناًء قضاء القاضي بالفسخ في 
باب التحالف واللعان» فإنه ينفذ ظاهراً وباطناً. ولا شك أن إحدى اليمينين كاذبة ومع 
هذا ينفذ الفسخ اتفاقاً. وكذلك أحد المتلاعنين كاذب بيقين» ومع هذا تنفذ الفرقة 
ظاهراً وباطناً. وكذا اجتهاد القاضي في المجتهدات مع احتمال الخطأ وإقامة البينة على 
أن هذا الميت عليه دين وهم شهود زور فباع القاضي شيئاً من أموال الميت لأجل 
الدينء فإنه ينفذ البيع ظاهراً وباطناً. 

وأما حديث «نحن نحكم بالظاهر والله يتولى السرائر» فغير ثابت» بل هو من 
طراز ما یحتج به المصنف وأصحابه من الأخبار. 

وأما ما حكاه عن أبي حنيفة في كلام البافلاني فمن أشنع البهتان» وإنما مذهب 
أبي حنيفة أن من ارتد عن الإسلام» ثم أسلم فإنه لا يقضي صلاة مدة ردته وكذا 
مذهب فقهاء العراق كافة. ولو حجَ ثم ارتذ ثم أسلم يعيد الحج عند أبي حنيفة 
بخلاف الشافعي فإنه لا يعيده عنده. فدونك كتب الفقه للطرفين فراجعها لتعلم مبلغ 
افتراء المفتري فتتخذه معياراً لدينه ويقينه . 

وقد اطمأن المؤلف بما سرده من مسائل الطهارة والصلاة والزكاة والصيام 
والحج والمعاملات وصيانة الأملاك والمناكحات والجنايات والحدود والحكومات إلى 
أن أركان المذهب الحنفي قد قوضت بتلك المسائل» فزال مذهب أبي حنيفة من 
الوجود في خياله. 

ولم يبق أمام مذهب نفسه - كحجر عثرة - غير مذهب مالك عالم المدينة 
رضي الله عنه فحمل على أسسه بمعوله في (ص۷۷) حيث عابه «بإفراطه في قطع 
الذرائع إلى حد أن يبيح قتل ثلث الأمة في إصلاح ثلثيهاء وتعليق العقوبات بالتهم من 


إحقاق الحق بإبطال الباطل في مغيث الخلق 1۹1 


نحو احمرار وجه المتهم واصفراره وظهور القلق والوجل عليه وغير ذلك» وإقامة 
القرائن والمخايل مقام الشهود والدلائل» وقطع يد من كاتب الكفار وأطلعهم ان 
عوراتنا بما يتضمن قتل كافتناء» وتجويز سياسات تضاهي أفعال الأكاسرة والقياصرة 
والجبابرة من الضرب بآلتهم والقتل بها والمصادرات والجنايات» وبإفراطه أيضاً في 
مراعاة المصالح المطلقة المرسلة غير المستندة إلى شواهد الشرع؟» حتى اقتنع المؤلف 
بأن مذهب مالك أيضاً زال من الوجود بما عابه به. وساد مذهب الشافعي وحده في 
البسيطة كلها بكتيبه هذا» وصفا الجو لمذهبه في نظره وهو مبتهج كل الابتهاج بما 
وصل إليه من النتيجة المشرفة له ولمذهبه - في حسبانه - ابتهاج المجاهد المنتصر. 


ولا أدري ما هو الحامل لبعض أتباع الأئمة على أن يجعل كل الخير في إمامه 
بمغالاة إذا تكلم عن متبوعه» وينسى أن الله يسأله عن غمطه الآخرين» حتى أن من 
نعتقد فيه الرزانة منهم يفقد اتزانه حينما يتكلم في هذا الموضوع . 

ومغالاة المصنف هنا استثارت المالكي أيضاً حتى قال القاضي عياض في 
المدارك: «إن الشافعي ليس له إمامة في الحديث» وضعفه فيه أهل الممنغة واتباه 
للحديث بتقليد غيره» اه وتكلم في أبي حنيفة أيضاً بنحو هذا الكلام ليصفو الجو 
لإمامه. لكن هذا وذاك غلو وإسراف في القول. ولو عدل هؤلاء عن المغالاة في 
أئمتهم وعن وقف كل خير على قدوتهم دون الآخرين لكان الإخاء بين أتباعهم أمتن. 
وكم اختلقوا من الحكايات لرفع شأن مقتداهم وخفض من سواه. 

ومن ذلك ما في «مناقب الشافعي» للفخر الرازي (ص١٠۲)‏ من إفتاء ملاك 
بحنث بائع قمري (أو البلبل على ما في حياة الحيوان) قال حالفاً: «قمريي ما يهدأ من 
الصياح» مجاوباً لمن أتاه ليرد إليه قمرياً كان اشتراه منه من قبل وهو يقول: «قمريك 
لا يصيح» ثم رد الشافعي على مالك وهو ابن أربع عشرة سنة بأن هذا الحالف لا 
يحنث لأن كلامه بمعنى أن أغلب أحواله الصياح» لا أنه دائم الصياح كحديث «أما 
أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه) . 

وهذه حكاية مختلقة لا أصل لها في الصحة ولا سند لها مطلقاًء والأخبار التي 
لا تكون لها زمان ولا خطام تهمل ولا تنقلء ثم الإفتاء المعزو إلى مالك خلاف 
مذهبه» لأن مذهبه حمل الأيمان على النية ولم يسأل عنها في الحكاية» وعند عدم 
النية تحمل على مجرى الكلام ومساقه ثم على المعنى العرفي ثم على ظاهر اللغة 
عنده» ولیس هنا ظاهر ينافي العرف ولا عرف يخالف المساق ولا مساق يتصور أن 


14۲ إحقاق الحق بإبطال الباطل في مغيث الخلق 
يجافي نية الحالف أو المستحلف» فإذاً لا حنث على التقادير كلها هنا في مذهبه لأن 
المشتري أراد بقوله: «قمريك لا يصيح» أنه لا يصيح أصلاً أو أنه لا يصيح الصياح 
المعتاد المعهودء ورد هذا وذاك يكون بإثبات صياحه وقتاً بعد وقت لا دائماً» فيكون 
كلام البائع الحالف «قمريي ما يهد من الصياح» بمعنى أنه ما يهد من الصياح المعهود 
المعتاد - وهو الصياح وقتاً بعد وقت - بحمل اللام في الصياح على العهد الخارجي 
كما هو الظاهرء وليس في الوجود قمري يكون أغلب أحواله الصياح فضلاً عن أن 
يكون دائم الصياح» فمن يزعم خلاف ذلك يكون منابذاً للحس والشهود مکابرآًء ثم 
إن لفظ (قمربي) غير مقرون في الحكاية بما يعينه مثل لفظ (هذا)» فيحتمل أن يريد 
قمریاً عنده غير ما باعه» وما خرج عن ملكه لا يضاف إليه إلا مجازاً والئية هي العمدة 
في مذهب مالك ولم يسأله عنها في الحكاية» ثم عدم صياحه أصلاً أو عدم صياحه 
الصياح المعتاد - إن كان عيباً يرد به المبيع - فهذا عيب يظهر للمشتري حين تسلمه 
المبيع ولا يتصور أن يكون عيباً خفياً يظهر له فيما بعد» فلا تعقل محاولة رد المبيع 
بمثله بعد مضي زمان. ثم لفظ «فلان لا يضع العصا عن عاتقه» مجاز مشهور في 
لسان العرب عن أنه ضراب للنساء أو أنه مسفار» وتعذر الحقيقة هنا ظاهر جداً. 


ووروده في الحديث في خطبة النساء يعين المعنى الأول» وليس في الوجود 
«حمل العصا على العاتق في أغلب الأحوال» فيكون تخريج الكلام على هذا المعنى 
جهلاً بالعربية وتخريجاً على ما لا يقع كما هو معلوم. ثم مزاحمة أهل الاجتهاد لا 
يتصور أن تقع ممن لم يبلغ الحلم إلا عند من اختلت موازين تفكيره» فلو ثبتت 
الحكاية لكانت وصمة للطرفين لكن الله سلّم حيث ارتدت إلى مختلقها من غير أن 
تمس أحد الطرفين بسوء. 


ومن هذا القبيل ما يحكونه من مناظرات بين الشافعي ومحمد بن الحسن لأنه لم 
يكن سؤالات الشافعي في عهد طلبه للعلم عن محمد بن الحسن إلا سؤال المسترشد 
المستفهم لا سؤال الند للند. وإنما تلك المناظرات المحكية في كتاب الرازي وغير 
أحاديث جرت للشافعي مع بعض أصحاب محمد بن الحسن فحولوها إلى مناظرات 


معه مباشرة مع تزید وتولید. 


ومنها ما هو مختلق من أساسه كما يظهر للباحث. وفي «بلوغ الأماني في سيرة 
الإمام محمد بن الحسن الشيباني» و«تأنيب الخطيب» توسع في بيان ذلك. 


کی کی ان ال کی معت کی E‏ 
ثم تراءى للمؤلف بعض وهن في أصول مذهبه وفروعه فزاول ذلك بحکمته 
وداوى العلة ورأب الصدع! حتى تم له ما أراد من إظهار مذهبه بمظهر الوحي الذي 
لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه! ولسنا نناقشه في مذهبه مشتعين على 
مواطن الضعف منه فرعاً أو أصلاً علماً منا بمنازل المجتهدين ومواقع الاجتهاد 
واحتراماً لهم في خدماتهم العظيمة للدين المبين» واعترافاً بأن تلك المسائل المضعفة 
مغمورة في بحر إصاباتهم» بل نكتفي بقمع تهور المتهورين وفضح ما ينطوون عليه 
من الفساد واللإفساد وقد فعلنا. 
والمصنف مع جميع ما اقترف من أنواع التشنيع في غير محله يريد أن يتظاهر 
أمامنا بأنه من الأتقياء الأطهار من التعصب والافتراء» ويتمنى منا أن نقتنع - مع ما 
أسلف - بطهارته من التعصب ضد أبي حنيفة حتى يقول في (ص۸۳): 
(وينبغي للناظر أن لا يظن بنا أنا تعصبنا للشافعي على أبي حنيفة. . . وهيهات 
ولسنا إلا منصفين ومقتصرين على اليسير من الكثير. . . ولسنا نذكر هذا التعصب» بل 
هم الذين كانوا يبالغون في التعصب على الشافعي رضي الله عنه حتى أخبر الشافعي 
بأن محمد بن الحسن وأبا يوسف كانا يدعوان الله تعالى ويقولان: (اللهم أمت 
الشافعي) فأنشد وقال: 
تمنى رجال أن أموت وإن أمت فتلك سبيل لست فيها بأوحد 
فقل للذي يبغي خلاف الذي مضى تهيألأخرى مثلهاوكأن قد 
وقد سبق منا أن الشافعي لم يدرك أبا يوسف» وأن أبا يوسف مات قبل محنة 
الشافعي بسنتين» وأن الشافعي لم يلق من محمد بن الحسن إلا كل خير. 
وما أسدى إليه من الخيرات في إنقاذه من المحنة» وكثرة إنفاقه عليه وتفقيهه في 
الدين ورفع منزلته عند الرشيد وغير ذلك مدون في تواريخ الثقات» لکن جرا 
الإحسان عند هؤلاء ليس إلا التشنيع والبهتان. ومن رأى أستاذاً يدعو على تلميذه 
حسداً؟ فضلاً عمن لا يعرفه ومات قبله» وإن كنت تريد أن تعلم مبلغ إغراق المصنف 
هنا في الافتراء فانظر (توالي التأنيس) للحافظ ابن حجر» وفيه يقول (ص۸۳): 
«وذكر عياض عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم سمعت أشهب يدعو على 
الشافعي بالموت فذكرت ذلك للشافعي فأنشد: 
تمنى رجال أن أموت وإن أمت فتلك سبيل لست فيها بأوحد 
فقل للذي يبغي خلاف الذي مضى تهيألأخرى مثلهاوكأن قد 


44 إحقاق الحق بإبطال الباطل في مغيث الخلق 

قال فمات الشافعي» فاشترى أشهب من تركته غلاماً طباخاً» ثم مات أشهب 
بعد الشافعي بثمانية عشر يوماًء فاشتريت أنا الغلام فنهيت عنه. وقيل أنه دفن العالمين 
في بضعة عشر يوماء» قال: فاشتريته وتركت التطير اه» ومثله في تاريخ اليافعي . 

والمصنف كما ترى يجعل إنشاء البيتين في أبي يوسف ومحمد اللذين ماتا قبل 
ذلك بدهر. وهذا هو منزلة المصنف في الصدق والأمانة وعدم التعصب. 

وليس شيء أدل على براءته من التعصب من إثباته تعصب الإمامين ضد إمامه 
بلك الطريقة! فتعساً لعالم يسمح لقلمه أن يجري في مثل هذا الميدان بمثل هذا 
الطراز المفضوح . 


ثم قال في (ص٤۸):‏ 

(ويحكى عن عمارة بن زيد قال: كنت صديقاً لمحمد بن الحسن فدخلت معه 
يوماً على الرشيد فأسر محمد بن الحسن إليه وهو يقول: إن الشافعي يزعم بأنه 
للخلافة أهل فغضب الرشيد وقال علي به فأحضر بين يديه فأطرق ساعة وقال: أيها 
الشافعي بلغني أنك زعمت أنك أهل للخلافةء قال: حاش لله قد أفك المبلغ وفسق 
وڻم وظلم» ولي يا مير المؤمنين حق القرابة وحق البيت وحق من أخذ بأدب الله ابن 
عم رسول الله اة الذاب عن دينه المحامي على أمته! فتهلل وجه هارون ثم قال: 
ليفرغ روعك فأنا راعي حق قرابتك وعلمك» وأدناه» ثم قال: كيف علمك بکتاب 
الله تعالی؟ قال: جمعه الله تعالى في صدري وجعل جنبي دفتيه» وعن أي علم تسألني 
يا أمير المؤمنين؟ عن علم تنزيله أو تأويله ومحكمه أو متشابهه أم ناسخه أو منسوخه 
أم أخباره أم أحكامه أم مكيه أم مدنيه أو ليليه أو نهاريه أم سفريه أم حضريه أم نظائره 
أم إعرابه أ وجوه قراءته أم حدوده أم عدائده وحروفه؟! قال: كيف علمك بالأحکام؟ 
فقال: عبادات أ مناكحات أم معاملات أم سیر وآداب وتجارب ومحارم أم عفو أم 
عقر أم عقل أم ديات أم الأطعمة أم الأشربة وحلال ذلك آم حرامه؟ قال: كيف 
علمك بالنجوم؟ قال: أعرف الفلك الدائر والنجم السائر والقطب الثاقب والمائي 
والناري وما سمته العرب الأنواء ومنازل النيرين الشمس والقمر والاستقامة والرجوع 
والنحوس... فقال: كيف علمك بالطب؟ قال: أعرف ما قالت الروم مثل 
أرسطاطلیس ومهرایس وفرفریوس وجالینوس وبقراط وهرمز وبزرجمهر. قال: کیف 
علمك بالشعر. . . وكيف علمك بالأنساب. . . فاستوى هارون وقال: يا ابن إدريس 
لقد ملأت صدري وعظمت في عيني فعظني . . . فقال هارون: يا محمد بن الحسن 


إحقاق الحق بإبطال الباطل في مغيث الخلق 14 


سله عن مسألة» فسأله عن رجل له أربع نسوة فأصاب الأولى عمة الثانية» وأصاب 
الثالثة خالة الرابعة فقال: ينزل عن الأولى والثالثة فقال: ما الحجة فيه؟ فقال الشافعي 
رضي الله عنه: «ما أسندناه بطريق مالك» لا يجمع بين المرأة وعمتها ولا يجمع بین 
المرأة وخالتها»» لكن ما تقول أنت يا محمد بن الحسن كيف دخل رسول الله ل 
مكة؟ وفي أي درب دخل؟. .. فتحيّر محمد بن الحسن . . . فقربه الرشيد» وأمر 
له بمال عظيم» فلما نهض قسم المال في دار العامة على الحجاب وانصرف 
ا 


أقول: هذه الأسطورة خاتمة كتابه» وعمارة بن زيد في صدر الرواية يقول عنه 
الأزدي : «كان يضع الحديث)» وأقره الذهبي وابن حجر» وعمارة بن زيد هذا شيخ 
عبد الله بن محمد البلوي الذي يقول ابن حجر عنه في اللسان «وهو صاحب رحلة 
الشافعي طولها ونمقها وغالب ما أورده فيها مختلق اه ويقول الذهبي: «عبد الله بن 
محمد البلوي عن عمارة بن زيد: قال الدارقطني» يضع الحديث» |.ه وأحمد بن 
موسى النجار حيوان وحشي» ففي الرحلة مثل عمارة والبلوي والنجار» وتمام 
الأقصوصة أطول مما هنا عند الفخر الرازي حيث ساقها في «مناقب الشافعي» ٤١(‏ - 
)١‏ في تسع صفحات من الطبعة القديمة مصدرة بحكاية حمل الشافعي إلى العراق 
وهو يقول فيها عن دخوله بغداد: «وكان ذلك ليلة الاثئين لعشر خلون من شعبان سنة 
أربع وثمانين (ومائة) وفي ذلك الوقت كان أبو يوسف على قضاء القضاة ومحمد على 
المظالم»» وكفى بهذا دليلاً على اختلاق القصةء لأنه كان أبو يوسف توفي قبل ذلك 
بسنتين باتفاق. ومحمد بن الحسن لم يل المظالم طول عمره» بل كان في ذلك 
الوقت على قضاء الرقة. وقد أهمل ابن الجويني السؤال عن علمه بالسنة وبالعربية”“ 
واستدركهما الرازي وأصلح جواب الطب بعض إصلاح. وفي الاطلاع على شتى 
الاختلاقات في هذا الموضوع ما يعرف مقدار جراءتهم على الكذب وجهلهم بما 


() مؤلف السير الكبير والمبسوط والحجة على أهل المدينة والآثار والموطأ وغيرها من الآثار 
الخالدة يتحير؟! على أن الشافعي يقول فيه: «ما رأيت أعلم بكتاب الله من محمد بن الحسن 
ولا أفصح». وقال أيضاً: «ما رأيت رجلاً أعلم بالحلال والحرام والعلل والناسخ والمنسوخ من 
محمد بن الحسن»» كما ذكره ابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب (۱ - ۲۲۲) وعلى مثل 
هذا الرجل الضعيف في العلم كيف تفقه الشافعي وأخذ منه حمل بختي من العلم ليس عليه إلا 
سماعه؟ فسبحان قاسم العقول. 

(۲) ولعل ذلك لرأیه في عربيته في البرهان ولعدم اقتناعه بمبلغ سعة علمه في معرفة السنة. 


1۹7 إحقاق الحق بإبطال الباطل في مغيث الخلق 
يفضحهم في صلب الرواية حيث جعلوا دليل الجهل بالشيء دليلاً على العلم به 
ھکذا تکون صداقة الجاهل ينطق بما يحط من مقدار من يريد رفع شأنه. وعلمه 
بالقطب الثاقب! يتخذ دليلاً على علمه بالفلك! كيف. وهو يقول في الأم: ١(‏ - 
۲ «لو اجتمع صلاة العيد وصلاة الكسوف أيهما تقدم؟٠.‏ قال ابن شيبة: وهذا 
من المحالات لأن الكسوف لا يكون إلا في اليوم الثامن والعشرين» وعيد الفطر يكون 
في اليوم الثلاثين أو الحادي والغلاثين وإن أراد بالكسوف الخسوف فكذلك لأن 
وة الت كرون إل ي اليل 

وقد رد عليه مؤمل بن أبي معشر المنجم في كتاب سماه «ما لا يجوز إيراده» 


اهھ. 


وقوله إن بعض الأرض كرى وبعضها سطح يتخذ أيضاً دليلاً على مبلغ علمه 
بالهندسة وأحوال الأجرام! وما سرده في الطب من الأسماء من أغرب ما ينسب إلى 
عالم» لأن أرسطو لم يكن طبيباً» بل حكيماً يونانياً رئيس المشائين» وفرفريوس كان 
منطقباً لا طبيباً. ولم يکن هرمز ولا بزرجمهر من الروم بل من الفرس. فالأول ملك 
لا شأن له في الطب» والثاني وزير حکيم ليس من صناعته الطب. وقوله: «من أكل 
البيض ونام ما أظنه يصبح حياً» وقوله: «ومن العجب من يأكل السمك ويجامع كيف 
لا یموت» ومن يلعق مربى السفرجل كيف يموت» وقوله: «الذكاء كله في أكل 
الباقلاء وشرب مائه»» لو ثبتت عنه لدلت على مبلغ علمه بالطب وبمشل هذه 
الأقصوصة جعل ابن الجويني أبا حثيفة ذا فن واحد» والشافعي ذا فنون! وهي جزء 
من «رحلة الشافعي» زواية' خمد بن موسى التجار عن محمد بن سهل الأموي عن 
عبد الله بن محمد البلوي. وعن هذه الرحلة يقول ابن حجر في «توالي التأنيس» 
(ص١۷):‏ «وأما الرحلة المنسوبة إلى الشافعي المروية من طرق عبد الله بن محمد 
البلوي فقد أخرجها الآبري (الحافظ أبو الحسن محمد بن الحسين المتوفى سنة 
۳م) والبيهقي (أبو بكر أحمد بن الحسين المتوفى سنة 0۸٤ه)‏ وغيرهما"“ مطولة 
ومختصرة» وساقها الفخر الرازي في «مناقب الشافعي» بغير إسناد معتمداً عليها. وهي 
مكذوبة وغالب ما فيها موضوع وبعضها ملفق من روايات ملفَقَة . 


(۱) وأخرج أبو نعيم الأصبهاني قبل البيهقي في «حلية الأولياء“ (۸ - )۸٤‏ سند فيه البلوي والنجار 
المذكورين» وأبو نعيم توفي سنة (۳۰٤ه).‏ وله من هذا الطراز في حليته شيء کثير. 


پا ی واب ابال ھی غیت ی ا 

قال السخاوي في «المقاصد الحسنة» (ص۲۲۲): «قال شيخنا وكذا الرحلة 
المنسوبة للشافعي إلى الرشيد. وأن محمد بن الحسن حرّضه على قتله وإن أخرجها 
البيهقي في «مناقب الشافعي» وغيره فهي موضوعة مكذوبة». 


وقال ابن الفرات: (وقد ذكر بعض الشافعية أن محمد بن الحسن وشى بالإمام 
الشافعي رضي الله عنه إلى الخليفة بنه يدعي أنه يصلح للخلافة» وكذا أبو يوسف 
رحمهما الله وهذا بهتان وافتراء عليهما. 


العجب منهم كيف نسبوا هذا إليهما مع علمهم بأن هذا لا يليق بالعلماء ولا 
يقبله عقل عاقل اه). 


وقال ابن العماد الحنبلي في «شذرات الذهب» في (۱ - ۳۲۳) بعد أن نقل كلام 
ابن الفرات هذا: «قلت: ويصدق مقال ابن الفرات ما ذكره حافظ المغرب الثقة الثبت 
ابن عبد البر المالكي في ترجمة الشافعي فساق ابن العماد ما في الانتفاء له من كيفية 
تخليص محمد بن الحسن للشافعي من المحنة إلى قول الشافعي «فأخذني محمد 
رحمه الله وکان سبب خلاصي» ثم قال: هذا لفظ ابن عبد البر بعینه فیجب على کل 
شافعي إلى يوم القيامة أن يعرف هذا لمحمد بن الحسن ويدعو له بالمغفرة)» وقد 
عرفت الشافعية هذا الجميل له كما ترى. فمثل الآبري وأبي نعيم الأصبهاني والبيهقي 
إذا خرجوا الرحلة المكذوبة مع علمهم بأن عمارة بن زيد» وعبد الله بن محمد البلوي 
كذابان» وأحمد بن موسى النجار كذاب يقول فيه الذهبي: «حيوان وحشي ذكر محنة 
مكذوبة للشافعي فضيحة لمن تدبرها). 


أفلا يعذر مثل ابن الجويني والغزالي والرازي بعض عذر إذا امتلأوا غيظاً ضد 
الحنفية وسعوا جهدهم في الفتنة» وأساؤوا القول فيهم لجهلهم بالتاريخ وأحوال 
الرجال. وقد بلغ ببعضهم الجنون إلى حد أن يقول في مناظرة الشافعي لأبي يوسف 
ومحمد بن الحسن المختلقة «أن الرشيد غضب عليهما وصدر الأمر بإخراجهما من 
المجلس الرفيع سحباً على الوجوه وجرا بالأرجل إلى خارج الباب» فتباً للأفاكين» 
ووفاة أبي يوسف قبل مقدم الشافعي بسنتين» وتلمذة الشافعي على محمد إذاك 
المتواترة تصفعان أقفية المختلقينء أمنزلتهما عند الرشيد مجهولة عند العالمين؟ وهذا 
هو البهتان المبني. فتبعة ذلك كله تقع أولاً على أكتاف الآبري وأبي نعيم والبيهقي ثم 
على الآخرین . 


1۹۸ إحقاق الحق بإبطال الباطل في مغيث الخلق 

ولهم رحلة أخرى مكذوبة أيضاً قضيت عليها في «بلوغ الأماني» فلا أعيد الكلام 
فيها إلا أني أزيد هنا ما قاله ابن حجر في «لسان الميزان» ( - )۲٤١‏ في ترجمة 
يحيى بن الحسن المقري المصري: «لا أعرفه وحدثت عنه رحلة للشافعي حدث فيها 
عن علي بن محمد البصري عن أبي بكر بن المنذر عن الربيع عن الشافعي بأشياء 
منكرة» أنه لما اجتمع بمالك كان عمره أربع عشرة سنة» وأنه حضر مجلس مالك 
فسمعه يملي الحديث وكان كلما أملى حديغاً كتبه بريقه. فسأله مالك لما انقضى 
المجلس عن ذلك فقال: كنت أكتبه لأحفظه» وسرد عليه مما أملاه خمساً وعشرين 
حديثاً وفيه أن مالكاً زوّده إلى الكوفة بصاع تمر بعد ثمانية أشهر"“ أقامها عنده» فوجد 
بالكوفة محمد بن الحسن فاستعار منه كتاب أبي حنيفة فحفظه في ليلة واحدة» ثم 
توجه إلى بغداد أول ما ولي الرشيد الخلافة فعرض عليه القضاء فامتنع . فولاه 
صدقات نجران» وأنه لما خرج منها نزل حران فضيّفه شخص من أهلها ووهب له 
أربعين ألفاًء وأنه لما خرج منها شيعه الأوزاعي وابن عيينة وأحمد بن حنبل. وذكر 
أشياء من هذا الجنس يعرف كل من أهل الفن أنها أحاديث مختلقة. ورأيت في الجزء 
أنه قرىء بحضرة الشيخ أبي إسحاق الشيرازي على أبي الفتح نصر بن الحسن بن 
القاسم عن عبد الله بن عبد الله بن خيران عن يحيى المذكور. ورواها عن أبي الفتح 
المذكور شبيب بن الحسين. ولا أعرف شبيباً ولا شيخه» ١.ه.‏ وإذا رأينا النووي“ 
وصاحبه العطار يلتفتان إلى مثل تلك الرحلة فلا يستغرب أن ينخدع بها العفيف 
اليافعي . 


(۱) ورواية إقامته عند مالك إلى وفاته مذكورة في رواية عند أبي نعيم إلا أن السند ليس بذاكء 
والمثن منکر جداً. 

(۲) قيمة كتاب «المجموع؛ له فيما نقله عن غير آهل مذهبه كما اعترف بذلك في أوائل الكتاب 
حيث قال في صدد بيان مبلغ الحاجة إلى معرفة مذاهب السلف بأدلتها: «ولا أنقل من كتب 
أصحابنا من ذلك إلا القليل لأنه وقع في كثير من ذلك ما ينكرونه». وقيمة شرحه على مسلم 
بما نقله عن أمثال الخطابي. وكم من حديث ينفيه في الخلاصة ويثبته أهل الشأن. ومعرفته 
بالتاریخ شيء لا يذكر فإذا رأيت قوله في «التهذيب»: «إن أبا يوسف بعث إلى الشافعي حين 
خرج من عند هارون الرشيد. . ٠.‏ وقوله في «المجموع: «وفي رحلته مصنف مشهور 
مسموع؟. تعلم مقداره في التاريخ حتى إن علمه بالحديث يظهر من الخلاصة له» ومن قوله في 
أوائل المجموع «وفي الصحيحين عن رسول الله ئة الأئمة من قريش» وقد سبق أنه غير مخرج 


إحقاق الحق بإبطال الباطل في مغيث الخلق ۱44 

وقد وفيت الكلام حقه في الرحلتين في (بلوغ الأماني في سيرة الإمام محمد بن 
الحسن الشيباني) فليراجعه من أراد معرفة ما هناك. 

وأمثل ما ورد في محنة الشافعي رضي الله عنه من الأخبار هو ما أخرجه ابن 
ا حاتم عن وراق الحميدي عنه عن الشافعي وفي آخره: «وكان محمد بن الحسن 
جيد المنزلة عند الخليفة فاختلفت إليه وقلت هو أولى من جهة الفقه فلزمته وكتبت 
عنه وعرفت أقاويلهم وكان إذا قام ناظرت أصحابه فقال لي بلغني أنك تناظر فناظرني 
في الشاهد واليمين فامتنعت فألح علي فتكلمت معه فرفع ذلك إلى الرشيد فأعجبه 
ووصلني». وهذا يدل على أن المناظرات المعزوة إلى الشافعي ومحمد بن الحسن إنما 
هي مناظرات للشافعي مع بعض أصحاب محمد بن الحسن جعلوها مناظرات للشافعي 
مع محمد مباشرة» متصرفين في المناظرات كما تهواه أنفسهم رفعاً لشأن إمامهم على 
شیخه ومفقهه كما شاؤوا غير مبالين بخلوها من الزمام والخطام» على أنها مكشوفة 
المآخذ لا تتناسب مع منزلتهما في العلم» ويدل أيضاً على مبلغ أدب الشافعي مع 
شیخه ومبلغ عطف شیخه عليه حیث کان يدرّبه على المناظرة ويرفع حديثه إلى الرشيد 
استجلاباً لعطفه عليه» وتمام الخبر في توالي التأنيس (ص1۹) وبھذا تعلم مواضع 
التزيد في خبر ساقه أبو نعيم في الحلية )۷١ - ٩(‏ بسند فيه أبو الشيخ عبد الله بن 
محمد بن جعفر وهو مضعف وشيخه عبد الرحمن بن محمد وشيخ شيخه 
عبد الرحمن بن داود مجهولان وأبو سعيد الفرياني غير موثق وفي الخبر خروجه إلى 
اليمن قبل رحلته إلى مالك ثم مصيره إلى محمد بن الحسن ثم مناظرته الطويلة معه. 
وكل ذلك باطل مخالف لما شهر بين أهل العلم ولما أخرجه ابن أبي حاتم مع اتحاد 
السياقين» وبهذا أيضاً تعلم مواضع التغيير والتبديل والتزيد في رواية الكرابيسي عند 
بي نعیم ٩(‏ - ۷۰)» وفي سندها أبو الشيخ وشيخه وشيخ عبيد بن خلف مجهولان» 
والكرابيسي إنما لازم الشافعي شهرين فقط في قدمته الأخيرة إلى بغداد كما ذكره 
الرامهرمزي وله شذوذ غير مستساغ في أصول الفقه ونقد الرجال والمعتقد» تكلم فيه 
غير واحد» منهم أحمد وابن معين والأزدي. قال مسلمة بن القاسم القرطبي في صلة 
تاريخ البخاري: «كان غير ثقة في الرواية» وفيها أن الشافعي قرأ على مالك الموطاً 
إلى كتاب السير فقط» وفيها أيضاً مناظرة طويلة له مع محمد بن الحسن» وقد اختصر 
ابن حجر خبر الكرابيسي (ص۹١)‏ من أوله وآخره وترك الكلام في رجاله حتى أصبح 
بحیث لا يظهر للناس مواضع التزيد فيه» وهذا ليس بجيد. 


٠‏ إحقاق الح بإبطال الباطل في مغيث الخلق 


وعند أبي نعيم رواية أخرى )۸١ - ٩(‏ بطريق إسماعيل الحبال الحميري أنه 
رحل إلى مالك ولازمه إلى موته» ثم خرج إلى اليمن وحمل من هناك مع خارجي 
إلى العراق واستنسخ كتب محمد بن الحسن في ثلاثة أيام» ثم رحل إلى الشام وبها 
أف الرد على أبي حنيفة والرد على مالك ثم دخل مصر وحمل من هناك مكبلاً 
بالحديد إلى الرشيد وناظر محمد بن الحسن وبشر بن غياث» وأفحمهما فأمر الرشيد 
بسحب محمد برجله فشفع فيه الشافعي. ولعل ذلك كله وقع في رؤيا لهذا الأفاك 
فجعله في اليقظة لأنه لم يجتمع بشر بن غياث بالرشيد أصلاً منذ ذاعت بدعته بل كان 
مختفياً طول عهد الرشيد حيث كان الرشيد حلف بسفك دمه لبدعته المعروفة. ومن 
المتواتر أن الشافعي حمل من محمد بن الحسن حمل بختي من العلم ليس عليه إلا 
سماعه كما أخرجه ابن أبي العوام والصيمري وأبو نعيم والخطيب وابن عبد البر 
والذهبي وغيرهم بأسانيد صحيحة وکل ما سمعه من غيره لا يون عشر معشار هذاء 
وذلك المقدار العظيم من الكتب لا يمكن استكتابه ومقابلته في ثلاثة أيام ولو أمكن 
هذا ما أمكن سماعه منه في تلك المدة الوجيزة ولا سيما أن طريق التفقه لا يجري فيه 
السرد المجرد الجاري في رواية الحديث» والشافعي إنما دخل مصر في أواخر سنة 
(۹۹ه) في عهد المأمون بعد وفاة الرشيد بست سنين لا في عهد الرشيد فيظهر من 
ذلك أن مختلق هذا الخبر لم يدبر كذبه فأغناك عن البحث في كتب الرجال عن 
مجاهيل الرواة في السند فكفى الله المؤمنين القتال. 


وفي رواية عند ابن عبد البر في الانتفاء (ص4۷): أنه حمل من مكة ومعه تسعة 
من العلويين إلا أن في سندها عبيد الله بن عمر البغدادي وهو غير مرضي عند أهل 
النقد وإن انخدع به بعض الأندلسيين» وفي رواية عنده أيضاً (ص٥۹)‏ حمله من مكة 
ومعه ثلاثمائة رجل من قريش وفي سندها محمد بن إبراهيم الحراني وأبوه وهما 
مجهولان» وفي فهرست محمد بن إسحاق النديم (ص٤۲۹):‏ أنه ظهر بالمغرب رجل 
من بني أبي لهب فحمل الشافعي معه إلى الرشيد. وزد على ذلك كله الرحلتين 
المصطنعتين وقد توسعنا في التدليل على اختلاقهما في هذا الكتاب وفي «بلوغ الأماني 
في سيرة الإمام محمد بن الحسن الشيباني» ولفتنا الأنظار إلى أن الآبري وأبا نعيم 
والبيهقي فضحوا أنفسهم بإخراجهم الرحلة الكاذبة في كتبهم حتى أصبحوا بحيث لا 
يعول على روايتهم إلا بعد عرضها لمحك النقد الصحيح» وقد فضح الله تعالى 
الأقاكين باختلاقهم الفظيع وتزيدهم الشنيع في المحنة حتى إنهم اختلفوا في البلد الذي 
حمل منه هل هو اليمن أم مكة أم المغرب أم مصر؟ زيادة على اختلافهم فيما تم له 


إحقاق الحق بإبطال الباطل في مغيث الخلق ا 


بعد ذلك فارتد كيدهم إلى نحورهم في تهوين أمر تفقه الشافعي على محمد بن 
الحسن فوقع الحتق وبطل ما كانوا يعملون. 


فيظهر من ذلك كله مبلغ جراءة الرواة في التزيد واستقباب الحبة ‏ لحاجة في 
النفس - ومع كل هذا التنويع في الكذب» والتفنن في الاختلاف نرى ابن جرير لا 
يشير في تاريخه إلى محنة الشافعي أصلاً مع أنه توسع في بيان محنة أحمد» بل 
الخطيب نراه أيضاً يسكت في تاريخه عن المحنة وكذا الذهبي في تواريخه وتلك أمور 
تستوقف الأنظار» وعلم حقيقة ذلك عند الله سبحانه. وقد ذكر كثير من الأصحاب في 
ردودهم شواذ مسائل هؤلاء المتهورين . 


من ذلك ما ذكره البدر العيني في (عقد الجمان) حيث قال: «ونحن نذكر من 
مسائلهم التي فيها بشاعة وقبح أكثر مما ذكروا مكافأة لهم» وقال تعالى: ور سَِرٍ 
س لها [الشورى: .]٤١‏ فمنها أنهم يتوضأون من حوض صغير فيبزقون فيه 
ويتمخطون ويبقى الماء الذي فيه مستعملا بينهم» ثم يصلون بذلك الوضوءء فإن 
عورضوا يقولون هذا قلتان أو أكثر وقد قال عليه السلام: «إذا بلغ الماء قلتين لم 
يحمل خبثاً». وهذا الحديث ضعفه ابن معين وغيره كما عرف في موضعه» ومع هذا 
قال الشافعي: حدثني مسلم عن ابن جريج بإسناد لا يحضرني: أن الماء إذا بلغ 
قلتين لا يحمل نجساً» وكان يجب أن يحفظ إسناد هذا لأنه دليله الخاص على قوله 
الذي انفرد به. فإذا کان حاله هکذا عند إمامهم فکيف يحتجون به؟. 


ومنها: أن رجلا إذا صلّى خلف إمام ثم ظهر أنه جنب أو محدث يقولون صلاة 
المقتدي جائزة. وأي شنعة أقبح من هذا؟ حيث يجوّزون الصلاة خلف الجنب أو 
المحدث وأشد قبحاً من هذا أنه لو ظهر كافراً جازت صلاة المقتدي أيضاً في قول 
عنهم . وهل يوجد قول أقبح من هذا؟ حيث جوز صلاة المسلم خلف الكافر. 


(۱) ومسلم في تلك الرواية هو ابن خالد الزنجي متكلم فيه. وله حديث آخر يقول فيه: أنبأً الثقة 
عن الوليد بن کثير عن محمد بن عباد بن جعفر عن عبد الله بن عبد الله بن عمر عن بيه أن 
رسول اله به قال: «إذا كان الماء قلتين لم يحمل نجساً أو خبا» ١.ه‏ كما في مسنده. لكن 
مفعول أنباً متروك» والثقة مجهول» والوليد أباضي» وابن عباد في سماعه من عبد الله خلاف»ء 
والترديد شك» وبين النجس والخبث فرق وزيادة على الجهل بالمراد من القلتين ومن الخبث 
والحمل: 


fF‏ إحقاق الحق بإبطال الباطل في مغيث الخلق 


ومنها: أن النصراني إذا تهوّد يجبرونه على أن يعود إلى دينه الأول الذي كان 
عليه فإن عاد وإلا قتل. وأي شنعة أقبح وأفضح من هذا؟ حيث يجبرون من يقول أن 
الله واحد لا شريك له على العود إلى دين يقال فيه أن الله ثالث ثلاثة. 

ومنها: أن البكر إذا زنت يجلدونها مائة جلدة ثم ينفونها عن البلدة سنة بغير 
محرم. وفي هذا شنعة كبيرة. لأنها إذا خرجت من بين عشيرتها وظهراني قومها 
ارتكبت ما شاءت من الفواحش» وقد صح عن علي کرم الله وجهه أنه قال: «كفى 
بالنفي فتنة. 

ومنها: أن الرجل إذا زنى بامرأة فحبلت منه ووضعت بنتاً يجوزون للرجل أن 
يتزوج تلك الابنة وأي قول أشنع من هذا؟ سلمنا أن الشرع نفى النسب عنه ولكنها 

ومنها: أن شاهدين إن شهدا على رجل بأنه طلَق امرأته ثلاثاً وفرق القاضي 
بينهما والزوج يعلم أنهما شهدا بالزور يقولون بأن الفرقة وقعت بينهما في الظاهر ولم 
نقع في الباطن فيجوزون للزوج أن يطأها فيما بينه وبين الله» ثم يجوزون لها أن تتزوج 
بزوج آخر بحكم الظاهر! وأي قول أقبح وأشنع من هذا يكون لامرأة زوجان في حالة 
واحدة أحدهما يجامعها في السر والآخر في العلانية . 

ومنها: أنهم لا يجوزون بيع التعاطي فيلزم من هذا أن من اشترى طعاماً 
بالتعاطي لا يحل له أن يأكله ولو أكله كان حراماً» وكذا لو اشترى جارية بالتعاطي 
يكون وطؤها حراماً» فيكون أكثر الناس أكلة الحرام وتكون الأولاد الذين ولدوا من 
الجواري التي بيعت بالتعاطي أولاد زنى ولا عيب فوق هذه المقالة. 

ومنها: أنهم لا يجوزون إسلام الصبي الذي يعقل الإسلام» ولا يصلُون عليه إذا 
مات ولا يورثون منه أخذاً ولا يأكلون ذبيحته إذا كان أبواه مجوسيين! وأي شنعة 
أعظم من هذا؟ شخص عاقل يأتي بجميع شرائط الإسلام يقال فيه أنه كافر. ومسائل 
هذا الباب أكثر من أن تحصى ففيما ذكرناه كفاية . انتهى كلام البدر العيني. وأراني في 
غنية عن استقصاء المسائل من هذا القبيل بعد أن حصحص الح وبطل ما كانوا 
يعملون. 


خاتمة 


وأرى أن أختم الكتاب بما ختم به السراج الهندي كتابه «العزة المنيفة» حيث 
قال: 

«إن القضاة والعدول والأحياء والأموات مفتقرون إلى اتباع الإمام الأعظم 
والمجتهد المقدم أبي حنيفة رضي الله عنه في عامة أحوالهم. 

أما القاضي فإنه ينعزل عند الشافعي رحمه الله بمجرد الفسق فيلزم على مذهبه 
عصمة القاضي من المعاصي ما دام قاضياً. وإلا ينعزل ولا يوجد قط على هذا الشرط 
قاض باقياً على القضاء في مذهبه» فإذا انعزل لا تنفذ أحكامه وتصرفاته فيجب عليه 
إظهار فسقه وتجديد توليته - وإلا يلزم من المفسدة ما لا يخفى - أو اتباع الإمام 
أبي حنيفة فإنه لا ينعزل عنده بالفسق» وإن استحق العزل. 

وأما العدول فلأن أبا حنيفة رضي الله عنه يثبت العدالة بظاهر الإسلام. وأما 
الشافعي رحمه الله فاشترط في العدول اجتناب الكبائر ظاهراً وباطناً. والتزكية كذلك» 
وأي عدل أو قاض لم يلم بمعية؟ ولأن الشركة التي يتعاطاها العدول فاسدة على غير 
مذهب أبي حنيفة» فالتناول منها قادح في العدالة فكيف تنعقد عقود المسلمين 
بشهادتهم عندهم؟ والعدالة شرط في انعقاد النكاح عندهم فيحتاجون إلى اتباع 
أبي حنيفة في العقود والشهادات والأنكحة. 

وأما بيان احتياج الأموات فإنهم يحتاجون إلى مدد الأحياء بإهداء ثواب القراءة 
إليهم وذلك لا يصل إليهم عند غير أبي حنيفة. فلا يحصل لهم الخلاص من 
العقوبات والوصول إلى الدرجات إلا على مذهبه. 

وأما بيان احتياج كافة الناس إلى اتباعه فمن وجوه: 

الأول: أن تارك صلاة واحدة يقتل عندهم إما حداً وإما كفرأً» فيجب حينئذ قتل 
أكثر العالم إذ المواظبون على الصلوات أقل من التاركين في كل وقت خصوصاً النساء 
فإن أكثرهن لا يصلين إلا نادرأ فسكوت القضاة عن العامة والأزواج عن نسائهم فيه 
ما فيه» وفي القول الذي يكفر به تارك الصلاة يشكل بقاء الأنكحة مع ترك الصلاة 
فإقامتهم معهن وإقامتهن معهم فيه من العسر ما لا يقاس عليه . 


4 إحقاق الحق بإبطال الباطل في مغيث الخلق 

الثاني : أن البياعات والمعاملات التي يباشرها العبيد والصغار من الغلمان في 
عامة الأحوال مشكلة عندهم» فيجب عليهم أن لا يرسلوا في حوائجهم إلا العقلاء 
البالغين. وأيضاً لم يتعارف الناس البيع بالإيجاب والقبول» بل يباشرون البياعات 
بالتعاطي وذلك غير جائز عندهم. 

الثالث: أن مذهبهم أن من ترك تشديدة من الفاتحة لا تجوز صلاته وذلك يعسر 
على أكثر العوام خصوصاً الأعراب والأعاجم فلا يجوز صلاة القراء خلفهم فلا 
يجوز للعامة إلا تقليد أبي حنيفة رضي الله عنه في جواز الصلاة بما تيسر من القرآن. 

الرابع : أنه يشترط عندهم قران النية باللسان والقلب ولا يمكن ذلك إلا لمثل 
الجنيد وأبي يزيد في العمر إلا نادراً. 

الخامس: أن شرط الخروج عن عهدة الزكاة أن تفرق إلى ثلاثة من كل صنف 
من الأصناف الثمانية المذكورة في قوله تعالى: إا أَلصَدَكَتٌ لَمُمَرء . . .€ [التوبة : 
]٠‏ الآية وقلما يتفق ذلك لأحد. 

السادس: أن النفقة على الموسر مدان» وعلى المعسر مد عندهم» وقلما يتفق 

السابع : أن الحمامات التي تسخن بالنجاسات» والأقراص التي تُخبز وتطبخ 
بالزبل» والفخارات التي تُعجن بالأروان كلها مشكلة على مذهبهم. 

الثامن: أن بيع الروث والجلة لا يجوز عندهم مع أنهم يباشرونه . 

التاسع : أن الملبوسات التي يتناولها الجمهور من السنجاب والسمور والقاقم 
وسائر أصنافها غير طاهرة عندهم لأن شعر الميتة نجس عندهم. 

العاشر: أن بيع الباقلاء والفول الأخضر والجوز واللوز في قشوره مشكل عندهم 
لاشتراطهم علم ما في داخل القشور مع أنهم لا يحترزون من أمثالها. 

وهذه قطرة من بحار المسائل التي يحتاج الناس فيها إلى اتباع أبي حنيفة تركنا 
استقصاءها مخافة التطويل فالناس كلهم كما قال الشافعي رحمه الله عيال على 
أبي حنيفة في الفقه فيتعين لهم اتباعه والله أعلم . انتهى ما ذكره السراج الهندي ببعض 
تصرف . 

وقد انتهى بتوفيق الله سبحانه بيد الفقير محمد زاهر الكوثري في ٠‏ جمادى 
الأولى من سنة (١٠۳٠ه).‏ والحمد لله أولاً وآخراً. . 


HHR 


تاين 
ا و ا و و ار ا و ا 
الام ترم ی رک ری کسر ےی کروی 


الحمد لله وكفى» وسلام على عباده الذين اصطفى . 
وبعد» فهذا «أقوم المسالك في بحث رواية مالك عن 


أبي حنيفة ورواية أبي حنيفة عن مالك» وفيه ما يشفي 
ويكفي إن شاء الله تعالى في تحقيق هذا الموضوع . 


۰V 


رضي الله عنهما 

قال الإمام الشافعي رضي الله عنه في كتاب الأم (۷ - :)۲٤۸‏ «وقد سألت 
الدراوردي هل قال أحد بالمدينة لا يكون الصداق أقل من ربع دينار فقال: لا والله ما 
علمت أحداً قاله قبل مالك» وقال الدراوردي: أراه أخذه عن أبي حنيفة) . 
وقال مسعود بن شيبة في مقدمة كتاب التعليم : «ذکر الطحاوي في كتابه الذي 
جمع فيه أخبار أصحابنا عن الدراوردي سمعت مالكاً يقول: عندي من فقه أبي حنيفة 
بغرت الک با ررطاق المرقی الغ راز ھے کے العا ۹۹9 بسک إل مائ 
أنه قال: «مسائل ایخ تر ناا مسال و التي كانت عنده. 
وقال القاضي عياض في أوائل المدارك: «قال الليث بن سعد لقيت مالكاً في 
المدينة فقلت له إني أراك تمسح العرق عن جبينك قال: عرقت مع أبي حنيفة إنه 
لفقيه يا مصري. ميت أا نة وقلت له ما سن بول هناجل نك . فقال 
أب حنيفة: ا رایت سرع منه بجواب صادق ونقد تام . 
وقال أبو عبد الله الحسين بن علي الصيمري في «أخبار أبي حنيفة وأصحابه» : 
أخبرنا عبد الله بن محمد الحلواني قال: حدثنا مكرم بن أحمد قال: أخبرتا أبو جعفر 
أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي - فيما كتب به إلي - قال: حدثنا جبرون بن 
عیسی بن یزید» قال: حاثنا أيوب العراقي آبو هاشم» قال حدثنا محمد بن رشید 
صاحب عبد الرحمن ابن القاسم عن يوسف بن عمرو عن ابن الدراوردي قال: رأيت 
مالكاً وأبا حنيفة فى مسجد رسول الله ية بعد العشاء الآخرة وهما يتذاكران ويتدارسان 
حى إذا قت أخدهها غلى,القو الي قال ية ضاحبة وعمل ,علية اسك عن اة 
من غير تعسف ولا تخطئة لواحد منهما حتى يصليا الخداة في مجلسهما ذلك 

وقال الموفق في المناقب (۲- )۳١‏ بالسند إلى محمد بن إسماعيل بن أبي فديك 
قال: رأيت مالك بن أنس قابضاً يد أبي حنيفة يمشيان فلما بلغا المسجد قدم أبا حنيفة 
فسمعت أبا حنيفة لما دخل مسجد الرسول يي قال : بسم الله هذا موضع الأمان فآمنني 
اللهم من عذابك ونجني من النار. وفي (۲ - ۳۳) بالسند إلى إسماعيل ابن إسحاق بن 
محمد قال: كان مالك ريما اعتبر بقول أبي حنيفة في المسائل. وفي (۲ - ۳۳) أيضاً 
بالسند إلى محمد بن عمر الواقدي كان مالك ب بن اس كرا ما كان يقو قول آي حفة: 

وقال الصيمري : أخبرنا عمر بن إبراهيم المقرىء» قال: حدثنا مکرم» قال: 
حدثنا جعفر بن سهل بن فروخ» قال: حدثنا أحمد بن محمد» قال: حدثنا سليمان بن 


۹4 


1۰ أقوم المسالك في بحث رواية مالك عن آبي حنيقة ورواية أبي حنيفة عن مالك 


الربيع» قال: حدثنا كادح بن رحمةء قال: سأل رجل مالك بن أنس عن رجل له 
ثوبان» E‏ وحضرت الصلاة. فقال: يتحرى» قال كادح: 
فأخبرت مالكاً بقول أبي حنيفة أ نه يصلي في كل واحد منهما مرة فأمر برد الرجل 
وأفتاه بقول أبي حنيفة. وسليمان وكادح متكلم فيهما. . وقد ذكر السيوطي كادحاً في 
عداد الرواة عن مالك. 

وقال أبو العباس أحمد بن محمد بن عبد الله بن أبي العوام فيما زاد على كتاب 
جده في أخبار أبي حنيفة المحفوظ بظاهرية تق (مجمرعا 20۴ نی بوس :بن 
اد الي و ابن الدخيل الصيدلاني راوية العقيلي - حدثنا محمد بن حازم 
الفقيه» حدثنا محمد ابن علي الصائغ بمكة› حدثنا إبراهيم بن محمد عن الشافعي عن 
عبد العزيز بن محمد الدراوردي قال: «كان مالك بن أنس ينظر في كتب أبي حنيفة 
وينتفع بها» وفي هذا القدر كفاية . : 


أخذ أبي حنيفة عن مالك 
رضي الله عنهما 


قال ابن حجر: «لم تشبت رواية أبي حنيفة عن مالك وإنما أورد الدارقطني ثم 
الخطيب روايتين وقعت لهما بإسنادين فيهما مقال» يريد ما أخرجه الدارقطني في 
«غرائب مالك ۔ ومثله عند ابن شاهين - عن محمد بن محزوم عن جده محمد بن 
ضحاك حدثنا عمران بن عبد الرحيم الأصفهاني» حدثنا بكار بن الحسن» حدثنا 
ایل بو کید نآ حب ی اتك د بن أنس عن عبد الله بن الفضل عن 
نافع بن جبير بن مطعم عن ابن عباس عن النبي کي: «الأيم أحق بنفسها من وليها 
والبكر تستأمر وصمتها إقرارها». 

وما أخرجه الخطيب البغدادي في «رواة مالك» عن محمد بن علي بن أحمد 
الصلحي اوهو أبق العلاء الواسنطي - خدثتا أبن زرعة أحمة :اين الخسين الرأزيء 
حدثنا علي بن محمد بن مهرويه» حدثنا المجبر بن الصلت» حدثنا القاسم بن الحكم 
العرني» حدثنا أبو حنيفة عن مالك عن نافع عن ابن عمر قال: : أتى كعب بن مالك 
النبي إلا فسأله عن راعية له كانت ترعى في غنمه فتخوفت على شاة الموت فذبحتها 
بحجر فأمر الني إل باكلها اه٠‏ 


(۱) وما قاله البدر الزركشي في نكته على ابن الصلاح من أن للدارقطني جزءاً من مرويات أبي حنفة 
عن مالك سهو عن كتاب «غرائب مالك» هذا وليس للدارقطني جزء من هذا القبيل وإنما عنده 
أحد الحديثين وحاله كما شرحناه. 


أقوم المسالك في بحث رواية مالك عن أبي حنيفة ورواية أبي حنيفة عن مالك N‏ 


ولم يجد أصحاب الاستقراء التام في هذا الصدد غير هذين الحديثين من رواية 
أبي حنيفة عن مالك وكلاهما غير ثابت بطريق أبي حنيفة عن مالك كما قال ابن حجر 
وإن عوّل عليهما السيوطي في «الفانيد في حلاوة الأسانيد» غير متذكر لما قاله هو في 
«اتنوير الحوالك؛ (۲ - )١١‏ في الحديث الأول: «وقيل إنه رواه عنه أبو حنيفة ولا 
يصح ولا منتبه إلى أن الخبر الأول رواية حماد عن مالك مباشرة بدون توسط أبيه في 
رواية الحافظ بن مخلدء ولا إلى أن عمران في سنده» اتهمه غير واحد بوضع هذا 
السندء ولا ملتفت إلى أن الخبر الثاني خلاف ما صح عن القاسم العرني وثقات 
أصحاب أبي حنيفة . ولا ناظر إلى أن الصلحي متهم بالكشط والتزويرء وأبا زرعة 
وابن مهرویه متکلم فیهماء والمجبر غیر موٹق. 

ثم استدرك السيوطي عليهما ثالثاً في «تزيين الممالك ٠۹‏ نقلاً عن مختصر 
مسانيد أبي حنيفة“ لابن الضياء المكي - أبي البقاء محمد بن أحمد العمري المتوفى 
سنة (٤١۸ه)‏ من شيوخ السخاوي وزكريا الأنصاري - لكن ذلك سبق قلم من أبي 
المؤيد الخوارزمي مؤلف «جامع المسانيد» حتماًء ومتابعة للغلط من ابن الضياء» ومن 
السيوطي وأزيد عليهما رابعاً من «جامع المسانيد؛ إلا أنه لا شأن لأبي حنيفة فيه أيضاًء 
وسنشرح ذلك له بمشيئة الله سبحانه . 

أما الخبر الأول: فعن حماد بن أبي حنيفة عن مالك مباشرة بدون توسط 
أبي حنيفة بينهما كما رواه الحافظ محمد بن مخلد العطار المتوفى سنة (۳۳۱ه) فى 
جزئه في «ما رواه الأكابر عن مالك» المحفوظ بظاهرية دمشق في قسم المجاميع رن 
۸) وعليه طباق وسماعات لمشاهير أهل الرواية وخطوطهم وفيه رواية الزهري 
- وينفيها ابن عبد البر في الانتقاء - ويحيى بن سعيد الأنصاري وابن جريج والثوري 
وشعبة ويتيم عروة والأوزاعي وحماد بن أبي حنيفة وحماد بن زيد وإبراهيم بن طهمان 
وورقاء وغيرهم عن مالك وليس فيه ذكر أبي حنيفة في عداد هؤلاء. 

وسند ابن مخلد في رواية هذا الحديث فيه «حدثني أبو محمد القاسم بن هارون بن 
جمهور بن منصور الأصفهاني - وكتبه لم بخطه - حدثنا عمران بن عبد الرحيم الباهلي 
الأصفهاني» حدثنا بكار بن الحسن الأصفهاني» حدثنا حماد بن أبي حنيفة عن مالك بن 
أنس الحديث» وقد قدم أبو عبد الله بن خسرو البلخي هذه الرواية في مسنده تنبيهاً على أن 
رواية «حدثنا إسماعيل بن حماد عن أبي حنيفة عن مالك» مينية على تغيير لفظ (بن) إلى 


(۱) وهو مختصر جامع المسانيد لأبي المؤيد الحاوي لتلخيص المسانيد الخمسة عشر لأبي حنيفة لا 
اختصار مسانيد أبي حنيفة مباشرة فيكون هو وهم تبعاً للوهم وأما وهم السيوطي فمضاعف . 


1۲ أقوم المسالك في بحث رواية مالك عن آبي حنيفة ورواية آبي حنيفة عن مالك 


(عن) سهواً كما هو كثير الوقوع في الأسانيد فأصبح «حدثنا حماد بن أبي حنيفة» بهذا 
التغيير «حدثنا إسماعيل بن حماد عن أبي حنيفة» فيكون الغلط في موضعين وإصلاحه 
بإقامة (عن) مقام (بن) و(بن) مقام (عن)» وسقط عمران من سند ابن مخلد في النسخة 
المطبوعة من «جامع المسانيد» ولو كان لأبي حنيفة رواية عن مالك لذكرها ابن مخلد في 
جزئه بدون أن يقتصر على ذكر حماد وهذا ظاهر. وعد حماد من الأكابر بالنظر إلى أنه 
توفي قبل مالك بثلاث سنوات وربما یکون میلاده أقدم من ميلاد مالك أيضاً كما شرحنا 
ذلك في «تأنيب الخطيب» فما يرويه الذهبي في ترجمة مالك في طبقات الحفاظ عن 
أشهب لا يصح إلا إذا كان في حق حماد بن أبي حنيفة دون آبيه لأن ميلاد آشهب 
(١٤٠ه)‏ كما يقول ابن يونس إن لم يكن لده الشافعي ومثله لا يمكن أن يرحل من مصر 
إلى المدينة المنورة ويرى أبا حنيفة عند مالك أصلاً. والظاهر أنه سقط من أصل ابن 
مخلد الذي كتبه له القاسم (إسماعيل بن حماد) لأن بكار بن الحسن المتوفى سنة 
(۳۳۸ه) أدرك إسماعيل دون أبيه وبكار أصفهاني المحتد رازي المولد تأخرت رحلته إلى 
العراق وإسماعيل مات كهلاً ولم يدرك جده إنما روى عن أبيه فقول الراوي «إسماعيل بن 
حماد عن أبي حنيفة» خطأ محض بل الصواب «إسماعيل عن حماد بن أبي حنيفة) وقد 
وقع في «جامع المسانيد المطبوع «عمران بن عبد الرحمن؟ بدل «عمران بن عبد الرحيم؛ 
وهو تحريف ظاهر. وآفة الكتب المطبوعة عدم العناية بمقابلتها بأصول صحيحة . 
واجامع المسانيد» من الكتب المروية سماعاً إلى ما بعد عهد السخاوي وله نسخ صحيحة 
في الخزانات. وعمران بن عبد الرحيم هو واضع السند كما في الميزان واللسان . 

وأما الخبر الثاني : فقد رواه أبو حنيفة عن نافع مباشرة وعن عبد الملك عنه 
بدون دخل لمالك في روایته أصلاً فحمزة الزيات وياسين بن معاذ وأبو يوسف 
ومحمد بن الحسن وأسد بن عمرو وأبو عبد الرحمن المقرىء وعمرو بن أبي عمرو 
ومحمد بن خالد الوهبي وغيرهم من ثقات أصحاب أبي حنيفة يروونه عن أبي حنيفة 
عن نافع مباشرة» ومنهم من يزيد بينهما عبد الملك على اختلاف في أنه ابن عمير أو 
ابن جریج وکلاهما من شیوخه کما أن نافعاً من شیوخه فلعله سمعه منهما ثم سی 
منه مباشرة - راجع جامع المسانید (۲ - )۲۲١‏ - وفي رواية محمد بن شوكر - وهو 
ثقة - «عن القاسم بن الحكم العرني عن أبي حنيفة عن نافع كرواية الجمهور فلا 
يلتفت إلى رواية المجبر ابن الصلت عن القاسم بن الحكم عن أبي حنيفة ما يخالف 
هؤلاء الغقات الأثبات إذ لا يكون شذوذه هذا غير محض الخلط ولعل وجه غلطه أن 
لفظ (عبد) سهل التحويل إلى (عن) وانطماس اللام من (الملك) في نسخته يحمله 
قراءته بلفظ (مالك) لكثرة حذف الألف المتوسطة في الأعلام. فظهر بذلك أن رواية 
هذا الحديث بطريق أبي حنيفة عن مالك غير ثابت أصلاً كما قال ابن حجر. 


أقوم المسالك في بحث رواية مالك عن أبي حنيفة ورواية أبي حنيفة عن مالك HF‏ 


وأما الحديث الذي استدركه السيوطي في تزيين الممالك فهو حديث «إذا صليت 
الفجر والمغرب. . .» لكن هذا من رواية محمد بن الحسن عن مالك مباشرة في نسخ 
الموطاً والآثار كلها فما في جامع المسانيد )٠٤١ - ١(‏ ومختصره لابن الضياء المكي 
ما هو إلا سبق قلم من الخوارزمي ومتابعة له من ابن الضياء غلطاً. كيف والخوارزمي 
لم ينقل في جامع المسانيد إخراج الخبر إلا من كتاب الأثار لاإمام محمد بن الحسن. 
ونسخه في غاية الكثرة ما بين مطبوعة ومخطوطة ومسموعة ومقابلة وليس في نسخة 
منها فيما نعلم رواية محمد الحديث عن أبي حنيفة عن مالك بل النسخ كلها متوافقة 
على رواية محمد الحديث مباشرة عن مالك - وفي دار الكتب المصرية وخزانة رواق 
الأتراك بالأزهر الشريف عدة نسخ من الموطأً والآثار سوى ما في خزانات إصطنبول 
من نسخ الموطأً والآثار ففي إمكان من يشك في ذلك أن يراجعها ۔. 

وأما الحديث الرابع : الذي زدته عليها هو ما في جامع المسانيد (۲ - )٠١‏ من 
أن أبا حنيفة استقبل بهلول بن عمرو وهو يأكل في السوق فقال له أبو حنيفة : تجالس 
مثل جعفر بن محمد الصادق وتأكل وأنت تمشي؟ فقال بهلول: حدثنا مالك بن أنس» 
عن نافع عن ابن عمر» قال: قال رسول الله ي : «مطل الغني ظلم؟ ولقيني الجوع 
وغذائي في كمي فلم يمكني أن أمطله. وهذه القصة يرويها مكي بن إبراهيم باعتبار 
أنه شهد القصة لا أنه روى عن أبي حنيفة عن بهلول وإن غلط راويان عن محمد بن 
غالب بن حرب حيث ذكرا أنه قال: حدثنا أبو حنيفة لأن محمد بن غالب هذا هو 
تمتام وهو لم يدرك أبا حنيفة كما قال ابن حجر في تعجيل المنفعة (ص٦٥)»‏ وكذلك 
لم یدرک أبو حذيفة النهدي. وإنما كانت روايتهما عن مكي . 

وأما ما ذكره ابن أبي حاتم في «تقدمة الجرح والتعديل» من أن أبا حنيفة كان يطلع 
على كتب مالك بن أنس. فيخدش فيه أن مالكاً لم يؤلف شيئاً قبل الموطأً وكان تأليفه 
للموطأً في أواخر عهد المنصور العباسي بعد وفاة أبي حنيفة» وإنما كان ارتفاع شأن مالك 
بعد محنته سنة (١١٠ه)‏ ولا يعلم لأبي حنيفة اجتماع به بعد هذا التاريخ . وبين وفاتي 
أبي حنيفة ومالك تسع وعشرون سنة اتفاقاً كما بين ميلاديهما على أقدم الروايات فيهما. 
وأما على أحدث الروايات فبين ميلاديهما سبع عشرة سنة لأن الخلاف في ميلاد أبي حنيفة 
يدور بين ٦(‏ و٠۸)‏ وفي ميلاد مالك بین (۹۰ و۹۷ه). ولعل فيما سقناه كفاية . 


كتبه الفقير إليه سبحانه محمد زاهد بن الحسن الكوثري يوم الخميس ٦‏ رجب 
الفرد من سنة (١٠١٠ه).‏ وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين. وآخر 
دعوانا أن الحمد لله رب العالمين . 


لاشقاق 
تکام انرق 


EE‏ ت 
ادام ری کر رن مسر عا ی کوی ری 
ارهز 


الحمد لله رب العالمين» والعاقبة للمتقين» ولا عدوان إلا على الظالمين› 
والصلاة والسلام على سيد الخلق محمد وآله وصحبه أجمعين. 

وبعد فلا يخفى أن مذاهب الأئمة المتبوعين يستمد بعضها من بعض في مسائل 
قضائية خاصة في أحوال خاصة» وقد ذكر فقهاء المذاهب وجه الأخذ بمثل تلك 
المسائل عند قيام ضرورة تحمل على ذلك. وليس معنى هذا التمشي مع الهوى 
والخروج على مذهب أو على المذاهب كلهاء بإقامة أنظمة وضعية مقام أحكام 
شرعية. كما جرى سير أهل الشأن عليه في كثير من بلاد المسلمين استحساناً منهم 
لكل جديد» واستسخافاً لكل قديم» مع أن كل أمة لا تتفانى في المحافظة على 
مفاخرها المتوارثة بينها فضلاً عن أن تسعى جهدها لتندمج في غيرها من الأمم تكون 
قد أقرّت بأنها ليست بأمة مجيدة ذات مفاخر متوارثة. 

والفقه صلح لكل زمان ومكان في أيام مجد الإسلام فلا يعقل ألا يصلح لهذا 
الزمان الذي ظهر فيه للعيان مبلغ الخلل في أنظمة الغرب حتى أصبحت المجتمعات 
عرضة للانحلال من فساد تلك الأنظمة. 

ومن المعلوم أن العامة إذا تركوا وشأنهم يبتكرون من الحيل ما يعرقل سير 
العدل في أحكام القضاة لكن لا يعجز القضاة النبهاء عن إقامة سياج يكفل حراسة 
العدل من أن تمسه يد محتال في كل زمان وفي كل مكان. ولهذا المعنى يقول 
إياس بن معاوية: قيسوا القضاء ما صلح الناس فإذا فسدوا فاستحسنوا. وقال عمر بن 
عبد العزيز تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور. 

فإذا حدث مرض اجتماعي كالعبث بالطلاق مثلاً يحلف هذا بالطلاق بدون 
سبب. ويطلق ذاك ثلاثاً مجموعة بلا باعث غلى الاستعجال» فليس دواء ذلك مسايرة 
المرضى بتعبيد طرق لهم في العبث بالطلاق. وإيقاع أنكحتهم في ريبةء بأن يقال لهم 
إن الحلف ليس بشيء. وإن الطلاق الثلاث واحدة أو ليست بشيء لقول فلان ولرأي 


۸ الإشفاق على أحكام الطلاق 


فلان بدون حجة ولا برهان» بل هذه المسايرة تزيد في فتك المرض بهم» وتوجب 
اتساع الخرق على الراقع» وتزيل حكمة استباحة الأبضاع بكلمة الله سبحانه من 
حصول البركة في الحرث والنسل بإقامة كلمة بعض المتفيهقين «المتمجهدين» الذين 
ليس لأهوائهم قرار» مقام كلمة الله جل جلاله في ذلك» وليس بالأمر الهين الخروج 
عما يفقهه الأئمة المتبوعون إلى أقوال شذاذ» ما صدرت تلك الأقوال منهم إلا غلطاًء 
أو إلى آراء رجال متهمين أظناء يسعون في الأرض فساداً إذ زين الشيطان لهم سوء 
عملهم. 

وهذه المسايرة هي التي أدت إلى تخلي الفقه عن كثير من أبوابه في المحاكم 
بأيدي أبنائه الذين عقوه» وليس ذلك ناشئاً من عدم صلاحية الفقه لكل زمان ومكان 
بدون تقويض دعائمه» أو قص خوافيه مع قوادمه. 


ونرى اليوم بعض هؤلاء الأبناء لا يهدأً لهم بال قبل أن يقضوا على البقية الباقية 
في المحاكم من الشرع» باسم الشرع عن مخاتلة» مسايرة منهم للمرضى» ومتابعة 
لأهواء المستغربين من أبناء الشرق في حين أننا كنا نؤمل جداً من حلول عهد استعادة 
الحقوق كاملة غير منقوصة أن يعاد النظر في الأنظمة كلهاء وأن يصلح ما يحتاج منها 
إلى الإصلاح بمدد الفقه الإسلامي كما هو الجدير بحكومة بيدها زعامة العالم 
الإسلامي» ولم يزل ذلك أملنا. 


وأما تحميل الأدلة من الكتاب والسنة ما لا تحتمله من المعاني» والتظاهر 
بمظهر الاستدلال بهما على أنظمة ما أنزل الله بها من سلطان» فلا يفيدان سوى تلبيس 
مكشوف» ومخادعة يشف ستارها الرقيق عما تحته. والمنتدبون لتشكيك المسلمين في 
دينهم بالمرصادء لا تفوتهم أية فرصة من غير أن ينتهزوها في وصم الفقه بأعمال 
هؤلاء المتفيهقين» والفقه براء منهم ومن أعمالهم. وها هو ذا قد ألقى بعض أساتذة 
الجامعة المصرية من المستشرقين ثلاث محاضرات عن تاريخ الفقه الإسلامي منذ سنة 
وأكثر» وهو يقول في آخرها: 

«وعلاقة أخرى بين الشريعة الإسلامية والتشريع المدني تخالف كل ما تقدم 
مخالفة تامة» توجد في الدور الأخير من تاريخ الشرع» وهو دور تطوره المعاصر 
وحسبنا أن نذکركم بالتعديلات التي أدخلت منذ سنة ألف وتسعمائة وعشرين على 
الأحوال الشخصية في مصر» اه. 


الإشفاق على آحكام الطلاق 114 


وفي ذلك عبرة بالغة لمن لا يغفل مغزى هذا الكلام» يريد أن يقول ها أنتم 
أولاء رأيتم إقحام أحكام في الشرع وإن حاكوا حولها أقوالاً عن أناس لتغطية مصدر 
الأحكام الجديدة الغريبة عن الشرع» والحاضر دليل الغابر. 

وكم عندنا من ذكريات أليمة في هذا الصدد لا يفيد ذكرها هنا غير تجديد الألم 
وقد بلغني منذ مدة أن بعض القضاة أذاع رسالة يقترح فيها ما هو قاض على البقية 
الباقية في محاكم القطر من الفقه المتوارث بين طوائف الفقهاء المستمدين من الكتاب 
والسنة» فأكبرت ذلك ممن يعد نفسه من قضاة الشرع» ثم فكرت في الرسالات 
القائمة في البلد على غير طراز رسالة رسل اله» وقلت في نفسي: لعل تلك الرسالة 
مبعثها على قلمه ولسانه وفکره وجنانه ليس من مجمع فقهي» بل من محفل غربي 
مستشرق» أصله غرس يد الأسباط» وفرعه بوادي النيل يعيش بمدد الأقباط . 

وبينما أنا ناظر إلى هذا الحدث هذا النظر» وأعتبر بما ينطوي عليه من العبر» إذ 
بعث القدر بتلك الرسالة إلى مرأى مني ومنظر» فقلبت أوراقهاء وتصفحت صفحاتها 
فإذا الخّبر يصدق الخبر. 

وأول ما وقع عليه نظري اسم الرسالة على ظهرها المرسوم بخط أعجمي يئبىء 
عن عجمة ما حوته» وقد ركبت على الاسم المذكور آية إلهية تقذف به إلى الهاوية» 
يجذبه عمله الطالح إلى حيث تكون الكلمات السافلة من الدرك الأسفلء يخيل إلى 
الناظر من هذا المظهر وذاك المخبر» أن بومة غربية حلقت على سماء المسلمين ترفع 
صیاحاً منكراً وهي تقول: وها هو نظام وضعي يسد مسد الأحكام الشرعية في 
الطلاق» وقد انتهى زمن الحكم بها في محاكمكم . 

ومن المعلوم أن النظام والقانون من الكلمات المصطلحة في الدساتير الوضعية 
التي لا تستمد من الأحكام الشرعية» وأنهما لم تردا في الكتاب ولا في السنة ولا 
تداولهما الفقهاء فكأن المؤلف اعتبر الأنظمة الوضعية والأحكام الشرعية من واد 
واحد» وعد ما نعتقده نحن مستمداً من الكتاب والسنة فقط ونسميه شرعياً» من طراز 
النظام الوضعي يتغير ويتبدل بين حين وآخر. 

والحق أن حكم الطلاق الثلاث بلفظ واحد مثلاً بعد أن اعتبره المسلمون على 
اختلاف طوائفهم بينونة مغلظة» استناداً على الكتاب والسنة من صدر الإسلام إلى 
القرن الحاضر. إذا شاهد متهوس تغييره بجرة قلم من البينونة المغلظة إلى الواحدة 
الرجعية» فلا عجب في أن يجترىء ذلك المتهوس على اقتراح إلغاء الحكم بالمرة في 


الوا الإشفاق على احكام الطلاق 


عصر مدت الفوضى أطنابها على مقومات الجماعة» وحدثت نفس كل من يعرف لسان 
أمه بالتسلق على قمة الاجتهادء ومفاجأة الناس بآراء تهد كيان الأمة . 

وبعد اسم الرسالة استعرضت ما في تصديرها فإذا مؤلفها يتبجح في تمهيد 
رسالته بأن والده الجليل - بعد أن تحتف لأجل القضاء - كان هو أول من خرج على 
المذهب بإقامة أحكام من اج المذهب مقام أحكام في المذهب»› ع أنه کان في 
غنية عن هذا التبديل والتغيير بإنابة عالم مالكي مثلاً في حسم المشكلة التي ذكرها. 
ونحن نعلم جيداً أن أخطر آفة على الفقه من ينخرط لأجل المال في سلكه» بدون أن 
يتذوقه تذوق أهله. وبعد أن ذكر منقبة والده من حيث إنه كان أول مبتكر لعمل 
الخروج على المذهب» تخيل أن يكون هو بهذا الاقتراح قدوة كوالده في الخروج 
لكن لا في الخروج على مذهب فقط كما فعل والده» بل في الخروج على المذاهب 
كلها وعلى الأمة جمعاء؛ ولو فكر قليلاً لعدل عن هذا التمهيد بملاحظة أن أهل الشأن 
ربما لم يبلغ بهم الافتتان بالغربيين إلى حد أن يعرضوا عن الفقه المتوارث بالمرة تبعاً 
لكل متهوس» على أن شهادة الشبل للأسد يجب ألا تخفى قيمتها على من انخرط في 
سلك القضاء. وذلك الأسد - أطال الله بقاءه - لم يدخل بعد في ذمة التاريخ› وال 
فقط تقدير أعماله في الأزهرء ووكالة الأزهر» وقضاء السودانء والمجلس التشريعي»› 
والمحافل الماسونية» وإلیه فحسب تقدیر ما جادت به قريحته من مؤلفات» ومقالات 
عموريات» كما أن تقدير أعمال أبي الأشبال ليس إليهم» بل هو أيضاً إلى التاريخ في 
حينه بعد عمر طويل تحسن عواقبه بالإنابة والتوبة مما جنت يداه في رسالته هذه 
خاصة من المخالفة لكتاب الله وستة رسول الله وإجماع فقهاء هذه الأمة رغم تقول 
الزائغين» كما ترى انبلاج الصبح عن قريب . 

فيا سبحان الله!!! كيف يتصور أن يغلط جمهور الصحابة والتابعين وتابعيهم 
وجمهرة فقهاء الأمصار على توالي القرون إلى يوم إصدار المؤلف رسالته في فهم 
اللغة العربية» وألا ينتبهوا في دور من الأدوار» إلى أن ذكر الثلاث في إنشاء الطلاق 
يكون محالاً لا لغواً فقط» وقد اختص هذا المؤلف الفذ بالاهتداء إلى الحق في ذلك 
بعربيته القحة التي لم تمسسها عجمة بين أقباط وادي النيل» ولا لحقتها هجنة من 
رطانة أسباط بني إسرائيل» وبفقهه الذي لم ينقل مثله عن أحد من علماء ء السنة نقلاً 
صحيحاً صريحاًء ولا ارتّضي في نحلة من النحل إلا عند الروافض والإسماعيلية الذين 
يؤلهون الأئمة - ومنهم العبيديون - فحرام لف حرام على من يرتبك في وجوه دلالة 
الكتاب هذا الارتباكء ويتخبط في الحديث والفقه وأصولهما هذا التخبط أن يكتب في 


الإشفاق على أحكام الطلاق 1 
دقائق الفقه والحديث ظناً منه أن اقتناء عدة كتب مغلوطة مصحفة من مطبوعات الهند 
ومصر في العلمين يصعده إلى قمة الاجتهاد من غير أن تكون مواهبه تساعده على 
السباق في هذه الحلبةء وبدون أن يكون تعلم العلمين على أستاذ يدربه عن كفاءة 
وخبرة» وقدماً قال الشاعر: 
ماالعلممخزون تب لتيلكمبتهاالكعي 
0 و 
الالو ريي ل4 بتبياأالاتط 
والانفراد عن أهل العلم برأي في الشرع» والقول بما لم يقل به أحد فيه ينبئان 
عن خلل في العقل» وقد روينا في فضائل أبي حنيفة وأصحابه لابن أبي العوام الحافظ 
بسنده إلى زفر بن الهذيل أنه قال ما معناه: (إني لا أناظر أحداً حتى يسكت» بل 
أناظره حتى يجن. قالوا: كيف ذلك؟ قال: بعالم یل به ا 
وأرى من الواجب الديني أن أوصيه - إن كان التيه أبقى عنده من العقل بقية 
صالحة للتعقل - أن يترك الكتابة في الفقه والحديث لأنه استبان من کتاباته ما يقضي 
عليه قضاء لا مرد اله بأنهما ليسا من :ضناعته» والعاقل يترك ما لا يحسنه. وقد قال 
الشاعر العربي : 
EE EE EE EE E EE ES‏ 
والغلط فيهما غلط في صميم الدين» والطيش فيهما هلاك في الدنيا والآآخرة. 
وكفاه أن يحافظ على القضاء الذي ساقه القدر إليه مع الإنابة والتوبة مما بدر منه 
ونحن نتکلم هنا ۔ حیث لم ار من تکلم - علۍ بعض مواضع من مواطن زیخه في 
الرسالة كلاماً يجلو إن شاء الله تعالى عما وراء الأكمة تحذيراً للجمهور من الاغترار 
بكلامه انخداعاً منهم بما يتلوه من الآيات في غير متناولها بتأويلات ليس هو على علم 
من مدخلها ومخرجهاء وانجذاباً إلى ما يسرده من الأحاديث في غير مواردها من غير 
أذايققه معاي قترتهاء ویغرف رجا آسانیا كما هو شان من بخارل تي الله 
والحديث وسائر العلوم من الصحف بدون أستاذ يرشده في مواقع الخطأًء وإني بحول 
الله سبحانه وتوفيقه لا أدع لهذا «المتمجهد» موطىء قدم يستقر عليه لحظة فيما أناقشه 
من المسائل» وذلك لأن من صادم الحق لا يكون عنده حجة أصلاً. وقد سميت ما 
كتبته في هذه الأوراق (الإشفاقء على أحكام الطلاق) والله سبحانه ولي الهداية وعليه 
الاعتماد في البداية والنهاية وهو حسبي ونعم الوكيل . 


هل يحل الطلاق الرجعي عقد النكاح 


قال مؤلف الرسالة (في ص٤١‏ - :٠١‏ القاعدة العامة في العقود أنها تلزم كلاً من 
الطرفين ما التزم به من حقوق في العقد. . . والطلاق يزيل عقد النكاح سواء الرجعي وغيره 
قال ابن السمعاني : الح أن القياس يقتضي أن الطلاق إذا وقع زال النكاح كالعتق لكن الشرع 
ثبت الرجعة في النكاح دون العتق فافترقا اه). 


أقول: أراد مؤلف هذه الرسالة أن يفرع على تلك القاعدة عدم جواز انفراد 
الرجل بالطلاق لولا إذن الشارع فتتقيد صحة طلاقه بالإذن حتى إنه إذا طلق على 
صورة تخالف الوجه المأذون به يكون طلاقه باظلاً لأنه لا يملكه وح بطبيعة 
التعاقد» وأن الطلاق الرجعي إذا جعل النكاح محلول العقد لا تكون المرأة محلاً 
لوقوع الطلاق الثاني والثالث ولو في العدة» وعليهما بنى جل ما في اقتراحه» لكن 
أستخرب ممن يدعي الأخذ بالكتاب والسنة فقط أن يفتتح اقتراحه برأي فج في مورد 
النص» وإن كان يريد التفلسف في هذا خاصة» وأراد أن ينحاز إلى أهل الرأي لحظةء 
يجب ألا يعزب عن علمه أن المسلم لا يملك شيئاً بطبيعة التعاقد بل بتمليك الله إياهء 
وأن المرأة حينما قبلت الزواج من غير أن تشترط الخيار لنفسها عند ما يعمل بعلها 
ایت کیچ وهي تعلم ان الزوج له حق طلاقها متى شاء فقد التزمت إيقاع الزوج 
طلاقها متى شاءء فإذن يكون إلزام الطلاق على المرأة بالتزامهاء وليس في ذلك إلزام 
ما لم تلتزمه حتى تكون لمشل هذا الرأي أي قيمة» فلا يمكن أن يبني على هذه 
القاعدة المستقعدة ما أراد أن يبنيه عليهاء لأنها على جرف هار» وكذا القول بحل 
الطلاق الرجعي لعقد النكاح فإنه رأي باطل مخالف لكتاب الله وستّة رسوله» وخارج 
عما يفقهه أئمة الدين» فاله سبحانه وتعالى يقول في حق المطلقات رجعياً: ويسوليعً 


ر 


س ر4 [البَمَرَه: ۲۲۸] فقد عذ الله رجالهن أزواجاً لهن ما دامت العدة قائمة» 
وجعل لهم حق إعادتهن إلى الحالة الأولىء وهذا «المتمجهد» يزعم أنه لا زوجية 
بينهماء» وإذا حاول أن يتمسك بالرد فسيفاجئه من الرد ما يفهمه أنه كغريق يتمسك 
بكل حشيش» وكذلك يقول الله جل شأنه: «الطلى نان مساك غروني) [البَمَرَة: 
۹ فالإمساك هو استدامة القائم لا إعادة الزائل» فدلت الآيتان على أن النكاح باق 
بعد الطلاق الرجعي إلى أن تنقضي العدة» وكذلك يدل على ما ذكرنا الأحاديث 


YF 


4 الإشفاق على آحکام الطلاق 


الواردة في طلاق ابن عمر:ولا سيما رواية جابر في مسند أحمد بلفظ (ليراجعها فإنها 
امرأته) على تقدير صحة هذه الرواية كما يدعي مؤلف الرسالةء لأنه نص في أنها لم 
تزل امرأة له بعد إيقاع الطلاق الرجعي عليها. والمراجعة إعادة المرأة إلى حالتها 
الأولى من المعاشرة الزوجية بعد جعلها بحيث تبين على تقدير انقضاء العدة قبل العود 
ا المعاشرة. وهذا معنى شرعي لها منذ عهد النبي ية كالصلاة والصيام والزكاة 
والحج ونحوهاء ومن حاول أن يشاغب بالمعنى اللغوي لها فقد نطق خلفاً لأنه إذا 
کلم الرجل المرأة في شيءَ يقال إنه راجعها لغة» والأحاديث التي وردت هي فيها لا 
يصح أن يراد منها غير العود إلى المعاشرة الزوجية» فلا إمكان للمشاغبة في ذلك› 
على أن العود إلى معاشرتها بدون عقد يؤدي إلى أن تكون المعاشرة بينهما غير شرعية 
لولم يكن العقد قائماًء ثم وجوب النفقة والسكنى وإحراز إرث الزوجية عند الوفاة 
قبل انقضاء العدة» وانفراد الزوج بح الرجعة» كل ذلك من الدليل على دوام الزوجية 
بينهما بعد الطلاق الرجعي . على أن قول ابن السمعاني في القواطع› بم آنه ولا 
الصوارف من الكتاب والسنة وإجماع الأمة لاعتبر زوال النكاح مقتضى القياس. فمن 
الذي يقول بالقياس مع الاعتراف بقيام النصوص ضده بل مع الإقرار بوجود فارق بين 
المقيس والمقيس عليه» فانهد بهذا البيان الوجيز ذاك الأصل المصطنع الخيالي» 
فبانهداده اند ما حاول أن يبنيه عليه من العلالي والقصورء فماذا تكون قيمة قول 
جدلي مغلوط فيه أمام تلك الرواسي من الحجج . 


تقسیم الطلاق إلى مسنون وغیره 

قال مؤلف الرسالة في (ص١٠:‏ لم تدل الآيات والأحاديث على طلاق مسون وطلاق 
غير مسنون وإنما دلت على طلاق بأوصاف خاصة وشروط معينة أذن به الشارع فمن أوقعه على 
غير هذه الشرائط والأوصاف کان قد تجاوز ما أذن له فيه وأتی بعمل لا یملکه إذ لم يؤذن به من 
الشارع فكان لغواً فلم يجز لنا إثباته أصلاً إلا على هذه الشريطة وبهذا الوصف اها 

أقول: غريب ممن تعرّد تقليب أوراق كتب الحديث أن يزعم هذا!!! وقد ذكر 
مالك في الموطاً ما هو طلاق السنة وكذلك البخاري في صحيحه» وباقي اأصحاب 
الصحاح والسنن» وفقهاء هذه الأمة من كل طائفة حتى ابن حزم في المحلى»ء وأدلة 
ذلك كثيرة جداً. منها ما رواه شعيب بن رزيتق وعطاء الخراساني عن الحسن قال: 
حدثنا عبد الله بن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض» ثم أراد أن يتبعها بطلقتين أخريين 
عند القرأين» فبلغ ذلك رسول الله ية فقال: «يا ابن عمر ما هكذا أمرك الله قد 


اجان ی حدم میدن KEY‏ 


أخطأت السنةء السنة أن تستقبل الطهر فتطلق لكل قرء» فأمرني فراجعتها فقال: إذا 
هي طهرت فطلق عند ذلك أو أمسك. فقلت: يا رسول الله : أرأيت لو طلقتها ثلاثاً 
أكان يحل لي أن أراجعها؟ قال: لا كانت تبين منك وكانت معصية. رواه الطبراني 
قال: (حدثنا علي بن سعيد الرازي. حدثنا يحيى بن عثمان بن سعيد بن كثير 
الحمصي. حدثنا آي * ثنا شعيب بن رزيق. قال: حدثنا الحسن) الحديث. وأخرجه 
الدارقطني بطريق معلى بن منصور. وحاول عبد الحق إعلاله بمعلى وليس بذلك. 
وقد روى عنه الجماعة» ووثقه ابن معين» ويعقوب بن شيبة . وأخرجه البيهقي بطريق 
شعيب عن عطاء الخراساني» ولم يعله إلا بالخراساني» وهو من رجال مسلم 
والأربعة» وما يرمي به من الوهم في بعض حدیثه يزول بوجود متابع له» وقد تابعه 
شعيب في رواية الطبراني. ويروي هذا الحديث أيضاً أبو بكر الرازي عن ابن قانع عن 
محمد بن شاذان عن معلى» وسماع أبي بكر من ابن قانع قبل اختلاطه قطعاً» وشعيب 
يرويه مرة عن عطاء الخراساني عن الحسن» وأخرى عن الحسن مباشرة» وهو ممن 
لقيهما جميعاً. وروی عنهما سماعاًء والظاهر أنه بعذ أن سمعه من عظاء سمعه من 
الحسن» فروى مرة عطاء وأخرى عن الحسن كما يقع مثل ذلك لكثير من الرواة على 
ما يذكر في جامع التحصيل لأحكام المراسيل للحافظ أبي سعيد العلائي. وأما محاولة 
الشوكاني لتضعيف شعيب بن رزيق فبتقليد منه لابن حزم» وهو هجام جاهل بالرجال 
كما يظهر (من القدح المعلى» في الكلام على بعض أحاديث المحلى) للحافظ 
قطب الدين الحلبي» وشعيب قد وثقه الدارقطني وابن حبان» وأما رزيق الدمشقي كما 
وقج اني ,ببق زوابات العديت تس وجال جسلج , وأما علي بن سعيد الرازي فقد 
عظّمه جماعة منهم الذهبي» وصرح الحسن بسماعه من ابن عمر» وقيل لأبي زرعة: 
الحسن لقي ابن عمر؟ قال: نعم . 

والحاصل أن هذا الحديث لن ينزل عن مرتبة الاحتجاج مهما احتوشت حوله 
شياطين الشذوذء والأدلة في هذا الباب كثيرة جداً في الأصول الستة فضلاً عن باقي 
كتب الحديث» فعلم من ذلك أن من خالف السنة يقع طلاقه مع مخالفته للأمر لأن 
النهي لطارىء لا ينافي المشروعية الأصلية كما فصل في علم الأصول كالصلاة في 
الأرض المغصوبة والبيع عند النداء لصلاة الجمعة. 

أما الطلاق فإنه إزالة ملك النكاح» ورفع تقييد حرية المرأة» وإنما شرع تقييدها 
ابتداء برضاها لمصالح دينية ودنيوية رأياً ترتبها عليه فإذا علم الرجل انقلاب تلك 
المصالح إلى المفاسد فله أن يرفع هذا التقييد حتى تعود المرأة إلى حالتها الأولى» 
فالطلاق مشروع الأصل بالكتاب والسنةء وإنما أمر الشارع الرجل أن يفرق الطلقات 


اقا الإشفاى على اإححام الطلاق 


الثلاث التي يملكها على الأطهار التى لا وطء فيها ليكون طلاقه إياها في زمن الرغبة 
اكد سانجة إلى القراق» رليكرة أبعد هن الم مع ما في الظلاق اء الحشن من 
إطالة مدة العدة على المرأةء وتلك طوارىء لا تخل أصل المشروعية» فإذا جمع 
الرجل الطلقات الثلاث في حيض أو طهر جامع فيه فإنما يوجب إيقاعها مجموعة في 
حيض أو طهر جامع فيه الإثم» ولا يمنع الإثم الطارىء ترتب الأثر عليه كالظهار فإنه 
منكر من القول وزور ولم يمنع ذلك من ترتب أثره عليه» ولسنا في حاجة إلى قياس 
مع وجود النص على ما قلنا في الكتاب والسنة وإنما ذكرنا الظهار تنظيراً لا قياساً. 

وقول النبي بلة: «أخطأت السنة» بمعنى الطريقة التي أمر الله سبحانه إجراء 
الطلاق عليهاء لا السنة التي يثاب عليها الفاعلء لأن الطلاق ليس بأمر يثاب عليه 
المطلق» وكذا المراد في طلاق البدعة ليس بمعنى ما أحدث بعد الصدر الأول على 
خلاف السنةء بل بمعنى ما خالف الطريقة المذكورةء لأن الطلاق في الحيض وإيقاع 
الثلاث مجموعة مما وقع في عهد النبي بي كما تذكر نصوص الأحاديث الدالة على 
ذلك عند ذكر الحجة على وقوع الثلاث مجموعة» ومن نازع فإنما نازع في الإثم لا 
في الوقوع. وصحة الثلاث مجموعة» وصحة الطلاق في الحيض على حد سواءء 
وليس عند من يحاول أن ينازع في هذه أو في تلك دليل ولا شبه دليل» كما يتضح 
من الأدلة التي نسوقها في البحثين الاآتيين . 

وإنما ضرب الطحاوي مثلاً بالصلاة ليقرب إلى ذهن المتفقهة وجه الفرق بين 
الدخول في العقد والخروج منه لا لأجل أن يقيس الطلاق على الصلاة» وليس هو في 
حاجة إلى القياس مع وجود النصوص من الكتاب والسنة فلا معنى لما يقوله مؤلف 
الرسالة» والاعتراض صحيح والإجابة عنه باطلة فإنها قياس للعقود على العبادات» 
والعقد تعلق به حق الآخر. على أنه لا مانع من القياس لو أراده الطحاوي لأنه قياس 
للخروج من النكاح بما لم يؤمر به» على الخروج من الصلاة بما لم يؤمر به» 
والطلاق حق متمحض للرجل» وإنما حق المرأة في المهر وما إلى ذلك» ولا فارق 
مؤثر في صحة القياس إلا عند خياله الذي اصطنعه. وقوله بعد أن ذكر حديث الحاكم 
والترمذي في سبب نزول الق نان [البَمَرَة: ۲۲۹]: «وكلا الإسنادين عندي 
صحيح» من الدليل على أنه بلغ مرتبة الاجتهاد في الحديث أيضاً لا في الفقه فقط في 
حين أن بلوغ أمثال ابن حجر من المتأخرين لتلك المرتبة موضع نظر. 

فمن انتم حتی یکون لکم عند؟!! 

ولو كان للبحث في سبب نزول الآية المذكورة غرض يتعلق بما نحن فيه لكنت 
أريه أين تكون الصحةء نسأل الله السلامة. 


الإشقاق على احکام الطلاق 2 
صحة الطلاق في الحيض 

قال: (في ص٠۲:‏ وروايات هذا الحديث وألفاظه كثيرة في كتب السنة - يعني حديث 
ابن عمر في طلاق امرأته وهي حائض - وفيها خلاف شديد في احتساب الطلقة التي طلقها 
ابن عمر في الحيض حتى كادت تكون اضطراباً. بل ألفاظها مضطربة (ص٠۲)‏ فيرجح رواية 
أبي الزبير «فردها علي ولم يرها شيئاً؛ بموافقتها لظاهر القرآن والقواعد الصحيحة ويؤيد صحة 
رواية أبي الزبير (ص٠٠)‏ روايته سماعاً عن جابر في مسند أحمد «ليراجعها فإنها امرأته» وهذا 
إسناد صحيح وابن لهيعة حجة ثقة» ورواية الخشني (ص٠۲)‏ عن محمد بن بشار لا يعتد 
بذلك» وهذا إسناد صحيح جداً. وقد فهموا من قوله «وهي واحدة» في حديث ابن وهب آن 
الضمير يعود إلى تلك الطلقة حتى أن ابن حزم وابن القيم لم يجدا مخلصاً من هذه الحجة 
«في احتساب طلقة الحيض؛ إلا أن يزعما الإدراج والصحيح الواضح إرجاعه إلى الطلقة في 
قبل العدة فيكون دليلاً على بطلان الطلاق في الحيض ومؤيدة لرواية أبي الزبير (ص۲۸) 
والمراد بالمراجعة هنا المعنى اللغوي للكلمة وأما استعمالها في مراجعة المطلقة الرجعية فإنما 
هو اصطلاح مستحدّث بعد عصر الثبوة (ص٠۳)‏ اه. 


أقول قد صرح المؤلف في (ص۲۷) بأن الطلاق في الحيض غير صحيح ولا 
ا له» وهذا متابعة منه للروافض ومن سار سيرهم» وتلاعب بما صح من الأخبار في 
الصحيحين وغيرهما بشهادة الحفاظ الأثبات› وقول بالتشهي» ومحاولة لتقوية المنكر 
بما لا يقويه بل بما هو أنكر منه بين قادة النقد» ودعوى الاضطراب في الأحاديث 
التي خرّجها أصحاب الصحاح تدل على وقاحة بالغة واضطراب في عقل مبدعيه. وقد 
بوب البخاري على وقوع طلاق الحائض في صحيحه حيث قال: (باب إذا طلقت 
الحائض يعتد بذلك الطلاق) بدون أي إشارة إلى خلاف في ذلك» وساق حديث ابن 
عمر في طلاق امرأته وهي حائض ولفظه «مره فليراجعها» ونص مسلم أيضاً على 
احتساب تلك التطليقة حيث قال: وحسبت لها التطليقة التي طلقها 


وكذلك حديث الحسن عن ابن عمر وقد سبق ذكره مع إسناده. ومن استعرض 
الأحاديث التي ورد فيها لفظ المراجعة في الصحيحين وغيرهما لا يشك لحظة أن هذا 
اللفظ من الأوضاع الشرعية في عهد النبي بي كالطلاق وغيره» ولم يحدث فيه 
اصطلاح مستحدث بعد عهد النبوة أصلاًء وكل ما وقع في أحاديث الطلاق من 
الارتجاع والرجعة والمراجعة فهو بالمعنى الشرعي» أعني العود إلى المعاشرة الزوجية 
بعد إيقاع الطلاق الرجعي» بل كل ما وقع في نصوص الفقهاء من هذا القبيل على 
طبتق ما ورد في الأحاديث لفظاً ومعنى» وقد سبق عدم صحة إرادة المعنى اللغوي 


Gea A 


الذي يتحقق إذا حادثها في شيء»› في أحاديث الباب» وابن القيم لم يجنح إلى منع 
كون المعنى الشرعي مراداً من المراجعة خجلاً من الأحاديث الماثلة أمامه ا 
تحتمل غير المعنى الشرعي أصلاًء وربا بنفسه عن أن يتكلم بمشل هذا المنع غير 
الجدي أصلاً في التشغيب الساقط عند حملة الحديث أنفسهم فضلاً عن الفقهاء. 

وحيث أن الشوكاني أوسع خطواً ذ في الزيغ› وأقل إدراکاً لمواطن الافتضاح» لم 
ير بأساً في سلوك طريق منع كون المعنى الشرعي مراداً من اللفظ المذكور» في في 
رسالته في الطلاق البدعي» ومؤلف الرسالة حول هذا المنع إلى صورة دعوى غير 
منتبه إلى أنه يطالب بالدليل عليهاء ويسأل عن تحديد زمن بعد زمن النبوة لحدوث 
الاصطلاح المستحدث الذي يدعي حدوثه مجترئاً على الدعاوى من غير بينة كابن 
حزم» من غير نظر إلى صحة الأخبار في احتساب الطلقة في حالة الحيضن وهي 
تقضي قضاء لا مرد له بأن المراد من المراجعة المعنى الشرعي حتماً. 

فالأمر بالمراجعة في تلك الأحاديث يفيد بمفرده وقوع الطلاق في حالة الحيض 
بلا شك» فكيف وقد صحت الأخبار في احتساب الطلقة في تلك الحالة كما سبق . 
وأما التراجع في الآية فإنما ذكر فيما إذا احتاج الأمر إلى عقد جديد بينهما وليس ذلك 
مما نحن فيه. ومن أحاط خْبراً بالأحاديث الواردة في طلاق ابن عمرء بل بالنبذة 
اليسيرة التي ذكرها ان جج رر اع ولا سيما حديث شعبة عند الدارقطني 
وحديث سعيد بن عبد الرحممن الجمحي عنده أيضاًء يجزم أن المراجعة في تلك 
الأحاديث بالمعنى الشرعي فقط» وهو العود إلى المعاشرة الزوجية بعد الطلاق 
الرجعي والحقيقة رة ي الح 9 جن رة رفول ارف وابن القيم 
حيث كان مستحضراً لتلك الأحادیث لم يرض لنفسه آن يظهر ب بمظهر الإنكار للمعنى 
الشرعي مكابرة» حیث لا مجال للإنکار» بل حاول أن يثبت للمراجعة ثلاثة معان في 
الشرع وهي : : النكاح» ورد الهبة الجائرة» والعود إلى المعاشرة الزوجية بعد الطلاق 
الرجعي» حتى يصح له أن يقول هذا مشترك محتمل؛ » وعند الاحتمال يسقط 
الاستدلال» لكن فاته أن نسبة المراجعة إلى الزوج قياماًء وإلى الزوجة وقوعاً تین 

معنى العود إلى المعاشرة بعد الطلاق» فلا يرد الاعتراض بالا شتراك على آنه نسي آن 
كلامنا في لظ المراجمة كما وقع في تلك الأحاديث لا التراجع الذي وقع في كتاب 
لله بمعنى النكاح» ولا الإرجاع الذي وقع في حديث رد الهبة الجائرةء ثم جاء 
الشوكاني وسلك طريق عدم تسليم إرادة المعنى الشرعي في تلك الأحاديث معتبراً أن 
المعنى اللغوي أعم في رسالته في الطلاق البدعي» لتوغله في المماحكات الزائفةء 


لو د کو ا کے N‏ 


التي استفادها من كتب العجم» التي درسها هو دون ابن القيم» وفاته أن الحقيقة 
الشرعية هي المتعينة في الكتاب والسنة باتفاق بين أهل العلم» فلا مجال لمنع 
إرادتهاء بعد الاعتراف بثبوتهاء ثم أوغل في التخريف» والتحريف حيث أنكر في نيل 
الأوطار» أن يكون للمراجعة معنى شرعي» مكابرة وظناً منه أن إغفال الأحاديث التي 
هي نصوص في المعنى الشرعي فيما نقله عن فتح ابن حجر يكفي في إضلال ضعفة 
أهل العلم» ولا يوجد من يكشف الستار عن وجوه خيانته في النقل» فسله لماذا لم 
ينقل قول ابن حجر فيه: وعند الدارقطني في رواية شعبة عن أنس بن سيرين عن ابن 
عمر في القصة: فقال عمر: يا رسول الله أفتحتسب بتلك التطليقة؟ قال: «نعم» 
ورجاله إلى شعبة ثقات» وعنده من طريق سعيد بن عبد الرحمن الجمحي (وثقه ابن 
معين وغيره) عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن رجلاً قال: إني طلقت 
امرأتي البتة وهي حائض. فقال: عصيت ربك وفارقت امرأتك. قال: فإن 
رسول الله اة أمر ابن عمر أن يراجع امرأته. قال: إنه أمر ابن عمر أن يراجعها 
بطلاق بقي له» وأنت لم تبق ما ترتجع به امرأتك. وفي هذا السياق رد على من حمل 
الرجعة في قصة ابن عمر على المعنى اللغوي. انتهى ما قاله ابن حجر» هذا على 
تقدير تسليم أن هناك معنى لغوياً تصح إرادته في أحاديث ابن عمر لكن من راجع 
معاجم اللغة تبين له أن المعنى اللغوي للفظ المراجعة يتحقق فيما إذا حادثها في أمر» 
وهذا المعنى الأعم لا تصح إرادته أصلاً في تلك الأحاديث إلا إذا أحدث الشوكاني 
لتلك الكلمة معنى خاصاً حديغاً يوافق رأيه المستحدث على خلاف الكتاب والسنة 
وإجماع فقهاء الملة وخلاف اللغةء فتبين من هذا البيان أن «مره فليراجعها» في 
أحاديث ابن عمر نص في المعنى الشرعي بدون حاجة إلى ما أخرجه الدارقطني. وأما 
ما قاله ابن حزم في المحلى (قال بعضهم: أمر رسول الله ية بمراجعتهاء دليل على 
أنها طلقة يعتد بها. قلنا: ليس ذلك دليلاً على ما زعمتم» لأن ابن عمر بلا شك إذ 
طلقها حائضاً فقد اجتنبهاء فإنما أمره عليه الصلاة والسلام برفض فراقه لهاء وأن 
یراجعھا کما کانت قبل بلا شك) فإِن کان یرید بقوله «کما کانت قبل» معنی کما کانت 
قبل الطلاق»ء فهو اعتراف منه بأنه دليل على الطلقة» وإن كان يريد معنى كما كانت 
قبل الاجتناب» فهو ليس بمعنى لخوي ولا شرعي للكلمة» بل يمكن أن يكون معنى 
مجازياً منتزعاً من المعنى الشرعي بعلاقة الإطلاق والتقييد ولكن أين القرينة الصارفة 
عن الحقيقة الشرعية؟ وبعد هذا البيان» ارم كلمة مؤلف الرسالة حيث شثت من 
الوديان. 


۰ الإشفاق على م الطلاق 


ولفظ أبي الزبير عند أبي داود «فردها علي ولم يرها شيئاً» مجمل لا يدل على 
أن الطلقة لم تقع› بل الرد عليه يفيد أن تلك الطلقة ليست من إفادة البينونة في شيء 
والرد والإمساك يستعملان في الرجعة التي تعقب الطلاق الرجعي . 


ولو فرضنا أن فيه بعض دلالة على عدم الاحتساب فقد قال أبو داود: الأحاديث 
كلها على خلاف هذا يعني أنها حسبت عليه بتطليقة» وقد رواه البخاري مصرحاً 
بذلك» ولمسلم نحوه کما تقدم (وقد ذكر غير واحد أنه حكي عدم وقوع الطلاق 
البدعي للإمام أحمد فأنكره وقال هو مذهب الرافضة) . 


وأبو الزبير محمد بن مسلم المكي يذكره كل من ألف في المدلسين في عدادهم 
وهو مشهور بالتدليس» فمن يرد رواية المدلس مطلقاً يرد روايته» ويقبلها بشروط من 
يقبل رواية المدلس بشروط» لكن لم تتحقق قى تلك الشروط هنا فترد روايته هذه اتفاقاً. 
قال ابن عبد البر: تیت اد کر ای ار ومد رر اة لاقام بقل فلت 
واحد منهم. وقال بعض أهل الحديث: لم يرو أبو الزبير حديثاً أنكر من هذا حتى إن 
با الزبير لو لم يكن مدلساً وخالفه هؤلاء رواة حديث ابن عمر في الصحيحين 
وغیرهما لکان خبره هذا منکراً فکیف وهو مدلس مشهور؟ . 

وأما ما أخرجه ابن حزم بطريق محمد بن عبد السلام الخشني (ولفظ الشوكاني 
في جزئه الحبي بخطه بدل الخشني وهو يدل على مبلغ علمه بالرجال) عن محمد بن 
بشار عن عبد الوهاب الثقفي عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر في الرجل يطلّق 
امرأته وهي حائض. قال ابن عمر: لا يعتد بذلك» فقد قال ابن حجر في تخريج 
الرافعي إنه بمعنى أنه خالف السنة لا بمعنى أن الطلقة لا تحسب اه على أن بنداراً 
وإن كان من رجال الصحيح لكنه ممن ينتفي من أحاديثهم لا ممن تقبل رواياتهم 
كلهاء لأنه متهم بسرقة الحديث والكذب وغير ذلك» وقد تكلم فيه كثير من أهل النقد 
وترجحت عدالته عند بعض أصحاب الصحاح» فروي من حديثه ما سلم من النكارةء 
والبخاري لم يخرج حديثه هذا مع إكثاره عنه» وليس الخشني كالبخاري في الانتقاء 


وإن كان ثقة. 


ودعوى أن حديث أحمد بطريق ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر يؤيد صحة 
حديث أبى الزبير مما تضحك منه الثكلى» لأن مسند أحمد على انفراد من انفرد به 
لن من دواين الس أا كا آذكره أل دة ودفاع ابن حجر عنه قبل أن تتسع 
دائرة روايته إنما كان ليبعد الموضوع عنه. 


الإشفاق على أحكام الطلاق ۳۱ 


وابن لهيعة يدلس عن الضعفاءء واختلط بعد احتراق كتبه اختلاطاً شديداً فلا 
يكتب حديثه إلا من رواية العبادلة الأربعة: ابن المبارك» وابن وهب» وابن يزيد 
والقعنبي عنه» وليس هذا من رواية أحدهم بل من رواية حسن. على أن جماعة من 
أهل النقد توقفوا في رواية أبي الزبير عن جابر إلا ما كان بطريق الليث - حتى فيما لم 
يخالف فيه - كما ذكره الحافظ أبو سعيد العلائي في جامع التحصيل وهذه ليست 
بطريق الليث» ومثل مسند أحمد لا يسلم من إقامة السماع والتحديث مقام العنعنة لقلة 
ضبط من انفرد برواية مثل هذا المسند الضخم فأنى الصحة لمثل هذه الرواية عند من 
يعرف طريق النقد؟ 

وعلى فرض صحتها ليست مما يمكن أن يتصور تأبيدها لعدم وقوع الطلاق في 
حالة الحيض كما توهم متمجهد العصرء لأن لفظ هذه الرواية «ليراجعها فإنها امرأته» 
وهذا اللفظ يكون من الأدلة على وقوع الطلاق في تلك الحالة ودوام الزوجية بينهما 
ما دامت العدة قائمة كما يقول بذلك جماهير الفقهاء فإن المراجعة إنما تكون بعد 
الطلاق الرجعي» وقوله: «فإنها امرأته» نص في دوام الزوجية بينهماء بل هذه الرواية 
تفسر إجمال الرواية الأخرى بأن معنى «فليس بشيء» أن الطلاق في حالة الحيض ليس 
بشيء يفيد البينونة ما دامت العدة قائمة» فتتفق رواية أبي الزبير مع رواية الآخرين . 

وما رواه ابن حزم بطریق همام بن يحیی عن قتادة عن خلاس بن عمرو أنه قال 
في الرجل يطلق امرأته وهي حائض: لا يعتد بها. وفيه أن هماما في حفظه شيء وان 
فيه عنعنة قتادة وهو مدلس على أن قوله: «لا يعتد بها» مجمل يدور أمره بين أن 
تكون لا يعتد بها باعتبار أنه أتى بالسنة - كما اعتبر الجمع غير مخالف للسنة عند 
بعضهم - وبين أن تكون لا يعتد بها في حد ذاتها ويؤيد الإجماع الجاري بينهم 
الاحتمال الأول» وليس خلاس ممن عرف بالشذوذ في المسائل» ورأى ابن عبد البر 
في أمثال هذا إرجاع الضمير إلى تلك الحيضة فإنها لا يعتد بها في عدة المرأة. 

وجنوح المؤلف إلى تأييد رواية أي الزبير المنكرة بما في جامع ابن وهب عن 
عمر عن النبي بل أنه قال في حق ابن عمر: «مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر 
ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسك بعد ذلك وإن شاء طلّق قبل أن يمس. تلك 
العدة التي أمر الله تعالى أن تطلق لها النساء» وهي واحدة»» من الاختلال في التفكير 
ومن قبيل الاستجارة من الرمضاءء بالنار وقد سعى ابن حزم وابن القيم جهدهما في 
التخلص من لفظ «وهي واحدة» بذكر احتمال كونه مدرجاً بغير دليل» لكونه نصاً في 
موضوع النزاع يزداد به الجمهور حجة إلى حججهم . 


YY‏ الإشفاق على آحکام الطلاق 


واكتشف متمجهدنا طريقاً في التخلص منه مع قلب الحديث إلى أن يكون دليلاً 
لزعمه وهو إرجاع الضمير إلى الطلقة المستفادة من «وإن شاء طلق» بمناسبة قربها 
فلنفرض إرجاعه إليها كما يشتهيه مع خلوه عن الفائدة ومع ما فيه من صرف الكلام 
عن المحدث عنه» لكن أين يوجد في هذا أدنى تأييد لرواية أبي الزبير وقصارى ما 
یفیده: أن ابن عمر طلق امرأته في الحيض فأمره النبي بي على لسان عمر بأن 
يراجعها على أن يكون مخيراً فيما بعد بين أن يمسكها ويطلقهاء وهذه الطلقة غير 
المعلوم إيقاعها واحدة. فمن الذي يقول عن هذه الطلقة غير المعلوم وقوعها في 
الخارج أنها اثنتان أو ثلاث وهي واحدة حتماً إذا وقعت في الخارج وتحققت» وهل 
ينافي فرض كونها واحدة أن يقع قبلها طلاق على المرأة حقيقة كما يدل عليه لفظ 
المراجعة في الحديث؟ . 


ولعل المؤلف بلغ من التوسع في العلوم ولا سيما اللغة العربية القحة مبلغاً يغنيه 
عن تعلمها من أهلهاء واستقائها من مصادرها حتى اصطف الواقع والمفروض في 
صف واحد عنده» وأدرك هو وحده أن ما يقال له العدد باعتبار ذاته» والعدد باعتبار 
مرتبته» والعدد باعتبار تصييره» اعتبارات مستعجمة أدخلت في العربية فيجب هجرها 
فإذن يكون معنى «وهي واحدة» - على تقدير إرجاع الضمير 2 الطلقة المفروضة - 
وهي «الطلقة الأولى» فتتم بذلك الحجة على ابن حزم وابن القيم وعلى الجمهور!!! 
أفلا يحق أن يقال لمثله من المتمجهدين: تنكب لا يقطرك الزحام. 


وكان طلاق ابن عمر في حالة الحيض طلقة واحدة فقط كما في رواية الليث 
ورواية ابن سيرين التي يعول هو عليهاء ويفند ما كان يسمعه طول عشرين سنة من 
بعضهم وهو يظن صدقه من أن طلاقه في حالة الحيض كان ثلاثاء وقد أخرج مسلم 
روايتي الليث وابن سيرين كلتيهما في صحيحه . 


على أن القول ببطلان الطلاق في الحيض يجعل الطلاق بيد المرأة حيث لا 
يعلم الحيض والطهر إلا من جهتهاء > فإذا طلتى الرجل وقالت المرأة إن الطلاق كان في 
الحيض يعيد الرجل الطلاق ويكرره في أوقات إلى أن ت حرق ا لادی کان ي 
الطهر أو يسأم الرجل ويعاشرها معاشرة غير شرعية وهو يعلم أنه طلقها ثلاث في ثلاثة 
أطهار وفي ذلك من المفاسد ما لا يخفى على متفقه . 


ولعل هذا البيان كاف في دحض تقول المؤلف في هذا البحث. 


الإشفاق على أحكام الطلاق rr‏ 


الطلاق الثلاث بلفظ واحد 


قال: (في ص٤٤‏ : الذي يظنه كل الناس والذي يفهم من أقوال جمهور من تعرضوا 
لهذا البحث من العلماء أنهم يريدون بالطلاق الثلاث لفظ «طالق ثلاثاً» وما في معتاه. . . 
ويعتبرون أن الخلاف بين المتقدمين في وقوع الطلاق الثلاث أو عدم وقوعه إنما هو في هذه 
الكلمة وما في معناها بل يحملون كل ما ورد في الأحاديث والأخبار من التعبير عن إيقاع 
طلقات ثلاث على أنه قول المطلق «طالق ثلاث» وكل هذا خطأ صرف. .. وقلب للأوضاع 
العربية؛ وعدول عن استعمال صحيح؛ مفهوم إلى استعمال باطل» غير مفهوم ثم تغالوا 
وأوقعوا ببته ثلاثاً بالنية» وكلمة أنت طالق ثلاثاً («ص۳٠)‏ محال وإنما هي تلاعب بالألفاظء بل 
هي تلاعب بالعقول والأنهام» ولا يعقل أن تكون موضع خلاف بين الأئمة من التابعين فمن 
بعدهم . ولم يعرفها الصحابة (ص٥٥)‏ ولم يمضها أحد منهم على الناس إذ كانوا أهل اللغة 
المتحققين بها بالفطرة السليمةء وإنما الذي أمضوه هو ما كان بالتكرار» وهذا المعنى قد بدا 
لي منذ أكثر من عشرين سنة وتحققت منه» وأنا أخالف من سبقني من الباحثين جميعاً 
(ص۲٥)‏ وأقرر أن قول القائل «أنت طالق ثلاث“ ونحوه لا يكون في دلالة الألفاظ على المعاني 
لغة وفي بديهة العقل إلا طلقة واحدة؛ وأن قوله «ثلاثً» في الإنشاء والإيقاع محال عقلاً؛ باطل 
لغة؛ فصار لغواً من الكلام» لا دلالة له على شيء في تركيب الجملة التي وضع هو فيهاء 
وأقرر أيضاً أن الخلاف بين التابعين فمن بعدهم في الطلاق الثلاث ونحوه» إنما هو في تكرار 
الطلاق مرة بعد أخرى يعني في لحوق الطلاق للمعتدة» والعقود (ص٠٠)‏ حقائق معنوية لا 
وجود لها في الخارج إلا بإيجادها بالألفاظ› فأنت طالق (ص۷٤)‏ تقع به حقيقة معنوية وهي 
الطلاق؛ والتکلم بلفظ ثلاثاً بعد لغو› کما لا يقال (ص۸٤)‏ بعت ثلاثاً على قصد إلى إيجاد 
عقد البيع وإنشائه» وهذا الذي (ص۹٤)‏ قلنا كله بديهي لا يعارض فيه أحد فكر ودقق وتحقق 
من المعنى وأنصف اه). 


أقول هذا هو الذي يقوله في مواضع من رسالته بشأن الطلاق الثلاث» فإذا لم 
تقبل كل ذلك من غير مطالبة بحجة» فأنت لست بمنصف» فيا للفقه. ويا لالإسلام!؟ 
يتكلم في الدين مثله بهذا التهور» في مثل هذا البلد الطيب قبلة العلم للعالم 
الإسلامي» ولا تعرك أذنه» يتخيل المؤلف خلافاً بين الصحابة والتابعين في أمر 
الطلاق الثلاث» ولا خلاف بينهم أصلاً إلا في خياله ولا الطلاق «بأنت طالق ثلاثا» 
بمجهول عندهم» بل يعرفه الصحابة والتابعون وتعرفه العرب» ولم يجهله إلا هذا 
المتمجهد» وقوله هذا المعنى قد بدا لي منذ أكثر من عشرين سنة يدل على أن 
التخريف كان يلازمه من عهد طفولته. ولم يفرق أحد في ذلك بين الخبر والإنشاءء 
والطليي وغيره؛ بل عد فقهاء الملة لفظ (طالق ثلاثا) نصاً في البينونة الكبرى» بخلاف 


r4‏ الإشفاق على احكام الطلاق 


البتة التي يقول عنها عمر بن عبد العزيز ما يقوله» وقولهم في مشل البتة من جملة ما 
يدل على وقوع الثلاث مجموعة. 

ومن الأدلة الظاهرة على ما قلنا ما أخرجه البيهقي في سننه والطبراني وغيرهما. 
عن إبراهيم بن عبد الأعلى عن سويد بن غفلة. قال كانت غائشةإيدت القضل عند 
الحسن بن علي» فلما بويع بالخلافة هنأته» فقال الحسن: أتظهرين الشماتة بقتل 
أمير المؤمنين» أنت طالق ثلاثاً - ومتعها بعشرة آلاف - ثم قال: لولا أني سمعت 
رسول الله بيا جدي» أو سمعت أبي يحذث عن جدي بي أنه قال: «إذا طلق الرجل 
امراته ثلاثاً عند الأقراء أو طلقها ثلاثاً مبهمة لم تحل له حثى تنكح زوجاً غيره 
لراجعتها اها. وإسناده صحيح. قاله ابن رجب الحنبلي الحافظ : بعد أن ساق هذا 
الحديث في كتابه (بيان مشكل الأحاديث الواردة» في أن الطلاق الثلاث واحدة). 

ومما كتب عمر رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه «من قال 
أنت طالق ثلاثاً» فهي ثلاث» كما أخرجه أبو نعيم . 

وقد روى محمد بن الحسن في الآثار بسنده» عن إبراهيم بن يزيد النخعي في 
الذي يطلق واحدة وهو ينوي ثلاثاًء أو يطلق ثلاثاً وهو ينوي واحدةء قال: إن تكلم 
بواحدة فهي واحدة» ولیست نيته بشيء» وإن تکلم بثلاث کانت ثلاثاء ولیست نیته 
بشيء» قال محمد بهذا كله نأخذ» وهو قول أبي حنيفة اه. 

وقال عمر بن عبد العزيز كما في الموطاً: لو كان الطلاق ألفاً ما أبقت البتة منها 
شيئاً» من قال البتة فقد رمى الغاية القصوى اه. هذا رأيه في لفظ البتة فضلاً عن لفظ 
الثلاث. 

وقال الشافعي في الأم (ص۷٤۲‏ ج٥):‏ ولو رأى امرأة من نسائه مطلعة فقال: 
«أنت طالق ثلاثاً». . وقال لواحدة منهن هي هذه وقع عليها الطلاق اه. 

وقال الشاعر العربي: 

وأم ععمروطالق ثلائاً 

مطلقاً لامرأته حينما استعصت عليه قافية الثاء في مباراته مع صاحبيه وكذلك قال 

الشاعر العربي الآخر: 
وأنت طلاق والطلاق عزيمة ثلاث» ومن يخرق أعق وأظلم 
فبيني بهاإن كنت غير رفيقة ومالامرىء بعدالثلاث تندم 


الإشفاق على أحكام الطلاق ro‏ 


حتى سأل الكسائي محمد بن الحسن عن ذلك» فأجابه بما استحسنه الكسائي 
على ما في مبسوط شمس الأئمة السرخسي وغيره» بل أطال النحاة الكلام فيه. 

وليس في استطاعة أحد من المتهوسين أن ينقل شيئاً ينافي إرسال الثلاث بلفظ 
واحد عن أحد من أئمة النحو والعربية» فدونك كتاب سيبويه» وإيضاح أبي علي 
الفارسي» وخصائص ابن جني» وشرح المفصل لابن يعيش» وارتشاف أبي حيان 
ونحوها من أمهات الكتب» فلن تجد فيها مهما بحثت كلمة تنافي ما ذكرنا فكيف 
تتحكم يا متمجهد العصرء وتقول إن الطلاق الثلاث بلفظ واحد لم يعرفه الصحابةء 
ولا التابعون» ولا الفقهاء» ولا عرفته العرب» ولم يكن إيقاع الثلاث عندهم إلا 
بتكرير لفظ الطلاق» وكل ذلك افتراء على الصحابة والتابعين وتابعيهم» وفقهاء الدين 
والعرب والعلوم العربية» فها هو قد عرفه الحسن السبطء وهو صحابي عربي» وعرفه 
أبوه وجده عليهم السلام» وعرفه عمر وأبو موسى رضي الله عنهما. 


وعرفه إبراهيم النخعي الذي يقول عنه الشعبي: ما ترك إبراهيم بعده أعلم منه لا 
الحسن ولا ابن سيرين ولا من أهل البصرة» ولا من أهل الكوفة» ولا من أهل 
الحجاز» والشام. ويقول عنه ابن عبد البر في التمهيد ما يقوله عند ذكر الاحتجاج 
بمراسيله. وعرفه عمر بن عبد العزيز وهو هو. وعرفه أبو حنيفة وهو الإمام الوحيد 
الذي نشأً في مهد العلوم العربية. وعرفه محمد بن الحسن الذي اتفقت كلمات 
الموافقين والمخالفين على أنه حجة في العربية. وعرفه الشافعي وهو الإمام القرشي 
الوحيد بين الأئمة. وعرفه قبلهما مالك عالم دار الهجرة. وعرفه هذا الشاعر العربي 
وذاك الشاعر العربي» فيا ترى هل يندى بعد هذا البيان جبينه ويتحول يقينه . 

وإلغاء العدد في الإنشاء لعله رؤيا رآها في المنام» وحاول أن يبني عليها 
الأحكام» وأما إن كان انتبه إلى إلغاء العدد من قول طائفة من حذّاق الأصوليين بأن 
العدد لا مفهوم له» وما لا مفهوم له یکون لغواًء فذلك انتباه لا یمکن أن یجاریه فيه 
أحد» نعوذ بالله من مثل هذه اليقظة. 

فالواهب والمقر والمطلق والبائع والمعتق كلهم يوقعون ما شاؤوا من العدد في 
الإنشاء. فالواهب يقول بلفظ واحد وهبت هؤلاء العبيد لفلان فتقع الهبة على كل 
واحد منهم» ويقول المطلق أنتن طلاق لنسوته الأربع» فيقع على كل منهن كما فعل 
المغيرة بن شعبة. ويقول البائع أو المعتق أو المقر بعت تلك الدور أو أقررت بها 
لفلان أو أعتقت هؤلاء العبيد فلفظ واحد كفى في كل منها من غير حاجة إلى 


1 الإشفاق على أحكام الطلاق 


التكرار» ولا شك أن المصدر الذي تضمنه تلك الأفعال الإنشائية لو كنا أردنا الإفادة 
عنه بمفعول مطل لأفدنا ذلك بذكر عدد يوافق عدد العبيد الذين تم إعتاقهم» وكذا 
النساء والدور إلا أن ذكر المفعول في تلك الأمثلة أغنى عن ذكر المفعول المطلق 
العددي . 

وكون الزوج يملك زوجته بثلاث تطليقات إنما أتى من الشرع لا علاقة لذلك 
I DE E‏ إن التطليتق بلفظ «أز نت طالتق ثلاث 
باطل لغة وإنما دخل في كلام من ينطق به من العجمة» كلام لا محصل له وكان لهذا 
الكلام معنى لو كان في شرع الأعجمين ملك الرجل لزوجته بثلاث تطليقات مجموعة 
على خلاف شرع المسلمين» مع أن شرع المسلمين هو الذي يملك الرجل امرأته 
بثلاث تطليقات مجموعة كانت أو مفرقة» وليس كلامنا في شرع غير شرع الإسلام 
ولا في طلاق غير طلاق الإخوان المسلمين من أي عنصر کانوا. 

فالمسلم إذا أراد أن يطلق امرأته فإما أن يطلقها ثلاثاً بلفظ واحد في طهر أو 
حيض على خلاف السنة أو يفرقها على الأطهار كما هي السنة بأي لغة كان التطليق 
سواء كان بالعربي أو الفارسي أو الهندي أو النوبي بدون أي فرق بين تلك اللغات فله 
أن يريد الواحدة أو الاثنتين أو الثلاث ثم يذكر لفظاً يحتمل مراده فيقع ما أراد واحداً 
كان أو اثنين أو ثلائة فطابق لفظ الإنشاء لما أراد. 

ودعوى إلخاء العدد في الإنشاء من الدعاوى التي أولادها أدعياء إذ تبين مما 
سبق بيانه أنه لا فرق بين الخبر والإنشاء ولا بين الطلبي وغيره في صحة مجيء 
المفعول المطلق العددي بعدها عند مساس الحاجة إلى ذكرها لا لغة ولا نحواً وإنما 
الأمر في ذلك إلى الشرع فقط كما أسلفنا. 

ومحاولة القياس في مورد النص سخف على أن التسبيح والتحميد والتكبير 
والقلاوة والصلاة ونحوها عبادات يكون أجرها على قدر التعب» وأما الإقرار بالزنا 
والحلف فى اللعان والقسامةء فالعدد فيها للتأكيد» ولا يحصل ذلك إلا بإتيان العدد 
الر ف بخلاف ما هنا فإن الطلاق ليس من العباداتء ولا العدد فيه للتأكيد حتى 
يقاس على تلك أو هذه وكذلك كيف يقاس عدد يصح أن كتفي بأقل منه بما لا 
يصح أن يكتفي بأقل منه» والقياس مع وجود فارق أسخف. 

يقول المؤلف في حديث محمود بن لبيد في غضب الرسول ييو على رجل 
جمع بين الثلاث: وأغلب ظني أن هذا هو ركانة. دعنا من ظنك فإن يقينك خاطىء 


الإشفاق على أحكام الطلاق V‏ 


فضلاً عن ظنك» وحديث محمود بن لبيد على تقدير صححته لا يدل على عدم الوقوع 
بوجه من الوجوه المعتبرة عند أهل الاستنباط بل على الإثم على خلاف رأي الشافعي 
وابن حزم ولسنا في صدد المناقشة في ذلك بل روى إمضاء الثلاث عليه أبو بكر بن 
العربي وهو من التوسع في الروايات على ما يعلمه أهل العلمء ولابن حجر شخف 
غريب بنقل كل ما قيل في كل شيء وقد يحقق في كتاب ویرسل الکلام على عواهنه 
في کتاب آخر وهذا من معایب کتبه. واختلاف قوله في محمود بن لبيد من هذا 
القبيل» والتحقيتق أن محمود بن لبيد لم يسمع كما في فتح الباري» وهو من الكتب 
المرضية عنده بخلاف الإصابة وما في الإصابة» نقل لما في بعض نسخ المسندء 
والمسند مع انفراد مثل ابن المذهب والقطيعي بروايته لا يكون موضع تعويل في كل 
شيء. 

وسيأتي الكلام على حديث ابن إسحاق في مسند أحمد عن تطليق ركانة ثلاثاً 
وتصحيح الضياء ماذا يجدي مع مثول السند والضياء يصحح مثل حديث الخنصر»ء 
ومن الغلاة من يصحح جميع ما في مسند أحمد. وقد نقلنا ما يفند ذلك عن الحافظ 
ابن طولون فيما علقناه على خصائص المسند» فدعنا من هؤلاء وانتظر الكلام على 
حديث ركانة في البحث الآتي. 

ومن الدليل على وقوع الثلاث بلفظ واحد حديث الملاعنة المخرج في صحيح 
البخاري؛ حيث قال عويمر العجلاني في مجلس الملاعنة : کذبت عليها إن أمسكتها. 
يا رسول الله» فطلقها ثلاثاً قبل أن يأمره رسول الله بيه ولم يرد في رواية من الروايات 
أنه عليه السلام أنكر عليه ذلك» فدل على وقوع الثلاث مجموعة. لأن الرسول بلا 
لم يكن ليدع الناس يفهمون وقوع الثلاث بلفظ واحد لو لم يكن هذا الفهم صحيحاًء 
وقد فهم منه ذلك الأمة جمعاء حتى ابن حزم حيث قال: إنما طلقها وهو يقدر أنها 
امرأته» ولولا وقوع الثلاث مجموعة لأنكر ذلك عليه» وفهم البخاري أيضاً من 
الحديث ما فهمه الأمة جمعاء من الوقوع حيث ساق هذا الحديث في صحيحه في 
باب من أجاز طلاق الثلاث» ثم حديث العسيلة» ثم حديث عائشة فيمن طلّق ثلاثاء 
ومراده بالجواز عدم الإثم في الجمع كما هو رأي الشافعي وابن حزم . والأكثرون على 
أن وقوع الثلاث مجموعة مقرون بالإثم كما بسط ابن عبد البر في الاستذكار ولسنا في 
صدد تحقیقه . 

وليس المراد أن هناك اختلافاً في ذات الوقوع» لأنه على مخالفته للفظ البخاري 
يخالف الحق» لأن وقوع الثلاث مجموعة موضع اتفاق بين جميع من يعتد بقولهم» 


۳۸ الإشفاق على أحكام الطلاق 


كما قاله ابن التين ولم ينقل الخلاف إلا عن غالط» أو عمن لا يعتد بخلافه كما 
سيأتي تحقيقه» وابن حجر سها هنا في تجوز شموله لهذا المعنى تعويلاً منه على مثل 
ابن مخيث» وليس للمحدث أن يعول على مثله بدون أن يروي الخلاف بأسانيد 
صحيحة عمن يعول عليهم فانتظر البحث في موضعه. 

والأحاديث كثيرة جداً فيمن طلتق ألفاً أو مائة أو تسعاً وتسعين أو عدد النجوم أو 
ثمانية ونحوها عن الرسول بء وعن أصحابه الفقهاء» والتابعين ومن بعدهم في 
الموطأء ومصنف ابن أبي شيبة» وسنن البيهقي وغيرها كل ذلك يدل على وقوع 
الثلاث بلفظ واحد لأن من البعيد جداً أن يوجد بين الصحابة من لا يعرف انحصار 
عدد الطلاق في ثلاث حتى يوقع الطلاق مرة بعد أخرى إلى أن يبلغ العدد ألفاً أو 
مائة أو تسعاً وتسعين من غير أن يرشدهم طول هذه الطلقات» فقهاء الصحابة لعدد 
الطلاق في الشرع» ومحال أن يتصور على الصحابة مشل هذا الإهمال فإذن هي ألفاظ 
المطلقين عند تطليقهم لنسائهم» فأحدهم قال: هي طالق ألفاً. والآخر قال: هي طالق 
مائة. وثالث قال: هي طالق تسعا وتسعين قصدا منهم إلى إيقاع ما تحصل به البينونة 
الكبرى وهو ظاهر لا يحتمل التشغيب بوجه من الوجوه. 

وفي رواية يحيى الليثي عن مالك أنه بلغه أن رجلاً قال لعبد الله بن عباس: إني 
طلّقت امرأتي مائة تطليقة فماذا ترى علي؟ فقال ابن عباس: طلقت منك بثلاث» 
وسبع وتسعون اتخذت بها آيات الله هزواً. وأسنده عبد البر في التمهيد. 

وأخرج ابن حزم في المحلى بطريق عبد الرازق عن سفيان الثوري عن سلمة بن 
کهیل نا زيد بن وهب أنه رفع إلى عمر بن الخطاب رجل طلَق امرأته ألفاً. فقال له 
عمر: أطلقت؟ فقال: إنما كنت ألعب فعلاه بالدرة وقال: إنما يكفيك من ذلك ثلاث 
ومثله في سنن البيهقي بطريق شعبة . 

وأخرج ابن حزم أيضاً بطريق وكيع عن جعفر بن برقان عن معاوية بن أبي يحيى 
أنه قال: جاء رجل إلى عثمان بن عفان فقال: طلقت امرأتي ألفاًء فقال: بانت منك 
بثلاث» ومن طريق عبد الرزاق عن الثوري عن عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير أن 
ابن عباس قال لرجل طلق ألفاً: ثلاث تحرمها عليك وبقيتها وزر عليك اتخذت آیات 
الله هزوا ومثله في سنن البيهقي . 

وأخرج ابن حزم أيضاً بطريق وكيع عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن 
علي کرم الله وجهه أنه قال لمن طلق ألفاً: «ثلاث تحرمها عليك. .» الحديث ومثله 


الإشفاق على أحكام الطلاق ۳4 


وأخرج الطبراني عن عبادة عن النبي بي في رجل طلَتق ألفاً: أما ثلاث فله وأما 
اة وسبع وتسعون فعدوان وظلم إن شاء الله عذّبه وإن شاء غفر له. ومشله في 
مسند عبد الرزاق عن جد عبادة إلا أن في رواية عبد الرزاق عللاً. 

وأخرج البيهقي بطريق شعبة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس أنه 
قال لمن طلق امرأته مائة تطليقة: عصيت ربك» وبانت منك امرأتك» لم تتق الله 
فيجعل لك مخرجاً ثم قرأ اما أن إا علقت ألا هفوشن تى [الطلّق: .]١‏ 

وأخرج أيضاً بطريق شعبة عن الأعمش عن مسروق عن عبد الله - يعني ابن 
مسعود - أنه قال لمن طلق امرأته مائة : بانت بثلاث» وسائر ذلك عدوان. 


وأخرج ابن حزم بطريق عبد الرزاق عن معمر عن الأعمش عن إبراهيم عن 
علقمة عن ابن مسعود أنه قال لرجل طلق امرأته تسعاً وتسعين: ثلاث تبينها وسائرهن 
عدوان اھ. 

وأخرج ابن حزم أيضاً بطريق وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي أنه 
قال : قال رجل لشريح القاضي: طلقت امرأتي مائة. فقال شريح: بانت منك بثلاث» 
وسبع وتسعون إسراف ومعصية اه. 

وصح عن علي وزيد بن ثابت وابن عمر رضي الله عنهم أن لفظ حرام والبتة 
ثلاث تطليقات كما في محلى ابن حزم ومنتقى الباجي وغيرهما وذلك جمع للثلاث 
بلفظ واحد. 

وأخرج البيهقي عن مسلمة بن جعفر أنه قال لجعفر بن محمد الصادق إن قوماً 
يزعمون أن من طلّق ثلاثاً بجهالة رد إلى السنة» ويجعلونها واحدة يروونها عنكم» قال 
معاذ الله» ما هذا من قولتا! من طلق ثلاثاً فهو كما قال. 

وفي المجموع الفقهي عن زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي 
عليهم السلام: أن رجلاً من قريش طلَق امرأته مائة تطليقة» فأخبر بذلك النبي بلا. 
فقال: «بانت منه بثلاث› وسبع وتسعون معصية في عنقه) . 

وأخرج مالك والشافعي والبيهقي عن عبد الله بن الزبير أن أبا هريرة قال الواحدة 
تبینهاء والثلاث تحرمها حتی تنکح زوجاً غيره» وقال ابن عباس مثل ذلك في رجل 
من أهل البادية طلق امرأته ثلاث قبل أن يدخل بها. ومثل ذلك عن عبد الله بن عمرو. 

وأسند عبد الرزاق عن ابن مسعود فيمن طلَق تسعاً وتسعين: ثلاث تبينها 
وسائرهن عدوان. 


10 الإشفاق على أحكام الطلاق 


وقال محمد بن الحسن في الآثار: أخبرنا أبو حنيفة عن عبد الله بن عبد الرحمن 
ابن ابي حسين عن عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس قال: أتاه رجل فقال: إني 
طلقت امرأتي ثلاثًء قال: يذهب أحدكم يتلطخ بالنتن» ثم يأتيناء اذهب فقد عصيت 
ربك» وقد حرمت عليك امرأتك» لا تحل لك حتى تنكح زوجاً غيرك› قال محمد: 
وبه نأخذ وهو قول أبي حنيفة» وقول العامة لا اختلاف فيه . 

قال محمد بن الحسن أيضاً: أخبرنا أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم في الذي 
يطلق واحدة وهو ينوي ثلاثاء أو يطللق ثلاثاً وهو ينوي واحدة. قال: إن تكلم بواحدة 
فهي واحدة وليست نيته بشيء» وإِن تکلم بثلاث كانت ثلاڻا وليست نيته ٻشيء. قال 
محمد: بهذا كله نأخذ» وهو قول أبي حنيفة . 


قال الحسين بن علي الكرابيسي في أدب القضاء: أخبرنا علي بن عبد الله - وهو 
ابن المديني - عن عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن طاوس أنه قال: من 
حدثك عن طاوس أنه كان يروي طلاق الثلاث واحدة كذبه. 

وروی ابن جریج قال: قلت لعطاء: أسمعت ابن عباس يقول طلاق البكر 
الثلاث واحدة؟ قال: لا بلغني ذلك عنه» وعطاء أعلم الناس بابن عباس اه. 

قال أبو بكر الرازي الجصاص في أحكام القرآن بعد أن سرد ما يدل على وقوع 
الثلاث من الآيات والأحاديث وأقوال السلف: فالكتاب» والسنة» وإجماع السلف 
توجب إيقاع الثلاث معا وإن كان معصية اه. 

وقال أبو الوليد الباجي في المنتقى: فمن أوقع الثلاث بلفظة واحدة لزمه ما 
أوقعه من الثلاث وبه قال جماعة الفقهاء» والدليل على ما نقوله إجماع الصحابة لأن 
هذا مروي عن ابن عمر» وعمران بن حصين» وعبد الله بن مسعود» وابن عباس» 
وأبي هريرة» وعائشة رضي الله عنهم ولا مخالف لهم اه. 

وقال أبو بكر العربي عند الكلام في حديث ابن عباس في إمضاء الثلاث هذا 
حدیث مختلف في صحته» فکیف يیقدم على الإجماع ویعارضه حدیث محمود ابن 
لبيد؟ فإن فيه التصريح» بأن الرجل طلَق ثلاثاً مجموعة ولم يرده النبي ية بل 
أمضاه |.ه لعله يريد رواية غير رواية النسائي. وأبو بكر بن العربي حافظ واسع 
الرواية جداًء أو أراد أنه لو كان رده لذكر في الحديث» وغضبه عليه السلام أيضاً يدل 
على وقوعهاء وكفى هذا فيما يريده» وابن عبد البر توسع جداً في التمهيد والاستذكار 
في سرد الأدلة على المسألةء وإثبات الإجماع فيها. 


الإشفاق على أحكام الطلاق ا4 


وقال ابن الهمام في فتح القدير: لا تبلغ عدة المجتهدين الفقهاء من الصحابة 
أكثر من عشرين كالخلفاءء والعبادلة وزيد بن ثابت» ومعاذ بن جبل»ء وأنس»› 
وأبي هريرة رضي الله عنه وقليل سواهم والباقون يرجعون إليهم ويستفتون منهم» وقد 
أئبتنا النقل عن أكثرهم صريحاً بإيقاع الثلاث» ولم يظهر لهم مخالف» فماذا بعد الحق 
إلا الضلالء وعن هذا قلنا لو حکم حاكم بأن الثلاث بفم واحد واحدة لم ينفذ 
حکمه» لأنه لا يسوغ الاجتهاد فيه فهو خلاف لا اختلاف» والرواية عن أنس بأنها 
ثلاث أسندها الطحاوي وغيره اه. 

ومن أحاط خبراً بأدلة الجمهور من الكتاب والسنة وأقوال السلف وبأحوال 
الصحابة رضي الله عنهم أجمعين› يدرك مبلغ قوة كلام ابن الهمام في المسألة وفي 
عدة المجتهدين من الصحابة» وإن سعى ابن حزم في تكثير عددهم جداً في أحكامه 
بأن حشر في عدادهم كل من روى عنه مسألة أو مسألتان في الفقه لا إجلالاً لمنزلة 
الصحابة في العلم بل ليتمكن من معاكسة الجمهور في مسائل الإجماع باشتراط النقل 
عن كل منهم» وأنى لمن لم يرو عنه إلا مسألة أو مسألتان في الفقه» أو حديث أو 
حديثان في السنة أن يعد في المجتهدين كائناً من كان وإن كانت منزلة الصحابة في 
الصحبة عظيمة القدر جد وهو ظاهرء وسيأتي بعض بسط لذلك» ومن تخيل اشتراط 
النقل عن مائة ألف صحابي مات عنهم النبي بيه في صحة الإجماع على شيء غرق 
في بحر الخيال» وسبق ابن حزم في معاكسة الجمهور في حجية الإجماع ومثله وإن 
تحنبل لا یکون إلا متبعاً سبيل غير المؤمنين. 

وكان الحافظ ابن رجب الحنبلي من أتبع الحنابلة منذ صغره لابن القيم وشيخه 
ثم تيقن ضلالهما في كثير من المسائل ورد على قولهما في هذه المسألة في كتاب 
سماه (بيان مشكل الأحاديث الواردة في أن الطلاق الطلاق واحدة) وفي ذلك عبرة 
بالغة لمن انخدع بتشغيبهما من غير أن يعرف مداخل الأحاديث ومخارجهاء ومن 
جملة ما يقول ابن رجب في كتابه المذكور: «اعلم أنه لم يثبت عن أحد من الصحابة 
ولا من التابعين ولا من أئمة السلف المعتد بقولهم في الفتاوى في الحلال والحرام 
شيء صريح في أن الطلاق الثلاث بعد الدخول يحسب واحدة إذا سيق بلفظ واحد 
وعن الأعمش أنه قال: كان بالكوفة شيخ يقول: سمعت علي بن أبي طالب يقول: 
إذا طلق الرجل امرأته ثلاثاً في مجلس واحد ترد على واحدة» والناس عنق واحد إلى 
ذلك يأتون ویستمعون منه» فأتیته وقلت له: هل سمعت على بن أبي طالب يقول؟ 
قال: سمعته يقول: إذا طلق الرجل امرأته ٿلاثاً في سجلش واحد» فإتها ترد إلى 
واحدة» فقلت: أين سمعت هذا من علي؟ 


Y4‏ الإشفاق على أحكام الطلاق 


فقال: أخرج إليك كتابي» فأخرج كتابه» فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم» 
هذا ما سمعت علي بن أبي طالب يقول: إذا طلّق الرجل امرأته ثلاثاً في مجلس واحد 
فقد بانت منه» ولا تحل له حتی تنکح زوجاً غیره. قلت: ويحك هذا غير الذي 
تقول. قال الصحيح هو هذا ولكن هؤلاء أرادوني على ذلك اه. ثم ساق ابن رجب 
حديث الحسن بن علي عليهما السلام السابق ذكره بسنده» وقال إسناده صحيح . 

وقد نقل الحافظ جمال الدين بن عبد الهادي الحنبليي نصوصاً جيدة في المسألة 
عن كتاب ابن رجب هذا بخطه في كتابه (السير الحاث - يريد الحثيث ‏ إلى علم 
الطلاق الثلاث) وهو من محفوظات الظاهرية بدمشق تحت رقم ٩٩‏ من قسم 
المجاميع . 

ومن جملة ما يقول الجمال بن عبد الهادي فيه: الطلاق الثلاث يقع ثلاثاً هذا 
هو الصحيح من المذهب» ولا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره» وهذا القول مجزوم 
في أكثر كتب أصحاب الإمام أحمد كالخرقي» والمقنع» والمحرر» والهداية» 
وغيرها. قال الأثرم: سألت أبا عبد الله - يعني أحمد بن حنبل - عن حديث ابن عباس 
كان الطلاق الغلاث على عهد رسول الله ياء وأبي بكر» وعمر» واحدة بأي شيء 
تدفعه» فقال: برواية الناس عن ابن عباس أنها ثلاث» وقدمه في «الفروع» وجزم به 
في المغني وأكثرهم لم يحكِ غيره اه. وقوله: أكثر كتب أصحاب أحمد» إنما هر 
بالنظر إلى من بعد أحمد بن تيمية من المتأخرين كبني مفلح والمرادوة» وهم اغتروا 
بابن تيمية فلا يعد أقوالهم قولاً في المذهب» وصاحب الفروع من بني مفلح ممن 
انخدع بابن تيمية» وذكر إسحاق بن منصور شيخ الترمذي في مسائله عن أحمد - وهي 
محفوظة تحت رقم ۸۳ من فقه الحنابلة بظاهرية دمشق - مثل ما ذكره الأثرم. 

بل عد أحمد بن حنبل مخالفة ذلك خروجاً عن السنة» حيث قال في جواب 
كتبه إلى مسدد بن مسرهد عن السنة: ومن طلق ثلاثا في لفظ واحد» فقد جهل 
وحرمت عليه زوجته» ولا تحل له أبداً حتى تنكح زوجاً غيره اه. وهذا الجواب 
أسنده القاضي أبو الحسين بن أبي يعلى الحنبلي في طبقات الحنابلة عند ترجمة 
مسدد بن مسرهد وسنده مما يعول عليه الحنابلة» وإنما عدّه من السنة لأن الروافض 
كانوا يخالفون ذلك تلاعباً منهم بأنكحة المسلمين. 

وفي التذكرة لاإمام الكبير أبي الوفاء بن عقيل الحنبلي «وإذا قال أنت طالق ثلاثاً 
إلا طلقتين وقعت الثلاث لأنه استثناء الأكثر فلم يصح الاستشناء) . 


الإشفاق على أحكام الطلاق rer‏ 


وقال أبو البركات مجد الدين عبد السلام بن تيمية الحراني الحنبلي مؤلف منتقى 
الأخبار في كتابه المحرر: ولو طلقها اثنتين أو ثلاثاً بكلمة أو كلمات في طهر فما 
فوق من غير مراجعة وقع وكان للسنة» وعنه للبدعة وعنه الجمع في الطهر بدعة» 
والتفريق في الأطهار سنة اه. وأحمد بن تيمية يروي عن جده هذاء أنه كان يفتي سراً 
برد الثلاث إلى واحدة وأنت ترى نص قوله في المحرر ونبرىء جده من أن يكون 
يبت من القول خلاف ما يصرح به في كتبه» وإنما ذلك شأن المنافقين والزنادقة» وقد 
بلونا الكذب كثيراً فيما ينقله ابن تيمية فإذا كذب على جده هذا الكذب المكشوف لا 
يصعب عليه أن يكذب على الآخرين نسأل الله السلامة. 

ومذهب الشافعية في المسألة أشهر من نار على علم» وقد ألّف أبو الحسن 
السبكي والكمال الزملكاني وابن جهبل وابن الفركاح والعز بن جماعة والتقي الحصني 
وغيرهم مؤلفات في الرد عليه في هذه المسألة وغيرها من المسائل وأكثرها بمتناول 
الأيدي. 

وابن حزم الظاهري على افتتانه بالشذوذ في المسائل لم يسعه ألا يسلك سبيل 
الجمهور» بل أفاض في المحلى في التدليل على وقوع الثلاث بلفظ واحد بتوسع 
يجب الاطلاع عليه ليعلم مبلغ زيغ من يزعم خلاف ذلك من الأظناء المتهمين . 

وبهذا البيان الواسع استبان قول الأمة جمعاء في المسألة من الصحابة والتابعين 
وغيرهم» والأحاديث التي سقناها لا تدع قولاً لقائل في وقوع الثلاث بلفظ واحد. 

ودلالة الكتاب على ذلك ظاهرة لا تقبل التشغيب فقوله تعالى: «فطَلفوشنٌ 
لِدّتوىً# [الطلاق: ]١‏ أمر بالطلاق لقبل العدة من غير أن يفيد بطلان الطلاق في غير 
العدة بل يدل ما في نسق الخطاب على الوقوع في غير العدة حيث قال تعالى : رتك 
دود أله وسن ينعد حذوة ألو َد ظَكَمّ نسم [الطلق: ]١‏ فلولا أنه إذا طلّق لغير 
العدة وقع لما كان ظالماً لنفسه بإيقاعه في غير العدة» ويدل عليه أيضاً قوله تعالى : 

ومن بن أله بعل له را [اللدق: ۲] يريد والله أعلم أنه إذا أوقع الطلاق على 

ما أمره الله وفرق الطلقات على الأطهار كان له مخرج مما أوقع إن لحقه ندم وهو 
الرجعة؛ وبهذا تأول الآية عمر وابن مسعود وابن عباس كما سبق ومن مثلهم في 
الفهم وإدراك التأويل؟ 

وقال علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه: لو أن الناس أصابوا حد الطلاق ما ندم 
رجل طلق امرأته. وهو إشارة إلى ذلك ومن مشل مدينة العلم في إدراك أسرار 
التريل؟. 


4f‏ الإشفاق على أحكام الطلاق 


وقوله تعالى : ألَكَقٌ مان [الِقَرَة: ۲۲۹] يدل على صحة الجمع بين الائنتين 
إذا حملت كلمة € لالقَرة: ]۲۲١‏ على الاثنتين كما في قوله تعالى: زيا 
رها مر [الأحرًاب: ]۳١‏ والقرآن يفسر بعضه بعضاًء وهكذا فهم البخاري معنى 
الآية حتى ذكرها في باب من أجاز الثلاث بلفظ واحد وكذا ابن حزم وأيّده الكرماني 
لأنه لا يوجد من يفرق بين الاثنتين والثلاث في صحة الوقوع وإليه ميل الشافعية› 
وابن حجر فقهه تکلف ولیس له اتساع في اللغة وقوله أمام قول الكرماني فيما يتعلق 
بالنظر واللغة ليس بشيء» وإذا حملت تلك الكلمة على أنها من قبيل التثاني المكررة 
تدل على صحة وقوع الغلاث إذا كان إيقاعها بتكرار اللفظ سواء كان في حيض أو 
طهر أو أطهار أو في مجلس أو في مجالس فإذا صح الطلاق في طهر أو حيض 
بالتكرير صخ فيه الطلاق أيضاً بلفظ واحد حيث لا يوجد من يفرق بين هذا وذاك 
وإنما ينازع من ينازع فيما لم يرق على الأطهار وهذا ظاهر. 

والشوكاني حاول التمسك بكونها من قبيل التثاني المكررة كما يقول الزمخشري 
وظن به أنه بهذا القول ابتعد عن مذهبه في المسألة وأنى يكون هذا وأين يجد 
الشوكاني ما يتمسك به في الآية وهي كما شرحنا لكن الغريق يحاول أن يتمسك بكل 

وهذا على فرض أن في الآية ما يدل على القصر وأن المراد بالطلاق هو 
الشرعي الذي يلغو خلافه كما يزعم الشوكاني فكيف أن هذا وذاك بعيدان عن التسليم 
لظهور أن الطلقة الواحدة الرجعية تعتبر طلقة شرعية تقع بها البينونة عند انقضاء العدة 
مع عدم كونها طلقة بعدها طلقة . 

وقد بسط الإمام أبو بكر الرازي الجصاص وجه دلالة الكتاب على قول 
الجمهور بأوسع مما هناء فمن أراد الاستزادة فعليه بأحكام القرآن له. 


وتشير الآيات في نستق الخطاب إلى أن الأمر بتفريق الطلاق على الأطهار لأجل 
مصلحة دنيوية ترجع إلى المطلقين» وهي صيانتهم عن التسرع في طلاق يفضي إلى 
الندم. لكن كثيراً ما يكون المطلق بحيث لا يندم لأحوال خاصةء فالندم جائز 
الانفكاك عن «الطلاق في غير العدة» لأن المفرق على الأطهار قد يندم والجامع بين 
الطلقات في الحيض أو في طهر جامع فيه قد لا يندم لأحوال خاصة كما قلنا فيكون 
الندم مجاوراً للطلاق المذكور لا وصفاً لازماً له حتى يفيد الأمر هنا تحريم ضده عند 
القائلين به فيتبين بذلك مبلغ قيمة كلام الشوكاني هنا 


الإشفاق على أحكام الطلاق fo‏ 


والحاصل أن الآيات في نستق الخطاب» وقوله تعالى : اعلق مان [البمَرة: 
4] على التفسيرين والأحاديث التي سبقت تدل كلها على وقوع «الطلاق في غير 
العدة٠‏ مع الإثم فهي تغني عن القياس» لأنه لا حاجة إليه في مورد النص. 

وأما ما يذكر من أن الظهار يترتب عليه حكمه مع أنه منكر من القول وزورء» 
فلمجرد التنظير لا القياس. وحيث توهم الشوكاني أن ذكره لأجل القياس بادر إلى 
التشغيب بقوله: عقد البيع أو النكاح على المحرماتء منكر من القول وزور» لكنه 
باطل لا يترتب عليه أثره فلا يصح القياس. وفاته أن الفارق في البيع والنكاح ظاهر 
مكشوف» فإنهما عقدان ابتدائيان لا طارئان على العقدين القائمين بخلاف الظهار 
والطلاق فإنهما طارئان على العقدين القائمين» فيصح قياس الطلاق في غير العدة على 
الظهار رغم أنف الشوكاني لو كان إلى القياس حاجة» وغريب جداً كيف لا يسأم 
الشوكاني من المشاغبات الفارغة . 

ولا بد هنا من الإشارة إلى دقيقة» وهي أن الطحاوي كثيراً ما يذكر في الأبواب 
في صدد الكلام على أحاديث من أخبار الآحاد (والنظر هنا يقتضي كيت وكيت) ويظن 
من ذلك من لا خبرة عنده» أنه يريد القياس بذلك في المسألة» وليس كذلك» بل هو 
تطبيق منه لقاعدة أهل العراق في خبر الآحاد من عرضه على الأصول المجتمعة 
عندهم من البحث في الكتاب والسنة» فإن كان الخبر مخالفاً لتلك الأصول يعتبرونه 
شاذاً خارجاً على نظائره» فيتوقفون في أمره» ويضاعفون النظر حتى يهتدوا إلى أدلة 
أخرئ» وهي من الأصول الدقيقة عندهم يحتاج تطبيقها إلى مجتهد دقيق النظر واسع 
العلم كالطحاوي فكتبه في غاية من النفع في أمثال تلك القواعد المهجورة عند ضعفة 
المتأخرين» وهو لا شك ممن بلغ مرتبة الاجتهاد المطلق» وإن حافظ على انتسابه 
بأبي حنيفة» وقوله والبدء في العقود لا يصح إلا بما أمر الله به بخلاف ما يطرأ على 
العقود القائمةء من تلك الأصول التي يعرض عليها الخبر» والخروج من الصلاة تنظير 
كما أسلفناه» والحاصل أن ما يسوقه الطحاوي من الأنظار ليس لأجل القياس في مورد 
النص بل لأجل تصحيح خبر أو ترجيحه على خبر على أصلهم المذكور» وإن صح 
القياس فيما يذكره. 

وها هو الكتاب والسنة وفقهاء الأمة على توافق تام في المسألة» فمن خرج بعد 
هذا كله» على كل ذلك يکاد يكون خارجاً على الإسلام» إلا إذا كان غالطاً يجهل 
المسألة جهلاً بسيطاً فیمکن إيقاظه بخلاف من کان جهله مركباً أو مكعباًء بأن يون 
جاهلاً بجهله فقطء أو معتقداً مع هذا الجهل أنه أعلم الخليقة بتلك المسألة المجهولة 
عنده» والله سبحانه هو الهادي . 


1 الإشفاق على أحكام الطلاق 
حديث ابن عباس فى إمضاء عمر للثلاث 


قال مؤلف الرسالة بعد أن اذعى أن إمضاء عمر للثلاث على المطلقين ثلاثاً كان 
عقوبة منه لا حكماً شرعياً (ص٠۸‏ - :۸١‏ وكانت هذه العقوبة من عمر زاجرة للناس عن 
العبث بالطلاق» وكانت عقوبة لوقتهاء ثم اضطرب الأمر واسترسل الناس في العبث وأكثر 
الصحابة حاضرون يرون أمر عمر الذي أقروه؛ ويرهبون خلافه تحرزاً من الخروج على رأي 
الأكثرين؛ وبعضهم يفهم أن هذا الأمر تعزير وزجر؛ فيفتي تارة بإمضاء الثلاث التطليقات» 
وتارة بعدم إمضائهاء وباعتبار الطلقتين الأخريين في العدة باطلتين لا تقعان كما ثبت عن ابن 
عباس الإفتاء بهذا وبذاك. . . ثم جاء عصر التابعين فاختلفوا أيضاًء واختلفت عن كثير منهم 
الروايات في الفتياء وكانت العجمة دخلت على الألسنة وسمعوا الروايات على الوجه العربي 
(طلتق فلان ثلاثا) فظنه من لا يحسن العربية ولم يتأمل الفرق بين الإنشاء والخبرء أن قول 
القائل : أنت طالق ثلاثاً. ونحوه بقصد الإنشاء. (وحمل حديث عمر على التكرار في مجلس 
بعد أن کان یعتبر تأکیداً على ما يراه النووي والقرطبي)» تأویل لا یعتد به (ص۸۲ - ۸۳) 
ويهدمه حديث ابن عباس في ركانة (في مسند أحمد وسيأتي أنه متهدم فکیف يهدم)» وقال 
ابن حجر (وهذا الحديث نص في المسألة لا يقبل التأويل الذي في غيره) وهو معلول عند ابن 
حجر كما في تخريج أحاديث الرافعي له فماذا يفيد عدم احتماله التأويل . 

أقول: إني أتعجب جداً كيف لا يوجد في كلام هذا المتمجهد رأي واحد عليه 
أثر بعض إصابة ولعل الله سبحانه قضى أن يفضح الخارجين على الأمة جمعاء ولا 
مرد لقضائه وهو الحكيم الخبير. 


فيا سبحان الله أمثل عمر رضي الله عنه يكره الناس على خلاف ما ثبت في 
الشرع ويتهيبه الصحابة فيجارونه وفيهم من يقيم بسيفه اعوجاج من يعوج؟ وما هذا إلا 
من نزغات الروافض يحاول أهل الفساد إخفاء هذه النزغة تحت كلمات مطاطة. 


ولن يجد أي زائغ رواية تصح عن أي صحابي في الإفتاء بأن الثلاث واحدة 
وغاية ما یجده لا يتعدى أن يكون من قبيل ما نقله ابن رجب عن الأعمش وقد سبق» 
أو من قبيل رواية أبي الصهباء التي أبدى أهل العلم ما فيها من العلل القادحة على 
فرض احتمال حملها على ما يقوله أهل الزيغ وسيأتي» أو من قبيل رواية أبي الزبير 
المنكرة وقد سبق التدلیل على وجوه الإنکار فیها (ص۱۹ - »)۲١‏ أو من قبيل ما وقع 
في بعض روايات طلاق ركانة وسيأتي تفنیده» أو من قبيل ما کان ابن سيرين يسمعه 
عشرين سنة ممن يعده من الصادقين ثم استبان له خلافه كما في صحيح مسلم» أو 
من قبيل نقل ابن مغيث المتهدم . 


الإشفاق على أحكام الطلاق 4Y‏ 


أفلم يكن عمر رضي الله عنه يعلم أن إكراه الناس على خلاف شرعهم حرام 
وأي حرام» وخروج على الشرع وأي خروج» وعلى فرض أنه أكره فما هي قيمة 
الإكراه على ترك الرجعة أو منع التزويج فوق قيمة الإكراه على النكاح والطلاق عند 
الأكثرين . أليس في استطاعة هؤلاء المطلقين أن يراجعوا مطلقاتهم من غير علمه» أو 
أن يتزوجوا بغير علمه فمن الذي يستطيع أن يمنع الناس عما يملكونه إلى أن تختلط 
الأنساب» ویفتح للشرور کل باب؟؟؟ 

وقد توهم ابن القيم أن يتمكن من تغطية كلامه الفاسد بأن يقول إن عمل عمر 
هذا كان من قبيل التعزير المشروع له» فكيف يتصور أن يقدم أي شخص على إلغاء 
حكم شرعي تعزيرا؟ وأين هذا من التعزير المعروف في الشرع المعترف به عند فقهاء 
الأمة؟ وليس لذلك نظير واحد فيما أطال ابن القيم الكلام به بل فتح هذا الباب» فتح 
لباب إلغاء الشرع كله بمثل هذه التعليلات الواهية - كما استرسل الطوفي الحنبلي في 
المصلحة المرسلة فتحاً لمثل هذا الباب - فلا ينطوي مثل هذا التعليل إلا على خبث 
نحو سيدنا عمر ونحو جمهور الأصحاب الذين وافقوه ونحو الشرع الأغر نفسه كما لا 
يخفى على من غاص في المسالة وقتلها بحثاً من جميع نواحيها من غير أن يكتفي 
بتقليد الشذاذ أو استطراف طرف من البحث فقط . 

وقد ذكر ابن رجب فائدة نفيسة في أقضية عمر في كتابه المذكور ولا يمكنني أن 
أفوتها من غير أن أشير إليها وهي (أن ما قضى به عمر على قسمين أحدهما ما لم 
يعلم للنبي ب فيه قضاء بالكلية وهذا على نوعين أحدهما ما جمع فيه عمر الصحابة 
وشاورهم فيه وأجمعوا معه عليه فهذا لا يشك فيه أحد أنه الحق كالعمرتين وكقضائه 
فيمن جامع في إحرامه أن يمضي في نسكه وعليه القضاء والهدي ومسائل كثيرة» 
والثاني ما لم يجمع الصحابة فيه مع عمر بل بقوا مختلفين فيه في زمنه وهذا يسوغ فيه 
الاختلاف كمسائل الجد مع الإخوة والقسم الثاني ما روي عن النبي بيه فيه قضاء 
بخلاف قضاء عمر وهو على أربعة أنواع» أحدها: ما رجع فيه عمر إلى قضاء 
النبي بي وهذا لا عبرة فيه بقول عمر الأول. والثاني: ما روي عن النبي ية فيه 
حكمان: أحدهما موافق لقضاء عمر فإن الناسخ من النصين ما عمل به عمر؛ 
والثالث: ما صح عن النبي ية أنه رخص في أنواع من جنس العبادات فيختار عمر 
للناس» ما هو الأفضل والأصلح ويلزمهم فهذا لا يمنع العمل بغير ما اختاره عمر» 
والرابع : ما كان قضاء النبي ية لعلة فزالت العلة فزال الحكم بزوالها (كالمؤلفة) أو 
وجد مانع يمنع من ذلك) اآھ. 


YA‏ الإشقاى على اححام الطلاق 


ولا يخفى على المتبصر مرجع هذه المسألة من تلك الأقسام والأنواع . 

فنحن نتکلم الآن على حدیث ابن عباس في إمضاء عمر للثلاث» وحديث ركانة 
حتى يتبين أنه ليس لأحد من الزائغين وجه تمسك في الحديثين جميعاً بل فيهما ما 
يزيد الجمهور حجة إلى حججهم 

أما حديث ابن عباس الذي يدندن حوله هؤلاء الشذاذ على آمل أنهم يجدون فيه 
بعض متمسك لهم في خروجهم على الأمة فهو ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما 
أنه قال: a GEE‏ 
طلاق الثلاث واحدة. فقال عمر بن الخطاب: إن الناس قد استعجلوا في أمر قد 
كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم. وقي الط عن طارس أن آنا 
الصهباء قال لابن عباس: هات من هناتك» ألم يكن طلاق الثلاث على عهد 
رسول اله ية وأبي بكر واحدة؟ فقال: قد كان ذلك» فلما كان في عهد عمر تتايع 
الناس في الطلاق فأجازه عليهم. وفي لفظ عن طاوس» أن أبا الصهباء قال لابن 
عباس: أتعلم أنما كانت الثلاث تجعل واحدة على عهد النبي َة وأبي بكر وثلاثاً من 
إمارة عمر؟ فقال ابن عباس: نعم. وتلك الأحاديث الثلاثة أخرجها مسلم في 
صحیحه . 

وأما لفظ «يرددن» في مستدرك الحاكم فمن رواية عبد الله بن المؤمل وقد ضعفه 
ابن معين وأبو حاتم وابن عدي وقال أبو داود: منكر الحديث ولفظ ابن ا 
الحديث لفظ انقطاع ولولا تشيع الحاكم لأبى تخريج الحديث في مستدركه فكم بين 
الشيعة من ينخدع بتلبيسات الروافض وتسترهم بمذهب الشيعة من غير أن يعلموا 
مغزاهم بأمثال تلك المسألة. 


فلننظر أولاً في لفظ الثلاث هل هو كل ثلاث من أنواع الطلاق بحمل اللام 
على الاستغراق أم المراد ما هو معهود منها فالحمل على العموم متعذر لأن الثلاث 
المفرقة على الأطهار لا يتصور توحيدها سواء كان قبل حصر عدد الطلاق في الثلاث 
أو بعده فإن الناس كانوا يطلقون ما شاؤوا قبل الحصر بدون اعتبار أن تكون الثلاث 
واحدة فلا يكون لتوحيدها معنى قبل الحصر في الثلاث وأما بعده فلا يتصور توحيدها 
أيضاً لأن قوله تعالى : «ألطكَقٌ بَا . .4 [البَقَرَّة: ۲۲۹] نص على أن عدد الطلاق 
اثنتان تصح المراجعة بعدهما فثالثة لا تحل المرأة بعدها للرجل حتى تنكح زوجاً 
غیره» فأنى يمكن توحيدها بعد نزول هذه الآية فلم يبق إلا احتمال أن يكون المراد 


الإشقاق على أحكام الطلاق 44 


بالثلاث الثلاث غير المفرقة على الأطهار التي لا وطء فيها دائراً هذا الاحتمال بين أن 
يكون إيقاعها بلفظ واحد أو بألفاظ فإذا كان إيقاعها بألفاظ فإما أن يكون الإيقاع بها 
على التعاقب في المدخول بها أو غير المدخول بها فبأول لفظ تبين غير المدخول بها 
من غير أن تبقى محا للثاني والثالث وأما المدخول بها فإن أراد المطلق بها واحدة 
وأتی بالثاني والثالث على التعاقب لأجل التأكيد يقبل قوله ديانةء وأما إذا كان إيقاعها 
بألفاظ غير متعاقبة أو بلفظ واحد فيدور أمره بين أن يكون بمعنى أن الثلاث الجاري 
إيقاعها الآن كان يجري إيقاع واحدة بدلها في عهد الرسالة وعهد أبي بكر وأوائل عهد 
عمر رضي الله عنهم وكان الناس يراعون السنة في تفريق التطليقات على الأطهار في 
تلك العهود ثم تتابعوا في إيقاعها جميعاً في حيض أو طهر واحد بلفظ واحد أو 
بألفاظ غير متعاقبة» وبين أن يكون بمعنى أن الثلاث الجاري إيقاعها اليوم بلفظ واحد 
أو بألفاظ غير متتابعة في طهر واحد أو حيض كان كذلك في تلك العهود وكانوا 
يعدونها واحدة فهل نخالفهم في ذلك ونعتبرها ثلاثاً على خلاف ما كان يعد في تلك 
العهود؟ فالاحتمال الأول من الاحتمالين اللذين انتهى إليهما السبر والتقسيم ليس هناك 
شيءَ يضاده أو يخالفه. 

وأما الاحتمال الثاني منهما ففيه مخالفة لرأي الراوي الصحابي فكم رذ النقاد 
أحاديث بمخالفتها لآراء رواتها كما بسط ابن رجب في شرح علل الترمذي وهو 
مذهب يحيى بن معين ويحيى بن سعيد القطان وأحمد بن حنبل وابن المديني وإن 
رأى بعض أهل العلم الاعتداد بالمروي دون رأي الراوي ولكن هذا فيما إذا كان نصاً 
أو احتمل احتمالاً غير مرجوح فأنى يعتد باحتمال مصطنع على هذا الرأي أيضأً» ومن 
اقتصر نظره على كتب المصطلح للمتأخرين فقد غطى على بصره أفق نظره» وقد تواتر 
عن ابن عباس أنه يرى أن الطلاق الثلاث بلفظ واحد يقع ثلاثاً وقد سبق رواية ذلك 
عنه بطريق عطاء وعمرو بن دینار وسعید بن جبیر ومجاهد وغیرهم بل بطریق طاوس 
دفسه. 

وفيه أيضاً انفراد طاوس على خلاف رواية الآخرين وهذا شذوذ يرد به الحديث 
کما یرد بالأول. 

وفيه أيضاً أنه سبق من تخريج الكرابيسي» أن ابن طاوس راوي هذا الخبر عن 
أبيه كذب من نسب إلى والده أن الثلاث واحدة. 


Yo‏ الإشفاق على أحكام الطلاق 


وفيه أيضاً أن لفظ طاوس (إن أبا الصهباء قال) لفظ انقطاع» وفي صحيح مسلم 
بعض أحاديث منقطعة . 

وفيه أيضاً أن أبا الصهباء إن كان مولى ابن عباس فهو ضعيف على ما ذكره 
النسائي» ون کان غيره فهو مجهول. 

وفيه أيضاً أن في بعض طرق الحديث (هات من هناتك) وجل مقدار ابن عباس 
أن يواجهه أحد من الصحابة في طبقته فضلاً عن مولاه بمثل هذا الخطاب ولا يرد 
عليه بما یجب . 

وفیه أيضاً أنه على تقدير إجابته من غير أن يرد عليه يكون الجواب من هناته 
المردودة باعترافهء وقد شهر حکم رخص ابن عباس بين السلف والخلف» وعادة 
مسلم أن يحشر طرق الحديث في صعيد واحد تسهيلاً للحكم في الحديث» وهي 
طريقة بديعة في تعريف مرتبة الحديث. 

وفيه أيضاً خروج عمر على الشرع بالرأي» وجل مقدار عمر رضي الله عنه عن 
مثل ذلك. 

وفيه أيضاً وصم جمهور الصحابة بأنهم لا يحكمون النبي بلا فيما شجر بينهم» 
بل يحكمون الرأي» وهذه شناعة لا يرتضيها للصحابة رضي الله عنهم إلا الروافض 
ومصدر هذا الشذوذ الروافض عند أهل التحقيق . 

وأما عد ذلك عملاً سياسياً يسوغ لعمر عمله تعزيراً» فحاشاه عن ذلك» فمن 
الذي يبيح الخروج على الشرع سياسة؟ فتلك عشرة كاملة» تقضي على الأخذ 
بالاحتمال الثاني من الاحتمالين الأخيرين» فإذن تعين الاحتمال الأول منهما على 
تقدير صحة الحديث» وكنت عللت هذا الحديث فيما علقته على ذيول طبقات 
الحفاظ بما يقرب من هذا البيان على أن القول بأن الثلاثة واحد ليس من قول 

جعلوا الثلاثة واحدألو أنصفوا لم يجعلوا العدد الكثير قليلا 

وقال ابن رجب في كتابه السابق عندما شرع في الكلام على حديث ابن عباس 

هذا: فهذا الحديث لأئمة الإسلام فيه طريقان أحدهما مسلك الإمام أحمد ومن وافقه 


(۱) ولم أتعرض لاحتمال النسخ لأنه احتمال ضعيف جداً؛ وإنما تعرَض له الشافعي ومن تابعه 
إرخاء للعنان إلى حد أضعف الاحتمالات حتى يتم الإجهاز على التمسك بهذا الحديث من كل 
النواحي والكلام في هذا طويل الذيل متشعب . 


ارعان عا اعم عدي o1‏ 


وهو يرجع إلى الكلام في إسناد الحديث بشذوذه وانفراد طاوس به وأنه لم يتابع 
عليه» وانفراد الراوي بالحديث (مخالفاً للأكثرين) وإن كان ثقة هو علة في الحديث 
يوجب التوقف فيه وأن يكون شاذاً ومنكراً إذا لم يرو معناه من وجه يصح وهذه طريقة 
أئمة الحديث المتقدمين كالإمام أحمد ويحيى بن معين ويحيى بن القطان وعلي بن 
المديني وغيرهم» وهذا الحديث ما يرويه عن ابن عباس غير طاوس» قال الإمام 
أحمد في رواية ابن منصور (وقد أشرنا إليه فيما سبق) كل أصحاب ابن عباس روى 
عنه خلاف ما روى طاوس. (ومثله فيما نقلناه عن الأثرم) وقال الجوزجاني - صاحب 
الجرح - هو حديث شاذ» وقد عُنيت بهذا الحديث في قديم الدهر فلم أجد له 
أصلاً اه. ثم قال ابن رجب: ومتى أجمع الأمة على إطراح العمل بحديث وجب 
إطراحه وترك العمل به. وقال عبد الرحممن بن مهدي: لا يكون إماماً في العلم» من 
يحدث بالشاذ من العلم» وقال إبراهيم النخعي: كانوا يكرهون الغريب من الحديث» 
وقال يزيد بن أبي حبيب: إذا سمعت الحديث فانشده كما تنشد الضالة» فإن عُرف 
وإلا فدعه» وعن مالك: شر العلم الغريب» وخير العلم الظاهر الذي قد رواه الناسء 
وف خا الباب شي» كر 

ثم قال ابن رجب: وقد صح عن ابن عباس وهو راوي الحديث أنه أفتى 
بخلاف هذا الحديث ولزوم الثلاث المجموعة» وقد علل بهذا أحمد والشافعي كما 
ذكره الموفق بن قدامة في المغني وهذه أيضاً علة في الحديث بانفرادهاء فكيف وقد 
انضم إليها علة الشذوذ والإنكار وإجماع الأمة على خلافه» وقال القاضي إسماعيل في 
أحكام القرآن: طاوس مع فضله وصلاحهء يروي أشياء منكرة» منها هذا الحديث»› 
وعن أيوب أنه كان يتعجب من كثرة خطأ طاوس. وقال ابن عبد البر: شد طاوس في 
هذا الحديث» ثم قال ابن رجب: وكان علماء أهل مكة ينكرون على طاوس ما ينفرد 
به من شواذ الأقاويل اه. وقال الكرابيسي في أدب القضاء: إن طاوساً يروي عن ابن 
عباس أخباراً منكرة ونراه والله أعلم أنه أخذها عن عكرمة» وعكرمة توقاه سعيد بن 
المسيب» وعطاء» وجماعة» وكان قدم على طاوس» وأخذ طاوس عن عكرمة عامة 
ما يرويه عن ابن عباس اه. وقال أبو الحسن السبكي: فالحملة على عكرمة» لا على 


() قال إبراهيم بن أبي عبلة: من حمل شاذ العلم حمل شراً كبيرأًء وقال شعبة: لا يجيثك 
الحديث الشاذ إلا من الرجل الشاذ. ذكره ابن رجب في شرح علل الترمذي. 


فا کے کک ا 


طاوس اه. وسبق أن سقنا رواية الكرابيسي عن ابن طاوس ما ينفي ذلك عن أبيه» 
عدا ماق بالمك لرن : 


وعن الطريتق الثاني يقول أيضاً ابن رجب: وهو مسلك ابن راهويه ومن تابعه» 
وهو الكلام في معنى الحديث» وهو أن يحمل على غير المدخول بهاء نقله ابن 
مدصور عن إسحاق بن راهويه وأشار إليه الحوفي في الجامع وبوّب عليه أبو بكر 
الأثرم في سننه وأبو بكر الخلال يدل عليه» وفي سنن أبي داود من رواية حماد بن 
زيد عن أيوب عن غير واحد عن طاوس عن ابن عباس» كان الرجل إذا طلّق امرأته 
ثلاثاً قبل أن يدخل بها جعلوه واحدة على عهد رسول الله ية وأبي بكر وصدر من 
إمارة عمر رضي الله عنهماء فلما رأى الناس قد تتابعوا فيها قال: أجيزوهن عليهن 
وأيوب إمام كبير» فإن قيل تلك الرواية مطلقة» قلنا نجمع بين الدليلين» ونقول هذا 
قبل الدخول اه. ما ذكره ابن رجب في المسلك الثاني. 


وحاول الشوكاني أن يجعل هذا من قبيل التنصيص على بعض إفراد العام في 
جزئه في الطلاق الثلاث» وقد ذكرنا ما ينافي حمل اللام في الثلاث على الاستغراق 
فلا يكون من هذا القبيل» وإنما كلام الشوكاني هذا لمجرد أن يبقى وهو يتكلم نفع 
كلامه أم لم ينفع» شأن من قال عنه زفر بن الهذيل ما سبق ذكره» ثم قال الشوكاني : 
إن الطلاق قبل الدخول نادر فكيف يتتابع الناس حتى يغضب منه عمر أقول ما يعد 
نادراً في بلد أو زمن کثیراً ما یون غير نادر بل كثير الوقوع في زمن آخر وفي بلد 
آخر فيكون كلامه هذا غير واردء على أن هذا الكلام من الشوكاني محاولة منه لإبطال 
حكم الحديث المروي في سنن أبي داود بالرأي» ولعل هذا القدر من البيان يكفي 
لتبيين أنه لا متمسك لهم في حديث ابن عباس أصلاً. 


وأما حديث ركانة الذي يريدون أن يتمسكوا به فهو ما أخرجه أحمد في مسنده» 
حيث قال: حدثنا سعد بن إبراهيم قال: أنبأنا أبي عن محمد بن إسحاق» قال: 
حدثني داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: لق 


(1) ورواية ابن القيم عن عمر ندمه على ما فعل في الطلاق أخلوقة باطلة وفي سند هذه الرواية 
خالد بن يزيد بن أبي ملاك يقول عنه ابن معین: لم يرتض أن يذب على أبيه فقط حتى كذب 
على الصحابة وكتاب الديات له حقه أن يدفن اه. ونقطة الخاء سالت على ميل إلى طرف ح 
من كثرة الحبر على طرف القلم فرسم زاوية حادة فصحفه من رآه إلى مجالد وخالد بن يزيد 
هذا ليس له أخ باسم مجالد أصلاً وأبوه لم يدرك عمر قطعاً. 


ات ی کوج کی ایی ا 


ركانة بن عبد يزيد زوجته ثلاثاً في مجلس واحد» فحزن علیها حزناً شدیداً» فسأله 
النبي بل: «كيف طلقتها؟» قال: طلقتها ثلاثاً في مجلس واحد. قال: «إنما تلك 
واحدة راجعها إن شئت» قال: فراجعها اه. 

وإني أستغرب جداً ممن يزعم أن الطلاق ثلاثاً لم يكن في زمن الصحابة بلفظ 
«أنت طالق ثلاثاً» كيف يحاول الاستدلال بهذا الحديث على رد الثلاث إلى واحدة فما 
يقع في مجلس واحد إن لم يكن بلفظ «أنت طالق ثلاثاً» يكون بتكرير اللفظ» وهو 
يحتمل تأكيد الواحدة وإنشاء الثلاث فإذا علم أنه ما أراد إلا واحدة يقبل قوله ديانة 
ويكون قوله: «طلقتها ثلاثا» بمعنى أنه كرر لفظ الطلاق ويكون الراوي اختصر 
الحديث وروى بالمعنى . 

على أن هذا الحديث منكر كما يقول الجصاص وابن الهمام لمخالفته لرواية 
الثقات الأثبات. ومعلول كما يقول ابن حجر في تخريج أحاديث الرافعي . 

وفي تخريج الرافعي له (حديث إن ركانة بن عبد يزيد أتى رسول الله ياء فقال: 
إني طلقت امرأتي سهيمة البتة والله ما أردت إلا واحدة فردها عليّ) أخرجه الشافعي 
وأبو داود والترمذي وابن ماجه» واختلفوا. هل هو مسند إلى ركانة أو مرسل عنه؟ 
وصححه أبو داود وابن حبان والحاکم وأعله البخاري بالاضطراب» وقال ابن عبد البر 
في التمهيد: ضعفوه. وفي الباب عن ابن عباس - يعني بلفظ ثلاث كما سقنا - رواه 
أحمد والحاكم وهو معلول اه. بل صوّب ابن حجر في الفتح رأي من رأى أن 
الثلاث من تغيير بعض الرواة حيث كانت البتة شائعة في إيقاع الثلاث بهاء وأقوال 
أهل العلم في (بتة) مشهورة. 

فلنتكلم الآن على حديث ابن إسحاق في مسند أحمد ليتبين وجوه الإنكار 
والإعلال فيه. أما محمد بن إسحاق فقد كذبه مالك وهشام بن عروة وغيرهما بقلم 
عريض وكان يدلس عن الضعفاء وينقل من كتب أهل الكتاب من غير أن يبين يرمى 
بالقدر ويتهم بإدخال أحاديث الناس في حديثه وليس هو ممن يقبل قوله في الصفات 
ولا فيما تتابعت الروايات على ضد ما يرويه هو في أحاديث الأحكام ولو صرح 
بالسماع وقراه من قواه في المغازي» وداود بن الحصين من الدعاة إلى مذهب 
الخوارج الشراة ولولا أن مالك بن أنس روى عنه لترك حديثه كما قال أبو حاتم . 
وقال ابن المديني: ما رواه ابن الحصين عن عكرمة فمنكر وكلام أهل الجرح والتعديل 
فيه طويل الذيل ومن قبل روايته إنما قبل ما سلم من النكارة من مروياته فكيف تقبل 


of‏ الإشفاق على اححام الطلاق 


رواية مثله ضد الأثبات الثقات» وعكرمة يرمى بغير واحدة من البدع وتحاماه مثل ابن 
المسيب وعطاء فكيف يقبل قوله ضد روايات الثقات عن ابن عباس فأصاب جداً من 
قال إنه منكر ولا يصح عن أحمد تحسين هذا المتن بمثل هذا السند وهو القائل بأن 
خبر طاوس عن ابن عباس في الثلاث شاذ مردود كما أسلفنا عن إسحاق بن منصور 
وأبي بكر الأثرم . 

وقال ابن الهمام : والأصح ما رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه أن ركانة طلّق 
زوجته البتة» فحلفه رسول الله بو أنه ما أراد إلا واحدة» فرذها إليه» فطلقها الثانية في 
زمن عمر رضي الله عنه» والثالثة في زمن عثمان رضي الله عنه» ومثله في مسند 
الشافعي» ففي سند أبي داود نافع بن عجير بن عبد يزيد فنافع ذكره ابن حبان في الثقات 
وإن جهله بعض من یکثر جهله بالرجال وأبوه یکفیه ن یکون تابعیاً کبیراً لم یذکر 
بجرح» وعبد الله بن علي بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد أبي ركانة في سند الشافعي 
وثقه الشافعي» وأما عبد الله بن علي بن يزيد بن ركانة الذي يذكره ابن حزم فقد وثقه 
ابن حبان على أنه يكفي في التابعين ألا يذكروا بجرح ليخرجوا عن الجهالة وصفاً» وفي 
الصحيحين من هذا الصنف كثير من الرجال على ما ذكره الذهبي في مواضع من الميزان 
وعلى هذا الحديث عول أبو داود قائلاً إن ولد الرجل وأهله أعلم به. 


وقال ابن رجب بعد أن ساق حديث ابن جريج الذي يقول فيه: أخبرني بعض 
بني أبي رافع مولى النبي ية عن عكرمة عن ابن عباس بمعنى ما في مسند أحمد: إن 
في إسناده مجهولاًء والذي لم يسم هو محمد بن عبد الله بن ابي رافع وهو رجل 
ضعيف الحديث وأحاديثه منكرة» وقيل إنه متروك فسقط هذا الحديث حينئذ» وفي 
رواية محمد بن ثور الصنعاني إني طلقتها. بدون ذكر اثلاثاً» وهو ثقة كبير ويعارضه 
أيضاً ما رواه ولد ركانة أنه طلق امرأته البتة اه. وبه يعلم فساد قول ابن القيم في هذا 
الحديث. 


وعلى القول بصحة خبر «البتة٠‏ يزداد به الجمهور حجة إلى حججهم» وعلى 
دعوى الاضطراب فى حديث ركانة كما رواه الترمذي عن البخاري وعلى تضعيف 
أحمد لطرقه كلها ومتابعة ابن عبد البر له في التضعيف يسقط الاحتجاج بأي لفظ من 
ألفاظ رواية حديث ركانة. 

ومن جملة اضطرابات هذا الحديث روايته مرة بأن المطلق هو أبو ركانة وأخرى 
بأنه ابنه ركانة لا أبوه» ويدفع أن هذا الاضطراب في رواية الثلاث دون رواية البتة 


رمعا عن بحام دی ف 
2 کے“ کی | 


وهي سالمة من العلل متناً وسنداً ولو فرضنا وجود علة فيها يبقى سائر الأدلة بدون 
معارض . 

وقال ابن رجب: لا نعلم من الأمة أحداً خالف في هذه المسألة مخالفة ظاهرة» 
ولا كما ولا قضاء» ولا علماًء ولا إفتاء۶» ولم يقع ذلك إلا من نفر يسير جداًء 
وقد أنكره عليهم من عاصرهم غاية الإنكار» وكان أكثرهم يستخفي بذلك ولا يظهره 
فكيف يكون إجماع الأمة على إخفاء دين الله الذي شرعه على لسان رسوله» واتباع 
اجتهاد من خالفه برأيه في ذلك هذا لا يحل اعتقاده البتة اه. 

ولعله ظهر بهذا البيان أن إمضاء عمر للثلاث حكم شرعي مستمّد من الكتاب 
والسنة مقارناً لإجماع فقهاء الصحابة فضلاً عن التابعين ومن بعدهم» وليس بعقوبة 
سياسية ضد حكم شرعي» فالخارج على إمضاء عمر خارج على ذلك كله. 

تعليق الطلاق والحلف به 

وقال (في ص٤١١:‏ والطلاق المعلّق كله غير صحيح ولا واقع.. . وفي ص۸۳ 
وقوى أمرهم في ذلك أهواء الملوك والأمراء وخاصة في أمر البيعة. . .). 

أقول: أما ما زعمه المؤلف من بطلان التعليق بنوعيه واتهامه لفقهاء الصدر 
الأول بمسايرة أهواء الملوك والأمراء في أيمان البيعة فمن التجرؤ البالغ عند من اطلع 
على نصوص الفقهاء في المسألة وعرف أحوال هؤلاء الفقهاء من التفاني في سبيل 
الحق. 

وكنت أظن أن الدرة المضية وما معها من الرسائل لأبي الخسن السيكي 
المنشورة قبل سنين لم تدع وجه ارتياب في مسألة التعليق لمن اطلع عليها من الذين 
لا يتسع لهم وقت لتقليب أوراق الكتب المبسوطة في فقه المذاهب ولعل المؤلف لم 
يطلع عليها أو اختط لنفسه خطة اللجاج في المسألة. 

ومذهب فقهاء الأمة من الصحابة والتابعين وتابعيهم وقوع الطلاق المعلق عند 
حصول الشرط سواء كان الشرط من قبيل اليمين باعتبار إفادته الحث أو المنع أو 
التصديق أو لم يكن من قبيل اليمين لعدم إفادته أحد تلك المعاني وخالفهم ابن تيمية 
بأن يقول: لا يقع الطلاق الذي هو من قبيل اليمين بل تجب الكفارة عند الحنث وهذا 
ما لم يقل به أحد قبله» وخالفهم الروافض أيضاً في النوعين جميعاً وتابعهم بعض 
الظاهرية ومنهم ابن حزم وهم محجوجون جميعاً بالإجماع السابق وممن حكى 


1 ارقن ع م جي 


الإجماع في ذلك: الشافعي وأبو عبيد وأبو ثور وابن جرير وابن المنذر ومحمد بن 
نصر المروزي وابن عبد البر في التمهيد والاستذكار وابن رشد الفقيه في المقدمات 
وأبو الوليد الباجي في المنتقى وهؤلاء في سعة العلم بالآثار بحيث لو عطس أحدهم 
لتناثر من معطسه عشرات من أمثال الشوكاني ومحمد بن إسماعيل الأمير والقنؤجي: 

وعن محمد بن نصر وحده يقول ابن حزم: فلو قال قائل ليس لرسول الله لا 
حديث ولا لأصحابه إلا وهو عند محمد بن نصر لما بعد عن الصدق اه. 

وهؤلاء العلماء أمناء في نقل الإجماع وفي صحيح البخاري فتوى ابن عمر 
بالإيقاع. قال نافع : طلق رجل امرأته البتة إن خرجت. فقال ابن عمر: إن خرجت 
فقد بانت منه» وٳن لم تخرج فليس بشيء» وظاهر هذه الفتوى في هذه المسألة» فمن 
يشك في علم ابن عمر وتحريه في فتاويه؟ ولا يعرف أحد من الصحابة خالف ابن 
عمر في هذه الفتوى ولا أنكرها عليه. 

وقد قضى علي كرّم الله وجهه في يمين بالطلاق بما يقتضي الإيقاع فإنهم رفعوا 
الحالف إليه ليفرقوا بينه وبين الزوجة بحنثه في اليمين فاعتبر القضية فرأى فيها ما 
يقتضي الإكراه حيث قال: «اضطهدتموه» فرد الزوجة عليه لأجل الإكراه وهو ظاهر في 
أنه یری الایقاع لولا الإكراه ومن مثل أبي الحسن في القضاء؟ وتكلف ابن حزم إخراج 
هذا القضاء عن صوابه وسعى في إخراج القضية عن ظاهرها عن هوى كما إن قوله في 
قضاء شريح من هذا القبيل" . 

وفي سنن البيهقي بسند صحيح عن ابن مسعود في رجل قال لامرآته: إن فعلت 
كذا وكذا فهي طالق ففعلته قال: هي واحدة. وهو كنيف مليء علماً فمن مثله في 
صحة فتاويه؟ ويروى عن أبي ذر تعليق بمثل ذلك وكذا عن الزبيرء» والآثار في هذا 
الصدد كثيرة» وفي الكتاب إيقاع اللعنة على تقدير الكذب. 

وقد قالت عائشة رضي الله عنها: «کل یمین وإِن عظمت ليس فيها طلاق ولا 
عتاق ففيها كفارة يمين وهذا الأثر نقله ابن عبد البر بهذا اللفظ في التمهيد والاستذكار 
مسنداً وإن حذف أحمد بن تيمية الاستثناء حينما نقل هذا الأثر خيانة منه في النقل 
هكذا قال أبو الحسن السيكي . فهذا عصر الصحابة لم ينقل فيه إلا الإفتاء بالوقوع . 


(1) وقول الراوي «لم يره حدثا» دليل ظاهر على أنه لو عد ما عمله الحالف حدئثاً لأوقع عليه 
الطلاق بموجب تعليقه . 


الإشفاق على أحكام الطلاق ۶ YoY‏ 


وأما e‏ فأئمة العلم منهم معدودون معروفون وكلهم أوقعوا الطلاق 
بالحنث. قال أبو الحسن السبكي في الدرة المضية التي لخصنا غالب هذا البحث 
منها: وقد نقلنا من الكتب المعروفة الصحيحة كجامع عبد الرزاق ومصنف ابن 
أبي شيبة وسنن سعيد بن منصور والسنن الكبرى للبيهقي وغيرها فتاوى التابعين أئمة 
الاجتهاد» وكل ذلك بالأسانيد الصحيحة أنهم أوقعوا الطلاق بالحنث في اليمين ولم 
يقضوا بالكفارة وهم: سعيد بن المسيب والحسن البصري وعطاء والشعبي وشريح 
وسعيد بن جبير وطاوس ومجاهد وقتادة والزهري وأبو مخلد والفقهاء السبعة فقهاء 
المدينة وهم : عروة بن الزبيرء والقاسم بن محمد» وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن 
مسعود» وخارجة بن زيد» وأبو بكر بن عبد الرحمن» وسالم بن عبد الله» وسليمان بن 
يسار» وهؤلاء إذا أجمعوا على مسألة كان قولهم مقدماً على غيرهم» وأصحاب ابن 
eas‏ السادات وهم : علقمة بن قيس» والأسود» ومسروق» وعبيدة السلماني» وأبو 
وائل شقيق ابن سلمة وطارق بن شهاب» وزر بن حبيش» وغير هؤلاء من التابعين 
مثل ال شبرمة وأبي عمرو الشيباني وأبي الأحوص» وزيد بن وهب» والحكم بن 
عتيبة» وعمر بن عبد العزيز» وخلاس بن عمر» وكل هؤلاء نقلت فتاويهم بالإيقاع 
ولم يختلفوا في ذلك ومن هم علماء التابعين غير هؤلاء؟ فهذا عصر الصحابة وعصر 
التابعين كلهم قائلون بالإيقاع ولم يقل أحد منهم إن هذا مما يجزىء به الكفارة. 

وأما من بعد هذين العصرين فمذاهبهم معروفة مشهورة كلها تشهد بصحة هذا 
القول كأبي حنيفة والثوري ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق بن راهويه وأبي عبيد 
وأبي ثور وابن المنذر وابن جرير لم يختلفوا في هذه المسألة. ولم يتمکن ابن تيمية 
من أن ينسب الإفتاء بعدم الوقوع إلى أحد من التابعين» سوى طاوس تبعاً لابن حزم 
وهو غالط في الرواية عنه» وتابعه أغلط وإنما فتواه في حق المكره كما يظهر من 
كتاب عبد الرزاق نفسه وإليه يعزو ابن حزم الرواية. وقد صح النقل عن طاوس 
بالإيقاع في سنن سعيد بن منصور ومصنف عبد الرزاق وغيرهما. 

ومخالفة بعض الظاهرية لهذا الحكم في زمن متأخر محجوجة بالإجماع السابق» 
وليس الإجماع كما يريد ابن حزم أن يصوره تملصاً من أقوال الصحابة الذين هم أمناء 
في نقل الدين إليناء على أن الظاهرية نفاة القياس ليسوا ممن يعتد بكلامهم في 
الإجماع عند أهل التحقيق وإن كان لكل ساقطة لاقطة. 

قال أبو بكر الرازي الجصاص في أصوله: لا يعتد بخلاف من لا يعرف أصول 
الشريعة ولم يرتض بطرق المقاييس ووجوه اجتهاد الرأي كداود الأصبهاني والكرابيسي 


Yo‏ الإشفاق على أحكام الطلاق 


وأضرابهما من السخفاء الجهال لأن هؤلاء إنما كتبوا شيئاً من الحديث ولا معرفة لهم 
بوجوه النظر ورد الفروع والحوادث إلى الأصول فهم بمنزلة العامي الذي لا يعتد 
بخلافه لجهله ببناء الحوادث على أصولها من النصوص» وقد كان داود ينفي حجج 
العقول» ومشهور عنه أنه كان يقول: ليس في السموات والأرض ولا في أنفسنا دلائل 
على الله تعالى وعلى توحيده وزعم أنه إنما عرف الله عر وجل بالخبر ولم يدر 
الجاهل أن الطريق إلى معرفة صحة خبر النبي بيو والفرق بين خبره وخبر مسيلمة 
وسائر المتنبئين والعلم بكذبهم إنما هو العقل والنظر في المعجزات والأعلام والدلائل 
التي لا يقدر عليها إلا اله سبحانه وتعالى فإنه لا يمكن أحداً أن يعرف الي 6ة قبل 
أن يعرف الله تعالى. فمن كان هذا مقدار عقله ومبلغ علمه كيف يجوز ز أن يعد من 
أهل العلم وممن كان يعتد بخلافه . rr,‏ 
رل ا ا ای ی ا ار ر أجهل من 
العامي وأسقط من البهيمة فمثله لا يعتد بخلافه على أهل عصره إذا قال قولاً يخالفهم 
به فکیف بخلافه على من تقدمه» ونقول أيضاً في كل من لم يعرف أصول السمع 
وطرق الاجتهاد والمقاييس الفقهية إنه لا يعتد بخلافه وإن كان ذا حظ من المعرفة 
بالعلوم العقلية بل يكون هو أيضاً بمنزلة العامي في عدم الاعتداد بخلافه اه. 

جزى الله الجصاص عن العلم خيراً قد أبان عن هذه الفئة السخيفة وإن أبدى 
فيهم بعض قسوة وهو من أعرف الناس بهم لقرب عهده من زمن إمامهم ومعاصرته 
لكبار دعاته وإنما ذلك منه حیث يغار على دين الله من أن يعبث به الجاهلون وهم 
ممن أمر الله سبحانه بالقول البليغ فيهم ومن تساهل معهم فقد ضر الدين من غير أن 
ينفعهم» وتابعه في هذه الشدة إمام الحرمين ومن ظنَ أن قول إمام الحرمين في ابن 
حزم وأتباعه فقد جهل التاريخ لأنه لم يكن مذهب ابن حزم في عصر إمام الحرمين 
ذائعاً في الشرق حتى يتكلم عنه باسم الظاهرية . 

وأما الذي أطال النفس في الرد على ابن حزم فهو أبو بكر بن العربي فإنه قال 
في (القواصم والعواصم» ج۲٠‏ ص1۷ - ۹۸) عن الظاهرية: «وهي أمة سخيفة 
تسورت على مرتبة ليست لهاء وتكلمت بكلام لم تفهمه» تلقفوه من إخوانهم 
الخوارج حين حكم علي رضي الله عنه يوم صفين فقالت : : لا حكم إلا لله «كلمة حق 
رید بها باطل»» وكان أول بدعة لقيت في رحلتي» القول بالباطن فلما عدت وجدت 
القول بالظاهر قد ملأ به المغرب سخيف كان من بادية أشبيلية يعرف بابن حزم نشأً 
وتعلق بمذهب الشافعي ثم انتسب إلى داود ثم خلع الكل واستقل بنفسه وزعم آنه 


الإشفاق على أحكام الطلاق 194 


إمام الأمة يضع ويرفع ويحكم ويشرع وينسب إلى دين الله ما ليس فيه ويقول عن 
العلماء ما لم يقولوا تنفيراً للقلوب عنهم وتشنيعاً عليهم اه) ثم ذكر هناك كثيراً من 
مخازيه مما فيه عبرة لمن أوتي التبصر» ولا يجهل مقدار أبي بكر بن العربي هذا في 
سعة العلم ومتانة الدين والأمانة في التقل إلا الجهلة الأغمار. 

وقال الحافظ أبو العباس أحمد بن أبي الحجاج يوسف اللبلي الأندلسي في 
فهرسته عن ابن حزم: «ولا يشك في أن الرجل حافظ إلا أنه إذا شرع في تفقه ما 
يحفظه لم يوفق فيما يفهمه لأنه قائل ب بجميع ما يهجس في صدره ومما یدل على 
O TE‏ 
القدرة القديمة تتعلق بالمحال» اه. وما هذى به ابن حزم المسكين في (الفصل) من 
تعلق القدرة بالمحال شناعة لا تتصور فوقها شناعة وقد رد على هذا الهذيان الحافظ 
اللبلي في فهرسته أوضح رد ثم قال: «والذي يغلب على الظن أن ما يصدر من ابن 
حزم من هذا الكفر العظيم وما یقوله من الهذیان والتخرص والبهتان لا یکون صدورها 
منه في حال السلامة من عقله والصحة من ذهنه وأنه ربما يهيج عليه أخلاط يعجز عن 
مداواتها سقراط وبقراط فيصدر منه هذه الحماقات ويهذي بهذه المحالات : 

جنونك مجنون ولست بواجد طبيباً يداوي من جنون جنون» 

اه. ثم أفاض اللبلي في نقض ما يقوله ابن حزم في الأشعري وأصحابه . 

وصرح غير واحد من أهل العلم أن أصل ابن حزم من أعلاج بادية أشبيلية ثم 
انتسب فارسياً من موالي بني أمية تزلفاً إليهم» ومن لا يصدق في نسب نفسه كيف 
ينتظر منه الصدق فيما سواه. وأول من أوقفه عند حده في العلم هو أبو الوليد الباجي 
بمناظراته المعروفة» ومن الكتب المؤلفة في الرد على ابن حزم كتاب (النواهي عن 
الدواهي) لأبي بكر بن العربي مهم جداً وهو من الكتب التي انتقلت إلى الغرب قبل 
سنوات يسيرة» و(الغرة في الرد على الدرة) له أيضاًء و(المعلى في الرد على المحلى) 
ابي احق مد بن افر لاا و(القدح المعلى في الكلام على بعض 
أحاديث المحلى) للحافظ قطب الدين الحلبي. 

ومما يؤسف له جد الأسف أن تطبع كتب مثل ابن حزم من غير أن يهتم بطبع 
الكتب المؤلفة لنقد أباطيله وهذا لا يستساغ في بلد لم يحرم الإشراف العلمي على 
شؤون العلم ولم يفقد حراسة الشرع من أن يعبث به الجهلة الأغمار فهل تفريق كلمة 
المسلمين وتشتيت اتجاههم في مصلحة أحد سوی أعدائهم؟ ولیس بين المبتذعة 


1 الإشفاق على أحكام الطلاق 


والشذاذ من لا يهول ولا يغالط بملء شدقيه في مزاعمه فأنى للعامة بل لكثير من 
الخاصة أن يميزوا الحق من الباطل من بين أقوالهم؟ ألهم الله أهل الشأن السهر على 
شرع المسلمين ومعتقدهم . 


قا ووی خير عن داؤد أنه كان يقول ما معناه: هذا القرآن الذي بين أيدينا 

محدث أما الذي في اللوح المحفوظ فهو القديم. . وهذا دلیل على مبلغ علمه بأصول 
الدين . 
ین 


وابن حزم کان من هذا الطراز إلا أنه تحسنت حالته يسيراً نحو نحو العقل بمطالعة 
كتب الجصاص حتى خص في أحكامه باباً لحجج العقول مستمداً من مثل هذا الباب 
في أصول الجصاص كما يظهر ذلك من المقارنة بين البابين ولولا تشدد الجصاص 
على داود في ابتعاده عن حجج العقول لبقي ابن حزم في غفوة دائمة» وإن کان ابن 
حزم يكثر الوقيعة في الجصاص انتقاماً منه لإمامه من غير جدوی. ولولا قول ابن 
E E EE a E A‏ 
إنه أصلح من شأنه كثيراً في أصول الدين کی اک زو دا 
داود» ومسألة البائل في الماء الدائم معروفة» على أنه أحسن بكثير من ابن تيمية 
وأصحابه في باب الاعتقاد والله سبحانه هو الهادي. 


فمن أحاط خبراً بما في مجموعة الرسائل للسبكي في هذه المسألة فضلاً عن 
الكتب المبسوطة من الجوامع والمصنفات لا يمكنه أن يقول ببطلان قسمي الطلاق 
المعلّق جميعاً ولا ببطلان أحدهما وإنما ذكرنا ما سردناه هنا لفتاً للأنظار إلى مصادر 
البحث المذكور لمن يريد الحق ولا يحب المجازفة في دين الله . وقول المؤلف 
(ص۸۳: وقوى أمرهم في ذلك أهواء الملوك والأمراء) كلمة كبيرة جداً نحو أئمة 
السلف وفرية عظيمة عليهم وكم بينهم من كتف وسجن› وجلد وسم» وأشخص وقتل 
من غير أن تلين لهم قناة في دين الله» والدفاع عن الحق في سبيل الله» وقياس الغائب 
على الشاهد» والغابر على الحاضر» مضلة في أمثال هذه المسائل نسأل الله السلامة . 


)١(‏ يشير المؤلف إلى قول ابن حزم إن قدرة الله تتعلق بكل شيء حتى المستحيل وهو قول متناقض 
غير معقول. فإنه لا معنى للمستحيل إلا عدم إمكان وجوده وإلا لم يكن مستحيلاً. 


الإشفاق على أحكام الطلاق TI‏ 
هل وقوع الطلاق البدعي مسألة خلافية 
بين الصحابة والتابعین كما يزعم المتمحهد 

أما قول مؤلف الرسالة (في ص۸۸: إن الخلاف في وقوع الطلاق البدعي والطلاق 
ثلاث مرات جميعاً ثابت من عهد الصحابة فمن بعدهم في كل عصر وكان أئمة أهل البيت 
رضي الله عنهم يفتون بعدم الوقوع.. وكان العلماء المصلحون المجتهدون في كل عصر 
(ص۸۹) يفتون الناس بالقول الصحيح الراجح من بطلان الطلاق البدعي ومن وقوع الثلاث 
مجتمعة» طلقة واحدة فبعضهم يجاهر بفتياه ويصدع بالحق وبعضهم يفتي بحذر خشية العامة 
والدهماء حتى قام المجدد العظيم أحمد بن تيمية وتلميذه الجريء ابن القيم» وصبر على 
الاضطهاد والبلاء في سبيل الله ولسان حال كل منهم يقول: 

ولست أبالي حينما أقتل مسلماً على أي جنب كان في الله مصرعي 

وتبعهما على ذلك كثير. . . إلى العصر الذي نحن فيه اه). 

أقول: واحتساب الطلقة في الحيض منصوص في أحاديث سبق ذكرها وزيادة 
أبي الزبير التي يحاول أذيال الخوارج والروافض التمسك بها زيادة منكرة وقد قال 
أبو داود وأحاديثهم على خلاف ما قال أبو الزبير. وقال ابن عبد البر: منكر لم يقله 
غير أبي الزبير وليس بحجة فيما خالفه فيه مثله فكيف إذا خالفه من هو أوثق منه (وما 
يعزى إلى التمهيد من المتابعات فبأسانيد باطلة عن أناس هلكى) وليس ابن عبد البر 
ممن يتناقض» وقال الخطابي: قال أهل الحديث: لم يرو أبو الزبير حديثاً أنكر من 
هذا. وقال أبو بكر الجصاص: غلط فأنى يمكن لهم التمسك بمثل هذه الزيادة 
المنكرة باتفاق من يعي ما يقول على أن الزيادة المذكورةء أعني: «ولم يرها شيئا» 
على تقدير ثبوتها بعيدة عن الدلالة على ما يزعمون لأنها تحتمل لما ذكره الشافعي 
والخطابي وابن عبد البر نحو شيئاً مستقيماً أو صواباً إلى آخر تلك الاحتمالات 
المسرودة في موضعها فإن من نطق بالطلاق فقد تكيّف به الهواء فلفظه شيء موجود 
فلا يصح نفيه إلا بملاحظة صفة كما ذكر. وقول الشوكاني إنه نص يدل على أنه لا 
یفکر فیما يقول. 

ومن أحاط بما ذكرتاه سابقاً ولاحقاً لا يتردد لحظة في بطلان قول مؤلف 
الرسالة برمته لكن لا بأس بإعادة الكلام بمناسبة أشخاص يشير إلى خلافهم في 
المسألة ليتم الإجهاز عليه وقد روينا الإفتاء بوقوع ما أوقع من الطلاق في الحيض 
والطهر بدون أي فرق بين الواحدة والائنتين والثلاث في وقوعها فيهما إلا من جهة 
الإثم عن عمر في سنن سعيد بن منصور» وعثمان بن عفان في محلى ابن حزم» 


۹ الإشفاق على أحكام الطلاق 


وعلي» وابن مسعود في سنن البيهقي» وابن عباس وأبي هريرة» وابن الزبيرء 
وعائشة» وابن عمر في موطأً مالك وغيره» ومغيرة بن شعبة» والحسن بن علي في 
سنن البيهقي» وعمران بن حصين في منتقى الباجي وفتح ابن الهمام» وأنس في آثار 
الطحاوي وغيرهم بدون أن تصح مخالفة أحد من الصحابة لهم قال الخطابي: القول 
بعدم وقوع الطلاق البدعي قول الخوارج والروافض. وقال ابن عبد البر: لا يخالف 
في ذلك إلا أهل البدع والضلال. 

وقال ابن حجر في آخر كلامه على الطلاق الثلاث في فتح الباري «فالمخالف 
بعد هذا الإجماع منابذ له والجمهور على عدم اعتبار من أحدث الاختلاف بعد 
الاتفاق» فوصل إلى نتيجة أن وقوع الثلاث مجموعة على المدخول بها مسألة إجماعية 
كتحريم المتعة على حد سواء وکلامه هذا یدل على آنه لا يرى أن هناك خلافاً یعتد به 
وإلا لما أمكنه أن يدعي الإجماع في المسألة عندما يختتم تحقيقه فاعتراضه فيما سبق 
على قول ابن التين «لا خلاف في الوقوع وإنما الخلاف في الإثم» بأن الخلاف في 
الوقوع نقله ابن مغيث في الوثائق عن علي وابن مسعود وعبد الرحمن بن عوف 
والزبير وعزاه لمحمد بن وضاح. . . ونقله ابن المنذر عن أصحاب ابن عباس كعطاء 
وطاوس وعمرو بن دينار اه» إنما هو اعتراض صوري وکيف لا وهو يعلم جيداً أنه 
لن يثبت عن هؤلاء الأربعة من الصحابة ولا عن هؤلاء الثلاثة من أصحاب ابن عباس 
شيء ينافي ما عليه الجمهور من وقوع الثلاث مجموعة على المدخول بها ولولا رغبته 
الشديدة في جمع كل ما قيل» في كتابه لما أباح لنفسه أن ينقل مثل هذه النقول الزائفة 
وإذا لم يرباً العالم بنفسه عن أن ينقل عن مثل ابن مغيث كل غث وسمين بدون خطام 
ولا زمام يسود وجه نفسه قبل أن يسود على أهل العلم بكثرة الاطلاح بل يعرض نفسه 
لأن يعد حاطب ليل» وقد سبق الأبي ابن حجر في نقل ذلك عن ابن مغيث في شرح 
مسلم لكن بواسطة طرر ابن عات وطرر ابن عات مما عرف بالضعف عند المالكية 
فيكون هذا بمنزلة النص منه على توهين تلك الروايات. وقد نقل قبل الأبي وابن 
حجر ابن فرح في جامع أحكام القرآن - الجاري طبعه - عن وثائق ابن مغيث مباشرة 
ما يتعلق بهذا البحث في نحو صفحة ومنه كان ابن القيم وأذنابه تناقلوا تلك الروايات 
الكاذبة وجامع أحكام القرآن هذا يمتاز بالإكثار من النقل لنصوص كتب ليست بمتناول 
الأيدي اليوم وأما الدقة في التفكير والإجادة في البحث والتصرف في العلم فليست من 
صناعة مؤلفه الصالح وإنما غاية ما يعمله هو التمسك بمذهبه بنوع من القسوة وإن 
شئت فقل بنوع من التعصب» وفي جامع أحكام القرآن هذا وفي شرح الأبي على 
صحيح مسلم تصحيفات في الأعلام المذكورة في هذا البحث. 


الإشفاق على أحكام الطلاق 1 


وأما ابن مغيث فهو أبو جعفر أحمد بن محمد بن مغيث الطليطلي المتوفى سنة 
4 عن ٥۳‏ سنة وليس هو ممن عرف بالأمانة في النقل ولا بجودة الفهم في تفقهاته 
وقوله في تعليل الرأي الشاذ «وقوله ثلاثاً لا معنى له لأنه أخبر. ..“ من الدليل على 
أنه ما شم رائحة الفقه والفهم» وكان يعاني عمل كل مفْتٍ ماجن» وقد عزا تلك 
الروايات لمحمد بن وضاح بدون ذكر سند» مع أن بينهما مفاوز» أنی یعول على مثل 
ابن مغيث هذا؟ وليس ابن مغيث صاحب الوثائق سوى مضرب مثل للجهل والسقوط 
العلمي في الغرب بين نقاد أهل العلم من الأندلسيين» فكيف يذكر مثله في صدد 
النقل عن الأصحاب بدون إسناد. 

قال أبو بكر بن العربي في القواصم والعواصم بعد أن شرح كيف تعاطت 
المبتدعة في الغرب منصب الفقهاء حتى اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فأفتوا بغير علم 
فضلوا وأضلوا وذكر كيف فسد التعليم: «ثم يقال قال فلان الطليطلي وفلان 
المجريطي وابن مغیث لا أغاث الله نداءء» ولا أناله رجاءه» فیرجع القهقری ولا يزال 
إلى الوراء» ولولا أن الله تعالى من بطائفة نفرت إلى ديار العلم» فجاءت بلباب منه 
كالأصيلي والباجي فرشت من ماء العلم على هذه القلوب الميتة» وعطرت أنفاس 
الأمة الزفرة لكان الدين قد ذهب» اه. وذكر لبعض كبار المالكية ما ينقل عن ابن 
مغيث هذا فقال: ما ذبحت دجاجة في عمري ولكن أرى ذبح من يخالف الجمهور 
في هذه المسألة» يعني ابن مغيث هذا. 

وأما موضع التعويل على النقل عن الأصحاب فإنما هو مشل الأصول الستة 
وباقي السنن والجوامع والمسانيد والمعاجم والمصنفات ونحوها. مما لا يذكر فيه نقل 
عن أحد إلا ومعه إسنادهء وأين فيها نقل خلاف ما عليه الجمهور في المسألة عن 
هؤلاء وقد صخ النقل عن علي بن أبي طالب كرَم الله وجهه أنه قال لمن طلق ألفاً 
«ثلاث تحرمها عليك» الحديث أخرجه البيهقي في السنن وابن حزم في المحلى بطريق 
وكيع عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عنه کرم الله وجهه کما روی عنه انه 
الحسن فيمن طلّق ثلاثاً مبهمة بإسناد صحيح كما قال ابن رجب وصح عنه أيضاً بطرق 
قوله في کل من: حرام» والبتة : إنه ثلاث تطليقات. وأما من نسب إليه خلاف ذلك 
فإنما نسبه إليه للتوصل بذلك إلى الطعن في عمر بن الخطاب في آمر الطلاق. وفيما 
رواه ابن رجب عن الأعمش عبرة كما سبق» وكذلك صخ النقل عن ابن مسعود أنه 
قال بمثل ذلك كما في مصنف عبد الرزاق وسنن البيهقي وغيرهما وقد سبق ذكر كل 
ذلك» وفقهاء العراق والعترة الطاهرة من أصحاب زيد بن علي عليهم السلام من أتبع 
أهل العلم لهماء ومذاهب الفريقين في المسألة على طبق ما نقل عنهما فيما سبق . 


4 الإشفاق على أحكام الطلاق 


وأنى يصح عن عبد الرحمن بن عوف خلاف ما فعله هو في طلاق امرآته 
الكلبية في مرضص موته» وقد ذكر ابن الهمام أنه كان طلّقها ثلاثاً في مرض موته وقد 
ورد ذكر تطليقه ثلاثاً في مرض موته في لفظ حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن 
أبيه (المحلى )۲۲٠/٠١‏ وفي لفظ عبد الرزاق عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن 
ابن الزبير» وفي لفظ آبي عبيد عن يحي بن سعيد القطان عن ابن جريج عن ابن بي 
مليكة عن ابن الزبير (المحلی ۲۲۳/۱۰) وفي لفظ معلى ابن منصور عن الحجاج بن 
أرطاة عن ابن أبي مليكة عن ابن الزبير (المحلى ٠۰‏ وابن أرطاة لم يشذ ولم 
يخالف هنا بل له متابع في لفظ «ثلاثا»» ومسلم يروي عنه بمتابع وليس هذا من قبل 
ما سيأتي» وما وقع في الموطأً وغيره من لفظ البتة ونحوه فمحمول على الثلاث بتلك 
النصوص» ولو لم يرد النص على الثلاث بطرق صحيحة كما ذكرنا لكانت رواية البتة 
داثرة بين احتمال الثلاث واحتمال أن تكون آخر ثلاث تطليقات كما ارتآه ربيعة بعد أن 
ذکر ما بلخه من أن طلاقها كان بطلب منها» لكن لم يكن الجمع بين الاحتمالين في 
قصد المطلق ممكناً لتنافيهماء فلا بد من حملها على الأقل وهو كونها آخر ثلاث 
تطليقات كما فعل ذلك نافع رأياً منه لا رواية» وذلك منهما حيث لم يبلغهما 
النصوص التي ذكرنا وبهذا يظهر الخلل في كلام الزرقاني وكلام عبد الحي اللكنوي» 
ولو فرضنا أن قول نافع رواية فأنى تصح هذه الرواية المقطوعة وهو لم يدرك 
عبد الرحممن بن عوف» لأن نافعاً توفي سنة مائة وعشرين» وابن عوف توفي سنة 
اثنتين وثلاثین ورواية أنه طلقها ثلاثاً ثابتة برجال كالجبال كما سبق» وليس أحد يعزو 
بسند إلى عبد الرحمُن بن عوف خلاف ما عليه جمهور الصحابة وهو وقوع الثلاث» 
حتى إن من يرى أنه لا إثم في الجمع بين الثلاث يستدل بفعل ابن عوف هذا كما في 
فتح ابن الهمام» فتبين من هذا التحقيق أنه مع الجمهور حتماً في إيقاع الثلاث 
مجموعة. 


وأما الزبير فأنى يصح منه خلاف ما عليه جمهور الصحابة وابنه عبد الله من 
أعلم الناس به وهو حينما سئل عن طلاق البكر ثلاثاًء قال للسائل: ما لنا فيه قول 
فاذهب إلى ابن عباس وأبي هريرة فسلهما ثم ائتنا. فأجابا بأن الواحدة تبينها والثلاث 
تحرمها حت تنکح زوجاً غيره» كما في موطأً مالك عند ذکر طلاق البکر فلو کان 
عنده عن أبيه أن الثلاث واحدة في المدخول بها لما تأخر عن ذكر ما عنده لأن غير 
المدخول بها أولى بذلك الحكم» والخلاف بين أهل العلم في طلاق غير المدخول 
بها معروف. وأما ما ينسب إلى محمد بن وضاح الأندلسي من الشذوذ في هذه 


الإشفاق على أحكام الطلاق E‏ 


المسألة فماذا تكون قيمته على تقدير صحة هذه النسبة إليه» وهو الذي يقول عنه 
الحافظ أبو الوليد بن الفرضي إنه كان جاهلاً بالفقه وبالعربية ينفي كثيراً من الأحاديث 
الصحيحة. فمثله يكون بمنزلة العامي وإن كثرت روايته. والاشتغال برأي هذا 
الطليطلي وذاك المجريطي من المهملين شغل من لا شغل عنده. فلا نشتغل بكل ما 
يحكى» وقد سبق ما يكذب ما ينسب إلى النخعي. ومحمد بن مقاتل الرازي من أبعد 
أهل العلم عن هذا الشذوذ. 

وأما ما عزاه ابن حجر إلى ابن المنذر من أنه نقله عن عطاء وطاوس وعمرو بن 
دينار فسهو مكشوف» فإن كلام هؤلاء الثلاثة في حق غير المدخول بها كما في منتقى 
الباجي ۸ ومحلی ابن حزم )۱۷١/۱١(‏ ولیس كلامنا في حق غير المدخول 
بها» وقد أخرج سعيد بن منصور في سننه عن ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء 
وجابر بن زيد أنه إذا طلقت البكر ثلاثاً فهي واحدةء وأما قولهم في إيقاع الثلاث 
مجموعة على المدخول بها فكقول الجمهور على حد سواء وقد سبق أن روينا عن ابن 
عباس الإفتاء بوقوع الثلاث مجموعة بطريق عطاء وعمرو بن دينار في الآثار لاومام 
محمد بن الحسن الشيباني» وفي مسائل إسحاق بن منصور كما روينا تكذيب القول 
بأن الثلاث واحدة عن ابن طاوس عن أبيه بطريق الكرابيسي» ثم ابن المنذر نفسه يعد 
المسألة من مسائل الإجماع في كتابه الذي أله في الإجماع» فكيف يصح أن يذكر 
خلافاً في المسألة» ولا نود أن نذكر القارىء الكريم بقول العقيلي ومسلمة بن القاسم 
الأندلسي في ابن المنذر لأن المسألة جلية ظاهرة مستغنية عن التوسع في الكلام . 

وابن حجر توسع في الفتح بعض توسع في مسألة الطلاق الثلاث بالتماس بعض 
أصحابه» لكن لم ينشط لإعطاء الموضوع حقه من التمحيص الذي ينتظر من مثله بل 
يبدو الخلل في كلامه من نواح وهو معذور في ذلك لأن تمحيص مثل هذا البحث 
الذي طالما شاغب فيه مشاغبون» يحتاج إلى تفرّغ له في وقت نشاط بتأليف كتاب 
خاص في هذا الموضوع» وقد أشرنا إلى بعض ما وقع فيه من الخلل وكفى أنه قال 
في آخر بحثه «فالمخالف بعد هذا الإجماع منابذ له والجمهور على عدم اعتبار من 
أحدث الاختلاف بعد الاتفاق» فعدَ المسألة إجماعية كتحريم المتعة على حد سواءء 
ونتيجة بحثه تصلح الخلل الواقع فيما تقدم . 

ومن الغريب أن مؤلف الرسالة يقول: (صا٩:‏ إنه أمر أن يكتب في الرد على 
ابن تيمية وأنصاره فلم يسعه إلا طاعة الأمر» والإشارة إلى ذلك بدهاء EE‏ قدیر» 
فقال في ختام بحثه: وقد أطلت في هذا الموضوع لالتماس من التمس ذلك مني والله 


1 الإشفاق على آحكام الطلاق 


المستعان اه) فجعله يميل إلى القول الآخر» لکنه یخشی أن يجهر به وعده أنه كان 
يتلقى أوامر من الأمراء في القضاء ولإفتاء فيداجيهم» وهذا إساءة إليه وإليهم جميعاً 
وجهل بالتاريخ› وقد كان رأى ابن تيمية قبر بأيدي علماء أهل الحق قبل ابن حجر 
بمدة» وهو الذي قرض كتاب الرد الوافر كما شاء من غير ممانع ولم يكن الأمراء 
يتدخلون في مسائل القضاء والإفتاء» فلو لاحظ سير الملوك في عصر اشتغال ابن 
حجر بالتأليف لأدرك مبلغ خطئه في تكهئه» ودرجة انتكاس رأيه» نسأل الله العافيةء 
وكم ألّف ابن حجر وتوسع في الشرح بطلب أصحابه وهو يقول: ألفت وشرحت 
لالتماس من التمس كما لا يخفى على من درس كتبه» ولو كان ذلك بأمر أحد الأمراء 
لقال توسجت فيه لأمر من طاعته غنم» وإشارته حتم» إلى آخر تلك الكلمات المعتادة 
في تلك القرون. 

وأما رأي ابن إسحاق ورأي ابن أرطاة فليسا من الآراء المعتد بهاء لأن ابن 
إسحاق ليس من أئمة الفقه» وإنما هو راوية يقبل قوله في المغازي بشروط» وسبق 
قول أهل النقد فيه على أن اللفظ المعزو إليه ليس بصريح في الرأي الذي يراد أن 
ينسب إليه . 

وأما ابن أرطاة فقد قال عنه عبد الله بن إدريس: كنت أراه يفلي ثيابه» ثم خرج 
إلى المهدي وقدم ومعه أربعون راحلة عليها أحمالها كما في كامل ابن عدي يقال إنه 
أول من ارتشى من قضاة البصرة» وقد أثري جداً بعد أن ولي القضاء في عهد 
المهدي» وكان قبل ذلك یعضه فقر مدقع» وکان عنده کبر وتیه عجیبان» یتیه على 
مثل داود الطائي يدلس عن الضعفاءء وكلام أهل الجرح فيه كثير ومثله إذا قبلت 
روايته» فإنما تقبل فيما لا يخالف الثقات الأثبات» بمقارن ومتابع . 

وأما رأيه فلا يكون من الآراء المعتد بها للشروط المقررة في الاعتداد بالرأي مع 
أن القول المنسوب إليه مجمل ليس بصريح فيما يراد أن يعزى إليه من الرأي بل ربما 
يريد بهذا أنه ليس بشيء يوافق السنة» ولم ينقل عن ابن إسحاق ولا عن ابن أرطاة 
كلمة صريحة في ذلك. 

على أن ابن حزم كثيراً ما يروي حديثاً في المحلى بطريق الحجاج بن أرطاة» 
ثم يقول وهذا لا يصح لأن في سنده ابن أرطاة» بل قال في موضع إن الحجاج بن 
أرطاة هالك ساقط» ولا يعترض بروايته إلا جاهل أو مجاهر بالباطل يجادل به 
ليدحض به الحق» وهيهات له من ذلك وما يزيد من فعل هذا على أن يبدي عن 
عواره وجهله أو قلة ورعه» ونعوذ بالله من الضلال اه. 


الإشفاق على أحكام الطلاق WV‏ 


ومع افتتان مؤلف الرسالة بابن حزم يجعل ابن أرطاة هذا في صف من يؤخذ 
بقوله من الفقهاء المجتهدين نسأل الله السلامة» وقد ذكر بعضهم أسماء ناس سواهم 
يعزى إليهم القول بمثل ذلك القول كذباً بدون إسناد» وتساهل آخرون في نقل ذلك 
لكنا في غنية في تفنيد ما ذكر بدون سند. 

وليس معنى الإجماع أن لا يوجد في الأمة من غلطء وقال شيئاً يخالف قول 
الجمهورء بل المراد بالإجماع إجماع المجتهدين المعترّف بإمامتهم في الفقه» وأمانتهم 
في الدين وأما نفاة القياس فلا يكونون من أهل الاستنباط حتى يعتد بخلافهم فلا شأن 
للظاهرية في المسائل الإجماعية عند المحققين كما سبق. 


وأما الروافض ومن انخدع بهم من الإمامية فليسوا ممن يعتد بخلافهم أيضاً 
وسيأتي عند الكلام على الإجماع بعض بسط لذلك» وأما الشيعة الذين يعون اتباع 
مذهب جعفر بن محمد الصادق» فإنهم محجوجون بقول هذا الإمام الجليل نفسه في 
وقوع الثلاث بلفظ واحد» وسبق أن سقناه من سنن البيهقي» ومن نسب إلى جمهرة 
أهل البيت ما يخالف ذلك فهو مختللق أثيم» وإن كان لا بد من النقل عن الكتب 
المدؤنة في فقه العترة الطاهرة رضي الله عنهم فدونك (الروض النضيرء في شرح 
المجموع الفقهي الكبير) وهو أحق بالتعويل من كتب أمثال النجم الحلي للفرق العظيم 
الماثل أمام أعيننا بين كتب هؤلاء وكتب هؤلاء» ومن اتسع صدره لقبول ما يراه (في 
منهاج المقال) و(روضات الجنات) و(الاستقصاء) ونحوها من الكلام في رجال 
الجمهور» فلينقل ما شاء عنهم من غير أن يلتفت أحد من أهل السنة إلى نقله» 
والكلام في المنقول فرع الكلام في الرجال» والله سبحانه هو الهادي. 


ففي الروض النضير (ج٤‏ ص۱۳۷): إن وقوع الثلاث بلفظ واحد هو مذهب 
جمهور أهل البيت» كما حكاه محمد بن منصور في الأمالي بأسانيده عنهم» وروى 
في الجامع الكافي عن الحسن بن يحيى أنه قال: رويناه عن النبي بء وعن علي 
عليه السلام» وعلي بن الحسين» وزيد بن علي» ومحمد بن علي الباقر» ومحمد بن 
عمر بن علي» وجعفر بن محمد» وعبد الله بن الحسن» ومحمد بن عبد الله» وخيار 
آل بيت رسول الله اة . ثم قال الحسن أيضاً: أجمع آل الرسول على أن الذي يطلّق 
ثلاثاً في كلمة واحدة أنها قد حرمت عليه سواء كان قد دخل بها الزوج أو لم يدخل› 
ورواه في البحر عن ابن عباس وابن عمر وعائشة وأبي هريرة [رضي الله عنهم] وعن 
علي كرّم الله وجهه والناصر والمؤيد ويحيى ومالك وبعض الإمامية اه. 


۸ الإشفاق على أحكام الطلاق 


فلا تصح نسبة الإفتاء بعدم الوقوع إليهم بعد هذا البيان الصريح . وأما إن کان 
يريد أن يبعث بمصر مذهب الإسماعيلية من مقبره فلسنا في حاجة إلى مناقشة معهء 
فليجرب حظه بعد أن يصف العبيديين مدة بطهر. 


وأما كلامه عن أحمد بن تيمية وتلميذه الجريء بأنهما جاهدا في سبيل الله 
بالجهر بهذه المسألة» فقول: كنا نود أن لا نطرقه لو لم يتعرض لذكرهما بتنويه 
شأنهما فلا بأس في الإشارة إلى بعض ما فيهما من صنوف الزيغ» ليعلم جلياً أنهما 
ليسا بمقام القدوة في مثل هذه المسائلء وأنهما ليسا من المجاهدين في سبيل الله في 
إثارتهما فتناً في مسائل اعتقادية وعملية خطرة» ولا يكون الجهاد في سبيله بتفريق 
كلمة المسلمين وإثارة الفتن بيهم بباطل» ولم يكن (رفع الملام عن الأئمة الأعلام) له 
سوی خطوة تمهید لنفسه مخادعة منه کما لا یخفی على من درس حياته . 


ولو قلنا لم يبل الإسلام في الأدوار الأخيرة بمن هو أضر من ابن تيمية في 
تفريق كلمة المسلمين لما كنا مبالغين في ذلك» وهو سهل متسامح مع اليهود 
والنصارى يقول عن كتبهم: إنها لم تحرف تحريفاً لفظياً. فاكتسب بذلك إطراء 
المستشرقين له» شديد غليظ الحملات على فرق المسلمين لا سيما الشيعة كان يتعثر 
في أذياله سعياً وراء إقناع والي الشام أقوش الأفرم لمحاربة الكسروانبين حتى تم له ما 
أراد وهو في صفوف المحاربين ولولا هذا التشدد معهم ومع شيعة الجبل لما بقي في 
أرض الشام غلو في التشيع» ولكان أهل الجبل كلهم مع إخوانهم السنيين على سرر 
متقابلين» ولولا شدة ابن تيمية في رده على ابن المطهر في منهاجه إلى أن بلغ به 
الأمر إلى أن يتعرض لعلي بن أبي طالب كرّم الله وجهه على الوجه الذي تراه في 
أوائل الجزء الثالث منه بطريق يأباه كثير من أقحاح الخوارج مع توهين الأحاديث 
الجيدة في هذا السبيل لما قامت دولة الغلاة من الشيعة في بلاد فارس» والعراق» 
وشرقي الآسيا الصغرى» وأذربيجان» من عهد الملك المغولي خربنده. وابن المطهر 
الحلي لما وصل إليه كتاب ابن تيمية هذا. قال: كنت أجاوبه لو كان يفهم كلامي 
ولكن جوابي يكون بالفعل حتى سعى سعياً إلى أن تمكن من قلب الدولة السنية في 
تلك الأقطار إلى دولة غالية في التشيع بحمل خربنده الملك الشعوب على التمذهب 
بمذهب ابن المطهرء ولم يزل الغلو في التشيع متغلغلاً في تلك البلاد منذ عمل ابن 
تيمية هذاء ولو كان يسعى بحكمة لما بعدت شقة الخلاف بين الإخوان المسلمين على 
الوجه الذي نراه. 


الإشفاق على أحكام الطلاق TY‏ 


وكم لابن تيمية من فتن مشروحة في كتب التاريخ وفي كتب خاصة› وهو لیس 
بثقة في نقله كما تبين مما أسلفناه في كلامنا على تعليق الطلاق من حذفه الاستثناء في 
أثر عائشة رضي الله عنهاء وكم له من هذا القبيل» مع زيغه عن معتقد أهل السنة. 


يقول ابن تيمية بقيام الحوادث بالله سبحانه في (ج۲ ص٥۷)‏ من معقوله بهامش 
منهاجه» ويثبت الجهة له تعالى حيث يقول في منهاجه بعد كلام طويل (جا 
ص٤٠۲):‏ فثبت أنه في الجهة على التقديرين. والجهة لم ترد في الكتاب والسنة 
فالقائل بها خارج عليهما - وكلام ابن رشد الفيلسوف» على اعتبار أن العرش محدد 
الجهات مع الفرق عنده بين العامي وصاحب البرهان ومغزاه شيء آخر - وكذلك يبت 
الحركة لله جل جلاله حيث يقول مصدقاً لما نقله عن بعض قادته» في معقوله (ج۲ 
ص٠۲):‏ الحي القيوم يفعل ما يشاء» ويتحرك إذا شاء» ويهبط ويرتفع إذا شاء» 
ويقبض ويبسط ويقوم ويجلس إذا شاءء لأن أمارة ما بين الحي والميت التحرك» فكل 
حي متحرك لا محالة» وكل ميت غير متحرك لا محالة اه. وفي (ج۲ ):۰ 
يتكلم ويتحرك. . اه» وفي (ج۲ ص۳۰) الله تعالی له حد لا یعلمه أحد غیره ولمکانه 
أيضاً حد اه ويقول أيضاً عند الكلام في الاستواء فيما رد به على أساس التقديس 
للرازي» وهو ضمن المجلد ۲٤(‏ وه۲) من الكواكب الدراري لابن زكنون الحنبلي 
بظاهرية دمشق (ولو شاء لاستقر على ظهر بعوضة فاستقلت به بقدرته فكيف على 
عرش عظيم اه) مصدقاً لما نقله عن بعض أئمته» فمن هو أضل سبيلاً ممن يجوز في 
معبوده أن يستقر على ظهر بعوضة» واستتيب ابن تيمية عما بدر منه في حق عمر 
رضي الله عنه بيد الشيخ أبي إسحاق إبراهيم بن أحمد الرقي الحنبلي كما ذكره ابن 
حجر في الدرر الكامنة» وفيها كيفية استتابته عند قضاة مصر» وخطوطهم في حقه 
مسجلة في (نجم المهتدي ورجم المعتدي) للمحدث محمد بن المعلم الشافعي» هو 
من محفوظات دار الكتب المصرية» وفي ذخائر القصر للحافظ شمس الدين بن 
طولون نقلاً عن الحافظ صلاح الدين العلائي تحت عنوان ذكر المسائل التي خالف 
فيها ابن تيمية الناس في الأصول والفروع (فمنها ما خالف فيها الإجماع» ومنها ما 
خالف الراجح من المذاهب» فمن ذلك يمين الطلاق قال بأنه لا يقع عند وقوع 
المحلوف عليه» بل عليه فيها كفارة يمين» ولم يقل قبله بالكفارة أحد من المسلمين 
البتة» ودام إفتاؤه بذلك زمناً طويلاًء وعظم الخطب ووقع في تقليده جم غفير من 
العوام» وعم البلاءء وأن طلاق الحائض لا يقع» وكذلك الطلاق في طهر جامع فيه 
زوجته وأن الطلاق الثلاث يرد إلى واحدةء وكان قبل ذلك قد نقل إجماع المسلمين 


2 الإشفاق على أحكام الطلاق 
في هذه المسألة على خلاف ذلك» وأن من خالفه فقد كفرء ثم إنه أفتى بخلافه وأوقع 
خلقاً كثيراً من الناس فيه) وقد استقصى فيه ذكر شواذه فيجب الاطلاع عليها ليعلم من 
هو هذا الرجل ومقدار الصلاح العلائي في الحديث والفقه وسائر العلوم وكمال ثقته 
وترويه فيما ينقله إلا من لا يعنى برجال السنة. 

ومع هذا کله إن کان هو لا يزال يعد شيخ الإسلام» فعلى الإسلام السلام. 

وزيغ ابن زفيل الزرعي المعروف بابن القيم ظاهر من نونيته وغزوه» وهو يثبت 
المكان والجهة والثقل لله سبحانه من غير تهيب» ويدافع عن إقعاد النبي بيو على 
العرش في جنبه تعالى» تعالى عما يأفكون منشداً ما ينسب إلى الدارقطني من الأبيات 
منها: 

زلا ج جرا اتقاي ولات واا 2 و 


في (ج٤‏ ص۳۹) من بدائع الفوائد له فإن كان مثله لا يزال قدوة لأهل العلم» 
فعلى العلم السلام» راجع (السيف الصقيل في الرد على ابن زفيل) للتقي السبكي . 

والشوكاني لم يكتفٍ بأن يفسد مذهب العترة الطاهرة حتى تطاول على مذاهب 
الأئمة المتبوعين» بل أكفر أتباعهم جميعاً في غير مواربة» وهذا إكفار للأمة جمعاء 
على طول القرون؛ وقد انتبه إلى غايته بعض علماء اليمن» وهو العلامة ابن حريوة 
محمد بن صالح الصنعاني» وألّف في الرد عليه (الغطمطم الزخار في اكتساح السيل 
الجرار أغلظ في الرد عليه ونسب فيه الشوكاني إلى الجهل البالغ إلى أن قال إنه 
يهودي مدنس بين المسلمين لإفساد دينهم» والشوكاني لما أف (البدر الطالع) لم 
يكتفِ بذكر نحو سبعة أو ثمانية من أجداده» بل رفع نسب نفسه إلى آدم عليه السلام 
كأنه يريد به مجاوبة ابن حريوة في نسبه» ثم لما سنحت له فرصة الفتك بابن حريوة 
لم يتأخر عن السعي في قطع رقبته» حتی استشهد سنة ۰۱۲٤۱‏ وتجد کئیراً من شواذه 
المخزية التي تابعه فيها القنوجي في (إبراز الغي) للشيخ عبد الحي اللكنوي» وتذكرة 
الراشد له» وهو قد أحسن الرد عليهما في شواذهما المردية» ولم يجهر الشوكاني في 
نيل الأوطار بكل ما عنده من المخازي» وهذا سبب اغترار بعضهم به» ولا قدوة لمن 
يتخذ مله قدوة. 

ومحمد بن إسماعيل الأمير» كم له من فتن قبله» تجتلي أحواله من أجوبة 
القضاة من بني العنسي لأهل حوث المدونة في كتب التاريخ» وميله إلى الروافض 
يظهر من طريق كلامه في صلاة التراويح» ولا يكفي في تكفير ذنوبه كتابه المسمى 


الإشفاق على أحكام الطلاق ۷1 


(إرشاد ذوي الألباب إلى حقيقة أقوال ابن عبد الوهاب) وهو يشرح فيه قصيدته التي 
مطلعها: 
رجعت عن القول الذي قلت في النجدي فقد صح لي عنه خلاف الذي عندي 

وأما حسن صديق خان القنوجي» فهو من المصرحين بإثبات الجهة لله سبحانه 
في شرحه على الاعتقاد الصحيح» وهو أتبع للشوكاني من ظله» حاول في كتابه (ظفر 
اللاضي فيما يجب على القاضي) تبعاً للشوكاني» ألا يجعل حداً محدوداً لما يجوز 
جمعه نكاحاً من النساء» وفي تذكرة الراشد للعلامة عبد الحي اللكنوي بعض ما 
يكشف الستار عن علمهماء ومبلغ غوايتهما. والقنوجي هذا جمع حوله علماء يحملهم 
على أن يؤلفوا کتاباً باسمه» ثم يقوم هو بطبعه» وهو سبب فساد الحال في بعض بلاد 
الهندء فتباً لمن اتخذ أمثال هؤلاء قدوة فيما يتعلق بأمر دينه نابذاً علماء الأمة كلهم 
وراء ظهره» فهؤلاء ليسوا بموضع ثقة لا في دينهم ولا في علمهم» بالنظر إلى سيرهم 
المعلومة» وتاليفهم المشهودة» ولهم سعي حثيث في تفرقة كلمة المسلمين» وإذاعة 
أقوال الشذاذ بينهم» فإذا قلنا إن الإجماع انعقد في تلك المسائل فإنما نريد إجماع غير 
المتهمين في أمانتهم من العلماء الفقهاءء وإلا فنحن نعلم أنه يوجد في جميع الطبقات 
بعد الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين» أناس غالطون» وأناس متهمون» يقولون 
خلاف قول الجماعة غلطاً أو زيغاًء والتاريخ شاهد عدل على ما قلنا. 

سامح الله الوزير العثماني المغفور له خير الدين باشا الصدر الأعظم» فإنه جر 
الويلات إلى بلاد آمنة مطمئنة من حيث المذاهب والنحل من غير أن يقصد ذلك» حيث 
بعث بخطاب فارسى إلى صديقق خان القنوجي يستحثه على الدعوة إلى مساعدة الدولة 
بمناسبة الحرب الکبری الواقعة بين روصتا والدولة العثمانية» فقام القنوجي بذلك وألف 
رسالة سماها «العبرة في أحكام الغزوة والهجرة)» ثم لم يرض أن تمر الفرصة السانحة 
من غير أن ينتهزهاء فالتمس أن يسمح له في طبع ما يشاء من الكتب في مطبعة الجوائب 
فى الآستانة» ومطبعة بولاق بمصر» فسمحوا له بذلك مجاملة معه بدون تقدير 
للعواقب» وبدون اشتراط شروط وقيود فبدأ ينشر كتبه» وكتب هؤلاء الشذاذ هنا وهنالك 
مع مراعاة مراحل الدعاية» وكان العلماء في غفوة عما يحاك حول مذاهب أهل السنة 
من تغشيات وتلبيسات» حتى هان أمر المعتقد» وأحكام الفقه على كثير من الناس بين 
المد والجزر بين أهواء شرقية شاذة غرّبت» وخيالات غربية إلحادية شرقت بدون أن 
نرى من يقيم سياجاً حول مذاهب أهل السنة لحراستها بالعلم» بل نرى الاستسلام 
للفريقين هو السائد في الجمهور بدون وازع يزعهم وله عاقبة الأمر كله. 


VY‏ الإشفاق على أحكام الطلاق 


وماذا ينعظر من الخيرة في المحافظة على أحكام الشرع من أناس يظهرون في 
زي العلماء لكنهم لا يأنفون من أن يغشوا محافل لا يمتون إليها بأي صلة لا من تاحية 
القضاء» ولا من جهة الإفتاءء وهم بهذا الانتساب يفقدون آخر غيرة وإرادة عندهم» 
حيث اتخذوا بطانة من دونهم لا يألونهم خبالاًء فتباً لعالم يكون شمعاً يقبل كل صورة 
في أيدي العابٹين» وينتمي إلى كل طائفة دينيين أو لا دينيين› ولا یغار على دینه ولا 
على مسلکه فیعم بلاؤه» ت او ل اک ك خلطاؤه» ويجعل الشرع 
هيولى مثله» فيا ويحه ما أضلّه. وهذه هي بدعة البدع» وأين سائر البدع من هله. 


ومن جهلت نفسه قدره وا وم مال رن 


ألهمنا الله سبحانه التوبة والإنابة. 


الإجماع الذي يقول به الفقهاء 

أما قول المؤلف (في ص١٠٠:‏ إن الإجماع الذي يذعيه الأصوليون ما 
خيال. . . وفي ص۸۸.. . ولا استقر رأي العلماء على قول مقبول في معنى الإجماع - في 
نفسه - وکیف بحتج به ومتی؟) . 

فكلام لا يصدر ممن يعقل ما يقول» وإن دل هذا الكلام منه على شيء فإنما 
دل على أنه ما درس شيئاً من أصول الفقه» ولو نحو مرآة الأصول أو التحرير على 
واحد من المبرزين في العلم فضلاً عن كتاب البزدوي وشروحه» ولا هو اطلع على 
بحر البدر الزركشي» ولا شامل الإتقاني» فضلا عن تقويم الدبوسي» وميزان 
السمرقندي» وفصول أبي بكر الرازي» ولم يطلع أيضاً على فصول الباجي» ولا 
محصول أبي بكر بن العربي؛ بل ولا تنقيح القرافي» ولا رسالة الشافعي؛ وبرهان ابن 
الجويني» وقواطع ابن السمعاني» ومستصفى الغزالي» ولا على تمهيد أبي الخطاب» 
وروضة الموفق ومختصرها للطوفي» ولا عمد القاضي عبد الجبار» ومعتمد أبي 
الحسين البصري» بل اكتفى في هذا العلم الخطير بتقليب صفحات كتيب للشوكاني أو 
القنوجي شيخي التخبطات في المسائل في الدور الأخير» ومثله يحيل على ما ارتآه هو 
في الإجماع في تعليقه على أحكام ابن حزم. ولو كان هذا المؤلف الجريء تذوق 
شيئاً من كتب هذا العلم لعلم أن من يدوس تلك الكتب تحت رجله العرجاء ليس له 
إلا أن يخبط خبط عشواء. 


الإشفاق على أحكام الطلاق NY‏ 


ألم يعلم هذا المتقول أن حجية الإجماع مما اتفق عليه فقهاء الأمة جميعاً 
وعدوه ثالث الأدلة» حتى إن الظاهرية على بُعدهم عن الفقه يعترفون بحجية إجماع 
الصحابة ولهذا لم يتمكن ابن حزم من إنكار وقوع الثلاث مجموعة» بل تابع الجمهور 
في ذلك» بل قد أطلق كثير من العلماء» القول بن مخالف إجماع الأمة كافر» حتى 
شرط للمفتي أن لا يفتي بقول يخالف أقوال جماعة العلماء المتقدمين» ولهذا كان 
لأهل العلم عناية خاصة بمثل مصنف ابن أبي شيبةء وإجماع ابن المنذر ونحوهما من 
الكتب التي يتبين بها مواطن الاتفاق» والاختلاف في المسائل بين الصحابة والتابعين 
وتابعيهم رضي الله عنهم . 

وقد دل الدليل على أن هذه الأمة محفوظة من الخطأً وأنهم عدول شهداء على 
الناس. قال الشاعر: 


هم وسط يرضى الأنام بقولهم إا طرقت إحدى الليالي بمعضل 

وأنهم خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر» وأن من 
تابعهم تابع سبيل من أناب» ومن خالفهم سلك غير سبيل المؤمنين» وناهض علماء 
الدين. 

ولا أدري من أين أتت هذه الفوضى في التفكير» ومن أين تسربت هذه السموم 
الفاتكة إلى أذهان بعض المتفقهين في هذا العصر؟ 

كنت اجتمعت بمنزل العلامة شيخ الفقهاء في عصره الشيخ محمد بخيت 
المطيعي المتوفى بعد العصر من يوم الجمعة ۲١‏ رجب سنة ٠١١١‏ عن ۸٣‏ سنة 
رحمه الله قبل وفاته بمدة يسيرة» بواحد من العلماء فأخذنا نتحدث ‏ والأستاذ الكبير 
لم ينزل بعد - إلى أن انجر الكلام معه إلى الطلاق الثلاث بلفظ واحد» فأخذت أسرد 
ما صح عن الصحابة في ذلك مع بيان أنه لم يثبت عن أحد منهم مخالفة لما صح 
عنهم فأورد هذا العالم علي حديث طاوس فشرعت أذكر علله المعروفة» فقال: هذا 
تمسك في المسألة بالإجماع وفي الإجماع كلام من جهة حجيته» وإمكانه» ووقوعه 
وإمكان العلم به» وإمكان نقله» فقلت: يوجد من يقول هذا حرفاً بحرف» ولكن أود 
أن أعرف رأي محدثي في الإجماع حتى أتمكن من الكلام معه» فمجمج وتغير وقال: 
أمامنا كتاب الله وهو يغنينا عما سواه» فأخذ يتلو قوله تعالى: « اقلق نَا [البمَرَة: 
۹ قلت: سبحان الله كيف تحاول الاستدلال بهذه الآية على دعواك»› وبها يستدل 
البخاري على صحة الجمع بين الثلاث» حيث يعتبر لفظ تان [البَرة: ۲۲۹] يعني 


VE‏ الإشفاق على أحكام الطلاق 


چم ی 


(اثنتين) كما في قوله تعالى: «نرزتها أجرها مر [الأحرًاب: ]۳١‏ وكذا ابن حزم 
وكثير من شراح البخاري كالكرماني ونحوه ممن لهم اتساع في العربية» فإذا صح 
الجمع بين الاثنتين صح الجمع بين الثلاث حيث لا فارق بينهماء وأنت تتخذها دليلاً 
على ضد ما اتخذوه حجة عليه فيا ترى هل يقل هؤلاء في الذوق العربي من صاحبي 
فتغير وقال هذه الآية تفيد أن كل طلاق معتبر في الشرع هو ما يكون إيقاعه مرة بعد 
أخرى» فقلت: لعلك حملت اللام على الاستغراق وقدرت ما شئت لتتمكن من حصر 
الطلاق المعتبر» في ذلك كما فعل الشوكاني لكن ما قولك في طلقة واحدة ليس 
بعدها طلقة؟ أما تعتبر في الشرع طلقة ينحل بها عقد النكاح إذا انقضت العدة فأين 
الحصر مع هذاء فاضطرب فقلت: إذا فرضنا حمل َال [البقَرّة: ۲۲۹] على 
المعنى الثاني فالآية إنما تدل على إيقاع الطلاق مرة بعد أخرى من غير أن يكون هناك 
ما يدل على التقييد بالأطهار فيقع الثلاث بمجرد التكرار سواء كان الإيقاع في طهر أو 
حيض وهذا ليس بمقصود لكم ولا مرضي عندكم» وإذا أخذت تستدل بآثار الصحابة 
عاد البحث إلى أوله من غير أن تستغني عما سوى الكتاب. 

وفي أثناء هذا الكلام حضر الأستاذ الكبير» فقطعنا الكلام عند هذا الحد مخافة 
أن يشارك البحث فيتعب» لأنه قلما يرضى ألا يشارك أمثال هذا البحث إذا استمرت 
وهن خاضس: 

ثم طال تفكيري في هذا التجرؤ على مخالفة الجماعة مع تخبط ملموس في 
المسائل ممن يدعون الانتماء إلى الفقه» فعلمت أن علة العللء أن أمثال هؤلاء 
المتفقهين كانوا يحاولون تكوين أنفسهم بأنفسهم» يحضرون في أي درس شاؤوا 
ويهجرون أي کتاب أرادوا - قبل النظام في الأزهر - وأنهم ينخرم عليهم المقرر في 
العلوم - بعد النظام - فيحصل بقدر هذا وذاك خرم في تفكيرهم وتعقلهم» فلا عجب 
إذا حدثت في تفكير هؤلاءء فوضى واضطراب واختلال عند أول صدمة تصدمهم من 
مطالعة كتب يصدرها الناشرون لدعاية خاصة غير مكشوفة بادىء بدء» فيكون هؤلاء 
أول ضحية لتلك الدعايات الصادرة لتفريق كلمة المسلمين باسم العلم» حيث لا يوجد 
عندهم وازع يزعهم عن التورط فيما ليس لهم به علم» ولا عدة تحميهم من مسايرة 
الجهل» بل يعدون أنفسهم علماء بمجرد أن حذقوا لغة أمهاتهم بدون أن يتم تكوينهم 
العلمي تحت حراسة نظام دقيق في التفقيه» مع أن الواجب على من يعد نفسه من 
صنف العلماء أن يرباً بنفسه أن يظهر بمظهر الهمج الرعاع أتباع كل ناعق» كما يقول 
علي كرّم الله وجهه» فعار على من يذعي العلم أن يكون بهذه الحالة المنكرة. 


الإشفاق على أحكام الطلاق Ve‏ 


فمن يجترىء على أن يقول هذا في إجماع الأصوليين» يحتاج قبل كل شيء إلى 
التفقه» بأن يدرس بعض كتب الأصول والفروع على بعض المبرزين» قبل أن يخوض 
في مثل هذه الأبحاث» حتى يتمكن من فهم ما في فصول أبي بكر الرازي ونحوه من 
دقائق هذا العلم» ويتكلم إذا تكلم عن فهم. 

تراه يثني على كلام ابن رشد الفيلسوف في الإجماع لكنه لا يوافقه على قوله 
«بخلاف ما عرض في العمليات فإن الناس كلهم يرون إفشاءها لجميع الناس على 
السواء ويكفي في حصول الإجماع فيها أن تنتشر المسألة فلا ينقل إلينا فيها خلاف فإن 
هذا كاف في حصول الإجماع في العمليات بخلاف الأمر في العلميات بل ينبذه نبذاً 
من غير أن يذكر أي دليل على دحض هذا الكلام المتين؛ وابن رشد الحفيد وإن لم 
يكن من العلم بالآثار بحيث يتحاكم إليه في مسائل الفقه وأدلتها كما فعل مؤلف 
الرسالة في (ص٤۸)‏ حتى إنه كثيراً ما يغلط في (بداية المجتهد) في عزو المسائل إلى 
إمامه فضلاً عن سائر الأئمة لكن كلامه في الإجماع قوي جداً موافق لتحقيق أهل 
الشأن. 


وأما قول محمد بن إبراهيم الوزير اليماني فبعيد عما يفقهه الفقهاء وهو لين 
الملمس في كتبه بالنسبة إلى أمثال المقبلي ومحمد بن إسماعيل الأمير والشوكاني من 
أذياله الهذامين لكن مع هذا اللين تحمل كتبه سماً ناقعاً وهو أول من شوش فقه العترة 
ببلاد اليمن وكلامه يرمي إلى إسقاط الإجماع من الحجية وإن لم يصرح تصريح 
الشوكاني في جزء الطلاق الثلاث حيث قال: «إن الحق عدم حجية الإجماع بل عدم 
وقوعه بل عدم إمکانه بل عدم إمكان العلم به وعدم إمكان نقله» فمن لا يعترف بعدد 
محدود في نكاح النساء على خلاف الكتاب والسنة كما فعله في كتابه (وبل الغمام) 
على خلاف ما في نيل الأوطار» وفتده عبد الحي في (تذكرة الراشد) في (ص۷4٤)‏ 
كما يجب» يقول ما يشاء في إجماع المسلمين» ومن تابعه ونبذ الأئمة المتبوعين 
وعلومهم وراء ظهره فهو أسوء منه حالاً وأضل سبيلاً. 

ولا يمنعني هذا المظهر من هؤلاء من أن أشير إلى بعض فوائد تعلق بالإجماع 
فلعل ذلك يدعو القراء إلى الاستزادة من ينابيعها الصافية . 

فإذا ذكر أهل العلم الإجماع فإنما يريدون به إجماع من بلغ رتبة الاجتهاد من 
بين العلماء باعترافهم مع ورع يحجزه عن محارم الله ليمكن بقاؤه بين الشهداء على 
الناس فمن لم يبلغ مرتبة الاجتهاد باعتراف العلماء فهر خارج من أن يعتد بكلامه في 


۷٦‏ الإشفاق على أحكام الطلاق 


الإجماع ولو كان من الصالحين الورعين» وكذلك من ثبت فسقه أو خروجه على 
معتقد أهل السنة لا يتصور أن يعتد بكلامه في الإجماع لسقوطه من مرتبة الشهداء 
على الناس» على أن المبتدع كالخوارج وغيرهم لا يعتدون بروايات ثقات أهل السنة 
في جميع الطبقات فكيف يتصور أن يوجد فيهم من العلم بالآثار ما يؤهلهم لدرجة 
الاجتهاد. 

ثم أقل ما يجب على المجتهد المستجيع لشروط الاجتهاد باعتراف العلماءء أن 
يدلي بحجته ویصارح الجمهور بما يراه حقاً تعليماً وتدويناً إذا رأى أهل العلم على 
خطأ في مسألة من المسائل حسب ما يراه هو» لا أن ينقبع في داره أو ينزوي في 
رأس جبل بعيد عن أمصار المسلمين ساكتاً عن إبانة الحق» والساكت عن الحق 
شيطان أخرس. ناكثاً عهد الله وميثاقه ومن نكث فإنما ينكث على نفسه فبمجرد ذلك 
ياتحتق بالفاسقين الساقطين عن مرتبة قبول الشهادة فضلاً عن مرتبة الاجتهاد. 

ومن المحال في جاري العادة بين هذه الأمة نظراً إلى نشاط علماء المسلمين في 
جميع الطبقات لتدوين أحوال من له شأن في العلم» وتسابقهم في كتابة العلوم 
وتسجيلها وإفشاء ما يلزم الجمهور علمه في أمر دينهم ودنياهم امتالاً منهم لأمر تبليغ 
الشاهد للغائب ووفاء بميثاق تبيين الحق» ألا تكون جماعة العلماء في كل عصر 
يعلمون من هم مجتهدو ذلك العصر الحائزون لتلك المرتبة العالية» القائمون 
بواجبهم . 

فإذا ذاع رأي رآه جمهرة الفقهاء في أي قرن من القرون من غير أن يعلم أهل 
الشأن» مخالفة أحد من الفقهاء لهذا الرأي فالعاقل لا يشك في أن هذا الرأي مجمع 
عليه. وهو الذي يعول عليه المحققون من أئمة الأصول. وهذا مما لا يمكن أن 
تجري حوله الثرثرة بأن في الإجماع كلاماً من جهة حجيته» وإمكانه» ووقوعه» 
وإمکان العلم به» وإمکان نقله کما لا يخفی . 


وليس معنى الإجماع أن يدن في كل مسألة مجلدات تحتوي على أسماء مائة 
ألف صحابي» مات عنهم النبي ية بالرواية عن كل واحد منهم فيهاء بل يكفي في 
الإجماع على حكم صحة الرواية فيه عن جمع من المجتهدين من الصحابة» وهم نحو 
عشرين صحابياً فقط في التحقيق» بدون أن تصح مخالفة أحد منهم لذلك الحكمء بل 
قد لا تضر مخالفة واحد أو اثنين منهم في مواضع فصّلها أئمة هذا الشأن في محله. 
وهكذا في عهد التابعين وتابعيهم . 


الإشفاق على أحكام الطلاق VV‏ 


ومن أحسن من أوضح هذا البحث بحيث لا يدع وجه شك لمتشكك ذلك 
الإمام الكبير أبو بكر الرازي الجصاص في كتابه (الفصول في الأصول) وخص فيه 
لبحث الإجماع نحو عشرين ورقة من القطع الكبير وهو كتاب لا يستخني عنه من 
يرغب في العلم للعلم» وكذا العلامة الإتقاني في الشامل شرح أصول البزدوي وهو 
في نحو عشرة مجلدات يذكر فيه نصوص الأقدمين بحروفها ثم يناقشهم فيما تجب 
المناقشة فيه مناقشة من له غوص» فنحو ستة مجلدات من أواخر هذا الكتاب موجود 
بدار الكتب المصرية» والمجلدات الأوائل منه في مكتبة جار الله ولي الدين 
امبرل و غ في رن اقا ي ال مم فة4 والن الجا 
للبدر الزركشي على تأخره يكاد يكون مجموعة نقول فقط بالنظر إلى الشامل. 

ومن الإجماع ما يشترك فيه العامة مع الخاصة لعموم بلواهم كإجماعهم على أن 
الفجر ركعتان والظهر أربع ركعات والمغرب ثلاث ركعات» ومنه ما ينفرد به الخاصة 
وهم المجتهدون كإجماعهم على الحق الواجب في الزروع والثمار» وتحريم الجمع 
بين العمة وبنت الأخ فلا تنزل مرتبة هذا الإجماع عن ذاك لأن المجتهدين لا يزدادون 
حجة إلى حججهم بانضمام العوام إليهم فمن ادعى أن من الإجماع ما هو قطعي 
يستغني عنه بالكتاب المتواتر والسنة المتواترة» وما دونه یتسکع ت الظن فقد حاول رد 
حجية الإجماع واتبع غير سبيل المؤمنين» وشرح ذلك في الكتب المبسوطة ولا 
يتحمل هذا الموضع للإفاضة فيه. وماذا على الإجماع من كون بعض أنواعه ظنياً؟ 
وجحد ما هو يقيني منه كفر» وإنكار ما جرى مجرى الخبر المشهور منه ضلال 
وابتداع» وجاحد ما دون ذلك كجاحد ما صح من أخبار الآحاد على حد سواء. 

والدليل الظني مما يحتج به في الأحكام العملية عند جمهور الفقهاء لأدلة قامت 
على ذلك» وإن أذّى قول بعض الأئمة بتجويز الزيادة على الكتاب بخبر الآحاد بطائفة 
الظاهرية إلى القول بأن خبر الآحاد يفيد العلم مطلقاً وبأنه لا حجة في الظن أصلاء 
كما أن قوله في الإجماع السكوتي بأن الساكت لا ينسب إليه قول مع أن الشرع 
ينسب إليه القول في كثير من المواضع كالبكر» والمأموم» والسكوت» في معرض 
البيان ونحوها ‏ أدى بهم إلى التوسع في نفي الاحتجاج بالإجماع» وكذلك قوله في 
قول الصحابي والحديث المرسّل شجعهم على الإعراض عن أقوال الصحابة - في غير 
الإجماع - وعن الأحاديث المرسلة بالمرة ففاتهم شطر الشرع. ثم ما أورده على 
الاستحسان جرأهم أيضاً على الإعراض من القياس باعتبار أن ما أورده على 
الاستحسان إن كان وارداً عليه فهو وارد على القياس أيضاً على حد سواء كما قال ابن 


VA‏ الإشفاق على أحكام الطلاق 
جابر أحد قدماء الشافعية حينما سل عن سبب انتقاله إلى مذهب الظاهرية . ولكن أين 
ملمح الإمام الشافعي رضي الله عنه من مزاعم هؤلاء. 

ولما شاهد نبهاء الشافعية اتخاذ هؤلاء مذهب الشافعية قنطرة إلى ضلالهم 
ساءهم ذلك جدا» وصاروا من أشد العلماء رداً عليهم. (وينكشف كثير من الحقائق 
بالمقارنة بين أصول المذاهب. وأما المقارنة بين الفروع فقط فقليلة الجدوى في التفقه 
والتفقيه» لأن كلا منها مطرد التفريع على أصوله» ووزن هذا بمعيار ذاك إخسار في 
الميزآن). 

وزد على ذلك تشكيك إبراهیم بن سيار النظام في الإجماع والقياس فإنه أول 
من قام بنفيهما» وسرعان ما تابعه حشوية الرواةء والداودية» والحزمية» وطوائف من 
الشيعة والخوارج في نفي الاحتجاج بهماء فهؤلاء وأذنابهم من نفاة الإجماع والقياس» 
إنما تراهم يرددون مدى القرون في نفيهما كلام النظام فحسب المدون في كتب 
الأقدمين. 


ويا ليتهم حينما حاولوا أن يتابعوا أحد المعتزلة تابعوا من ولايتهم منهم في دينه 
لكن الطير على أشكالها تقع. وقد ذهب جماعة من العلماء إلى أن النظام كان في 
الباطن على مذهب البراهمة الذين ينكرون النبوة» وأنه لم يظهر ذلك خوفاً من السيف 
فكقمّره معظم العلماء بل كمّره جماعة من المعتزلة: كأبي الهذيل» والإسكافي› 
وجعفر بن حرب» وصتف کل منهم كتاباً في تکفیره. وکان مع ذلك فاسقاً مدمناً على 
الخمر. قال ابن أبي الدم» في الملل والنحل: كان في حداثة سنه يصحب الثنوية» 
وفي كهولته يصحب ملاحدة الفلاسفةء كما في عيون التواريخ» وهذا هو إمام نفاة 
الإجماع والقياس. نسأل الله السلامة. فمن أصابه بعض شظايا من تشكيكهم في 
الإجماع» والقياس» فليراجع أصول الجصاص إن كان له حظ من النظر أو إلى الفقيه 
والمتفقه للخطيب إن كان ميله إلى الرواية فقط ففيهما ما يشفي غلته. 


وأما القول الشاذ إزاء القول المجمع عليه فكالقراءة الشاذة في جنب القرآن 
المتواترء بل هو أنزل من القراءة الشاذة فإن القراءة الشاذة قد تعلم بها صحة التأويل 
في الكتاب بخلاف القول الشاذ فإنه لا يصلح لغير الهجر. 

ولعل هذا المقدار من البيان يكفي للفت النظر إلى مبلغ خطورة ما زعمه 
المتمجهد من أن ما يدعيه الأصوليون في الإجماع خيال. 


الإشفاق على أحكام الطلاق ۷4 
الطلاق والرجعة يصحان بدون إشهاد 


أما اقتراح المؤلف اشتراط الإشهاد على الطلاق رای مایا 
لقوله تعالى: إا بشن أملهن اكه بمعروفي أو فارقوشن بمغروفي بمعروفی وشوا ذو مدل 
ک4 [الطلق: ۲] انعا ل اوی تفر ما الآية عن ابن عباس وعطاء 
والسدي بأنه الإشهاد على الطلاق والرجعة» فقول محدث يغخضب جماعة السنة من 
غير أن يرضى جميع الإمامية» ولا شك أن آية الإشهاد دُكرت بعد الأمر بالتخيير بين 
الإمساك والمفارقة» فسبيل الأمر بالإشهاد كسبيل الأمر بالإمساك والمفارقة» ولو كان 
الأمر للوجوب لذكر الإشهاد قبل قوله تعالى: ولك حدوة ألم . . .4 [البَمَرَة: ]۲١١‏ 
على أنه لا يوجد رأي أسخف من جعل الإشهاد شرطاً في صحة الطلاق على تقدير 
القول ببطلان الطلاق في حالة الحيض لأن الشهود لا يمكنهم أن يشهدوا بأن الطلاق 
وقع في حالة الطهر من حيث أنه لا يعرف إلا من جهة المرأة وأما إذا اكتفى في 
الشهادة بمجرد الشهادة على إيقاع الطلاق فقول المرأة «إن الطلاق كان في الحيض» 
يهدر قول المطلق وشهادة الشهود جميعاً فيعيد الرجل الطلاق إلى أن تعترف المرأة بأن 
الطلاق وقع في الطهرء فيطول أمد النفقة على الرجل وهو مصمم على الطلاق وفي 
ذلك عدوان وأي عدوان» وإذا عاشرها وهو يعلم أنه كان طلّقها في ثلاثة أطهار› 
عاشرها معاشرة غير شرعية لا يثبت معها نسب ولا إرث في نفس الأمر» وقبول قول 
المرأة فميا لا يعرف إلا من جهتها مقصور على ما يخصها فتعدية ذلك للآخرين تعد 
يأباه الشرع» وجعل القول للرجل فيما لا يعرف إلا من جهة المرأة تفقه طريف في 
صدد التخلص من تلك الشناعة وأين موضع استنباط ذلك من الكتاب والسنة؟ يا من 
لا يزداد إلا تمسكاً بهما في زعمه كلما ازداد بُعداً عنهما في الحقيقة! 

فالإمساك هو الرجعة» والمفارقة تركها وشأنها حتى تنقضي عدتها لا الطلاق 
نفسه حتى يلاحظ الإشهاد عليه ولم يذكر الإشهاد إلا عند ذكر الإمساك والمفارقة 
فبالنظر إلى أن الرجعة إليهاء وتركها وشأنها حتى تنقضي عدتهاء حقان متمحضان 
للزوج فقط لا يشترط في صحتهما الإشهاد كما لا يشترط الإشهاد في صحة الطلاق 
بل لو كان المراد الإشهاد على الطلاق مياشرة لذكر الإشهاد عقب رقوش 
[الطلاق: ]١‏ قبل المضي فيما يترتب على الطلاق من إحصاء العدة وإقامة المطلقة في 
البيت إلى آخر ما ذكر فيكون حمل الآية على الإشهاد على الطلاق إقحاماً للشيء في 
غير محله» وهذا مما تأباه بلاغة القرآن. 


۸۰ الإشفاق على أحكام الطلاق 


وما يروى عن هؤلاء في تفسير الآية ليس فيه ما يدل على الاشتراط مع ما في 
أسانيده من الكلام كما أنه ليس في الآية ما يدل على الاشتراط بإحدى الدلالات 
المعتبرة عند أهل الاستنباط» ومجرد ذكر آية الإشهاد بعد آية الإمساك والمفارقة - لا 
الطلاق - بعيد عن الدلالة على اشتراط الإشهاد في شيء منهاء بل فيها إرشاد إلى 
طريق إبانة الحجة فيما يمكن أن يكون عرضة لاإنكار من تلك الأمور» بل الذي يظهر 
لمن تبضر في الآية ولاحظ سباقها وسياقها أنها تشير إلى الإشهاد على أداء ما على 
الزوج من حق مطلقته عند انتهاء العدة لأن المفارقة بمعروف هي أداء حقها قبله عند 
انقضاء العدة ويكون الإشهاد على هذا بمنزلة الإشهاد على الطلاق لأن هذا مترتب 
على ذاك وهو ظاهر ويكون الأمر بالإشهاد لمجرد التمكين من إثبات أنه دى ما عليه 
ولا دخل له في صحة الطلاق أصلاً. 

فتبين مما ذكرناه أن القول بالاشتراط رأي محض من غير كتاب» ولا سنة› ولا 
إجماع» ولا قياس» وليس أحد يقول في الوصية في السفر أو المداينة أو المبايعة أو 
رد الأموال إلى اليتامى» أنها تبطل إذا أهمل الإشهاد فيها بتصادق أهل الشأن فيها مع 
قيام نصوص الإشهاد فيهاء بل عد الأمر بالإشهاد عليها لمجرد الإرشاد إلى طريق 
إقامة الحجة عند التجاحد. 

ولم يرد في القرآن ذكر لاشتراط الإشهاد في النكاح مع خطورة أمره» فكيف 
يعد الطلاق والرجعة أخطر منه؟! وإنما جرى أكثر الأئمة على الإشهاد في النكاح 
لورود الاشتراط في السنة. 

أما الطلاق فلم يشترط أحد منهم الإشهاد وإن روي اشتراط الإشهاد في صحة 
الرجعة عن بعضهم» على أنه قلما يتصور التجاحد في الرجعة. قال أبو بكر الرازي 
الجصاص : ولا نعلم بين أهل العلم خلافاً في صحة وقوع الرجعة بغير شهود إلا شيئاً 
یروی عن عطاء» فإِن سفیان روی عن ابن جريح عن عطاء أنه قال: «الطلاق» 
والنكاح» والرجعة» بالبينة» وهذا محمول على أنه مأمور بالإشهاد على ذلك احتياطاًء 
وحذراً من التجاحد» لا على أن الرجعة لا تصح بغير شهود ألا ترى أنه ذكر الطلاق 
معهاء ولا يشك أحد في وقوع الطلاق بغير بينة» وقد روى شعبة عن مطر الوراق عن 
عطاء» والحكم أنهما قالا: إذا غشيها في العدة فاه رجعة ا وق ذل خر 
تعالى: لساك تروف [البَمَرَة: ]۲۲١‏ على أن الجماع رجعة وهو ظاهر من 
الإمساك» فكيف يمكن الإشهاد على الغشيان لو لم يرد عطاء ما ذكره الجصاص. وأما 
ما يروى عن بعضهم من الإشهاد على المراجعة» فإنما هو إشهاد على الإقرار 
بالمراجعة لا على المراجعة نفسها كما يظهر بالتأمل. 


الإشفاق على أحكام الطلاق ۸۱ 


فإذا قرر من غير حجة عدم الاعتداد بالطلاق الذي لم يقع الإشهاد عليه عند 
القاضي أو نائبه أو الشهود» فهناك اختلاط أنساب» وقضاء على جميع أنواع الطلاق 
السابق ذكرها من سني وبدعي ومجموع ومفرق» نسأل الله السلامة. 


دعوى بطلان الرجعة عند قصد المضارة 
وأما اقتراح مؤلف الرسالة: الحكم ببطلان الرجعة إذا كانت للمضارة فقول بما 
لم يقله أحد من الأئمة المتبوعين لا من الصحابة» ولا من التابعين» ولا من تابعيهم» 
على أنه من أين يهتدي الحاكم إلى أن من راجع أراد بمراجعته المضارة حتى يحكم 
على مراجعته بالبطلان إلا إذا كان يشق قلبه أو يستند في حكمه على الخطرات 
والوساوس. 
والكتاب ينطق بصحة المراجعة مع قصد المضارة» حيث يقول: ولا يکش 


AERA 


ر نمدا ومن ينمل ذلك فد عل فة [البَقَرَة: ]۲۳١‏ ولو لم تصح المراجعة مع 
قصد الاعتداء لما كان متصوراً أن يكون الزوج ظالماً لنفسه بهذا العمل الذي لم يترتب 
عليه أثر. ومؤلف الرسالة كثيراً ما يلهج في رسالته» بأن الطلاق قد جعل بيد الرجل» 
مع أن حكم التعاقدء يستلزم أن يكون إنهاء العقد بيديهما جميعاًء وهو يحاول أن يبني 
على ذلك قصوراً وعلالي أو يمهد السبيل لما يدور في خلده أن يقترحه» وقد سبق 
منا في صدر الكتاب هد هذا الأساس الواهن» وتخييب آمال بناء شيء عليه. ولم 
أنشط لتعقب باقي سفاسفه لقلة خطرهاء وظهور سقوطها. 


كلمة ختام 


وآخر ما ألفت إليه النظر عند اختتام هذه الأبحاث»ء أن التجديد في أحكام 
النكاح والطلاق وسائر أحكام الشرع بين حين وآخر أمر ميسور جداً لمن توفرت عنده 
ثلاثة شروط وهي انسحاب واعظ الله من القلب» والجهل بمدارك الأئمة وبأدلتهم في 
أحكام الشرع» ومناطحة السحاب غطرسة وإعجاباً بالنفس. لكن هذا التجديد ليس مما 
يرقي الأمة إلى مستوى الأمم الراقية الرشيدة» ولا هو مما يجعل للأمة طيارات» ولا 
سيارات» ولا أساطيل» ولا غواصات» ولا متاجر ولا دور صناعات. وإنما التجديد 
النافع في إرقاء الأمة هو السباق مع الأمم الرشيدة في اكتشاف أسرار هذا الكون» 
وتعرف القوى الكامنة التي أودعها الله سبحانه في المعادن» والنباتات» والحيوانات 
وغيرها» ومعرفة طرق استخدامها في إعلاء كلمة الله وفي مصالح الأمة» والذود عن 
كيانها وما إلى ذلك» ومثل هذا التجديد لا يعارضه أحد أصلاً. وأما التجديد في 
أحكام الطلاق ونحوها فليس كذلك» فيجب أن يترك شرع الله مراعى الجانب مرعي 
الحدودء بعيداً عن التلبيس بهوى. ووصيتي إلى جميع المسلمين في أقطار الأرض إذا 
أرید تنفيذ أحكام بينهم على خلاف ما شرعه الله أن يبقوا متمسكين بشرع الله سبحانه 
في خاصة أنفسهم بدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وإن أفتاهم المفتون لا يضرم من 
صل إا همي4 [المائدة: .]٠٠١‏ 

وهنا انتهی ما قصدت تدوينه في هذه الأوراق» مما يتعلتق بأحكام الطلاق أسأل 
لله سبحانه أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم» وينقع به المسلمين» ربنا لا تزغ قلوبنا 
بعد إذ هديتناء وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب. وصلى الله على سيدنا 
ومنقذنا محمد سيد المرسلين وآله وصحبه أجمعين» والتابعين لهم بإحسان إلى يوم 
الدين» وآخر دعوانا أن الحمد به رب العالمين. 


YAY 


كلمة فى الإفتاء“ 


ذكر للإمام سفيان بن سعيد الثوري رضي الله عنه كثرة المحدثين في عصره 
فقال: إذا كثر الملاحون غرقت السفينة» وقل أنت كذلك عن كثرة المفتين في هذه 
الأيام. 


والصحابة رضي الله عنهم الذين شاهدوا التنزيل وتلقوا علم الدين من النبي يي 
مباشرة» كانوا يتهيبون الإفتاء ويحيل بعضهم على بعض الإجابة عن مسألة يسل هو 
عنها خوفاً من الزلل» وفي صحيح مسلم من حديث أبي المنهال أنه سأل زيد بن أرقم 
عن الصرف فقال سل البراء بن عازب فسأل البراء فقال سل زيداً «الحديث» وأخرج 
أبو محمد الرامهرمزي صاحب المحدث الفاصل عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أنه 
قال: لقد أدركت في هذا المسجد مائة وعشرين من الأنصار ما منهم أحد يحدّث إلا 
وذ أن أخاه كفاه الحديث» ولا يُسأل عن فتيا إلا ود أن أخاه كفاه الفتياء وأخرج أيضاً 
عن الشعبي أنه سئل كيف كنتم تصنعون إذا سئلتم؟ قال: على الخبير سقطت. كان 
إذا سئل الرجل قال لصاحبه: أفتهم» فلا یزال حتی یرجع إلى الأول. وقال أحد كبار 
الأئمة: لولا الفرق من الله من ضياع العلم لما أفتيت أحداً» يكون له الهناء وعلي 
الوزر. 

ولولا خوف السلف من إثم كتم العلم لما كانوا يتصدون لافتاء بالمرة» وفي 
هذا الصدد روايات كثيرة عن رجال الصدر الأول تدل على مبلغ احترازهم من تبعة 
الإفتاء» ولكن نرى الناس اليوم على خلاف ذلك يتزاحمون على الفتيا ويتسابقون في 
حمل التبعة فما من مجلة أو صحيفة في البلد إلا وفيها فتاوى عن مسائل» وكذلك 
ليس لطائفة اللامذهبية مجلس وعظ وتذكير إلا وفيه افتئات على الفتوى في التوحيد 
والفقه حتى إن الكاتب البسيط لا يرى بأساً في أن يفتي الناس في أعوص المسائل 


(۱) سبق نشرها في العدد ۲ سنة ٠١٠١‏ من مجلة الإسلام. 


YAY 


A4‏ الإشفاق على أحکام الطلاق 


وأکثرها تشعباً» وکفی أن تکون عنده فتاوی فرج الله الكردستاني أو الشيخ الحراني» 
فينقل منها صفحتين من بحث تعليق الطلاق مثلاً ويذيع ما فيهما في الصحف 
والمجلات بدون أن يشعر بحاجة إلى التأكد من مبلغ أمانة الطابع» ومن عدم تصرفه 
في نصوص الكتاب زيادة ونقصاً أو تصحيحاً على زعمه أو تصحيفاً أو متابعة للهوى» 
ولا إلى التحقق من درجة مطابقة ما في الكتاب للواقع وصدق مؤلفه وبُعده عن الزيغ 
والزلل فيما شذ به عن الجماعة. 

وتلك أمور قد يغلط في تحقيقها كبار أهل العلم فضلاً عن صغار أرباب القلم 
على أن اختلاف الفتيا من تلك المصادر المختلفة في مسألة واحدة باسم الشرع 
تصحيحاً وإبطالا وتحليلاً وتحريمأ يؤدي إلى تفرقة كلمة الشعب المتحد الأمن 
المطمثن بل إلى تهاونهم بأمر الشرع إلى أن تزول من قلوب الأمة مهابة الإفتاء وجلال 
الشرع وحرمة العلماء حتى إذا شاهد المسلمون في مشارق الأرض ومغاريها استمرار 
هذه الفوضی ربما يزول من صدورهم ما کانوا يحملونه بين جوانحهم نحو علماء مصر 
من الإجلال والإكبار والثقة والاعتماد. ويعز علينا أن نسمع هنا وهناك من أناس في 
حق أهل العلم: هؤلاء لا نسمع لهم ركزاً إلا عند قبض المرتب؛ أو مسايرة كل من 
هب ودب» لا في توحيد كلمة المسلمين والحيلولة دون تفرقهم شيعا وطوائف 
یتناحرون ویتنابذون بدل أن یکونوا إخواناً متعاضدین متناصرین متحابین . 

والله يعلم ماذا فقدت مصر من سمعتها العلمية في الخارج منذ مات شيخ فقهاء 
عصره الشيخ محمد بخيت رحمه الله وكان مرجع القضاة والعلماء في أقطار الأرض 
في حل مشكلاتهم فأي قاض أو فقيه إذا راجعه في مشكلة كان يجد الجواب بما يحل 
مشكلته على مذهبه حاضراً واصلاً إليه فيمضي القاضي القضاء» ويعمل المستفتي 
بالفتياء لأنه كان إذا نقض أوجع» وإذا أبرم أقنع» لسعة دائرة بحثه في فقه الاعب 
وطول ممارسته للمدارسة والقضاء والإفتاء» ومقدار ذلك العالم العالمي كان عندهم 

وإني أعرف من أفاضل القضاة من كان يراجعه فيما يستشكله من المسائل مع 
كونه ممن له غوص في الفقه ليتأكد مما فهمه من كتب الفقه» فيجد الجواب عن 
مسألته يصل إليه في مدة يسيرة» وبعد وفاته رحمه الله راجع ذلك القاضي» مصر على 
ما تعد في عهد الشيخ بخيت رحمه الله» فانتظر شهراً وشهرين وثلاثة أشهر إلى ستة 
أشهر بدون أن يصل إليه جواب عن مسألته» وكان يرجىء القضية إلى ورود الجواب 
إليه في قطر سوى قطر مصر» أهكذا يحافظ على زعامة العالم الإسلامي؟!! 


الإشفاق على أحکام الطلاق Ao‏ 


بل رأينا إفتاء صادراً من مصدر حقه أن يكون ملماً بوجوه الاختلاف في المسألة 
وبأدلة الجمهور فيها وبوجه سقوط تشغيب من شد فيهاء ينسب في ذلك الإفتاءء 
القول بخلاف ما عليه الجمهور إلى كثير من الصحابة والتابعين وفقهاء السلف اغتراراً 
بالفتاوى المذكورة» وتساهلاً في النقل» مع أن ذلك القول لا يثبت عن صحابي واحد 
ولا تابعي واحد ولا فقيه واحد من فقهاء السلف» فضلاً عن أن يثبت عن جمع 
منهم» بل المسألة إجماعية سلفاً وخلفاً» وجميع ما في الأمر أن ابن حزم حول في 
القرن الخامس قضاء علي كرّم الله وجهه بسبب الإكراه والاضطهاد إلى صورة الحنث 
بدون إكراه بقلة ورع» كما عمل مثل ذلك فيما يرويه عن طاوس خيانة في النقل» 
وكما حرف الكلم عن مواضعه في قضاء شريح مع أن نص الرواية «فلم يره حدثا» 
يدل على أنه كان يحكم بالوقوع لوعد ما فعله المعلق حدثاً. 

ففتيا ابن عمر»› وقضاء علي وهو يقول: «اضطهدتموه» وقول ابن مسعود» 
وعمل أبي ذر» وعمل الزبير رضي الله عنهم من غير أن يصح عن أحد من الصحابة 
خلاف ذلك» والإجماع المنقول عن فقهاء التابعين وتابعيهم بالنظر إلى فتاويهم المدونة 
في مصنف عبد الرزاق» ومصنف وكيع» ومصنف ابن أبي شيبة» وسنن سعيد بن 
منصور» وسنن البيهقي» وتمهيد ابن عبد البر واستذكاره وغيرهاء كل ذلك يقضي 
على تقولات الشذاذ من الظاهرية وأذنابهم في المسألة» ولا ينبغي لعالم أن يتكلم في 
مثل هذه المسألة بدون إطلاع على أمثال تلك الكتب (ومصنف ابن أبي شيبة في ثمانية 
مجلدات بمكتبة مراد ملا بالآستانة» وبها أيضاً مضنف عبد آلرازق. وآما التمهيد 
فشمانية مجلدات منه في مكتبة كوپريلي بالآستانة أيضأًء وبها تتم نسخة دار الكتب 
المصرية). 

وقد فضح أبو الحسن التقي السبكي في الدرة المضية خيانة صاحب الفتاوى 
المذكورة في نقوله من تلك الكتب» وفي مطالعة الدرة المضية فوائد ومتعة. 

ومصدر أقوال الصحابة والتابعين إنما هو أمثال تلك الكتب فمن عزا شيا إلى 
الصحابة والتابعين بدون أن يطلع على تلك الكتب يضع نفسه في موقف الخجل عند 
أهل العلم والسقوط من نظرهم» وما يجر ذلك من الويلات ظاهر مكشوف . 

فإذا تحداه أحد من أهل العلم» وقال: إنما السؤال عن الحكم الشرعي في 
المسألة على ما يراه الأئمة المجتهدون المعترف بإمامتهم عند الأمة لا عن القانون رقم 
كذاء ولا النظام تاريخ كذاء وإن كان من الضروري ذكر الصحابة والتابعين في المسألة 


۸ الإشفاق على أحكام الطلاق 


فأثبت عن صحابي واحد أو تابعي واحد رواية صحيحة صريحة توافق الرأي الشاذء 
من أحد كتب ال وقد أعفاك الله عن إثبات الرواية عن جمع من الأصحاب أو 
التابعين أو الفقهاء من بعدهم حتى تعذّر بعض عذر عند الناس - لا عند الله - في تأييد 
ما يخالف الإجماع المنقول في كتاب ابن المنذر وغيره» فيا ترى ماذا يكون جوابه 
سوی أن يعترف بالحق ويرجع عن فتياه» أو يغالط فيزداد سقوطاً أو ماذا كان يصنع؟ . 

وأما المستفتي فلا يخل من أن يكون من أتباع أحد الأئمة المتبوعين عند أهل 
السنة أو من فريق اللامذهبية» فإن كان من أتباع الأئمة المتبوعين» فإن كان مالكياًء أو 
شافعياًء مثلاً فإنما يفتي بالقول الصحيح المفتى به في مذهبه قولاً واحداً» بدون ذكر 
اختلاف» لأن من المعلوم أن بيان الخلاف في جواب المستفتي لا يفيده سوى 
الحيرة» مع أن الإفتاء لأجل التخليص من الحيرة» لا لأجل الإيقاع في زيادة الحيرة» 
كما نص على ذلك علماء المذاهب في كتب رسم المفتي وأدب القضاء» فلا يجوز 
للمفتي أن يقول له: فيه قولان عن الشافعي» وفيه قول قديم وقول حديث» أو فيه 
ست روايات عن مالك بطريق ابن القاسم» وأشهب» وابن الماجشون» والليثي› 
وعبد الملك بن حبيب» والعتبي مثلاًء أو فيه خمسة أقوال في مذهب أبي حنيفة ظاهر 
الرواية» وغير ظاهر الرواية» وقول أبي يوسف» وقول محمد» وقول زفر» أو فيه 
عشر روايات عن أحمد في الرعاية الكبرى» فإن أصحاب هؤلاء الأئمة قد محصوا 
الصحيح في مذاهبهم مدى القرون» وعيّنوا قولاً واحداً للإفتاء في كل مذهب» فليس 
للمفتي المقلد إلا أن يراجع الكتب المعتمدة عندهم» فيفتي بالقول الصحيح في 
المسالةء 

وأما القول بأن في «عليّ الطلاق إن فعلت كذا» قولين في مذهب الحنفية مثلاً 
اغتراراً بمشل قول أبي السعود العمادي ومن تابعه من المتأخرين الذين لا تلحق أقوالهم 
بالمذهب باعتبار طبقتهم» فليس من شأن الفقيه الباحث» وإن غلط الشيخ بخيت 
رحمه الله في تأييد هذا القول الذي ليس من المذهب في شيء حتى أف رسالة فيه 
لكن قوله هذا كقوله في التصوير الشمسي مغمور في زاخر صوابه سامحه الله . 


وأي عربي لا يفهم من «عليّ الطلاق» طلاق امرأة المتكلم ولا يعتبر اللام تغني 
غناء الإضافة النحوية؟ وهذا على بُعده عن الذوق العربي بعيد عن النقل بعيد عن 
المذهب. وأين هذا في كتب ظاهر الرواية» أو النوادر أو النوازل التي أفتى فيها 
مشايخ المذهب؟ 


الإشفاق على آحکام الطلاق FAV‏ 


ولسنا في حاجة الآن إلى بيان أنواع الضعف الموجودة في معروضات أبي 
السعود أو فتاويه المستضعفة مدى القرون عند فقهاء دار الإفتاء التي كان هو تولى 
رئاستها في حين من الدهر. 

وأما إن كان المستفتي من طائفة اللامذهبية فلهم طوائف شتى في البلد منهم من 
ينشر الإباحة باسم التصوف» ومنهم من يذيع التجسيم باسم السلف» ومنهم من 
يحاول بعث المذهب الإسماعيلي من مقبره باسم الحديث»› ومنهم من يتوقح إلى حد 
أن يحاول مزاحمة النبي بيه في وحيه باسم السنة» وكل هؤلاء اتفقوا على ألا يتفقوا 
في شيء إلا في الخروج على الأئمة ونبذ التمذهب» فلا أظن أن مذاهبهم من 
المذاهب المعترف بها حتى يعتبر لهم مصدر إفتاء خاص بل إذا لم يستأصل أهل 
الشأن شأفتهم قبل أن يكون قطرهم سيلا وتركوهم وشأنهم إلى أن يستفحل أمرهم» 
ويستشري شرهم فلا شك أن القطر الآمن - لا قدر الله - يكون عرضة لما لا تُحمد 
عقباه إلا إذا قامت كبار العلماء بواجبهم من الآن ومنعوا المتطفلين على الإفتاء من 
الإفتاء» وأرجعوا بحكمتهم دعاة تلك النحل الحديثة الممجوجة إلى صوابهم وقطعوا 
قول القائلين: أما لهذه الفوضى في الإفتاء» ولهذا التغاضي عن إحداث نحل جديدة 
في الإسلام من آخر؟ 

محمد زاهد الكوثري 


قصيدة أهداها إلى الكتاب 


عالم أزهري علي القدر ممن ألين له نحت القوافي 


تحيةللكوثري 
كم من صد أعجزه 
a T EE‏ 

E EE E E EE 
ذادبهغن الهمدى‎ 
حمی حماه عن هوی‎ 


أهدى عقود الجوهر 
بل الصدىمن‌ئنهر 

ابورودالكوثر 
بالوذعي عبقري 
وأهله في الأععصر 
من يفتري أويجتري 
في ذا الزمان الأغغبر 


ولميكنمنهاولا قلامةمنظفر 
نكو و10 سواه كق 
يصح به-أطرق كرا ذلكمالليث الجري 
لاغروفهوالألمعي الزاهدبن الكوثري 
HF ê‏ 
وک ع و داواي 
يسن بة قامراق الىمهن يدان الأزقري 
تیب قفشل اشقة E EE E‏ 


والله يؤتي من يش ا 


ءَۋ ف لةب قلر 


(۱) ليس في هذه الأبيات عيب الإيطاء لكفاية التغاير بالتعريف والتنكير كما لا يخفى على من له 
إلمام بعلم القافية. 


1۸۹ 


1۹ 


قصيدة أهداها إلى الكتاب عالم أزهري علي القدر ممن ألين له نحت القوافي 


قایس یاقا أن پو 


ولج اتر اعيا 


E E N E 

وليس بالمستنك 
و 
وهو بالسبق حري 
NK EE A‏ 
کوٹرهولیشکر 
شاكرةللكوثري 
ترىعقودجوهر 
أولم تكن للبحتري 
أزهري 


الخ المنبففۃ 
تق رال م یتین 


2 


50 ص 0 A,‏ 
دن ارتام رع ارت افع ایا ی رلفز ری 


لتر نة ۴٣۷۷ص‏ 
ق 
2 اص م بے اوه رر و 2 
ادام درم سی کرک طز کسر ای کروی 


2 
لتر 


اتر غ۷ ھر 


ب را اکر ایت ار 


كلمة عن هذا الكتاب النافع ومۇلفە البارع 

الحمد لله الذي فقّه في الدين من أراد به خيراًء ووفقه لخدمة شرعه الأغر سراً 
وجهراًء والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه الذين لا يعصون له أمراً. 

أما بعد فإن الفقه الإسلامي تراث فاخر لهذه الأمة» تستغني به عن الأحكام 
الوضعية» في إصلاح شؤونهم الدينية والدنيوية» ومن أعرض عنه ومال إلى أوضاع 
الناس في تقويم الأود» وانتظر منها المدد» فهو في سبيل القضاء على العزة الإسلامية 
بسعيه في الابتعاد عن الأحكام الشرعية المستنبطة من الكتاب والسنة» فتكون عاقبة 
أمره وضع رقاب المسلمين تحت نير المستعبدين واندماجهم في أمة» لا ترعى لهذه 
الأمة إلا ولا ذمة. 

ومنا جزيل الشكر لأئمة الفقه المتبوعين رضي الله عنهم» على تناصرهم في 
استنباط الأحكام العملية. من الكتاب الكريم والسنة النبوية» حيث مهّدوا قواعد 
الاستنباط والفهم» وملأوا العالم بدواوينهم في العلم» وخلفهم فقهاء أصفياء يسيرون 
على مهيعهم الرشيد» ومنهجهم السديد» فخلّدوا كتباً فاخرة» وعلوماً زاخرة» 
مشكورين في الدنيا والآآخرة. 

ثم أخذ التنافس مجراه» وبدأ المغالبون يتيهون في كل متاه إلى أن وصل الأمر 
إلى حد التحرّب والتعصب» وتحرّى وجوه التغلب» فألف مؤلفون يغلب عليهم 
الجدل» كتباً ورسائل في المفاضلة بين الأئمة على دخل وترجيح بعض المذاهب على 
بعضها في غير اتزان» بل بنوع من العدوان» غير منتبهين إلى أن ذلك من مكايد 
الشيطان. وانبرى آخرون للذب والانتصارء فالتوسل في ذلك بالأكاذيب الملفقة شأن 
الفقهاء الأغرار. وأما المقارنة بين المسائل» والمقارعة بالدلائل فأمر نافع ينمي ملكة 
الفقه عند المحصلين› ويدرجهم على مدارج التفقه في الدين» فالفائدة في ذلك مؤكدة 

4۲ 


44 كلمة للكوتري عن كتاب الغرة المثيعة 


لأهل التحصيل بشرط أن لا يخرج المصاول أو المناضل عن جادة الصواب في النظر 
والتدليلء والأئمة وأنصارهم الأصفياء برآء من أن يوصموا بشيء من ذلك وإن قل 
ينهم من لا يخطىء بعض إخطاء. 

وقد أف آبو عبد الله محمد بن يحيى بن مهدي الجرجاني - شيخ أبي الحسين 
القدوري - كتاباً في ترجيح مذهبه» وقام أبو منصور عبد القاهر البغدادي بنقضه في 
كتاب خاص بني على مشربه» ومع جلالة قدر هذين العالمين لم يتمكنا من المضي 
على سبيل العدل في الأخذ والرد حتى قال ابن الصلاح فيهما بحق: «وكل واحد 
منهما لم یخلٌ کلامه من ادعاء ما لیس له» والتشنیع بما لا ژبه به مع وهم کثیر 
أتياه». وغاية ما يعتذر لهما أنهما كانا قصيري المدى في معرفة صحة الرواية في 
بحوثهما مع بالغ حب كل واحد منهما لمذهبه الخاص» والحب يعمي ويصم. ثم اتی 
الققال المروزي - شيخ والد ابن الجويني - وزاد في الطين بلةء ثم جرى ابن الجويني 
على منهجه في (مغيث الخلق) في عهد شبابه وتابعه الغزالي في منخوله في مدأ نشأته 
جدلياً عنيفاً إلى أن اعتدل عند تأليفه لإحياء العلوم. وقد رد على الغزالي شمس الأئمة 
الكردري محمد بن عبد الستار في كتاب (الرد على الطاعن المعثار والانتصار لإمام 
أئمة الأمصار) وقسا عليه" وإن أجاد في البحث معه في المسائل وتثبيت الدلائل. 
كما رذ على ابن الجويني والغزالي - في جملة من رذ عليهما - عماد الإسلام مسعود بن 
شيبة السندي في مقدمة كتاب التعليم له - وهي من محفوظات مكتبة الجزائر 
بالمغرب» ومكتبة شيخ الإسلام بالمدينة المنورة» ومكتبة لاللي بالأستانة» ومكتبة 
الأستاذ أحمد خيري بروضة خيري باشا بدسونس بمصر - ويظهر أن الإمام فخر الدين 
الرازي لم يطلع على كتب الدفاع» فألّف كتاب (مناقب الإمام الشافعي) رضي الله عنه 
وحشاه بأکاذیب عن كذبة معروفین جهلاً منه بأحوال هؤلاء» ومضی فيه على ما توارثه 
من أمثال القفال المروزي» وابن الجويني والغزالي من الذين عرفوا بقلة البضاعة في 
علوم الرواية» وإن كان بعضهم في علوم الجدل آية. كما ألّف باسم الأمير العالم 
بهاء الدين حاكم باميان المتوفى سنة ۲٠٠ه‏ (الطريقة البهائية) باللغة الفارسية ؛ يتحدث 
فيها عن نحو مائة وسبعين مسألة فرعية للحنفية خالفهم فيها الشافعية فناصر الرازي 
أهل مذهبه فيها بأدلة سردها وأنظار بسطها هناك تدليلاً على أن مذهب الشافعي 
رضي الله عنه أحتق بالاتباع دون مذهب أبي حنيفة لمناقضته لتلك الأدلةء لكن فاته أن 


(۱) وكان الترفق به أحكم لكن يقال إن الجزاء من جنس العمل (ز). 


كلمة للكوثري عن كتاب الغرّة المنيفة 40 


الخطا في بعض المسائل على تقدير التسليم لا يوجب أن يكون باقي المسائل خطاً 
منبوذاً» لأن الاستدلال بالجزئي على الكلي ليس من منطق النظار» فكيف والخطأً في 
تلك المسائل غير مسلم. 

وقد اختط الرازي لنفسه في تفسيره خطة الرد على أبي حنيفة في كل خطوة لكن 
تعقبه الألوسي في تفسيره رداً عليه في كل مرحلة . 

ثم إن الإمام فخر الدين له فضل جسيم في قمع المجسمة في هراة وما والاها 
بتحقيقاته ومؤلفاته في التنزيه» كما أن له هة مشكورة بتأليف (أساس التقديس) وبعثه 
به إلى الملك الأشرف الأيوبي بالشام وكان له أثر حميد في وقف الحشوية هناك عند 

وله آثار خالدة في علم التوحيد ومناصرة مذهب الأشعري في المعتقد إلا أن له 
انفرادات غير مرضية عند الآخرين وإن تابعه بعض متأخري الأشاعرة فيها كالتصريح 
بكون العبد مجبوراً في صورة مختار على طبق ما ذكره ابن سينا في التعليقات» وليس 
هذا من مذهب الأشعري في شيء» وكادعاء أن صفات الله ممكنات في ذاتها 
وواجبات بالغير» وكقوله في تهوين أمر القول بقدم العالم على مذهب الفلاسفة في 
(المطالب العالية) فإذا كان له أغلاط في العلم الذي أفنى فيه عمره فلا يستغرب أن 
يغلط في علوم عرف بقلة البضاعة فيهاء بل كتبه في الفلسفة لقيت انتقادا مريرا من 
فلاسفة الإسلام. قال الشمس الشهرزوري ذلك الحكيم الإشراقي في (نزهة الأرواح): 
«وله مؤلفات في أكثر العلوم إلا أنه لا يذكر في زمرة الحكماء المحققين» ولا يعد في 
الرعيل الأول من المدققين» أو رد على الحكماء شكوكاً كثيرة وسيبهاء وما قدر أن 
يتخلص منهاء وأكثر من جاء بعده ضل بسببهاء وما قدر على التخلص منهاء وبعضهم 
زاد عليها أيضاً. ووجه صعوبة حلها عدم فهمهم مقاصد الحكماء الأقدمين» وبناء 
البحوث على تقرير قواعد المشائين التي هي عند حكماء الكشف والذوق متزلزلة 
الأركان» واهية البنيان». 

تراه يحاول إبطال الجزء الذي لا يتجزأً ببراهين يسردها في كتاب له» ثم تراه 
یحاول إثباته ببراهین أآخری في کتاب له آخر» وربما يخالف المتكلمين والفلاسفة في آن 
واحد» كما فعل في العلم بالنتيجة حيث اذعى لزومه للعلم بالمقدمتين لزوماً عقلاً لا 
بطريق الإعداد كما هو عند الفلاسفة ولا بطريق التوليد كما هو عند المعتزلةء ولا بطريق 
السببية العادية كما هو عند أهل السنة» وظاهرة وجوب العلم بالنتيجة بخلق الله سبحانه 


141 كلمة للكوثري عن كتاب الغرة المنيفة 


فيؤدي إلى وجوب شيء على الله على خلاف معتقد أهل الحق» والتملص من ذلك 
باعتبار أن الملزوم هنا غير واجب حتى يلزم وجوب لازمه عنده لأن الوجوب مع الإرادة 
لا ينافي اختيار المختار وقدرته بل يحققه فخلق الله علم العبد بالمقدمتين يكون عن 
اختیار منه تعالی لخلقه» وکسب العبد ذلك العلم یکون أیضاً عن کسب منه باختیاره 
فليس بواجب على الله أن يخلتق ذلك العلمء بل إذا شاء خلقه وإذا شاء لم يخلقه» وكذا 
لیس بواجب على العبد کسبه» بل إذا شاء کسبه بإذنه تعالی» وإذا شاء ترکه پإذنه فیکون 
العلم بالنتيجة المترتب على العلم بالمقدمتين اختيارياً مثله باعتبار تمكن المختار قبل 
اختياره من أن لا يختار ذلك العلم» وها ظاهر. ونال ابن كثير من الرازي نيلا لا يبرره 
الواقع إخداعاً منه بما كانت الكرامية يذيعون عنه بحملاته عليهم ووجد ذلك هوى في 
نفس ابن كثير - تلميذ ابن تيمية في المعتقد - فأساء القول فيه . 

ومنزلته لدى ملوك خوارزم وملوك الدولة الغورية والباميانية مبسوطة في موضعه 
توفي يوم الاثنين غرَة شوال سنة ٠٠٦‏ عن ٠۳‏ سنة» رضي الله عنه. وقد نال ثروة 
هائلة بتزوج ابنيه لبنتي طبيب» كما في تاريخ ابن خلکان» وأحد ابنيه انخرط في سلك 
الجيش الخوارزمي في عهد محمد بن تكش»› وابنه الآخر بقي واعظاً غير كبير الشأن 
في العلم» وابنه محمد الذي كان الرازي يؤلف باسمه الكتب توفي وهو في ريعان 
الشباب ونفى ابن حجر في المجمع المؤسس أن يكون للرازي ولد ذكر هفوة باردة. 

والمذهب الذي كان الرازي يحرص عليه كل الحرص لم تحافظ عليه ذريته بل 
تحلفوا ونبغ فيهم أفاضل في الدولتين السلجوقية والعثمانية» فالجمال محمد الأقسرائي 
شارح الإيضاح والموجز» ومصنفك علي بن محمد صاحب المؤلفات الكثيرة منذ 
صغره: منها شرح أصول البزدوي» وعلي بن أحمد علاء الدين الجمالي شيخ الإسلام 
المعروف (بزنبيللي علي أفندي) في الدولة العشمانية وأنسالهم كلهم حنفيون» ولهم 
مؤلفات معروفة في المذهب» ولعل الفخر سامحهم على انتقالهم من المذهب 
المرضي عنده» بل لا غضاضة في ذلك لأن إمامه نفسه كان جل تفقهه على محمد بن 
الحسن صاحب أبي حنيفة رضي الله عنهم أجمعين . 


وقد طلب الأمير العالم صرغتمش الناصري”“ المصري من السراج عمر بن 


(۱) كان أميراً عالماً يدر كل خير على العلماء ليتفرغوا لخدمة العلم كما فعل مع الكاكي والإتقاني 
والمؤلف وغيرهم وإن كان لا يقع هذا موقع الرضى عند عصية التعصب سامحهم الله تعالى (ز) . 


كلمة للكوثري عن كتاب الغرّة المنيفة 14۷ 


إسحاق الغزنوي الهندي قاضي القضاة بمصر المتوفى بها سنة ۷۷۳ه المترجم له في 
طبقات التميمي أن يترجم (الطريقة البهائية) للرازي إلى اللغة العربية مع ذكر حجج 
تنقض حجج الأصل آثاراً كانت أو أنظاراًء فألّف السراج الهندي (الغرّة المنيفة)› 
في مناصرة أبي حنيفة في تلك المسائل فأصبح التوفيق حليفه في هذه المكافحة العلمية 
البديعة لسعة دائرة السراج الغزنوي علماً بالآثار» وطرق النظر واختلاف المذاهب وأدلة 
الفقه على اختلاف المشارب ولتفرغه لعلم الأصول والفروع وأدلة الأحكام مع ذكاء 
بالغ ودقة في الفهم» وغوص في حقائق العلم. 

وأما الفخر فكانت مواهبه توزعت على شتى العلوم» وقد صرف جل عمره إلى 
علوم الفلسفة والكلام ونحو ذلك» واشتغاله بالفقه على مذهبه قليل فضلاً عن باقي 
المذاهب» ولا شأن له في نقد الحديث ومعرفة الرجال والتاريخ واختلاف الفقهاءء 
ومغله يكون قليل الإصابة في مسائل الخلاف إذا خاض فيهاء بخلاف السراج الغزنوي 
فإن له مؤلفات كثيرة في الفقه وأصوله على المذاهب فضلاً عن مذهبه. 

ومن الدليل على سعة علمه بأحاديث الأحكام شرحاه على الهداية» وقد ملأهما 
حججاً وآثارأً» وشروحه على الجامع الكبير والمختار والزيادات والهداية شروح نافعة 
للغاية كما أن شروحه على البديم» والمغني» والمنار في الأصول كذلك» وكتابه في 
الفروع المسمى بالشامل على طبق اسمه» وزبدة الأحكام في مذاهب الأئمة الأعلام 
تعطي صورة صادقة عن اختلاف الأئمة الأربعة في أبواب الفقه. 

وطريقته في هذا الكتاب في غاية الجمال والكمال» لا تراه ينزلق في مزالق 
الإساءة في القول مهما استفرّه مناظره» وهذا دليل على استبحاره في العلم وأدبه الجم 
في المناظرة التي لا يراد منها إلا تبيين الصواب من الخطاً في هدوء ورفق؛ يسرد 
حجج الرازي باستيفاء ثم يكر عليها بالرد قارعاً الآثار بالآثار والأنظار بالأنظار» فتكون 
فائدة المتفقه من ذلك كثيرة حيث يتدرب على طرق الأخذ والرد في مسائل اعتركت 
فيها آراء النظار» وليس الخبر كالمعاينة. 

ومنا عظيم الشكر باسم العلم لسيادة الأستاذ البحاثة المتحري» العالم الوجيه 
السري» السيد الحاج أحمد خيري بك الموقر حفظه الله» فإنه ظفر بكتاب (الغرَّة 
المنيفة) في مناصرة أبي حنيفة في مكتبة شيخ الإسلام بالمدينة المنورة فاستنسخه في 


(1) ونسخة الآصفية في حيدرآباد الدكن بلفظ «الغرر المنيفة؟ (ز). 


1۹۸ كلمة للكوثري عن كتاب الغرّة المنيفة 


عداد الكتب التي وقع اختياره عليها واستنسخها لأجل خزانته العامرة على حسابه 
الخاص» ثم قام بتصحيح الكتاب أتم قيام لسقم النسخة المنقول عنهاء ولم يدع فيه 
غلطة ولا تصحيفاً ولا تحريفا ولا إسقاطا ولا مخالفة للرسم إلا ردها إلى صوابها 
وتولى الإنفاق على طبعها في عداد (سلسلة مطبوعات أحمد خيري)ء ولم يترك لي ما 
أصلحه سوى أشياء يسيرة. وله الأجر الموفور عند الله سبحانه على هذا الاهتمام 
البالغ في تصحيح الكتاب وعلى هذا الإنفاق بسعة في نشره وطبعه» وهكذا يكون 
القكز على نعم الله حقا. 

فأدعو الله سبحانه أن يطيل بقاء الأستاذ المفضال في خير وعافية موفقاً في تخير 
الكتب النافعة ونشرها في عداد سلسلة مطبوعاته» وأن يرزقه أضعاف أضعاف ما ينفقه 
في هذا السبيل وأن يبارك له في جميع شؤونه إنه سميع مجيب. 

محمد زاهد الكوثري 
في ٠۲‏ ربيع الأول سنة ٠١۷١‏ 


Po 


یتر اکر ای ای در 


وصلی الله على سیدنا محمد وعلی آله وصحبه وسلّم . 

الحمد لله على آلائه» والشكر له على جزيل عطائه» وأفضل الصلاة والسلام 
على سيد أصفيائه» محمد أفضل الخليقة وخاتم أنبيائه» وعلى آله وأصحابه وأوليائه. 

وبعد: فقد شار إلى من طاعته قرض يلزمني أداؤه» وامتثاله فرض يجب علي 
قضاؤه. وهو الأمير الفاضل والكريم الباذل» مفخر الأمراء» كهف الفقراء» ذو 
الأخلاق المرضية» والأرصاف السنية» ولي الأيادي والنعم» صاحب السيف والقلم» 
المتعين بين أمثاله بمحبة العلم كالعلم» الأكبر الكبير صرغتمش” الملكي الناصري» 
نور الله بالعلوم النافعة بصيرته» وحسّن سیرته وسريرته» وأدام عليه نعمته وبهجته» 
وحرس من الآفات مهجته» وأبقاه في خير وعافية لأهله ومحبيه» ويبلغه من خيري 
الدنيا والآخرة ما يؤمله ويرتجيه» أن أترجم بالعربية كتاب الطريقة البهائية» الذي صتَفه 
الإمام فخر الدين الرازي" للسلطان المرحوم بهاء الدين" بالفارسية» وأزيد عليه 
دلائل وأجوبة من جانب الإمام الأعظم أبي حنيفة رضي الله عنه وأرضاه وجعل الجنة 
مثواه. فبادرت إلى امتثال أمره بالجد والهناء فجاء بحمد الله كما يرتضيه العلماءء 
ويثني عليه الفضلاء» وسميته (بالغرة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة) 
والله المستعان وعليه التكلان. 


(۱) المتوفى سنة .۷١۹‏ 
(۲) المتوفى سنة .1٠١‏ 
0 التوفى س .5١‏ 


كتاب الطهارة 


مسألة: يجوز إزالة النجاسة من البدن والثوب: بكل مائع طاهر يمكن إزالتها به 
كالخل وماء الورد عند أبي حنيفة رضي الله عنه"“ وهو إحدى الروايتين عن أبي 
يوسف رحمه الله» وقال الشافعي رضي الله عنه: لا يجوز إلا بالماء» وهو قول محمد 


رحمه الله . 


حجة أبي حنيفة رضي الله عنه من وجوه: 

الأول: ما روى مجاهد عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «ما كان لإحدانا 
آل وب خی فج فاا اانه سي ۶ ن دم قالت: بريقها فمصعته بظفرهاء 
والمصع: الحك بالظفر لاستخراج الدم فإذا زالت النجاسة بالريق فبالخل وماء الورد 
أولى . أخرجه البخاري» وفي رواية الترمذي: «فإن أصابه شيء من دم بلته بريقها ثم 
قصعته» القصع : هو الدلك». 

الثاني : قوله تعالى: ريك َر @) [المدئر: ]٤‏ فإنه مطلق فمن قيد بالماء 
فقد زاد على النص من غير دليل . 

الثالث: قوله بل: «إذا ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه سبع مرات» أمر بالغسل 
مطلقا فيجري على إطلاقه» والخسل غير مختص بالماء. 

قال الشاعر: 

فيا حسنها إذ يغسل الدمع كحلها 

الرابع: ما رواه ابو داود عن بکار بن یحیی قال: «حدثتني جدتي» قالت: 
دخلت على أم سلمة رضي الله عنها زوج النبي بي فسألتها امرأة من قريش عن 
الصلاة فى ثوب الحائض» فقالت: قد كان يصيبنا الحيض على عهد رسول الله يا 
فتلبث إحدانا أيام حيضهاء ثم تطهر فتنظر الثوب الذي كانت تلتف فيه فإن أصابه دم 
غسلناه وصلينا فيه» وإن لم يكن أصابه شيء تركناه ولم يمنعنا ذلك أن نصلي فيه . 
فقول أم سلمة غسلناه مطلق غير مقيد بالماء فيجري على إطلاقه كما مر. 


() ومعه في ذلك داود الأصبهاني شيخ الظاهرية. ومن أبى ذلك كان أكثر جموداً من الظاهرية. 
راجع إحقاق الحق (۲۸) (ز). 


۳۰1 


۳۲ الغرّة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة 

الخامس: دلالة النص وهو أنه لما زالت النجاسة بالماء فبالخل وماء الورد 
أولى» لأن تأثير الخل في قلع النجاسة أكثر لأنه قالع للأثر وماء الورد مذهب للرائحة 
الكريهة. 

السادس: القياس: وهو أن المائع قالع للنجاسة والطهورية بعلة القلع وإزالة 
النجاسة المجاورة إذ الوب كان طاهراً قبل إصابة النجاسة» وإزالة النجاسة كما تحصل 
بالماء تحصل بسائر المائعات المزيلة لهاء فإذا زالت النجاسة بقي الثوب طاهراًء ولهذا 
لو قطع موضع النجاسة بالمقراض طهر الثوب. 
حجة الشافعي رضي الله عنه من وجوه: 

الأول: إن النبي ية كان يغسل ثيابه بالماء ولم ينقل عنه أنه بي غسلها بالخل 
ومتابعته واجبة» لقوله تعالى: ابعر [الأنعام: ]٠١١‏ فلزم على الأمة غسل الثوب 
بالماء دون الخل. 


الجواب عنه: إن النبي ب إنما غسل الثياب بالماء لكثرته وسهولة إصابته» وقلة 
الخل وماء الورد فلا يدل على عدم جواز الخسل بغيره إن لم يمنع عن ذلك بل أمره 
بالغسل مطلقاً كما مر» ونحن نتبعه حيث نجوز إزالة النجاسة بالماء مع الزيادة» وإنما 
تلزم المخالفة لو منع عن الإزالة بغير الماء ولم ينقل ذلك. 

الثاني : ما أخرجه الترمذي عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها أن امرأة 
سألت النبي بل عن الثوب يصيبه الدم من الحيض» فقال النبي بيا: «حتيه ثم اقرصيه 
ثم اغسليه بالماء» قيد غسل الثوب بالماء فلا يجوز بغيره. 

الجواب عنه: إن ذكر الماء لا يدل على نفي ما عداه فإن مفهوم اللقب ليس 
بحجة بالاتفاق» وقد جاز الاستنجاء بغير الأحجار اتفاقاً مع التقييد بالأحجار» في 
قوله ا : «فليستنج بثلائة أحجار» على أن ذكر الماء خرج مخرج الغالب لا مخرج 
الشرط والصفةء فإذا خرجت مخرج الغالب لا يقتضي النفي عما عداهاء كما في قوله 
تعالی : رربم تى في حجرركم) [الساء: ]۲١‏ فاسم الجنس أوفى. 

الثالث: إن الثوب إذا تنجس يبقى نجساً إلى وجود استعمال المطهر» والمطهرية 
حكم شرعي فلا يعرف إلا منه» ولم يرد في الشرع الأمر إلا بمطهرية الماءء قال 
تعالى : لتا ِن لسم ما طهوا) [الفُرقان: ]٤۸‏ ولم يقل خلاً طهوراًء فظهر أنه 
لا يطهر الثوب إلا الماء. 


الغْرة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة 

فالجواب عنه: كما مر من أن ذكر الشيء لا يدل على نفي ما عداه» وأن ذكر 
الماء خرج مخرج الغالب. 

الرابع : إن في غسل النجاسة بالخل وماء الورد إضاعة المال» وهو منهي عنه 
لقوله ية : «نهى عن إضاعة المال؟. 

الجواب عنه: إنما كان إضاعة لو استعمل بلا غرض» وأي غرض أعظم من 
حصول الطهارة» إذ لو لم نجوز إزالة النجاسة بالخل وماء الورد تلزم الصلاة مع 
النجاسة إذا لم يجد الماء وجد الخل لأجل إضاعة خل قيمته فليس" » على آنا 
نفرض المسألة في موضع يكون فيه أعز بحيث تكون قيمة قدح من الماء ألف قدح 
من الخل ففي هذه الصورة لو أوجبنا استعمال الماء كان إضاعة للمال على أن 
الإضاعة لا تقتضي عدم حصول الطهارة بعد زوال النجاسة كما في القطع بالمقراض . 

الخامس: إنه لو استعمل الخل في إزالة النجاسة يصير حراماً» وتحريم الطعام 
الطاهر لا يجوز لقوله تعالى: لر رم ب أل أله ك4 [التخريم: .]١‏ 

الجواب عنه: إن هذا بعينه وارد في الماء فإنه جاز استعماله وإن كان فيه تحريم 
الماء الطاهر» على أنه جاز ذلك لغرض صحيح كما بيا على أن النص ورد في تحريم 
النبي بلا مارية القبطية على نفسه» فالمراد من تحريم النبي بي غير ما ذكره. 

السادس: إن الطهارة عن النجاسة أقوى من الطهارة عن الحدث» لأن الأولى 
حقيقية» والثاني: حكمية وبالاتفاق لا يفيد الخل وماء الورد طهارة الحدث فلا يفيد 
أيضاً طهارة الخبث. 

الجواب عنه بالفرق بينهما وهو: إن النص جعل الماء مطهراً للحدث غير معقول 
المعنى» لأنه لا نجاسة على الأعضاء عيناً لتزول به» فيقتصر على ما ورد به الشع 
وهو الماء بخلاف النجاسة الحقيقية» فإن الإزالة ثمة معقولة وهي حاصلة بالمائعات 
أيضاًء ولم يذكر الإمام لأبي حنيفة إلا القياس. 

ثم قال: دلائلنا من النصوص» ودليلكم من القياس» والنص أولى منه ففي هذا 
القول قلة الإنصاف. وكثرة الاعتساف» فإن الدلائل المذكورة لنا أيضاً من النصوص› 


(۱) المراد من (فليس) بضم الفاء» وتصغير الفلس. 


r.4‏ الغرّة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة 
فإن لم يعلم بها فهو دليل على عدم إطلاعه على مدارك العلماءء فكيف تجزم بن 
دليلنا قياس فقط» وإن علم بها ولم يذكرها ترويجاً لدلائله الضعيفة فذلك أشنع فهو 
کما قیل : 
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم 
مسألة: الوضوء يجوز بدون النية عند الإمام أبي حنيفة وأصحابه رحمهم الله 
وعند الشافعي رحمه الله» لا يجوز بدونهما. 


حجة الإمام أبي حنبفة رضي الله عنه من وجوه: 

الأول: ما رواه مسلم عن أم سلمة رضي الله عنهاء أنها قالت: يا رسول الله 
إني امرأة أشد ضفر رأسي أفأنقضه لغسل الجنابة» فقال: «لا إنما سيكفيك أن تحثي 
على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضين الماء عليك فتطهرين» فما زاد على الجوب النية . 
وقد علمنا أنه عليه الصلاة والسلام أراد تعليمها صفة الخسل المجزي فلو كانت النية 
شرظا لعلا 

الثاني : إن اله تعالى أمر في آية الوضوء بغسل الأعضاء الثلاثة ومسح الرأس 
ولم يزد عليهاء فلو كانت النية شرطاً لذكرها. 

الثالث: إنه لو شرطنا النية في الوضوء والغسل» يلزم منه الزيادة على الكتاب 
بخبر الواحد وهو نسخ فلا يجوز. 

الرابع : إن النبي بل حين علّم الأعرابي أركان الوضوء لم يذكر فيها النية . 

الخامس: إن الماء خلق مطهراً طبعاًء فلا يحتاج التطهير إلى النية كما لا يحتاج 
في حصول الريي به إليها. 


حجة الإمام الشافعي رحمه الله من وجوه: 

الأول: قوله تعالی: اون اس لوشن إلا ما سی @4 [النجم: ۳۹] فإذا لم 
يقصد رفع الحدث لا یرتفع عنه. 

الجواب عنه: إن رفع الحدث بالماء لا يتوقف على القصد لكونه مطهراً طبعاً 
والمراد بالنص» والله أعلم أن ليس للإنسان إلا ثواب ما سعى» ونحن نقول بموجبه 
فإنه لا يحصل له ثواب الوضوء بدون النية» إذ الثواب لا يحصل إلا بالقربةء ولا يقع 
قربة إلا بالنية عندنا أيضاً» ولكنه يقع مفتاحاً للصلاة بدونها. 


الغرة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة Fa‏ 

الثاني : إن الوضوء عبادة لأنه مأمور به» وكل مأمور به عبادة محتاج إلى النية 
لقوله تعالى: را أا إل يندا أله علي له اليك [البَََة: ]١‏ والإخلاص لا 
يتحقق إلا بالنية» فالوضوء لا يصح إلا بالنية . 

الجواب عنه: لا نسلم أن كل عبادة تحتاج إلى النية» فإن تطهير الثوب مأمور به 
وعبادة بقوله تعالى: ريبك قر ©©) [المدَتّر: ]٤‏ وستر العورة بقوله تعالى: «خُدّوأ 
زیت ند كي مسر [الأعراف: ]۳١‏ أي استروا عورتكم عند كل صلاة» واستقبال 
القبلة بقوله تعالى: فول وجك َر ألمَجِدٍ آلَاوً4 [البمَرّة: ]٠٤٤‏ وأداء الأمانة» 
بقوله تعالى: إن له امرك أن ردا الأمت إل آهَلها) [الئساء: ]١۸‏ وغير ذلك› 
ومع هذا لا يشترط لهذه الأشياء النية على أن العبادة على نوعين: مقصودة لذاتها 
كالصلاة وهي لا تصح إلا بالنية» وغير مقصودة لذاتها بل هي وسيلة لغيرها 
كالوضوء» وغيره من الشرائط فإنه لا يرعى وجودها قصداء فيتحقق بدون النية» وهذا 
لأن النص مطلتق فيقتضي كون الإخلاص شرطاً في العبادة المطلقة الكاملة . 

الغالث: قوله بية: «ليس للمرء من عمله إلا ما نوى» فالوضوء الذي لا يكون 
منوياً لا يرفع الحدث. 

الجواب عنه: إن معنى الحديث: ليس للمرء من ثواب عمله إلا ما نوى ونحن 
نقول بموجبه» فإن الثواب لا يحصل له بالوضوء إلا إذا نوى. 

الرابع : قوله بية: «لا وضوء لمن لم يسم الله عليه» ومعلوم أن من لم ينو لم 
یذکر اسم الله عليه فلا يصح وضوءه. 

الجواب عنه: إن هذا الحديث لا دلالة له على اشتراط النيةء وإنما على اشترا 
التسمية» والخصم لا يقول به والنية غير التسمية . 

الخامس: إنا اتفقنا على أن الوضوء المنوي أفضل من غيره» فالوضوء الذي كان 
النبي بلا يفعله ما يكون إلا منوياً لأن النبي بل كان يفعل ما هو الأفضلء یجب 
على الأمة الاتباع» لقوله تعالی: تبره [الأنعّام: ]٠١١‏ فعلم أن النية واجبة في 
الوضوء. 

ثم قال: لا يجب على الأمة المتابعة في جميع الأفعال» وإلا يلزم أن يجوز 
للأمة التزوج بالتسع. قلنا: العام المخصوص حجة فيما بقي ولاتابع في ذلك كان 
واجباً لولا قوله تعالی: کانکحا ما طاب لک مَنّ السا من وشت € TF AN‏ 


(۱) بل قال أحمد: لا أعلم في هذا الباب حديثاً له إسناد جيد (ز). 
بل اعلم في : 


۳ الغرة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة 
الجواب عنه: المتابعة عبارة عن إتيان الفعل على الصفة التي أتى بها النبي بل 
والنبي ية إنما أتى بها على سبيل الندب» فيجب علينا إتيانها على تلك الصفة» إذ لو 
وجب علينا لكان مخالفة لا اتباعاً» فنحن متبعون له» والخصم مخالفة في الصفة. 
مسألة : الترتيب في الوضوء: ليس بشرط عند أبي حنيفة وأصحابهم رحمهم الله» 
وعند الشافعي رحمه الله شرط . 


حجة الإمام أبي حنيفة رحمه الله من وجوه: 

الأول: قوله تعالى: اعيو وجوم يريك [المائدة: ]١‏ الآية» وجه 
التمسك أنه تعالى عطف بعض الأعضاء على البعض بحرف الواو» وهو لمطلق الجمع 
عند الجمهور دون الترتيب. 

الثاني : ما ذكره أبو داودء أن النبي بي تيمم فبدأ بذراعيه» ثم بوجهه فترك 
النبي لا الترتيب في التيمم» فلو كان شرطاً لما تركه. وإذا لم يكن شرطاً في التيمم 
لا يكون شرطاً في الوضوء لعدم القائل بالفصل . 

الثالث: ما روي أن النبي ية نسي مسح الرأس في وضوئه فتذكره بعد فراغه 
فمسح ببل كفه» وهو دليل ظاهر على أن الترتيب ليس بشرط . 

الرابع : ما رواه الدارقطني» عن علي رضي الله عنه قال: «ما أبالي إذا أتممت 
وضوئي بأي أعضائي بدأت» وكذلك: روي عن ابن مسعود» وبه قال: سعيد بن 
المسيب» وعطاء» والنخعي» والثوري رحمهم الله . 

الخامس: إن الركن تطهير الأعضاء» وذلك حاصل بدون الترتيب ألا ترى أنه لو 
انغمس بنية الوضوء أجزأه» ولم يوجد الترتيب. 


حجة الشافعي رحمه الله من وجوه: 

الأول: قوله تعالی: (یاما ایی ماما إا َد إلى الصاوة اغراي 
[المائدة: ]١‏ الآيةء والفاء للتعقيب» ويقتضي بداية الوجه عقيب القيام إلى الصلاةء 
فيشبت الترتيب في الجميع لعدم القائل بالقصل . 

الجواب عنه: إن المذكور في الآية كلمتان الفاء والواو» وهو لمطلق الجمع كما 
مر فكان العمل بها أولى من ترك العمل بأحدهماء فيكون مقتضى الآية» إعقاب غسل 
جملة الأعضاء من غير اشتراط الترتيب. 


الغزة المنيفة في تحقبق بعض مسائل الإمام أبي حتيفة ¥ 

الثاني : قوله بي : «لا يقبل الله صلاة امرىء حتى يضع الطهور مواضعه» فيغسل 
وجهه» ثم یغسل ذراعیه» ثم یمسح برأسه» ثم یغسل رجلیه» وکلمة ثم للترتیب. 

الجواب عنه: إن الحديث ليس بصحيح: ولو صح لحملت كلمة» ثم على 
الواو» كما في قوله تعالى: 3م لله سَميد4 [يُونس: ]٤١‏ توفقاً بين هذا الحديث وبين 
ما روينا على أنه لو عمل بهذا الحديث» يلزم الزيادة على الكتاب بخبر الواحد» فإنه 
يقتضي مطلق الجمع والزيادة نسخ فلا يجوز بخبر الواحد. 

الثالث: قوله ب : «ابدؤوا بما بدأ الله تعالى» والله تعالى: بدأ بالوجه» فيكون 
الترتيب شرطاً. 

الجواب عنه: إن الحديث وقع جواباً عن سؤال الصحابة حين اشتبه عليهم . 

أمر البداية بالصفا والمروة» فقالوا: بماذا نبدأ؟ يا رسول الله : فلا تكون كلمة ما 
للعموم» إذ لو كانت للعموم» يلزم أن يكون الترتيب واجباً بين الصلاة والزكاة لأن 
الله تعالى بدأ بالصلاة» في قوله تعالى: يمو الل اا رة [البمّرة: ]٤٣‏ 
على أنه لا يمكن حمله على الترتيب لئلا يلزم الزيادة على الكتاب بخبر الواحد. 

مسألة: الخارج النجس من غير السبيلين كالدم» والقيح» والقيء ملء الفم 
ينقض الوضوء عند أبي حنيفة وأصحابه رحمهم الله» وهو مذهب العشرة المبشرين 
بالجنة» وابن مسعود وابن عمر وزيد بن ثابت وأبي موسى الأشعري وأبي الدرداء 
وصدور التابعين كسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وعطاء والحسن البصري وغيرهم 
من جمهور العلماء. 


وعند الشافعي رحمه الله لا ينقض . 


حجة أبي حنيفة رضي الله عنه من وجوه: 

الأول: ما رواه الدارقطني» وابن ماجه عن عائشة رضي الله عنهاء أن 
رسول الله ية قال: «إذا قاء أحدكم في صلاته أو قلس فلينصرف وليتوضاً ثم ليبن 
على صلاته ما لم یتکلما. 

الثاني : ما رواه الدارقطني» عن أبي هريرة» عن النبي يي أنه قال: «اليس في 
القطرة والقطرتين وضوء إلا أن يكون سائلاً . 

الثالث: عن سلمان رضي الله عنهء قال: قال له رسول الله بَ: «أحدث لما 
حدث بك وضوءً). 


۳۸ الغرّة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة 


الرابع : ما أخرجه الدارقطني» عن تميم الداري رضي الله عنه «الوضوء من كل 
دم سائل). 

الخامس: عن زيد بن علي عن أبيه عن جده» قال: قال رسول الله يلا : 
«الفلس حدث» رواه الخلال. 

السادس: عن معدان بن أبي طلحة» عن أبي الدرداء رضي الله عنهء أن 
رسول الله ية قاء فتوضاً فلقيت ثوبان في مسجد دمشق فذكرت له ذلك» فقال: 
سدق آنا عكر له وضو ورا أحة وتان قرطي ديك ين ال اصح 
شيءَ في الباب. 

السابع : ما رواه البيهقي» أن النبي ية قال: «يعاد الوضوء من سبع: من نوم 
غالب» وقيىء ذارع» وتقطار بول» ودم سائل» ودسعة تملأ الفم» والقهقهة في 
الصلاة والإغماء». 

الثامن: عن علي رضي الله عنه حين عد الأحداث أو دسعة تملا الفم» وعن 
ابن عباس رضي الله عنهما «إذا كان القيء يملا الفم أوجب الوضوء» قال الخطابي: 
أكثر الفقهاء على انتقاض الوضوء بسيلان الدم» وهو أقوى في الاتباع. وروى مالك 
عن نافع أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان إذا رعف انصرف وتوضأء ثم رجع 
فبنى ولم يتكلم ولأن المؤثر في انتقاض الطهارة خروج النجاسة من السبيلين وإليه 
الإشارة في قوله عليه الصلاة والسلام: «فإنهما دم عرق انفجر» وقد وجد ذلك المعنى 
في الخارج النجس من غير السبيلين» فوجد الانتقاض . 
حجة الشافعي رحمه الله من وجوه: 

الأول: ما رواه الدارقطني» أن النبي ية «احتجم وصلى ولم يتوضأً ولم يزد 

الجواب عنه: إن ما ذكرناه من الأحاديث قول وهذا فعل والقول مقدم على 
الفعل» أو نقول: ما ذكرناه مثبت» وهذا ناف» والمثبت أولى من النافي» ولئن سلم 
التعارض فالترجيح فيما ذكرنا لأنه أحوط في باب العبادة» إذ المراد بالاحتجام قص 
الأظفار وحلتق الشعر دفعاً للتعارض“ وهو لا ينقض الوضوء. 


(۱) لا أدري وجه هذا الكلام» والصواب أن في سند الحديث صالح بن مقاتل ليس بالقوي وآبوه 
غير معروف» وسليمان بن داود مجهول كما في نصب الراية» ومع ذلك هو موقوف ولا اعتداد 
برفع بن أبي العشرين (ز). 


الغرّة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة ۳۹ 

الثاني: ما رواه الدارقطني أن النبي ية قاء ولم يتوضاً وروی عنه أنه قاء ولم 
يتوضأ فغسل فمه» فقيل له: ألا تتوضاً وضوء الصلاةء فقال: «هكذا الوضوء من 
القيء٠.‏ 

الجواب عنه: إن هذا الحديث غريب فلا يعارض ما ذكرناه» أو يحمل على ما 
دون ملء الفم توفيقاً بين الأحاديث. وهو الظاهر من حال النبي ييف فإن كثرة القيء 
إنما تنشاً من كثرة الأكل» والنبي ية لم يشبع مدة عمره» أو يحتمل أنه كان ذلك في 
غير وقت الصلاة؛ فلا يحتاج إلى الوضوء» فاكتفى بذلك. 

الثالث: ما رواه أبو داود أن أنصارياً رمى في فيه في غزوة ذات الرقاع» فنزعه 
حتى رمى ثلاثة أسهم وهو في الصلاة فلم يقطعها فلما فرغ من صلاته نيه صاحبه 
المهاجري ما بالأنصاري من الدماء قال: سبحان الله هلا نبهتني أول ما رميت؟ فقال: 
كنت في سورة أقرؤها فلم أحب أن أقطعها. 

والجواب عنه من وجوه: 

الأول: إن الدماء التي خرجت من ثلاثة سهم أصابت ثوبه وبدنه بلا شك ولا 
تجوز الصلاة معها بالاتفاق» ولا يمكن إنكار ذلك» فإنه قد رآه المهاجري بالليل حتى 
هاله ما رأى من الدماء» فلما لم يدل مضيه في الصلاة على جواز الصلاة مع 
النجاسة» كذلك لم يدل على أن الدم لا ينقض الوضوء. 

٠‏ الثاني : أنه فعل واحد من الصحابة فلعله كان مذهباً له أو كان غير عالم بحكمه 
ولم ينقل أنه عرف النبي ب حاله وقدره ولم ينكر عليه» أو يجعل له ذهول في ذلك 
الوقت غير كون الدم ناقضاًء ولئن سلم ففعل الصحابي ليس بحجة عند الشافعي 

الثالث: إن البخاري رواه تعليقاًء وهو ليس بحجة. 

الرابع : إنه لا معارضة بين ما ذكرنا من قول النبي ية وفعله وبين فعل الصحابي 
ولو سلم التعارض فالترجيح معناء لأن مذهبنا مروي عن أكثر الصحابة» وهو أحفظ 
وأحاديثنا أصح وأكثر؛ والترجيح بالكثرة ثابت عندهم وعند بعض أصحابناء لأن ما 
ذكرنا مثبت» وما ذكره ناف» والمثبت أولى. 


الحجة الرابعة له: 


أنه لو كان القيء الكثير مبطلاً للوضوء لكان القليل أيضاً مبطلاً له» كالبول 
والغائط» فلما سلّم أبو حنيفة أن القليل غير ناقض لزم أن الكشير أيضاً غير ناقض . 


۳1۰ الغرّة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة 

الجواب عنه: إن هذا قياس في مقابلة النص الذي ذكرناه فلا يقبل» أو نقول: 
الفرق ثابت بين القليل والكثير» وهو أن الناقض هو الخارج النجس والفم له حكم 
الظاهر من وجه وحكم الباطن من وجهء بدليل أن المضمضة لا تفسد صومه أيضاً 
عملاً بالشبهين» فالقيء الكشثير أعطى له حكم الخارج فإنه يمكن ضبطه نظراً إلى 
الوجهين. 

ثم قال: دلائلنا نصوص ودليلكم قياس» والنص أولى. 

فالجواب عنه: أن ما ذكرناه نصوص صحيحة وما ذكره ضعيف كما مر تحقيقه . 

كتاب الصلاة 

مسألة: الصلاة في أول الوقت أفضل عند الشافعي رحمه الله وعند أبي حنيفة» 
وأصحابه رضي الله عنهم يستحب الإسفار بالفجر والإبراد بالظهر في الصيف 
وتقديمهما في الشتاء» وتأخير العصر ما لم يتغير قرص الشمس وتعجيل المغرب 
وتأخير العشاء إلى ما قبل ثلث الليل. 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه في الإسفار بالفجر من وجوه: 

الأول: ما رواء أبو داود» والترمذي عن رافع بن خديج رضي الله عنه» قال: 
سمعت رسول الله ية يقول: «أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر» وفي لفظ أبي داود 
«أصبحوا بالصبح فإنه أعظم لأجوركم» قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح . 

الثاني : ما قاله ابن مسعود رضي الله عنه ما رأيت رسول الله ي صلى صلاة 
قبل ميقاتها إلا صلاة الفجر صبيحة الجمعة فإنه صلاها يومئذ بغلس ولفظ البخاري: 
ما رأيت النبي ية صلّى صلاة لغير ميقاتها إلا صلاتين جمع بين المغرب والعشاء 
وصلى الفجر قبل ميقاتها يعني بمزدلفة» فدل أن المعهود إسفاره بهاء والتغليس كان 
بعذر الخروج إلى سفرء أو كان ذلك حين تحضر النساء المساجد» ثم انتسخ ذلك 
حين أمرن بالقرار في البيوت. 

الثالث: ما رواه الطحاوي عن القعني» عن عيسى بن يونس» عن إبراهيم قال: 
ما اجتمع أصحاب رسول الله ية على شيء ما اجتمعوا على التنوير بالفجر وهذا لا 
یکون إلا بعد ثبوت نسخ التغليس عندهم. 

الرابع : ما رواه الطحاوي عن شعبة» عن قتادة» فن انی بن مالك رضي الله عنه» 
قال: صلى بنا أبو بكر صلاة الصبح قرأ سورة آل عمران» فقالوا: كادت الشمس 
تطلع» فقال: لو طلعت لم تجدنا غافلين ولم ينكر عليه أحد. 


الغْرَة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة PEY‏ 

الخامس: ما رواه الطحاوي عن السائب بن يزيدء قال: صليت خلف عمر بن 
الخطاب الصبح فقراً فيها البقرة فلما انصرفوا استشرفوا الشمس» فقالوا: ما طلعت» 
فقال: لو طلعت لم تجدنا غافلين» فكان يدخل فيها مغخلس ويخرج منها بتنوير» 
وكذلك كتب إلى عامله» وهو اختيار الطحاوي . 

السادس: أن مكث المصلي في موضع صلاته حتى تطلع الشمس مندوب 
قال ية : «من صلّى الفجر ومكث في مكان الصلاة حتى تطلع فكأنما أعتق أربع 
رقاب من ولد إسماعيل» وبالإسفار يمكن إحراز هذه الفضيلة وبالتغليس قل ما يتمكن 
منها. 
وأما الحجة» على الإبراد بالظهر في الصيف فمن وجوه: 

الأول: ما رواه البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه» قال: قال 
رسول الله ية : «أبردوا بالظهر فإن م ای ی فر ھ5 

الثاني : ما رواه الترمذي» عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله 4 : 
«إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم قال الترمذي: هذا 
حديث حسن صحیح . 

الثالث: ما رواه الترمذي» عن أبي ذر رضي الله عنه» أن رسول الله ي کان في 
سفر ومعه بلال فأراد أن يقيم فقال: «أبرد» ثم أراد أن يقيم فقال: «أبرد» ثم أراد أن 
يقيم فقال رسول الله لا: «أبرد حى رأينا فيء التلول» ثم أقام فصلى» فقال 
رسول الله اة : «إن شدة الحر من فيح جهنم فأبردوا عن الصلاة» قال: حديث حسن 
چ 

الرابع : قال النبي ية لمعاذ حين وجْهه إلى اليمن: «إذا كان الصيف فأبرد فإنهم 
يقيلون فأمهلهم حتى يدركواء وإذا كان الشتاء فصل الظهر حين تزول الشمس فإن 


الليالي طوال». 
الخامس: أن في التعجيل في الصيف تقليل الجماعات وإضراراً بالناس فإن الحر 
يۇذيهم . 


وأما الحجة على تأخير العصر في الصيف والشتاء فمن وجوه: 
الأول: ما رواه البخاري» عن أبي هريرة رضي الله عنه» أن النبي بء قال: 
يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة 


1۲ الغرّة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة 


العصر ثم يعرج الذين يأتوا فيكم فیسالهم ربهم وهو أعلم بهم كيف تركتم عبادي 
فیقولون: ترکناهم وهم يصلٌون» وأتیناهم وهم یصلُون؛ وفیه دلیل علی أنه يستحب 
فعلهما في آخر الوقت حين تعرج الملائكة . 

الثاني : ما رواه أبو داود» عن علي بن شيبان» قال: قدمنا على رسول الله كل 
السدية قان يؤخ العصر ما خامت الس ييضاء ية 

الثالث: ما رواه الترمذي» عن أم سلمة رضي اله عنها قالت: کان رسول الله کا 
أشد تعجيلاً للظهرء وأنتم أشد تعجيلاً للعصر. 

الرابع: ما رواه الطحاوي» عن الحكم بن أبان» عن عكرمة قال: كنا مع 
أبي هريرة رضي الله عنه في جنازة فلم يصلٌ العصر وسكت حتى راجعناه مراراً فلم 
يصلٌ العصر حتى رأينا الشمس على رأس أطول جبل في المدينة . 

الخامس: أن في تأخير العصر تكثير النوافل» لأن أداء النافلة بعدها مكروه 
ولهذا كان التعجيل في المغرب أفضل لأن النافلة قبله مكروهة. 

السادس: أن المكث بعد العصر إلى غروب الشمس مندوب إليه» قال 
النبي ة: «من صلى العصر ومكث في المسجد إلى غروب الشمس فكأنما أعتق 
ثمانية من ولد إسماعيل عليه السلام» وإذا أخر العصر يتمكن من إحراز هذه الفضيلة 
فيكون أفضل وقيل: سميت العصر لأنها تعصر أي تؤخر. 
وأما الحجة على تعجيل المغرب: 

فالمستحب تعجيلها مطلقاًء لقوله عليه الصلاة والسلام: «لا تزال أمتي بخير ما 
لم تؤخر المغرب إلى أن تشتبك النجوم. 


وأما الحجة على تأخير العشاء إلى ما قبل ثلث الليل فمن وجوه: 

الأول: ما رواه الترمذي» عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله لل : 
«لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل» حديث حسن 
صحیح . 

الثاني : ما رواه أبو داود» عن النبي ب أخر العشاء إلى ثلث الليل» ثم خرج 
فوجد أصحابه في المسجد ينتظرونه فقال: «أما إنه لا ينتظر هذه الصلاة إلى هذا 
الوقت أحد غيركم ولولا سقم السقيم وضعف الضعيف لأخرت العشاء إلى هذا 
الوقت». 


الغرّة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة r‏ 


الثالث: ما رواه البخاري قال: سئل انس رضي الله عنه هل اصطنع رسول الله لا 
خاتماً؟ قال: نعم» أخر الصلاة ليلة إلى شطر الليل فلما صلّى أنبل بوجهه فقال: «إن 
الناس قد رقدوا وإنكم لن تزالوا في الصلاة ما انتظرتم الصلاة. 

الرابع : عن عائشة رضي الله عنها قالت: أعتم النبي بي ذات ليلة فذهب عامة 
اليل ونام أهل المسجد ثم خرج فصلى فقال: «إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي». 

الخامس: كتب عمر رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري أن صل العشاء 
حتى يذهب ثلث الليل. 

السادس: أن في التأخير قطع السمر المنهي عنه بعد العشاء فإنه عليه الصلاة 
والسلام كان لا يحب النوم قبلها ولا الحديث بعدها. 


حجة الشافعي رحمه الله من وجوه: 

الأول: أن العبادة في أول الوقت رضوان» وهو أكبر الدرجات» فيلزم أن تكون 
الصلوات أول الوقت أفضل. أما بيان أن العبادة في أول الوقت رضوان الله فإنه تعالى 
قال حكاية عن موسى عليه السلام: رَعَحلتٌ إِيكَ ري لصن [طه: ]۸٤‏ فعلم أن 
تعجيل العبادة سبب الرضوان» وقد قال النبي بية: «أول الوقت رضوان الله» فهذه 
الآية وهذا الحديث بهما علم أن تعجيل العبادة سبب الرضوان وأما بيان أن الرضوان 
أكبر الدرجات فلأنه تعالی قال: ررضو مت لر ر4 [التوبة: ۷۲] فص أن 
تعجيل الصلاة أعلى الدرجات. 

الجواب عنه: أن التعجيل إنما يكون سبباً في العبادات التي ندب تعجيلها 
كالمغرب» والظهر في الشتاء أما في العبادات التي ندب تأخيرهاء فالرضوان إنما هو 
باتباع النبي بلا فإنه سبب لمحبة الله تعالى» قال اله تعالى: تیعون بخیبگم أل 
[آل عمران: ]۳١‏ وقد أخر النبي ية بعض الصلوات» وأمر بتأخير بعضها كما مر» من 
قوله ية : «أسفروا بالفجرء وأبردوا بالظهر» وحدّر الله تعالى عن مخالفة أمره حيث 
قال: لخر ألزبن الف عن نو4 [الأور: ]٦۳‏ على أن التعجيل ليس بأولى في 
جميع العبادات بالإجماع» فإن تأخير المخرب إلى مزدلفة واجب» وتأخير الوتر 
مستحب» فلما دل الدليل على استحباب تأخير بعض العبادات» فقد خرج دليلكم عن 
الدلالةء لأن الدليل قد دل على تأخير بعض الصلوات كما ذكرناه» فيجب إعمال 
دليلكم في غير ما دل دليلنا عليه عملا بالدليلين على أن الآية فيها إنكار التعجيل في 
نفسه حیث قال: وبا امج عن ري4 [طه: ۸۳] وحديث أول الوقت رضوان 
ضعيف الحجة. 


164 الغرّة المنبفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنبفة 


الثاني : أن الله تعالى مر بتعجيل العبادة ورغُب فيها بأربع آیات› الأولى: بقوله 
تعالی: سارعا إل نيرو من رَيَّم َة عرسا الوت وَالأَرَص€ [آل عمران: 
[٣‏ والثانية : بقوله تعالى: «لسايقوا إل عفر [الحديد: ]١١‏ الثالثة : مدح الأنبياء 
به» وقال تعالى: «إلَهْمَّ كاو سروت ف لحرت( [الأنبيّاء: ]۹١‏ والرابعة: 
بقوله تعالى: 5تث ألَْبَبٍ [البَمَرّة: ]٠٤۸‏ وهذه النصوص قاطعة دالة على أن 
تعجيل العبادة في غاية الفضيلة . 

الجواب عنه: أن ما ذكرنا من الأدلة صريحة على استحباب التأخير في بعض 
العبادات» وهذه الآيات ليست بصريحة على استحباب تعجيلهاء فيحمل على 
استحباب ما اتفتق العلماء على تعجیله عملا بالدليل على أن قوله تعالى: «سابقرا إل 
مقرو [الحديد: ]۲١‏ ول سارعا إل مَمَورَ [آل عِمران: ]٠١١‏ نكرة في الإثبات فلا 
تقتضي العموم: وباقي الآيات وإن كانت عامة لكنها خصت عنها المواضع التي ندب 
التأخير فيها بالإجماع» فليخص بما ذكرناه من الأدلة المتنازع فيها إذ العام إذا خص 
منه البعض يخص الباقي بخبر الواحد» فبقي تحته المواضع التي لم يدل الدليل على 
تأخيرها. 

الثالث: أن الصحابي الذي تقدم إيمانه أفضل من غيره» قال الله تعالى: 
الیش الأرو ن لمرن السار وال اتوم بیسن رى اله عنم وروا 
عد [التوبّة: ]٠٠١‏ وإذا كان السبق في الإيمان سبباً لزيادة الفضيلة والرضى» فكذا 
السبق في الطاعة التي هي ثمرته . 

الجواب عنه: أن قياس الطاعة على الإيمان قياس في مقابلة النصوص الدالة 
على استحباب تأخير بعضها لما ذكرنا فلا يقبل: على أن هذا قياس مع الفارق فإن 
الإيمان حسن في جميع الأوقات» والكفر قبيح في كلها فلا يجوز تأخير الإيمان» 
بخلاف غيره من الطاعات . 

الرابع : قوله تعالى: اكيش ايف © أريك ال € [الراقغة: ١٠ء‏ 
۱ وهذا نص قاطع فیمن یکون سابقاً في العبادة يكون مقرباً إلى حضرة الله تعالى. 

الجواب عنه: أن المفسرين قد اختلفوا في المراد من السابق»ء فقيل: المراد 
بالسابق في الإيمان» وقيل: في الهجرة إلى النبي بي وقيل: السابق في طلب معرفة 
الله تعالى» فلا تكون الآية دليلاً على تعجيل العبادة فتحمل على عبادة لم يدل الدليل 
على تأخیرها عملا بالدليلين. 


الغْرّة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة fo‏ 


e 


الخامس: قوله تعالی: قر الَو لوك آلتنیں إل عست الل قران الجر به 
فان الجر ت منوا 463 [الإسرًاء: ۷۸] قال المفسرون: أشار بقوله: اير 
وة ولك اللَميى) [الإسراء: ۷۸] إلى صلاة الظهر والعصرء وأشار بقوله: إل 
عَسٍ ال4 [الإسرّاء: ۷۸] يعني ظلمته إلى صلاة المغرب والعشاءء وأشار بقوله: 
فان الجر [الإسراء: ۷۸] إلى صلاة الصبح ثم قال: ت نبرا [الإسراء: 
۸ يعني: صلاة الفجر مشهود بحضور الملائكة» وهم الشهداء ومعلوم أن هذا 
المعنى إنما يمكن إذا أذى الفجر في الغلس أو الصبح لتحضر ملائكة النهار. 

الجواب: أن هذا الاستدلال تكلف بعيد لا نترك به الدلائل الصريحة» ولا 
نسلك أن كون الفجر مشهوداً لا يمكن إلا بالصلاة في الغلس» فإن قيل إن المراد 
بكونه المشهود إنه يشهده الكثير من المصلين في العادة وذلك يقتضي أن تؤخر لتكثير 
الجماعة فإنه وقت النوم والقيام منه» ولهذا قيل قوله: لِه هران مجر [الإسراء: 
٨۸‏ حث على طول القراءة» وقد قال الطحاوي من أصحابنا إنه إذا أراد تطويل القراءة 
يدخل في الخغلس ويخرج في الإسفار جمعاً بين الدلائل . 

السادس: قول النبي بي: «أول الوقت رضوان الله وآخره عفو الله» ورضاه 
أفضل من عفوه» لأن الرضى للمطيعين» والعفو للمقصرين. 

الجواب عنه: هذا الحديث رواه يعقوب بن الوليد"“ عن العمري وهما 
ضعيفان» قال أحمد بن حنبل رحمه الله: لا أعرف شيئاً يثبت في أوقات الصلوات» 
أولها أو آخرهاء يعني الرضوان والعفو وإن صح فنقول: المراد بالعفو هو الفضل. 
قال الله تعالى: كاك ما يفو فل السو [الجَمَرّة: ]۲٠١‏ أي الفضل من 
المال» ولا يجوز أن يحمل العفو هنا على التجاوز عن التقصير» فقد ذكر في إمامة 
جبريل عليه السلام تأخير أداء الصلوات في اليوم الثاني إلى آخر الوقت» ولا يجوز أن 
يقصر جبريل» ومتابعة النبي بي شيئاً فيه تقصير يحتاج إلى العفو على أن مذهبنا ليس 
فيه أداء الصلاة في آخر الوقت بل وسطه حتى قلنا: إن أداء الصلاة بعد تغيير قرص 
الشمس مكروه» فيكون من قبل عفو الله تعالى وكذا تأخير العشاء والمغرب إلى آخر 
وقتهماء فنحن قائلون بموجب دليلكم» وفي التحقيق ما قلناه أولى» لأنه أوسط الأمور 
وهو الذي أشار إليه جبريل عليه السلام بقوله: «والوقت ما بين هذين الوقتين لك 
ولأمتك» أي وقت الاستحباب والأولوية» إذ الجواز ثابت في أول الوقت وفي آخره» 


(1) يذكر في عداد الوضاعين (ز). 


۳11 الغرة المنبفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة 


فلو كان أول الوقت أولى لكان ينبخي لجبريل عليه السلام في معرض التعليم أن 
يقول: أول الوقت وقت لك ولأمتك. 

السابع: المسافر له الإفطار والصوم في رمضان» وقد اتفقنا على أن تعجيل 
الصوم أفضل. قال الله تعالی: وان ووا خر لم إن كر لمر [البَرة: 
4 فعلم أن تأخير الصلاة وإن كان جائزاً ولكن الأفضل تقديمها. 


الجواب: أن هذا قياس في مقابلة النصوص الدالة على استحباب تأخير بعض 
الصلوات فلا يقبل» مع أن الفرق بين الصوم والصلاة ثابت» وهو أن في تعجيل 
الصوم أداءه في وقته» وفي تأخيره قضاءه في يام أخر» والأداء أفضل من القضاء» 
ولا يلزم من تأخير الصلاة إلى الوقت المستحب قضاء. 


الثامن: أن التعجيل حرفة العباد المخلصين والتأخير حرفة الكسالى المقصرين 
ولا شك أن الأول أفضل وقد ذم الله تعالى وأوعد الكسالى في الصلاة وقال: ريل 
إَتَعْصَةَ © الي هم عن صاتيم ساهو 4)3 [المَاعون: ]٠ »٤‏ فإذا كان كذلك كان 
التقديم أفضل. 

الجواب عنه: أن حرفة المخلصين الاتباع في أقوال النبي بلا وأفعاله وهو ما 
ذكرنا وهو واضح لمن تأمل وترك التعصب» وحرفة المقصرين التأخير عن وقت 
الاستحباب لا التأخير لإدراك الفضيلة والوعيد لقوله تعالى: َل مَل @ ألَيبهَ 
هم عن صَااتيم ساهو €6 [المَاعون: ]٠ ٤‏ لأجل اشتغالهم بأمور تلهيهم عن أداء 
الصلاة في أوقاتها ولا دلالة للآية على مذهب الخصم وهو ظاهر لا يخفى على 
المنصف ثم قال: يفرض في مذهب الشافعي رحمه الله في ركعتين خمسة وثلاثون 
شيئاً النية وتكبيرة الافتتاح والجمع بين النية والتكبيرة والقيام وقت القراءة وقراءة فاتحة 
الكتاب في جميع الركعات والركوع والطمأنينة فيه والقومة من الركوع والطمأنينة فيها 
والسجود والطمأنينة فيه والرفع من السجود والطمأنينة فيه والسجدة الثانية والطمأنينة 
فيها والترتيب بين هذه الأركان والموالاة. ومجموع هذه الأركان سبعة عشر في الركعة 
الأولى وفي الركعة الثانية تسقط من هذا المجموع ثلاثة وهي: النية والتكبير والجمع 
بينهما وتبقى أربعة عشر إذا ضمت مع ما في الأولى يصير المجموع إحدى وثلاثين› 
وأربعة أخرى تفرض في التشهد وهي : القعدة وقراءة التشهد والصلاة على النبي با 
والسلام للخروج وإذا ضمت هذه الأربعة مع السابعة يصير المجموع خمسة وثلائين . 
فهذه هي أرکان الصلاة عنده تفرض رعايتها فإن وقع الخلل في واحدة منها تبطل 


الغرّة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام آي حنيفة FY‏ 


الصلاة. وعند الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه» جميع هذه الأشياء ليس من الأركان 
بل الأركان منها ستة والباقي من الواجبات والسنن. وعند أبي حنيفة لا تشترط المقارنة 
بين النية والتكبير حتى لو نوى حين توضأً في بيته ولم يشتغل بعده بشيء يقطع النية 
جاز» وتجعل المقدمة كالقائمة عند التكبير حكماً كما في الصوم» ولا يشترط عند 
أبي حنيفة رضي الله عنه تعيين لفظة التكبير حتى لو قال بدلاً منه الله أجل أو أعظم أو 
الرحمن أكبر أو لا إله إلا الله جاز لأن التكبير هو التعظيم لخة. قال الله تعالى: 6 

ر ك4 [بُوسشف: ]۳١‏ أي عظمنه» وقال: ررك گر ©@) [المدَئُر: ۳] أي 
فعظم والتعظيم حاصل بقوله: الله أعظم ولأن الركن ذكر الله على وجه التعظيم وهو 
الثابت بالنص. قال الله تعالی: وکر اس ري مَس €3 [الأعلی : ]٠١‏ وإذا قال الله 
أعظم فقد وجد ما هو الركن» وأما لفظ التكبير فثابت في الخبر فيعمل به حتى يكره 
خرو لیو یبا ولک الرکن اجو الدابت بان ت ن قال اران آکبز فق ان 
بالتکبیر. قال الله تعالی: قل ادعو آله أو ادعو ألم أا ما مدعو فل لأسا ئ4 

[الإسرًاء: ]۱٠١‏ وروى مجاهد أن الأنبياء صلوات الله عليهم كانوا يفتتحون الصلاة بلا 
إله إلا الله وكذا تعيين قراءة الفاتحة ليس بفرض عند أبي حنيفة رحمه الله وهي واجبة 
تَر من أرما [المُزمل: ]۲١‏ في 


والفرض مطل القرآن لقوله تعالی: قرا ما ب 
الأوليين ولو لم يقرأ في الأخريين بشيء جاز لقوله"“ عليه الصلاة والسلام: «القراءة 
في الأوليين قراءة في الأخريين؛ والقومة من الركوع ليس بواجب عنده وكذلك الرفع 
من السجود والطمأنينة فيها ليس بفرض» وكذا قراءة التشهد والصلاة على النبي بلا 
ليس بفرض وكذا لفظة السلام حتى لو قعد مقدار التشهد وتعمد الحدث أو عمل ما 
ينافي الصلاة تتم صلاته . 


حجة الشافعي رحمه الله: 


أن النبي بيا في مدة ثلاث وعشرين سنة صلى وقد اتفق المسلمون أن صلاته 
لم تخل عن جميع ما ذكرنا من خمس وثلاثين خصلة وكل شيء فعله النبي ڳل يجب 
علينا المتابعة فيه؛ قال الله تعالی: «فل إن کسر تون آله تیعون یکم أ4 [آل 


(۱) بل لقوله تعالى: فر ما يسر ِن ألا [المُزمل: ]۲١‏ وأجمعوا على أنه في القراءة في 
الصلاة فتكون فرضية القراءة في ركعة بعبارة النص وفي أخرى من الأوليين بدلالة النص 
لتساويهما كما قيل في غسل الأيدي والأرجلء والقراءة في الأخريين تابعة للسنة التي لا تفيد 
الفرضية هنا (ز). 


۳1۸ الغرة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام آبي حنيفة 


عمرًان: ]۳١‏ وقال النبي يية: «صلُوا كما رأيتموني أصلي» ففي هذا الحديث دليل 
ظاهر على وجوب هذه الأركان نعم لو قام دليل من الآية أو الخبر على أن بعض هذه 
الأشياء ليس من الأركان نقره بذلك. 

الجواب عنه: أنه يجب علينا متابعة النبي يي على الصفة التي فعلها ولم يدل 
دليل على أن النبي يي فعل هذه الأشياء على أنها من الأركان ولو كان جميع ما فعل 
النبي بيا في الصلاة ركناً لكان ينبغي أن يكون رفع اليدين في تكبيرة الافتتاح وفي كل 
خفض ورفع عنده والثناء في الافتتاح والتحميد والتسميع وتسبيحات الركوع والسجود 
وسائر ما فعله من الآداب أيضاً من الأركان لعين ما ذكره الخصم لأن النبي بي مدة 
ثلاث وعشرين سنة فعله واتفق المسلمون على ذلك فلما لم تجعل هذه الأشياء من 
الأركان دل على أن ما ذكره من الدليل لا يصلح أن يكون دليلاً على إثبات ركنية 
جمیع ما جعله ركناً فكما قام الدليل عنده على كون هذه الأشياء ليس من الأركان 
فكذلك قام الدليل عند خصمه على كون بعض ما ذكره من الأركان ليس من الأركان» 
على أن الركنية لا تثبت إلا بدليل قطعي وفي كون فعل النبي ل موجباً خلاف 
المعروف عند أهل الأصول فكيف يصلح دليلاً على الركنية نعم إذا واظب النبي يلا 
على فعل ولم يتركه ولم يدل دليل آخر على عدم الوجوب دل على الوجوب ونحن 
نقول بموجبه دون الركنية . 

مسالة: قراءة فاتحة الكتاب لا يتعين ركناً في الصلاة بل الركن مطللق القراءة 
وتعيين الفاتحة واجب في مذهب أبي حنيفة وأصحابه رضي الله عنهم وعند الشافعي 
رحمه الله قراءة الفاتحة ركن في الصلاة. 


حجة الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه من وجوه: 

الأول: قوله تعالى: فوا ما َر مِنَ لرا [المُرمل: ]۲١‏ مطلق» فتعيين 
الفاتحة يكون زيادة على هذا النص وهو نسخ فلا يثبت بخبر الواحد. 

الثاني : ما رواه البخاري ومسلم في حديث الأعرابي الذي صلى وحقّف فجاء 
فسلّم على النبي إلا فرده عليه الصلاة والسلام. وقال: «ارجع فصل فإنك لم تصلً؛ 
ثلاث مرات» فقال الرجل: والذي بعثك بالحق ما أحسن غير هذا فعلّمني فقال: «إذا 
قمت في الصلاة فكبّر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع“ إلى آخر الحديث» 
فلو كان قراءة الفاتحة ركنا لعلمه النبي بي لأنه كان في معرض بيان الأركان وتعليمها 
فدل على أن الركن مطل القراءة. 


الغرّة المنبفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنبفة ۳4 


الثالث: ما روي عن ٣‏ هريرة رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله كيا: 
«أخرج فاد في المدينة لا صلاة إلا بالقرآن ولو بفاتحة الكتاب». 


حجة الشافعي رحمه الله من وجوه: 

الأول: أن النبي بي في مدة ثلاث وعشرين سنة صلّى وقرأً بفاتحة الكتاب في 
صلاته فیجب متابعته على جمیع الناس لقوله تعالى : « تيغ [الأنعام: ]٠١١‏ فظهر 
أنه لا تجوز الصلاة بدون الفاتحة إذ لو كانت الصلاة جائزة بدونها لكان النبي يلا 
يتركها مرة فإذا لم يتركها مرة علم أن الصلاة بدونها لا تجوز. 

الجواب عنه: ما مر أن المواظبة تدل على الوجوب دون الركنية ونحن نقول 
بموجبه فإن الفاتحة عندنا واجبة ولا يلزم من كونها واجبة أن تبطل الصلاة بتركها وإن 
لم يتركها النبي ب لكونها واجبة وتركه الواجب قصداً لا يجوز فنحن نقول بالإجماع 
على الصفة التي أتى بها. 

الثاني : أن النبي بلا قال: «يقول الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي 
نصفين فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين يقول الله تعالى: حمدني عبدي» وإذا 
قال : الرحمن الرحيم يقول الله تعالى: مجدني عبدي وإذا قال: مالك يوم الدين يقول 
الله تعالى: أثنى علي عبدي وفوّض أمره إلي فإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين إلى 
آخر السورة يقول الله تعالى: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل» المقصود من هذا 
الخبر أن الله تعالى قال: قسمت الصلاة نصفين نصفها لي ونصفها لعبدي وهذه 
القسمة بنا غل أقراءة الفانحة في الصا فلو تت الصلذة بدوتها الما صخت هذ 
القسمة. 

والجواب عنه: المراد بالصلاة في هذا الحديث الفاتحة مجازا"“ لأن الصلاة لا 
تجوز عنده ولا تكمل عندنا إلا بها فوجدت المناسبة بينهما ثم هذه القسمة لا تختص 
بالصلاة فإن الفاتحة تحميد وتمجيد وثناء ودعاء مطلقاً سواء كان في الصلاة أو في 
غيرها فإذا قرأ العبد فاتحة الكتاب خارج الصلاة تصح هذه القسمة أيضاً فلا تتعين 
كونها في الصلاة ولئن سلم كونها في الصلاة فلا تثبت الركنية بمثله إذ الركنية بخبر 
الواحد الصريح لا تثبت فبالمحتمل بطريق الأولى فغاية الحديث على تقدير التسليم أن 
تقتضي الوجوب فنحن نقول بموجبه . 


(1) أرى هذا تكلفاًء بل الجواب أن الفرضية لا تثيت بخبر الآحاد (ز). 


Pr‏ الغرَة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام آبي حنيفة 

الثالث : قوله عليه الصلاة والسلام: «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب؟. 

الجواب عنه: أن الركنية لا تثبت بخبر الواحد بل يثبت به الوجوب فالذي ذهبنا 
إليه عمل بالكتاب والسنة حيث قلنا إن مطللق القراءة ركن بالكتاب وهو قوله تعالى: 
اقرا تا َر يِن اشا [المُرمل: ]٠١‏ وتعيين الفاتحة واجب بالحديث عملاً 
بالدليلين بقدر قوتهما والخصم مذهبه ضعيف من وجهين: 

الأول: أنه حط رتبة الكتاب حيث زاد عليه بخبر الواحد. 

والثاني: أنه رفع رتبة خبر الواحد حيث جعله ناسخاً لإطلاق الكتاب التحقيق 
فیما قلناه حيث جمعنا بينهما وحملنا قوله عليه الصلاة والسلام: «لا صلاة إلا بفاتحة 
الكتاب» على نفى الكمال دون نفي الجواز فإن الصلاة بدون الفاتحة ناقصة عندنا وإليه 
الإشارة في قوله عليه الصلاة والسلام: كل صلاة لا يقرأ فيها فاتحة الكتاب فهي 
خداج» الخداج عبارة عن النقصان مع بقاء الذات دون البطلان كما في قوله عليه 
الصلاة والسلام: «لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجدا. 

الرابع : جميع أهل الشرق والغرب والموافق والمخالف يقرؤون بفاتحة الكتاب 
في الصلاة فالمخالف لهم یدخل تحت الوعید لقوله تعالى: ومن ياق ألرَسولّ من 
بعد ما بين له الى ينيع عي سيل لومي ول ما ول [الشساء: ]٠٠١‏ الآية . 

الجواب عنه: إنما 3 نترك الفاتحة قصداً في الصلاة لأنها واجبة عندنا وترك 
الواجب قصداً لا يجوز فلا نكون مخالفين ولكن الكلام في کونها رکناً أو غير ركن 
ودليلكم لم يدل على كونها ركناً على أنا نعارضه بالمثل بأن نقول إن أهل الشرق 
والغرب كلهم يسبّحون في الركوع والسجود فيقتضي أن تكون تسبيحات الركوع 
والسجود ركناً والمخالف لهم يدخل تحت هذا الوعيد فكل جواب للخصم في تلك 
الصورة فهو جواب لنا في هذه على أنه قد عرف بأنه قيل إن المراد بسبيل المؤمنين 
الإيمان فاتباع غير سبيل المؤمنين الكفر فيكون الوعيد للكفار لا لمن ترك الفاتحة في 
الصلاة» والشافعي رحمه الله استدل به على كون الإجماع حجة وما سلم له الاستدلال 
به على ذلك فکیف نسلم استدلال الرازي به على کون الفاتحة ركنا في الصلاة وهو 
يعلم بضعف هذه الأدلة ولعل غرضه ترويج مذهبه على المقلدين فإنه يعلم قطعاً أن 
كل شيء يفعله جميع المسلمين في الصلاة ة لا يقتضي أن يكون ركنا فيها . 

الخامس: أن قوله تعالى: قرأ ما سر ِى لفان [المُرمَل : ]٠١‏ في الحقيقة 
[المُرمّل: ۲۰] متوجه 


حجة للشافعي رحمه الله» تقريره أن الخطاب بقوله: فا 


الغرة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام بي حنيفة 1 


إلى جميع الأمة فما تيسر لجميع الأمة يكون مراده به وقراءة الفاتحة متيسرة لهم فعلم 
أن هذا دليل ظاهر على أن الفاتحة ركن في الصلاة. 

الجواب عنه: أن قوله: 3ا َر مِنَ ألفرَانٍ) [المُرمَل: ]۲١‏ أعم من أن يكون 
فاتحة الكتاب أو غير ذلك كسورة الإخلاص والكوثر والعصر وغيرها كما أن الفاتحة 
متيسرة لهم فكذلك سورة الإخلاص فتعيين الفاتحة بالإرادة من الآية دون سورة 
الإخلاص وغيرها ترجيح بلا مرجح وتخصيص بلا مخصص وهو مكابرة ظاهرة. 

مسالة: یتر اتر الک آذ ©4 [المَابِحة: ]١‏ ليست آية من 
الفاتحة بل هي آية مسنقلة من القرآن أنزلت للفصل بين السور عند أبي حنيفة وأصحابه 
رضي الله عنهم. وعند الشافعي رحمه الله هي آية من الفاتحة. 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه: 

ما جاء في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي بي 
قال الله تعالى : «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين نصفها لي ونصفها لعبدي» 
ولحي ما سال فا5ا قال المد قرب الاين مقرل اف الى خي بدي 
إلى آخر الحديث. الاحتجاج به من وجهين : 

الأول: أنه عليه الصلاة والسلام لم يذكر التسمية فلو كانت آية من الفاتحة 
لذكرها. 

والثاني : أنه تعالى قال: «جعلت الصلاة؛ أي الفاتحة كما مر «بيني وبين عبدي 
نصفين» وهذا التنصيف إنما يحصل إذا قلنا: إن التسمية ليست آية من الفاتحة» لأن 
الفاتحة سبع آيات فيكون هلات آيات ونضف وهو من قوله: <(الحند له 
[المَابحة: ۲] إلى قوله: ياك عبد [الماتحة: ]٠‏ وللعبد ثلاث آيات ونصف» وهو 
من قوله: «ويًاك ين4 [الفَاحة: ]٠‏ إلى آخر السورة» فإذا جعلنا التسمية آية 
من الفاتحة حصل لله أربع آيات ونصف» وللعبد اثنان ونصف» وذلك يبطل 
التنصيف . 


الثاني : ما جاء في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها «كان رسول الله بي 
يفتتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين» فلو كانت التسمية آية منها 
لافتتح الصلاة بها . 

الثالث: نقل أهل المدينة بأسرهم عن آبائهم التابعين عن الصحابة رضي الله عنهم 
افتتاح الصلاة بالحمد لله رب العالمين . 


YY‏ الغرة المنبفة في تحقيق بعض مسائل الإمام آبي حنيفة 

الرابع : أن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر ولا تواتر بكونها آية من الفاتحة. 

الخامس: أن العلماء اختلفوا في كونها أنها من الفاتحة وسوغوا الخلاف فيه 
وأدنى درجات الخلاف إيراث الشبهة» والقرآن لا يثبت بدون اليقين. 
حجة الشافعي رحمه الله : 

أن التسمية مكتوبة بخط المصحف فإنهم كانوا يشددون في منع كتابة ما ليس 
من القرآن مبالغة في حفظ القرآن وصيانته وتمييزه عما ليس منه. 

الجواب عنه: أن القرآن يشترط فيه التواتر في المحل وعدم تواتره في المحل 
دليل على أنه ليس بآية من الفاتحة فلا يثبت كونها من الفاتحة بالاحتمال غاية ما 
ذكرتم أن تقتضي كونها آية من القرآن وهو مسلم عندناء ولكن مطلوبكم كونها من 
الفاتحة ودليلكم لا يدل على ذلك؛ وأما المعوذتان فلا خلاف في كونهما من القرآن 
وغاية الأمر أنهما لم توجدا في مصحف ابن مسعود رضي الله عنه وذلك لا يدل على 
أنهما ليسا من القرآن» فإن عدم كتابته بناء على وضوح أمرهما فإنه لم يصرح بأنهما 
ليسا من القرآن""“ وقد وقع الإجماع والتواتر على أنهما من القرآن والله أعلم . 

مسألة: لا يجب على المقتدي أن يقرأ الفاتحة أو القراءة خلف الإمام لا في 
صلاة سر ولا جهر عند أبي حنيفة وأصحابه رضي الله عنهم. ومذهب الشافعي 
رحمه الله : أن يقرأ الفاتحة إذا قرأ الإمام سرا أو جهراً وهو قول مالك“ رضي الله عنه. 


حجة أبي حنيفة رضي الله عنه من وجوه: 

الأول: ما رواه الترمذي عن أبي نعيم وهب بن كيسان أنه سمع جابر بن عبد الله 
يقول: من صلى ركعة ولم يقرأ فيها بأم القرآن فلم يصلٌ إلا أن يكون وراء الإمام» 
قال ابن عبد البر: رواه یحی" بن سلام عن مالك عن آبي نعيم وهب بن کيسان عن 
جابر بن عبد الله رضي الله عنه عن النبي ي . 


(۱) وما في مسند أحمد مما یعزی إلى ابن مسعود من أنهما ليسا من کتاب الله فمن زوائد ابنه 
عبد الله» وأمرها معروف وقراءة ابن مسعود هي قراءة عاصم البالغة أقصى درجات التواتر وفيها 
الفاتحة والمعوذتان (ز). 

(۲) بل فيما إذا أسر الإمام (ز). 

(۳) وله عند أهل الغرب شأن (ز). 


الغرة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنبفة rrr‏ 

الثاني: قوله عليه الصلاة والسلام: «من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءي“ 
حكاه الخطابي. 

الثالث: ما رواه مسلم عن عطاء بن يسار أنه أخبره أنه سأل زيد بن ثابت عن 
القراءة مع الإمام» فقال: لا قراءة مع الإمام في شيء وكفى يزيد بن ثابت قدوة. 

الرابع: ما رواه الطحاوي عن يونس بن وهب أن مالكاً حدّثه عن نافع عن 
عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان إذا سئل هل يقرأ خلف الإمام؟ فيقول: إذا 
صلى أحدكم خلف الإمام فحسبه قراءة الإمام. 

الخامس: ما رواه مسلم: «وإذا قرأ فأنصتواا. 
حجة الشافعي رحمه الله: 

قوله ها : «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب» وقال الله تعالى: ولا رى“ الشرانٌ 
استيا ام انوا [الأعراف: ]۲٠١‏ فيجمع بين الخبر والآية فتحمل الآية على 
الصلاة جهراًء والخبر على الصلاة سرأًء وأيضاً يمكن الجمع بينهما بأنه إذا قرأ الإمام 
جهراً وسكت بين الفاتحة والقراءة يقرأ المقتدي الفاتحة في تلك الوقفة حتى يكون 
عملاً بالحديث والآية . 

الجواب عنه: يمكن العمل بهما بأن يحمل الخبر على الإمام أو المنفرد» 
والحديث الذي ذكرناه» وهو قوله: «إلا أن يكون وراء الإمام» يدل على ذلك والآية 
على المقتدي . 
الحجة الثانية : 

أن صلاة السر إذا لم يقرأ فيها المقتدي ولا يستمع كان معطلاً غير مشغول 
بالقراءة» والاستماع» والصلاة موضع العبادة دون التعطيل . 

الجواب عنه: أنه لما جعل قارئاً حكماً بقراءة الإمام لا يكون معطلاً. 

مسألة: لو صلّى إنسان في ليلة مظلمة أو حالة الاشتباه بالتحري إلى جهة ثم 
تبين أنه أخطأً في اجتهاده لا يعيد الصلاة عند أبي حنيفة وأصحابه رضي الله عنهم 
وعند الشافعي رحمه الله» يعيدها إذا استدبر القبلة. 


(۱) وتمحيص القول في تخريجه في إمام الكلام لعبد الحي اللكنوي (ز). 


r4‏ الغرة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 

ما رواه الترمذي عن عامر بن ربيعة» قال: کا رول الله ية في سفر في 
ليلة مظلمة فلم ندر أين القبلة فصلّى كل رجل على حياله» فلما أصبحنا إذا نحن على 
غير القبلة فذكرنا ذلك لرسول الله ب فأنزل الله تعالى: «أأيتما ولوا َم وه 4 
[البَقَرّة: ]٠٠١‏ أي قبلته والمراد به حالة الاشتباهء والنص والحديث مطلقان» فلا يجوز 
تقييدهما بغير المستدير ولأن المصلي مأمور بالتحري والاجتهاد حالة اشتباه القبلة 
والتكليف بحسب الوسع وقد أتى بما هو في وسعه» وهو التوجه إلى جهة التحري 
والإتيان بالمأمور به كاف في الأجزاء فلا يجب عليه الإعادة كما لو صلّى بالتيمم ثم 
وجد الماء. 


حجة الشافعي رحمه الله من وجوه: 

الأول: قوله تعالى : درلا وجومكى رم [الَرة: ]٠١١‏ والذي قصد غير القبلة 
في إتيان المأمور به فلا بد من الإعادة. 

الجواب عنه: أن التوجه قابل بالنقل من جهة إلى أخرى» ولهذا حول من 
کرای وای م ار کک ی اک ی ا 
عنهاء ثم إلى جهة التحري حالة الاشتباه» ثم إلى أي جهة قدر حالة الخوف وأي 
e‏ فإذا صلى إلى جهة التحري» فقد صلى متوجهاً إلى ما 
هو قبلة في حقه في تلك الحالة فلا يجب عليه الإعادة بخلاف طهارة الثوب والإناء 
ونجاستهما فإنهما لا يحتملان الانتقال» والتحول من موضع إلى آخر فإذا تبين أنه 
صلى في الثوب النجس أو توضاً من الإناء النجس تجب عليه الإعادة» لذلك فافترقا. 

مسألة: المطيع والعاصي في رخصة السفر سواء عند أبي حنيفة وأصحابه 
رحمهم الله. وعند الشافعي رحمه الله» سفر المعصية لا يفيد الرخصة؛ فعلى هذا إذا 
أبق العبد من المولى أو سافر جماعة لنهب البلاد أو قطع الطريق لهم أن يقصروا 
الصلاة الرباعية ويفطروا في رمضان ويأكلون الميتة إذا اضطروا إلى ذلك على المذهب 
الأول دون الثاني . 


حجة أبى حنيفة رضي الله عنه: 


إطلاق النصوص» وھو قولہ تعالی: تین گات یکم ریا ار ع سَمر 
[الَقَرَة: ]۱۸٤‏ وقوله تعالى: «كَمَنِ ضط في ٍَ4 [المَائدة: ۳] الآية» وقوله : 


الغرَة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة قا 
«فرض المسافر ركعتان» فتقييد هذه التصوص بسفر الطاعة أو سفر المباح تحتاج إلى 
دليل» ولأن نفس السفر ليس بمعصية» وإنما المعصية مجاورة» فصار كما لو سافر 
إلى الحج أو التجارة» وهو يقطع الطريق أو يشرب الخمر أو يزني. 
حجة الشافعي رحمه الله : 

قوله تعالی: ممن ضط عو باغ ولا عار ك نّم ع4 [البَقَرَة: ۱۷۳] فشرط 
في الرخصة كونه غير باغ ولا عاد فإذا كان باغياً أو عادياً لا تصح له الرخصة . 

الجواب عنه: أن على قول أكثر أهل التفسير» اختص قوله: عي بَا ولا 
عاو [البَقَرّة: ۱۷۳] بالأكل» ومعناه: غير باغ على مضطر آخر بالأخذ منه والاستئثار 
عليه ولا عاد في شدة الجوعة والأكل فوق العادة فإذا احتمل هذا لا يصلح حجة 
للخصم. 

الثاني : أن الرخصة إعانة على ذلك العمل» فلو كان سفر المعصية سبباً للرخصة 
كان إعانة عليها. 

الجواب عنه: أن الرخصة لطف من الله تعالى لعباده» والله تعالى كريم لا يملع 
الرزق من الكافر الذي هو سبب لبقائه في الكفر» فكيف يمنع عن الفاسق رخصته» 
وقد قال عليه الصلاة والسلام: إن الله یحب أن یؤتی برخضه کما يحب أن یؤتی 
بعزائمه» وهذه صدقة تصدَق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته» . 

مسألة: إذا ماتت المرأة لا يحل لزوجها غسلهاء عند أبي حنيفة وأصحابه 
رضي الله عنهم وعند الشافعي رحمه الله يحل» وأجمعوا أنه إذا مات الرجل يحل لها 
الله 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 

أن المرأة لم تب محلا للنكاح بعد موتهاء فلم تبتق الزوجية فلا يحل له النظر 
إلى عورتها لقوله عليه الصلاة والسلام: «غض بصرك إلا عن زوجتك» وسئل ابن 
عباس رضي الله عنهما عن امرأة تموت بين الرجال» فقال: تيمم بالصعيد» ولم يفرق 
بين أن يكون فيهم زوجها أو لا يكون والدليل على أن النكاح ارتفع بموتها صحة 
التزويج بأختها وأربع سواها بخلاف موت الزوج» لأن محل النكاح هي المرأة فيمكن 
إبقاء النكاح في حق هذا الحكم لبقاء محله لحاجته كما بقيت مالكيته بعد موته بقدر 
ما يقتضي به حوائجه من التجهيز والتكفين وقضاء الديون وتنفيذ الوصاياء ولهذا تجب 


وا الغرة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام آبي حنبفة 
عليها العدة ولا يحل لها أن تتزوج قبل انقضاء العدة وهي أثر النكاح والشيء يعد باقياً 
ببقاء أثره» فأما بعد موتها فلا يمكن بقاء النكاح بوجه لاستحالة بقاء الشيء بدون 
محله . 


حجة الشافعي رضي الله عنه من وجهين: 
الأول: قول النبي ب لعائشة رضي الله عنها: «لو مت قبلي لغسلتك وكفنتك» 
فإذا جاز ذلك للنبي ية جاز لأمته متابعة له. والجواب عنه من وجهين: 


الأول: أن زوجية النبي بيه مستمرة لا تنقطع بالموت لقوله يلة: «كل سبب 
ونسب ينقطع إلا سببي ونسبي» فيكون ذلك من خصائص النبي بي فلا تجوز فيها 
المتابعة. 

الثاني : أن المراد بقوله بية: «غسلتك» أي قمت في تهيئة أسباب غسلك»ء 
وأمرت به كما يقال: بنى السلطان المدرسة. 


الوجه الثاني: ما روي عن علي رضي الله عنه أنه غسل فاطمة رضي الله عنها 
ولم تنكر عليه الصحابة فدل على الجواز. 


الجواب عنه: أنه قد روي أن فاطمة رضي الله عنها غسلتها أ أيمن حاضنة 
النبي اة والدة أسامة بن زيد رضي الله عنه» ولو ثبت أن علياً رضي الله عنه غسلها 
فقد روي أنه أنكر عليه بعض الصحابة» واعتذر علي رضي الله عنه عن ذلك حين 
أنكره عليه ابن مسعود رضي الله عنه بقوله: أما علمت أن رسول الله ية قال لي: «إن 
فاطمة زوجتك في الدنيا والآخرة» فإنكار ابن مسعود واعتذار علي رضي الله عنهما 
بذلك الجواب» دليل ظاهر على أنه لا يجوز للرجل أن يغسل امرأته بعد موتها. 

الثالث: قوله تعالى: ركم نف ما رك أزرجُڪ4 [الساء: ]۱١‏ يدل على 
بقاء الزوجية فيجوز له غسلها. 

الجواب عنه: أن التسمية بالزوج باعتبار ما كان لا تقتضي بقاء الزوجية بعد 
فوات المحل» والإرث بناء على السبب السابق على الموت» ولو كانت الزوجية باقية 
لما جاز نكاح أختها والأربع سواها. 


الغرّة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام بي حنبفة PV‏ 
كتاب الزكاة 
مسألة : إذا هلك النصاب بعد وجوب الزكاة سقطت عند أبي حنيفة رضي الله عنه 
وأصحابه. وقال الشافعي رحمه الله: إذا هلك بعد التمكن من الأداء لا تسقط› 
فيضمن قدر الزكاة. 


حجة أبي حنيفة من وجهين : 

الأول: قوله عليه الصلاة والسلام: «هاتوا ربع عشر أموالكم» وربع الشيء لا 
يبقى بدونه» فالواجب من النصاب تحقيقاً لليسر فيسقط بهلاك محله كالعبد الجاني أو 
العبد المديون إذا مات سقط عن المولى الدفع بالجناية والدين لفوات محله أو 
كالشقص الذي فيه الشفعة إذا صار بحراً بطل فيه جزء الشفعة. 

الثاني : أن الشرع أوجب الزكاة بصفة اليسر وبهذا خص الوجوب بالمال النامي 
بعد الحول والحق متى وجب بصفة لا يبقى بدونها تحقيقا لليسر فلو بقي الوجوب 
بعد هلاك النصاب انقلب غرامة وهي لا تجب إلا بالتعدي ولم يوجد لأن الأداء غير 
موقت فلا یکون متعدیاً بالتأآخیر. 


حجة الشافعي رحمه الله من وجهین : 

الأول: أنه بعدما حال الحول على النصاب وهو قادر على الأداء وتوجه عليه 
الخطاب بقوله تعالى: واا ألرة [البَقَرَة: ]٤١‏ فإذا لم يؤد كان مانعاً للزكاة ولا 
يسقط عنه الخطاب والتكليف فيؤخذ منه لقوله عليه الصلاة والسلام: «من منع ما 
الزكاة فإنا نأخذها منه. 

الجواب عنه: أن الخطاب بقوله تعالى : واا ألرّگة [البَقَرَة: ]٤١‏ مطلق عن 
الوقت لليسر» فلا يكون الوجوب على الفور كي لا يصير عسراً منافياً لليسر» وبهذا 
لا يصير قضاء بالتأخير فلا تصير مقصراً بالتأخير فلا يضمن لعدم التعدي» لأنه إنما 
يصير متعدياً لو امتنع عن الأداء بعد طلب من له الحق» ولم يصر متعيناً للطلب» إذ 
المستحق فقير يعينه المالك بالأداء ولم يوجدء وبعد طلب الساعي في المواشي إن 
امتنع من الأداء حتى هلك المالء قال مشايخ العراق: يضمن لأن الساعي متعين 
للأخذ فيصير بالامتناع منه مفوتاً فيضمن» وقال غيرهم من المشايخ: لا يضمن. وهو 


(1) الشقص بكسر الشين المعجمة وسكون القاف القطعة من الأرض. 


۸ الغرة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة 
الأصح لانعدام التعيين» لأن الرأي للمالك في اختيار المحل إن شاء ى عين 
السائمة» وإن شاء ادى قيمتهاء فلا يصير الحق متعيناً إلا بأداء فلا يضمن بخلاف ما 
لو استهلك لأنه وجد التعدي فيضمن . 

الثاني : أن وجوب الزكاة تقرر عليه بالتمكن من الأداء» ومن تقرر عليه الوجوب 
لا يبرا بالعجز عن الأداء بهلاك المال كما في ديون العباد إذا أفلس لا يسقط بالعجز 
حتى لو ملك مالاً آخر يجب الأداء منه. . 

والجواب عنه: بالفرق بين ديون العباد والزكاة» وهو أن ديون العباد متعلقة 
بالذمة دون عين المال» وذمته باقية بعد هلاك المال» فيبقى الدين ببقاء محله وأما 
الزكاة فمتعلقة بعين المال» لأن الواجب جزء منه» ولهذا جعل النصاب ظرفاً 
للراجب» قال الله تعالى: ولي ن ام ق َعم @ ابل لزور ©4 
[المعَارج : ٤٠ء ]۲٠‏ وقال عليه الصلاة والسلام: «في الورق - أي الفضة - ربع العشر» 
وفي أربعين شاة شاة وفي خمس من الإبل شاة» فتسقط بهلاك محله فافترقا. 

مسالة: لا تجب الزكاة في مال الصبي والمجنون عند أبي حنيفة وأصحابه 
رضي الله عنهم» وهو مذهب أكثر الصحابة والتابعين. وحكى الحسن البصري فيه 
إجماع الصحابة رضي الله عنهم. وعند الشافعي رحمه الله تجب الزكاة في مالهما 
ويخاطب المولى أو الصبي بالأداء» أو يخاطب الصبي بأداء زكاة ما مضى بعد البلوغ . 
حجة أبو حنيفة رضي الله عنه: 

قوله کل «رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يحتلم» وعن النائم حتی 
ينتبه» وعن المجنون حتى يفيق؟ وفي إيجاب الزكاة في ما لهما إجراء القلم عليهماء 
ولأن الصبي ليس بأهل للخطاب بقوله تعالى: وا ألررة4 [البَقَرّة: ]٤١‏ وكذا 
المجنون» لأنهما لا يخاطبان بالصلاة وسائر العبادات فلا يخاطب الولي بإخراج زكاة 
مالهما إذ الولي لا يخاطب بأداء ما لا يجب عليهما. 


حجة الشافعي رحمه الله من وجوه: 


الأول: قوله ية : «في أربعين شاة شاة» وفي الرقة ربع العشر» وفي خمس من 
الإبل شاة» وفي عشرين مثقالاً نصف مثقال» وهذه النصوص عامة في حت البالغ 
E OR A‏ 


الغرة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الرمام ابي حنيفه EE‏ 


الجواب عنه: أن هذه النصوص لم تتناولهما لأنهما مرفوع عنهما القلم» وإن 
قال والزكاة واجب في المال لا على الصبي والمجنون» قلنا: هذا منقوض بمال 
الجنين فإنه لا تجب الزكاة فيه على الذهب عندكم ذكره النووي رحمه الله في شرح 
المهذب مع وجود المال. 

الثاني : قوله بياة: «ابتوا في أموال اليتامى خيراً لا تأكلها الصدةة» . 

الجواب عنه: أن هذا الحديث ضعيف لأن مداره على عمرو بن شعيب عن أبيه 
عن جده وفيه المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب» قال أحمد رحمه الله: لا 
يساوي شيئاًء» وقال النسائي: متروك الحديث» وقال يحيى: ليس بشيء» ولئن سلمنا 
صحته» فتأويله أن المراد بالصدقة النفقة» فإن نفقة المرء على نفسه صدقة على ما جاء 
في الخبرء والدليل على صحة هذا التأويل» أنه أضاف الأكل إلى جميع المال» 
والنفقة هي التي تأكل جميع المال دون الزكاة» أو المراد بالصدقة صدقة الفطرء 
والمراد بقوله بي : «من ولى يتيماً. “٠.‏ فيلزم في ماله التثمير بالتجارة» لأن التزكية 
اسم للتثمير فإن الزكاة عبارة عن الزيادة. 

الثالث: أن علياً رضي الله عنه أوجب الزكاة على الصبي والمجنون. وقد 
قال ب «اللهم أدر الحق مع علي حيث ما دار؟. 

الجواب عنه: أنه قد روي عن علي رضي الله عنه أنه لا تجب الزكاة عليهما 
ولئن صح النقل عنه فهو معارض لقول سائر الصحابة» وقد نقل إجماع الصحابة على 
عدم الوجوب» وأيضاً قول الصحابي ليس بحجة عند الخصم. 

الرابع : أن الصبي والمجنون إذا كانا من الأغئياء دخلا تحت الخطاب» بقوله 
عليه الصلاة والسلام لمعاذ: «خذها من أغنيائهم وردها على فقرائهم . 

الجواب: ما مر من أن الصبي والمجنون ليسا من أهل الخطاب» فلا يخاطبان 
بالزكاة. 


(1) أخرجه الشافعي مرسلاً وفي سنده ابن أبي رواد وأما ما في معناه عند الترمذي فبسند تكلم فيه 
المصنف (ز). 

() ولفظ الترمذي على ضعفه «ممن ولى يتيماً فليتجر له في ماله» الحديث» ولعل هنا نقصاً بعد 
حديث من ولى يتيماً مثل «وأما ما يروى عن بعض ولد أبي رافع أنه قال: كان علي 
رضي الله عنه يزكي أموالتا ونحن يتامى» فمراده التثمير الخ» لكن هذا تأويل مستبعد وكفى في 
رد الخبر كونه بحيث لا تقوم به الحجة (ز). 


PY‏ الغرَة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام آبي حنيفة 

الخامس: أنه يجب على الصبي والمجنون العشر في أرضهما وصدقة الفطر في 
مالهما بالإجماع» وكذا الزكاة والجامع دفع الحاجة عن الفقير. 

الجواب عنه بالفرق: وهو أن الزكاة عبادة خالصة فلا تجب عليهما كسائر 
العبادات بخلاف العشر» فإنه ليس بعبادة خالصةء بل فيه معنى المؤنة» وهما أهلان 
لوجود المؤنة كنفقة الزوجة» وأما صدقة الفطر فلا تجب عليه» على قول محمد 
رحمه الله» وأما على قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله إنما وجبت على مالهما 
لأن فيهما معنى المؤنة لاختصاصهما بمحل المؤنةء قال النبي بلل: «أذُوا عمن 
تَمُونون» فلا يجوز قياس العبادة الخالصة على ما فيه معنى المؤنة. 

مسألة: يجوز أداء القيمة» مكان المنصوص عليه من الشاة والإبل والبقر في 
الزكاة عند أبي حنيفة وأصحابه رضي الله عنهم . وعند الشافعي رحمه الله لا يجوز أداء 
القيمة» بل يؤدى من الذهب الذهب» ومن الفضة الفضةء» ومن الإبل الإبل ومن الغنم 
الغنم . 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه من وجوه: 

الأول: ما روى الإمام أحمد بن حنبل عن الصنابحي قال: رأى رسول الله يا 
في إبل الصدقة ناقة مستّة فغضب» فقال: ما هذه؟ فقال: ارتجعتها ببعيرين من إبل 
الصدقة فسكت» والارتجاع أخذ سن مكان سن» قاله أبو عبيد» وفي الصحاح 
الارتجاع في الصدقة إنما يجب على رب المال أسنان فيأخذ المصدق أسناناً فوقها أو 
دونها بقيمتهاء فدل ذلك على جواز أداء القيمة في الزكاة. 


الثاني: ما روي عن طاوس» قال معاذ بن جبل لأهل اليمن: اثنوني بخميس أو 
لبيس آخذه منكم في الصدقة فهو أهون عليكم وخير للمهاجرين والأنصار بالمدينة؛ 
والخميس ثوب طوله خمسة أذرع» واللبيس الثوب الملبوس» وأخذ الثوب مكان 
الصدقة لا يكون إلا باعتبار القيمة. 


الثالث: ما صح في حديث أبي بكر رضي الله عنه أن النبي يل قال: «فمن 
بلغت عنده صدقة الجذعة. وليست عنده الجذعة وعنده حقة فإنها تقبل منه» يجعل 
معها شاتين إن استيسرتا أو عشرين درهماً» ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده 
حقة وعنده جذعةء فإنها تقبل منه ويعطيه المصدق شاتين أو عشرين درهماً» فدل هذا 
على جواز أداء القيمة في الزكاة. 


الغرّة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام آبي حنيفة اا 


الرابع : أن المقصود إغناء الفقير. قال بة: «أغنوهم عن المسألة» والإغناء 
يحصل بأداء القيمة كما يحصل بأداء المنصوص عليه من الشاة وغيرها وقد تكون 
القيمة أدفع للحاجة من غير الشاة. 


حجة الشافعي رحمه الله من وجوه: 


الأول: قول النبي ية لمعاذ حين بعثه إلى اليمن لأخذ الصدقات: «خذ من 
الإبل الإبل ومن البقر البقر» فأخذ القيمة يكون مخالفاً لأمر النبي بلا . 

الجواب عنه: أن هذا خطاب لمعاذ وقد بعثه إلى أرباب المواشي الذين هم 
سكان البوادي فذكر ذلك للتيسير عليهم» فإن الأداء بما عندهم أيسر عليهم لعدم 
الدراهم والدنانير عندهم فيكون الأمر بالأخذ من غير الإبل للتيسير لا لتقييد الواجب 
به أو يحمل الأمر على الاستحباب دون الوجوب جمعاً بين الأدلة. 

الشاني: ما كتب أبو بكر رضي الله عنه إلى أطراف البلاد في شرح أحوال 
الزكاة؛ ومضمون الكتاب هذا كتاب الصدقة التي فرضها الله تعالى على الناس وأمر 
رسوله أن يأخذها منهم في كل خمس من الإبل شاة وفي العشر شاتان وفي خمس 
عشرة ثلاث شياه وفي عشرين أربع شياه وفي خمس وعشرين بنت مخاض وفي خمس 
وثلاثين بنت لبون وفي أربعين حقةء فهذا بيان الزكاة التي فرضها الله على عباده بينها 
رسول الله ييا للخلق على التفصيل فعلم أن ما أوجب الله تعالى من الزكاة هو ما 
فصل النبي ب فمن لم يؤدٌ هذه الأشياء بأن يؤدي قيمتها فقد خالف الأمر ودخل 
تحت الوعيد بقوله تعالى: مدل الت طلم فرلا عي ال هَل لم4 [البَمَرة: 
04[. 

الجواب عنه: أن هذا التفصيل لبيان قدر الواجب لما سمي لا للتقييد به 
وتخصيص المسمى أنه يسير على أرباب المواشي؛ ألا ترى أن الله تعالى قال: خد 
يِن أموليم صكفة هرهم وركيم يا) [التوبة: ]٠٠١‏ جعل محل الأخذ ما سمي بمطلق 
المال فالتقييد بكونه شاة أو إبلاً زيادة على الكتاب وهو كالنسخ» فلا يجوز بخبر 
الواحد» والذي يفيد أن الحق في مطلق المالية قوله بية: «في خمس من الإبل؛ 
وكلمة في للظرفية حقيقة» وعين الشاة لا توجد في الإبل وإنما توجد فيها مالية الشاة 
فعرف ان المراد بالشاة قدر ماليتها على أن الزكاة ول حقاً لله تعالى» لأن العبادة لا 
يستحقها غيره» وقد أسقط حقه من صورة الشاة باقتضاء النص في ذلك» لأنه عر وجل 
وعد أرزاق العباد بقوله: رما من باكر في الأزض إلا عل أله رها) [هُود: ]٦‏ ثم 


rr‏ الغرة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة 


أوجب لنفسه حقاً في مال الأغنياء وهي الزكاةء ثم أمرهم بقوله تعالى: اار4 
[البَمَرَة: ]٤١‏ بالصرف إلى إلفقراء لقوله تعالى: «إتا أَلكَدَقَتٌ للَمْمَرء [التوبة: ]١١‏ 
إيفاء للرزق الموعود لهم من الله والمال المسمى لا يحتمل إنجاز الوعد منه 
لاختلاف المواعيد إذ الرزق عبارة عما تقع به الكفاية من المأكول والملبوس وسائر ما 
لا بد منه» وكان الأمر بصرف هذا المال لإيفاء رزقهم دليلاً على إذنه بالاستبدال بسائر 
الأموال لتندفع بها حوائجهم المختلفة إذ عين الشاة لا يصلح لجميع قضاء الحوائج 
فنحن إنما جؤزنا القيمة بإذن الشارع الثابت باقتضاء النص والأحاديث الواردة التي مر 
ذكرهاء والخصم» بدّل ذلك الإذن بالتقييد» فيكون هو داخلاً تحت قوله تعالى: 
مدل ليت فكأ [البَمَرَة: ۹] لا نحن. علم أن الاستشهاد بمثل هذه الآية 
الواردة في حق الكفار الذين يبدلون كلام الله لا يكون لائقاً لأهل العلم في حق 
بعضهم ببعض في مسائل الاجتهاد» ولكن نحن عارضنا بالمثل إذ معارضة الفاسد 
بمثله من وجوه النظر. 

الثالث: أن الأمة أجمعت أنه لو أذى القيمة مكان الشاة في الضحايا والهدايا لا 
يكون كافياً» فلا يكفي في الزكاة فلا يخرج به عن عهدة الأمر إلا بأداء عين الشاة. 

الجواب عنه: أن القربة في الضحايا والهدايا في نفس إراقة الدماء على خلاف 
القياس» ولهذا لو هملكت الشاة بعد أن ذبح قبل اماق لا يلزمه شيء وإراقة الدم 
ليست بمتقومة حتى يجوز أداء قيمتها بدلها ولا يعقل فيها معنى» فلا يجوز القياس 
عليها. وأما وجه القربة في الزكاة فسد حاجة الفقير» وهو أمر معقول وذلك المقصود 
حاصل بأداء القيمة بأتم الوجوه» فيجوز بطريق الأولى. فإن قيل هذا التعليل منقوض 
بالصلاة» فإن المقصود منها حضور القلب» فإذا حصل حضور القلب فلا تجب 
الصلاة ولما كان هذا باطلاً بطل ما ذكرتموه. هكذا أورده الخصم قلت: المقصود من 
الصلاة تعظيم الله تعالى والخضوع والخشوع والتواضع في الظاهر أعمال الجوارح من 
الركوع والسجود» وفي الباطن الحضور بالقلب وذلك المجموع لا يحصل بمجرد 
حضور القلب بدون الأركان. 

مسألة : تجب الزكاة: في الحلي من الذهب والفضة» عند أبي حنيفة وأصحابه 
رضي الله عنهم؛ وهو مذهب عمر بن الخطاب» وابن مسعود» وعبد الله بن عمر» 
وابن عباس» وعبد الله بن عمرو بن العاص» وأبي موسى الأشعري من الصحابة 
رضي الله عنهم» وجمهور التابعين. وعند الشافعي رحمه الله» لا تجب الزكاة في 
الحلي المباح في قول» وفي قول تجب. 


الغرة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام آبي حنيفة ا 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه من وجوه: 

الأول: ما رواه حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن امرأة 
أتت النبي ية وفي يدها ابنة لها وفي يد ابنتها مسكتان: أي - سواران ‏ غليظان من 
ذهب» فقال رسول الله كا : «أتعطين زكاة هذا؟» قالت: لاء قال: «أيسرك أن يسورك 
الله بهما يوم القيامة» سوارين من نار» فاختلعتهما وألقتهما إلى رسول الله ب 
وقالت: هما لله ورسوله» رواه أبو داود» والنسائي» وقال النووي: إسناده حسن. 

الثاني : ما رواه بو داود بإسناده عن عبد الله بن شداد بن الهاد أنه قال: د 
على عائشة زوج النبي ي فقالت: دخل علي رسول الله ب فرأى في يدي فتخات : 
أي خواتم من ورق› فقال: «ما هذا يا عائشة؟» قلت: صنعتهن أتزين لك بهن يا 
رسول الله . قال: «أتؤدين زكاتهن؟» قلت: لاء أو ما شاء الله» قال: «هي حسبك من 
النار» أخرجه الحاكم في المستدرك» وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين . 

الغالث: ما رواه أبو داود عن أم سلمة رضي الها فال كنت :الجن 
أوضاحاً أو حلياً من ذهب فقلت: يا رسول الله أكنز هو؟ فقال: «ما بلغ أن تؤدي 
زكاتها فزكي فليس بكئز» أخرجه الحاكم أيضاً في المستدرك على شرط البخاري 
ومسلم. 

الرابع: ما رواه الدارقطني عن علقمة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن 
امرأة أتت نبي اله بل فقالت: إن لي حلياًء وإن لي بني أخ أفيجزىء عني أن أجعل 
زكاة الحلي فيهم» قال: « 

الخامس: عموم القرآن E‏ في وجوب الزکاةء لقوله تعالی: ولیت 
بكرت لذب اة ولا ففرا ف سيل أله [القوبة: ]٠١‏ الآية وقوله : 
E e e E‏ العشرا. 
حجة الشافعي رحمه الله من وجوه: 

الأول: ما روى جابر عن النبي با أنه قال: «ليس في الحلي زكاةا. 

الجواب عنه: قال البيهقي والذي يروي عن جابر عن النبي بي «ليس في الحلي 


زكاة» لا أصل له» وفيه عافية بن أيوب مجهول» فمن احتج به مرفوعاً كان مغروراً 
بدینه داخلاً فیما یعیب به من یحتج بالکذابین. 


الثاني : ما روي أن النبي بي قال: «زكاة الحلي عاريتها) . 


ا الغرَة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة 

الجواب عنه: أن هذا لا يوجد مرفوعاًء وقال أبو بكر الرازي هذا لا يصح: 
لأن الزكاة واجبة» والعارية ليست بواجبة. 

الغالث: أن الحلي مال مبتذل في مباح فلا يكون حلي الرجالء لأنها وإن كانت 
مبتذلة لكن في الحرام» فلا يمكن الإلحاق بشياب المهنة. 

الجواب عنه: أنه لا يجوز ترك الأحاديث المذكورة بالقياس على أن سبب 
وجوب الزكاة مال نام وذلك موجود في الحلي باعتبار أنه خللق الله تعالى الذهب 
والفضة للنماء» ولكونهما أثمان الأشياء بخلاف ثياب البذلة» فإنها غير نامية فلا يقاس 
عليها. 

مسألة: من كان له مال فاستفاد في أثناء الحول من جنسه ضمه إلى ماله وزكاه 
بحوله کما في الأولاد والأرباح» عند أبي حنيفة وأصحابه رضي الله عنهم. وعند 
الشافعي رحمه الله» لا يضم إلى ما عنده بل يشترط لكل مال مستفاد حول على حدة. 


حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 

أن المجانسة هي علة الضم في الأولاد والأرباح» لأنه عند المجانسة يتعسر 
التمييز فيعسر اعتبار الحول في كل مستفاد وما شرع إلا للتيسير فيعود الأمر على 
موضوعه بالنقض عند اشتراط حول جدید لکل مستفاد» وقد قال الله تعالی: وما 
جمَل مک ی لن ين حرج [الحَج: ۷۸] وأي حرج أعظم من هذا؟ فإنه لو فرض 
أنه استفاد في يوم وقت الظهر شيئاً ووقت العصر شيئاً وفي الليل شيئاً وفي كل يوم 
كذلك فيحتاج إلى حساب الحول لكل مستفاد وفيه من الحرج ما لا يخفى . 


حجة الشافعي رحمه الله: 

قوله بية: «لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول». 

الجواب عنه: أن الأولاد والأرباح مخصوصان عن هذا الحديث فيخصص 
المتنازع فيه بالقياس عليهما. 

مسألة: لا تجب الزكاة على المديون إذا كان الدين يحيط بماله. عند أبي حنيفة 
وأصحابه رضي الله عنهم . وعند الشافعي رحمه اللهء الدين لا يمنع وجوب الزكاة. 


الغرّة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة ادا 


حجة أبي حنيفة رضي الله عنه من وجوه: 

الأول: حديث عثمان رضي الله عنه حيث قال في خطبته في رمضان: آلا إن 
شهر زکاتکم حضر فمن کان له مال وعلیه دين فلیحتسب ما له بما علیه» ثم لیترك 
بقية ماله. ولم ينكر عليه أحد من الصحابة» وكان إجماعاً منهم على أنه لا زكاة في 
المال المشغول بالدين. 

الثاني : أن المديون يحل له أن يأخذ الزكاة فلا يكون غنياًء إذ الغني لا يحل له 
أخذ الصدقة» قال النبي لا : «لا تحل الصدقة لخني» وإذا لم يكن غنياً لا تجب عليه 
الزكاة» لقوله عليه الصلاة والسلام: «لا صدقة إلا عن ظهر غنى». 

الغالث: أن ماله مشغول بحاجته الأصلية وهي قضاء الدين اعتبر معدوماً 
كالمشغول بالشرب للعطش وثياب اللبس. 

الرابع : أن الشرع لا يرد بما لا يفيد ولا فائدة» في أن يأخذ المديون شاة من 
صدقة غيره ويعطي للفقير شاة من نصابه . 

الخامس: أن ملك المديون في النصاب ناقص» فإن صاحب الدين إذا ظفر 
بجنس حقه يأخذه من غير قضاء ولا رضي منه» فصار من هذه الحيشية كالوديعة 
والمخصوب . 
حجة الشافعي رحمه الله : 

قوله بة: «هاتوا ربع عشر أموالكم» وهذا الخطاب عام يتناول المديون وغيره. 

الجواب عنه: أنه قد خص عنه الأموال المشغولة بالحاجة الأصلية فيخصص 
المتنازع فيه بجامع الحاجة والشغل بها. 

مسألة: لا تجب الزكاة في مال الضمان» وهو المال الموقوف في الصحراء إذا 
نسي مکانه ولا یرجی وجدانه» عند أبي حنيفة رضي الله عنه. وعند الشافعي 
رحمه الله» يجب فيه الزكاة بجميع ما مضى من السنين إذا وجده مالكه. 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 

قول علي رضي الله عنه: «لا زكاة في مال الضمان» وهذا لأن وجوب الزكاة هو 
المال النامي بالإجماع والإنماء لا يكون إلا بالقدرة على التصرف ولا قدرة هاهناء ولو 
زكى من أصل المال يلزمه استئصاله» وهو حرج» والحرج مرفوع لقوله تعالى: ويا 
َمل مک فی الین ن حَچ [الحج: ۷۸]. 


E‏ الغرّة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام آبي حنيفة 
حجة الشافعي رضي الله عنه: 

قوله عليه الصلاة والسلام: «في عشرين مثقالاً نصف مثقال وفي الرقة ربع 
العشر» وهذا عام في جميع الأموال. 

الجواب: أن وجوب الزكاة مختص بالمال النامي وغير النامي مخصوص عن 
المنصوص بالإجماع» فيخص عنه المتنازع فيه بالمقياس عليه بجامع عدم إمكان 
التماء. 

مسألة: مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه أنه يجب العشر في الفواكه سواء بقيت 
إلى السنة أو لا. ومذهب الشافعي رحمه الله لا يجب فيما لا يبقى وهو قول أبي 
پوسات وسن را ا8 من وجرد 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه من وجوه : 

الأول: عموم قوله تعالى : واا حَقَمٌ يوم مكايو [الأنعام: .]٠٤١‏ 

الثاني : عموم قوله بل: «فيما سقي بماء السماء والعيون العشر» أخرجه البخاري 
ومسلم. 

الثالث: عموم قوله عليه الصلاة والسلام: «ما أخرجته الأرض ففيه العشر» قال 
الإمام فخر الدين الرازي مع تعصبه: اختياري قول أبي حنيفة. وقال أبو بكر بن 
العربي: أقوى المذاهب في المسائل مسألة أبي حنيفة دليلاً وأحوطها للمساكين نفعاً. 
حجة الشافعي رحمه الله : 

قوله عليه الصلاة والسلام: «ليس في الخضراوات صدقة» أي عشر» لأن الزكاة 
غير منفية بالإجماع. 

الجواب عنه: أن المراد بالصدقة المنفية في الحديث الزكاة» لأن مطلق اسم 
الصدقة ينصرف إليها دون العشر» والمراد بالنفي زكاة يأخذها العاشر إذا مر به فإنها 
منفية عند أبي حنيفة فلا يصح دعوى الإجماع. 

مسألة: مذهب أبي حنيفة وأصحابه رضي الله عنهم أنه إذا اجتمع على إنسان 
زکاة سنين» ثم مات قبل الأداء ولم يوص بإخراج الزكاة لا تؤخذ من التركة. وعند 
الشافعي تؤخذ منها أوصى بذلك أو لا. 


(1) وتابعهما الشافعي رضني الله عنه (). 


TTY 


الغرَة 


في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 

قوله يية: «يقول ابن آدم مالي مالي وهل لك من مال إلا ما أكلت فأفنيت 
ولبست فأبليت وتصدقت فأمضيت وما سوى ذلك فهو مال الوارث» فهذا الحديث 
يقتضي أن يكون الوارث هو المالك ولم يبق للميت ملك» فكيف تؤخذ الزكاة من 
مال الوارث»ء ولأن الواجب عليه إيتاء الزكاة باختياره مع النية» لأن الزكاة عبادة فلا 
تتأدى إلا بالاختيار والنية فلا يكون المأخوذ من التركة زكاة» وخلافة الوارث ليس 
باختيار الميت فإنها ثابتة شاء أو أبى فلا تتأدى العبادة بفضل وارث إلا أن يكون 
أوصى بذلك لوجود الاختيار منه لكنه يؤخذ من الثلث. 


حجة الشافعي رحمه الله : 

أن الزكاة حق الفقراء لقوله تعالى: إا ألَكَقّتٌ مقر والسكين) [الغربة : 
]٠‏ والموت لا يبطل حقهم كديون العباد. 

الجواب: لا نسلم أن الزكاة قبل الأداء حق الفقراء بل هي حق الله لأنها عبادة 
لا يستحقها غيره» والفقراء مصرفها وإنما يصير لهم بعد الدفع إليهم فإذا مات صار 
المال للورثة وحق العبد لاحتياجه مقدم بخلاف ديون العباد فإنهم أيضاً محتاجون 
فيقدمون على الورثة لأن الدين مقدم على الإرث لقوله تعالى: ين بعد وَِيَة بوي 
پا أو ك [الشساء: .]١١‏ 


کتاب الصوم 
مسألة: مذهب أبي حنيفة وأصحابه رضي الله عنهم أن صوم رمضان يجوز بالنية 


من الليل وهو الأولى وإن لم ينو حتى الصبح أجزأته النية إلى ما قبل نصف النهار. 
وعند الشافعي رحمه الله : لا يجوز إلا بالنية من الليل. 


حجة أبي حنيفة رضي الله عنه من وجوه: 

الأول: ما رواه البخاري عن سلمة بن الأكوع قال: «أمر رسول الله اة رجلاً 
أن أذن في الناس أن من أكل فليصم بقية يومه ومن لم يكن أكل فليصم» قاله يوم 
عاشوراء وكان يومئذ فرضاً عليهم بدليل ما روى البخاري عن عروة بن الزبير أن 
عائشة رضي الله عنها قالت: کان رسول الله ية أمر بصيام يوم عاشوراء فلما فرض 
رمضان کان من شاء صام ومن شاء أفطر. قال الطحاوي: ففي مر النبي بي إياهم 


FTA‏ الغرة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام آبي حنيفة 
بصومه بعدما أصبحوا دلیل على أن من کان في يوم عليه صومه بعینه یجزئه نیته قبل 
نصف النهار. 

الثاني : قوله ا بعدما شهد الأعرابي برؤية الهلال: «ألا من أكل فلا يأكلن بقية 
يومه ومن لم يأكل فليصم» وكان ذلك في رمضان. 

الثال: عموم قوله تعالى: ن تمد ونك مر ة4 [البقرة: .]٠۸١‏ 

الرابع: إشارة قوله تعالی: وگو انرا عق ب لک لبط اليش ي أل 
السود من َر ن أي يم إل أجل [البَقَرّة: 1۸۷] وكلمة ثم للتراخي ومن 
ضرورته وقوع النية في النهار. 
حجة الشافعي رضي الله عنه من وجوه: 

الأول: قوله عليه الصلاة والسلام: «لا صيام لمن لم ينو الصيام من الليل؟. 

الجواب عنه: أنه محمول على نفي الفضيلة والكمال إذ الحقيقة غير مرادة 
لوجود صوم النفل بدون النية من الليل بالاتفاق فيحمل على صوم لا يكون متعيناً 
کقضاء رمضان وصوم الكفارات عملا بالدلائل. 

الثاني: قوله تعالی: سارعا إل مور من َي [آل عمران: ]٠١١‏ والنية 
من الليل مسارعة فتجب من الليل إذا ثبت الوجوب ثبت الاشتراط لعدم القائل 
بالفصل . 

الجواب عنه: الليل ليس بمحل الصوم فلا تجب المسارعة قبل دخول الوقت . 

الثالث: أن هذا الصوم لا يخلو إما أن يكون منوياً أو غير منوي وكلا القسمين 
باطل فبطل هذا الصوم وذلك لأنه إذا كان منوياً؛ والنية قصد وتعلتق الصوم والقصد 
بالماضي محال فیکون بعضه منوياً وبعضه غير منوي وهو غير متجزیء فلا یکون الکل 
منوياً وكذا إذا لم يكن منوياً أصلاً إذ الصوم عمل لقوله بي : «أفضل الأعمال الصوم؛ 
والعمل لا يصح إلا بالنية لقوله عليه أفضل الصلاة والسلام: «الأعمال بالنيات» 
وقوله ية : «لا عمل لمن لا نية له» فظهر أن هذا الصوم غير جائز. 

الجواب: أن هذا الصوم منوي؛ لكنه ركن واحد ممتد والنية لتعيينه لله وقد 
وجدت في الأكثر والأقل تابع له فيسترجع بالكثرة جانب الوجود فكأنه وجدت النية 


في الجميع حكماً. 


الغرّة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام آبي حنيفة r4‏ 

الرابع : أن الصوم بنية من الليل أفضل بالإجماع فدل على أن النبي ييي كان قد 
ينوي من الليل لأن أفضل الخلائق لا يترك أفضل الأعمال فتجب متابعته علينا لقوله 
تعالی : يو4 [الأنعام: .]٠١۳‏ 

الجواب عنه: أن المتابعة هو الإتيان بالصفة التي أتى بها النبي بي وقد أتى بها 
على سبيل الأولوية دون الوجوب فنحن نتبعه كذلك. ٠‏ 

مسال مذهب أبي حنيفة وأصحابه رضي الله عنهم أن صوم رمضان یتأڏی 
بمطللق النية وبنية النفل وبنية واجب آخر. ومذهب الشافعي رحمه الله لا يتأدى إلا 
بتعيين النية أنه من رمضان. 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 

أن الفرض يتعين في هذا الوقت وغيره غير مشروع فيه لقوله عليه الصلاة 
والسلام : «إذا انسلخ شعبان فلا صوم إلا صوم رمضان؛ فلا يحتاج إلى التعيين فيصاب 
بمطلتق النية ومع الخطأ في الوصف لوجود أهل النية. 
حجة الشافعي رحمه الله من وجوه: 

الأول: أنه إذا لم ينو الصوم من رمضان فلا يحصل له من صوم رمضان لقوله 
تعالی: ون ا لزانتن إلا ما سى @) [التجم: ۳۹] فلا يدل أنه قصده من 
رمضان فلا یحصل له صوم رمضان لقوله بل: «لیس للمرء من عمله إلا ما نوی». 

الجواب عنه: أنه قد سعى بأصل النية وتعيين الشارع لا يكون أقل من تعيين 
العبد. 

الثاني: أن تعيين النية أفضل بالاتفاق فالظاهر أن النبي با قد أتى به لما ذكرنا 
أن أفضل الخلائق لا يترك أفضل الأعمال فيجب علينا الاتباع لقوله تعالى : تبغر 
[الأنعَام: ]٠٠١‏ وإذا ثبت الوجوب ثبت الاشتراط . 

الجواب عنه ما مر: أن الاتباع هو الإتيان بالصفة التي أتى بها النبي ية وقد أتى 
بها على صفة الأولوية دون الوجوب فكذا في حقنا. 

الغالث: أن الصوم بتعيين النية صحيح بالاتفاق وبلا تعيين مختلف فيه فتعيين 
النية أقرب إلى الاحتياط فيجب لقوله بي: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك». 

الجواب: أن هذا الدليل يقتضي وجوب رعاية موضع الخلاف فيجب على 
الشافعي أن يتوضاً مما يخرج عن غير السبيلين كالدم» وعن القهقهة في الصلاة ولا 


f‏ الغرّة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنبفة 
يأكل متروك التسمية عامداً إلى غير ذلك من مواضع الخلاف» ولكن هو غير قائل 
بالوجوب: فكذا نحن نقول: بأن الأولى مراعاة موضع الخلاف. 

مسألة: مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه» أن من رأی هلال رمضان وحده فشهد 
عند القاضي فر شهادته ثم أفطر بالوقاع فعليه القضاء دون الكفارة ومذهب الشافعي 
رحمه الله : أن عليه القضاء والكقارة. ب 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه: 

ن القاضي رڌ شهادته بدليل شرعي»› وهو تهمة الغلطء لأن تفرده بالرؤية مع 
تساوي كافة الناس في النظر والمنظر والجو والالتماس يورث تهمة الخلط؛ وهذه 
الكفارة تندرىء بالشبهات» ولأن عدم وجوب الصوم على غيره دلیل على أن هذا 
اليوم ليس من رمضان في حق الكافة وكذا في حقه لقوله تعالى: تمن سد ینک 
اهر ية [البّرة: ]۱۸١‏ وقوله بيا : «صوموا شهركم؟ وقوله ي: «صومكم يوم 
تصومون» فجعل الشهر مضافاً إلى الكافة لا إلى واحد بعينه فلا تثبت الرمضانية إلا 
بوجوب الصوم على الكل فإذا لم تثبت الرمضانية قطعاً لا تجب الكفارة. 
حجة الشافعي رحمه الله : 

أنه أفطر ورمضان حقيقة لتيقنه أنه من رمضان لوجوب ما يوجب التيقن وهو 
الرؤية وتيقنه لا يتغير لشك غيره» ولهذا أمر بالصوم فيه فتلزمه الكفارة بإفساده. 

الجواب عنه: أنه لما رد القاضي شهادته صار مكذباً شرعاً فالتحق بالعدم على 
أن شبهة التخيل باقية في حقه لبعد المسافة ودقة المرئي» فتحمل أنه رأى الخيال فلم 
يتحقتق التيقن في حقه أيضاً والقضاء محتاط في إيجابه دون الكفارة. 

مسألة: مذهب أبي حنيفة وأصحابه رضي الله عنهم أنه إذا أفاق المجنون في 
بعض شهر رمضان فعليه صوم ما بقي وقضاء ما مضی . ومذهب الشافعي رحمه الله 
آله لسن غلهة شیا ما امقی"؟. 


(۱) وهذه رواية عنه وعليها بنى الرازي كلامه فجاراه المؤلف وكم من مسائل في الكتاب يبت 
الرازي في نسبتها إلى الشافعي مع اختلاف الروايات عنه فيكون رد المؤلف على الرازي لا 
الإمام نفسه في كثير من المسائل. راجع المجموع للنووي لترى نمافج لذلك (ز). 


الغرّة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنبفة 41 
حجة أبي حنيفة رحمه الله: 

أن السبب وهو شهود الشهر قد وجد. قال الله تعالى: لمن ہد نکم اهر 
يست [البقّرة: ]۱۸١‏ والمراد به شهود بعض الشهر إذ لولا ذلك لكان السبب شهود 
جميع الشهر فيقع الصوم في شوال فيعقد سبباً لوجوب القضاء إذ لا حرج في ذلك 
بخلاف المستوعب لأنه يحرج في ذلك» وخلاف الصبي إذا بلغ لأنه عتد فيخرج 
الصبي الإيجاب عليه» ولأن المجنون مريض فيجب عليه القضاء إذا أفاق لقوله تعالى : 


4 


یمن کات ینم ریسا أ عل سَقَرٍ دة يِن اياي أ [البقرة: .]١۸4‏ 


حجة الشافعي رحمه الله : 

أن القضاء إنما يجب في موضع تجب فيه نية الأداء والمجنون لم يجب عليه 
الأداء فلا يجب عليه القضاء لأنه مبنى عليه ولا يجوز نقضه بقضاء ما فات من الصوم 
في زمان الحيض لأن ذلك ورد على خلاف القياس فلا يمكن إيراده نقضاً على ما 
ثبت على وفق القياس . 

والجواب عنه: أن القضاء إذا كان بسبب جديد لا يكون مبنياً على الأداء وإن 
كان سبب الأداء فيكفي فيه وجود السبب وعدم الحرج كما في النائم والمغمى عليه إذا 
لم يزد على يوم وليلة. 

' مسألة: مذهب أبي حنيفة وأصحابه رضي الله عنهم أنه لو أفطر صائم في 
رمضان متعمداً بالأكل والشرب يجب عليه القضاء والكفارة. ومذهب الشافعي 
رحمه الله أنه لا تلزمه الكفارة. 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 

ما رواه الدارقطني» عن عامر بن سعد» عن أبيه قال: جاء رجل إلى النبي بل 
فقال: أفطرت يوماً من رمضان متعمداً قال : «أعتق رقبة أو صم شهرين مکابعین أو 
أطعم ستین مسکيناً» وكذا روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال: يا رسول الله : 
إني أفطرت في رمضان» فقال عليه الصلاة والسلام: «من غير سفر ولا مرض؟» قال: 
نعم. قال رسول الله بية: «أعتق رقبة» فهذا بإطلاقه يوجب الكفارة بالأفطار وإن كان 
بالأكل والشرب» على أن بعض الرواة قال: إن الرجل قال: شربت في رمضان وهو 
الأصح عن أبي داود» وقال علي رضي الله عنه: إنما الأكل والشرب والجماع ولأن 
الكفارة إنما وجبت بالجماع لهتك حرمة الصوم بالإفطار وقد تحقق ذلك على الكمال 


e‏ الغرة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنبفة 


بالأكل والشرب» وهذا لأن الله تعالى أباح الأكل والشرب والجماع إلى أن يتبين 
الفجر ثم قال: نر أي ايم [البَقَرَة: ۱۸۷] أي احفظوها عن هذه المفطرات 
الثلاث إلى الليل» فصار الإمساك عن هذه المفطرات ركنا للصوم» فإذا وجبت الكفارة 
بفوت الإمساك عن الجماع» فكذا بفوت الإمساك عن الأكل والشرب للاستواء في 
الركنية. 
حجة الشافعي رحمه الله : 

أن أبا حنيفة رضي الله عنه يسلم أنه لو أفطر أولاً لأكل الطين أو ابتلاع الحجر 
ثم بأكل الطعام أو شرب الماء لا تجب عليه الكفارة وكذا لو ابتدأ بأكل الخبز وشرب 
الماء لا تجب عليه الكفارةء لأنه لا تفاوت في الأكل بين أن يأكل الطين ويبلع الحجر 
ثم يأكل الطعام ويشرب الماء وبين أن يأكل الطعام ويشرب ابتداء. 

الجواب عنه: أن هذا قياس مع الفارق وهو أنه إذا أفطر أولاً بأكل الطين أو 
ابتلاع الحجر لم يبق صائماًء لقوله بي: «الفطر مما يدخل» والكفارة إنما تجب إذا 
أكل أو شرب وهو صائم بخلاف ما لو ابتدأً بالأكل والشرب لوجود الجناية على 
الصوم» ثم قال: إن الجماع أقوى في الأثر لوجوب الكفارة من الأكل والشرب من 
وجوه 

الأول: أنه إذا اشتد الجوع يجوز أكل مال الغير بقدر الحاجة» ولو اشتدت 
شهوة الجماع لا يجوز قضاؤه من الحرام. 

والشاني: أنه إذا اشتد الجوع والعطش يجوز له الإفطار» ولو اشتد الشبق لا 
يجوز له الإفطار بالمباشرة» فعلم أن الجماع في رمضان أشد إفطاراً من الأكل 
والشرب. 

الثالث: أن المحرم بالحج أو العمرة يجوز له الأكل والشرب» ولا يجوز له 
الجماع. 
والرابع: أنه لو أكل أو شرب الحرام لا يحد» ولو جامع الحرام يحد. 

والجواب عنه: أن التفاوت بين الجماع وبين الأكل والشرب في هذه الأشياء لا 
يوجب التفاوت في وجوب الكفارة لوجود المساواة في الركنيةء فإنا نعلم قطعاً أن 
عين الجماع ليس بجناية لوقوعه في محل مملوك» وإنما الجناية بالفطر لهتك حرمة 
رمضان بإفساد صومه والجماع آلته» وذلك المعنى موجود في الإفطار بالأكل والشرب 
ولا يتفاوت الحكم بتفاوت الآلة» فإن القصاص يجب بالقتل العمد سواء كان بالسيف 
أو السكين أو السهم. 


الغرة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة Fer‏ 

مسألة: مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه» أنه إذا أفطر بالجماع مراراً في رمضان 
فعليه كفارة واحدة وتتداخل الكفارات إذا كان قبل أداء الكفارة. ومذهب الشافعي أنه 
لا تتداخل الكفارات» بل تجب لكل جماع كفارة. 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 

أن الكفارة إنما تجب في الإفطار الأول عقوبة على هتك حرمة الشهرء فإذا 
تكرر منه الهتك قبل أداء الكفارة حصل المقصود وهو الانزجار بكفارة واحدة فيتمكن 
شبهة فوات المقصود في الثانية فتتداخلان كما لو زنى مراراً أو شرب الخمر مراراً فإنه 
يكتفي بحد واحد بخلاف ما لو كفر للأولى» ثم أفطر ثانياً لعدم حصول المقصود 
وھو الانزجار بالأولی فصار کما لو زنی فحد ثم زنی. 
حجة الشافعي رحمه الله : 

أن الإفطار الأول بالوقوع موجب للكفارة بالإجماع» والثاني أولى أن يكون 
موجباً لهاء لأن الأول كان ذنباً بلا إصرارء» والثاني ذنب مع إصرارء فإذا كان الذنب 
بدون الإصرار موجباً للكفارة فمع الإصرار أولى. 

الجواب عنه: أن الثاني إن وجد بعد أداء الكفارة عن الأولى فهو عندنا أيضاً 
موجب للكفارة لعدم حصول المقصود بالأول وإن وجد قبله فيكتفي بكفارة واحدة كما 
هرمن معنى التداخل . 

مسألة: مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه وأصحابه: أنه لو نذر بصوم يوم النحر 
صح نذره لكنه أفطر وقضى . وعند الشافعي رحمه الله لا يصح نذره. 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه: 

أنه نذر بصوم مشروع بأصله إذ النهي لغيره فإذا نذر به يجب الوفاء لقوله 
تعالی : «وَلَيوفُو نوُم [الحجّ: ۲۹] ويوفون بالنذر» وقوله :من نذر وسمّى 
فعليه الوفاء بما سمّى» لكنه يقطر احترازاً عن المعصية المجاورةء ثم يقضي إسقاطاً 
للواجب وفيه عمل بأصله» حيث جوزنا النذر وأسقطنا وصفه» حيث قلنا بالإفطار 
والقضاء» وإن صام فيه يخرج عن العهدة لأنه أذى كما التزم. 


حجة الشافعي رحمه الله : 
أن الصوم في يوم العيد حرام بالإجماع فلا يصح النذر به لأنه لا يصح النذر في 


مخضية آله 


tf‏ الغرة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام ابي حنيهه 


الجواب: أنه نذر بما هو مشروع بأصله وإن كانت المعصية تجاوره فعلاً لا 


مسألة: مذهب أبي حنيفة وأصحابه رضي الله عنهم أنه من شرع في الصوم 
التطوع أو الصلاة التطوع يجب عليه إتمامه فإن أفسده يجب عليه القضاء. ومذهب 
الشافعي رحمه الله : أنه لا قضاء عليه. 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 

ما رواه مالك عن ابن شهاب أن عائشة وحفصة رضي الله عنهما زوجتّي 
الي ية أصبحتا صائمتين متطوعتين فأهدي لهما طعام فأفطرتا فدخل عليهما 
رسول الله ية فابتدرنا لنسأله فبدرتني حفصة بالكلام؛ وكانت بنت أبيها سباقة» 
وقالت: يا رسول الله» إني أصبحت أنا وعائشة صائمتين متطوعتين فأهدي لنا طعام 
فأفطرناء فقال رسول الله با: «اقضيا مكانه يوماً آخر» ولأن المؤدى قربة وعمل 
فتجب صیانته عن الإبطال بالمضي فيه لقوله تعالی: 5 لیاوا اکر [مخئد: ]٣۳‏ 
وإذا وجب المضي وجب القضاء بإفساده. 
حجة الشافعي رحمه الله: 

أن الإجماع منعقد على أن الشرع جوز له ترك الصوم والصلاة المتطوع فيهما 
بجملة الأجزاء» فإذا جاز له الترك بجملة الأجزاء فكذا جاز له ترك بعض الأجزاء. 


الجواب عنه: أنه قبل الشروع لم يؤد شيئاً فجاز له تركه أما بعد الشروع فقد 
أذى بعض القربة فيجب حفظه بإتمامه والقضاء بإفساده. 


كتاب الحج 

مسألة: مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه وأصحابه أن القران أفضل من الإفرادء 
ومذهب الشافعي رحمه الله أن الإفراد أفضل . 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 

ما رواه البخاري» عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سمع عمر رضي الله عنه 
يقول: سمعت النبي ية يقول: «بوادي العقيق أتاني الليلة آت من ربي فقال: صل في 
هذا الوادي المبارك وقل عمرة في حجة» وما رواه مسلم عن نس بن مالك 
رضي الله عنه سمع النبي بي بالبيداء وإنه رديف أبي طلحة يهل بالحج والعمرة 


الغرّة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة to‏ 
جميعاًء وما رواه مروان"“ بن الحكم قال: شهدت عثمان وعلياً رضي الله عنهماء 
وعثمان ينهى عن المتعة والجمع بينهماء فلما رأى علي رضي الله عنه ذلك أهل بهما: 
لبيك بحجة وعمرة وقال: ما كنت لأدع ستة النبي إو لقول أحد» ولأن فيه جمعاً بين 
العبادتين فأشبه الصوم والاعتكاف والحراسة في سبيل الله وصلاة الليل. 
حجة الشافعى رحمه الله : 

قوله بيا: «القران رخصة والرخصة دون العزيمة» ولأن في الإفراد زيادة التلبية 
والسفر والحلق. 


الجواب عنه: أن المقصود بما روي ففي قول الجاهلية أن العمرة في اهر 
الحج من أفجر الفجور على أن قوله تعانى: يا َل ولم بر4 [البَمَرَة: ]۱۹١‏ 
محمول على الإحرام بهما من دويرة أهله» فكان القران عزيمة لا رخصةء والتلبية غير 
محصورة» والسفر غير مقصود» والحلق خروج عن العبادة فلا ترجيح بما ذكر. 


مسالة: مذهب أبي حنيفة وأصحابه رضي الله عنهم: أن القارن يطوف طوافين»› 
ويسعى سعيين . وعند الشافعي رحمه الله : يطوف طوافاً واحداً ويسعى سعياً واحداً. 


حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 

ما رواه الطحاوي عن أبي النضر قال: أهللت بالحج فأدركت علياً فقلت له: 
إني أهللت بالحج أفأستطيع أن أضيف إليه عمرة؟ قال: لو كنت أهللت بالعمرة ثم 
أردت أن تضم إليها الحج ضممتهء قال: قلت: كيف أصنع إذا أردت ذلك؟ قال: 
تصب عليك أداة ماء» ثم تحرم بهما وتطوف لكل واحد منهما طوافاً» وعنه عن علي 
وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهماء قال: القارن يطوف طوافين ويسعى سعيين» 
وعنه عن عمران بن حصين رضي الله عنه أن النبي ييا طاف طوافين وسعى سعيين› 
وما رواه الدارقطني عن علي رضي لله عنه أن النبي بء كان قارناً فطاف طوافين 
وسعى سعيين» ولما طاف صبي بن معبد طوافين وسعی سعيین قال له عمر 
رضي الله عنه: هديت لسنة نبيك ولأن القران ضم عبادة إلى عبادة» وذلك إنما يتحقق 
بأداء عمل لكل واحد على الكمال» وذلك بطوافين وسعيين. 


(۱) يراجع ترجمته في تهذيب التهذيب (ز). 


1 الغرّة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة 
حجة الشافعي رحمه الله : 

قوله بلة: «دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة» ولأن مبنى القران على 
التداخل حتى أكتفي بتلبية واحدة وسفر وحلق واحد فكذلك في الأركان. 

والجواب عنه: أن معنى ما رواه دخلت وقت العمرة في وقت الحج لا أفعالها 


في أفعاله عملا بالدليلين» والقران عبادة مقصودة فلا تداخل فيهاء والسفر للتوسل 
والتلبية للتحرم» والحلتق للتحلل فليست هذه الأشياء بمقاصد بخلاف الأركان. 


کتاب البيع 


مسألة: مذهب أبي حنيفة وأصحابه رضي الله عنهم : اناس اشتری فیا لم يره 
فهو جائز وله الخيار إذا رآه. ومذهب الشافعي رحمه الله: لا يصح العقد أصلاً. 


حجة أبي حنيفة رضي الله عنه من وجوه: 

الأول: ما رواه البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: بعت من 
آنیں اوی عتما سلا لادی ای دی الى جا 4 میور فلا بايا 
رجعت على عقبي حتى خرجت من بيته خيفة أن يزاد في البيع» فقد تبايعا ما لم يكن 
بحضرتهما ولم ينكر عليهما أحمد 

٠‏ ما رواه الطحاوي عن ابن أبي مليكة عن علقمة بن أبي وقاص الليڻي 
قال : اشترى طلحة بن عبيد الله من عثمان بن عفان رضي الله عنهما مالاً وكان المال 
I ey SAE ir A SERE a ag‏ 
أره» وقيل مثل ذلك لطلحة» فقال: لي الخيار ي اشتریت مالم أره» فحكما جبير بن 
مطعم» فقضي أن الخيار لطلحة ولا خيار لعثمان» وذلك بمحضر من الصحابة ولم 
ينكر أحد. 

الثالث: ما رواه الدارقطني عن مكحول ورفع الحديث إلى رسول اله كل قال : 
«من اشتری شیئاً لم یرہ فهو بالخیار إذا رآه إن شاء أخذه وإن شاء ترکه» وذکر أن فيه 
ابن أبي مريم وهو متكلم فيه. قلنا: هذا طعن مبهم فلا يقبل. 


(۱) روی عنه کبار. قال ابن حیان: کان من خیار آهل الشام لکنه کان رديء الحفظ. أخرج له 


أبو داود والترمذي وابن ماجة (ز). 


الغْرّة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة PEV‏ 
حجة الشافعي رحمه الله من وجوه: 


الأول: أن النبي بي «نهى عن بيع الخرر؟ وبيع ما لم ير فيه غرر لأنه ريبما 
یوافقه وربما لا يوافقه فيكون داخلاً تحت النهي. 


والجواب عنه: أن الخرر ليندفع بالخيار فإنه إذا لم يوافقه يرده. 
جوا وا 1 واه پر 


الثاني: أن جواز البيع مشروط بالرضاء لقوله تعالى: لا تأڪأوا آنرككم 
بتڪم بالل إل آن ترت دة عن رض [الئساء: ۲۹] والرضى بالشيء إنما 
يحصل إذا كان معلوماً بجميع صفاته» وإذا لم يكن مرئياً لم يكن العلم بجميع 
الصفات حاصلاً فلا يجوز بيع ما لم يكن مرثاً. 


والجواب عنه: أن هذا البيع تجارة عن تراض لوجود الإيجاب والقبول منهما 
بالتراضي والعلم» إنما يشترط للزوم العقد دون انعقاده فإذا رضي بعد الرؤية تم العقد 
وإلا لا يتم. 

الثالث: أن بيع الغائب يفضي إلى الخصومة» لأنه إن لم يوافق طبع المشتري 
وأراد الفسخ له ذلك» لقوله ي: «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام» ولو أراد البائع 
عدم الفسخ له ذلك» لقوله تعالى: أا مفو [المَائدة: ]١‏ فبناء على هذين 
الدليلين المتعارضين تقع بينهما المنازعة وهي حرام لقوله تعالى: ولا تكرَعرأي 
[الأنقال: .]٤١‏ 

الجواب عنه: أن الجهالة بعدم الرؤية لا تفضي إلى الخصومة» لأنه إذا لم 
يوافقه يرده وليس للآخر أن يمتنع عن ذلك لأن خيار الرؤية ثابت للمشتري شرعاً 
وهما قد رضيا بذلك حيث باشر ذلك العقد فترتفع المنازعة كما في خيار الشرط فصار 
كجهالة الوصف والمعاين المشار إليه. 

ا مذهب أبي حنيفة وأصحابه رضي الله عنهم: أنه إذا حصل الإيجاب 
والقبول لزم البيع والخيار لواحد من المتعاقدين والفسخ قبل الافتراض من المجلس 
وقال الشافعي رحمه الله: لكل واحد منهما خيار المجلس. 


حجة أبي حنيفة رضي الله عنه من وجوه: 
الأول: قوله تعالى: أا مود [المَائدة: ]١‏ وهذا عقد فيلزم الوفاء به 
بظاهر الآيةء وفي الفسخ بخيار المجلس نفي لزوم الوفاء به. 


A‏ الغرّة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة 


الثاني : ما رواه مالك» عن نافع» عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله ل 
قال : «من ابتاع طعاماً فلا یبعه حتی یستوفیه» وفي رواية حتی يقبضه» ففیه دلیل على 
أنه إذا وجد القبض جاز البيع ولو في مجلس العقدء والبیع لا يجوز بعد ثبوت الملك 
له» وإذا ثبت له الملك لا يجوز إبطاله إلا برضاه لقوله تعالی: ايا آأزیت ١امَنوا‏ 
کا تارا آنرکگم بتڪم اتکی إل ان کرت جص عن ت( [اشاء: ۲۹]. 

الثالك: ما رواه البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنا مع النبي بل 
في سفر فكنت على بكر صعب لعمر» وكان يغلبني فيتقدم القوم فيزجره عمر 
رضي الله عنه ویرده» ثم تقدم فقال رسول الله ية لعمر: بعنيه» فقال: هو لك يا 
رسول اله» فقال: «بعنيه» فباعه من رسول الله ية فقال النبي ب: «هو لك يا 
عبد الله بن عمر فاصنع به ما شئت» أخرجه البخاري في باب ما لو اشترى شيا فوهب 
من ساعته قبل أن يتفرقا» وفي هبة النبي بيا قبل التفرق بالأبدان دليل على أن البيع 
لازم بدون التفرق . 


الرابع : أن في الفسخ بدون رضی الآخر إبطال حقه فلا يجوز إلا بإذنه. 


حجة الشافعى رحمه الله : 
قوله با : «المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا» رواه مالك في الموطاً. 


الجواب عنه: أن هذا الحديث منسوخ» لأن مالكاً رحمه الله رواه وترك العمل 
به» فقيل له فيه فقال: رأيت إجماع أهل المدينة على خلافه» وإجماع التابعين على 
مخالفة الخبر الواحد دل على انتساخهء أو تقول الحديث محمول على خيار القبول» 
وفي الحديث إشارة إليه فإنهما متبايعان حالة المباشرة حقيقة وبعدها مجازأً» والحمل 
على الحقيقة أولى» والمراد بالتفرق تفرق الأقوال دون الأبدان وهو الواقع في الكتاب 
والسنةء قال الله تعالی : لوان ن ال ڪا ين سَعََد& [الساء: ]٠۳١‏ وقال 
تعالى : را رة َيب أا لكب إل بدا ا جام َة @4 لالبنة: ]٤‏ وقال 
النبي بلة: «افترقت اليهود والنصارى على اثنتين وسبعين فرقة؟ . 


مسألة: مذهب أبى حنيفة وأصحابه رضي الله عنهم: أنه إذا مات 2 یاز 
الشرط في البيع بطل خياره ولا ينتقل إلى ورثته. . وعند الشافعي رحمه الله ينتقل إلى 


ورته. 


الغرّة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام آبي حنيفة ۳44 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه: 

أن المنافي لثبوت الخيار قائم» وهو إبطال الملك على الآخر بالفسخ في مدة 
الخيار بدون رضاه وأنه إضرار به» وقد قال النبي ب «لا ضرر ولا ضرار في 
الإسلامه وإنما يغبت للمورث بالاشتراط ولم يشترط الخيار للوارث فلا يثبت ولا 
يمكن انتقال الخيار إلى الوارث لأن الخيار مشيئة وإرادة وهما وصفان قد عدما بموته 
فلا يتصور انتقالهما إليه. 


حجة الشافعي رحمه الله من وجوه: 

الأول: كون الملك قابلاً لهذاء والفسخ صفة من صفات هذا الملك» وهذه 
الصفة أمر ينتفع به فيكون حقاًء وقد قال بياة: «من ترك مالاً أو حقاً فهو لورثته بعد 
موته). 

الجواب عنه: أن المراد منه حق یمکن بقاؤه بعد موته» والخیار قد بطل بموته 
لكونه مشيئة قائمة بالميت فلا يتصور فيها الانتقال إلى الوارث. 

الثاني : أجمعنا على أن خيار العيب للوارث ابتداء يورث» فكذا خيار الشرط» 
والجامع القدرة على دفع الضرر. 

والجواب عنه: أن خيار العيب يثبت لا بطريق الإرث» وذلك لأن المورث 
استحق المبيع سليماً» فكذا الوارث لأنه خليفته» فأما نفس الخيار فلا يورث. 

مسألة: مذهب أبي حنيفة وأصحابه رضي الله عنهم: أن علة الربا في الأشياء 
الستة الكيل مع الجنس أو الوزن مع الجنس. وعند الشافعي رحمه الله: الطعم مع 
الجنس في المطعومات» والثمينة مع الجنس في الأثمان. 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه: 

قوله بي: «الحنطة بالحنطة مثلاً بمثل والفضل ربا» إلى آخر الحديث» وجه 
التمسك به» أن هذا الحديث قد أوجب كون المماثلة شرطاًء والمماثلة بين الشيئين 
باعتبار الصورة والمعنى في المعيار والمعيار هو الكيل والوزن فسوى الذات والجنسية 
في الصورة والمعنى فيظهر الفضل على ذلك فيتحقق الرباء لأن الربا هو الفضل 
والمستحق في المعاوضة الخالي عن العوض» والذي يؤيد هذا أنه روي مکان قوله 
مثلاً بمثل كيلاً بكيل» وفي الذهب وزناً بوزن» فدل على أن الكيل والوزن هو المؤثر 
في الربا مع الجنسية وإليه الإشارة في قوله بية: «لا تبيعوا الدرهم بالدرهمين ولا 
الصاع بالصاعين؟. 


Yo‏ الغرّة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام آبي حنيفة 
حجة الشافعي رحمه الله من وجوه: 

الأول: قوله عليه الصلاة والسلام: «لا تبيعوا الطعام بالطعام إلا سواء بسواء» 
رتب النبي ية على وصف المطعومية» وهذا الوصف يناسب تحريم الرباء لأن الطعام 
تعلق به الحاجة الأصلية وبذلك القدر الزائد من مثل هذا الشيء يقتضي تفويت ما 
تتعلق به الحاجة الأصلية وأنه يناسب المنع فإن قالوا: إنه يقتضي توسيع الطعام على 
الغيرء قلنا: بذل الزائد يقتضي تفويته على أن المصلحتين إذا تعارضتا فتقديم المالك 
أولى فثبت أنه وصف مناسب» والحكم المذكور عقيبه يقتضي كون الحرمة معللة به 
باتفاق العلماء على أن الحكم عقيب الوصف المناسب معلل به. 

الجواب عنه: أن في الحديث استثني الحال بقوله سواء بسواء» فالمراد منه 
تساويهما في الكيل» إذ المذكور في صدر الكلام هو الطعام» وهو عين واستشناء 
الال من الغين لا يجون فلاب من تتاير شي بمح بةالاستاء وهو عموم صدر 
الكلام في الأحوالء أي لا تبيعوا في جميع الأحوال من المساواة والمفاضلة 
E‏ إلا في حال المساواة» والمراد بالتساوي هو المساواة بالكيل بالإجماع» 
فدل على أن الكيل هو العلة والوصف المذكور وهو الطعم أو الثمنية ليس بمناسب 
فلا يصح التعليل به لأنه من أعظم وجوه المنافع» والسبيل في مثله التوسعة والإطلاق 
بأبلغ الوجوه لشدة الاحتياج إليه دون الحرمة. 

الثاني : أن العلة عند الإمامين» إما الكيل أو الطعم» والتعليل بالكيل لا يجوز 
وإلا لكان ما ليس بمكيل غير رباء فيلزم التخصيص في قوله يي «لا تبيعوا البر بالبر 
إلا سواء بسواء» وذلك خلاف الأصل فثبت أن الكيل لا يصلح علة فتعين الطعم 

الجواب: أن التخصيص حصل بنفس الحديث لما ذكرنا أن قوله إلا سواء بسواء 
حال فيقتضي عموم الأحوال» وتلك الأحوال لا تستقيم إلا فيما يدخل تحت الكيل 
دون الطعم والتخصيص وإن كان على خلاف الأصل لكن ثبت بالدليل والقرينة وقد 
وجدت القرينة . 

مسألة: مذهب أبي حنيفة وأصحابه رضي الله عنهم: أن الجنس أو القدر بانفراده 
يحرم النسأً. وعند الشافعي رحمه الله: لا يحرمه. 


حجة آبي حنيفة رضي الله عنه : 
قوله بة: «إنما الربا في النسيئة» وهذا نسيئة فيكون فيه الربا فيحرم لقوله 
تعالی: «وَكََمٌ ارب4 [البَقَرَة: ]۲۷٠‏ ولأنه قال: «الربا» من وجه ينظر إلى القدر أو 


الغرَة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنبفة Yo\‏ 
الجنس» والنقدية أوجبت فضلاً في المالية إذ النقد خير من النسيئة» فيتحقق شبهة الربا 
وهي ملحقة بالحقيقة احتياطاً فيحرم» وهذا لأن كل واحد من القدر أو الجنس جزء 
العلة فيكون لكل واحد منهما شبهة العلية فتحرم به شبهة الربا وهي النسيئة إعمالا 
للدليل بقدر الإمكان. 
حجة الشافعي رحمه الله : 

العمومات المقتضية بحل البيع للتجارة مطلقاً کقوله تعالی: إل أن تكرت 
ر عن اض [النساء: ۲۹] وقوله تعالى: لوأل أله اَي [البَمَرّة: ]۲۷١‏ 
والقرآن أولى من الخبر. 

الجواب عنه: قد خص من الحمومات المذكورة حرمة الربا لقوله تعالى : َكَلَمٌ 
زا4 البقرة: 1۲۷١‏ والحام إا تمس فته البعض بض يجوز اتخصيص يعض أفراده 
بخبر الواحد والقياس فيخص المتنازع بما ذكرنا من الأدلة. 

مسألة: مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه: أنه يجوز بيع الرطب بالتمر مثلاً بمثل 
يداً بيد. وعند الشافعي رحمه الله: لا يجوز. 


حجة أبي حنيفة رضي الله عنه: 

أن الرطب تمر لقوله ية حين أهدي إليه الرطب: «أوّ كل تمر خيبر هكذا؟ 
وبيع التمر بمثله جائز لقوله ب: «التمر بالتمر مثلاً بمثل» ولأن الرطب لا يخلو إما 
أن يكون تمراً أو لاء فإن كان تمراً جاز البيع بآخر الحديث» وهو قوله ڳل: إذا 
اختلف النوعان فبيعوا كيف شئتم. 
حجة الشافعي رحمه الله : 

قوله ية حين سثل عن بيع الرطب بالتمر أينقص إذا جف» فقيل: نعم» فقال 
عليه الصلاة والسلام: «ل إذن». 

الجواب عنه: أن مدار هذا الحديث عن زيد بن عياش وهو ضعيف عند أهل 
النقل. 

مسألة: مذهب أبي حنيفة وأصحابه رضي الله عنهم: أن من باع سيفاً محلّى 
بالفضة بمائة درهم فصاعدا وحليته خمسون درهما ودفع من الثمن خمسين درهما جاز 
البيع وتكون الفضة بمقابلة الفضة والزائد بمقابلة السيف» وهذا إذا كانت الفضة 
المقدرة ثمناً أزيد مما فيه كما ذكرنا بآن تكون المقدرة مائة» وإن كانت مثله أو أقل 


For‏ الغرّة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة 


منه أو لا يدري لا يجوز البيع» وكذا لو باع قلادة فيها ذهب وجواهر بذهب أزيد مما 
ی القلادة جاز» فيكون الذهب بمثله ولازيادة بمقابلة الجواهر. ومذهب الشافعي 


رحمه الله» لا یجوز. 


حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 

أن تصرف العاقل يحمل على الصحة» وقد أمكن هنا الحمل على الصحة بأن 
تكون الفضة والذهب بمثلها والباقي بمقابلة الباقي والذي يؤيد هذا ما رواه الطحاوي» 
عن سعيد بن جبير» عن ابن عباس رضي الله عنهماء قال: اشتری رسول الله یو 
السيف المحلى بالفضةء وعنه عن ابن المبارك عن الحسن آنه کان لا یری بأساً أن 
يباع السيف المفصض بأكثر مما فيه الفضة بالفضة والسيف بالفضل ٠‏ 
حجة الشافعي رحمه الله : 

ما روي عن حنش أنه كان مع فضالة بن عبيد الله في غزاة قال : فصارت لي 
ولأصحابه قلادة فيها ذهب وورق وجوهر فأردت أن أشتريها» فسألت فضالة فقال: 
انزع ذهبها فاجعله في كفة واجعل ذهبك في كفة لا تأخذ إلا مثلاً بمشل فإني سمعت 
رسول الله اة يقول: «من كان يؤمن بال واليوم الآخر لا يأخذ إلا مثل بمثل؛. 

الجواب عنه: أن الأمر بالفصل من قول فضالة لا من قول رسول الله يو وهو 
ليس بحجة عنده» فقد يجوز أن يكون أمر بذلك على أن البيع لا يجوز عنده في هذا 
الذهب حتى يفصل» وقد يجوز أن يكون أمر بذلك لإحاطة علمه أن تلك القلادة لا 
توصل إلى علم ما فيها من الذهب إلا بعد أن يفصل أو يكون ما فيها من الذهب أكثر 
من الثمن»› والذي يؤيد هذا ما روي عن فضالة بن عبيد قال : اشتريت يوم حنين قلادة 
باثنى عشر ديناراً فيها ذهب وخذف ففصلتها فوجدت فيها أكثر من اثني عشر ديناراًه 
فذكرت ذلك لبي کی فقال: «لا تباع حتى تفصل؟ . 

مسالة“: مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه» أنه يجوز بيع اللحم بالشاة كيف ما 
كان. وعند الشافعي رحمه الله لا يجوز كيف ما کان. 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 

أن المقتضي لجواز هذا البيع ثابت وهو النصر العام کقوله تعالی: وال اله 


َ4 [الَقرة: ۲۷] وقوله تعالی: إل ان کرت رة عن ض) [الساء: ۲۹] 


(۱) راجع النكت الطريغة (ز). 


الغرّة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام آبي حنيفة Yor‏ 
والمانع منتففٍ وهو احتمال الرباء لأن علة الربا القدر مع الجنس كما مر» وهو منتفف 
هتاء لأن اللحم موجود والحيوان غير موجود. 


حجة الشافعى رحمه الل : 


أنه عليه الصلاة والسلام نهى عن ذلك فلا يزاد على كلام الرسول بيو ونصنا 
خاص ونصكم عام» والخاص مقَدَم على العام. 

الجواب عنه: أنه لا نسلم أن الخاص مقدم على العام عندنا بل العام عندنا 
كالخاص على أن ما ذكرنا من العام قرآن فيقدم على خبركم . 

مسألة: مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه: أنه لو اشترى شيئاً بدراهم معينة أو 
بدنانير معينة لا يتعينان حتى جاز للمشتري أن يمسك تلك الدراهم والدنانير ويعطي 
مثلهما» ولو هلكتا قبل التسليم لا ينفسخ العقد ويطالب بتسليم مثلهما. وعند الشافعي 


رحمه الله : یتعینان. 


حجة أبي حنيفة رضي الله عنه: 

أن حكم الشرع في الأعيان أن البيع يتعلق به وجوب ملكها لا وجودها فإن 
وجودها شرط البيع» لنهي النبي بي عن بيع ما ليس عند الإنسان لا حكمه» وفي 
جانب الأثمان يتعلتق به وجودها ووجوبها معاً حتى جاز الشراء بشمن ليس في ملك 
المشتري فلو صح التعيين انقلب الحكم شرطاً فلا يجوز. 
حجة الشافعي رحمه الله : 

أن البيع وقع على الدنانير والدراهم المعينة وهي أولى من المطلقة فلا يجوز 
إبدال ما هو أولی بما لیس بأولی بدون رضی مالکه . 

الجواب: أن التعيين لبيان المقدار لا غير إذ الثمن ثابت في الذمة بالدراهم 
المطلقة. 

مسألة: مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه: جواز بيع العقار قبل القبض. ومذهب 
الشافعي رحمه الله: عدم جوازه. 


(۱) تابع في ذلك الشافعي شيخه محمد بن الحسن (ز). 


rot‏ الغرّة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه: 

أن ركن البيع صدر من أهله في محله فيكون المقتضي للجواز ثابتاً والمانع 
منتف وهو عرف البیع» وقوله تعالی: إ٩‏ لن کرت دة عن أ( [النساء: 
E‏ 


حجة الشافعي رحمه الله : 

ما رواه حکیم بن حزام رضي الله عنه: عن النبي اة أنه قال: «إذا ابتعت شيئاً 
فلا تبعه حتى تقبضه» وهو نص صريح في المسألة. 

الجواب: أن المراد بالحديث ما ينقل ويحول» لأن الحديث معلول بفرض 
انفساخ العقد على اعتبار الهلاك عملاً بدلائل الجوازء والهلاك في العقار غير جائز 
والذي يؤید هذا ما ذكر المنقول صريحاً» وهو قوله ٍية: «من ابتاع طعاماً فلا يبعه 
حتى يقبضه» وفي الصحیحین «من ابتاع طعاماً فلا یبعه حتی یکتاله . 

مسألة: أهل الخلاف ذكروا ثلاث مسائل بمنع الرد فيها بالعيب عند أبي فة 
ولا يمنع عند الشافعي رضي الله عنهما. 

أولهما: أن الزيادة المنفصلة المتولدة من الأصل بعد القبض يمنع رد الأصل 
وحده بالعيب فيه عند أبي حنيفة رضي الله عنه. وعند الشافعي رحمه الله: لا يمنع 
رده فيرد الأصل بكل الثمن ويقبض الولد وحده بلا ثمن. 

وثانيها: أن وطء الثيب يمنع الرد عند أبي حنيفة رضي الله عنه» وعند الشافعي 
رحمه الله : لا یمنعه. 

وثالشهما: أنه إذا اشترى عبدين صفقة وقبض أحدهما ووجد بأحدهما عيباً فإنه 
يأخذهما أو يدعهماء وليس له أن يأخذ السليم ويرد المعيب» عند أبي حنيفة وعند 
الشافعي رضي الله عنهما: له أن يرد المعيب خاصة. 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه: 

في الأولى : أنه لا سبيل إلى رد الزيادة مع الأصلء لأن البيع لم يرد عليها 
قصداً فلا يرد عليه الفسخ فلا سبيل إلى رد الأصل وحده» لأنه لو سلمت الزيادة 
للمشتري بلا ثمن تکون ربا وهو حرام . 

وحجته في الثانية : أن الرد بالعيب فسخ العقد ودفعه من الأصل فيقع الوطء 
الموجود فيه منه في محل غير مملوك» وهو حرام فلا يجوز الرد بالعيب. 


الغرة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة oo‏ 

وحجته في الثالثة : أن الصفقة تتم بقبضها فتكون الزيادة تفريقاً للصفقة قبل التمام 
وهو منهي عنه؛ وذكر صاحب الكتاب دليلاً لأبي حنيفة عاماًء وهو أن الرد ضررء 
وقد قال عليه الصلاة والسلام: «ل ضرر ولا ضرار في الإسلام؟ ثم قال: نصنا خاص 
ونصكم عام والخاص معدم على العام» وهذا لا يرد على ما ذكرنا من الدلائل على 
أن العام عندنا كالخاص. 


حجة الشافعي رحمه الله: 

أن النبي ية قضى بالرد بالعيب وهذا مطلق متناول لجميع العيوب» وأيضاً 
ترتيب جواز الرد على قيام العيب ترتيب الحكم على وصف يناسبه فيدل على كونه 
معللاً به فيعم الحكم لعموم العلة. 

الجواب: أنه لا يمكن حمله على العام فإنه لم يقض النبي بيا بالرد على العاقد 
بجميع العيوب» بل الحديث يقتضي أنه قضى بالرد في عيب هو ليس بعام» ثم قوله 
المطلق يتناول جميع العيوب ليس بصحيح فإن المطلق متناول لفرد غير معين وإنما 
المتناول لجميع العام والمطلق غير العام» والرد وإن كان معللاً بالعيب لكن العلة إنما 
تعمل عند عدم المانع في السنة وقد وجد المانع إلا في المتنازع فيه وهو ما ذكرنا من 
المعايب. 

مسألة: مذهب أبي حئيفة رضي الله عنه: أنه يجوز للمشتري أن يزيد للبائع في 
الثمن بعد تمام البيع ويلتحق بأصل العقد. ومذهب الشافعي رحمه الله : أنه لا يصح 
على اعتبار ابتداء الصلة. 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 

قوله تعالی: ولا جاح عم فبا رصبم بي ين بعد افيص [الساء: 
]٤‏ والتراضي بعد الفريضة إنما يكون بالزيادة عليها فإذا جاز ذلك في المهر جاز في 
الفمن لعدم القائل بالفصلء ولأن للعاقدين ولاية دفع العقد بالكلية بالإقالة فأولى أن 
يكون لهما ولاية التغيير وهما بالزيادة يغيران العقد من وصف مشروع إلى وصف 
مشروع» وهو کونه رابحاً أو خاسراً أو عدلاً فجاز لهما ذلك. 


حجة الشافعي رحمه الله : 


لو صح هذا الإلحاق لصارت الزيادة جزءاً من الثمن وهو غير جائز» لأن جعلها 
جزءاً من الثمن إذا كان مع بقاء العقد الأول لزم أن يقال: إنه قد اشترى ملك نفسه 


F1‏ الغرّة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة 
لنقسه وهو محال» وإن كان لا مع بقائه فهو أيضاً محال لأن الأصل في العقد الأول 
البقاء ما لم يزل ولا مزيل إلا هذا الإلحاق ويلزمه الدور وهو محال. 


الجواب عنه: أنا نختار أن الزيادة جعلت جزءاً من الثمن لكن مع بقاء ذات 
العقد الأول مع تغبير وصفه من كونه جائزاً إلى كونه عدلاً فهو مشروع فتصح الزيادة 
وتلتحق بأصل العقد فكأن العقد وقع على هذا المقدارء لأن وصف الشيء يقوم به لا 
بوصفه وعلى اعتبار الالتحاق لا يكون مشترياً ملك نفسه لنفسه ولا تكون الزيادة 

مسألة: مذهب أبي حنيفة رحمه الله: إذا اشترى جارية أو ثوباً بألف درهم 
فقبضهاء ثم باعها من البائع بأقل مما اشترى منه قبل نقد الثمن لا يجوز البيع الثاني . 
ومذهب الشافعي رحمه الله : أنه يجوز البيع الثاني . 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه: 

ما رواه الدارقطني عن يونس بن أبي إسحاق عن أمه العالية بنت أيفع قالت: 
حججت أنا وأم حبيبة رضي اله عنها فدخلنا على عائشة رضي الله عنهاء فقالت لها أم 
حبيبة: يا أم المؤمنين» كانت لي جارية وإني بعتها من زيد بن أرقم بثمانمائة درهم 
إلى العطاءء وإنه أراد أن يبيعها فابتعتها منه بست مائة درهم نقداً فقالت: بشسما 
اشتریت بئسما اشتريت» وأبلغي زيد بن أرقم أنه قد بطل جهاده مع رسول الله ي إلا 
أن يتوب» فلو كان جائزاً لما قالت عائشة مشل ذلك الوعيدء فإن قيل: لعلها أنها 
قالت: ذلك لارتكابه الحرام؛ بالبيع بثمن مؤجل إلى العطاء وأنه فاسد لكونه بيعاً إلى 
أجل مجهول فسد البيع الأول لجهالة الأصل» وفسد الثاني لكونه بنى عليه. قلت: 
إنما قالته لارتكابه المحرم» وهو شراء ما باع بأقل مما باع قبل نقد الثمن» لأن البيع 
إلى العطاء جائز عند عائشة رضي الله عنهاء ذكره في المبسوط» فذلك الوعيد لا 
يكون لكونه بيعاً إلى العطاء بل لكونه شراء ما باع بأقل مما باع قبل نقد الثمن سماعاً 
من النبي بلا إذ العقل لا يهتدي إلى ذلكء ولأن الثمن لم يدخل في ضمانه» فإذا 
وصل إليه المبيع ووقعت المقاصة في ستمائة » وذلك الباقي بلا عوض فيكون ربا وهو 
حرام . 
حجة الشافعي رحمه اله : 


العمومات» وهو قول تعالی: کول آ4 الت ع زرا اجر ۲۷]. 


رة اة في تق بقن عنال اعام ابي حه NY‏ 


والجواب عنه: آنا قد بينّا أن فيه معنى الرباء فيكون جوابنا بهذا النص على أن 
الحديث نص خاص في الباب فلا يترك بعام مخصوص . 

مسألة: مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه: أنه لو اشترى الثوب بالخمر يكون 
البيع فاسداً لا باطلاًء وكذا لو اشترى الخمر بالثوب. وعند الشافعي رحمه اله : البيع 
باطل في الصورتين . 


حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 


فيما إذا اشترى الثوب بالخمر» لأن المشتري إنما قصد الثوب بالخمر» لأنه هو 
المبيع وفيه إعزاز الثوب دون الخمر» لأن الثمن وسيلة فبقي ذكر الخمر معتبراً في 
ذلك الثوب لا في نفس الخمر حتى فسدت التسمية ووجدت قيمة الثوب دون الخمرء 
وکذا إذا باع الامر بالثوب يكون البيع فاسداً لا باطلاًء لأنه يعتبر شراء الثوب بالخمر 
لكونه بيع مقايضة› فيكون كل واحد منهما ثمناً ومبيعاً» ولكن رجحنا في الخمر جهة 
الثمنية ترجيحا لجانب الفساد على البطلان صونا لتصرف العاقل على البطلان بقدر 
الإمكان. 
حجة الشافعي رحمه الله : 

أن الإجماع ينعقد على أن هذا البيع منهي عنه فيكون باطلاًء» وأيضاً أجمعنا على 
أنه لو قال: اشتريت هذا الخنزير بهذا الثوب يكون البيع باطلاًء فكذا لو قال: اشتريت 
هذا الثوب بهذا الخنزير أيضاً يكون باطلاً إذ لا تفاوت بين العقدين . 

الجواب عنه: أن النهي عن الأفعال الشرعية لا يقتضي البطلان بل يقتضي أن 
يكون مشروعاً بأصله غير مشروع بوصفه كما عرف في أصول الفقه» وقد عملنا 
بموجب النهي وقلنا بأن هذا البيع فاسد» والنهي لا يقتضي البطلانء فإن البيع وقت 
النداء يوم الجمعة منهي عنه» ومع ذلك يفيد الملك بالإجماع لكون النهي لمعنى في 
غيره بخلاف النهي عن بيع الحر والخمر والخنزير بالدراهم وعن بيع المضامين 
والملاقيح إذ النهي في هذه الأشياء مستعار عن النفي لعدم محلية الحر وأخواته للبيع 
وما ذكره من الإجماع في الدليل ممنوع لما ذكرنا أن البيع في الصورتين فاسد عندنا لا 
باطل . 

مسألة : تصرفات الفضولي موقوفة عند أبي حنيفة رضي الله عنه: على الإجازة. 
وعند الشافعي رحمه الله : باطلة. ر 


Fo‏ رة الميهة فی یق بشن مسان ١م‏ ع 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه: 

ما رواه الترمذي عن حكيم بن حزام أن رسول الله ية بعثه ليشتري له أضحية 
بدينار فاشترى أضحية» فربح بها ديناراً» ثم اشترى مكانه أخرى» فجاء بالأضحية 
والدينار إلى رسول الله بية: فضخى بالشاة وتصدَق بالدينار؛ وعن عروة البارقي قال: 
دفع لي رسول الله اة ديناراً لأشتري له شاة فاشتریت له شاتين فبعت إحداهما بدينار 
وجئت بالشاة الأخرى والدينار إلى النبي ية فذكر له ما كان من أمره» فقال له: 
«بارك الله لك في صفقتك» فأجاز ما فعله ودعا له بالبركة وهو فضولي في بيع الشاة 
الأولى» لأنه اشتراها بالوكالة بمال الموكل فيكون ملك موكله. فإن قيل: يجوز أن 
يكون وكيلاً مطلقاً لا فضولياًء قلنا: لم يوكله إلا في شراء أضحية أو شاة فلا يكون 
وكيلاً مطلقاً» وإنما تصذق بالدينار لأن قصده أن يصرف الأضحية إلى الفقراءء وهذا 
الدينار مستفاد منه فكره إمساكه» ولأن تصرف الفضولي صدر من أهله في محله ولا 
ضرر في انعقاده فينعقد موقوفاً حتى إذا رأى المالك فيه مصلحة أنفذه وإلا أبطله. 
حجة الشافعي رحمه الله : 

قوله عليه الصلاة والسلام: «لا تبع ما ليس عندك» فعلم أن بيع ملك الغير لا 
يجوز 

الجواب عنه: أن المراد بالنهي بيع المعدوم أو البيع البات» ونحن نقول 
بموجبه. 

مسألة: إذا اشترى الكافر عبداً مسلماً يجوز شراؤه عند أبي حنيفة رضي الله عنه» 
ويجبر على البيع من مسلم أو العتق. وعند الشافعي رحمه الله: لا يصح . 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه: 


العمومات» وهي قوله تعالی: وال اله َي [البمَرَة: ]۲۷١‏ وقوله تعالى: 
إل أن تكرت رة عن ض4 [النساء: ۲۹] ولأن الركن في التصرف صدر عن 
أهله في محله عن ولاية شرعية» فيصح ويترتب عليه حكمهء أما الركن فظاهرء وأما 
المحل فلأن العبد المسلم محل لملك الكافر كما لو أسلم» وهو عبد الكافر أو ورثه 
الكافرء وأما الولاية : فإن الكافر مالك على التصرفات كلهاء ولكن يجبر على إزالة 
ملكه عند دفعه لضرر استخدام الكافر إياه والذل في الانتفاع لا بمجرد النسبة مع المنع 
من الانتفاع بالبيع . 


الغْرَة المنبفة في تحقيق بعض مسائل الإمام آبي حنبفة ۹ 


حجة الشافعي رحمه الله من وجوه: 


الأول: قوله تعالى: #ولن مَل أله للكفرن عل ألَرمنين سيلا [الُساء: ]٠٤١‏ 
فلو جاز الشراء يكون للكافر عليه سبيل» وهو منفي بالنص. 


الجواب عنه: أن هذا عام مخصوص» وهو أنا أجمعنا أنه لو أسلم عبد الكافر 
لا يزول عنه ملك الكافر مع بقاء الملك عليه وهذا سبيل عليه» فيخص المتنازع 
بالقياس عليه أو المراد بالسبيل الاستيلاء عليهم وقهرهم . 

الثاني : أن العبودية ذلة والمالكية عزة» فلو جاز كون المسلم عبداً للكافر يلزم 
ذلة المسلم وعزة الكافر» وذلك لا يجوز» لقوله تعالى: وله اة وإرسولوء 
وللمُرمنك‰ [المكافقون: ۸]. 


والجواب عنه: أن الذل إنما هو في الاستخدام» ونحن لا نجوز ذلك بل نجبره 
على إزالة ملكه عنه بالبيع رعاية لعزة الإسلام» ولأن الرق أثر الكفر لأنهم لما 
استنكف الكفار عن عبادة الله تعالى جعلهم عبيد عبيده سبحانه» فثبوته باعتبار أثر 
الكفر لا باعتبار أنه مسلم» ولو كان النص يجري على عمومه لكان ينبغي أن لا يرث 
المسلم أصلاًء لأن الرقيق ذليل حيث يباع في الأسواق كالبهائم» والمسلم عزيز فلا 
يجوز إرقاقه» وكان ينبغي أن لا يبقى رقيقاً للكافر إذا أسلم عبده. 

الثالث: أن الإجماع منعقد على أن الكافر لا يجوز له التزوج بالمسلمة» فلا 
يجوز أن يشتري المسلم» لأن الذل الحاصل بملك اليمين أقوى من الذل الحاصل 
بملك النكاح» فإذا لم يشرع الأدنى فبالأولى أن لا يشرع الأعلى. 

والجواب عنه: أن القياس فاسد»ء لأن اتحاد الحكم شرط لصحة القياس ولم 
يوجد» لأن الثابت هنا مجرد نسبة الملك إلى الكافر» والثابت بالنكاح الملك والنسبة 
فكان أضرء ولأنه لا فائدة في القول بجواز النكاح» ثم جبره على الطلاق فيكون 
عبثاًء فلا يشرع بخلاف الشراء فإنه وسيلة إلى الربح بالبيع فيكون مشروعاً لكونه من 
باب الاكتساب» وأما ما ذكره أن هناك نصاً خاصاً فممنوع فإنه لم ينص فيه بحرمة 
البيع . 

مسالة: بيع الكلب المعلم والحارس جائز عند أبي حنيفة رضي الله عنه» وغير 
جائز عند الشافعى رحمه الله 


41 الغرة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 

أن النبي ية «نهى عن بيع الكلب إلا كلب صيد أو ماشية»» وروى الطحاوي 
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما آنه 
قضی في کلب صید قتله رجل بأربعین درهماً» وعن عطاء قال: لا بأس بثمن 
الكلب» وهو قد روى عن النبي : أن ثمن الكلب من السحت» وفتوى الراوي 
بخلاف الرواية دال على ثبوت النسخ عنده» وعنه عن ابن شهاب أنه قال: «إذا قتل 
الكلب فإنه تقوم قيمته فيغرم الذي قتله» فهذا الزهري يقول هذا وقد روى أن ثمن 
الكلب من السحت» فدلَ على ثبوت النسخ» وعن إبراهيم لا بأس بثمن كلب الصيد. 
وروي عن مالك رحمه الله : أنه أجاز بيع كلب الصيد والزرع والماشية. وعن عثمان 
رضي الله عنه: أنه أجاز بيع الكلب الضاري في المهر» وجعل على قاتله عشرين من 
الإبل» ولأنه مال منتفع به حراسة واصطياداً قال الله تعالى: وما عَلَننّم يِن رارج 
ملي [المائدة: ]٤‏ فيجوز بيعه قياساً على الفهد والبازي لجامع دفع الحاجة إذ 
الاحتياج إليه حاصل وجريان الشح على أنه لا يوجد إلا بعوض فتمس الحاجة إلى 
جو هة 


حجة الشافعي رحمه الله : 

قوله ڳ: «ثمن الكلب خبيث» فيكون حراماً» لقوله تعالى: مرم مهد 
اسيك [الأعرًاف: .]٠١١‏ 

الجواب: أن هذا الحديث محمول على أنه كان ذلك في ابتداء الإسلام قلعاً 
لهم عن اقتناء الكلاب كما كانت عادتهم» وبهذا أمر بقتل الكلاب وغسل الإناء من 
ولوغها سبعاًء ثم نسخ ذلك حين تركوا الاقتناء» لأن كلب الصيد مخصوص عنه 
بالحديث الذي رويناه فتخص غيره قياساً عليه. 

مښسالة: لا يجوز بيع لبن النساء في قلح › عند أبي حنيفة رضي الله عنه. وعند 
الشافعي رحمه الله: يجوز. 


حجة أبى حنيفة رضى الله عنه: 


أنه جزء لآدمي» والآدمي بجميع أجزائه مکرم» قال الله تعالی: وقد کرمتا بی 
[الإسرًاء: ]۷٠‏ فيصان عن الابتذال بالبيع» ولا فرق في ظاهر الرواية بين لبن 
E E E O a e O a a a‏ 


الغرّة المنيغه في تحقیی بعض مساتل ا في حنیمه NIE:‏ 


نفسهاء فكذا بيع جزئهاء وجه الظاهر أن الرق حل في نفسها دون اللبن» لأن الرق 
يختص بمحل القوة» وهو الحي ولا حياة في اللبن. 
حجة الشافعي رحمه الله : 

أنه منتفع به فیجوز بیعه لقوله تعالى: ول اه اَي [القرة: .]۲۷١‏ 

الجواب عنه: أنه لیس کل منتفع به يجوز بیعه» فإن الجزء منتفع به» ولا يجوز 
بيعه بل محل البيع النفس دون جزء الآدمي. 

مسألة: إذا عقل الصبي كون البيع سالباً لملك جالباً للربح فأذن له الولي في 
تصرف البيع والشراء نفذ تصرفه عند أبي حنيفة رضي الله عنه. وقال الشافعي 
رحمه الله: لا ينفذ. 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 

قوله تعالى: أي اليك [الئساء: ]١‏ الآية» أي اختبروا عقولهم وجربوا 
أحوالهم ومعرفتهم قبل البلوغ حتى إذا تبينتم منهم رشداً أي هداية في التصرفات 
دفعتم إليهم أموالهم من غير تأخير عن حد البلوغ» ففي هذا النص دليل ظاهر على 
اختبار أحوالهم في التصرفات ولا يحصل ذلك إلا بجواز تصرفهم» فدلت الآية على 
جواز تصرفهم بإذن الولي ليختبر به النقصان لاحتمال الوقوع في الخسران» ولأن 
التصرف المشروع صدر من أهله في محله عن ولاية شرعية فوجب تنفيذه. 

ثم اعلم أن تصرفات الصبي على ثلاثة أقسام: ما هو نفع محض كقبول الهبة 
فهو جائز منه وإن لم يأذن الولي» وما هو ضرر محض : كالطلاق» فهو غير جائز منه 
وإن أذن الولي» وما هو متردد بين النقع والضرر كالبيع والشراء» فهو جائز بإذن 
الولي. 
حجة الشافعي رحمه الله: 

أن الصبي المأذون من جهة الولي» إما أن يكون له عقل كامل أو لاء فإن كان 
له عقل كامل فلا يكون للولي عليه ولاية» لأنه إذا كان كامل العقل فشفقته على ماله 
أكثر من شفقة وليه عليه» وتصرفه في ماله أصلح من تصرف غيره» فينقطع عنه 
تصرف الولي فيجوز تصرفه» فإن لم يأذن له الولي وليس كذلك بالإجماع» وإن لم 
یکن له عقل کامل لا تصح تصرفاته لأنه حینئذ یکون تصرفه سبباً لفساد ماله» وهو لا 
يجوز. 


SS E E E E E E 0 

الجواب عنه: أنه قد حصل له أصل العقل» ولكن لا بكمال بل فيه قصور 
فينجبر برأي الولي فلا بد من إذنه. 

مسألة: إذا اختلف المتبايعان في مقدار الثمن بعد هلاك المبيع لم يتحالف 
المتبايعان عند أبي حنيفة رحمه الله والقول قول المشتري. وعند الشافعي رحمه الله : 
يتحالفان ويفسخ البيع على قيمة الهلاك. 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 

أن النبي با أوجب التحالف عند قيام السلعة حيث قال: «إذا اختلف المتبايعان 
والسلعة قائمة تحالفا وترادا» وذلك التحالف والتراد فيه لا يمكن إلا بعد قيام المبيع 
فلا يجري التحالف بعد هلاكه» ثم البائع يدعي زيادة الثمن» والمشتري ينكره» 
والقول: قول المنكر مع اليمين» لقوله با: «البينة على المدعي واليمين على من 
أنكر» وكذا المشتري ينكر دعوى البائع فيتحالفان. 

الجواب عنه: أن المشتري بعد قبض المبيع لا يدعي شيئاًء لأن المبيع سالم 
له» لکن بقي دعوی البائع في زيادة الثمن» والمشتري ينكره فیکتفي بحلفه. 

مسألة : أهل الخلاف يذكرون ثلاث مسائل في كتاب السلم. 

الأولى: قال أبو حنيفة رضي الله عنه: لا يجوز بيع السلم في الحيوان ولا في 
منقطع الجنس وقت العقد» ولا يجوز إلا مؤجلاً. وقال الشافعي رحمه الله: يجوز 
السلم في المسائل الثلاث. 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 

في الأولى: أن النبي ية نهى عن السلم في الحيوان ولأنه بعد ذكر الأوصاف 
يبقى فيه تفاوت فاحش في المعاني الباطنية فيقضي إلى المنازعة فلا يجوز. 

وفي الثانية : قوله بية: «لا تسلفوا في الثمار حتى يبدو صلاحها» وجه التمسك 
به أنه ية لم يرد به النهي عن بيعها لأن ذلك الجواز فيه ثابت بشرط القطع» فعرف 
أن المراد به النهي عن بيعها سلماً. 

وفي الثالثة : قوله عليه أفضل الصلاة والسلام: «من أسلم في شيء فليسلم إلى 
أجل معلوم» رواه الجماعةء ولأنه شرع رخصة دفعاً لحاجة المفلس»ء فلا بد من 
الأجل ليقدر على التحصيل. 


الغرّة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة 1Y‏ 
حجة الشافعي رحمه الله من وجوه: 

الأولى: قوله تعالى: وَل له لبي [القرة: .]۲۷١‏ 

الجواب عنه: أن هذا العام مخصوص منه البعض» بقوله تعالى: َم ابوا 
[البَقَرَة: ]۲۷١‏ فيجوز تخصيص المتنازع فيه بما ذكرنا من الدلائل. 

الثاني: قوله تعالى: ايا ايت ٤امنوا‏ ل تا ڪلرا اتوم بتڪم بابل 
إل ان کرت تة ن اض ینک [الشاء: ۲۹]. 

الجواب عنه: قد خص منه البعض أيضاً فإنه لا يجوز الرباء وإن وجد التراضي 
بين المتعاقدين فيخص المتنازع فيه بما مر من دليلناء ٠‏ 

الثالث: قوله باة: «لا يحل مال المسلم إلا بطيب من نفسه. 

والجواب عنه: كما مر وأن الربا لا يحل» وإن كان من طيب نفس المتعاقدين . 

الرابع : أنه بها رخص في السلم» وهذا يتناول جميع أنواع السلم» إما لعموم 
القضية أو لأن ترتيب الحكم على الوصف المناسب مشعر بالعلية فيعم الحكم بعموم 
العلية. 

والجواب: أن الألف واللام فيه للعهد دون الاستخراق» والمعهود هو المعلوم 
بقوله عليه أفضل الصلاة والسلام: «من أسلف ليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم 
إلى أجل معلوم» فلا يصح التمسك بعمومه لعدم عمومه» ولئن سلم أنه عام لکنه قد 
خص منه ما لم يكن إلى أجل معلوم فيخص المتنازع بما ذكرنا من الدليل» ولهذا 
قال الخصم إنما يصح السلم بإيجاب وقبول ممن له البيع إلى أجل معلوم» فتضبط 
الصفة كثيراً لوجود موصوف مقدور التسليم عند الحلول بعوض مسلم في المجلس؛ 
فلما شرط هو هذه الشرائط مع أن الحديث عام ليس فيه هذه الشرائط جاز لغيره أن 
يشترط شروطاً أخرى بما عنده من الأدلة. 


كتاب الرهن 
مسألة: لا يجوز رهن المشاع عند أبي حنيفة رضي الله عنه. وعند الشافعي 
رحمه الله : یجوز. 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 
قوله تعالی : ر موس [البقَرَة: ۲۸۳] فهذا النص يقتضي أن لا يكون 
الرهن إلا مقبوضاً والمشاعة لا يمكن قبضه» فلا يكون محلا للرهن. 


4 الغرّة المنيغة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة 


حجة الشافعي رحمه الله من وجوه: 

الأول: قوله تعالى: لأا ايت ءامنا أرذا بالعقود4 [المَائدة: ]١‏ ورهن 
المشاع عقد فيجب الوفاء به» ومن ضرورته صحة رهن المشاع. 

الجواب: أن الآية التي ذكرناها خاصة في باب الرهن» وما ذكرتم من الاآية 
عامة» وقد خص منها العقود الفاسدة» فإنه لا يجب الوفاء فيهاء فيخص المتنازع 
بالدليل المذكور. 

الثاني : أن المقصود من الآيتين» أنه إذا لم يؤد الراهن الدّين يبيع المرتهن الرهن 
ويستوفي دینه من ثمنه» والمشاع يجوز بیعه» فيفي بهذا المقصود فيجوز رهنه. 

والجواب: أن الاستيفاء بالبيع من أحكام جواز الرهن» وهو مشروط بالقبض 
بالنص الذي ذكرناء وهو لا يتصور في المشاع» فيكون هذا التعليل في مقابلة النص 
فلا يقبل. 

مسال لا جوز ران أن بث ينتفع بالرهن بالركوب والاستخدام وشترب اللين 
بدون رضى المرتهن» ويكون جميع الزوائد رهناً مع الأصل» عند أبي حنيفة 
رضي الله عنه. وعند الشافعي رحمه الله : له الانتفاع بالركوب وشرب اللبن. 


حجة أبي حنيفة رضي الله عنه: 

قوله تعالی: وهن فة4 [البَمَرَ: ۲۸۳] ولو تمكن الراهن من الانتفاع 
بالرهن بدون رضى المرتهن لا يبقى مقبوضاً» إذ الانتفاع لا يمكن إلا بالاسترداد منه» 
وحكم الرهن الحبس الدائم بالدين. 
حجة الشافعي رحمه الله من وجوه: 

الأول: أن منافع الرهن مال لأن الطبع يميل إليهاء ولا يجوز استيفاؤها لخير 
الراهن بالإجماع» فلو لم يمكن استيفاؤها للراهن كان ذلك إضاعة وذلك لا يجوز 
لنهي النبي ل عن إضاعة المال. 

والجواب: إنما الرهن الذي هو عين كاللبن والتمر والصوف يمكن بقاؤه أو بقاء 
قيمته» فيكون رهناً مع الأصل فيأخذه الراهن بعد أداء الدينء فلا يكون إضاعة» وما 
لیس بعین کالمنافع فيمكنه الانتفاع بإذن المرتهن ولو لم يأذن له» فهي أعراض ليس 
لها بقاء فلا تكون من الأموال» ولئن سلمنا أنها من الأموال لكن الراهن رضي 
بتعطیلها حیث حبسه بالدین . 


الغرة المنبفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنبفة 1 

الثاني : قوله بي: «الرهن مركوب محلوب» وعلى من ركبه نفقته» له غنمه 
وعليه خرمة؛ والاستدلال به من وجوه: 

الأول: أن الحديث دل على أن الرهن قد يكون مركوباً ومحلوباً» وليس ذلك 
لغير الراهن» فتعين أن يكون ذلك للراهن. 

الثاني: أنه قال: «على من ركبه نفقته» أثبت فيه جواز الركوب. ولم يثبت لغير 
الرهن فوجب ثبوته له . 

الثالث: قوله: «له غنمه وعليه غرمه» هذا الضمير لا يمكن رجوعه إليه. 

والجواب عنه: أن هذا الحديث موقوف على أبي هريرة رضي الله عنه ولو كان 
مرفوعاً فقد روی یحیی بن معین : : آن با هريرة رضي الله عنه أفتی بخلافه» وذلك 
يوجب قدحاً في الرواية لأن عمل الراوي بخلافه دليل على نسخه» إذ لا يجوز له 
الخلاف ما لم يتبين له نسخه» أو يحمل الحديث على أنه كان يجوز ذلك للمرتهن في 
ابتداء الإسلام» ثم نسخ ذلك بقوله ييٍ: «کل دين جر نفعاً فهو حرام م يتعین کونه 
محلوباً ومركوباً لغير الراهن» ولو سلم صحة الحديث وعدم نسخه وأن المراد به 
الراهن لكنا نقول: إنه خبر الواحد في مقابلة الآية وهو قوله تعالى : َم مَقةٌ) 
[الَّرة: ۲۸۳] فلا يصح التمسك به» إذ يحمل على أنه يجوز له ذلك برضى المرتهن. 

الالث: أن الراهن يملك رقبة الرهن» وملك الرقبة يكون سبباً لجواز الانتفاع 
فیجوز له ذلك. 

الجواب عنه: أنه لما تعلق حق المرتهن استيفاء لدينه» لا يجوز الانتفاع به ولو 
أعتقه لنفذ عتقه عند أبي حنيفة رضي الله عنه» ويؤخذ منه قيمته ويجعل رهناً مكانه. 
وعند الشافعي رحمه الله: لا ينفذ عتقه. 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 

قوله باة: «لا عتق إلا فيما يملكه ابن آدم» والاستثناء من النفي إثبات» فوجب 
أن يجوز العتق فيما يكون مملوكاً للإنسان» والرهن مملوك للراهن بالإجماع فيصح 
إعتاقه . 
حجة الشافعي رحمه الله : 


إن إعتاق الراهن يكون سبباً لزوال حق المرتهن عن الرهن وهو ضرر في حقه 
فلا يجوز لقوله يية: «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام. 


۳ الغرة المنيغة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة 

الجواب عنه: أن ضرر المرتهن يندفع بأخذ الدين من الراهن إن كان الدين 
حالاًء أو يأخذ قیمته وجعله رهتاً مکاته إن کان الذین مؤجلاًء وإِن کان معسراً شعی 
العبد في قيمته وقضى به الدين فلا يتضرر. وأما القول بعدم العتق فأضرارها على 
العبد بحيث لا يندفع ضرره أصلاًء والذي ذكرناه أولى. 

مسألة: الرهن مضمون عند أبي حنيفة رضي الله عنه بأقل من قيمته ومن الدين» 
فإن هلك في يد المرتهن وكان قيمة الرهن والدين سواء كان المرتهن مستوفياً لدينه 
حكماًء» وإن كانت قيمة الرهن أكثر فالفضل أمانة» وإن كانت أقل سقط من الدين 
بقدره ورجع بالفضل. وعند الشافعي رحمه الله : الرهن كله أمانة إذا هلك في يد 
المرتهن لا يسقط شيء من الدين. 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه: 

ما رواه الطحاوي عن عطاء بن أبي رباح أن رجلاً ارتهن فرساً فمات الفرس في 
يد المرتهن» فقال رسول الله يية: «سقط حقك» وعنه أيضاً أن الأئمة الثقات الفقهاء 
رفعوا إلى النبي بها أنه قال: «الرهن بما فيه“ وهو مروي عن عمر وعلي وعبد الله بن 
مسعود» وجماعة من الفقهاء الذين ينتهي إلى قولهم مثل سعيد بن المسيب وعروة بن 
الزبير والقاسم بن محمد وأبي بكر بن عبد الرحمن وخالد بن زيد والحسن البصري 
وشريح وعطاء رضي الله عنهم أجمعين. 
حجة الشافعي رحمه الله : 

أنه لم يوجد في هذا الدين الإبراء ولا الاستيفاء فلا يسقط» أما أنه لم يوجد فيه 
الإبراء فظاهر وكذا لم يوجد فيه الاستيفاء» لأن هذا الرهن لو كانت جارية لم يحل 
للمرتهن وطؤها حال الحياة» ولا يجب عليه تكفينها بعد الموت» فإذا لم يوجد الإبراء 
ولا الاستيفاء وجب أن يبقى الدين كما كان» لأن الأصل في الثابت البقاء. 

الجواب عنه: أن الثابت للمرتهن يد الاستيفاء» والرهن وثيقة لجانب الاستيفاءء 
فيثبت الاستيفاء ثبوت ملك اليد والحبس من وجه ويتقرر بالهلاك» ولكن الاستيفاء يقع 
بالمالكية» وأما العين فأمانة ولهذا كانت نفقة المرهون على الراهن في حياته وكفنه 
عليه بعد مماته» ولأن ما ذكرنا من الأحاديث وأقوال الصحابة والتابعين لا يترك بهذا 


التعليل . 


(۱) أخرجه أبو داود في المراسيل عن عطاء (ز). 


الغرة المنيفة في تحقيق بعض مسائل ا ابي حنيقه TY‏ 


مسألة: إذا خلل الخمر يإلقاء شيء فيها كالملح وغيره يحل ذلك الخل ويطهر 
عند أبي حنيفة رضي الله عنه. وعند الشافعي رحمه الله: لا يحل ولا يطهر. 


حجة أبي حنيفة رضي الله عنه: 


قوله بةً: «ز نعم الإدام الخل» مطلقاً فيتناول خل الخمر بالتخليل وغيره 
وقوله لة: «خير خلكم خل خمركم» مطلقاً فيتناول التخليل ولأن التخليل يزيل 
الوصف المفسد المحرم عن الخمر وهو الإسكار» ويثبت الصفة النافعة له وهي 
تسكين الصفراء وكسر الشهوة والتغذي به والإصلاح مباح» وكذا الصالح النافع 
للمصالح اعتباراً بالمخلل وبدباغة جلد الميتة . 


حجة الشافعي رحمه الله من وجهين : 

الأول: أن الله تعالى أمر باجتناب الخمر بقوله تعالى : «كََجِيَبّءٌ) [المّائدة: ]۹٠‏ 
وفي التخليل اقتراب من الخمر فيحرم. 

الجواب عنه: أن الاقتراب المنهي عنه هو الاقتراب للشراء والبيع وغيرهما مما 
فيه إعزازه» وأما الاقتراب لإزالة الوصف المفسد منه» فيجوز كالاقتراب لاإراقة 
والتخليل أولى من الإرافة لما فيه من إحراز مال يصیر به حلالاً منتفعاً به . 

الثاني : أن أبا طلحة رضي الله عنه سأل النبي بي عن تخليل خمر اليتامى فأمره 
بإراقتهاء فلو كان التخليل جائزاً لأمره به في حق اليتامى . 

الجواب عنه: أن هذا محمول على أنه كان في ابتداء التحريم حين كان النبي يلا 
يبالغ في إزالة الخمر وإراقتها زجراً لهم وقلعاً عن العادة المألوفة بهاء كما أمر بقتل 
الكلاب وغسل الإناء عند ولوغها سبعاً» وخمور الأيتام يومئذ كانت جائزة الإرافة» 
لأنها ليست بمال فى حق المسلمين وكافل اليتيم إنما يجب عليه حفظ المال وارتكاب 
أ تات وة کان ف مقا خا بجر ارتكابها لم اة کا ار 
الكفار بصبيان المسلمين وأسراهم فإنا لا نلتفت إلى ذلك ولا نكف عن القتال. 

مسألة: إذا اشترى رجل متاعاً فأفلس ولا يقدر على أداء الثمن لا ينفسخ البيع 
عند أبي حنيفة رضي الله عنه بل البائع أسوة الغرماء فيه. وعند الشافعي رحمه الله: 
فسخ البيع وأخذ المتاع . 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 

قوله بية: «إذا مات المشتري مفلساً فوجد البائع متاعه بعينه فهو أسوة الغرماء)» 
وقوله بي «أيما رجل باع سلعة فأدركها عند رجل قد أفلس فهو ماله بين غرمائه». 


۸ الغرة المنيفة قي تحقيق بعضن مسائل الماع ابي حنيفة 


فان قيل في إسناده ابن عیاش وهو ضعیف فیکون مرسلاً. قلنا: قد وثقه 
أحمد» وإن كان مرسلاً فهو حجة عندناء وقد احتج به الجصاص وأسنده. 


حجة الشافعي رحمه الله : 
قوله :من وجد عين ماله عند رجل قد أفلس فهو أحق به ممن سواه». 


الجواب عنه: أن المراد به الوديعة والعارية وأمثالهما دون المبيع» ولهذا قال من 
وجد عين ماله وهو الوديعة والعارية. وأما المبيع فلم يبق بالبيع من أمواله حقيقة› 
وكان حمل الكلام على الحقيقة أولى . 

مسألة: قال أبو حنيفة رضي الله عنه لا يحجر على الحر البالغ السفيه وتصرفه 
في ماله جائز» وإن كان مبذراً لماله» قال الشافعي رحمه الله: يحجر على السفيه 
المضيع لماله ويمنع عن التصرف فيه . 


حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 

قوله تعالی : إن کن رى علب الْحَنٌ سَفِيهًا أو صَمِيمًا) [البقَرَة: ۲۸۲] قد أثبت 
للسفيه ولاية المداينة» وما روي أن حبان بن منقذ“ كان يغبن في البيعات فأتى أهله 
رسول الله ية فطلبوا حجره فنهاه النبي بي عن البيع› فقال: یا رسول الله» لا صبر 
لي عن البيع» قال عليه الصلاة والسلام: «إذا بعت فقل لا خلابة ولي الخيار ثلاثة 
أيام» فقد أطلق في البيع ولم يحجره» ولأنه حر مخاطب عاقل قد تصرف في خالص 
حقه فلا يحجر عليه» لأن في سلب ولایته إهدار آدميته وإلحاقه بالبهائم» وهو أشد 
ضرراً من التبذير» فلا يتحمل الأعلى لدفع الأدنى» بخلاف ما لو كان في الحجر دفع 
ضرر عام كالحجر على الطبيب الجاهل والمفتي الماجن والمكاري المغلس . 
حجة الشافعي رحمه الله : 

أن السفيه يضيع ماله فيما لا فائدة فيه فيحج عليه نظراً له لقوله تعالی : ولا 
ونوا الشتہا امرگ ای جم لک قا [الشاء: .]١‏ 


(۱) حبان بن منقذ الأسدي كان يغبن في البيعات لآمة أصابت رأسه. انظر المبسوط للسرخسي 
كتاب الحجر ج٤۲‏ ص۷٣٥۱‏ . من نسختي رقم ٥‏ فقه فقیه تمام الخبر كالمذكور بمينه. أحمد 
خیري ۰ 


اھ و ' کی کک ا ٠:‏ اک ا کک اوتی یز 


الجواب عنه: أن جمهور المفسرين قالوا: هذا خطاب لكل من يملك مالاً آن 
يعطي ماله لأحد من السفهاء قريب أو أجنبي رجل أو امرأةء يعلمه أنه ضیعه فیما لا 
ينبغي» ولهذا قال: أموالكم والأصل في الكلام الحقيقة» ولم يقل: أموالهم» وهو 
محمول على أول البلوغ إلى حد يصير به جدأًء فهو خمس وعشرون سنة" لأنه إذا 
بلغ هذا الحد لا بد له من حصول رشد بزوال أثر الصبا عنه. 


مسألة: الصلح على الإنكار جائز عند أبي حنيفة رضي الله عنه: وهو قول عمر 
وعلي وابن عباس وحذيفة رضي الله عنهم . وعند الشافعي رحمه الله : باطل . 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 

قوله تعالی: لمل ذ4 [النساء: ]۱١۸‏ وقوله ل «كل صلح جائز فيما 
بين المسلمين إلا صلحاً أحلّ حراماً أو حرّم حلالاً» وما روى ابن عمر رضي الله عنهما 
أنه قال: «رذوا الخصوم كي يصطلحوا فإن فصل القضايا يورث بينكم الضغائن؛ وما 
روي أن أعرابياً جاء إلى عثمان رضي الله عنه فقال: إن بني عمك عدوا على إبلي 
وقلا ارادا وآکلرا اانا قالح عفان عل إبل بطل ابل من غير تکبر. 
حجة الشافعي رحمه الله : 

الحديث الذي روينا وهو قوله ڳلة: «كل صلح جائز إلا صلحاً حرم حلالاً أو 
أحلْ حراماً» وجه الاستدلال به أن المدعي إذا كان كاذباً فقد أخذ حراماً وإن كان 
صادقاً فقد حرم هذا الصلح اوا لان اد الكل ثم أخذ البعض وحرّم النصف 
الباقي. 

الجواب عنه: أن ترك الحق أو دفع المال جائز لدفع الخصومة عن نفسه وافتداء 
اليمين» وقد روي عن حذيفة بن اليمان أن رجلاً اذعى عليه حقاًء» فقال: خذ عشرة 
ولا تحلفني فأبی فقال: خذ عشرين ولا تحلفني فأبى إلا أربعين»› پا ا 
إنكار» فلو لم يجز لم يفعله الصحابي» ولأن الأصل في الأموال مباحة والحرمة لحق 
اة فإذا رضي قد ارتفع المحرم فلا يكون في الصلح على الإنكار تحريم الحلال 
ولا تحليل الحرام» على أن المراد بالحديث أحلّ حراماً لعينه كالخمر أو حرم حلالاً 


(۱) أي عند أبي حنيفة فيبلغ وسنه اثنتا عشرة فيولد له بعد سنة ويبلغ ابنه في سن اثنتي عشرة سنة 
أيضاً هكذا تقدير أبي حنيفة (ز). 


ا الغرّة المنيفه في تحقیق بعض مسائل اوم آبي حنيفة 


ية كالعسل والسكر وغيرحاة ثم لو سلّمنا الخبر"" فهو من الآحاد فلم يترك 0 
القرآن» وهو قوله تعالى: وألصًّلح ح4 [التساء: ۱۲۸]. 

مسألة: المحال عليه إذا مات مفلساً من غير قضاء الدين عاد الدين إلى ذمة 
المحيل عند أبي حنيفة رضي الله عنه» وهو قول عمر وعثمان وشريح رضي الله عنهم. 
وقال الشافعي رحمه الله: لا يعود. 


حجة أبى حنيفة رضى الله عنه: 

قوله باة: «لصاحب الحق اليد واللسان» ودين المحال عليه كان على المحيل» 
وإنما رضي بانتقاله إلى المحال عليه بشرط سلامة حقه إليه إذ هو المقصود من 
الحوالة» وإذا لم يسلم له فسخت الحوالة فيرجع الدين إلى ذمة المديون» ولأن عثمان 
رضي الله عنه قضى بعود الدين إلى ذمة المحيل» وسئل عمر رضي الله عنه عن هذه 
المسألة فقال: يعود الدين إلى ذمة المحيل» لا توي على مال امرىء مسلم» فقد روي 
ذلك مرفوعاًء ومثله عن شریح من غير نکير. 
حجة الشافعي رحمه الله : 

أن البراءة قد حصلت مطلقة بالحولةء فإذا برئت الذمة مرة فوجب أن لا تصير 
مشغولة مرة أخرى» لأن الأصل في الأمر بقاؤه على ما كان. 

الجواب عنه: أن البراءة كانت مقيدة بسلامة حقه» لأن المقصود من الحوالة 
وصول حق صاحب الدين إليه» فإذا مات مفلساً لم يحصل مقصوده» والحوالة قابلة 
للفسخ فتنفسخ» فصار كوصف السلامة في المبيع . 

مسألة: إذا مات الرجل وهو مفلس فتكفل رجل عنه للغرماء لا يصح عند 
أبي حنيفة رضي الله عنه في حق أحكام الدنيا فلا يطالب به ولا يحبس» بل يكون 
متبرعاً في إسقاط دين الميت» وعند الشافعي رحمه الله يصح فيطالب به في الدنيا. 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 

أن الكفالة ضم الذمة إلى الذمة في المطالبةء والميت لم تبق له ذمة فلا يمكن 
الضم إليها ولأنه كفل بدين ساقط» لأن الدين هو القصد حقيقة» ولهذا يوصف 
بالوجوب» لكنه في الحكم مال لم يؤل إليه وقد عجز الميت بنفسه وبخلفه ففاتت 
عاقبة الاستيفاء' فيسقط ضرورةء فإذا سقط لا تلزم الكفالة عنه. 


(1) يشير إلى ضعف الحديث» قال الذهبي في المستدرك: واه. (ن). 


الغرَة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام بي حنيفة ۳۷۱ 
حجة الشافعي رحمه الله: 


ما روي أنه ية أتى بجنازة رجل من الأنصار ليصلي عليه فقال: «هل على 
صاحبکم دین؟» قالوا: نعم دیناران» فقال: «أترك لهما وفاء؟» قالوا: لاء قال: 
«صلوا على صاحبكم» فقال أبو قتادة: هما علي يا رسول الله فتقذّم النبي ية فصلى 
عليه. 


الجواب عنه: يحتمل أن يكون أبو قتادة قال ذلك وعداً بالتبرع بالأداءء ولهذا 
لما أذى قال له بة: «الآن بردت جلد“ ولا نزاع في أحكام الآخرة» فقد أمكن 
تصحيحه في حق أحكام الآخرة حتى لا يبقى للغريم أن يطالبه بالدين في الآخرة 
وصححناه في حقهاء لأن الدين لا يسقط بالموت في أحكام الآخرة» والخلاف إنما 
هو في أحكام الدنيا ولا دلالة في الحديث عليه» فإن التبرع بأداء الدين جائز من غير 
أن یثبت عليه ولا کلام فيه . 

مسألة : الكفالة بنفس من عليه الدين تصح عند أبي حنيفة رضي الله عنه» وهو 
قول عمر وعثمان وابن مسعود وابن عمر وجرير بن عبد الله وأبي بن كعب وعمران بن 
الحصين» والأشعث بن قيس رضي الله عنهم» وقال الشافعي رحمه الله: لا تصح. 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 

قوله با : «الزعيم غارم» من غير فصل بين النفس والمال» وهذا يفيد مشروعية 
الكفالة بنوعيه» إذ الزعيم هو الكفيل» وجاء في تأويل قوله تعالى في سورة يوسف 
عليه السلام: لن ِم َنَم حزن مويئًا ت ر [يُوسف: .]١١‏ قال ابن 
عباس رضي الله عنهما موثقاً أي كفيلاً بنفس الأخ المبعوث منهم» وقال الله تعالى: 
#أا بالمفود) [المائدة: ]١‏ والكفالة بالنفس عقد فيجب الوفاء به» وقال النبي يا: 
«المسلمون عند شروطهم». 


حجة الشافعي رحمه الله : 


أن الكفالة بالنفس في الحدود والقصاص باطلة فكذا في الأموال والجامع أن 
إحضار الشخص لا قدرة له عليه. 


(۱) أخرجه ابن أبي شيبة (ز). 


af‏ الغرة المنبفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة 
الجواب عنه: أنه يقدر على تسليمه بطريقة أن يعلم الطالب مكانه فيخلي بينه 
وبينه» أو يستعين بأعوان القاضي» والحاجة ماسة إليه» فلا مانع من الجواز على أنه 
تصح الكفالة بنفس من عليه الحدء فلا يجوز القياس عليه وإن لم يصح نفس الحد» 
ولو سلم القياس فهو مردود بمقابلة ما ذكرنا من القرآن والحديث وأفعال الصحابة 
رضي الله عنهم والله أعلم. 
كتاب الوكالة 


مسألة: الوكيل بالبيع يجوز بيعه بالقليل والكثير عند أبي حنيفة رضي الله عنه. 
وعند الشافعي رحمه الله : لا يجوز بنقصان فاحش» وهو قول صاحبيه رحمهما الله . 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 

أن التوكيل بالبيع مطلق فيجري على إطلاقه في غير موضع التهمة والبيع بالغبن 
بيع ربما يرغب فيه عند سآمة المالك عن السلعة واحتياجه إلى الثمن فيدخل تحت 
التوكيل . 
حجة الشافعي رحمه الله : 

أن البيع بالغبن ضرر والظاهر أن الموكل لا يرضى بذلك» فلا يجوز لقوله عليه 
الصلاة والسلام: «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام» على أن مطلق الأمر يتقيد 
بالمتعارف» وهو البيع بمثل القيمة فلا يدخل البيع بالغبن تحت مطلق التوكيل لأنه غير 
متعارف» ولهذا لو وكله بشراء الجمد فإنه يتقيد بزمان الحاجة إليه» أو وكله بشراء 
الفحم فإنه يتقيد بزمان الشتاء. 

الجواب عنه: أن البيع بالغبن متعارف عند شدة الحاجة إلى الثمن والتبرم من 
الغبن كما ذكرناء ومسألة التوكيل بشراء الجمد والفحم وتقييدهما بزمان الحاجة ممنوع 
على قول أبي حنيفة رضي الله عنه والموكل قد رضي برأي الوكيل حيث أطلق له 
الوكالة بالبيع» فلو كان غرضه التقييد لما أطلقه. 

مسألة : الوكيل بالخصومة لو أقر على موكله في مجلس القاضي جاز إقراره عليه 
عند أبي حنيفة رضي الله عنه والموكل قد رضي برأي الوكيل حيث أطلق له الوكالة 
بالبيم» فلو كان غرضه التقبيد لما أطلقه. 

مسألة : الوكيل بالخصومة لو أقرَّ على موكله في مجلس القاضي جاز إقراره عليه 


عند أبى حنيفة رضى الله عنه» وعند الشافعي رحمه الله : لا يجوز إقراره عليه. 


الغرة المنبفة في تحقيق بعض مسائل الإمام بي حنيفة Vr‏ 


حجة أبي حنيفة رضي الله عنه: 

قوله تعالى: ولا رعو ملوأ [الأنقًال: ]٤١‏ فالظاهر من حال المسلم: أن 
يوكله بالخصومة بمعنى المنازعة والإنكار والمنازعة عند ظهور الحق لكونه مهجوراً 
شرعاً لجواز أن لا يكون الإنكار والمنازعة عند ظهور الحق لكونه مهجوراً شرعاً لجواز 
أن لا يكون الإنكار والمنازعة عند ظهور الحق مملوكاً له والتمليك بما لا يملكه الإنسان 
حرام فيحمل على الجواب الحق إقراراً كان أو إنكاراً بطريق إطلاق السبب على 
المسبب» فالجواب الح قد يكون عنده الإقرار فلا يحل له الإنكار» فجاز إقراره كما 
جاز إنكاره إذا كان محقاً فيه فيملك مطلق الجواب دون الإنكار بعينه . 


حجة الشافعي رحمه الله : 

أن الوكيل مأمور بالخصومة وهي منازعة» فالإقرار ضده لأنه مسالمة» والأمر 
بالشيء لا يتناول ضده فصار كما لو وكله في باب الحدود والقصاص فإنه لا يملك 
الإقرار فيه» فكذا في غيره. 

والجواب عنه: ما مر من أن الخصومة مهجورة شرعاً فلا يجوز التوكيل به فيراد 
به مطلتق الجواب» ولا يكون الإقرار ضداً له. وأما في الحدود والقصاص» فإن كان 
الموكل هو المدعي فأقرَ عليه وكيله بما يسقط الحد نفذ إقراره عليه» وإن كان الموكل 
هو المدعى عليه فقد قام المانع من تنفيذ إقرار الوكيل عليه» وهو الشبهة المتمكنة فيه 
والحدود تندریء بالشبهات . 

مسألة: قال أبو حنيفة رضي الله عنه: لا يجوز التوكيل بالخصومة إلا برضى 
الخصم إلا أن يكون الموكل مريضاً أو غائباً مسيرة ثلاث أيام فصاعداًء وقال الشافعي 
رحمه الله : يجوز التوكيل من غير رضى الخصم. 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 

أن الجواب مستحق على الخصم» ولهذا يكلف بالحضور عند القاضي للجواب 
والناس متفاوتون في الخصومة. قال بيا : «إنكم لتخصمون لدي ولعل بعضكم ألحن 
بحجته من بعض» فيمكن أن يلحقه الضرر بدعوى الوكيل لكونه عالما بالحيل والتزوير 
فیتوقف على رضاه. 
حجة الشافعي رحمه الله : 

أنه يجوز ذلك في حق المريض والمرأة المخدرة مطلقاً فكذا في غيرهما. 

والجامع التوسل به إلى تحصيل المقصود. 


rvs‏ الغرة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة 


الجواب عنه: أن الجواب غير مستحق على المريض والمسافر ولأن فيهما من 
الضرورة ما لا يخفى» وكذا في المرأة المخدرة» لأنها لو حضرت لا يمكنها أن تنطق 
بحق لحيائها فيلزم توكيلها. 

كتاب الإقرار 

مسألة: إذا أقر الرجل في مرض موته بديون وعليه دين في صحته أو بديون 
لزمته في مرضه بأسباب معلومة» فديون الصحة المعروفة الأسباب تقدم على الديون 
التي لزمته في المرض بإقراره عند أبي حنيفة رضي الله عنه. وعند الشافعي رحمه الله : 
دين الصحة ودين المرض يستويان. 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه: 

أن الحقوق إذا اجتمعت في مال الميت يقدم الأقوى كالتجهيز يقدم على الدين 
والوصية والميراث» ودين الصحة أقوى» لأنه ظهر بإقراره في وقت لم يتعلق بماله 
حق أصلاً ولم یرد عليه نوع حجر» ولهذا صح إعتاقه وهبته من جميع المال» وفي 
المرض ورد عليه نوع حجر ولهذا لا ينفذ تصرفه إلا في الثلث فكان الأقوى أولى. 
حجة الشافعي رحمه الله : 

أن إقرار المريض في مرض الموت أقرب إلى الصدق لأنه آخر عهده من الدنيا 
وأول عهده من الآخرة» فيكون خوفه أكثر» ويكون أبعد من الكذب فإذا لم يكن 
الإقرار في حالة المرض أولى فلا أقل من أن يكون مساوياً. 

الجواب عنه: أن الإقرار لا يعتبر دليلاً إذا كان فيه إبطال حق الغير» وفي إقرار 
المريض ذلك» لأن حق غرماء الصحة تعلق بهذا المال استيفاء» ولهذا منع عن التبرع 
إلا بقدر الثلث» وفي حالة الصحة لم يتعلق حقهم بالمال لقدرته على الاكتساب 
فافترق حال الصحة والمرض. 

مسألة: إذا أقرّ المريض لوارثه بالعين أو لدين لا يصح إلا أن يصدقه بقية الورثة 
عند أبي حنيفة رضي الله عنه. وقال الشافعي رحمه الله: يصح. 


حجة أبي حنيفة رضي الله عنه: 

قوله عليه الصلاة والسلام: «لا وصية لوارث ولا إقرار له بالدين؛ ولأنه تعلق 
حق الورثة بماله في مرضه» ولهذا يمنع من التبرع على الوارث أصلاً» وفي تخصيص 
البعض به إبطال حق الباقين بخلاف الإقرار به للأجنبي لأنه غير متهم فيه. 


و کے ی ی ی کے کک 
حجة الشافعي رحمه الله : 

أن دلالة الإقرار على الصدق في مرض الموت أكثر من دلالته عليه في الصحة» 
فإذا صح الإقرار في حالة الصحة ففي حال المرض أولى. 

الجواب عنه: بالفرق بين الحالين في عدم تعلق حق الخير بما له في حال 
الصحة وتعلقه في حالة المرض. 

مسالة: العارية أمانة إن هلكت من غير تعد لا يضمن عند أبي حنيفة 
رضي الله عنه: وهو مروي عن علي وابن مسعود وشريح والحسن وإبراهيم النخعي 
والثوري رضي الله عنهم» وقال الشافعي رحمه الله : يضمن. 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 

ما رواه الدارقطني» عن عمرو بن شعيب» عن جده» عن النبي ب أنه قال: 
«ليس على المستعير غير المغل ضمان» المغل الخائن» فإذا لم يخن لم يضمن. 
حجة الشافعي رحمه الله : 

قوله عليه الصلاة والسلام: «على اليد ما أخذت حتى ترد وبعد الهلاك يتعذر 
الرد صورة فيلزمه الرد معنى بلزوم الضمان. 

الجواب عنه: أن المراد منه الأخذ بغير إذن المالك غصباًء ولهذا لو أخذ على 
سبيل الوديعة لا يجب عليه الضمان بالهلاك بالإجماع» فعلم أن المراد منه الأخذ 


غصباً دون الأخذ عارية. 
کتاب الغصب 
مسألة: لو غصب رجل عبداً من آخر» فأبق العبد فضمنه المالك قيمته ملكه 
الغاصب عند أبي حنيفة رضي الله عنه. وقال الشافعي رحمه الله: لا يملكه. 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 
أن المالك ملك ببدل العبدء والبدل قابل للنقل من ملك إلى ملك فيملكه 


الخاصب دفعاً للضرر عنه: لا يجتمع البدل والمبدل عنه فى ملك رجل واحد»ء 
2 کي لا يتمع کي جل 
وهو المالك. 


E‏ ا کمک کی ی د اک 
حجة الشافعي رحمه الله : 

أن الغصب عدوان محض» فلا يصح سبباً للملك كمال المدبر. 

الجواب عنه: أن أداء الضمان مشروع يصلح سبباً للملك بخلاف الدير لأنه غير 
قابل للنقل من ملك إلى ملك فافترقا. 

مسالة: لو قطع رجل يدي عبد إنسان أو فقأ عينيه» فالولي بالخيار إن شاء دفع 
عبده إلى الجاني وأخذ قيمته» وإن شاء أمسكه ولا شيء له في النقصان» عند 
أبي حنيفة رضي الله عنه. وقال الشافعي رحمه الله : يضمنه كل القيمة ويمسك الجثة. 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه: 

أن مالك العبد ملك بدله بتمامه فوجب أن يخرج العبد من ملكه» وإلا لزم 
الجمع بين البدل والمبدل عنه وهو محال. 
حجة الشافعي رحمه الله : 

أن العبد كان في ملك مالكه» والأصل في كل شيء بقاؤه على ما كان» 
والضمان بمقابلة الدين فيبقى العبد في ملك مالكه الأول. 

الجواب عنه: أن العبد فيه معنى المالية» ومعنى الآدمية» فوقعنا على الشبهين 
منهما» فبالنظر إلى الآدمية يجب الضمان بإداء الغائب لا غير كما في الحر» وبالنظر 
إلى المالبة اليس له أن يأخذ كل بذل العين مع إمساك الجغة كما ليس له ذلك في 
المال بأن خرق ثوب إنسان خرقاً فاحشاً فإنه يأخذ القيمة ويدفع الثوب إلى الخارق» 
وليس له أن يمسك الثوب ويأخذ القيمة بالتمام . 

مسألة : ثمرة البستان المغصوب أمانة فى يد الخاصب إذا هلكت لا ضمان عليه 
عند أبى حئيفة رضى الله عنه إلا يعاق قيها اى يها ماليا فيمنعها. وقال 
الشافعي رحمه الله : ا 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 

أن سبب ضمان الغصب» وهو عبارة عن إزالة اليد المحقة» وإثبات اليد 
المبطلة» ويد المالك لم تكن ثابتة على الزيادة حتى يزيلها الغاصب. 


حجة الشافعى رحمه الله : 


أن المقصود من ذلك البستان الثمرة» فيكون غصبه غصباً للثمرة» والمغصوب 
مضمون لا محالة. 


الغرّة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة VY‏ 

الجواب عنه: أنه لا نسلم أن غصب البستان غصب الثمرة» إذ البستان موجود 
والثمرة معدومة لا يتصور الغصب في المعدوم. 

مسألة: لا يضمن الخاصب منافع ما غصبه إلا أن ينقص باستعماله» فيغرم 
النقصان عند أبي حنيفة رضي الله عنه. وقال الشافعي رحمه الله: لا يضمنها. 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 

إجماع الصحابة رضي الله عنهم: أنهم حكموا في ولد المغرور بالقيمة والعقر 
ولم يحكموا بضمان المتعة» ولو كان الضمان واجباً لحكموا به. وروي أن رجلاً 
استحق ناقة فقضى له النبي ية بهاء ولم ينقل أنه قضى بوجوب الأجر» ولأن المنافع 
لا يمكن غصبها وإتلافها لأنه لا بقاء لها. 
حجة الشافعي رحمه الله: 

أن المنافع أموال متقومة حتى تضمن بالعقود وكذا بالغصوب» لأن الغاصب منع 
المالك من الانتفاع فيضمن بقدر ما منعه من الانتفاع» لقوله تعالى: َس عى 
لن اعدا عد يل ما دى لگ [البقرة: .]٠۹٤‏ 

الجواب عنه: أنه يمنع كون المنافع أموالاً وإنما تتقوم في ضمن العقد بالتراضي 
لقيام العين مقامها كما عرف في موضعه» والنص يقتضي أن يكون الضمان بالمثل ولا 
يمكن المماثلة بين الأعيان والمنافع لأن المنافع أعراض لا بقاء لها والأعيان باقية فلا 
ماثلة بينهما فلا يمكن إيجاب العين بمقابلة المنفعة . 

مسألة: إذا غصب رجل حنطة من آخر فطحنها زال ملك المالك عنها وملكها 
الغاصب وضمن مثل تلك الحنطة عند أبي حنيفة رضي الله عنه. وقال الشافعي 
رحمه الله: لا ينقطع حق المالك. 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 

أن الغاصب أحدث صنعة متقومة صيرت حق المالك بها هالكاً من وجه ولهذا 
تبدل الاسم وفات معظم المقاصد وحقه في الصنعة قائم من كل وجه فيترجح على 
الأصل الذي هو فائت من وجه. 
حجة الشافعي رحمه الله : 


أن العين باقية فتبقى على ملك المالك» إذ الأصل في الثابت بقاؤه على ما كان 
عليه وتتبعه الصفة. 


VA‏ الغرة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنبفة 

الجواب عنه: لا نسلم أن الأصل باق من كل وجه بل هو هالك من وجه كما 
مر» وفيما قلنا رعاية للجانبين فإن حق المالك ينجبر بأخذ المثل وحق الغاصب يضيع 
في الصفة بلا جابر فالمصير إلى ما قلنا أولى. 

مسألة : إذا غصب ساحة فبنى عليه انقطع حق المالك ولزمه قيمتها عند أبي حنيفة 
رضي الله عنه. وقال الشافعي رحمه الله : له أن يخرب البناء ويأخذها. 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 

أن فيما ذهب إليه الخصم إضرار بالغاصب بنقض بنائه من غير خلف وضرر 
المالك فيما ذهبنا إليه مجبور بالقيمة فكان أولى» فصار كما خاط بالخيط المغصوب 
بطن ولده» أو أدخل اللوح المغخصوب في سفينة . 
حجة الشافعي رحمه الله : 

أن عين المالك باق وهو غير راض بزوال ملكه فله أخذه. 

الجواب عنه: أن هذا منقوض فيما إذا خيط بطن إنسان بالخيط المغصوب فإنه 
ليس له شق البطن وأخذ الخيط وإن كان عين ملكه باقياً فكما لا يجوز له أخذ الخيط 
لدفع الضرر من النفس فكذا ليس له أخذ الساحة لدفع الضرر عن المال» قال عليه 
الصلاة والسلام: «حرمة مال المؤمن المسلم كحرمة دمه). 

مسألة: إذا غصب رجل جارية إنسان وهي حبلى فما نقصت بالولادة فهو في 
ضمان الغاصب» فإن كان في قيمة الولد وفاؤه جبر النقصان بالولد وسقط ضمانه عن 
الغاصب عند أبي حنيفة رضي الله عنه. وقال الشافعي رحمه الله: لا ينجبر النقصان 
بالولد. 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه: 

أن سبب الزيادة والنقصان واحد وهو الولادة فلا يعد نقصاناًء فلا يوجب ضماناً 
كما لو غصب جارية فهزلت» ثم سمنت أو سقطت أسنانها ثم نبتت. 
حجة الشافعي رحمه الله : 

أن الولد ملك المالك فلا يصلح جابراً للملك نفسه كما إذا هلك الولد قبل الرد 


و E‏ رف ا او قر ای قچی کے 


الغرة المنيفةه في تحقيق بعض مسائل الرمام ابي حبيفة ۳4 

الجواب عنه: أن سبب النقصان هاهنا القطع والجز وسبب الزيادة النمو فلم 
يتحد سبب الزيادة والنقصان وفيما نحن بصدده اتحد سبب الزيادة والنقصان فافترقا. 

مسألة: إذا أتلف المسلم خمر الذمي يضمن عند أبي حنيفة رضي الله عنه. وقال 
الشافعي رحمه الله: لا يضمن. 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه: 

أن تقوم الخمر باق في حت أهل الذمة إذ الخمر لهم كالخل لنا ونحن أمرنا 
بتركهم وما يدينون وإذا بقي التقوم فقد يكون إتلاف مال متقوم فيجب الضمان لقول 
علي رضي الله عنه: إنما بذلوا الجزية ليكون دماؤهم كدمائنا وأموالهم كأموالنا» 
ويجب الضمان بإتلاف مال متقوم لناء فكذا بإتلاف ما لهم. 
حجة الشافعي رحمه الله : 

قوله ية في حت أهل الذمة: «لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين»» 
والخمر في حق المسلم غير مضمون» فكذا لا يكون مضموناً في حق الذمي. 

الجواب عنه: إن المسلم يعتقد حرمته ومأمور باجتنابه عنه فلا یکون في حقه 
متقوماً بخلاف الذمي فإنه يعتقد إباحته» وتحن أمرنا بترکهم وما يدینون» ولھذا لو باع 
الذمي الخمر لذمي جاز بيعه فإنه غير ممنوع عن تمليك الخمر وتملكه بخلاف المسلم 
فافترقا. 

كتاب الشفعة 

مسألة: الشفعة تستحق بالجواز عند أبي حنيفة رضي الله عنه. وقال الشافعي 
رحمه الله: لا شفعة بالجوار. 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 

ما رواه البخاري ومسلم وهو قوله يي: «الجار أحق بصقبه» ويروى بسقبه 
بالسين» ومعناهما واحد» وهو القرب» وروي هذا التفسير مرفوعاً إلى النبي كلف 
قيل: يا رسول الله» ما سقبته؟ قال: «شفعته» وقوله يية: «جار الدار أحق بالدار» 
ينتظر له إن كان غائباً إذا كان طريقهما واحداً رواه الترمذي» وفي مسند أحمد 


(۱) لم أجد مخرجه (ز). 


FA’‏ الغرة المنيفة في تحقيق بعض مسائل امام ا 
رحمه الله قال: قال رسول الله بية: «جار الدار أحق بالدار من غيره» ولأن الصحابة 
رضي الله عنهم أجمعوا على استحقاق الشفعة بالجوار حتى قال علي وابن مسعود 
رضي الله عنهما: أنه قضى رسول الله ية بالشفعة بالجوار» وكتب عمر رضي الله عنه 
إلى شريح أن يقضي بالشفعة للجار الملازق. 


حجة الشافعي رحمه الله: 

قوله بلة: «الشفعة فيما لا يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا 
شفعة). 

الجواب عنه: أن المراد به فلا شفعة لسبب الشركة في نفس المبيع أو حقه إذ 
المراد بقوله كَل : «الشفعة فيما لم يقسم؛ يعني الشفعة لسبب الشركة في المبيع أو 
حقه فلا يلزم منه نفي الشفعة بالجوار. 

مسألة: الشفعة بين الشركاء على عدد رؤوسهم» وإن اختلفت أملاكهم عند 
أبي حنيفة رضي الله عنه. وعند الشافعي رحمه الله : على قدر الأنصباء. 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 

أنهم استووا في سبب الاستحقاق وهو الاتصال فيستوون في الاستحقاق» ألا 
ترى أنه لو انفرد واحد منهم استحق كمال الشفعة وهذا آية كمال السبب. 
حجة الشافعي رحمه الله : 

إن الشفعة من مرافق الملك فيكون على قدر الأملاك كالربح والغلة والثمرة. 

الجواب عنه: إن الشفعة تملك ملك غير فلا يجعل من ثمرات ملكه» بخلاف 
الربح والغلة والثمرة فإنها نماء الملك» فيكون بعدد الملك. 

كتاب الإجارة 

مسألة : الإجارة لا تستحق بتفس العقد بل بشرط التعجيل» أو بالتعجيل من غير 
شرط» أو باستيفاء المعقود عليه عند أبي حنيفة رضي الله عنه. وعند الشافعي: يملك 
في الحال بنفس العقد. 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه: 

إن المبدل منافع الدار شهراً أو سنة» وتلك المنافع لم تدخل في ملك المستاجر 
في الحال» فوجب أن لا يخرج البدل عن ملكه في الحال» وحاصله أن العقد ينعقد 


الغرّة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة A1‏ 
شيعا فشيئاً على سبب حدوث المنافع» والإجارة عقد معاوضة ومن قضيتها المساواةء 
فمن ضرورة التراخي في جانب المنفعة التراخي في جانب البدل الأاخرء وإذا استوفى 
المنفعة ثبت الملك في الآخر لتحقيق التسوية» وكذا إذا شرط التعجيل أو عجلء لأن 
المساؤ اة شعت :جنا له وهو أبطله. 
حجة الشافعي رحمه الله : 

إن المنافع المعدومة صارت موجودة حكماً ضرورة تصحيح العقد فيجب الحكم 
فيما يقابله من البدل بنفس العقد. 

الجواب عنه: إن الثابت بالضرورة يتقدر بقدرهاء والضرورة متحققة بجعله 
موجوداً لتصحيح العقد ولا ضرورة في حق وجوب مقابله في الحال على أن الدار 
ایت مقام المنفعة في حق إضافة العقد إليها فلا ضرورة في جعل المنافع موجودة 
کا 

مسالة: وما تلف بعمد الأجير المشترك كتخريق الغوب من ذقة» وغرق السفيئة 
من مدة مضمون عند أبى حنيفة رضي الله عنه. وقال الشافعي رحمه الله: لا ضمان 
عليه . : 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 

إن خرق الثوب ضرر حاصل بفعله فيلزمه الضمان والداخل تحت الإذن ما هو 
الداخل تحت العقد وهو العمل الصالح» لأنه هو الوسيلة إلى الأثر دون العمل 
المقيد. 


حجة الشافعي رحمه اله : 

إن القصار لم يقصر في العمل» والنقصان ليس من قبله إذ لا قدرة له في ذلك 
والأمر بالفعل كان مطلقاً فينتظمه بنوعيه المعيب والسليم كالأجير الواحد ومعين 
القصار. 

الجواب عنه: إن المعين متبرع فلا يمكن تقييده بالصالح» والأجير الواحد 
صارت منافعه مملكة للمستأجر بنفس تسليم النفس» فإذا أجره بالتصرف في ملكه صح 
ويصير نابا منابه فصار فعلة منقولاً إليه فكأنه فعل بنفسه فلهذا لا يضمنه. 

مسألة: لا تجوز إجارة المشاع عند أبي حنيفة رضي الله عنه إلا من الشريك. 
وقال الشافعي رحمه الله : إجارة المشاع جائزة. 


FAY‏ الغرّة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام بي حنيفة 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 

إن شرط جواز الإجارة» أن يكون الأجر مقابلاً للتسليم» وتسليم المشاع وحده 
لا يتصور فلا تجوز إجارته. 
حجة الشافعي رحمه الله : 

لو أجر داره لرجلين جاز بالإنفاق مع أنه في الحقيقة أجر لكل واحد منهما 
النصف» فعلم أن إجارة المشاع جائزة وتسليم المشاع صحيح بظريقةة وهن الا 
بأن يسكن هذا يوماً» وذاك يوماً. 

الجواب عنه: إن التسليم إلى رجلين يقع جملة» ثم الشيوع بتفرق الملك فيما 
بينهما طارىء فلا يمنع الجواز. اا لاا فاا سحن حا الل وة 
الملك»ء وحكم الشيء يعقبه» والقدرة على التسليم شرط العقد وشرط الشيء يسبقه» 
فبينهما منافاة . 

مسالة: لا يجوز الاستفجار على الطاعات كالحج وغيره» عند أبي حنيفة 
رضي الله عنه. وعند الشافعي رحمه الله: في كل طاعة لا تتعين على الأجير. 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 

ما رواه الترمذي» عن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه قال: إن آخر ما عهد 
ی رسول الله ية قال: «إن اتخذت مؤذناً فلا تأخذ على الأذان أجراً» وما رواه 
الطحاوي» عن عبد الرحمُن الأنصاري قال: سمعت رسول الله ية يقول: «اقرؤوا 
القرآن ولا تأكلوا به» وما رواه ابن ماجة» عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: علّمت 
رجلا القرآن فأهدى لي قوساً فذكرت ذلك لرسول الله بي فقال: «لو أخذتها أخذت 
قوسا من نار فرددتها. 
حجة الشافعي رحمه الله: 

ما روي أن نفراً من الصحابة رضي الله عنهم نزلوا على حي من أحياء العرب 
وكان سيدهم لدينا فسألوهم هل فيكم الراقي؟ فرقى رجل من الصحابة بالفاتحة وشرط 
عليه قطيعاً من الخنم فبلغ النبي ية فضحك وقال: «ما يدريك أنها رقية خذوها 
واضربوا لي بسهم» وقال: «إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب اله». 


() أي المناوبة في السكنى (ز). 


الغرة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة AY‏ 

الجواب عنه من وجوه: 

أحدها: إن القوم كانوا من أهل الحرب فجاز أخذ أموالهم بأي طريق كان. 

والثاني: إن حق الضيف كان لازماً ولم يضيفوهم وكان الأخذ من الضيافة . 

الثالث: إن الرقية ليست بقربة محضة فجاز أخذ الأجرة عليها على أن المتأخرين 
من مشايخنا جوزوا أخذ الأجرة على تعليم القرآن والله أعلم . 

كتاب المأذون 

مسألة: المولى إذا أذن للعبد في نوع من التجارة فهو مأذون في الجميع عند 
أبي حنيفة رضي الله عنه. وقال الشافعي رحمه الله: لا يصير مأذوناً له إلا في ذلك 
انوع . 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه: 

إن الإذن في الشرع فك الحجر» والعبد بعد ذلك يتصرف بنفسه لأهليته لأنه 
بعد الرق بقي أهلاً بلسانه الناطق وعقله المميز» والحجر عن التصرف حق المولى فإذا 


أسقط المولى حقه وفك الحجر فعند ذلك يظهر مالكية العبد فلا يتخصص بنوع دون 
نوع کالمکاتب . 


حجة الشافعي رحمه الله : 

إن الأذن من المولى توكيل وإنابة لا يستفيد الولاية إلا من جهة المولى» ولهذا 
يملك حجره فیتخصص بما خصه أن یکون له بصيرة في نوع دون آخر کالمضارب. 

الجواب عئه: أن تصرف الوکیل واقع لموکله حتی لا یکون له قضاء دینه من 
ذلك المال» وحكم التصرف في المأذون» وهو المالك له حتى كان له أن يصرفه إلى 
قضاء الدين والنفقة وما استغنى عنه فخلفه المولى فيه فافترقاء وزوال الحجر غير 
متجزىء فإذا زال بالنسبة إلى شيء يزول مطلقاً» وحاصله أن التوكيل نيابة فلا تعم 
الوكالة إذا خصصها الموكل» والإذن فك الحجر دون الإنابة فيعم . 

مسألة: إذا رأى المولى عبده يبيع ويشتري فسكت ولم يمنعه عن ذلك يصير 
مأذوناً في التجارة عند أبي حنيفة رضي الله عنه. وقال الشافعي رحمه الله: لا يصير 
مأذوناً بذلك. 


At‏ الغرة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنبفة 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 

إن کل من رآه یظنه مأذوناً فیعاقده فیتضرر به لو لم یکن مأذوناً له» ولو لم یکن 
المولى راضياً به لمنعه دفعاً للضرر عن المسلمين والخرر» فصار كسكوت الشفيع عند 
بيع الدار المشفوعة عن طلب الشفعة فإنه دليل الرضى فتبطل شفعته دفعاً للغرر فكذا 
هنا. 
حجة الشافعي رحمه الله : 

يحتمل أن يكون الرضى» ويحتمل أن يكون السخط» ويحتمل أن يكون للتوقف 
والحياء فلا يثبت الإذن بالشك. 

الجواب عنه: أن ترجيح جانب الرضى على غيره بالعرف دفعاً للضرر عن 
المسلین جما دة 

مسألة: ديون العبد المأذون إذا كانت واجبة بالتجارة تتعلق برقبته فيباع فيها 
للغرماء عند أبي حنيفة رضي الله عنه. وقال الشافعي رحمه الله: لا يباع . 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 

إن كون هذا للدين ظاهر في حق المولى بدليل أن العبد يطالب به في الحال 
فيتعلق برقبته استيفاء لدين الاستهلاك» والجامع دفع الضرر عن الناس» والمولى قد 
رضي بذلك حين أذن له في التجارة. 
حجة الشافعي رحمه الله : 

إن رقبة العبد كانت مملوكة للمولى؛ والأصل في الثابت بقاؤه» فوجب الحكم 
ببقائها على ملك المالك فلا يجوز بيعها بدون إذن المالك كما في سائر الأملاك. 

الجواب عنه: إن سبب الدين وهو التجارة داخلة تحت الإذن» وتعلق الدين 
برقبته استيفاء حامل على المعاملة فمن هذا الوجه صلح غرضا للمولى فيكون راضيا 
به» فجاز بيع بخلاف سائر الأملاك فإنه لا يجوز بيعها بدون رضاه. 


كتاب الهبة 


مسألة: إذا وهب الرجل هبة لأجنبي بلا عوض فقبض وتسم فله الرجوع عند 
أبي حنيفة رضي الله عنه» وهو قول عمر وعثمان وابن عمر رضي أله عنهم. وقال 
الشافعى رحمه الله: لا رجوع فيها. 


الغعرة کچھ ی ی بھی می E‏ کی 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 

قوله عليه الصلاة والسلام: «الواهب أحق بهبته ما لم يثبت عليها» أي ما لم 
یعوض عنهاء» وروی ابن عباس رضي الله عنهماء أن النبي يي قال: «إذا كانت الهبة 
لذوي رحم محرم لم يرجع فيها ولو كانت لأجنبي فله الرجوع»» وروى الطحاوي عن 
الأسود عن عمر رضي الله عنه أنه قال: «من وهب هبة لذوي رحم محرم جازت» 
ومن وهب هبة لغير ذوي رحم محرم فهو أحق بها ما لم يثب» وهكذا نقل عن علي 


رضی الله عنه. 


ححة الشافعي رحمه الله : 


قوله عليه الصلاة والسلام: «لا يرجع الواهب في هبته إلا الوالد فيما وهب 
لولده» وقوله ب : «العائد في هبته کالکلب يعود في قیئها . 


الجواب عنه: إن المراد بالحديث الأول نفي الرجوع على سبيل الاستقلال 
ونحن نقول بموجبه فإنه لا يصح الرجوع عندنا إلا بالتراضي أو بقضاء القاضي إلا 
الوالد فإن له حق التملك في مال ولده عند الحاجة من غير رضى الولد ويسمى ذلك 
رجوعاً نظراً إلى الظاهر أو المراد به الكراهة وهي ثابتة عندناء ولهذا شبهه النبي يلا 
بالكلب العائد في قيئه لاستقباحه في المروءة إذ فعل الكلب لا يوصف بالصحة 
والفساد» وإنما يوصف بالقبح طبعاً وعادة لاستقذاره فلا يدل على عدم الجواز في 
الحكم. 

مسألة: لا يجوز هبة المشاع فيما يقسم عند أبي حنيفة رضي الله عنه ولا يفيد 
الملك قبل القسمة وهو قول أبي بكر وعمر وعثمان وعلي الخلفاء الراشدين الأئمة 
المهديين رضي الله عنهم. وقال الشافعي رحمه الله: يجوز. 
حجة أبي حنيفة وضي الله عنه : 

قوله عليه الصلاة والسلام: «لا تصح الهبة إلا محوزة مقسومة مقبوضة» ولأن 
القبض شرط في الهبة» والمشاع لا يقبل القبض إلا بضم غيره وذلك غير موهوب 
ولأن في تجويزه إلزامه شيئاً لم يلتزمه وهو القسمة؛ ولهذا امتنع جوازه قبل القبض 
ئلا يلزم التسليم. 


TAY‏ کور و کی یی وکا کل ارا ای وه 
حجة الشافعي رحمه الله : 

قوله تعالى: اا الت ءامو أردا بالمفود) [المائدة: ]١‏ وقوله كللة: ١لا‏ 
يحل مال امرىء مسلم إلا بطيب من نفسه» والاستثناء من النفي إثبات» ولأن المشاع 
قابل للقبض بطريقه وهو المهايأة والمناوبة . 

الجواب عنه: إن دليلنا صريح» ودليلكم غير صريح فيترجح على دليلكم 
والمهايأة تلزم فيما لم يتبرع به وهو المنفعة والهبة لاقت العين. 

كتاب الوديعة 

مسألة : إذا أودع إنسان شيئاً عند صبي فأتلفه فلا ضمان عليه» عند أبي حنيفة 
رضي الله عنه. وقال الشافعي رحمه الله: عليه ضمان. 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 

قوله بيا: «رفع القلم عن ثلاث: عن الصبي حتى يبلغ . ٠.‏ ولأنه بالإيداع عند 
الصبي سلطه على ماله والظاهر من حاله الإتلاف لقصور عقله فيكون عن رضاء فلا 
يجب الضمان. 
حجة الشافعى رحمه الله: 

إن الإتلاف لو كان قبل الإيداع وجب عليه الضمان» فكذا بعد الإيداع لأن قول 
المودع احفظ هذا المال لو لم يكن مانعاً من الإتلاف لا يكون أقل من عدم الرضى به 
الجواب عنه بالفرق: وهو أنه قبل الإيداع غير مسلط على الإتلاف من جهته 
وبعده مسلط عليه فافترقا. 

مسألة: إذا سافر المودع بالوديعة فتلفت لا يضمنها عند أبي حنيفة رضي الله عنه 
إلا إذا كان الطريق مخوفاً أو كان المالك نهاه عن المسافرة بها أما إذا لم ينهه عن 
ذلك ولم تكن المخاطرة في الطريق ظاهرة لم يضمن. وقال الشافعي رحمه الله : 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 

إن المودع أتى ما أمره المالك به فلا يجب عليه الضمان» لأنه أمره بالحفظ 
مطلقاً وعند المسافرة لا يمكنه حفظها إلا بالمسافرة بها إذ لا يمكنه أن يودع عند 
آخر» وكان مأذوناً له فيها والمفازة محل للحفظ إذا كان الطريق آمناًء ولهذا يملكه 
:الأب والوصي في مال الصبي. 


الغرّة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة AV‏ 
حجة الشافعي رحمه الله : 

مأمور المودع مأمور بحفظ كامل» والسفر ليس فيه حفظ كامل فلا يكون مأذوناً 
فيه فيجب عليه الضمان بالسفر. 

الجواب عنه: إنه يمنع أن السفر ليس فيه حفظ كامل لأنه ربما لا يجد في البلد 
من يعتمد عليه في الحفظ وهو مضطر إلى السفرء وكان المالك عالماً بذلك عادة 
فيكون مأذوناً دلالة فلا يضمن . 

مسالا المودع إذا خالف وتعدى في الوديعة بان كانت دابة فركبها أو ثوباً 
فلبسه» ثم أزال التعدي وعاد إلى الوفاق لا يلزمه الضمان بالهلاك» عند أبي حنيفة 
رضي الله عنه. وقال الشافعي رحمه الله: يضمن . 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 

إن الأمر بالحفظ باق بعد الخلاف لأنه مطلق عن الوقت غير موقت فيكون باقياً 
فإذا عاد إلى الوفاق يكون آتياً بما أمره به المودع من الحفظ في جميع الأزمان فلا 
يلزمه الضمان. 
حجة الشافعي رحمه الله: 

وقت الخيانة لزمه.الضمان» والأصل في الثابت البقاء» فوجب أن يبقى ذلك 
الوجوب بعد العود إلى الوفاق. 

الجواب عنه: إن الموجب للضمان هو الخيانة» وقد زالت بالعود إلى الوفاق 
فيزول الضمان ولأنا نعارضه بالمثل» وهو أن: الضمان لم يكن واجباً قبل الخيانة 
والأصل في الثابت بقاؤه فبقي على ما كان من عدم لزوم الضمان. 

مسألة: إسلام الصبي العاقل صحيح عند أبي حنيفة رضي الله عنه. وعند 
الشافعي رحمه الله: لا يصح . 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 

إن علياً رضي الله عنه أسلم وهو ابن ثمان سنين» وروی الخلال وهو ابن عشر 
سنين» وقد صحح النبي ب إسلامه» وافتخر علي رضي الله عنه بذلك وتمدح به 
حیث قال : 

س تچ إلى الإسلام طراً صغيرا ما بلغت أوان حلمي 


A۸‏ الغرة المنبفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنبفة 


فلو لم يكن إيمانه صحيحاً لما افتخر به النبي بي ولأنه أتى بحقيقة الإيمان» 
وهو التصديق والإقرار والحقائق لا يمكن ردها خصوصاً الإيمان الذي لا يمكن الرد 
وقد جوزنا منه ما هو نفع محض كقبول الهبة» فلأن يجوز ما فيه سعادة أبدية ونجاة 
عقباوية سرمدية فهي من أجل المنافع وعاجله أولى. 
حجة الشافعي رحمه الله : 

لو كان الإيمان صحيحاً من الصبي لكان واجباً عليه» ولو كان واجباً عليه لما 
جوز الشرع تركه إذ ترك إسلام من وجب عليه كفر» والشارع لم يجز له التقرير على 
الكفر» فعلم أن إسلام الصبي لا يصح. وقد قيل: إن علياً رضي الله عنه كان وقت 
او الغا ابی می حشر سهة: 

الجواب عنه: أنه لا نسلم أنه يلزم من الجواز الوجوب» فإن أردتم أنه لا يجب 
عليه بمعنی أنه لا یأثم بترکه ولا یجب عليه الإیمان فمسلم» ولکن لا یلزمه منه عدم 
الجواز والقبول إذا أتى به فإن المسافر إذا صام من رمضان يقع عن الفرض مع أنه لا 
يجب إتيانه في الحال» ولا يأثم بتركه» وإن ادعيت أنه لا وجوب عليه أصلاً فهو 
ممنوع على ما اختاره الشيخ أبو منصور رحمه الله ونقله مذهباً لأهل السئة والجماعة» 
وقد صح أن أول من أسلم من الصبيان علي رضي الله عنه فلا يصح دعوى أنه أسلم 
بعد البلوغ . 


کتاب النکاح 
مسألة: الاشتغال بالنكاح أفضل من التخلي لنفل العبادات» عند أبي حنيفة 
رضي الله عنه وهو قول عامة الصحابة والتابعين رضي الله عنهم. وقال الشافعي 
رحمه الله: التخلي لنفل العبادات أفضل من النكاح . 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه: 
إن النكاح واجب أو سنة» وعلى التقديرين فهو أفضل من النوافلء لأنه إن كان 
في حالة التوقان فهو واجب عملا بظاهر الأمر لقوله تعالى: انا ا اب ل 
[التساء: ۳] ورجحان الواجب على النفل ظاهر وإلا فهو سنة لقوله ية «النكاح سنتي 
فمن رغب عن سنتي فليس مني» وعن أنس رضي الله عنه قال: كان النبي ية يأمر 


الغرّة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة ۴۸4 


بالباءة“ وينهى عن التبتل نهياً شديداً ويقول: «تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم 
الأنبياء يوم القيامة» رواه أحمد في مسنده» وعن أبي ذر رضي الله عنه ن النبي بل 
قال لعكاف بن بسر: «هل لك زوجة؟» قال: لاء قال: ولا جارية؟ قال: لا. قال: 
«وأنت موسر؟» قال: وأنا موسر»ء قال: «إذن نت من إخوان الشياطين إن من سنتنا 
النکاح شرارکم عزابکم وأرذال موتاکم عزابکم» آخر جه المد ر اف قي م" 
وروی ابن مسعود رضي الله عنه قال: كنا مع النبي إل شباباً ليس لنا شيء» فقال: 
يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له 
وجاء» أمر بالنكاح وقذمه على الصوم» فهذه الأحاديث دالة على أنها سنة وهي أفضل 
من النوافل بالإجماع. 


حجة الشافعي رحمه الله من وجوه: 

الأول: قوله عليه الصلاة والسلام: «أفضل الأعمال الصلاة» وهذا نص صريح 
في هذه المسألة. 

الجواب عنه: إن المراد به أن أفضل الأعمال المفروضة الصلاة» وأفضل النوافل 
الصلاة النافلة» وليس المراد بأفضل الأعمال الصلاة مطلقاًء ولا يلزم أن تكون الصلاة 
النافلة أفضل من الزكاة المفروضة والحج المفروض» وليس كذلك ونحن قائلون 
بموجب الحديث» وإنما الكلام بأن الصلاة النافلة أو النكاح الذي هو سنة والحديث 
لم يدل على أن التفل أفضل من السنة. 

الثاني : قوله تعالى: وما علقت ّى آلإ إلا يعدو ©4 [الذارات: ]٠١‏ 
ولم يقل بأنه ما خلق الجن والإنس إلا للنكاح» فعلم أن العبادة أفضل. 

الجواب عنه: إن المراد من قوله: ‏ ليعنأون) [الذاريات: ]٠١‏ ليعرفون» قاله 
ابن عباس رضي الله عنهماء ولغن سلمنا أن المراد به العبادات» فالنكاح من جملة 
العبادات لكونها سنة» ولهذا يثاب على إتيان أهله حيث قال النبي بل : 2 بضع 
صدقة» قالوا: يا رسول الله : أيأتي أحدنا شهوته» ويكون له فيها أجر؟ قال: 

«أرأيتم لو وضعها في الحرام کان کل وخر ک5ا وا اع ا6 

ولأن النكاح سبب لولد صالح يدعو له بعد موته فيكون أولى من العبادة المنقطعة 


(۱) أي التكاح (ز). 
(۲) لکن لا يخلو طرقه من ضعيف (ز). 


.۳4 الغرَة المنبفة في تحقيق بعض مسائل الإمام آبي حنيفة 
بموته» وما يتضمنه النكاح من الواجبات فريضة كالإنفاق وسائر الفرائض» ولا شك أن 
إتيان الفرائض أكثر ثواباً من النوافل فكان أولى» لقوله ية حكاية عن الله تعالى: «ما 
تقرّب إل المتقربون بمشل أداء ما افترضته». 

الثالث: من أدلة الشافعي رحمه الله : قوله عليه الصلاة والسلام: «حبب إلي من 
دنياكم ثلاث: الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة» وكل ما فيه قرة عينه فهو 
أفضل» فتكون الصلاة أفضل من النكاح؛ قال مولانا فخر الدين الرازي رحمه الله 
مؤلف البهائية : هذه الحجة استنبطها مولانا السلطان بهاء الدين خلّد الله ملكه وسلطانه 
ولم أسمع من أحد غيره. 

الجواب عنه: إن في هذا الحديث قدم النكاح على الصلاة والتقديم دليل على 
الترجيح» وأيضاً لم يقل في صلاة النفل فلا يكون دليلاً لاحتمال أن يكون مراده صلاة 
الفرض. 

مسألة: ينعقد نكاح الحرة البالغة العاقلة برضاهاء ولم يعقد عليها ولي عند 
أبي حنيفة رضي الله عنه. وهو قول علي وعائشة وموسى بن عبد الله بن يزيد والشعبي 
والزهري وقتادة والحسن البصري وابن سيرين والقاسم بن محمد والأوزاعي وابن 
جريج رضي الله عنهم. وقال الشافعي رحمه الله: لا ينعقد النكاح بعبارة النساء بل 
يحتاج إلى الولي. 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 

الكتاب والسنة والمعقول. أما الكتاب فقوله تعالى: 5 جاح َّم في ما 
فلت ف أَشهك ين مرو [البَمَرة: ]۲٠١‏ وهذا دليل على جواز تصرفها في 
العقد على نفسها وقد أضاف اله تعالى الفعل إليهن في مواضع من كتابه العزيز فقال: 
ی تنک روا ع [البقرة: ۲۳۰] وقال تعالی: 55 سلوی ن يكحن اروج 
[البقَرّة: ۲۳۲] وقال تعالى: فل جاح لما أن © [البقرة: ]۲١١‏ فنسب التراجع 
إلى الزوجين من غير ذكر الولي وأما السنة فمن وجوه: 

الأول: حديث ابن عباس رضي الله عنهما «الأيم أحق بنفسها من وليها» ويروى 
من «أبيها» أخرجه الشيخان في الصحيحين» وفي حديث آخر لابن عباس 
رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله ية: «البكر يستأذنها أبوها في نفسها» أخرجه 
الدارقطني» وروي أن رجلاً زوج ابنته وقال لرسول الله : لم أرَّ لها خيرأًء 
فقال يي: «لا نكاح لك اذهبي فانكحي من شئت» وقد زوّجها من كفو» رواه 


الغْرّة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيغة NY‏ 
أبو بكر بن أبي شيبة في مصنفه؛ وقال قتادة: جاءت امرأة إلى رسول الله كاز 
فقالت: يا رسول الله» إن أبي زجني من ابن أخيه ليرفع بي خسيسته فجعل الأمر 
إليهاء فقالت: قد أجزت ما صنع أبي ولكن أردت أن أعلم النساء أنه ليس للآباء من 
الأمر شيء. وعن ابن عباس رضي الله عنهما أم بكراً زوجها أبوها بغير إذنها ففرق 
النبي بيه بينهماء وروي رد نكاحها. وأمثال هذه الأحاديث كثيرة» فقد بلغت حد 
الشهرة من حيث المعنى. وأما المعقول فهو أنها مكلفة قد ثبت أهليتها لجميع 
التكاليف الشرعية» والبضع حقها دون الولي» ولهذا يكون بذله لها فقد تصرفت في 
خالص حقها فجاز لها ذلك» ولأنها تملك الإقرار بالنكاح فتملك الإنشاء. 


حجة الشافعي رحمه الله : 

قوله بلا : «أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل» قالها ثلاثاً. 
رواه أبو داود» وقوله ية: «لا نكاح إلا بولي وشاهد عدل» رواه أحمد رحمه الله في 
مسنده» وقوله بيا: ١لا‏ بد في النكاح من أربعة : الولي» والزوج» والشاهدين؛ أخرجه 
الدارقطني . 

الجواب عنه: إن الحديث الأول ضعَفه يحيى بن معين» وعلى تقدير الصحة 
يحمل على الأمة والمكاتبة والمدبرة والصغيرة والمجنونة والمعتوهة بدليل ما ذكرنا من 
الأحاديث فخص هذا العام بهاء ثم مفهوم هذا الحديث لو نكحت بإذن وليها جاز 
فالخصم لم يقل به فكانت حجة عليه» وقال الطحاوي: ثم لو ثبت عن عائشة 
رضي الله عنها فقد ثبت عنها ما يخالفه فإنها زوجت حفصة بنت أخيها عبد الرحمن» 
المنذر بن الزبير وهو غائب بالشام» فلما قدم قال: أمثلي يُصنع به هذا؟ إلى أن قال: 
ما كنت أرد أمراً قضيتيه فقرّت حفصة عند زوجهاء فلما كانت عائشة قد رأت تزويجها 
جائزاً بغير إذن أبيها بعبارتها استحال أن يكون ترى ذلك. 

وقد علمت ما نسب إليها من رواية الحديث المذكور. وأما الحديث الثاني 
قوله ی : «لا نکاح إلا بولي» فرواه أبو إسحاق السبيعي عن أبي بردة فقطعه شعبة 
وسفيان الثوري وهما أثبت وأحفظ من جميع من رواه عن أبي إسحاق. كذا قاله 
الطحاوي» وأما الحديث الثالث ففي سنده ابن أبي فروة وهو ضعيف قاله أحمدء 
والدارقطني» وقال النسائي: شوك السك ` 

الجواب العام عثه: إن هذه الأحاديث على تقدير صحتها أخبار آحاد وردت على 
مخالفة الكتاب» وهو ما جاء من إضافة النكاح إليهن في مواضع من القرآن فلا يعمل بها . 


FY‏ الغرّة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام آبي حنيفة 

مسألة: الأب والجد لا يملك تزويج البكر البالغة بدون رضاها على مذهب 
أبي حنيفة رضي الله عنه. وهو قول عمر» وابن عباس» وأبي موسى» وأيي هريرة» 
وجابر» وابن عمر» ومالك» والأوزاعي» والشعبي» وطاوس» والثوري» وأبي ثور 
رضي الله عنهم. وقال الشافعي رحمه الله: يملك تزويجها بدون رضاها. 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 

الأحاديث المذكورةء وهو قوله يياو «البكر تستأمر وإذنها صماتها» وما روي أن 
رجلا أنكح ابنته فأتت النبي ية فاشتكت إليه أنها نكحت وهي كارهة فانتزعها 
النبي بيه من زوجها وقال: «لا تکرهوهن؟ . 

وما روي أن جارية بكراً أتت النبي ية فذكرت له أن أباها زوؤجها وهي كارهة 
فخيرها رسول الله ي وما روي عن ابن عمر رضي الله عنه أن رجلا زوج ابنته وهي 
بكر فكرهت ذلك فرد عليه الصلاة والسلام نكاحهاء والأحاديث في هذا الباب كثيرة. 
حجة الشافعي رحمه الله : 

قوله ب «الثيب أحق بنفسها من وليها» وتخصيص الثيب يدل على أن البكر 
حكمها ضد حكم الثيب فيكون للأب ولاية إجبارها لئلا يتعطل التنصيص على الثيب 
غير النافرة. 

الجواب عنه: إن المفهوم عندنا ليس بحجة» ولو سلم كونه حجة لكن الأخذ 
بالمنطوق وهي الأحاديث التي ذكرناها أولى بلا خلاف على أن هذا المفهوم حجة عليه 
فإنه غايته أن لا تكون البكر أحق بنفسها من وليها فتكون إما مساوية له» أو يكون هو 
راجحا عليهاء وعلى التقديرين لها حق في نفقسهاء فلا يجوز للولي إبطاله بلا رضاها. 

مسألة: يجوز للأب أن يزوج البنت الصغيرة بدون رضاها عند أبي حنيفة 
رضي الله عنه. وقال الشافعي رحمه الله: لا يجوز تزويجها بلا رضاها. 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 

العمومات المطلقة في باب النكاح وهو ما روى أبو حاتم قال: قال 
النبي اة : «إذا جاء أحدكم ممن ترضون دينه وخلقه فأنكحوه وإلا تفعلوا تكن فتنة) 
رواه الترمذي» وعن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله ي «ثلاثة لا يؤخرن: 
الصلاة إذا أب راا اا رت والأيم إذا وجدت كفواً؛ ولأن علة الولاية 


(۱) هو المزني (ز). 


الغرة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة £ 
الصخر» وهو غير موجود بعد صيرورتها ثيباً ولأن النكاح يتضمن مصالح ولا يتوفر إلا 
بين المتكافئين عادة ولا يتفق الكفو في كل زمان» والصغيرة عاجزة عن ذلك بنفسها 
فأئبتنا الولاية عليها في حالة الصغر إحرازاً إلى كفو. 


حجة الشافعي رحمه الله : 
قوله ية : «الثيب أحق بنفسها من وليها» وهذه ثيب فلا يكون للولي تزويجها. 


الجواب عنه: إن المراد به المرأة البالغة التي لا زوج لها لأنها هي أحق بنفسها. 
أما الصغيرة فلا. إذ لا يجوز لها أن تعقد بنفسهاء فلو لم يجز للولي ذلك لفات 
الكفو. 

مسألة: غير الأب والجد كالأخ والعم يملكان نكاح الصغير والصغيرة على 
مذهب أبي حنيفة رضي الله عله لقوله 4 : «النكاح إلى العصبات» والأخ والعم من 
العصبات. 


وروي أنه ي زوج أمامة بنت حمزة» عمر بن أبي سلمة فكانت صغيرة» وكان 
النبي ييه زوج ابنة عمهاء وابن عمر زوج يتيمة وقال: لها الخيار إذا بلغت ولأن 
القرابة داعية إلى النظر خصوصاً في حق الصغار كما في الأب والجد» وما فيه من 
القصور أظهرناه في سلب ولاية الإلزام حيث قلنا بثبوت خيار البلوغ لهما في غير 
الأب والجد. 


حجة الشافعى رحمه الله : 

قوله بي: «لا تنكح البتيمة حتى تستأمر؟. 

الجواب عنه: إن المراد باليتيمة البالغة دون الصغيرة» إذ الصغيرة لا إذن لها 
متها ية مجان والدلیل عليه ما روی آبو موسی رضي الله عنه أنه ية قال: 
«تستأمر اليتيمة في نفسها فإن سكتت فهو إذنها وإن أبت فلا جواز عليها» وهذا صريح 
فيما قلنا إذ سكوت الصغيرة ليس بإذن. 

مسألة: الأب الفاسق يصلح ولباً في النكاح عند أبي جنيفة رضي الله عنه. وعند 
الاي رح ال لا يون :ويا 


۳44 الغرة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنبفة 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه: 

الحمومات نحو قوله ية : «النكاح إلى العصبات»" أطلق ولم يقيد بكون 
العصبات عدولا ولأن الأب وافر الشفقة وكامل الرأي وإن كان فاسقاً فلا يقع الخلل 
في النظر فيصلح ولياً. 
حجة الشافعي رحمه الله : 

قوله ک: «لا نكاح إلا بولي مرشد وشاهدّي عدل»» والفاسق ليس بمرشد» إذ 
الرشد عبارة عن الخصال الحميدة» ورأس جميعها الطاعة فيفوت الرشد بالفسق. 

الجواب عنه: إن هذا الحديث اتفقوا على أنه وما جاء في معناه ضعيف. قال 
صاحب الاصطلام: من الشافعية من لم يثبت هذا الحديث يكفينا مؤنتهم اعترافهم 
بالضعف» ولو سلمنا صحته فالمراد بقوله مرشد أي عاقل له رأي وتدبير دون المعتوه 
والسفيه. 

سال ينعقد النكاح بحضور الشهود وإن كانوا غير عدول» عند أبي حنيفة 
رضي الله عنه. وعند الشافعي : لا ينعقد بحضرة فاسقين . 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 

إطلاق قوله بية: «لا نكاح إلا بشهود» من غير قيد» ولأن الفاسق من أهل 
الولاية فيكون من أهل الشهادة ولأنه يصلح إماماً وسلطاناً فيصلح قاضياً وشاهداً بطريق 
الأولى. 
حجة الشافعي رحمه الله : 

قوله بي: «لا نكاح إلا بولي وشاهدّي عدل» وهذا نص في المسألة. 

الجواب عنه: إن هذا الحديث غير صحيح لأن في سنده عدي بن الفضل أبي 
حرب قال فيه يحيى بن معين ليس بثقة» وإن صح فهو لنفي الكمال كما في قوله عليه 
أفضل الصلاة والسلام : «لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد؛ جمعاً بين الدلائل. 
(۱) لم يذكره الزيلعي ولا ابن حجر ولا ابن قطلوبغا لکن في معتاه قوله تعالى: وك الأَّ) 

[الثور: ۳۲] الآية حيث جعل الإنكاح إلى الذكور من القرابة النسبية دون النساء (ز). 
(۲) هو أبو المظفر السمعاني (ز). 


الغرّة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة F۴4‏ 

مسألة: ينعقد النكاح بشهادة رجل وامرأتين عند بي حنيفة رضي الله عنه. وعند 
الشافعي رحمه الله : لا ينعقد. 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه: 

إطلاق قولہ تعالی: (انتتوئوا ہیکت ین یم کن کم یکا نکن دیل 
ركان [البقَرَة: ۲۸۲] وما روي عن عمر رضي الله عنه أنه أجاز شهادة امرأتين مع 
شهادة رجل في النكاح والفرقة» فدل ذلك على أن الأموال والنكاح في هذا سواء. 
حجة الشافعي رحمه الله : 

قوله ب: «لا نكاح إلا بولي وشاهدّي عدل» فالحديث دل على أن انعقاد 
موقوف على حضور رجلین. 

الجواب عنه: إن المرأتين أقيمتا مقام الرجل فكأن النكاح وت بجضرة رجلين 
حكماً» ولهذا قيل في تأويل قوله تعالى: «قَذَّصَرَ دا الأَرئ) [البقَرة: ۲۸۲] 
أي فتجعل إحداهما مع الأخرى كالذكر معنى لأنهما إذا اجتمعا كانتا بمنزلة الذكر. 

مسألة: إذا كان لامرأة إخوة فزوجها أحدهم برضاها من غير كفو بدون رضا 
البقية جاز عند أبي حنيفة رضي الله عنه» ولا يغبت لأحد حق الأعتراض. وعند 
الشافعي رحمه الله: لا يجوز. 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 

قوله عليه الصلاة والسلام: «إذا أنكح الوليان فالأول أحق منهما). 
حجة الشافعي رحمه الله: 

إن الحق ثابت للكلء فإذا أسقط واحد منهم حقه لا يسقط حق الباقين بدون 
رضاهم لأنهم يتضررون بلحوق العار» والضرر منفي لقوله ية «لا ضرر ولا ضرار 
في الإسلام. 

الجواب عنه: إن الحق غير متجزىء فيسقط بإسقاط البعض» ولأنه لو لم يجز 
لتضرر العاقدان والمجيز» ولا ضرر في الإسلام. 

فإن قيل: لما تعارض الدليلان وجب القول بالبقاء على العدم» قلنا: الأصل في 
تصرف العقلاء الصحة وعدم التوقف على رضى الآخرء فإذا تعارض الدليلان بقيت 
الصحة. 


۳4٦‏ الغْرَة المنيفة في تحقيق بعض مسائل ارمام آبي حيفة 
مسألة : الولي الأقرب إذا غاب غيبة منقطعة تنتقل الولاية إلى الأبعد» فيجوز له 
أن يزوجها عند أبي حنيفة رضي الله عنه. وقال الشافعي رحمه اله: لا تنتقل الولاية 
إلى الأبعد بل إلى السلطان. 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 
قوله لا «النكاح إلى العصبات» وهذا ينفي ولاية السلطان عند وجود 


العصبات» وقوله بية: «ألا لا يزوج النساء إلا الأولياء» وقوله بلة: «السلطان ولي من 
لا ولي له» وفيه دلیل على أن ولاية السلطان لا تظهر إلا عند فقد الأولياء. 


حجة الشافعي رحمه الله : 

إن الولاية الأولى كانت ثابتة» والأصل في الثابت البقاء فوجب القول ببقائها 
حالة الغيبة» وإذا كان كذلك وجب أن لا تثبت الولاية للأبعد لأن إثبات الولاية للأبعد 
إبطال الأقرب وذلك ضرر والضرر منفي . 

الجواب عنه: إن هذا الدليل لا يعارض النصوص المذكورة» وأن ولاية الأقرب 
إنما كان بطريق النظر للصغير وليس من النظر تفويض الولاية إلى من لا ينتفع برأيه 
لبعده ففرضناه إلى الأبعد فيقدم على السلطان لأن شفقته لقرابته أوفر من شفقة 
السلطان عليه. 

مسألة: للابن ولاية تزويج أمه إذا كانت مجنونة أو معتوهة عند أبي حنيفة 
رضي الله عنه. وعند الشافعي رحمه الله : ليس له ذلك. 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه: 

إن الابن مقدّم على جميع العصبات وهذه الولاية مبنية عليها لقوله بلا : «النكاح 
إلى العصبات» والذي يؤيد هذا ما روي أن أم سلمة رضي الله عنها لما انقضت عدتها 
عن أبي سلمة رضي الله عنه خطبها رسول الله بي فقال لولدها عمر: قم يا عمر زج 
أمك من رسول الله ل . 
حجة الشافعي رحمه الله : 

أن الابن يستحي من تزويج أمه فيكون عاجزاً عن السؤال والتفحص ولا يكون 
له العلم بالمصالح والمفاسد فلا يصح له التزويج . 

الجواب عنه: أن هذا القياس مخالف للنص المذكور فلا يقبل. 


ا اک ای و وو کی ی ی 


مسألة: يجوز لابن العم أن يزوج ابنة عمه من نقسه بحضرة شاهدين إذا كان 
ولياً عند أبي حنيفة رضي الله عنه. وعند الشافعي رحمه الله: لا يجوز. 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه: 

أن الواحد يجوز له أن يتولى طرفي العقد بدليل ما روي عن عقبة بن عامر 
رضي الله عنه أن النبي َة قال لرجل: «أترضى أن أزوجك فلانة؟» قال: نعم» وقال 
للمرأة: «أنرضين أن أزرّجك فلانا؟» قالت: نعم» فزوج أحدهما صاحبه» وقال 
عبد الرحممن بن عوف رضي الله عنه لأم حكيم بنت قارظ : أتجعلين أمرك إلي؟ 
قالت: نعم» قال: فقد تزوجتك. ذكره البخاري في صحيحه. 


حجة الشافعي رحمه الله : 

قوله بة: «كل نكاح لم يحضره أربعة فهو سفاح» الخاطب والولي وشاهدا 
عدل). 

الجواب عنه: أن هذا الحديث ضعيف لأن فيه أبا الخصيب. قال الدارقطني : 
اسمه نافع بن ميسرة مجهول» ولئن سلمنا صحته فالشخص إذا صار ولياً خاطباً فهو 
کشخصین وعبارته کعبارتین فوجد حضور الأربعة معنى والعبرة للمعاني. 

مسألة: الولي يملك إجبار عبده على النكاح عند أبي حنيفة رضي الله عنه. 
وقال الشافعي رحمه الله : لا يملك ذلك. 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه: 

قوله تعالی: ریک الای ییک ص من ارگ رارم [الور: ۳۲] 
فمقتضاء الإجبار إذا أبى لأن الأمر مقتضاء التمكين» فلو كان عاجزاً لما خو !ب 
بذلك» ولأن النكاح إصلاح ملكه وتحصينه عن الزنا هو سبب الهلاك والنقصان 
فيملكه قياساً على الأمة. 


حجة الشافعى رحمه الله : 
قوله بية: «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه . 


الجواب عنه: أنه قد خص من هذا الحديث الصبي والمجنون والمعتوه» فيخص 
العبد بما ذكرناء لأن المراد رفع الإثم دون الحكم لأن عين الخطأً والنسيان والإكراه 
موجود ولأن ما ذكرنا نص فيرجح على الخبر. 


e E EP e E ge TWA 
مسألة: النكاح ينعقد بلفظ الهبة والبيع والتمليك والصدقة ونحوه عند أبي حنيفة‎ 
رضي الله عنه» كما ينعقد بلقظ الإنكاح والتزويج . وقال الشافعي رحمه الله: لا ينعقد‎ 
النكاح إلا بلفظ الإنكاح أو التزويج» ولفظ الهبة كان مخصوصاً للنبي بلا لا لغيره.‎ 
: حجة أبي حنيفة رضي الله عنه‎ 
ما ثبت في البخاري أن امرأة جاءت إلى رسول الله ية فقالت: جئثت أهب لك‎ 
نفسي» فقال: ما بي للنساء من حاجة» فقال رجل من أصحابه: زجني بها إن لم‎ 


يكن لك بها حاجة» فقال: «ملكتكها بما معك من القرآن» فقد أنكح النبي ية بلفظ 
التمليك فلا يختص بلفظ التزويج والإنكاح . 
حجة الشافعي رحمه الله : 

قوله تعالی : وة تة إن بت فسا للقي إن د أ أن بستكا عام 
أك ين دون ألمُمييةً [الأحراب: ]٠١‏ فدلَ على أن انعقاد النكاح بلفظ الهبة من 
خصائص النبي ب ولا يجوز ذلك لأمته. 

الجواب عنه: أن هذه الآية دليل لنا فإنه قد انعقد النكاح بلفظ الهبة ولا 
اختصاص برسول الله َة من حيث اللفظ لأنه لا تعظيم في اختصاصه بلفظ وإنما 
التعظيم والاختصاص في سقوط المهر واستباحة العضو له من غير بدل دون أمته وهو 
الصحيح» وقد روي عن مجاهد وسعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح وتدل عليه 
وجوه: 

الأول: قوله تعالى: لكي يك َك حم [الأحراب: ]٠١‏ والحرج إنما 
يكون في وجود المهر لا في شرعية النكاح بلفظ الهبة» والشرعية بغير مهر تلزم كثرة 
الاختصاص» والأصل عدمه لكون الثاني أصلاً. 

الثاني: أنه لما أخبر في هذه الآية أن ذلك كان خالصاً له دون أمته مع إضافة 
لفظ الهبة إلى المرأة بقوله: إن وَهَبّت ًا [الأحراب: ]٠١‏ دل ذلك على أن ما 
خص به ية من ذلك إنما هو استباحة العضو وهو البضع بغير بدل» لأنه لو كان 
المراد للفظ لما شاركه فيه غيره ولو كان من نسائه لأن المشاركة تنافي التخصيص فلما 
انضاف لفظ الهبة إلى امرأة علم أن التخصيص لم يقع في مجرد اللفظ بل عدم وجود 
المهر عليه. 


الغرّة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة ۳44 

مسألة: لا يجوز نكاح الأخت في عدة الأخت عن طلاق بائن أو ثلاث عند 
أبي حنيفة رضي الله عنه. وعند الشافعي رحمه الله: يجوز. 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه: 

قوله ب : «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجمعن ماءء في رحم أختين» 
وروى عبيدة السلماني ما اجتمع أصحاب رسول الله ية على شيء كاجتماعهم على 
تحریم نکاح الأخت في عدة الأخت كعلي وابن مسعود وغيرهماء وروي أن هذه 
الحادثة وقعت في زمن مروان فشاور الصحابة فاتفقوا على تحريمه» ولأن نكاح 
الأولى قائم من وجه لبقاء أحكامه كالنفقة والمنع والفراش والاحتياط في عدم الجواز. 
حجة الشافعي رحمه الله : 

أن نكاح الأخت انقطع بالكلية بالثلاث أو الطلاق البائن فصارت كالأجنبية 
المحضة» ولهذا لو وطئها مع العلم بالحرمة يجب عليه الحدء فإذا صارت أجنبية 
مطلقة جاز نكاح أختها لقوله تعالی: نک ما طابَ لم ِن ألا [الئساء: ۳] ولا 
یکون جمعاً بين الأختين . 

الجواب عنه: أنها لم تصر أجنبية بالبائن من جميع الوجوه لبقاء الأحكام التي 
ذكرنا من وجوب النفقة» والسكنى فلا يجب عليه الحد في رواية وإن كان الحد واجباً 
في رواية أخرى» لأن الملك قد زال في حق الحل فيثبت الزنا ولم يرتفع في حق ما 
ذكرنا من الأحكام فيصير جامعاً بين الأختين من وجه والاحتياط في باب الفرج الحرمة 
فيترجح مذهبناء وما ذكرتم مخالف لإجماع الصحابة والحديث المذكور فلا يعتبر. 

مسألة: الزنا يوجب حرمة المصاهرة» فمن زنا بامرأة حرمت عليه أمها وابنتها 
على مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه» وهو قول عمر وابن مسعود وعمران بن 
الحصين وجابر وأبي بن كعب وعائشة وابن عباس رضي الله عنهم في الأصح من 
مذهبه وجمهور التابعين كالشعبي والحسن البصري وإبراهيم يم النخعي والأوزاعي 
وطاوس ومجاهد وعطاء وسعيد بن المسيب رضي الله عنهم . وقال الشافعي رحمه الله : 
لا يحرم . 


حجة أبى حنيفة رضي الله عنه: 


قوله تعالی: لا یکا ما کح باڑڪم) [الساء: ۲۲] المراد بالنكاح 
الوطء لأنه حقيقة فيه وهو متناول للوطء الحلال والحرام» والدليل على أن الوطء 


f‏ الغرة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة 


هو المراد» قوله ييةً: «من وطىء امرأة حرمت عليه أمها وابنتها» وقوله يية: «من نظر 
إلى فرج امرأة لم تحل له أمها وابنتها» ذكره ابن أبي شيبة في مصنفه» وفي رواية عنه 
عليه الصلاة والسلام: «من مس امرأة بشهوة حرمت عليه أمها وابنتها» ذكره السمعاني 
في الكفاية. 


حجة الشافعي رحمه الله : 


قوله ية «لا يحرم الحرام الحلال» والزنا حرام فلا يحرم به الأم والبنت 
الحلالين. 

الجواب عنه: أن في هذا الحديث عثمان بن عبد الرحمن قال يحيى بن معين: 
کان يكذب وضعفه علي ب بن المديني جداًء وقال البخاري وأبو داود والنسائي: لیس 
بشيء» وقال الدارقطني: متروك» وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الثقات لا 
يجوز الاحتجاج به فلو سلّم أنه صحيح فهو خبر الواحد لا يعمل به مع مخالفة 
الکتاب وهو قوله تعالی: رلا کا ما تكح ٤باژڪم‏ يى اساي [الئساء: ]۲١‏ 
وقد عضد هذا إجماع الصحابة. 

مسألة: البنت المخلوقة من ماء الزنا يحرم على الزاني نكاحها عند أبي حنيفة 
رضي الله عنه. وقال الشافعي: يحل ويكره. 


حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 


النص والحديث والمعقول» أما النص فقوله تعالى: حرمت جڪ اسن 
وبتانكم) [النساء: ۲۳] وهذه بنته حقيقة لأنها مخلوقة من مائه فإذا قيل: المراد به 
البنت المنسوبة إليه شرعا وهذه غير منسوية إليه شرعاً ولهذا لا ترث» قلنا: أنها غير 
منسوبة إليه شرعاً ولكنها مخلوقة من مائه فاعتبرنا الحقيقة وحرمة النكاح احتياطاً 
واعتبرنا كونها غير منسوبة إليه شرعاً في حرمان الإرث عملاً بالمعنيين» قال ابن 
الجوزي: قلت لبعض كبار الشافعية: أليس الله خاطب العرب بما تعرفه فقال: 
رمت علقم اسع واكم [الساء: ]۲١‏ وهذا الزاني يعرف قبل الإسلام أن 
هذه ابنته فتحرم عليه ما هي بنته في لسانه ومعتقده» فقال: ليست بنته في الشرع› 
فقلت: الشرع لا يدفع المعلومات الحسية فلم يكن له عنه جواب» وأما الحديث فما 
مر من قوله کل : «من نظر إلى فرج امرأة لم تحل له مها ولا ابنتها» ذكره ابن أبي 
شيبة في مصنفه» وفي رواية عنه ب أنه قال: «من مس امرأة بشهوة حرمت عليه أمها 


الغرّة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة ا 
وابنتها» ذكره السمعاني في الكفاية» فلو لم تكن هذه مخلوقة من مائه كانت تحرم عليه 
بهذا الحديث فكيف إذا كانت من مائه. وأما المعقول فلأنها خلقت من مائه فتكون 
جزءاً منه حقيقة وحساً كما هي جزء أمها والاستمتاع بالجزء حرام لما ورد في 
الصحيح في قضية امرأة هلال بن أمية مع شريك ابن سحماء إن جاءت به على صفة 
کذا فهو لشريك بن سحماء يعني الذي زنى. 
حجة الشافعي رحمه الله : 

أن البنت الحاصلة من الزنى ليس ببنت له شرعاً بالإجماع في أربعة عشر 
کیا 

الأول: لو اذعت النسب منه منعها القاضي من ذلك. 

الثاني: نها لا ترث منه ولو کانت بتتاً له لورثت منه. 

الثالث: أنه لا يملك تزويجهاء ولو كانت بنته يملك تزويجها لقوله 4لا: 
ازوّجوا بناتكم الأكفاء؛. 

الرابع : أنه لا يكون له ولاية على مالها بالإجماع. 

الخامس: أنه لا يجب عليه نفقتها وكسوتها. 

السادس: أنه يحرم عليه النظر إليهاء ولو كانت بتتاً له لما كان يحرم ذلك. 

السابع: أنه يقبل القاضي شهادته لها ولو كانت بنتاً له لما قبل شهادته في 


الشامن: لا يحل له أن يرقد معها في بيت . 

التاسع : أنه لا يحل له المسافرة معها. 

العاشر: أنه لو قتلها وجب عليه القصاص ولو كانت بتتاً له لما قتل بها. 

الحادي عشر: أنه يجوز أداء زكاته إليهاء ولو كانت بتتاً له لما جاز ذلك. 

الثاني عشر: أنه لو زنى بامرأة لا يصح دعوى النسب من الولد الحاصل بالزنى . 

الثالث عشر: أنه لو زنى بامرأة إنسان فولدت من الزاني فيكون هذا الولد ثابت 
النسب على صاحب الفراش البتة» فلو كان الولد للزاني أيضاً لكان لولد واحد والدان 
وهو محال» فإذا ثبت نسبه من صاحب الفراش شرعا لا يثبت من الزاني . 


4 الغرّة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة 


الرابع عشر: ن إثبات النسب من الزاني موجب لظهور الفاحشة فهو حرام لقوله 
تعالی: إت آي من أن فيع اة فی لے اموا م علا € [النُور: ]٠۹‏ 
ا ا ر ر سک ا و ی 
نکاحها لقوله تعالی: وال کم ا و يكم [النساء: 

الجواب عنه: أن هذه الأحكام التي ذكرت مينية على ثبوت النسب شرعاً» وهي 
غير ثابتة النسب منه» فلا تثبت هذه الأحكام. أما الحرمة فإنها غير مبنية على ثبوت 
النسب» بل هي باعتبار الجزئية والبعضية حقيقة وحسا وإن لم تكن ثابتة النسب منه 
شرعاًء إذ الاستمتاع بالجزء حرام وإن لم تكن بنتاً له شرعاً» والحسية لا مرد لها وفي 
الاحتياط أوجب وأولى إذ مبنى الأبضاع على الاحتياط . 

مسألة: يجوز للإنسان أن يتزوج جارية ابنه عند أبي حنيفة رضي الله عنه. وقال 
الشافعي رحمه الله: لا يجوز ذلك. 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 

أنه ليس للأب في جارية الابن حقيقة الملك فيجوز له E n‏ 
وهو قوله تعالی: کا 5 کر [الئساء: ]۲٤‏ کاخ ما عاب 
السا [الئساء: ۳]ء ألا ترى أن الاإبن ملكها من كل وجه فمن المحال أن 
الأب» ولهذا يملك الابن من التصرفات» كالبيع والهبة والوصية ما لا يبقى معه ملك 
الأب لو كان» فدلَ على انتفاء ملك الأب. 


حجة الشافعي رحمه الله من وجهين : 

الأول: قوله تعالى: وليل اناكم [الئساء: ]۲١‏ والجارية حلال للابن 
فتحرم على أبيه . 

الجواب عنه: المراد من الحلائل الزوجات الموطوءةء أو الأمة التي ملكها. أما 
الأ التي ملكها زلم يظاها افليسك بمرافة من االتس. 1 

الثاني : قوله ب: «أنت ومالك لأبيك» فيكون للأب شبهة الملك في مال 
الابن» فتكون مملوكة من وجه فلا يحل له التزوج بها. 

الجواب عنه: أن الحقيقة ليست بمرادة» فإن الإجماع ينعقد على أن الابن ماله 
ليس بمملوك للأب وإلا ما جاز بيعه ولا هبته فلا يحمل الكلام على التمليك بل على 
الاختصاص بأن يكون له حق التمليك عند الاحتياج إلى النفقة وغيرهاء فإذا لم تكن 
الجارية ملكا حقيقة جاز التزوج بها. 


رہ ا ی ی یں سا او کے ده Ere‏ 
مسألة: للحر أن يتزوج بالأمة مع القدرة على نكاح الحرة عند أبي حنيفة 

رضي الله عنه. وعند الشافعي رحمه الله: لا يجوز له أن يتزوج بأمة الغير إذا كان 

قادراً على نكاح الحرة» أو لا يكون خائفاً من الوقوع في الزنا. 

حجة أبي حنيفة رضي الله عنه: 


العمومات وهي قوله تعالی: وجل کم تا وه كركم) [النساء: ]۲٤‏ نكا 
ما اب لکم من السا [النساء: ۳]. 


حجة الشافعي رحمه الله : 

قوله تعالی: اوس لم بطع نگم طول آن تح المحصكت اموت فين با 
ملكت يكم [الأساء: ]۲١‏ فالله تعالى علق نكاح الأمة بعدم استطاعة طول الحرةء 
والمعلق منتف بالشرط قبل ثبوته. 

الجواب عنه: أن مفهوم الشرط ليس بحجة عندناء على ما عرف في الأصول. 

مسالة: إذا سبى الزوجان معاً لا تقع الفرقة بينهما عند أبي حنيفة رضي الله عنه» 
وقال الشافعي رحمه الله: تقع الفرقة بينهماء والخلاف مبني على أن الفرقة بتباين 
الدارين حقيقة أو حكماً أو السبي فعند أبي حنيفة رضي الله عنه يتباين الدارين ولم 
يوجد» وعند الشافعي رحمه الله: قد وجد الى : 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 

أن تباين الدارين حقيقة وحكماً لا تنتظم به المصالح فتناسبه الحرمة» إذ 
النكاح لا يطلب إلا للمصالح فيفوت بفواتها وقد قال الله تعالى: إا جم 
الثزيئت مورت [الممحئة: ۱۰] إلى قوله تعالی: ل هن ِل م ا هم ي 
ّ4 [النْمتَحئة: .]1١‏ 


(1) ولكن السبي سبب ملك طارىء فلا يصلح أن يكون مزيلاً لملك النكاح السابق كشراء الأمة 
المنكوحة وهبتها وارثها فإنها أسباب ملك طارئة لا تستلزم إزالة ملك النكاح السابق والآية 
نزلت في أوطاس وكانت المسبيات فيها وحدهن وليس معهن أزواجهن فظهر أن تباين الدار 
مزيل النكاح اتفاقاً وموضع الإجماع قاض على الخلاف والمحصنات في الآية محمولة على 
المعهودة وهي المسببات في أوطاس ولم يكن معهن آزواجهن (ز). 


E: 


حجة الشافعى رحمه الله : 

ما روي أنه بء قال في سبايا أوظاس؛ ١لا‏ قوط الحبالی حس يفخن 
حملهن» ولا الحيالى حتى تستبرئن بحيضة» فدلٌ الحديث على أنه يجوز الدخول بهن 
بعد وضع الحمل والاستبراء بحيضة ولو كان النكاح قائماً بينهما لما أباح النبي با 
جماعهن بعد الاستبراء أو الوضع. 3 

الجواب عنه: أن الحديث محمول على ما إذا سبيت وحدها عملاً بالدليلين . 

مسألة: إذا كان بالزوجة أحد العيوب الخمسة التي هي: الجنون»ء والجذام» 
والبرص» والرتق» والقرن» فليس للزوج خيار فسخ النكاح عند أبي حنيفة 
رضي الله عنه. وعند الشافعي رحمه الله: يرد النكاح بهذه العيوب الخمسة. 


حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 

قوله ڳ: «لا قيلولة في النكاح»" ولأن فوت الاستمتاع بالموت لا يوجب 
فسخ النكاح» فاختلاله بهذه العيوب أولى» وهذا لأن المستحق هو التمكين وهو 
حاصل» ولأن فسخ النكاح ضرر وهو غير مشروع لقوله ئ: «لا ضرر ولا ضرار في 
الإسلام»» بخلاف ما إذا وجدت الزوج مجبوباً أو عنيناً لأنها تعجز عن قضاء وطرها 
بغيره» وأما الزوج : فلا يعجز عن قضاء وطره بغيرها فيكون الضرر من جانبها أقوى . 


حجة الشافعي رحمه الله : 
أن النبي با تزوج امرأة من الأنصار فرأى في بدنها برصاً ففسخ نكاحها" . 
الجواب عنه: يحتمل أن يكون المراد أنه طلقها فيحمل عليه جمعاً بين الأدلة. 


)١(‏ الحبالى بالباء الموحدة النساء في بطونهن الأجنة. والحيالى: بالياء آخر الحروف من حالت إذا 
۰ تحمل. يقال: امرأة حائل والجمع حيال. ولفظ الحديث في المسند ج٣‏ ص۸۷ نسختي 
رقم ۰ حديث» وفي ابي داود ج۱ ص۲۲۳ نسختي رقم ۳ حدث (غیر ذات حمل) ولم أجد 
في كتب اللغة التي رجعت إليها سوى (حيال) بدون الياء الأخيرة فإن صح لفظ الحديث 
(الحيالى) أي بياءين آخر الحروف فيكون اتباعاً لكلمة (الحبالى) كما ورد (مأزورات) اثباعاً 
(لمأجورات) والأصل (موزورات) والث أعلم. أحمد خيري. 

(۲) والمسبيات في أوطاس كن وحدهن كما في حديث الترمذي وغيره (ز). 

(۳) بلفظ «البسي ثيابك والحقي بأهلك» أخرجه سعيد منصور ولكن في سنده جميل بن زيد وهو 
متروك عن زيد بن كعب وهو مجهول ومع ذلك فالحديث مرسل (ز). 


ی کے کی ا ا 

مسألة: إذا تزوج امرأة وصرح بنفي المهر يصح النكاح ويجب مهر المثل بنفس 
العقد عند أبي حنيفة رضي الله عنه. وعند الشافعي رحمه الله: لا يجب لها شيء 
اا 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه: 

قوله تعالی: «آن بَا رگم [التساء: ]۲٤‏ فينبغي أن يكون الابتغاء هو 
النكاح ملصقاً بالمال فيجب بمجرد العقد» وما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه 
سئل عن رجل تزوج امرأة ثم مات عنها ولم يفرض لها صداق ولم يکن دخل بهاء 
قال: أرى لها مثل صداق نسائهم ولها الميراث وعليها العدة فشهد معقل بن سنان 
الأشجعي أنه يل قضى في تزويج بروع بنت واشت الأشجعية بمثل ما قضيت قال 
الترمذي: حديث حسن صحيح» وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه أيضاً. 
حجة الشافعي رحمه الله : 

أنه لما نفى الزوج صريحاً ولم يقبل ورضيت بذلك المرأة لم يلزم عليه وإلا 
يلزم عليه من غير التزامه» وهذا ليس له أصل في الشريعة فلا يجوز. 

الجواب عنه: أن هذا قياس في مقابلة النص» وهو الحديث المذكور فلا يجوز. 

مسالة: إذا تزوج امرأة وخلا بها خلوة صحيحة بأن لم يكن هناك مانع من 
الوطء حساً أو شرعاً ثم طلقها قبل الدخول بها فلها كامل المهر عند أبي حنيفة 
رضي الله عنه وهو قول جمهور الصحابة» مثل: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي»› 
وغيرهم رضي الله عنهم» كزيد بن ثابت» وابن عمر» ومعاذ» والمغيرة» وعروة» 
وأبي موسى» وجمهور التابعين ومن بعدهم» مثل زين العابدين» وسعيد بن المسيب» 
والزهري» والنخعي»› والأوزاعي» والثوري» وأحمد» وإسحاق بن راهويه 
رضي الله عنهم» وقال الشافعي رحمه الله: لها نصف المهر. 


حجة أبى حنيفة رضي الله عنه: 

ما حكاه الطحاوي عن إجماع الصحابة . وقال أبو بكر الرازي: هو اتفاق الصدر 
الأول. وروى أبو بكر بن أبي شيبة في مصنفه» عن عوف» عن زرارة ابن أبي أوفى 
قال؛ سمعته يقول: قضى الخلفاء الراشدون المهديون: أن من أغلق باباً وأرخى ستراً 
فقد وجب المهر ووجبت العدة. 


Î‏ الغرَة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام ابي حنيفة 


وروى ثوبان أن النبي ية قال: امن كشف خمار امرأة ونظر إليها وجب 
الصداق دخل بها أو لم يدخل» رواه الدارقطني . 

ولما دخلت بنت يزيد الخفارية على النبي ييه وسلّم وجردها للباه رأى بها 
وضحاً ردها وقد أوجب لها مهراً» وخرمت على من بعده» وصارت سئة فيمن دخل 
على امرآة فأغلق باباً أو أرخی ستراً» أو جرد ثوباًء أو خلا للباه أفضى أو لم يفضٍ 
فقد وجب عليه الصداق» وكذا الشيباء طلقها وأوجب لها مهراً» ذكره ابن عساكر. 
حجة الشافعي رحمه الله: 

قوله تعالی : ون طلقتموشن من قل آن تسوه وقد رضحم هق رة صف ما 
رضم [البَقَرّة: ۲۳۷] وهذا النص صريح في الباب. 

الجواب عنه: يجوز أن يكون كنى بالمسبب» وهو المس عن السبب الذي هو 
الخلوة» إذ الخلوة الصحيحة للمس ظاهراًء وكذا الإفضاء هو الخلوة لأنه مأخوذ من 
الفضاء» وهو المكان الخاليء ولأن الخلوة مس حكماً على ما ذكرنا فلا يكون مخالفة 
لللص. 

مسألة: الخلع تطليقة بائنة عند أبي حنيفة رضي الله عنه. وعند الشافعي 
رحمه الله : فسخ للنكاح . 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 

قوله ب «الخلع تطليقة بائنة . 
حجة الشافعي رحمه الله : 

قوله تعالی: صلی ان [البَقَرَة: ۲۲۹] ذكر الطلاق مرتين» ثم ذكر الخلعم 
بقوله تعالی: ن ِقح آلا ب حو اکر فد جح لما ن قدت يو4 [البقرة: ۲۲۹] 
ثم ذكر الطلاق بعد الخلع بقوله تعالی: إن طلقا بل لم من بد ع تنح روج 
َي [البَرّة: ]۲۳١‏ فلو كان الخلع طلاق لزم كون الطلاق أربعاً 

الجواب عنه: أن هذا النص دل على أن الخلع طلاق» إذ لو كان فسخاً لما وقع 
الطلاق بعده» وهذا النص يقتضي صحة وقوع الطلاق بعده حيث قال: إن طلا 
[البقَرَة: ]۲٠١‏ والفاء للوصل والتعقيب» والمراد بقوله تعالى: اقلق ان [البقَرَة: 
4 ] بيان الشرعية لا الوقوع ولا يلزم من بيان الشرعية وجود الطلاق فلا يصير 
الطلاق أربعاً . 


الغرة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة 0V‏ 
مسألة: المختلعة يلحقها صريح الطلاق عند أبي حنيفة رضي الله عنه» وهو قول 
ابن مسعود وأبي الدرداء وعمران بن الحصين رضي الله عنهم. وقال الشافعي 
رحمه الله: لا يلحقها ذلك 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 
قوله تعالی: إن طلقها ل بل لم ئ بد ی تنک ری عر لقره ]۲٣١‏ 
وجه الاستدلال: إن الله ذكر وقوع الطلاق عقيب ا فدل على شرعیته بعده» وما 


روی ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي بء قال: «المختلعة يلحقها صريح الطلاق 
ما دامت في العدة). 


حجة الشافعي رحمه الله : 

أن المختلعة صارت أجنببة لم ت تبق في عقدة نکاحه بدليل أنها لا تحل له إلا 
بعقد جدید» ولو کان النكاح قائماً لما احتاج إلى عقد جديدء وإذا لم يبق النكاح لا 
يقع طلاقه إذ الطلاق لإزالة قيد النكاح» والتقدير أنه لا نكاح بينهما فلا يمكن إزالته. 

الجواب عنه: أن النكاح قائم من وجه قبل انقضاء العدة لقيام بعض الأحكام من 
وجوب النفقة والسكنى وثبوت النسب والمنع من الخروج والتزوج بآخر وقيام الفراش 
فيلحقها الطلاق . 

كتاب الطلاق 

مسألة: إذا قال لأجنبية إن تزوجتك فأنت طالق فتزوجها وقع عليه الطلاق عند 

أبي حنيفة رضي الله عنه وهو قول عمر وابن مسعود وابن عمر والزهري وابن المسيب 


والنخعي والشعبي ومکحول وسالم بن عبد الله رضي الله عنهم. وعند الشافعي 
رحمه الله : لا يقع. 


حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 

إجماع الصحابة والتابعين والعمومات والقياس على ما لو قال لامرأته إن 
تزوجت فلانة فأنت طالق» والجامع بينهما دفع الحاجة المناسبة إلى تحقيق المانع من 
نكاح تلك الجواز كونها سيئة الأخلاق بذيئة اللسان لا يمكنه الامتناع من تزويجها إلا 
بمشل التعليق فورد الشرع بصحة التعليق في الأصل فتقتضي الصحة في الفرع . 


۸ الغرّة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة 
حجة الشافعى رحمه الله : 

إن الصحابة رضي الله عنهم سألوا عن هذه المسألةء فقال النبي بياة: «لا طلاق 
قبل النكاح». 

الجواب عنه: أنا نقول بموجبه فإن الطلاق لا يقع عندنا قبل النكاح إنما يقع 
بعده. 

مسألة: إذا طلق الرجل امرأته ثلاث بكلمة واحدة فهو بدعة وحرام عند أبي حنيفة 
رضي الله عنه وهو قول جمهور الصحابة مثل: أبي بكر وعمر وابن مسعود وابن 
عباس وابن عمر وعمران بن الحصين رضي الله عنهم. وعند الشافعي رحمه الله : لیس 
بحرام بل هو مشروع مباح . 


حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 

قوله تعالى : قهن لِدَتىً4 [الطلاق: ]١‏ لإظهار عدتهن هكذا فسره 
ترجمان القرآن ابن عباس رضي الله عنهما. وقال تعالى: الق تان [البقَرَة: 
۹ أي الطلاق الرجعي مرة بعد أخرى لا دفعة فيقتضي شرعيته متفرقاًء وقوله عليه 
الصلاة والسلام : «إن من السنة أن تستقبل العدة استقبالاً فتطلقها في كل طهر بطلقة 
واحدة» وهذا حديث ابن عمر رضي الله عنهما في سياقه أن النبي بي قال لعمر 
رضي الله عنه لما سمع أن ابنه طلق امرأته في الحيض: «مر ابنك أن يراجعها ثم 
ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر فإن شاء أمسك وإن شاء طلّق فتلك العدة 
التي أمر الله تعالى أن تطلّق لها النساء»» وفي رواية «هكذا أمر ربك إن من السنة أن 
تستقبل الطهر استقبالاً فتطلقها لكل طهر تطليقة . 

وروي أن رجلاً طلَق امرأته بين يدي رسول الله ية فغضب النبي بل وقال: 
«أتلعبون بكتاب اله وأنا بين أظهركم» سماه لعباً بكتاب الله وهو حرام . 

وحكى محمد رحمه الله أن إجماع الصحابة رضي الله عنهم على ما هو عليه 
مذهبناء فکان عمر رضي الله عنه لا يؤتى برجل طلق امرأته ثلاثاً إلا علاه بالدرة. 
حجة الشافعي رحمه الله : 


قوله تعالی: لا جاح ع إن عَم سه4 [البَقَرة: ]۲۳١‏ أطلق ولم يفصل 
فيقتضي الشرعية بأي طريق كان. 


الغرَة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة Î‏ 

الجواب عنه: أن هذا النص ساكت عن ذكر العدد وما ذكرنا صريح فيكون 
ا 

م الطلاق الواقع بالكنايات نحو أنت حرام أو بائن أو بتة طلاق بائن عند 
آبي حنيفة رضي الله عنه. وعند الشافعي رحمه الله : الواقع بجميع الكنايات رجعي. 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 

أن العمل بموجب اللفظ واجب وقد صرح البينونة والحرمة» فثبت موجبها وهو 
كون الطلاق بائاً وهو مروي عن عمر وعلي وعثمان رضي الله عنهم . 
حجة الشافعي رحمه الله : 

أن الصريح أقوى من الكنايةء لأن الصريح لا يحتاج إلى النيةء والكناية تحتاج 
إليهاء فإذا وقع الطلاق الرجعي بالصريح فبالكناية أولى» لأنها كناية عن الصريح . 

الجواب عنه: أن هذه الإطلاقات ليست بكناية عن الطلاق حقيقة» بل هي 
حوامل لحقائقها لكن الإبهام فيما يحصل به الاستنار بالنسبة إلى المحل فلهذا الإبهام 
سميت كنايات مجازاً فاحتاجت إلى النية فبعد النية كانت عاملة بموجبها بخلاف 
الصريح فإن موجبه أن يكون معقبة للرجعية دون البينونة بالنص والاتباع فافترقا والكناية 
قد تكون أقوى من الصريح باتفاق أهل البيان. 

مسألة: لو قال لأمته أنت طالق ونوى به العتق لم تُعتق عند أبي حنيفة 
رضي الله عنه. وقال الشافعي رحمه الله: تُعتق إذا نوى. 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه: 

آنه نوی ما لا یحتمله لفظه» لأن الإعتاق إثبات قوة في محل سلبت عنه القوةء 
والطلاق رفع قيد عن محل رجعت فيه القوة» فلا مناسبة بينهماء فلا يصح مجازاً 
عنه. 
حجة الشافعي رحمه الله : 

أن الطلاق عبارة عن إزالة القيدء والعبودية قيد» فإذا ذكر لفظ الطلاق ونوى به 
إزالة قيد العبودية يصح لأنه نوى محتمل كلامه. 

الجواب عنه: ما مر من الفرق وهو: أن الطلاق رافع أي أن الطلاق إزالة قيد 
النكاح» والإعتاق مثبت للقوة فلا مناسبة بينهما. 


£1 الغرّة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام آبي حنيفة 

مسألة: إذا قال لامرأته أنت طالق أو طلقتك ونوى الثلاث أو الاثنين لا يقع إلا 
واحدة عند أبي حنيفة رضي الله عنه وهو قول جمهور الصحابة مثل أبي بكر وعمر 
وعلي ابن مسعود وابن عباس وابن عمر وعمران بن الحصين رضي الله عنهم. وعند 
الشافعي رحمه الله: يقع ما نوی من الثلاث آی الاتتين. 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 

أن قوله: أنت طالق فنعت فرد حتى قيل للمثنى طالقان وللثلاث طوالق» فلا 
يحتمل العدد» لأنه ضده والشيء لا يحتمل ضده. 
حجة الشافعي رحمه الله : 

قوله لة: «لكل امرىء ما نوى؛ فإذا نوى الثلاث ههنا ينبغي أن يقع الثلاث. 

الجواب عنه: أن النية بدون اللفظ لا تحتمل الثلاث فلا تقتضي وقوع الثلاث 
بالاتفاق حتى لو قال لها: أنت طالق واحدة ونوى الثلاث لا يقع إلا واحدة» فكذا 
فيما نحن فيه طالق لا يحتمل الثلاث فلا تصح النية فيه» والمراد من الحديث «لكل 
امریء ما نوی»» أي ثواب ما نوی ونحن نقول: بموجبه ولا تعلق له بالمتنازع. 

مسألة: إذا قال الرجل لامرأته: أنا منك طالق ونوى الطلاق لا يقع به الطلاق 
عند أبي حنيفة رضي الله عنه. وعند الشافعي رحمه الله: يقع. 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 

أن الطلاق إزالة قيد النكاح فيعمل في محل قيام النكاح» والرجل لیس منکوحاً 
لامرأته فلا يكون محلاً للطلاق» ألا ترى أنها هي الممنوعة عن التزوج والخروج 
ولهذا سميت منكوحة . 
حجة الشافعي رحمه الله : 

لو قال لها: أنا منك بائن ونوى الطلاق يقع بالإجماع مع أن هذا اللفظ كنايةء 
وهي ضعيفة من الصريح» فإذا وقع الطلاق بالضعيف فبالقوي أولى . 

الجواب عنه: أن مقتضى ذلك وصلة النكاح» وهي قائمة بينهما» فصخت 
إضافته إلى كل واحد منهما. وأما مقتضى الطلاق فهو رفع للقيد عن النكاح» فيصح 
إضافته إليها دونه. 


الغرّة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام بي حنيفة HD‏ 

مسألة: إذا قال لامرأته: يدك طالق لا يقع الطلاق عند أبي حنيفة رضي الله عنه. 
وقال الشافعي رحمه الله: يقع به. 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه: 

أنه أضاف الطلاق إلى غير محله فيلغو كما لو قال شعرك طالق وهذا لأن محل 
الطلاق ما يكون محلاً للنكاح» لأنه عبارة عن رفع قيد النكاح» ولا قيد في اليد 
والشعر» ولهذا لا يصح إضافة النكاح إليه. 
حجة الشافعي رحمه الله: 

aad ege E 
کله» فعلم أن بناء أمر الطلاق على النفاذ وشرعه الوقوع» فإذا كان كذلك ينبغي أن لو‎ 
قال يدك طالق ية يقع الطلاق كاملاً.‎ 

الجواب عنه: أن الطلاق لا يتجزأً وذكر بعض ما لا يتجزأً كذكر كله فإذا 
طلقها نصف تطليقة كانت طالقاً تطليقة كاملة كذلك» وكذا لا يتخصص الطلاق 


بوقت» فإذا وقع في وقت کان واقعاً في ج جميع الأوقات بخلاف قوله يدك طالق فإن 
ایی کی مسل اشن الان زک لی کر ما ال کی متا قر کا 
لو قال ريقك طالق . 


مسألة: طلاق المكره واقع عند أبي حنيفة رضي الله عنه وهو قول عمر وعلي» 
وابن عمر» وابن جبير» والشعبي» والنخعي» والزهري» وابن المسيب» وشريح» 
وقتادة» والثوري» وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنهم. وقال الشافعي رحمه الله : 
غير واقع . 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه: 

قوله ي «ثلاث جڏهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق والرجعة» رواه 
أبو داود» وابن ماجه» والترمذي» قال: حديث حسن غريب» وهو معمول به عند 
أهل العلم من أصحاب رسول الله ية وغيرهم فدلّ على أن الرضى ليس بشرط في 
وقوع الطلاق. 

وروي عن علي بن الحسن» وعبد الحق» والعقيلي من حديث صفوان الأصم 
أن رجلا کان نائماً مع امرأته؛ فقامت فأخذت سکيناً وجلست على صدره» فوضعت 
السكين على حلقه وقالت: طلقني وإلا ذبحتك»› فناشدها الله فأبت فطلقها ثلاث 
فذكر ذلك لرسول الله وء فقال: «لا قيلولة في الطلاق». 


1Y‏ الغرة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة 


وروى الطحاوي عن أبي سنان قال: سمعت عمر بن عبد العزيز يقول: طلاق 
السكران والمكره واقع ولأنه قصد إيقاع الطلاق في منكوحته حال آهلنته قلا عرق عن 
قضيته وهذا لأنه عرف الشرّين فاختار أهونهماء وهذا علامة القصد والاختيار لأنه غير 
راض بحكمه» وذلك غير مانع من وقوع الطلاق» كالهازل. 
حجة الشافعي رحمه الله : 

قوله تعالی: ا َه ن ال4 [البَقَرّة: ]۲٠١‏ فلا يكون له أثر» فلا يقع 
الطلاق حالة الإكراه. 

الجواب عنه: معنى الآية أن الله تعالى ما أمر بالإيمان على الإجبار» بل على 
الاختبار» ولأن الإيمان لا يتم إلا بتصديق القلب» وذلك لا يحصل بالإكراه. 

والدلیل على هذا قوله تعالی: قد ب رسد يِن أل [البقرة: ]۲٠١‏ أي تمييز 
الإيمان من الكفر بالدلائل الواضحة» فلا يحتاج إلى الإكراه فإن الإيمان لا يحصل 
به» فإذا كان هذا مراداً بالنص لا يكون للآية دلالة على طلاق المكره. 

مسألة: إذا طلق الرجل امرأته في مرض موته ثلاثاً أو واحداً بائناً» فمات في 
العدة ورثته عند أبي حنيفة رضي الله عنه. وقال الشافعي رحمه الله: لا ترثه. ٠‏ 


حجة أبي حنيفة رضي الله عنه: 

إجماع الصحابة رضي الله عنهم فإنه روي أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه 
طلق امرأته في مرض موته فورٹها عثمان رضي الله عنه وقال: فر من کتاب الله» وکان 
ذلك بمحضر من الصحابة بلا نكير» ووافقه علي وأبي وابن مسعود رضي الله عنهم 
وأشار بقوله فر من تاب الث إلى قوله تعالى: وله ارح4 [الشاء: .]١١‏ 

وروي عن الشعبي: أن عمر رضي الله عنه كتب إلى أبي موسى وشريح أن ورٹا 
امرأة الفار» وكذا حكى الكرخي عن عائشة رضي الله عنها والحسن البصري»› 
والنخعي» وشريح» والشعبي» وطاوس اليماني رضي الله عنهم ولأن الزوجية سبب 
إرثها في مرض موته» وهو قصد إيطاله فيرد عليه قصده دفعا للضرر عنها . 
حجة الشافعى رحمه الله : 

أن هذه ليست بزوجة لبطلان الزوجية بالثلاث» بدليل أنه لو ماتت المرأة لا 
يرث الزوج عنها بالإجماع فإن لم تكن هي زوجته يكون الربع والثمن يصيب غيرها 
ن الزوجات» لقوله تعالى: وله اربع مسا رس4 [النساء: ]١١‏ الآية فلا 
يمك إبطال حقهن بإعطاء النصيب من الميراث. 


الغرة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة EL‏ 


الجواب عنه: أن النكاح في العدة قائم في حق بعض الآثار كثبوت النسب 
والمنع من الخروج والبروز والنفقة والسكنى فجاز أن يبقى في حق إرثها عنه دفعاً 
للضرر عنها بدون رضاها بخلاف إرثه عنهاء لأنه رضي بإبطال حقه حيث أقدم على 
الو 

مسألة: إذا طلق الرجل امرأته الحرة وانقضت عدتها وتزوجت بزوج آخر فطلقها 
وانقضت عدتهاء ثم عادت إلى الزوج الأول فطلقها اثنتين يملك الرجعة عند أبي حنيفة 
رضي الله عنه. وعند الشافعي رحمه الله: لا يملك الرجعة» وهذه المسألة مبنية على 
ن الزرراج القاني يهم ما دون التلات عند آي خنرفة رضي آله غته وآبى يوست 
رحمه الله وهو قول ابن مسعود وابن عمر» وابن عباس رضي الله عنهم خلافاً 
للشافعي» ومحمد» وزفر. 


حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 
قوله عليه أفضل الصلاة والسلام: «لعن الله المحلل والمحلّل له» سمّاه محللا 


وهو مثبت للحل الجديد فيقتضي أن الزوج الثاني يهدم ما طلقها الأول لأنه إذا هدم 
الثلاث فما دونها أولى . 
حجة الشافعي رحمه الله : 

أن الزوج الأول لما طلق في النكاح الأول طلقة وفي ي يق صار 
e‏ ثلاثاً وبعد اللات لا چ r‏ لقوله تعالی : إن طلقا کک تيل َم ئ 
بعد ع تكح روجا عب [البقّرة: ٠‏ 

الجواب عنه: أن المراد بالآية الكريمة إيقاع الثلاث قبل الزوج الثاني لأن 
الله تعالى بيّن حق الرجعة بعد المرتين بقوله تعالى: نتا عرو أو شرع 
يخسن [البَقرّة: ۲۲۹]» ثم طلقها فينصرف إلى إطلاقها في هذه الحالة» وهذه الحالة 
قيام العدة وإنما تكون العدة قائمة قبل التزوج بزوج آخر. 

مسألة: الطلاق معتبر بالنساء عند أبي حنيفة رضي الله عنه وهو قول علي وابن 
مسعود رضي الله عنهما. وقال الشافعي رحمه الله : يعتبر بالرجال وفائدة الخلاف تظهر 
في المسألتين : 

إحداهما: لو كان الزوج حرا والمرأة أمة يملك ثلاث تطليقات عند الشافعي 


- رحمه الله - وعند أبى حنيفة - رضى الله عنه -: تطليقتين . 


HH‏ الغرة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنبفة 


وثانيهما: لو كان الزوج عبداً والمرأة حرة فعند أبي حنيفة رضي الله عنه يملك 
ثلاثاً . وعند الشافعي رحمه اله: طلقتين. 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 

قوله تعالى : فوشن لِدَتمىً4 [الطلدق: ]١‏ أي أطهار عدتهن» قاله ابن عباس 
رضي الله عنهما : فإذا كانت عدة الحرة ثلاثة أقراء فينبغي أن يكون طلاقها ثلاثاً سواء 
کان زوجها حراً أو عبداً» وإذا كانت عدة الأمة قرأين فينبغي أن یکون طلاقها اثنتین 
لقوله بياز: «طلاق الأمة ثنتان وعدتها حيضتان» من غير فصل بين حر وعبد» وروى 
ابن عمر رضي الله عنهما أنه ب قال : «إذا كانت الأمة تحت الرجل فطلقها تطليقتين 
ا ثم استبرأها لم تحل له حتی تنکح زوجاً غیره؟. 
حجة الشافعي رحمه اله : 

أن اعتبار حرية الرجل أولى من اعتبار حرية المرأة» لقوله تعالى: لجال عون 
در [البقَرَة: ۲۲۸] وهذا نص صريح في أن اعتبار جانبه أولى. 

الجواب عنه: أن الآية ليست بصريحة في أن الطلاق معتبر في الرجال فيكون ما 
ذكرنا من الآية راجحاً عليها لكونها صريحة باعتباره بالنساء» أو نقول: لما تعارضت 
الآيتان بقي التمسك بالحديث الذي ذكرنا. 

مسألة: التنجيز يبطل التعليق عند أبي حنيفة رضي الله عنه. وقال الشافعي 
رجه الله الا أيبطله حن لو قال لامرأثه: إن دخلت الدار فأنت طالق» ثم قال لها: 
أنت طالق ثلاثاًء فتزوجها غيره ودخل بها ثم رجعت إلى الأول ودخلت الدار لم يقع 
شيءَ عند أبي حنيفة رضي الله عنه. وعند الشافعي رحمه الله : تقع الثلاث المعلقة ‏ 


حجة أبي حنيفة رضي الله عنه: 

أن اللفظ وإن كان مطلقاً لكن قرينة الحال دليل على أن المراد الحل القائم لأن 
الجزاء طلقات هذا الملك لأنها هي المانعة لأن الظاهر عدم ما يحدث» واليمين تعقد 
للمنع أو الحملء وإذا كان الجزاء ما ذكرناء وقد فات بتنجيز الثلاث المبطل للمحلية 
فلا تبقى اليمين. 
حجة الشافعىي رحمه الله : 


أن لفظ التعليق مطلق فيتناول الحل القائم في النكاح الأول والحادث بالنكاح 
الاد > وقد رق احعمال الگا الثان ‏ فيقی اليمين: 


الغرّة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام آبي حنيفة fle‏ 
الجواب عنئه: أن المطلق يجوز تقييده بما ذكرناه من الدليل . 
مسألة: الطلاق الرجعي لا يحرم الوطء عند أبي حنيفة رضي الله عنه. وعند 
الشافعي رحمه الله: يحرم . 


حجة أبي حنيفة رضي الله عنه: 


أن الزوجية قائمة ما دامت في العدة في کثير من أحكام الشرع کالطلاق والإیلاء 
EA E OE E‏ من الخروج والبروز 
وحرمة أختها وأربع سواهاء ولهذا يملك مراجعتها بلا رضاها لقوله تعالى: «وريعٌ 
ای ره [الِقّرة: ۲۲۸] سماه بعلاً فتکون هي زوجته فيصح وطؤها لبقاء الزوجية في 
الأحكام المذكورة» فكذا في حل الوطء»ء لقوله تعالى: إل عل اج4 
[المؤمنون: 1]. 
حجة الشافعي رحمه الله : 

أن الأصل في الإبضاع الحرمة» بدليل أنه تعارض دليلان: أحدهما: موجب 
للحل» والآخر: للحرمة» فرجحنا الدليل الموجب للحرمةء فإذا كان الأصل في 
الإبضاع الحرمة لم يخالف هذا الأصل إلا عند قيام النكاح التام فإذا طلقها وقع الخلل 
في النكاح فيبقى على أصل الحرمة. 

الجواب عنه: أن الخلل إنما يقع فيه بعد انقضاء العدةء وأما ما دامت في العدة 
فلا خلل فيه لما ذكرنا من أحكام الزوجية» وقد اعترف الإمام فخر الدين أن دليلنا 
قوی . 

مسألة : : إذا ظاهر الذمي من امرأته لا يصح ظهاره عند أبي حنيفة رضي الله عنه. 
وعند الشافعي رحمه الله : يصح ظهاره. 


حجة أبي حنيفة رضي الله عنه: 

قوله تعالی: لر هرون یکم ت ن بهم [المجادلة: ۲] ولفظ منكم 
خطاب للمسلمين فنخص بهم» وقوله عليه الصلاة والسلام لمسلمة بن صخر لما 
ظاهر من امرأته ثم واقعها قبل أن يكفر: «استغفر الله ولا تعد حتى تكفرا مد الحرمة 
إلى التكفير والذمي ليس أهل التكقير لأنها عبادة» ولهذا تتأدى بالصوم. 


5 الغرة المنبفة في تحقيق بعض مسائل الإمام ابي حنيفة 
حجة الشافعي رحمه الله : 

قوله تعالی: لول بهو ِن د 
[المجادلة: ]٣‏ وهذا النص مطلق فيتناول المسلم والذمي. 

الجواب عنه: أن الآية الأولى مقيدة بقوله تعالى: منك [البقّرة: ]٠١‏ فيحمل 
المطلق علبها كما هو المذهب عند الخصم على أن في آخر الأية ا يدل على ان 


المراد بأول الآية المسلمون دون أهل الذمة» وهو قوله تعالی: مسن لَمَ جذ 
َصِيامٌ هرن مكابعنٍ) [النساء: ۲ فإن الصيام لا يتصور إلا من المسلمين. 


و مو اا ر و ر 


م يعوو لا قا رر رد4 


مسألة: إذا أعتق العبد الكافر عن كقارة الظهار جاز عند أبي حنيفة رضي الله عنه 
ا 


لقوله تعالی: «فَُرُ رب [النساء: ]۹١‏ من غير قيد كون الرقبة مسلمة» فيجري 
على إطلاقه . 
حجة الشافعي رحمه الله : 

أن الكافر نجس لقوله تعالى: إكنا المنرت بح( [التوبة: ۲۸] والنجس لا 
يجوز إخراجه في الطاعة لقوله تعالی : ول َيَنَمُوا اليك [ا [YW‏ 

الجواب عنه: أن القصد من الإعتاق تمكينه من الطاعة» ثم كفره بسوء اختياره» 
والگاقی لیس بنجس حقيقة» ولهذا أنزل النبي ب وفد ثقيف في مسجده» ولو کان 
نجساً لما أنرلهم في مسجده بل النجاسة في اعتقاده لا تنافي إعتاقه عن الكفارة» 
والمراد بالخبيث الحرام . 

مسالة: إا أغتق المكاتب عن الكفارة جاز عند أبي حنيفة رضي الله عنه. وعند 


الشافعي رحمه الله: لا يجوز. 


حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 

قوله تعالى: وف لاب4 [البَمَرة: ۱۷۷] واتفقوا على أن المراد منه 
المكاتبون» فإذا كان المكاتب رقيقاً جاز عن الكفارة لقوله تعالى: َر ٍَ4 
[التساء: ۹۲] وقوله ية : «المكاتب عبد ما بقي عليه درهما» فیکون الرق قائماً فيه 
فيكون إعتاقاً للقن“ فيجوز عن الكفارة؟ . 


)١(‏ القن بكسر القاف وتشديد النون: العبد إذا هلك هو وأبواءء يستوي فيه الائنان والجمع 
والمؤنث» وريما قالوا: عبيد أقنان ثم يجمع على أقنة اه أحمد خيري . 


الغرَة المنبفة في تحقيق بعض مسائل الإمام آبي حنيفة ۷V‏ 
حجة الشافعى رحمه الله : 

أنه إذا أعتق المكاتب يكون العتق حاصلاً بعقد الكتابة بدليل أن الأولاد 
والأكساب الحاصلة زمان الكتابة تكون ملكاً للمكاتب ولو لم يكن العتق حاصلاً بعقد 
الكتابة لما كان الأولاد والأكساب ملكا له» فإذا حصل العتق بجهة الكتابة فلا يكون 
من جهة الكفارة. 

الجواب عنه: أنه لم يحصل للمكاتب الحرية بجهة الكفارةء لأن الكتابة فك 
الحجر فهي بمنزلة الإذن» وإنما يعتتق بأداء جميع البدل» والمعلق بالشرط كالمعدوم 
قبل وجوده فصار كالمعلق عتقه بدخول الدار فلا تكون الكتابة مانعة عن الكفارة» ولو 
كانت مانعة تنفسخ بمقتضى الإعتاق فيكون إعتاق قن المكاتب إلا أنه يسلم له 
الأكساب والأولادء لأن العتق في حق المحل بجهة الكتابة أو لأن الفسخ ضروري لا 
يظهر في حق الولد والكسب . 

مسألة: إذا اشترى من عليه الكفارة أباه ناوياً عن الكفارة صح ويقع عنها عند 
أبي حنيفة رضي الله عنه. وعند الشافعي رحمه الله: لا يقع عنها. 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 

قوله بية: «شراء القريب إعتاق» وقوله يَهة: «لن يجزي ولد والده إلا أن 
يجده مملوكاً فيشتريه فيعتقه» أي بنفس الشراء إذ لا يحتاج إلى إعتاق مستأنف» فإذا 
كان الشراء تصح الكفارة إذا اشترق ناويا عنها. 
حجة الشافعى رحمه الله : 

أنه إذا اشترى أباه يعتق عليه سواء أعتقه أو لم يعتقه فلا يكون التحرير حاصلاً 
باختياره وهو مأمور بتحرير اختياري ولم يوجد فلا يقع عن الكفارة. 

الجواب عنه: أن الشراء لما كان إعتاقاًء والشراء وجد باختياره فتكون الئية 
مقارنة له فيقع عن الكفارة. 

قا العدة تتم بثلاثة حيض عند أبي حنيفة رضي الله عنه. وعند الشافعي 
رحمه الله : بثلاثة أطهار والخلاف مبني على تفسير الأقراء. 


() أي ذي رحم محرم. (ز). 


۸ الغرّة المنيغة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة 


حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 

قوله تعالی: للقت يربص اهن له و [البَمَرَة: ۲۲۸] والأقراء 
الحيض لقوله بية: «طلاق الأمة ثنتان وعدتها حيضتان»» وعدة الأمة من جنس عدة 
الحرةء ولأن المقصود من العدة معرفة براءة الرحم» والمعرفة لا تحصل إلا 
بالحيض» ولهذا كان استبراء الأمة بالحيض . 
حجة الشافعي رحمه الله : 

أن المقتضى لجواز النكاح قائم في جميع الأوقات» لقوله تعالى: نك ما 
طابَ لم مَنَ اليس [الئساء: ۳]ء وقوله يي: «زؤجوا بناتكم الأكفاء»» وترك العمل 
بهذا في زمان العدة لقوله تعالى: ولطلفت يبمب بيهن عة روو [البَقَرة: 
۸ ولفظ القرء: يحتمل الطهر والحيض فكان محتملاً وكان المعارض في الأطهار 
الثلاث معلوماً لأجل أن مدة العدة بالأطهار أقل من مدة العدة بالحيض 5 الحيض 
غير معلوم لأنه أطول المدتين» والمشكوك لا يعارض المعلوم» فوجب القول بجواز 
نكاحها عند انقضاء الأطهار الثلاثة . 

الجواب عنه: أن عدم جواز نكاح المعتدة كان ثابتاً بيقين» وانقضاء العدة وجواز 
نكاحها بمضي ثلاثة أطهار مشكوك فلا يعارض المعلوم» ولأنه لو حمل الأقراء على 
الأطهار انتقض العدد المذكور في النص» ولأنه حينئذ يصير قرئين وبعض الثالث 
وذلك لا يجوز والله أعلم. 


كتاب الحدود 


مسألة: الزنا الموجب للحد لا يظهر إلا بالإقرار أربع مرات في أربعة مجالس 
عند أبي حنيفة رضي الله عنه. وعند الشافعي رحمه الله : يظهر بالإقرار مرة واحدة. 


حجة أبي حنيفة رضي الله عنه: 

حديث ماعز أن النبي بي أخر إقامة الحد عليه إلى أن تم الإقرار منه أربع مرات 
في أربعة مجالس» فلو ظهر دونها لما أخرهاء ولأن ظهور الزنا بالشهادة فارق ظهور 
غيره حتى اشترط أربعة شهداء بالنص وبالإجماع» فكذا الإقرار يشترط أن يكون أربعة 
مرات لظهوره به إعظاماً لأمر الزنا وتحقيقاً لمعنى الستر ودرء الحد بقدر الإمكان. 


الغرّة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة £4 
حجة الشافعي رحمه الله : 

قوله ية : «أغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها»» قالها حين اتهم 
رجل امرأته بالزناء فقد علق النبي بيو الرجم بمطلق الاعتراف من غير اشتراط 
الأربع. 

الجواب عنه: أنه إن كان هذا الحدیث متقدماً على حديث ماعز کان منسوخاً به 
وإن كان متأخراً انصرف إلى الاعتراف المعهود في هذا الباب» وهو الإقرار أربع 
مرات» ولأنه کان معهوداً فیما بینهم بدلیل قول أبي بكر رضي الله عنه لماعز: اتتي الله 
في الرابعة فإنها موجبة» قال أبو بردة رضي الله عنه: كنا نقول لو لم يقل الرابعة لما 
رجمه» ولأن ذلك الحديث ساكت عن اشتراط الأربع وحديث ماعز صريح فيه فيكون 
اڑا 

مسالة: المولى لا يملك إقامة الحد على مملوكه إلا بإذن الإمام عند أبي حئيفة 
رضي الله عنه. وعند الشافعي رحمه الله: يملك ذلك في الجلد. 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه: 

إجماع الصحابة كابن عباس وابن مسعود وابن الزبير رضي الله عنهم مرفوعاً 
عنهم إلى النبي بلا قال: «أربع إلى الإمام: الفيء» والجمعة والحدود» والصدقات»» 
ولأن الحد خالص حق الله» ولأن المقصد مئه إخلاء العالم عن القسادء ولأجل هذا 
لا يسقط بإسقاط العباد فيستوفيه من هو نائب الشرع وهو الإمام أو من أمره الإمام به. 
حجة الشافعي رحمه الله : 

قوله بية: «أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم»» وهذا صريح» وقوله ي : 
«إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها فإن عادت فليبعها ولو بضفير؟. 

الجواب عنه: أمر المولى بإقامة الحدود مقتضاه الوجوب» وهو منفي بالإجماع 
فكان متروك الظاهر فيحمل على ما إذا أذن له الإمام بذلك أو يحمل على الإقامة 
تسبيباً بالمرافعة إلى من له ولاية الإقامة أو على التعزيز بدليل قوله ڳية: «فإن عادت 
فليبعها ولو بضفير» والبيع ليس بحد بالإجماع. 

مسألة: المرأة العاقلة إذا مكنت المجنون وطاوعته فزنا بها فلا حد عليه ولا 
عليها عند أبي حنيفة رضي الله عنه. وعند الشافعي رحمه الله: الحد عليها. 


H2‏ الغرة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 

أن فعل الزنى إنما يتحقق حقيقة من الرجل» لأنه هو الأصل» ولهذا سمي 
واطئاًء والمرأة إنما هي محل لفعله» ولهذا سميت موطوءة» والزنا فعل من هو يؤجر 
على ترکه ویأثم علی فعله» والمجنون لیس بمخاطب فلا یوصف فعله بالزنا فلا یتعلق 
الحد عليه» فإذا امتنع في حقه امتنع في حق المرأة لأنها تبع له. 
حجة الشافعي رحمه الله : 

أن الزنا من المرأة ليس إلا التمكين» ولا يتفاوت التمكين من العاقل موجباً 
ليحد فكذا التمكين من المجنون. 

الجواب عنه: أن الزنا لا يتحقق بين الرجل والمرأة لكن الأصل في الرجل لما 
ذكرنا فإذا امتنع في حقه الحد لكونه غير مخاطب امتنع في حقها تبعاً. 

مسألة : إذا استأجر امرأة ليطأها فوطئها لا حد عليه عند أبى حنيفة رضي الله عنه. 
وقال الشافعي رحمه الله: الحد. 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه: 

أنه وطء فيه شبهة ملك» لأنها قابلة بالنكاح وقد انضاف التمليك إليها 
بالاستئجار فيورث شبهة» ولهذا سمى النبي ية ذلك المال مهر البغي والحدود تدرأ 
بالشبه لقول رسول الله ية : «ادرأوا الخدره بالشبهات٤»‏ وقد روي آن أفرآة اسقسقتة 
راعياً فأبى أن يسقيها حتى تمكنه من نفسها ففعلت فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه فدراً 
عنها الحد» وقال: ذلك مهرها أفتى بالحكم ونه على العلة. 
حجة الشافعي رحمه الله: 

أن هذا الوطء زنا محض قبل عقد الإجارة لا شبهة فيه» فينبغي أن لا يتفاوت 
هذا الوطء قبل الإجارة وبعده» والزنا المحض موجب للحد. 

الجواب عنه: أن الشبهة قد طرأت بعد عقد الإجارة لما ذكرنا فيورث الشبهة 
بعده لا قبله. 


کتاب السرقة 
مسألة: إذا سرق رجل مقدار نصاب السرقة وقطعت يده وهلك المسروق لا 
يضمن السارق عند أبي حنيفة رضي الله عنه. وعند الشافعي رحمه الله: يضمن. 


الغرة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام آي حنيفة êl‏ 


حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 

قوله تعالی : «اوالکاری ساره افط موا ایسا جر بنا كسا [المائدة: ۳۸] 
جعل القطع جميع الجزاء فلو ضمن صار الجميع بعضاًء وقوله عليه الصلاة والسلام: 
«لا غرم على السارق بعد ما قطعت يمينه). 


حجة الشافعي رحمه الله : 

أن الإجماع انعقد على قطع يده فيلزمه الضمان أيضاً لأنه أخذ مال غيره بغير 
إذنه بغير حق» فيجب عليه رده إذا كان باقياً ورد قيمته إذا كان هالكاًء لقوله لا: 
«على اليد ما أخذت حتى ترده). 

الجواب عنه: أن التمسك بالكتاب أقوى» والحديث الذي رويناه صريح في 
الباب فلا يعارضه ما ليس بصريح . 

ا لا قطع على النباش عند أبي حنيفة رضي الله عنه. وعند ألشافعي 
رحمه الله : عليه القطع . 


حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 


قوله يية: «لا قطع على المختفي» وهو النباش بلغة أهل المدينة» وروي أن 
علياً رضي الله عنه اتی بنباش فعزره ولم يقطع یده» ووافقه ابن عباس رضي الله عنهما. 
حجة الشافعي رحمه الله : 

قوله ية «من نبش قطعناه» وهذا نص صريح في الباب. 

الجواب عنه: أن هذا الحديث غير مرفوع إلى النبي بء بل هو موقوف على 
معاوية بن مرة لم يرفعه أحد» وقيل هو من کلام زياد بن أبيه ذكره في خطبته» ولئن 
سلمت صحته فهو محمول على السياسة بدليل أن فيه: «من غرق غرقناه ومن حرق 
حرقناه ومن نبش دفناه حياً ومن نقب نقبنا عن كبده»» ومعلوم أن هذه الأحكام غير 
قرو إل سياسة» ثم إنه متروك الظاهر لأنه علق فيه بالقطع بمجرد النبش» 
وبالإجماع ليس كذلك فإن نبش ولم يأخذ لا يقطع والله أعلم . 

مسألة: رجل سرق شيئاً وحكم القاضي عليه بالقطع» ثم إن المالك وهب 
المسروق من السارق قبل القطع وسلمه إليه سقط القطع عند أبي حنيفة رضي الله عنه. 
وعند الشافعي رحمه الله: لا يسقط . 


۲ الغرّة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه: 

أن القضاء يحتاج إلى الإمضاءء والإمضاء في باب الحدود من القضاء وكان ما 
حدث قبل الإمضاء كالحادث قبل القضاء» ولو ملكها السارق قبل القضاء لا يقطع لأن 
الإنسان لا يقطع بملكه» فكذا إذا ملك قبل الإمضاء. 
حجة الشافعي رحمه الله: 

ما روي أن صفوان كان نائماً في المسجد متوسداً رداءه فجاءه سارق فسرقه فأتى 
به النبي ية فأمر بقطع يده» فأخرج ليقطع فتغير وجه النبي با فقال له صفوان كأنه 
شق عليك يا رسول اله؟ هو له صدقة» وفي رواية وهبته منه» فقال بة: «أفلا كان 
قبل أن تأتيني به» وأمر بقطعه. 

الجواب عنه: أن الهبة لا تثبت قبل القبول والقبض» ثم إنه حكاية حال فلا 
عموم له. 

مسألة: السارق في المرة الأولى تقطع يده اليمنى وفي الثانية رجله اليسرى 
والثالثة لا يقطع منه شيء بل يعزر ويخلد في الحبس حتى يتوب ويظهر عليه سيما 
الصالحين عند أبي حنيفة رضي الله عنه. وعند الشافعي رحمه الله: تقطع في الثالثة 
يده اليسرى وفي الرابعة رجله اليمنى . 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 

ما روي أن علياً رضي الله عنه استثار الصحابة رضي الله عنهم في هذه الحادثة 
فقال بعضهم: تقطع يده اليسرى» فقال: بم يستنجي؟ وقال بعضهم: رجله اليمنى» 
فقال لهم: فب يمشي؟ ثم قال: إني لأستحي من الله أن لا أدع له يداً يأكل بها 
ويستنجي بها ولا رجلاً يمشي عليهاء وبهذا حاج بقية الصحابة فغلبهم فدرأ عنهم 
الحد فحلَ محل الإجماع» ولأن المستحق عليه التأديب وفيما ذكره إهلاك معنى 
بتفويت منفعة البطش والمشي عليه . 
حجة الشافعي رحمه الله : 

أن المرة الثالثة موجبة للقطع لقوله تعالى : #والكارق ولتار اف موا ابيا 
[المائدة: ۳۸] وقد أمكن قطع اليسرى فيجب القطع . ولقوله ي «من سرق فاقطعوه 
فإن عاد فاقطعوه وإن عاد فاقطعوه) . 


الغرة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنبفة i‏ 

الجواب عنه: أن الأمر في الآية لا يقتضي التكرار» وعرف القطع في المرة 
الثانية بفعل النبي ياء والحديث طعن فيه الطحاوي وغيره من نقلة الحديث» وعلى 
تقدير الصحة يحمل على السياسة بدليل آخر الحديث: «فإن عاد فاقتلوه» فإن القتل 
غير مشروع في السرقة» فيحمل على أنه كان ذلك في الابتداء حين كان القتل 
مشروعاً. 

مسألة: إذا صال الجمل أو البقر الهائج على إنسان فقتله المصول عليه دفعاً عن 
نفسه لزمه الضمان عند أبي حنيفة رضي الله عنه. وعند الشافعي رحمه الله: لا يلزمه 


شيء. 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه: 

أن هذه الدابة معصومة لحت المالك لا لاحترامها لذاتهاء فإنها خلقت محلاً 
للتناول والابتذال فبقيت عصمتها ما دام حق مالكها باقياً وحقه لا يسقط بجناية الدابة 
بل. يثبت له إباحة إتلافها لإبقاء مهجته عند صولتها عليه بالقيمة كتناول طعام غيره حالة 
المخمصة رعاية للحقين. 
حجة الشافعي رحمه الله : 

أن دفع ضرر هذا الجمل أو البقر لازم عليه فيكون مأموراً بقتله وإلا يستحق 
العقاب بإلقاء نفسه إلى التهلكة» وإذا لزم عليه فعله لا يجب عليه ضمانه. 

الجواب عنه: أن ما ذكرتم منقوض بتناول مال غيره حال المخمصة فإنه إذا 
اضطر ولم يجد ما يدفع جوعه إلا هذا الجمل أو البقر فإنه مأمور بقتله وأكله لثلا 
يستحق العقاب بإلقاء نفسه إلى التهلكة» ومع هذا يلزم عليه الضمان بالإجماع رعاية 
لحق المالك» فإن قيل: مالك الجمل لو أراد قتل إنسان لدفع القتل عن نفسه لا يجب 
عليه شىء فكذا إذا صال جمله لا يجب عليه الضمان بقتله» لأن الجمل ليس بأعز من 
مالكه فإذا لم يضمن بقتل مالكه فبقتل ملكه أولى. قلنا: المالك إذا قصد قتله فقد 
أبيح قتله ووجد منه إبطال العصمة فلا يضمن» وأما فعل البهيمة فلا يبطل عصمة 
مالکه فافترقا. 


كتاب الجهاد 


مسألة: إذا أسلم الحربي في دار الحرب وأقام بها ولم يهاجر إلى دار الإسلام 
فقتله مسلم أو ذمي لا يجب عليه القصاص ولا الدية عند أبي حنيفة رضي الله عنه» 


4 الغرّة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة 
ويجب عليه الكفارة في الخطأ. وقال الشافعي رحمه الله: يجب عليه القصاص في 
العمد والكفارة في الخطاً. 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 

قولہ تعالی: کین کات من و عدو لم ومو مؤیٹ کنر کار 
وم4 [النساء: ]۹١‏ فالله تعالى أوجب الكفارة بقتله» ولم يبين القصاص والدية ولو 
كانا واجبين لبينهما وروي أنه عليه الصلاة والسلام قال: «من أقام بين المشركين فلا 
دية له» ولأن العصمة المقومة إنما تثبت بدار الإسلام» وهو قد أهدر عصمته بالمقام 
في دار الحرب فلا يجب بقتله القصاص والدية . 


حجة الشافعي رحمه الله : 

أنه قد قتل المسلم عمداً وعدواناً فيكون موجباً للقصاص لقوله تعالی: « گیب 
عَیكم لماص( [البقَرة: .]۱١۸‏ 

الجواب عنه: أن الآية مخصوصة بالإجماع» ولهذا لو قتل الأب ابنه لا يقتص 
منه فيخص المتنازع فيه بما ذكرنا من الدليل . 

مسألة: إذا استولى الكفار على أموال المسلمين وأحرزوها بدار الحرب ملكوها 
عند أبي حنيفة رضي الله عنه. وعند الشافعي رحمه الله: لم يملكوها. 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 

قوله تعالى: لفق المجرت أل جا ين رهم مه4 [الحشر: ۸] 
سماهم فقراء مع إضافة الأموال إل والفقیر من لا مال له لا من بعدت يده عن 
المال ومن ضرورته ثبوت الملك لمن استولى على أموالهم من الكفار» وروي عن 
علي رضي الله عنه أنه قال يوم الفتح: يا رسول الله» ألا ننزل دارك؟ فقال: «وهل 
ترك لنا عقيل من منزل» وكان للنبي ية دار بمكة ورثها من خديجة رضي الله عنها 
فاستولی علیها عقیل وکان مشرکاً» وروی این عباس رضي الله عنهما أن رجلا أصاب 
بعيراً له في الخنيمة فأخبر به النبي ب فقال: «إن وجدته قبل القسمة فهو لك بغير 
شيء» وإن وجدته بعد القسمة فهو لك بالثمن»» وروى تميم عن طرفة أنه عليه 
الصلاة والسلام قال في بعير أخذه المشركون فاشتراه رجل من المسلمين» ثم جاء 
المالك الزول إلى رسول الله ية فقال بية: «إن شت أخذته بالثمن» فلو بقي في 
ملك المالك القديم لكان له الأخذ بغير شيء. 


الغرة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة {Yo‏ 


حجة الشافعي رحمه الله : 

قوله تعالی: لون َمل أله لفرت عَل اومن سيلا [النساء: ]٠١١‏ فينبغي 
أن لا يصير مال المسلم للكافر بالغلبة والاستيلاء عليه . 
الحجة الثانية : 

أن المسلم خير من الكافر» والمسلم إذا استولى على مال مسلم آخر لا يصير 
ملکاً له فالکافر أولى . 

الجواب عنه: أما الآية فمقتضاها نفي السبيل على نفس المسلم ونحن نقول 
بموجبه» فإنه إذا استولى على نفسه يملكه» ونحن نملكهم ولكن الأصل في الأموال 
عدم العصمة وإنما صار معصوماً بالإحراز بدار الإسلام» فإذا أحرزوها بدار الحرب 
زالت العصمة بزوال سببها فبقيت أموالاً مباحة فتملك بالاستيلاء عليها وفيها وقع 
الفرق بين استيلاء المسلم والكافر وأن المسلم لم يحرزها إلى دار الحرب والحربي 
أحرزها فافترقا. 

مسألة: الغزاة إذا غنموا غنيمة لا يقسمونها في دار الحرب بل يخرجونها إلى 
دار الإسلام فيقسمونها فيها عند أبي حنيفة رضي الله عنه. وقال الشافعي رحمه الله : 
يجوز قسمتها في دار الحرب. 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 

ما روى مكحول الشامي أنه عليه الصلاة والسلام ما قسم الغنيمة قط إلا في دار 
الإسلام» وفي رواية أخرى أخر النبي ب القسمة إلى دار الإسلام مع طلب بعض 
الغانمين الغنيمة فلو جازت لما أخر» لأن النبي ية نهى عن بيع الغنيمة في دار 
الحرب» والقسمة بيع معني فيدخل تحت النهي» ولأن الاستيلاء التام لا يثبت إلا 


بالإحراز بدار الإسلام لقدرتهم على التخليص قما دامت في دار الحرب لم يستحكم 
الملك. 


حجة الشافعي رحمه الله: 
ما روي أن النبي بيا قسم الغنيمة في دار الحرب. 


الجواب عنه: أن تلك المواضع التي قسم فيها النبي ية الغنيمة وإن كانت دار 
الحرب لكنها صارت دار الإسلام بظهور أحكامه فيها . 


a‏ الغرة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة 
مسالة : العبد المحجور عليه الممنوع من القتال لا يصح أمانه عند أبي حنيفة 


رضي الله عنه» وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما. وقال الشافعي رحمه الله: يصح 
أمانه. 


حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 


قوله تعالی: صرب أله مد بَا نَمل لا يقير عل ىر [النحل: ]۷١‏ 
فانتفت قدرته على الأمان. 
حجة الشافعي رحمه الله : 

قوله ة: «المسلمون تتكافاً دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من 
سواهم» والعبد من أدنى المسلمين فيصح أمانه. 

الجواب عنه: أن المراد بالذمة الأمان المؤبد بأن يصير ذمياً» وهو صحيح من 
العبد فنحن نقول بموجبه» وهذا لأن عقد الذمة خلف عن الإسلام فهو بمنزلة الدعوى 
إلهي فيصح منه بخلاف الأمان المؤقت» والحديث لا يدل عليه . 

مسألة: كان الخمس في عهد النبي ية يقسم على خمسة أسهم سهم لله 
ورسوله وكان يشتري به السلاح» وسهم لذوي قربى النبي وء وسهم للمساكينء 
وسهم للیتامی» وسهم لأبناء السبيل» وبعد وفاة النبي ية سقط سهم النبي بل 
وسهم ذوي القربى فيأخذون بالفقر دون القرابة عند أبي حنيفة رضي الله عنه. وعند 
الشافعي رحمه اله : سهم النبي بيا يدفع إلى الإمام» وسهم ذوي القربى باق لهم . 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه: 

إجماع الصحابة على عهد الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعشمان ا 
رضي الله عنهم فإنهم قسموا خمس الغنيمة على ثلاثة أسهم ولم يعطوا ذوي القربى شيا 
لقريهم بل لفقرهم مع أنهم شاهدوا قسمة النبي إل وعرفوا تأريل الآية ركان ذلك 
بمحضر من الصحابة من غير نكير فحل محل الإجماع» وو ي 
منعوهم» وهذا لأن المراد بالقربى قربى النصرة دون القرابة بدليل ما روي أ نه ية قسم 
غنائم خيبر فأعطى بني هاشم وبني المطلب ولم يعط بني عبد شمس ولا بني نوفل 
شيئاً» فقال عثمان وهو من بني عبد شمس» وجبير بن مطعم وهو من بني نوفل يا 
رسول الله : إنا لا ننكر فضل بني هاشم لمكانك الذي وضعك الله فيهم» ولكن نحن 
وبنو المطلب منك في القرابة سواء فما بالك أعطيتهم وحرمتنا؟ فقال عليه الصلاة 


الغرة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنبفة 4V‏ 
والسلام : «إنهم لم يفارقوني في جاهلية ولا إسلام لم يزالوا معي». وشبك بين أصابعه 
فجعل عليه الصلاة والسلام علة الاستحقاق النصرة والصحبة دون نفس القرابةء وإلا لما 
أعطى البعض ومنع الآخرين ونصرة النبي ية لم تبق بعد وفاته فلا يبقى الاستحقاق 
ويدخل فقراء ذوي القربى والأصناف الثلاثة» وقد روت أم هانىء هذا المعنى مرفوعاًء 
فقال عليه الصلاة والسلام: «سهم ذوي القربى لهم في حياتي وليس لهم بعد وفاتي» 
وكذا سهم النبي ية سقط بعد وفاته إذ غيره لیس في معناه من کل وجه. 
حجة الشافعي رحمه الله : 

قوله تعالی: واظموا آنا عتم ين یو ا ل حسم وللرسول ولذى لرک4 
[الأنقال: ]٤١‏ وهذا نص صريح في المسألة. 

الجواب عنه: أن المراد بالقربى قربى النصرة لا قربى القرابة بما ذكرنا من 
الدليل» وقد زالت النصرة بعد وفاته. 

مسألة: إذا أسلم الذمي أو مات بعد وجوب الجزية بمرور الحول سقطت عند 
أبي حنيفة رضي الله عنه. وعند الشافعي رحمه الله: لا تسقط . 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه: 

قوله عليه الصلاة والسلام: «لا جزية على مسلم؟ وقوله بلة: «الإسلام يجب ما 
قبله» وروي أن ذمياً بالجزية في زمن عمر رضي اله عنه فأسلم فقيل: إنك أسلمت 
تعوذاً» فقال: إن أسلمت تعوذاً فإن الإسلام يتعوّذ به فأخبر عمر بذلك» فقال: صدق 
وأسقط عنه الجزية» ولأن الجزية وجبت عقوبة على الكفر وهي تسقط بالإسلام. 
حجة الشافعي رحمه الله: 

أن الجزية وجبت على العصمة والأمن فيما مضى» لأن ماله كان في معرض 
التلف فحصلت له الصيانة بقبول الجزية» وقد وصل إليه العوض فلا تسقط عن 
المعوض بالإسلام والموت. 

الجواب عنه: أن هذا قياس في مقابلة النص والآثار فلا يقبل . 


کتاب الصيد 


مسألة: إذا ترك الذابح التسمية عمداً فالذبيحة ميتة لا يحل أكلها عند أبي حنيفة 
رضي الله عنه. وعند الشافعي رحمه الله: يحل. 


۸ الغرة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 

الکتاب وهو قوله تعالی: ولا ڪاو يا لر ر اسم نَم عو [الأنعام: 
۱ والسنة هي قوله ييه لعدي بن حاتم : «إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم 
الله تعالى فكل وإن شارك كلبك كلب آخر فلا تأكل فإنك سميت على كلبك ولم تسمٌ 
على كلب غيرك» علّل الحرمة بترك التسمية عمداًء وإنما الخلاف بينهم في الترك 
اا 
حجة الشافعي رحمه الله : 

قولھ تعالی: فل لا ہد فی ما ایی إل محرا عل طاعی عه إل أن يكرت 
بک او دا کشفرا آؤ لحم زس إِلَمُ رجش أو فقا اهل لتر أله ب [الأنعام: 
٠‏ ] دل النص على أن المحرم من المطعومات هذه الأربعة متروك التسمية ليس منها 

الجواب عنه: أن متروك التسمية من قبيل الميتة كذبيحة المجوس» وأيضاً قد 
زيد على هذه الأربعة أشياء كثيرة كأكل لحم الحمر والبغال والكلب والأسد وغيرها 
من ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطيرء» بالدلائل الدالة عليه» فكذا يزاد عليها 
متروك التسمية عامداً» ويحتمل أن النبي ية لم يكن أوحي إليه في ذلك الوقت إلا 
تحریم الأربعة المذكورة» ثم أوحي إليه تحريم غيرها بعده. 

مسألة: إذا أرسل الصياد كلبه المعلم إلى الصيد وذكر اسم الله عليه فمات بأخذه 
ولم يأكل منه الكلب شيئاً يؤكل بالاتفاق» وإن أكل منه شيئاً لا يؤكل عند أبي حنيفة 
رضي الله عنه. وعند الشافعي رحمه الله: يؤكل . 


حجة أبي حئيفة رضي الله عنه : 

قوله تعالی : ما علَننّم يِن رارج مك4 [المَائدة: ]٤‏ فالنص نطق باشتراط 
التعليم وكذا حديث عدي «إذا أرسلت كلبك المعلم» وتعليم الكلب لا يتحقق إلا بترك 
الأكل من الصيد فإذا أكل منه دل على أنه غير معلم فلا يجوز أكل ما بقي منه» وقد 
صرح في هذا الحديث بهذا المعنى حيث قال عليه الصلاة والسلام: «إذا أرسلت 
كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل وإن أكل منه فلا تأكل لأنه أمسك على نفسه» 
وإليه الإشارة بقوله تعالى : كوأ جا أمَسَكىَ عكر [المائدة: ]٤‏ فإذا أكل منه شيا لم 


الغرّة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام آبي حنيفة ۹ 
حجة الشافعي رحمه الله 

قوله کا لأبي ثعلبة الخشني : «إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله عليه فكل» 
فقال: يا رسول الله أو يحل ولو أكل منه؟ فقال ية: «يحل؟ هذا نص صريح في 
المسألة. 

الجواب عنه: هذا الحديث ليس المشهور فلا يعارض الكتاب» والحديث الذي 


رویناء". 


مسألة: أكل لحم الخيل مكروه عند أبي حنيفة رضي الله عنه» واختلف المشايخ 
في أنه كراهية تحريم أو تنزيه. وعند الشافعي رحمه الله: غير مكروه» وهو قول أبي 
يوسف ومحمد رحمهما الله . 


حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 

قوله تعالی: لل َل وليو ربا رد4 [النحل: ۸] ثم قسم 
الامتنان في قسمين في نوعين» أحدهما: الأنعام» وبيّن وجه المتة فيها بثلاثة أنواع : 
اللبن والأكل والحمل» وثانيهما: الخيل والبغال والحمير» وبين وجه المنة فيها في 
الركوب والزينة فمن جعل القسمين واحداً فقد أخل بالتركيب الفصيح وهذا لأن الأكل 
من أعلى المنافع والحكيم لا يترك الامتنان بأعلى النعم» ويمتن بأدناهاء ولأنه آلة 
إرهاب الكفار ونصرة الإسلام فيكره أكله احتراماً له» ولهذا يصرف له بسهم في 
الغنيمة أو سهمين› ولأن في إباحة أكله تقليل آلة الجهاد فلا يباح . 
حجة الشافعي رحمه الله من وجوه: 

الأول: قوله تعالی: اف لہ د ن تا یی إل رما عل طَاعر بطع إلد أن 
یکرت ميَتَة أو دما سفوا أو لحم خازر لم رجش أو ًا هل لتر أله ب 
الأنعّام: ]٠٤١‏ ولحم الخيل ليس من الأربعة فيحل. 

جوابه ما مر» وهو أنه في وقت نزول هذه الآية لم تكن المحرمات غير 

الثاني: أن لحم الفرس من الطيبات فيحل بقوله تعالى: و کہ ا 
[المائدة: .]٤‏ 


(1) وأخرجه الجماعة بخلاف حديث أبي ثعلبة (ز). 


f.‏ الغرّة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام آبي حنيفة 

الجواب عته: أن المراد بالطيبات ما يكون حلالاً لا كل ما تستطيب النفس فلا 
يمكن الاستدلال به على أكل لحم الخيل» ولو سلم ذلك فهو عام» وقد خص عنه 
بعض ما تستطيبه النفس كالخمر» فيجوز تخصيص الشارع فيه بما ذكرنا من الدلائل. 

الثالث: أن الخيل بعد الذبح من الطيبات فيحل لقوله تعالى: إل تا دكم 
[المائدة: ۳]. 

الجواب عته: ما مر. 

الرابع : أنه روت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أن فرساً ذبح على عهد 
رسول الله ياء فأكل منه النبي با. 

الجواب عنه: أن هذا خبر واحد مخالف لما ذكرنا من الآية. 

الخامس: ما روى جابر رضي الله عنه أن النبي بلة: «نهى يوم خيبر عن لحم 
الحمر وأذن في لحوم الخيل». 

الجواب عنه: أن هذا الحديث معارض ما روى خالد بن الوليد رضي الله عئه 
أن رسول الله َة «نهى عن لحم الخيل والبغال» فإذا تعارضا فالترجيح للمحرم. 

ماله من نحر ناقة أو ذبح بقرة فوجد في بطنها جنيناً ميتاً لم يؤكل عند 
أبي حنيفة رضي الله عنه. وعند الشافعي رحمه الله : يؤکل» وهو قول محمد وأبي 
پوشف :رهما اشد 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 

قوله تعالى: حرمت عَليكم اينه ّم [المّائدة: ]١‏ والجنين ميتة» فلا يحل 
أكله» وقوله: أَألمنَكَِمَةً [المّائدة: ۳] وهو الحيوان الذي يموت بانقطاع النفس» 
والجنين كذلك» وقوله تعالی : ولا ڪا يا لر بر اسم قر ع4 [الأنعام: ]٠١١‏ 
والجنين لم يذكر اسم الله عليه» وقوله تعالى: إلا ما َم [المّائدة: ۳] والجنين 
بتك 
حجة الشافعي رحمه الله : 

ما روي أن جماعة من الصحابة قالوا: يا رسول الله» إنا ننحر الناقة ونذبح 
البقرة والشاة فنجد في بطنها الجنين أفنلقيه أم نأكله؟ فقال: «كلوه إن شئتم فإن ذكاته 
ذكاة أمه). 

الجواب عنه: أن هذا خبر واحد ورد على مخالفة ما ذكرنا من الآيات والتمسك 
بالقرآن أولى . 


الغرّة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة T1‏ 

مسالة: الأضحية واجبة على الأغنياء المقيمين عند أبي حنيفة رضي الله عنه. 
وقال الشافعي رحمه الله : ليس هي واجبة بل هي ستة مؤكدة. 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 

قوله تعالى : لقصل لبك أنَر ©4 [الكوئر: ۲] قيل: المراد بالصلاة العيد 
وبالنحر الأضحية فقد أمر بهما وهو للوجوب» وقوله بل : «ضخوا فإنها سنة أبيكم» 
أمر ومقتضاه الوجوب» وتسميته سنة في شريعة إبراهيم عليه السلام» أما في شريعتنا 
فواجبة لقوله ية: «على أهل كل بيت كل عام أضحية» وكلمة على الإيجاب» 
وقوله بلة: من وجد سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا» ومشل هذا الوعيد لا يكون 
إلا بترك الواجب. 
حجة الشافعي رحمه الله: 

قوله ة: «ثلاث كتبن علي ولم تكتب عليكم : الضحى والأضحى والوتر» فدل 
على عدم الوجوب. 

الجواب عنه: أن التمسك بالكتاب والسنن المستفيضة أولى» على أن المراد 
بقوله لم تكتب عليكم نفي الفريضة» أي لم تفرض عليكم» ولا يلزم من نفي الفريضة 
نفي الوجوب للفرق يينهماء 

كتاب الأيمان 

مسالة: اليمين» وهي الحلف على أمر ماض يتعمد الكذب فيه لا يوجب 
الكفارة عند أبي حنيفة وأصحابه» وهو قول ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم 
ويأثم فيه صاحبها. وعند الشافعي: يوجب. 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 

ما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي بء قال: «خمس من الكبائر لا كفارة 
فيهن: الشرك بالله وعقوق الوالدين والفرار من الزحف وقتل النفس بغير حق واليمين 
الفاجرة يقتطع بها مال امرىء مسلم؟. وفي رواية «اليمين الخموس تدع الديار بلاقع؛ 
أي خراباً خاليات عن الأهل بشؤم اليمين الكاذبة. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: 
كنا نعد اليمين الغموس من الكبائر التي لا كفارة فيهن» وقوله كنا: إشارة إلى الصحابة 
وهو حكاية الإجماع . 


EY‏ الغرة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام آبي حنيفة 


حجة الشافعي رحمه الله من وجهين: 

أحدهما: قوله تعالی: لا بواخڈگ ا باغو ف نیکم وکن بزنذڪم يا 
4 اليك [المَائدة: ۸۹] الآيةء دل النص على أن من حلف بالل كاذباً يجب عليه 
الكفارة فإذا حلف بالل على أمر ماض كاذباً عمداً يجب فيه 2 

الجواب عنه: أن المراد بقوله تعالی: وکن بيذ پا عَم اأ 
[المّائدة: ۸4] اليمين المنعقدة» واليمين الخموس ليس بمنعقدة» وهذا لأن اليمين تعقد 
للبر» وهو لا يتصور في الخموس» والنص إنما أوجب الكفارة في المنعقدة دون 
اون 

الثاني : أن اليمين الكاذبة في المستقبل موجبة للكفارة في المستقبل اتفاقاً» فكذا 
في الماضي لجامع أنه وجد في الصورتين هتك حرمة اسم الله تعالى بالاستشهاد به 
کاذباً. 

الجواب عنه: أن اليمين المنعقدة مشروعة فتصلح سبباً للكفارة» واليمين 
الخموس حرام محض فلا تصلح موجباً للكفارة ولا يجوز قياس الحرام على 
المشروع . 

مسألة: لا يجوز تقديم الكفارة على الحنث عند أبي حنيفة رضي الله عنه. وعند 
الشافعي رحمه الله : یجوز. 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 

قوله : «من حلف على يمين ورأى غيرها خيراً منها فليأتِ الذي هو خير ثم 
يكفر عن يمينه» ذكر الكفارة بكلمة ثم وهى للتراخي» فلا يجوز التقديم» ولأن سبب 
وجوب الكفارة الحنث دون اليمين فلا يجوز أداء الكقارة قبله كما لا يجوز أداء 
الصلاة قبل الوقت. 
حجة الشافعي رحمه الله : 

قوله ي : «من حلف على یمین فرأی غيرها خيراً منها فليكفر عن يمينه ويأتِ 
الذي هو خير» فإذا صخت الروايتان خيرنا فجوزنا التقديم والتأخير. 

الجواب عنه: أن الواو لمطلق الجمع دون الترتيب» وكلمة ثم نص على الترتيب 
فيكون أولى وحمل الواو عليه على أنا لو لم نحمله على التقديم يلزم إلغاء الأمر فإن 
التقديم ليس بواجب إجماعاً وحقيقته في الأمر للوجوب. 


الغرة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة YT‏ 


مسألة: من نذر أن يذبح ولده صح نذره ووجب عليه ذبح شاة ويخرج عن 
العهدة بذلك عند أبي حنيفة رضي الله عنه» وهو قول محمد رحمه الله» وقول صدور 
الصحابة مثل: علي وابن عباس وابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهم. وقول 
الشافعي رحمه الله : لا يصح» وهو قول آبي یوسف رحمه الله . 


حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 


النصوص الموجبة للوفاء بالنذور كقوله تعالى: إن ذر4 [الإنسان: الآية 
(۷)] ليوف نوُم [الحَج: ۲۹] وقوله 4 «أوفي بنذرك» وقد ينذر بالذبح 
هاهنا» فيجب عليه الوفاء بقدر الإمكان بذبح الشاة بدلا عن ذبح الولد استدلالا بقصة 
الخليل عليه السلام فإنه خرج عن العهدة الشاة عما أمره بذبح الولد بدليل قوله 
تعالى حكاية عن إسماعيل عليه السلام: يأبٍ أفمل ما زم [الصافات: ]٠٠١‏ حيث 
أخبره بقوله: إن أرى في امتا أن أذْصَكَ4 [الصافات: ]٠٠١‏ وخرج بذبح الشاة عن 
العهدة» بدليل قوله: «تذ صَدَفتَ اتا [الصافات: ]٠٠١‏ وهذا لأن في الآية تقديماً 
وتأخيرا» فإن أئمة التفسير أجمعوا على أن تقدير الآية وال أعلم تًا آنلا َم 
َب @ تة أن ية © قَذ سكف اا4 [الصافات: ]٠٠١ . ٠١١‏ أي 
بذبح الفداء» فعلم أنه صار بتحقيق الفعل في الشاة آتياً بما التزمه من ذبح الولد» 
وإنما يكون كذلك أن لو كان النذر بذبح الولد التزاماً لذبح الشاة. قال أبو بكر 
الرازي: قد تضمن الأمر بذبح الولد إيجاب شاة في العاقبة» فلما صار موجب هذا 
اللفظ إيجاب شاة في العاقبة وشريعة إبراهيم عليه السلام وقد أمر الله تعالى باتباعه 


بقوله تعالى: ثم را ك أن ايع َة هيد حَِيمًا) [النحل: ]٠۲۳١‏ دل على أن 


2 


من نذر بذبح ولده ففداؤه ذفبح شاة وروي أن امرأة نذرت بذبح ولدها في زمن 
مروان بن الحكم فجمع فقهاء الصحابة رضي الله عنهم وسألهم وفيهم ابن عمر» 
فقال: إن الله تعالى أمر بالوفاء بالعهدء فقالت: أتأمرني بقتل ولدي وإن الله حرم قتل 
النفس» وسئل ابن عباس رضي الله عنهما عن هذه المسألة فأفتى بذبح مائة بدنة» ثم 
أتيا إلى مسروق كان جالساً في المسجد وقال للسائل : سل ذلك الشيخ فسأله» فقال: 
أرى عليك ذبح شاة» فعاد إلى ابن عباس» فقال له: أرى عليك مثل ذلك»› وكأن 
غرض ابن عباس أن يعلم مذهب ابن مسعود من مسروق؛ وعن القاسم بن محمد 
قال: كنت عند ابن عباس فجاءته امرأة فقالت: إني نذرت أن أنحر ولدي» فقال: لا 
تنحري ولدك وكمُري عن يمينك» فقال رجل عند ابن عباس: لا وفاء لنذر فيه معصية 


ré‏ الغرة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة 
الله» فقال ابن عباس: قال الله تعالى في الظهار ما سمعت وأوجب فيه ما ذكره» 
فهؤلاء الصحابة مع اختلافهم في موجب النذر» كان اتفاقهم على صحة النذر» فمن 
نكر ذلك فقد خالف الإجماع. 
حجة الشافعى رحمه الله : 

أن النذر بذبح الولد معصيةء والنذر بالمعصية باطل» لقوله كل: «لا نذر في 
معصية الله تعالى». 

الجواب عنه: إنا قد بيَنّا أنه صار عبارة عن إيجاب الشاة بذكر ذبح الولد وذبح 
الشاة قربة فيصح النذر به» وبه خرج الجواب عما حكى الإمام فخر الدين الرازي 
حيث قال: أجاب السلطان الأعظم بهاء الدين عن كلام الحنفية وهو في غاية الحسنء 
وهو أن ذبح الولد في حق الخليل عليه السلام كان بأمر الله» وفي مسألتنا ذبح الولد 
على خلاف أمر الله وهو حرام فلا تقاس هذه الصورة؛ قلنا: ذبح الولد صار عبارة 
عن ذبح الشاة فلا يكون حراماًء فيجوز القياس عليه . 

کتاب أدب القاضي 

مسألة: لا يجوز القضاء بالبينة على الغائب عند أبي حنيفة رضي الله عنه. وعند 
الشافعي رحمه الله : یجوز. 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 

قوله ية لعلي رضي الله عنه: «يا علي لا تقض لأحد الخصمين ما لم تسمع 
كلام الآخرا. 
حجة الشافعي رحمه الله : 

أن الحق قد ظهر عند القاضي بشهادة الرجلين» فيجب القضاء لقوله عليه الصلاة 
والسلام: «نحن نحكم بالظاهر وال يتولى السرائ" وأيضاً قال ب لمعاذ حين 
أرسله إلى اليمن: «اقض بالظاهر؟. 


(1) لا يشبت مرفوعاً وإن صح معنا والدليل على صحة المعنى قول النبي عليه الصلاة والسلام 
للعباس يوم بدر: «لكن كان ظاهرك علينا؛ كما في البخاري. (ز). 


الغْرَة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام آبي حنيفة fo‏ 

الجواب عنه: أن الح لا يظهر إلا إذا سلم الشهود من المعارض فلو كان 
الخصم حاضراً ربما يخرجهم أو يأتي بشهود على خلاف ما ادعاه عليه فلا بد من 
حوره 

مسألة: قضاء القاضي في العقود والفسوخ ينفذ ظاهراً وباطناً عند أبي حنيفة 
رضي اله عنه. وقال الشافعي رحمه الله: ينفذ ظاهراً لا باطناًء وهو قول أبي يوسف 
ومحمد رحمهما الله. وصورته: لو ادعى رجل على امرأة نكاحاً وأقام على ذلك 
شاهدّي زور ولم يعرف القاضي بذلك فحكم بالنكاح على ظن صدق الشاهدين نفذ 
قضاؤه ظاهراً وباطناً ويحل له وطؤها عند أبي حنيفة رضي الله عنه» وكذا في الطلاق. 
وعند الشافعي رحمه الله : لا يحل له وطؤها ولا يقع الطلاق. 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 

ما روي أن رجلاً اذعى بين يدي علي رضي الله عنه بالنكاح» فقالت المرأة: يا 
أمير المؤمنين» ليس بيننا نكاح وإن كان لا بد فزوؤجني منه» فقال علي رضي الله عنه: 
شاهداك زوجاك ولم يجبها إلى إنشاء النكاح وكان بمحضر من الصحابة من غير نكير 
فحلّ محل الإجماع» ولأنه إذا لم ينفذ القضاء باطناً تكون امرأة لواحد في الباطن وفي 
الظاهر لآخر وهو باطل. 


حجة الشافعي رحمه الله من وجهين: 

الأول: قوله ي : «إنكم لتختصمون لدي ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض 
فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فكأنما قضيت له بقطعة من نار» فلو نفذ القضاء 
باطناً لما قال ذلك. 

الجواب عنه: أن هذا الحديث ورد في الأموال المرسلة بدليلهاء روي أن 
رجلين اختصما إلى رسول الله يي في مواريث درست فقضى لأحدهما فقال الآخر: 
حقي يا رسول الله. وذكر الحديث؛ ونحن نقول بموجبه في الأموال المرسلة إذ 
الخلاف في الفسوخ والعقود دون الأموال المرسلة. 

الثاني : أن القول بنفوذ القضاء باطناً يفضي إلى بطلان العصمة في الأموال 
والضياع والعقار والنساء والعبيد فلا يكون هذا الحكم لائقاً لأحكام الشريعة. 

الجواب عنه: أن هذا لازم عليكم أيضاً لأنكم قائلون بنفوذ القضاء ظاهراً وهو 
يفضي إلى أمر شنيع مما ذكرنا وهو كون المرأة الواحدة بين رجلين» ومذهبنا في غير 
العقود والفسوخ كمذهبكم فكل ما يرد علينا يرد عليكم والجواب كالجواب. 


ê‏ الغرة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام آبي حنيفة 

مسألة : إذا عرض اليمين على المنكر فنكل جاز للقاضي أن يحكم عليه بالنكول 
عند أبي حنيفة رضي الله عنه» وهو قول عمر وعلي وعثمان وابن عمر وابن عباس 
وأبي موسى الأشعري رضي الله عنهم. وقال الشافعي رحمه الله : لا يجوز الحكم 
بالنكولء 


حجة أبي حنيفة رضي الله عنه: 
ما روي أن امرأة جاءت إلى عمر رضي الله عنه فاذعت على زوجها أنه قال لها 
حبلك على غاربك» فحلفه عمر بالله ما أردت الطلاق فنكل فقضى عليه بالفرقة» وعن 
ابن عمر رضي الله عنهما أنه اشترى من إنسان شيئاً فاآعى على البائع عيباً فاختصما 
إلى عثمان رضي الله عنه فحلفه عثمان بالله ما بعته وبه عیب فکتمه فنکل فقضی عليه 
بالرد» وكذا نقل عن علي وابن عباس وشريح رضي الله عنهم. 
حجة الشافعي رحمه الله : 
أن النكول لا يدل على صدق المدعي لاحتمال أن يكون المدعى عليه متوققاً لا 
يعرف أن دعواه صحيحة أو كاذبة» فيجب عليه التوقف فلا يدل على صدق دعواه. 
الجواب عنه: قد ترجح جانب كونه ناكلاً أو مقراً بالامتناع عن اليمين الواجب 
عليه بعد العرض. 
مسألة: إذا تنازع الخارج وذو اليد في الملك المطلق وأقاما البينةء فبينة 
الخارج أولى عند أبي حنيفة رضي الله ع 


ا 


. وعند الشافعي رحمه الله : بينة ذي اليد 


حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 

الخارج أكثر إثباتاً وإظهارأًء لأنه قد ورد ما تثبته بيّنة ذي اليد إذ اليد دليل مطلق 
الملك» فكان الملك ظاهراً لذي اليد من وجه وظهوره من وجه يمنع كون بيّنة ذي اليد 
مظهرة له من ذلك الوجه لاستحالة إظهار الظاهرةء وبينة الخارج مظهرة من كل وجه» 
فكانت أكثر إظهاراً فكان القضاء بها واجباً لقوله يية: «اقض بالظاهر». 


(1) وهو الذي الم ينين فيه سبب الملك (): 


(۲) ومعه أحمد (ز). 


الغرة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام آبي حنيفة FY‏ 
حجة الشافعي رحمه الله : 

أن بيَّنة ذي اليد سارت بيّنة الخارج في الإثبات فترجح بيّنة ذي اليد باليد التي 
هي دليل الملك بالضرورة. 

الجواب عنه: أنه لا نسلم المساواة بين البينتين في الإثبات بل بينة الخارج اکر 
إثباتاً لما ذكرنا فترجح على بينة ذي اليد . 

مسألة: إذا أقام المدعي شاهداً واحداً ولم يجد شاهداً آخر فإن القاضي لا 
يحلف المدعي على ما ادعاه ولا يقضي بحلفه عند أبي حنيفة رضي الله عنه. وقال 
الشافعي رحمه الله : يحلفه فإذا حلف يقضي له بما ادعاه. 


حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 

قوله تعالی: #تقیدوا کہيکټن ين رڪم ن لم یک رجن ل 
واكان [البَمَرة: ۲۸۲] وقوله ية: «البينة على من ادعى واليمين على من أنكره 
قسم والقسمة تنافي الشركة» وجعل جنس الأيمان على المنكرين وليس وراء الجنس 


شيیء. 


حجة. الشافعي رحمه الله : 

أن النبي ياء قضى بشاهد ويمين وهذا صريح في المسألة. 

الجواب عنه: أن هذا الحديث منقطع ذكره الترمذي والطحاوي وهما أخذا على 
مسلم في تصحيحه وإن سلم صحته فهو خبر الواحد ورد على مخالفة الكتاب والسنة 
المشهورة» فيكون العمل بالكتاب والسنة المشهورة أولى. 

كتاب الشهادات 

مسألة: المحدود في القذف لا تقبل شهادته وإن تاب عند أبي حنيفة 

رضي الله عنه. وقال الشافعي رحمه الله : تقبل شهادته إذا تاب . < 


(۱) ومبنى شهادة شهود ذي اليد في الملك المطلق كون المدعي في يده وتعويلهم عليها فلا يكون 
مأخوذاً به عند القاضي مع قيام حجة الخارج ضد ادعاء ذي اليد (ز). 


£۴۸ الغرّة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام آبي حنيفة 


حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 

قوله تعالى : ول بقل كم دة أي [الثور: ]٤‏ وبعد التوبة داخل في الأبدء 
والاستفناء بقوله تعالى: إلا أي تابا [البَمَرة: ]٠٠١‏ يصرف إلى ما يليه وهو قوله 
تعالى: الك هم اليفود4 [الحشر: ۱۹] أو هو منقطع بمعنى لكن كما عرف في 
موضعه. 
حجة الشافعي رحمه الله من وجهين: 

الأول: قوله تعالى: #وأشمدوأ وق ذل ين4 [الطلاق: ۲] والمحدود في 
القذف بعد التوبة عدل فيكون مقبول الشهادة. 

الجواب عنه: أن المراد بهذه الآية غير المحدود في القذف جميعاً بين الدليلين. 

الغاني: أن الكفر أقبح من القذف» والكافر إذا تاب وأسلم تقبل شهادته 
والمحدود إذا تاب أولى بقبول شهادته. 

الجواب عنه: أن المانع من رد شهادة الكافر الكفر وقد زال بالإسلام وأما 
المحدود فقد ردت شهادته على التأبید جزاء على جریمته فلا تقبل شهادته وإن تاب. 

مسألة: شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض مقبولة عند أبي حنيفة رضي الله عنه. 
وعند الشافعي رحمه الله : غير مقبولة. 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 

ما صخ أن النبي بيا رجم يهودياً بشهادة اليهود» وما روي أن النبي بي قال: 
«فإذا قبلوا عقد الذمة فلهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين» وللمسلمين أن 
يشهد بعضهم على بعض» فكذا أهل الذمة. 
حجة الشافعي رحمه الله من وجهين: 

أحدهما: الكافر خائن والخائن لا تقبل شهادته لقوله يي : «لا شهادة للخائن». 

الجواب عنه: أنه خائن في حق أهل الإسلام فلا تقبل شهادته عليهم لا في حق 
من يوافقه في الاعتقاد . 

ثانيها: آن الكافر فاسق» والفاسق لا تقبل شهادته لقوله تعالى: يا أل 


اما إن جاک اسو بل يا4 [الحُجرّات: .]٦‏ 
1 ا الخجرا 


الغرة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام آبي حنيفة ۳۹ 

الجواب عنه: أنه فاسق بالنسبة إلى أهل الإسلام» أما بالنسبة إلى أهل ملته إن 
کان يجتنب محظور دينه يكون عدلاً إذ الكذب محظور في الأديان كلها. 

مسألة: لا تقبل شهادة أحد الزوجين للآخر عند أبي حنيفة رضي الله عنه. وقال 
الشافعي رحمه الله : تقبل . 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 

قوله اة «لا شهادة لمتهم» وأحد الزوجين متهم في شهادته للآخر» وقوله لا : 
«لا تقبل شهادة الوالد لولده ولا الزوج لزوجته). 
حجة الشافعي رحمه الله: 

ما روي أن فاطمة رضي الله عنها اذعت فدكاً بين يدي أبي بكر رضي الله عنه 
واستشهدت علياً رضي لله عنه وأم أيمن ر ب ا ون برع 
أحد. 

الجواب عنه: أن أبا بكر رضي الله عنه لم يحكم بتلك الشهادة ورد دعوى إرثها 
عن النبي ب وقال: سمعت النبي بلا يقول: «نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه 
صدقة» وكان علي رضي الله عنه يعلم أن شهادة الزوج لا تقبل لكنه احترز عن 
إيحاشها بالامتناع» والدليل عليه أن علياً رضي الله عنه لما ولي الخلافة لم يتعرض 
لأخذ أرض فدك بل أجرى الحكم فيها على ما كان في زمن الخلفاء قبله. 

مسألة: تقبل في الولادة والبكارة والعيوب بالنساء في موضع لا يطلع عليه 
الرجال شهادة امرأة واحدة عند أبي حنيفة رضي الله عنه. وقال الشافعي رحمه الله : 
لا بد من شهادة الأربع منهن . 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 

قوله يية: «شهادة النساء جائزة فيما لا يستطيع الرجال النظر إليه» والجمع 
المحلى باللام يراد به الجنس فيتناول الأقلء وهو الواحد عند تعذر الكل. 
حجة الشافعي رحمه الله : 

أن قول الواحدة محل التهمة فلا تقبل . 

الجواب عنه: الموجود في هذه الصورة ليس بشهادة» ولهذا لا يشترط لفظ 
الشهادة» وخبر الواحد في الديانات مقبول. 


H0‏ الغرة المنبفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة 
كتاب العتاق 

مسألة : إذا ملك الإنسان أخاه بالشراء أو الهبة وغيرهما عتق عليه عند أبي حنيفة 
رضي الله عنه» وكذا كل ذي رحم محرم وإن لم يكن من الولادة. وعند الشافعي 
رحمه الله: لا يعتق عليه. 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه: 

قوله تعالى: طعا ام4 [محنّد: ۲۲] وفي الاسترقاق قطع الرحم» 
وقوله يية: «من ملك ذا رحم محرم منه عتق علیه» وروی ابن عباس رضي الله عنهما 
آقارة قال: يا رسول الله» وجدت أخي يباع في السوق فاشتريته لأعتقه قال يل: 
«قد أعتقه الله عليك» وقد روي هذا عن عمر وابن مسعود وعطاء بن ابي رباح» وهو 
قول الحسن وجابر والشعبي والزهري رضي الله عنهم . 
حجة الشافعي رحمه الله : 

قوله تعالی: لھا ما گسبت وعَلا ما بت4 [البَقَرَة: ۲۸۲] وإذا اشترى أخاه 
فهو من کسبه فیکون ملکاً له. 

الجواب عنه: أن المراد بالآية الكريمة أن للنفس ثواب ما كسبت من الأعمال 
الصالحة وعليها إثم ما اكتسبت من الأعمال السيئة» ولو كان عاماً في المعنى الذي 
ذکره فهو قد خص عنه البعض» فإنه لو اشترى أباه أو أمه أو ابنه أو بنته يعتق عليه 
بالإجماع» ولا يصير ملكا له فيخص الأخ بالحديث الذي روينا. 

مسألة: إذا قال الإنسان لغلام لا يولد مثله لمثله هذا ابني عتق عليه عند 
أبي حنيفة رضي الله عنه. وقال الشافعي رحمه الله: لا يعتق عليه» وهو قول 
صاحبیه . 


حجة أبي حنيفة رضي الله عنه: 

أنه لما تعذر العمل بالحقيقة وله مجاز متعين وجب العمل به إذ الأعمال أولى 
من الإلغاء» فصار كأنه قال هذا أخي من حين ملكته إذ البنوة ملتزم للحرية . 
حجة الشافعي رحمه الله : 

أنه كان العبد ملكاً له» والأصل في كل ثابت بقاؤه على ما كان» وهذا الكلام 
يحتمل أن يكون المراد منه على طريق الشفقة أو الإعتاق فيكون في الإعتاق شك وهو 
لا يعارض اليقين . 


الغرّة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة Hî‏ 
الجواب عنه: أن قوله هذا ابني إخبار فيقتضي صدق الحرية حقيقة أو مجازاً 
رتعددت الحتيقة وتن المجازة رلا يحل إراة اة بست الإخبارة ولهذا لر 
قال بصيغة النداء بأن قال يا ابني» قلنا يحتمل الإكرام والشفقة ولا يعتق. 
مسألة: إذا أعتق إحدى أمتيه» ثم وطىء إحداهما لا تتعين الأخرى للعتق عند 
أبي حنيفة رضي الله عنه. وعند الشافعي رحمه الله : تتعين» وهو قول صاحبيه . 


حجة أبي حنيفة رضي الله عنه: 
أن الملك قائم بالموطوءة» لأن إيقاع العتق في المنكرة والموطوءة معينة 
والمنكرة غيرها فكان له وطؤها فلا يجعل بياناً. 
حجة الشافعي رحمه الله : 
أن الواحدة صارت حرة بإعتاقه والتي وطئها ليست بحرة إجماعاً فتعينت الأخرى 
الجواب عنه: أن العتق لم ينزل في الواحدة قبل البيان فبقي الاحتمال في الكل . 
مسألة: بيع المدبر المطلق لا يجوز عند أبي حنيفة رضي الله عنه. وعند 
الشافعي رحمه الله: يجوز. 


حجة أبي حنيفة رضي الله عنه : 
قوله بهة: «المدبر لا يباع ولا يوهب ولا يورث وهو حر من الثلث». 
حجة الشافعي رحمه الله : 


أن المدبر مملوك فيجوز بيعه؛ أما بيان أنه مملوك فإن المدبرة يجوز وطؤهاء 
وحل الوطء لا يكون إلا چ النكاح أو بملك اليمين؛ ا منتفِ فيتعین ملك 
اليمين» فإذا كان الملك باقباً جاز بيعه لقوله تعالى: «وأعلّ اه ألمَعَ َم ربدا 
[البقَرّة: .]۲۷١‏ 

الجواب عنه: سلّمنا أنه مملوك لكنه انعقد سبب حريته في الحال لأن الحرية 
تشبت بعد الموت لبطلان أهليته فتعين جعله سبباً في الحال فصار كأم الولد فإنها وإن 
كانت مملوكة جاز وطؤها ولكن لا يجوز بيعها لما ذكرنا. 


i‏ الغرة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة 

مسألة: إذا قال إنسان لأمته أول ولد تلدينه فهو حر فولدت ولداً ميتاًء ثم آخر 
حياً عتق الحي عند أبي حنيفة رضي الله عنه. وعند الشافعي رحمه الله: لا يعتق» 
وهو قول صاحبیه . 
حجة أبي حنيفة رضي الله عنه: 

أنه جعل عتتق المولود أولاً حراً والحرية لا تصلح إلا في الحي فيتقيد به وكأنه 
قال أول ولد حي تلدينه فهو حر. 
حجة الشافعي رحمه الله : 

أن الحي مولد ثان والجزاء عتتق أول ولد» والشرط ولادة أول ولدء فلا يكون 
الثاني شرطاً عينه ولا عتق الثاني جزاء عينه. 

الجواب عئه: أن المطلق يجوز تقييده بدلالة من جهة المتكلم» ومن جهة سياق 
الكلام وقد وجدت» فإن الحرية لا تتصور إلا في الحي فيتقيد به والله أعلم. 


خاتمة 


وقد انتهت ترجمة الكتاب» ولنختم بذكر بيان القضاة والعدول والأحياء 
والأموات مفتقرون إلى تقليد الإمام الأعظم» والمجتهد المقذّم» أبي حنيفة رضي الله عنه 
في عامة أحوالهم. 

أما القاضي فإنه ينعزل عند الشافعي رحمه الله بمجرد الفسق» فيلزمه على مذهبه 
عصمة القاضي عن المعاصي ما دام قاضياً وإلا ينعزل» ولم يوجد قط قاض على هذا 
باقياً على القضاء في مذهبه» فإذا انعزل لم تنفذ أحكامه وتصرفاته فيجب عليه إظهار 
فسقه وتجديد توليته وإلا يلزم من المفسدة ما لا يخفى» أو تقليد الإمام أبي حنيفة فإنه 
عنده لا ینعزل بالفسق. 

وأما العدول فلأن أبا حنيفة رضي الله عنه يثبت العدالة بظاهر الإسلام» وأما 
الشافعي رحمه الله فقد شرط اجتناب الكبائر ظاهراً وباطناً والتزكية كذلك وأي عدل أو 
قاض لم يلم بمعصية؟ ولأن الشركة التي تتعاطاها العدول فاسدة على غير مذهب 
أبي حنيفة» فالتناول منها قادح في العدالةء فكيف تنعقد عقود المسلمين بشهادتهم 
عندهم؟ والعدالة شرط في انعقاد النكاح عندهم فيحتاجون إلى تقليد أبي حنيفة 
رضي الله عنه. 

وأما بيان احتياج الأموات» فإنهم يحتاجون إلى مدد الأحياء بإهداء ثواب القراءة 
إليهم» وذلك لا يصل إليهم عند غير أبي حنيفة رضي الله عنه فلا يحصل لهم 
الخلاص من العقوبات والوصول إلى الدرجات إلا بتقليد الإمام أبي حنيفة 
رضي الله عنه. 
وأما بيان احتياج كافة الناس فمن وجوه: 

الأول: أن تارك صلاة واحدة عندهم يقتلء إما حداً وإما كفرأً» فيجب حينئذ 
قتل أكثر العالم إذ المواظبون على الصلوات أقل من التاركين في كل وقت خصوصاً 
النساء فإن أكثرهن لم تصل في العمر إلا نادرأ فسكوت القضاة عن العامة والأزواج 
عن نسائهم فيه ما فيه» وفي القول الذي يكفر تارك الصلاة يشكل بقاء الأنكحة مع 

r 


GG‏ خاتمة كتاب الغرة المنيفة 
تاركات الصلاة فإقامتهن معهم فيه من العسر ما لا يقاس عليه» فيجب عليهم تقليد 
أبي حنيفة رضي الله عنه. 

الثاني : أن البياعات والمعاملات التي تباشرها العبيد والصغار من الغلمان وعامة 
الأحوال مشكلة عندهم» فيجب عليهم أن لا يرسلوا في حوائجهم إلا العقلاء 
البالغين» وأيضاً لم يتعارف الناس البيع بالإيجاب والقبول بل يباشرون البياعات 
بالتعاطي وذلك غير جائز عندهم . 

الثالث: أن مذهيهم من ترك تشديدة من الفاتحة لا تجوز صلاته» وذلك يعسر 
على أكثر العوام فلا تجوز صلاة القراء خلفهم ولا يجوز“ للعامة إلا بتقليد أبي حنيفة 
رضي الله عنه في جواز الصلاة بما تيسر من القرآن . 

الرابع: أنه يشترط عندهم قران النية باللسان والقلب» ولم يمكن ذلك لمثل 
الجنيد" وأبي يزيد" في العمر إلا نادراً. 

الخامس: أن شرط الخروج عن عهدة الزكاة أن تفرق إلى ثلاثة من كل صنف 
من الأصناف الثمانية المذكورة في قوله تعالى: ئا أَلَدَكَتٌ لْمُمَرد [التربة: ]٠١‏ 
الآية» ولم يتفق ذلك لأحد في العمر. 

السادس: أن النفقة عندهم على الموسر مدان» وعلى المعسر مد» ولم يتفق 
ذلك على مذهبهم لأحد منهم . 

السابع: أن الحمامات التي تسخن بالنجاسات» والأقراص التي تخبز بالزبل» 
والفخارات التي تعجن بالأرواث كلها مشكلة على مذهبهم. 

الثامن: أن بيع الروث والجلّة لا يجوز عندهم مع أنهم يباشرونه. 

القاسع : أن الملبوسات التي يتناولها الجمهور من السنجاب والسمور والقاقم 
وسائر أصنافها غير طاهرة عندهم» لأن شعر الميتة نجسة عندهم. 


(1) يجوز بالياء آخر الحروف المضمونة بدل المثناة من فوق. أحمد خيري. 

(۲) هو شيخ طائفة الصوفية أبو القاسم الجئيد المتوفى في بغداد سنة »۲٠۸‏ وقيل: سنة ۲۹۷ وقبره 
معروف في بغداد إلى وقتنا هذا رضي الله عنه. أحمد خيري. 

(۳) هو الزاهد المشهور طيفور بن عيسى ويعرف بأبي يزيد البسطامي نسبة إلى (بسطام) بفتح 
الموحدة وكسرهاء بلدة بين خراسان والعراق أصله منهاء ووفاته بها سنة ۲١١‏ وقيل سنة 
٤‏ اهھ. عن ترجمته من مؤلفي «إزالة الشبهات» ص٤۲۲‏ نسختي رقم ٥١‏ تصوف تحت 
الطبع الآن» أحمد خيري. 


خاتمة كتاب الغرَّة المنيفة ffe‏ 


العاشر: أن بيع الباقلاء والفول الأخضر والجوز واللوز في قشورها مشكل 
عندهم مع أنهم لا يحترزون عن أمثالهاء وهذه قطرة من بحار المسائل التي يحتاج 
الناس إلى تقليد الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه فيها تركناها مخافة التطويل» فالناس 
كلهم كما قال الشافعي عيال على أبي حنيفة في الفقه فيكون تقليده انع اليج 
عنهې اڭ أ 


قال المصنف رحمه الله تعالى : 
وقع الفراغ من تعليقها ضحوة الاثنين العاشر من شعبان سنة تسع وخمسين 
وسبعمائة ه. 
HF RF‏ 


وكان الفراغ من نسخها يوم الأحد الموافق ٠١‏ جمادى الأولى سنة ٠۳١١‏ من 
هجرة من له العز والشرف ياء على يد أفقر العباد إلى الله محمد نور بن عبد الله 
الأندونسي (عفا الله عنه آمين). 

نقلت هذه النسخة عن الأصل المحفوظ بمكتبة شيخ الإسلام عارف حكمت 
بالمدينة المنورة تحت رقم ٠٠١‏ (فقه حنفي) ووصلتني بالبريد المسجل يوم الخميس 
٤‏ جمادى الآخرة سنة ٠۳١١‏ ست وستين وثلثمائة وألف. 

تنبيه : الأصل المحفوظ في عارف حكمت تحت رقم )٠١١(‏ فقه حنفي يقع في 
)١(‏ ورقة وفي أول الورقة رقم ٠١۳‏ بيان سبعة عشر موضعاً لا يجوز الوقف عليها 
في القرآن الكريم؛ وبعد ذلك ورقة بيضاء في آخر الكتاب. 

والنسخة بخط يقرأ ومضبوطة بالشكل - واسم الكتاب (الغرة) بالمعجمة فراء - 
ولا يمكن أن يكون (العزة) بالمهملة فزاي - لأن النقطة فوق الغين وعليها ضمة› 
والراء عليها شدة وفتحة بدون نقطة» لأن النقطة فوق الغين تماماً كما مر. 

وبآخر الأصل أنه منقول من خط المصنف. . . أحمد خيري . 


(۱) انتهى الفقير إليه سبحانه محمد زاهد الكوثري من النظر في الكتاب بقدر ما تيسر في ٠١‏ من 
جمادى الآخرة سنة ١ه‏ غفر الله لي وللمصنف وللمصحح والمنفق على نسخه ونشره 
وساقر الخسلمين» وضلى الله على سيدتا محمد وآله وصحبه أجمعين. . والحمد ه رت 
العالمين. 


هو سراج الدين أبو حفص عمر بن إسحاق بن أحمد الهندي الغزنوي - ترجم له 
اللكنوي المتوفى سنة ٠١١٠١‏ - في الفوائد البهية ص۸٤٠‏ نسختي رقم ٠۷١‏ تاريخ» فقال: 
كان إماماً علامة نظاراًء فارساً في البحث مفرط الذكاء عديم النظيرء له التصانيف التي 
سارت بها الركبان منها: شرح الهداية المسمى بالتوشيح» والشامل في الفقه» وزبدة 
الأحكام في اختلاف الأئمة الأعلام» وشرح بديع الأصول» وشرح المغني» والعزة“ 
المنيفة في ترجيح مذهب أبي حنيفة » وشرح الزيادات» وشرح الجامعين ولم يكملهماء 
وشرح تائية ابن الفارض» وكتاب في الخلاف» وكتاب في التصوف. 

أخذ الفقه عن الإمام الزاهد وجيه الدين الدهلوي أحد الأئمة بدهلى إمام فاضل 
متبحر في العلوم» وعن شمس الدين الخطيب الدولي نسبته إلى دول ناحية بين الري 
وطبرستان» وعن سراج الدين الثقفي ملك العلماء بدهلى وركن الدين البداوني وهم 
من أعزة تلامذة أبي القاسم التنوخي تلميذ حميد الدين الضرير. 

ومات سنة ۷۹۳ ثلاث وتسعين وسبعمائة» قال الجامع - أي اللكنوي -: مر 
ضبط الغزنوي"“ في ترجمة أحمد بن محمد الغزنوي؛ قد أرّخ صاحب كشف الظنون 
المتوفى سنة ٠١١۷‏ وفاته عند ذكر: شرح البديع» وشرح التائية» وزبدة الأحكام 
والشامل» وشرح الجامع الكبير» وشرح الزيادات» وشرح الهداية وغيرهاء أنه توفي 
سنة ۷۷۳ ثلاث وسبعين وسبعمائة» وكذا أرّخه السيوطي المتوفى سنة ٩١١‏ حيث قال 
في حسن المحاضرة: السراج الهندي عمر بن إسحاق بن أحمد الغزنوي قاضي القضاة 
بالديار المصرية» تفقه على الوجيه الرازي» والسراج الثقفي» وصتَّف شرح الهداية» 


(۱) هكذا ورد (المعزة) بالميم والعين المهملة والزاي وذكره أستاذنا الكوثري في إحقاق الحق 
(العزة) بالعين المهملة والزاي وبدون ميم» أحمد خيري. 

(۲) وضبطها هو بفتح الغين المعجمة وسكون الزاي المعجمة ثم نون مفتوحة نسبة إلى (غزنة) من 
بلاد مملكة (الأفغان) الآن» أحمد خيري. 


EE 


ترجمة رمش 4V‏ 


والشامل في الفروع» وشرح البديع» وشرح المغني» وشرح التائية وغير ذلك. ومات 
سنة ۷۷۳ ثلاث وسبعين وسبعمائة . 

وذكر القاري في تصانيفه : شرح المنار» وشرح المختار ولوائح الأنوار» في الرد 
على من أنكر من العارفين لطائف الأسرار» وعدة الناسك في المناسك» وشرح عقيدة 
الطحاوي» واللوامع في شرح جمع الجوامع» وغير ذلك. وذكر أن مولده سنة ۷٠٤‏ 
أربع وصبعمالةء اه 

ويقول أحمد خيري: إن ابن حجر المتوفى سنة ۸٥١‏ ترجم له في الدرر الكامنة 
ترجمة رقم ۰۳۱۲ ص٤٥۱‏ - ۰۱٥۵‏ ج۳» من نسختي رقم ۲٠٤‏ تاريخ» فذكر أن 
مولده سنة ۷٠٤‏ أربع وسبعمائة : ووفاته سنة ۷۷٣‏ ثلاث وسبعين وسبعمائة في سابع 
شهر رجب ومدحه» ومع ذلك لم يسلم من بعض غمزه على عادته مع الأحناف. 

ومع ذلك يتضح أن وفاته سنة ۷۷۳ وأن ذكر التسعين سبق قلم» وقد أيّد ذلك 
مولانا الكوثري في مؤلفه إحقاق الحق ص٤‏ نسختي رقم ۲١‏ أصول فذكر أن وفاته 
كانت بمصر سنة ۷۷۳ ثلاث وسبعين وسبعمائة رحمه الله تعالى ورضي عنه. 


ترجمة صرغتمش 

هو صرغتمش الناصري» جلبه ابن الصواف التاجر سنة بضع وثلاثين» فاشتراه 
الناصر المتوفى سنة .۷٤١‏ 

ترجم له ابن حجر» في الدرر ج۲ ص٢۲۰‏ ۔ ۲۰۷. 

وترجم له الأستاذ حسن عبد الوهاب في مؤلفه تاريخ المساجد الأثرية ج٠‏ 
ص٠٠٠٠‏ نسختي رقم ٠١‏ تاريخ» فقال: سيف الدين صرغتمش الناصري من 
مماليك الناصر محمد بن قلاوون اشتراه سنة بضع وثلاثين وسبعمائة بثمن كبير وعينه 
جمدارا"» وفي دولة الملك المظفر حاجي بن محمد بن قلاوون المتوفى سنة ۷٤۸‏ 
بدأ نجمه يتلألأً وظلْ يترقى حق عين أميراً للطلبخاناه» وفي سنة ۷۲ رقى إلى رأس 
تو کب وأعطى سلطة كبيرة» ثم زاد نفوذه في دولة الصالح صالح المتوفي سنة 


(۱) جام دار مركب من كلمتين جام؛ أي مرآة» ودار: أي حامل فهو الذي يحمل المرآة أمام 
الملك» ويتولى خدمته حينما يلبس نقلاً عن هامش تاريخ المساجد الأثرية. 

(۲) رأس نوبة لقب لمن يتولى رياسة الملك. نقلاً عن المساجد الأثرية ج٠‏ ص١١٠‏ نسختي ٠٠١‏ 
تاريخ. أحمد خيري. 


6A‏ ترجمة قخر الدين الرازي وبهاء الدين حاكم غزنة 


وانفرد بتدبير شؤون الدولة بعد الأمير شيخو المتوفى سنة ۷0۸ ولما عاد 
السلطان حسن المتوفى سنة ۲ إلى ملك مصر ورأی تدخله وعظم نفوذه وتصرفه 
في شؤون الدولة قبض عليه في ٠١‏ رمضان سنة ۷0۹ وحبسه بالإسكندرية وبها مات 
في شهر ذي الحجة سنة ۷۹ تسع وخمسين وسبعمائة» ثم نقلت جثته إلى قبة 
مدرسته"“ بشارع الخضيري بمصر» وكان أميراً حازماً اشتغل بالعلم وتفقه على مذهب 
الإمام أبي حنيفة وكان يناصر ويقرب علماء مذهبه ويجلهم إجلالاً زائداً. 


ترجمة الرازي 

هو فخر الدين حمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي البكري الرازي 
الشافعي المعروف بابن خطيب الري ولد سنة ٠٤۳‏ ثلاث وأربعين» وقيل: أربع 
وأربعين وخمسمائة» وتوفي يوم الاثنين عيد فطر سنة ٠٠٦‏ ست وستمائة في هراة. 
ترجم له السبكي المتوفى سنة ۷۷١‏ في الطبقات جه ص۳۳ - .٠١‏ وذكر تصانيفه في 
ص٥۳»‏ ومنها تفسيره الكبير المطبوع المشهور» ومن أخطائه تفسيره لآية الولاء في 
سورة المائدة تفسيراً أوجب ردي عليه في مؤلفي (القول الجلي) عندي برقم V۰‏ 
سيرة» والله یغفر له. 


ترجمة بهاء الدين 

هو بهاء الدين حاكم غزنة» وما والاها من ملوك باميان من الغورية الهياطلة 
كانت وفاته سنة ٠٠۲‏ وكان له ميل إلى العلماء» وكان الرازي من خواص أصحابه 
وباسمه ألف (الطريقة البهائية) وانقرضت هذه الدويلة بيد خوارزم شاه المتوفى سنة 
۷ كما انقرضت دولة خوارزم شاه بید المغل» فسبحان من یزیل ولا یزول وترجمته 
في (كامل ابن الأثير)؛ (جامع الدول) وغيرهما. 

هو: بهاء الدين سام بن شمس الدين محمد بن مسعودء وترجمته في ابن الأثير 
ج۱۲ ص۱٩٩‏ - ٩۱‏ في حوادث سنة ٠٠۲‏ ثنتين وستمائة . 

وب يخا آل رى تايا وما وتحوقلاً ومخيلاً وهللا وشكبراً 
وحامداً» وفرغ في يوم الغلاثاء ۲۹ جمادى الآخرة سنة ٠١١١‏ ستة وستين وثلثمائة 
وألف من هجرة من له العز والشرف. 


(۱) بنی مدرسته هذه لقوام الدين الإتقاني. أحمد خيري. 


انش اردالت ر لز راع 
ری الوه اطوط ہی ہجویک 
a‏ 3 + 4 


كلمة عن المفاضلة بين الأئمة 
وكتاب «الانتصار» لسبط ابن الجوزي 


جرت الأئمة على أن العالم بأدلة الأحكام - كما يجب - يتبع علمه» وأما من 
دونه فله أيضاً من الاجتهاد نصيب حيث يجب عليه الابتعاد عن التشهي بأن يسعى 
جهده في معرفة من هو الأعلم الأورع ليتابعه في الفتيا فتبرأ ذمته أصاب مفتيه أم 
أخطأء ولا مانع من أن يترجح عند هذا من لم يترجح عند ذاكء والقصد بذل الجهد 
في الترجيح لإصابة كبد الحقيقة في نفس الأمر. وكفى لهذا أن يتابع من بان ترجحه 
عنده بدون هوی . 

ولذا أف كثير من علماء المذاهب كتباً في بيان وجه ترجيح كل منهم إماماً 
خاصاً من الأئمة المتبوعين أئمة الهدى رضوان الله عليهم أجمعين كما فعل أبو عبد الله 
محمد بن يحيى بن مهدي الجرجاني» وأبو منصور عبد القاهر البغدادي» وأبو حامد 
الطوسي» والقاضي عياض» والفخر الرازي» وأبا فرحون» وأبو عبد الله الراعي 
الأندلسي وغيرهم. 

لكن لا يدل شيء من ذلك على الرجحان في نفس الأمر بل يدل على وجه 
ترجيح كل منهم متابعة إمامه . ولا حجر على ذلك. إلا أن بعضهم استرسل فيما ليس 
له كير شأن في الترجيح الذي مداره العلم والورع فقط . بل بلغ ببعضهم التعصب إلى 
حد النيل من كل إمام غير إمامه بدون مبررء وهذا مما لا یرضاه الله ورسوله وأهل 
الدين. 

وسبط ابن الجوزي سلك في «انتصار» هذا طريقاً علمياً بحتاً غير مثير. ففي نشر 
كتابه هذا - بعد انتشار كثير من مثله في باقي المذاهب - ملء فراغ بالنظر إلى المذهب 
الحنفي مع ما في ذلك من استنهاض للهمم في ترديد مزايا الأئمة على الوجه 
المرضي. 


f 


for‏ كلمة عن المفاضلة بين الأئمة وكتاب «الانتصار» لسبط ابن الجوزي 


مؤلف الكتاب: هو المحدّث المؤرخ الفقيه الواعظ أبو المظفر جمال الدين 
يوسف بن فرغل بن عبد الله البغدادي سبط الحافظ أبي الفرج بن الجوزي الحنبلي. 

بعض شيوخه وتلاميذه: أخذ عن ابن الجوزي» وابن كليب» وابن طبرزد 
وغيرهم. وأخذ عنه الحافظ أبو شامة المقدسي» والحافظ الشرف الدمياطي وغيرهما. 
وقد ترجم له: الحافظ أبو شامة المقدسي في «ذيل الروضين» والحافظ عبد القادر 
القرشي في «الجواهر» وأبو المحاسن في «المنهل الصافي» وذكر: أن من بعده من 
المؤرخين عالة على كتابه مرآة الزمان. تحامل عليه الذهبي ومن هو على شاكلته 
تعصباً منهم حيث ترك مذهب جده وتحّف. وقد دافع عنه القطب اليونيني الحنبلي 
وبرأه مما قالوه في ذيل «مرآة الزمان؛ - نعوذ بالله من تتابع الألسن - يروي عنه الحافظ 
عبد القادر القرشي بواسطة الشرف الدمياطي . 

مۇلفاته: له مؤلفات سارت بها الركبان منها: «تفسير القرآن» في تسعة وعشرين 
مجلداً. ومنها: «شرح الجامع الكبير؟. ومنها: «منتهى السول في سيرة الرسول». 
ومنها: «اللوامع في أحاديث المختصر والجامع؟. ومنها: «إيثار الإنصاف في مسائل 
الخلاف». ومنها: «الانتصار لإمام أئمة الأمصار» في مجلدين. ومنها: «الانتصار 
والترجيح للمذهب الصحيح». هذا ومنها: «مرآة الزمان» في أربعين مجلداً - في مكتبة 
طوب قبو - وغير ذلك. كان رحمه الله فارسا في البحث مفرط الذكاءء حسن الإلقاء» 
وقد أعطى القبول من الملوك» والأمراء والعلماء» والعامة في الوعظ وغيره. حضر 
في وعظه الموفق ابن قدامة ولم يكن مجلس من مجالسه يخلو من جماعة يتوبون بل 
كان كثير من أهل الذمة يسلمون في مجالسه» والناس كانوا يبيتون في مسجد دمشق 
في الليلة التي يعظ في غدها انتظاراً لوعظه. 

وفاته: توفي بدمشق ليلة الثلاثاء ۲١‏ ذي الحجة سنة ٤٥٠ه.‏ ودفن بجبل 
قاسيون رحمه الله وجعل الجنة مثواه. 

محمد زاهد الكوٹري 


الحمد لله الذي فضّلنا على كثير ممن خلق تفضيلاًء وميّزنا بالعقل والعلم وكملنا 
تكميلاً وهدانا للدين الحنيفي والمذهب الحنفي أوضح المناهج وآقرمها سبیلاً 
أحمده على نعمه السابغة» وأشكره على مننه السابقة شكراً كثيراً لا قليلاًء وأشهد أن 
لا إله إلا الله» وحده لا شريك له شهادة تدخل قائلها ظلاً ظليلة» وأشهد أن سيدنا 
محمداً عېده ورسوله المبعوث إلى الكافة هادياً ودليلًء صلى الله عليه وعلى آله 
وأصحابه بكرة وأصيلاًء وبعد: 

فإنه لما سارت الركبان فى البلدان» وأسمعت القاضي والدان بإظهار التمسك 
والتنسك بمذهب أبي ق الات رقي لله عنه» من المولى الملك العادل» العالم 
المؤيد المظفر المنصور» الملك المعظم شرف الدنيا والدين» غياث الإسلام 
والعل؛ اضر آمير البومين الي موسى عيسى ابن المولى الملك العادل» 
المجاهد المرابط المؤيد المظفر المنصور» سيف الدنيا والدين أبي بكر محمد بن 
أيوب بن شادي خليل أمير المؤمنين أعر الله أنصارهماء وضاعف اقتدارهماء وملكهما 
نواصي العباد» وأقاصي البلاد بمخمد وآله» جرأني ذلك على أن لفت له كتاباًء 
وبريت وستيته «الانتصار والترجيح» للمذهب الصحيح». 

فالباب الأول: في ذكر ثناء المحدثين على أبي حنيفة رحمه الله» وتوثيقهم إياهء 
وروایتهم عنه. 

الباب الثاني : في وجه الجواب عن مثالب ذكرها بعض المحدثين فيه . 

الباب الثالث: في ذكر نبذة من مناقبه . 

الباب الرابع : في ذكر من لقي من الصحابة رضي الله عنهم وروي عنه ٠‏ 

الباب الخامس: في تفضيله على غيره. 

الباب السادس: في تفضيل مذهبه على مذهب غيره. 

الباب السابع : في أن الأخذ بمذهبه أحوط لاإمام» وأدفع للحرج عن الأمة. 

الباب الثامن: في أخذه بالكتاب والسنة الصحيحةء ومخالفة الغير إياهما وبال 
أستعين على ما قصدت» وعليه أتوكل» وأسأله العصمة من الزلل في القول والعملء 
إنه جواد كريم» غفور قريب مجيب» فنقول وبالله التوفيق . 


for 


الباب الأول 
في ذكر ثناء المحدثين على أي حنيفة 
وتوٹیقهم یاه وروایتهم عنه 

ما روایتهم عنه وتوثیقهم له. فأخبرنا: الشيخ الصالح الثقة أبو طاهر أحمد بن 
محمد بن حمدية العكبري بمحروسة بخداد في سنة ست وثمانين وخمسمائة قال: أنبأنا 
أبو الكرم ابن الشهرزوري قال: أخبرنا: أبو الحسين محمد بن علي بن محمد 
المهتدي باله قال: أخبرنا أبو الفتح محمد بن أحمد بن أبي الفوارس إجازة قال: 
حدثنا: أبو بكر محمد بن حميد بن سهل المخرمي قراءة عليه. حدثنا: أبو الحسن 
علي بن الحسين بن حيان قال : وجدت في کتاب أبي بخط يده قال ابو زکریا یحیی بن 
معين روی عن آبي حنيفة سفيان الشوري» وعبد الله بن المبارك» وحماد بن زيدء 
وهشيم» ووكيع» وعباد بن العوام» وجعفر بن عون» وأبو عبد الرحمن المقرىء» 
وجماعة كثيرة وهو ثقة لا بأس به» قال ابو زکریا: وسمعت یحیی بن سعید یقول: لا 
نكذب على الله ربما استحسنا الشيء من قول أبي حنيفة فنأخذ به . 

وأما ثناؤهم عليه» فأنبأنا أبو القاسم ذاكر بن كامل قال: أنبأنا: أبو علي الحداد 
قال: قال أبو نعيم الحافظ : كان أبو حنيفة ممن سلم له دقة النظرء وغوص الفكر» 
ولطف الحيلة» ولى القضاء للمنصور» والصحيح أنه امتنع وتوفي سنة خمسين ومائة» 
وكان مولده سنة ثمانين» وكان عمره سبعين سنة» وكان يدعو إلى موالاة آل بيت 
رسول الله اة ونصرته م ومتابعتهم رضوان الله عليهم أجمعين. 

وبه حدثنا أبو نعيم حدثنا إبراهيم بن عبد الله حدثنا محمد بن إسحاق الثقفي 
حدثنا الجوهري حدثنا أبو نعيم قال: كان أبو حنيفة غوّاصاً في المسائل. 

وبه حدَثنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله حدثنا أبو العباس بن السراج قال: 
سمعت ابن بندار السماك يقول: سمعت النضر بن شميل يقول: سمعت ابن عون 
يقول: بلغني بالكوفة رجل يجيب في المعضلات. يعني أبا حنيفة . 


foo 


4۹ الانتصار والترجيح للمذهب الصحيح 


وبه قال: حدثنا أبو محمد بن حيان فيما قرأت عليه» قال: حدثنا أبو العباس 
الجمال قال: حدثني أحمد بن أبي سريج يقول: سمعت الشافعي يقول: سألت 
مالك بن أنس: هل رأيت أبا حنيفة وناظرته؟ قال: نعم» رأیت رجلا لو نظر إلى هذه 
السارية وهي من الحجارة فقال إنها من ذهب لقام بحجته. قال المصنف: وقد حكى 
هذا الشيخ ۳ إسحاق الشيرازي في طبقات الفقهاء. 


وبه حدثنا محمد بن إبراهيم قال: حدثنا أبو عروبة الحراني قال: سمعت سلمة 
يقول: سمعت ابن المبارك يقول: إن كان أحد ينبغي له أن يقول برأيه فأبو حنيفة 
ينبغي له أن یقول برآیه. 


وبه قال: أخبرني القاضي محمد بن عمر وأذن في الرواية عنه. حدثني 
إبراهیم بن محمد بن داود قال: حدثنا إسحاق بن بهلول قال: سمعت سفيان بن عيينة 
يقول: ما مقلت عيني مثل أبي حنيفة. قال المصنف: وقد رأى سفيان» الشافعي» 


وأحمد. 


وبه قال: حدثنا محمد بن إبراهيم بن علي قال: سمعت حمزة بن علي البصري 
يقول: سمعت الربيع يقول: سمعت الشافعي يقول: الناس عيال على أبي حنيفة في 
الفقه. قال المصنف: وقد حكى هذا أيضاً الشيخ أبو إسحاق في طبقات الفقهاء. 


وبه قال: حدثنا محمد بن إبراهیم حدثنا نصیر بن موسی بن نصر قال: حدثنا 
علي بن عبد الرحمن قال: حدثنا علي بن مسلم قال: حدثنا عبد الله بن عمر قال: 
كنت عند الأعمش فسئل عن مسألة فنظر في وجه القوم ثم قال لأبي حنيفة : أجبه يا 
نعمان فأجابه فقال له: من أين قلت هذا؟ قال: من الحديث الذي حدثتنا به أنت» 
فقال الأعمش: أنتم الأطباء ونحن الصيادلة. 

وبه قال: أخبرنا الحسن بن منصور إجازة. وحدثني عنه محمد بن إسحاق قال: 
حدثنا أحمد بن علي قال: سمعت يحيى بن معين وذكر أبو حنيفة عنده فقال: هو 
أنبل من أن يكذب. 

فهذا قول الشافعي وأصحاب الحديث في أبي حنيفة رحمه الله تعالی ولو تتبعت 
ذلك واستقصيت لطال» غير أن المقصود الاختصار. 


الانتصار والترجيح للمذهب الصحيح {oV‏ 


الباب الثاني 
في وجه الجواب عن مثالب ذكرها عنه بعض المحدثين 


فنقول: 

هذا الباب ينبني على ثلاثة أصول: 

أحدها: قولهم إنه كان سىء الحفظ . 

والثانی: آنه کان مرجئاً جهمياً. 

والثالث: مخالفته لهم في بعض الأحاديث» وأخذه بالقياس. 

أما الأول: فقولهم إنه كان سيىء الحفظ فغير صحيح» وإنما كان يرى رواية 
الحديث“ بالمعنى فظنوا أن ذلك إساءة في الحفظ. 

وأما الثاني : فقولهم إنه كان جهمياً مرجئاً فهذا إشارة إلى أنه كان يقول بأن 
الإيمان قول بلا عمل»ء وأن مسلماً قد أخرج أن النبي يي سل عن الإيمان فقال 
عليه السلام: «الإيمان أن تؤمن بالل وملائكته» وكتبه» ورسله» واليوم الآخر» والقدر 
خيره وشره» فلا يكون فما قاله مبتدعاً. وإنما أخبر بالسنة الصحيحة عن 
رسول الله بء والاشتقاق اللغوي» لأن الإيمان في اللغة عبارة عن التصديق› 
والتصديق لا يزيد ولا ينقص. وأما قوله تعالى: ودا تيت علَمِمْ ءاسم رام يما 
[الأنفًال: ۲] فنقول: المراد من زيادة الإيمان ههنا القوة“ وهم يعنون بالزيادة 
والنقصان أن يزداد بالطاعة وينقص بالمعصية. 

وأما الثالث: فقولهم إنه خالف بعض الأحاديث وأخذ بالقياس فالجواب عنه من 
وجوه: 

أحدها: أن خبر الواحد فيما تعم به البلوى ليس بحجة عنده. 

والثاني: أن ذلك ينبني على الجرح والتعديل عنده» فربما وثقوا راوياً وكان 
مجروحاً عنده» وهذا المعنى الذي ذكروه يتوجه إلى باقي الأئمة. أعني الشافعي» 
ومالكاً» وأحمد. فإنه ليس منهم أحد إلا وقد خالف بعض السنن الصحيحة وأخذ 
بالقياس . وسنذكر ذلك في الباب الأخير إن شاء الله تعالى. 


(1) وكان الغالب على الفقهاء في مجالس التفقيه الإرسال والرواية بالمعنى وهم أمناء على الاحتفاظ 
بالمعنى بخلاف النقلة من غيرهم . 
(۲) أي البُعد عن خطر الزوال لا أن الإيمان يجامع احتمال النقيض. 


fo‏ الانتصار والترجيح للمذهب الصحيح 

ولقد سألت مرة شيخنا الإمام العالم جمال الدين شمس الحفاظ أبا الفرج بن 
الجوزي فقلت له: يا سيدي لم وقع بعض المحدثين في أبي حنيفة رحمة الله عليه» 
فقال: لأنه أخذ بالقياس. فقلت: غيره من الأئمة قد أخذ بالقياس. فقال: ولكن هو 
أكثر قياساً منهم . فقلت: هلا وقعوا في أولئك بقدر ما أخذوا من القياس؟ فانقطع . 
على أن مدار الطعن كله على سفيان الثوري وقد افترى على سفيان وروى أنه رجع 
عن ذلك وروی عنه. : 


الباب الثالكث 
في ذكر نبذة من مناقبه 

عن أبي يوسف قال: بينما أنا أمشي مع أبي حنيفة إذ سمع الصبيان يصيحون 
هذا أبو حنيفة الذي لا ينام الليل. فقال: يا أبا يوسف» أما ترى ما يقول هؤلاء 
الصبيان فللّه علي أن لا أضع جنبي بفراشي حتى ألقى الله عر وجل . 

وعن زائدة قال: صليت مع أبي حنيفة في مسجل قشاء الآخرةء وخرج الناس 
ولم يعلم أني في المسجدء وأردت أن أسأله عن مسألة من حيث لا يراني أحد» فقام 
فقرأ وقد افتتح حتى بلغ هذه الآية مَس أله بَا وَوَمَن مَدَابَ امور @) 
[الطور: ۲۷] فأقمت في المسجد أنتظر فراغه فلم يزل يرددها حتى أذن المؤذن لصلاة 
افج 

وعن الحماني قال: حدثني أبي قال: صحبت أبا حنيفة قريباً من سنة فما رأيته 
نهاراً مفطراء وليلاً إلا قائماً» ولا يدخل في جوفه لقمة من مال أحد وكان يصلي 
الخداة على طهر أول الليل“ وكان يختم كل ليلة عند طلوع الفجر الأول» ويصلي 
ركعتين عند طلوع الفجر الثاني» وكان يقطع الليل كله بالعبادة. 

وعن خارجة بن مصعب قال: ختم القرآن في ركعة أربعة من الأئمة : عثمان بن 
عفان» وتميم الداري» وسعيد بن جبير» وأبو حنيفة . 

وعن منصور بن هاشم قال: كنا عند عبد الله بن المبارك بالقادسية إذ جاءء رجل 
من أهل الكوفة فوقع في أبي حنيفة فقال له عبد الله : ويحك أتقع في رجل صلّى 


(۱) ويقال إنه كان يكتفي بالقيلولة. 


الانتصار والترجيح للمذهب الصحيح £0۹ 
خمساً وأربعين سنة خمس صلوات على وضوء واحد" وكان يختم القرآن في ركعتين 
كل ليلة» تعلمت الفقه الذي عندي من أبي حنيفة . 

وعن قيس بن الربيع قال: كان أبو حنيفة يبعث بالبضائع إلى بغداد فيشتري بها 
الأمتعة ويحملها إلى الكوفة» ويجمع الأرباح من سنة إلى سنة فيشتري حوائج أشياخ 
المتجرتين» وأقواتهم» وكسوتهم وجميع حوائجهم» ثم يدفع باقي الدنانير والأرباح 
إليهم ثم يقول: أنفقوا في حوائجكم» ولا تحمدوا إلا الله فإني ما أعطيتكم من مالي 
ولکن من فضل الله علیکم» وهذه أرباح بضائعکم فإنه هو ما يجريه الله لكم على يدي 
فما في رزق الله حق لغيره. 

وعن إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة أن أبا حنيفة - حين حذق حماد ابنه سورة 
الحمد - وهب للمعلم خمسمائة درهم. 


الباب الرابع 
في ذكر من لقي من الصحابة وروى عنه 
أنبأنا أبو القاسم ذاكر بن كامل قال: أنبأنا أبو علي الحدادء قال: قال أبو نعيم : 
ذكر من رأى أبو حنيفة رحمه الله من الصحابة وروى عنهم أنس بن مالك» 
وعبد الله بن الحارث الزبيدي» ويقال عبد الله بن بي أوفى الأسلمي» واختلفوا في 
وفاة أنس بن مالك فقيل إنه مات سنة تسعين» وقيل سنة ثلاث وتسعين» وقيل سنة 
ربع وتسعین. 


(۱) لعله يريد أنه كان يسبغ الوضوء في صلواته كلها على وتيرة واحدة. 

(۲) وقد قر برؤيته له كثيرون من أمثال ابن سعد» والدارقطني» وأبي نعيم وابن عبد البر كما تجد 
تفصيل ذلك في «تأنیب الخطیب» وبعد ثبوت رؤیته هکذا لا یبقی وجه معقول لنفي سماعه منه 
مع كون سنه أكبر من أقل سن التحمل بكثير عند وفاة أنس رضي الله عنه على الروايات كلها 
مع الرغبات المعروفة في السماع من الصحابة رضي اله عنهم في ذلك العهد بل لجماعة من 
قدماء أهل العلم أجزاء ألفوها في مرويات أبي حنيفة عنهم كجزء أبي حامد محمد بن هارون 
الحضرمي وجزء أبي الحسين علي بن أحمد بن عيسى وجزء بي معشر عبد الكريم الطبري 
المقرىء وجزء أبي بكر عبد الرحمْن بن محمد بن أحمد السرخسي والثلاثة الأول من مرويات 
ابن حجر في «المعجم المفهرس» كما أنها من مرويات ابن طولون في «الفهرست الأوسط 
والأخير من مرويات سبط ابن الجوزي كما ترى هنا وتخريج متونها في «الدر المنظم؟ للعلامة 
نوح القووي. 


50 الاتتصار والترجيح للمذهب الصحيح 

قال أبو نعيم: توفي أنس بن مالك في سنة ثلاث وتسعين وولد أبو حنيفة سنة 
ثمانين"“ وكان بين مولده ووفاة أنس ثلاث عشرة سئة. قال أبو نعيم: وروى عن 
أبي حنيفة من التابعين الأحوص بن حكيم . 

وبه حدثنا أبو نعيم حدثنا أبو الحسين محمد بن محمد بن أحمد المؤذن حدثنا 
إبراهيم بن محمد بن عمرويه حدثنا أحمد" بن الصلت بن المغلس حدثنا بشر بن 
الوليد قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم عن أبي حنيفة قال: سمعت أنس بن مالك 
ية يقول: «طلب العلم فريضة على كل مسلم». وأما روايته 
عن عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي - له صحة سكن مصر ولقيه بمكة أبو حنيفة 
وسمع منه وهو ابن ست عشرة سنة - فقد قال أبو نعيم: حدثنا محمد بن عمر بن 
سلم البغدادي وکتبت عنه غير حديث وكان فيما قرىء عليه وأذن لي في الرواية عنه 
وحدثني عنه بهذا الحديث خاصة أبو بكر محمد بن أحمد بن عمر» ومحمد بن 
إبراهيم بن علي قالا: حدثنا محمد بن عمر بن سلم» حدثني عبد الله بن جعفر 
الرازي أبو علي من كتاب أبيه عن محمد بن سماعة عن أبي يوسف قال: سمعت 
أبا حنيفة يقول: حججت مع أبي سنة ست وتسعين ولي ست عشرة سنة فإذا أنا بشيخ 
قد اجتمع الناس عليه فقلت لأبي: يا أبي من هذا الشيخ؟ فقال: هذا رجل قد صحب 
محمداً اة يقال له عبد الله" بن الحارث بن جزء الزبيدي . فقلت: فأي شيء عنده؟ 


یقول: سمعت رسول الله 


)١(‏ وهذه إحدى الروايات الثلاث وبها آخذ الجمهور والثانية أن ميلاده سنة سبعين كما في كتاب 
«الضعفاء والمتروكين؛ لابن حبان و«روضة القضاة» لأبي القاسم السمناني واكتاب الأنساب» 
للسمعاني في مادة الخزاز من النسخة المطبوعة والثالثة أن ميلاده سنة ١ه‏ وهي رواية ذواد بن 
علبة ووجه أخذ الجمهور بالرواية الأولى الاحتياط بالتعويل على الأحداث في المواليد» والأقدم 
في الوفيات إلا أن هذا إذا لم يكن هناك ما يؤيد غير ذلك وهنا وجوه تؤيد الرواية الثانية كما تجد 
بسطها في «تأنيب الخطيب» فتتسع دائرة معاصرته للصحابة رضي الله عنهم لهم وروايته عنهم . 

0( انفرد برواية هذا الحديث ومع ذلك ذكره الجمال بن عبد الهادي في الأربعين المختارة. 

(۳) لا عجب إذا اختلفوا في وفاته من ۸ه إلى ۹۹ه كما في «شرح المسند» لعلي القاري بعد 
اختلافهم في وفاة مثل أبي بن كعب رضي الله عنه من ۸٠ه‏ إلى ۲۳ھ وطعن الذهبي في 
أحمد بن الصلت الحماني حيث عه انفرد برواية هذا الحديث غير وارد لأن عبد الله بن جعفر 
تابعه كما في جامع بيان العلم )٤١ - ١(‏ لابن عبد البر وفيه أن في جملة من رآهم أبو حنيفة 
من الصحابة أنس بن مالك» وعبد الله بن الحارث رضي الله عنهما بل ساق المصنف الحديث 
بالطريقين وبطريق أحمد بن محمد بن سماعة على أن الحماني كما روى عنه الدارقطني في 
سئلة ساكتاً عليه بل في الرواة عنه كثرة بل هذا الحديث مما أخرجه الجمال بن عبد الهادي في 
«الأريعين المختارة» وبسط الكلام الحماني في «تأنيب الخطيب». . 


الانتصار والترجيح للمذهب الصحبح Hi‏ 


فقال: أحاديث سمعها من النبي ئة فقلت له: قدمني إليه حتى أسمع منه» فتقدم بين 
يدي فجعل یفرج الناس حتی دنا منه فسمعته قول : قال رسول الله يي: «من تفقه في 
دين الله كفاه الله عر وجل همهء ورزقه من حیث لا يحتسب؟. 

قال أبو نعيم: هذا لا يعرف له تخريج إلا من هذا الوجه عن ابن الحارث بن 
جزء وهو ما تفرد به محمد بن سماعة عن أبي يوسف عن أبي حنيفة» وقد روي عن 
النبي ية من طريق آخر مما يجانس هذا المتن وهو أيضاً غريب . وهو ما حدثناه أبو 
الحسين محمد بن علي بن حبيش المقرىء ببغداد قال: حدثنا محمد بن القاسم بن 
هاشم حدثڻنا بي حدثنا يونس بن عطاء بن سفيان الڻوري عن بيه عن جده عن زياد بن 
الحارث الصدائي قال: قال رسول الله بية: «من طلب العلم تكفل الله برزقه» قال 
آبو نعيم: هذا الحديث مفاريد يونس عن الثوري لا أعرف له راوياً غيره. 

قال المصنف: وأخبرني بالحديث الأول الشيخ الإمام العالم أبو الغنائم بن 
شیرویه بن شهردار بن شیرویه بهمذان في رجب سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة قال: 
أخبرنا والدي شهردار بن شیرويه قال: أنبأنا الشيخان الإمامان الحافظان أبو زكريا 
يحيى بن عبد الوهاب بن محمد بن إسحاق بن مندة» وإبراهيم بن الفضل البَقّار 
الأصبهانيان بقراءتي على كل واحد منهما في المحرم سنة اثنتين وخمسمائة بهمذان 
رحمهما اله تعالى. قالا: أنبأنا القاضي أبو سعيد عبد الملك بن عبد الرحمن بن 
محمد السرخسي قال: أنبآني أبي عبد الرحممن“ بن محمد بن أحمد السرخسي 
بالبصرة وهو ارچ لات قراءة عليه فأقَرّ به. قال: أنبأنا أبو اة 
محمد بن عبد الله ربيب الوزير أبي العباس الإسفرايني إملاء بمدينة السلام في 
ذي القعدة سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة قال: أنبأنا أبو علي منصور بن عبد الله بن 
خالد بن أحمد الذهلي» أنبأنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن عمرويه بن عبد الرحمن 
المروزي»› حدثنا أبو العباس أحمد بن الصلت بن المغلس الحماني حدثنا بشر بن 
الوليد القاضي حدثنا أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم القاضي قال: حدثنا أبو حنيفة 
النعمان بن ثابت رحمه الله قال: سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: قال 
رسول الله ية : «طلب العلم فريضة على كل مسلم؟ . 

وبه قال: حدثنا محمد بن عبد الله أنبأنا أبو علي الحسن بن علي بن محمد بن 
إسحاق اليماني الدمشقي حدثنا أبو الحسن بن بابويه الأسواري بشيراز حدثنا جعفر بن 


(۱) وهو من ثقات أهل العلم وقد ترجم له عبد القادر القرشي . 


oY‏ الانتصار والترجيح للمذهب الصحيح 


محمد بن الحسن الأصبهاني حدثنا يونس بن حبيب حدثنا أبو داود الطيالسي عن 
أبي حنيفة رحمه الله قال: ولدت سنة ثمانين» وقدم عبد اله“ بن أنيس رضي الله عنه 
الكوفة سنة أربع وتسعين ورأيته وسمعت منه وأنا ابن أربع عشرة سنة سمعته يقول: 
سمعت رسول الله ية يقول: «حبك الشيء يعمي ويصم. 

وبه قال: أنبأنا محمد بن عبد الله أخبرنا أبو زفر عبد العزيز بن الحسن الطبري 
بآمل حدثنا أبو بكر مكرم بن أحمد بن مكرم البخدادي حدثنا أحمد" بن محمد بن 
سماعة حدثنا بشر بن الوليد القاضي حدثنا أبو يوسف القاضى حدثنا أبو حنيفة 
رحمه الله قال: ولذ سئة فمائين وخججت مع آي نة منت وتسغين رانا ابن 
ست عشرة سنة فلما دخلت المسجد الحرام رأيت حلقة عظيمة فقلت: لأبي حلقة من 
هذه؟ فقال: خلقة عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي صاحب رسول الله كا 
فتقدمت وسمعته یقول: «من تفقه في دین الله کفاه الله همه» ورزقه من حیث لا 


پخسپ؟: 

وبه قال: أنبأنا محمد بن عبد الله حدثنا أبو علي الحسن بن علي الدمشقي 
حدثنا أبو الحسن علي بن غياث القاضي البخدادي حدثنا محمد بن موسى حدثنا 
محمد بن عياش الجلودي عن التمتام يحيى بن القاسم عن أبي حنيفة رحمه الله عن 
جاب" بن عبد الله رضي الله عنه قال: جاء رجل من الأنصار إلى رسول الله اة فقال 
له: یا رسول الله ما رزقت ولداً قط ولا ولد لي. قال: «أين أنت من كثرة الاستغفارء 
وكثرة الصدقة ترفق بها الولد». قال: فكان الرجل بكثرة الصدقة وبكثرة الاستغفار. 
قال جابر: فولد له تسعة من الذكور. 

وبه قال: حدثنا محمد بن عبد الله حدثنا أبو علي الحسن بن علي الدمشقي 
حدثنا أبو الحسن علي بن غياث القاضي حدثنا محمد بن موسى حدثنا محمد بن 
عياش الجلودي عن التمتام يحيى بن القاسم عن أبي حنيفة رحمه الله قال: سمعت 
عبد الله بن أبي أوفی” يقول: سمعت رسول الله ب يقول: «من بنى مسجداً ولو 
كمفحص قطاة بنى الله له بيتاً في الجنةا. 


(۱) قال السيوطي: لعله غير الجهني. 

(۲) وقع في الأصل محمد بن أحمد وهو مقلوب والصواب أحمد بن محمد. 

(۳) أرسله أبو حنيفة عن جابر إرسالاً كما تری ولم يقل «سمعت» لأنه لم يدرکه. 

() أقل سن التحمل خمس سنوات عند المحدثين وكانت سن آبي حنيفة فوق ذلك على الأقوال 
كلها حينما مات ابن بي أوفى بالكوفة . 


الانتصار والترجيح للمذهب الصحيح ا 


وبه أنبأنا: محمد بن عبد الله أنبنا: أبو علي الحسن بن علي الدمشقي حدثنا 
أبو محمد عبد الله بن محمد بن الحسن الحنفي إملاء بالكوفة حدثنا طلحة بن سفيان 
عن هناد بن السري عن أبي سعيد عن أبي حنيفة"“ عن واثلة بن الأسقع يقول: 
سمعت رسول الله ية يقول: «لا تظهر شماتة أخيك فيعافيه الله ويبتليك» . 

وبه قال: حدثنا محمد بن عبد الله قال: أنبأنا أبو علي الحسن بن علي الدمشقي 
حدثنا أبو محمد عبد الله بن نمير الرازي حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي 
حدثنا عباس بن محمد الدوري حدثنا يحيی"“ بن معين: أن أبا حنيفة صاحب الرأي 
سمع عائشة بنت عجرد تقول: سمعت رسول الله ي يقول: «أكشر جند الله في 
الأرض الجراد لا آكله ولا أحرمه). 


الدليل على ذلك: الكتاب» والسنة» والمعقول. 

أما الكتاب فقوله تعالى: وليم ارد [النوة: ]٠٠١‏ وقوله تعالى: 
ا اتیل © أب انل © الرقنة: ۰ ۱[ وقوله تعالی: لا 

وی منک من أف ین بلي اتج رل4 [الحديد: .٠‏ فهذه الآيات تدل على أن 
ا ا 

وأما السنة فقوله ية : «خير القرون القرن الذي أنا فيهم» ثم الذين يلونهم» ثم 
الذين يلونهم». فأبو حنيفة رحمه الله إن لم يكن من القرن E‏ 
فهو من القرن الثالث بلا خلاف وهذا حديث صحيح متفق عليه . فإن قليل قد ورد في 
صبلم: «أمتي كالغيث لا يدرى أوله خير أم آخره». قلنا: الجواب عنه من وجهين : 

أحدهما: أن ما ذكرنا متفق عليه. وما ذكرتموه من إفراد مسلم فلا يقاوم ما 
ذکرنا. 


(1) أرسله عن واثلة ولم يلقه. 
(۲) لم يدرك يحيى بن معين أبا حنيفة وإنما أرسل عنه إرسالاً. 


4 الانتصار والترجيح للمذهب الصحيح 
الثاني : آنا نحمل ذلك على ما بعد هذه القرون توفيقاً بين الأخبار إذ لا يجوز 
أن يكون أحدهما ناسخاً للآخر لأنهما خبران والنسخ لا يرد على الأخبار. 
وقوله عليه السلام: «طوبى لمن رآني أو رأى من رآني» أو رأى من رأى من 
رآني٤.‏ 
وقوله عليه السلام: لا تسوا أصحابي فلو انف أحدكم مثل أحد فعباً ما بلغ 
مد أحدهم ولا نصيفه». وكذلك تفضيل الصحابة على التابعين» والتابعين على تابعي 
التابعين ما كان إلا لمزية السبق. 
وأما المعقول: فهو أن السابق أفضل من اللاحق عند العقلاء وقد صرح الشافعي 
بفضل أبي حنيفة عليه حيث قال: الناس في الفقه عيال على أبيى حنيفة يدل على ما 
ذكرنا قول الشاعر: : : 
فلو قبل مبكاها بكيت صبابة بسعدي شفيت النفس قبل التندم 
ولكن بكت قبلي فهيّج لي البكا بكاهافقلت الفضل للمتقدم 
فإن قيل إن نبينا ية آخر الأنبياء عليهم السلام وهو خيرهم وأفضلهم والقياس 
أن يكون من تقدمه أفضل منه» وقال عليه السلام: «لا تخيّروني على موسى» وفي 
حدیث آخر: «لا تفضلوني على يونس بن متی؟. 
قلنا: هذا وأشباهه من الأحاديث منه ية على مذهب التواضع والهضم من 
النفس وليس بمخالف لقوله: «أنا سيد ولد آدم ولا فخر» لأنه لم يقل ذلك مفتخراًء 
ولا متطاولاً به على الخلق إنما قال ذلك ذاكراً للنعمة ومعترفاً بالمئة فيه. وأراد 
بالسيادة ما يكرم به في القيامة من الشفاعة إلا أنا تركنا المعقول للنصوص» وهو قوله 
عليه السلام: ر ا و رة وراه عليه العام ؟ «آدم ومن دونه تحت 
لوائي يوم القيامة ولا فخر» وفيما نحن فيه لم يرد نص فيبقى أصل القياس. 


في تفضیل مذهبه على مذهب غیره 
والدليل على ذلك من وجوه: 
أحدها: تصريح الشافعي بقوله الناس في الفقه عيال على أبي حنيفة وهذا 
اعتراف منه صريح لا مدافعة فيه» وكذلك قول مالك فيه وقد تقدم» وكذلك قول أبي 
نعيم وقد تقدم أيضاً إلى غير ذلك من أقاويل العلماء. 


الانتصار والترجيح للمذهب الصحيح f1‏ 

الوجه الثاني: من ثبت كونه أفضل من غيره ثبت أن مذهبه أفضل من مذهب 
غيره لأن اعترافهم بفضله إنما كان لفقهه وعلمه. 

الوجه الثالث: ما نذكره من اضطرار الناس إلى العمل بمذهبه في الباب الذي 
يلي هذا الباب وهو السابع. 

الوجه الرابع : ما نذكره في الباب الثامن من أخذه بالكتاب والسنة الصحيحة 
ومخالفة الغير إياهما على ما يأتي إن شاء الله تعالى. 


الباب السابع 

في آن الأخذ بمذهبه أحوط لاإمام وأدفع للحرج عن الأمة 

ما بيان مذهبه أصلح للولادة فمسائل: 

منها: أن الرجل إذا كان له أرض خراج وعجز عن زراعتها ولم يقدر أن يؤدي 
خراجها قال أبو حنيفة : للإمام أن يؤجرها ويأخذ الخراج من الأجرةء وإن لم يجد من 
يؤاجره باعها وأخذ الخراج من ثمنها رضي صاحبها أم لم يرض. وقال غيره: ليس له 
ذلك. 

ومنها: أن لامام إذا فتح بلدة من بلاد الكفر بالقهر والغلبة وأراد أن يمن عليهم 
ويقرهم على أملاكهم ويضع عنهم الجزية ولا يقسمها بين الخانمين جاز له ذلك رضي 
الجند بذلك أو لم يرضوا. وقال من خالفه: ليس له ذلك إلا برضى الغانمين أو 

ومنها: أن سلب المقتول من الكفار لا يكون للقاتل إلا أن يقول: الإمام من 
قتل قتيلاً فله سلبه. وقال غيره: السلب للقاتل بغير إذن الإمام. 

ومنها: لو أن رجلا جنى جناية فعزره الإمام فمات من ذلك لا ضمان على 
الإمام عند أبي حنيفة. وقال غيره: يجب الضمان. 

ومنها: لو أن رجلاً أحيا أرضاً بغير إذن الإمام لم يملكها. وقال غيره: يملكها 
ولا يحتاج إلى إذن الإمام. 

ومنها: لو أن عبد الرجل زنى» أو شرب الخمرء أو سرق كان لاإمام أن يقيم 
عليه الحد إذا ثبت ذلك عنده وليس لمولاه أن يقيم عليه الحد. وقال من خالفه: 
لمولاه أن يقيم عليه الحد ولا يحتاج إلى إذن الإمام . 


Gh‏ الانتصار والترجيح للمذهب الصحيح 

ومنها: أن الأموال السائمة إذا أقى صاحبها زكاتها إلى الفقير كان لاإمام أن 
يأخذها ثانياً. وقال غيره: ليس للإمام أخذها ثاناً. 

ومنها: لو أن رجلا قتل لقيطاً متعمداً كان للإمام استيفاء القصاص منه. وقال 
غيره: ليس له ذلك. 

ومنها: لو أن جنازة حضرت ومعهم الولي والسلطان كان السلطان أولى. وقال 
غيره: الولي أولىء إلى غير ذلك من المسائل. 

وأما كون مذهبه أدفع للحرج عن الأمة فمسائل: 

منها: «الطهارات» فإن أكثر الناس لا ينوون نية الوضوء في الطهارتين وإنما 
يصح هذا على مذهب أبي حنيفة» وكذلك الدخول في الحمامات فإنها نجسة عند 
الشافعي . 

ومنها:«حل الشرب من أواني الخزف والوضوء منها» فإنها عند الشافعي نجسة 
فانه يخالطها شيء من الرماد» وهذا أمر شائع في جميع البلاد. وكذلك «الوقود 
بالسرجين» للطبخ والخبز وغيره فإنه ينجس الأطعمة عنده وعند أبي حنيفة لا ينجس. 
وكذلك «شعر الميتة» وعظمهاء وقرنها» طاهر عند أبي حنيفة وعنده نجس مع أنه 
يعمل منه المناخل» والمصافي» والسكاكين إلى غير ذلك. وكذلك «النية» مقارنة 
التكبير في الإحرام عنده ولا يخفى ما فيه من الحرج» وكذلك «البياعات» نحو بيع 
المعاطاةء وبيع الصبي وشراؤه» وبيع الغائب نحو بيع الجوز» والبطيخ» والرمان» 
والخيار» والقثاءء والفقاع وما أشبه ذلك فإن أحداً من المسلمين قلما ينفك عن ذلك 
وكذلك «التنانير فإنها تعمل بالعود وهو نجس عنده» وكذلك «الحنطة» نجسة ما لم 
تغسل وهذا كله مما يقل الاحتراز عنه ويشق على الناس ويحرج عليهم. وقد قال 
الله تعالی: وما جع ملک فی لي من حرج [الحَج: ۷۸]. 


الباب الثامن 
في أخذه بالكتاب والسنة الصحيحة وخالفة الغير إياهما 
وهذا أيضاً نما يوجب ترجيح مذهبه أيضاً 


أما الکتاب فقوله تعالى: سدوا مين ن رل4 [البقّرة: ۲۸۲] وعند 
فيو يجرو قاد يمين وكذلك فرك ,قق اق وة 


الانتصار والترجيح للمذهب الصحيح 4V‏ 
[التساء: ۲۳] وغيره خالف ذلك وقال: N‏ 
یتزوج ابنته منها. وكذلك قول الله تعالی: ولا گلا ا لر گر اس انر يد 
[الأنعَام: ]٠١١‏ قال ا يجوز أن يأكله متروك التسمية عمداً وعندنا لا وكذلك 
قوله تعالی: اة لان جلد کل يبر ًا يأل لمر [الأور: ]١‏ قال الشافعي: 
وتغریب عام . . وكذلك قوله تعالى: #والكارق ولتار كأفط مو أيدِيهُسًا) [المَائدة: 
NOR‏ ويضمن مع القطع . وكذلك قوله تعالى: « فاشو ما َر مِنَ 
لفرًانٍ€ [المُزمّل: ]۲١‏ وقال الشافعي: لا تصح صلاته بدون الفاتحة. 


ومنها قوله تعالى: «ألتّفس بالتفي) [المّائدة: ]٤٠‏ وقال الشافعي: إذا قتل 
المسلم ذمیاً لا يقتل به. وهو مخالف لکتاب الله تغالی؛ وكذلك الملتجىء إلى الحرم 
لا يقتل عندنا لقوله تعالی: لون دعر کن ٤ایا‏ [آل عمران: ۷] وقال الشافعي : 
يقتل. وكذلك إعتاق الرقبة الكافرة في كفارة اليمين» وكفارة الظهار يجزىء لقوله 
تعالى : «فتَحرر ركَبَر [النساء: ۹۲] من غير شرط كونها مؤمنة. وقال الشافعي: لا 
يجزيه إلا الرقبة المؤمنة وهو خلاف الكتاب. وكذلك عندنا الصوم في السفر أفضل 
إذا كان لا يجد المشقة لقوله تعالى: ون توما خير آ4 [القرة: .]٤‏ وقال 
الشافعي: الإفطار أفضل وهو مخالف للكتاب. وكذلك أكل لحم الخيل لا يجوز 
لقوله تعالى: َل ولال وَأَلْحَبرَ لرّكبرها) [التحل: ۸]. وقال الشافعي: يجوز 
أكل لحم الخيل وهو مخالف لكتاب الله تعالى. أما السنة فمنها: 


(كتاب الطهارة) «إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث» ليس في الصحيحين. لنا 
فيهما: «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يتوضأً منه» ولفظ مسلم ثم يغتسل منه) . 

مسألة: إذا تير الماء بشيء من الطاهرات تغيراً يزيل اسم الإطلاق تجوز 
الطهارة به. روي أن أم هانىء كرهت أن تتوضأً بالماء الذي يبل فيه الخبز. ولنا 
خذیث م عطية قالت: توفيت إحدى بنات رسول الله ييه فقال: «اغسلنها بسدر 
واجعلن في الأخيرة كافورا . أخرجاه. 

مسألة: يجوز للرجل أن يتوضاً بفضل وضوء المرأة إذا اغتسلت بالماء وحجة 
المخالف في ذلك أحاديث واهية وليس في الصحيحين منها شيء. ولنا حديث ميمونة 
قالت: أجنبت أنا ورسول الله ية فاغتسلت من جفنة ففضلت فضلة فجاء رسول الله يا 
ليختسل منها فقلت: إني قد اغتسلت منها. قال: «إن الماء ليس عليه جنابة ولا ينجسه 
شيءا. فاغتسل منه. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح . 


A‏ الانتصار والترجيح للمذهب الصحيح 


مسألة: إذا مات في الماء ما ليس له نفس سائلة لم ينجسه ليس لهم فيه شيء 
صحيح . لنا أن رسول الله بي قال: «إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه كله ثم 
ليطرحه فإن في أحد جناحيه شفاء وفي الآخر داء». انفرد به مسلم ووجهه أنه إذا 
غمس يموت. وخرج البخاري من حديث أبي هريرة عن النبي ب: «إذا وقع الذباب 
في إناء أحدكم فليغمسه ثم لينزعه فإن في أحد جناجيه داء وفي الآخر شفاء». 

مسألة: جلود الميتة تطهر بالدباغ. وقال أحمد: لا. له أحاديث واهية. لنا 
حدیثان : 


أحدهما: ما روی ابن عباس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله بء يقول: 
«أيما أهاب دبغ فقد طهر انفرد به مسلم. 

والثاني: ما روي عن ابن عباس أيضاً قال: مر رسول الله با بشاة ميتة فقال: 
«ألا استمتعتم بجلدها؟ قالوا: يا رسول الله إنها ميتة. قال: إنما حرم أكلها» أخرجاه. 

مسالة: شعر الميتة» وعظمهاء وقرنها طاهر. وقال الشافعي: نجس له في 
أحاديث أحاديث واهية. ولنا حديث: «إنما حرم أكلها). 

مسألة: مني الآدمي وما يؤكل لحمه نجس إذا کان رطباًء وإِن کان يابساً يجزیء 
فيه الفرك. وقال أحمد والشافعي : طاهر بكل حال. لهما أحاديث واهية والصحيح 
فیها حدیثان : 

أحدهما: حديث عائشة: «كنت أفرك المني من ثوب رسول الله ي ثم يذهب 
فيصلي فيه» أخرجه مسلم غير أنه لا حجة فيه لأنا نقول بموجبه إنما الكلام في 
آلا 

والثاني أيضاً: ضاف عائشة ضيف فأمرت له بملحفة صغرى ينام فيها فاحتلم 
فاستحيا أن يرسل بها وبها أثر الاحتلام فغمسها في الماء ثم أرسل بها فقالت عائشة: 
«لمّ أفسد علينا ثوبنا؟ إنما كان يكفيه أن يفركها بأصابعه وربما فركته من ثوب 
رسول الله اة بأصابعي» . قال الترمذي: هذا حديث صحيح ولا حجة فيه أيضاً لأن 
الفرك إنما يكون لليابس ونحن نقول به ولو كان فيهما حجة فلا يقاومان ما كان في 
الصحيحين» وهو ما روى سليمان بن يسار قال: أخبرتني عائشة «أنها كانت تغسل 
المني من ثوب رسول الله بي فيخرج يصلي وأنا أنظر إلى البقع في ثوبه من أثر 
الخسل». 


الانتصار والترجيح للمذهب الصحيح 4 

مسألة: لا يجوز استقبال القبلة ببول ولا غائط . وقال الشافعي: وأحمد في 
الصحراء كذلك وفي البنيان روايتان الأصح الجواز. لهما ما روى ابن عمر قال: 
رقيت يوماً على بيت حفصة فرأيت النبي ية على حاجته مستدبر الشام مستقبل القبلة. 
أخرجه مسلم. 

ولنا ما روى أبو هريرة أن رسول الله ية قال: «إذا جلس أحدكم على حاجته 
فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها» انفرد به مسلم وكذلك روى أبو أيوب أن النبي 4ل 
قال: «لا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول ولكن شرٌقوا أو غرّبوا» أخرجاه. ولا حجة 
فيما رواه ابن عمر لأنه يحتمل أنه كان قاعداً على مثل هذه الحالة ولا يريد الحاجة. 
ولو صح أنه کان يقضي حاجته فلا يقاوم ما ذکرناه لأنه متفق عليه . 


مسألة: الواجب في مسح الرأس مقدار الناصية. وقال أحمد: مسح الجميع 
واجب له ما روي أن النبي بء مسح رأسه بیدیه فأقبل بهما وأدبر بدأ بمقدم رأسه ثم 
ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه. أخرجاه. ولنا ما روى 
المغيرة بن شعبة أن النبي بي توضاً ومسح على ناصيته» ومسح على الخفين 
والعمامة» أخرجاء أيضاً. فيحمل ما ذكره على الاستحباب وما ذكرناه على الوجوب 
توفيقاً بين الأخبار. 

مسألة: تكرار المسح على الرأس لا يستحب. قال أحمد والشافعي: يستحب 
لهما أن النبي بي توضاً ثلاثاً ثلاثاً.. قال الترمذي: هذا حديث أحسن شيء في هذا 
الباب وأصحه وليس فيه حجة لأنه لم يذكر المسح. وفي الصحيح أن عثمان وصف 
وضوء رسول الله ا ثلاثاً ثم قال: ومسح برأسه ولم یذکر عدداً. ثم قال: وغسل 
رجليه ثلاثاً. وكذلك روي عن علي أنه قال في حديثه: ومسح برأسه مرة. وقال 
الترمذي: حديث صحيح . 

مسألة: لا يجوز المسح على العمامة والخمار خلافاً لأحمد. له ما روي آن 
النبي بياة توضاً فمسح بناصيته ومسح على العمامة أخرجاه. ولا حجة فيه لأنه إذا 
مسح على الناصية أجزأه فيبقى وجود المسح على العمامة وعدمها سواء. 

مسألة: يجوز المسح على الجوربين الثخينين. وقال الشافعي: لا يجوز لنا ما 
روى المغيرة بن شعبة أن رسول الله ية توضأً ومسح على ناصيته والنعلين. قال 
الترمذى : هذا حديث صحيح . 


2 الانتصار والترجيح للمذهب الصحيح 


مسألة: لا يحل الاستمتاع بالحائض إلا فوق الإزار. وقال أحمد: يجوز 
الاستمتاع من الحائض بما دون الفرج. له حديث أنس أن اليهود كانوا إذا حاضت 
المرأة لم يؤاكلوهاء ولم يجامعوها في البيوت فسأل أصحاب النبي ييه فأنزل الله 
عر وجل: ليتكوك عن المجحيض فل هو أذى فاعرأّا ألساء) [البقرة: ۲۲۲] الآية فقال 
رسول الله باة: «اصنعوا كل شيء إلا النكاح» انفرد به مسلم . ولنا حديث عائشة «كان 
رسول الله ا يباشر نساءه فوق الإزار وهن حيض» أخرجاه. 

(كتاب الصلاة) مسألة: للمغرب وتتان أول وآخر. وقال مالك والشافعي: وقت 
واحد واحتجا بأحاديث واهية. ولنا الأحاديث الصحاح منها قوله كلا: «إن للصلاة 
ألا وخر وعدد الأوقات الحديث. وكذلك روي آن رجلا سال النبي بيو عن 
مواقيت الصلاة فقال له: «أقم معنا» فأمر بلالاً في اليوم الأول أن يقيم حين وقع 
حاجب الشمس» وفي اليوم الثاني المغرب إلى قبيل أن يغيب الشفق» ثم أمره بالعشاء 
الحديث ثم قال: «أين السائل عن مواقيت الصلاة؟ الصلاة بين هذين» قال الترمذي: 
هذا حديث حسن صحيح. وكذلك روى مسلم: «الوقت بين هذين» وكذلك روی 
مسلم أيضاً أن النبي بء صلّى كل صلاة في وقتين. وعن النبي بهاة: إذا قدم العشاء 
تاوا به قبل أ تسلو اة المرب ولا تمجلون إخرجاه» 

مسألة: الأسفار بالفجر أفضل. وقال الشافعي : التغليس أفضل. له ما روي أن 
النبي ية سل أي العمل أحب إلى الله عر وجل قال: «الصلاة على وقتها» أخرجاه 
غير أنه لا حجة فيه فإنا نقول بموجبه لأن الأسفار وقت لها ولم يخرجا الحديث 
الآخر «أول الوقت رضوان الله وآخره عفو الله» وهو غير صحيح قد ذكره الجماعة في 
الموضوعات. وكذلك روى أحاديث لا يقوم بها حجة. وله حديث عائشة: «إن نساء 
من المؤمنات كن يصلين مع رسول الله يي متلفعات بمروطهن ثم يرجعن إلى أهليهن 
ما يعرفهن أحد من الغلس» أخرجاه ولا حجة فيه لأننا لا ننكر أن الصلاة في ذلك 
الوقت جائزة وإنما الكلام في الأفضلية. وكذلك روي أن النبي ية كان يتفل في 
صلاة الغداة حين يعرف أحدنا جليسه. أخرجاه ولا حجة فيه لما تقدم بل هو حجة 
لنا. ولنا ما روي أن النبي ية قال: «أصبحوا بالصبح فإنه أعظم لأجركم» قال 
الترمذي: هذا حديث صحيح. وهو صريح في الباب فكان العمل به أولى. 

مسألة: الصلاة الوسطى هي صلاة العصر خلافاً للشافعي رحمه الله فإنه يقول 
إنها الفجر. له ما روي أن رسول الله ية قال: «حافظوا على الصلوات والصلاة 
الوسطى وصلاة العصر. وروى مسلم في صحيحه «حافظوا على الصلوات وصلاة 


الاتتصار والترجيح للمذهب الصحيح ۷۱ 


العصر» فقرأناها ما شاء اله ثم نسخها حيط عل الصكوت والصكوة الوش) 
[البَمَرَة: ۲۳۸] ولنا ما روى مسلم في صحيحه: «إن المشركين حبسوا النبي ئي عن 
صلاة العصر فقال عليه السلام: شغلونا عن الصلاة الوسطى ملأ الله أجوافهم وقبورهم 
نارآ وكذلك روي أن النبي بيو قال يوم الأحزاب: «ملا الله بيوتهم وقبورهم ناراً كما 
شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس» أخرجاه. 

مسألة: البسملة ليست آية من كل سورة. وهي آية من الفاتحة عند أحمد وعنه 
روايتان. وعند الشافعي آية من كل سورة له أحاديث واهية لا يقوم بها حجة. لنا ما 
روي أن النبي ية قال: «قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين . 
ولعبدي ما سأل وإذا قال العبد الحمد لله رب العالمين قال الله تعالى حمدني عبدي» 
الحديث انفرد بإخراجه مسلم. وكذلك روی مسلم والبخاري من حديث أنس صليت 
خلف النبي با وخلف أبي بكر» وعمر» وعثمان رضي الله عنهم فکانوا لا يجهرون 
ببسم الله الرحلمن الرحيم وفي لفظ «فلم أسمع أحداً منهم يقرأ بسم الله الرحمن 
الرحيم؟ وفي لفظ «فكانوا لا يستفتحون القراءة ببسم الله الرحمن الرحيم». وقال 
الدارقطني: كل ما روي عن النبي بيه في الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم فليس 
بصحيح فأما عن الصحابة فمنه صحيح ومنه ضعيف . 

مسألة: تصح الصلاة بدون الفاتحة خلافاً للشافعي وأحمد لهما: «لا صلاة لمن 
لم يقرأ بفاتحة الكتاب» أخرجاه وكذلك في رواية أخرى عن مسلم افهي خداج غير 
تمام». ولما ما ورد في الصحيحين أن رسول الله يي علّم رجلاً الصلاة فقال: «كبّر 
ثم اقرأً ما تيسر معك من القرآن» والعمل بما ذكرناء أولى لأنه موافق للكتاب. وأما 
حديثهم فيحمل على نفي الفضيلة. ونحن نقول به إن قراءة فاتحة الكتاب واجبة» 
وبترك الواجب لا تفسد الصلاةء وإنما تفسد بترك الفرض يؤيد ما ذكرناه حديثهم 
الثاني افهي خداج غير تمام» وهذا صريح في أن الصلاة ناقصة ونحن نقول به فكان 
العمل بما ذكرنا أولى توفيقاً بين الأخبار وجمعاً بين العمل بالكتاب والسنة. 

مسألة: أفضل التشهد تشهد ابن مسعود رضي الله عنه وهي: «التحيات لله 
والصلوات والطيبات السلام عليك أيها التبي ورحمة الله وبرکاته» إلى آخره. یروی 
ذلك عن النبي ية أخرجاه. وقال الشافعي: تشهد ابن عباس رضي الله عنه أفضل 
وهو: «التحيات المباركات الصلوات لله ا آخره). قال فيه الترمذي: هذا حدیث 
حسن غريب فكان العمل بما ذكرناه أولى. وقال الترمذي: أصح حديث عن النبي ل 
فى التشهد حديث ابن مسعود وعليه أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين . 


4Y‏ الانتصار والترجيح للمذهب الصحيح 


مسألة: إذا شك في عدد الركعات تحرَّى فإن لم يكن له ظن بنى على اليقين. 
وقال الشافعي : لا يتحرى ويبني على اليقين» له ما روي أن النبي يَية قال: «إذا سها 
أحدكم في صلاته فلم يدر أواحدة صلى أم اثنتين فليبنِ على واحدة» وإن لم يدرٍ 
اثنتين صلّى أم ثلاثاً فليبنِ على اثنتين» فإن لم يدر أثلاثاً صلّى أو أربعاً فليبنِ على 
ثلاث ويسجد سجدتين» قال الترمذي: هذا حدیث صحیح . وقال عليه السلام: «إذا 
شك أحدكم في صلاته فلم يدرٍ کم صلی فليبن على اليقين؟ انفرد به مسلم. ولنا ما 
روي عنه عليه السلام أنه قال: «إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب» أخرجاه 
والعمل به أولى. 

مسألة: لا يجوز الصلاة نفلاً عند قيام الشمس للظهيرة. وقال الشافعي: يجوز 
التنفل في ذلك الوقت في يوم الجمعة خاصة. له ما روي عن النبي ب: «كره الصلاة 
نصف النهار إلا يوم الجمعة» قال أبو داود: وهو مرسل» وأبو خليل في إسناده لم 
يسمع من قتادة: ولنا ما روي عنه َة أنه نهى عن الصلاة في هذا الوقت أخرجاه. 

مسألة: القنوت في الفجر غير مسنون. وقال الشافعي: مسنون له أحاديث غير 
صحاح. ولنا حديث أنس: قنت رسول الله اة شهراً بعد الركوع يدعو على أحياء من 
أحياء العرب ثم تركه. أخرجاه فلا يعارضه غيره. 

مسألة: الأفضل في القنوت قبل الركوع وبه قال مالك. وقال أحمد والشافعي 
بعد الركوع لهما حديث أنس: «قنت رسول الله ية بعد الركوع شهرا؛ أخرجاه. ولنا 
أن عاصماً الأحول سأل أنساً عن القنوت أقبل الركوع أو بعد الركوع فقال: قبل 
الركوع. فقلت: إنهم يزعمون أن رسول الله يي قنت بعد الركوع» فقال: كذبوا. 
أخرجاه. فيحمل ما ذكروه على القنوت في صلاة الفجر» ويحمل ما ذكرناه على 
القنوت في الوتر توفيقاً بين الأخبار ولأن أنساً رضي الله عنه أنكر الرواية الأولى . 

مسألة: يجوز الجمع في عرفة ولا يجوز في السفر. وقال الشافعي: يجوز 
الجمع في السفر والحضر. وقال أحمد: يجوز في السفر. دليلهما كان رسول الله لا 
إذا أراد أن يرتحل قبل أن ترتفع الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر ثم ينزل فيجمع 
بينهما. وإذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب. وعن ابن عباس 
قال : «كان رسول الله ية يجمع بين صلاتين في السفر المغرب والعشاء» والظهر 
والعصر» أخرجاه. غير أنه لا حجة فيهما لأنا نقول بموجبهما لأنه قال: أخر الظهر 
إلى وقت العضر» ثم يجمح بينهما ومغتاه أنه صلى الظهر فى آخر وقتها والعضر فى 


الانتصار والترجيح للمذهب الصحيح VY‏ 


أول وقتها والذي يؤيد ما ذكرناه أنه لا يجوز الجمع بين الصبح والظهر بالإجماع. 
والعلة فيه ما ذكرنا. ولنا حديث ابن مسعود: ما رأيت رسول الله ييو صلّى صلاة إلا 
لميقاتها إلا صلاتين صلاة المغرب وصلاة العشاء بجمع» وصلَى صلاة الفجر يومئذ 
قبل ميقاتها . أخرجاه. 

مسألة: لا يسن التطوع قبل صلاة العيد ولا بعدها عندنا. وبه قال أحمد وقال 
الشافعي: يسن. لنا ما روي أن النبي ية صلى يوم الفطر فلم يصلٌ قبلها ولا بعدها. 
وهي رواية ابن عباس» ورواية ابن عمر: خرج يوم عيد فلم يصلٌ قبلها ولا بعدها. 
قال الترمذي: الحديثان صحيحان . 

مسالة: لا يصلي على الجنازة عند طلوع الشمس ولا بعد قيامها وغروبها وبه 
قال أحمد. وقال الشافعي: يجوز. لنا حديث عقبة بن عامر: ثلاث ساعات كان 
رسول الله يا نهانا أن نصلي فيهن» أو نقبر فيهن موتانا» انفرد به مسلم . 

مسألة: يكره الجلوس قبل أن توضع الجنازة وبه قال أحمد. وقال الشافعي: لا 
يكره. لنا «إذا رأيتم الجنازة فقوموا فمن تبعها فلا يقعد حتى توضع؟ أخرجاه. 

ا إذا تصدّق عن الميت صح وانتفع به. وبه قال أحمد. وكذلك قال في 
الصلاة والقراءة: وقال الشافعي: لا يصح من ذلك شيء. لنا ما روي أن سعد بن 
عبادة توفيت أمه وهو غائب فقال: يا رسول الله إن أمي توفيت وأنا غائب عنها فهل 
ينفعها أن أتصدق عنها بشيء؟ قال: «نعم» قال: فإني أشهد أن حائطي"“ المخرف 
صدقة عنها. انفرد به البخاري. 

(الزكاة) مسألة: الزكاة واجبة في الخيل السائمة. وقالوا: لا زكاة في الخيل 
دليلهم: «عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق ولنا أن رسول الله باو ذكر الخيل 
فقال: «ورجل ربطها تغنياً وتعفغاً ثم لم ينس حق الله في رقابها وإلا ظهورها فهي 
لذلك ستر» أخرجاه. وما ذكرناه أولى لأن حديثهم ليس في الصحاح ولو صح فيحمل 
على ما إذا لم تكن للتجارة والاستنماء. 

(الصوم) مسألة: الصائم إذا أكل ناسياً لم يبطل صومه. وقال مالك: يبطل. لنا 
حديث أبي هريرة: «من نسي فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه 
أخرجاه. 


(1) أي بستاني الذي يسمى المخرف» والمخرف في الأصل مجني الثمار وعند الخطابي بزيادة لف 
بعد الراء. 


V4‏ الانتصار والترجيح للمذهب الصحيح 

مسألة: لا تكره القبلة للصائم إذا أمن على نفسه. وقال مالك: تكره. لنا أن 
النبي يا کان يقل وهو صائم . أخرجاه. وله أن رجلا قبل امرأته وهما صائمان فسئل 
النبي يياو عن ذلك» فقال: «فقد أفطرا» وهذا ليس بشيء. 

مسألة: الحجامة لا تفطر الصائم لما روى ابن عباس: «أن النبي ية احتجم 
وهو صائم» قال فيه الترمذي: هذا حديث صحيح. واحتج المخالف بما روي «أفطر 
الحاجم والمحجوم) وتو خديت عت 

(الحج) مسألة: القران أفضل من الإفراد لما روى أنس قال: سمعت 
رسول الله َة يلبي بالحج والعمرة ة يقول: «لبيك عمرة وحجاً» أخرجاه. وقال 
الشافعي : الإفراد أفضل . وله ما رواه مسلم في صحيحه أن رسول الله ية أفرد الحج 
وهذا من إفراد مسلم. وحديشنا متفق عليه . 

مسألة: يصح نكاح المحرم. وقال أحمد: لا يصح العقد. لنا حديث ابن عباس 
أن رسول الله ية نكح ميمونة وهو محرم. أخرجاه. وله: «لا ينكح المحرم ولا 
یخطب» وهو من إفراد مسلم. 

(الشفعة) مسألة: الشفعة تستحق بالجوار. وقال الشافعي: لا تستحق. لنا قوله 
عليه السلام: «الجار أحق بصقبه» أخرجاه. وله قوله عليه السلام: «الشفعة فيما لم 
يقسم؟ اتفرد به البخاري وحديشنا أولى لأنه متفق عليه . 

(الإجارة) مسألة: يجوز أخذ الأجرة على الحجامة. وقال أحمد: لا يجوز 
الإجارة. لنا أن رسول الله با احتجم وأعطى الحجام أجرة أخرجاه. وله أحاديث 
ضعاف. 

(النکاح) مسألة : الاشتغال بالنكاح أفضل من التخلي لنفل العبادة. لنا قوله ك: 
«لكن أصوم» وأفطر» وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني». وقال 
الشافعي : الاشتخال بالتخلي للنفل أفضل وله فيه أحاديث واهية . 

مسألة: النكاح بغ بغير الولي يصح. وقال الشافعي: لا يصح. لنا. قوله 4ل: 
«الأيم أحق بنفسها من وليهاء والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صحتها» وكذلك روي 
عن خنساء ابنة حرام أن أباها زؤّجها وهي كارهة وكانت ثيّبة فرد النبي ية نكاحها 
انفرد به البخاري. ودليل الشافعي في ذلك أحاديث ضعاف . 


(۱) عند بعضهم أو مۋول. 


الانتصار والترجيح للمذهب الصحيح {Ve‏ 

مسألة: يجوز النكاح بلفظ الهبة والتمليك وما كان في معناه. وقال الشافعي: لا 
يجوز إلا بلفظ التزويج والإنكاح. لنا ما روي أن امرأة جاءت إلى النبي به فقالت : 
يا رسول الله جئت أهبه نقسي فنظر إليها رسول الله بي فصعد النظر وصرَبه ثم طأطاً 
رأسه الحديث بطوله. وفي آخره قال: «قد ملكتكها بما معك من القرآن» أخرجاه في 
الصحيحين . 

مسألة: إذا كان الولي ممن يجوز له التزويج يجوز له أن يتولى طرفي العقد 
كابن العم» والمعتق. لنا ما روى أنس بن مالك أن رسول الله بي أعتق صفية بنت 
حيي وجعل عتقها صداقها أخرجاه في الصحيحين . وقال الشافعي: ليس له ذلك. 


مسألة: إذا تزوج امرأة ولم يسم لها مهراً جاز ولها مهر مثلها. وقال الشافعي : 
لا يصح النكاح . ولنا ما روي عن علقمة قال: أتى عبد الله في امرأة تزوجها رجل ثم 
مات عنها ولم يفرض لها صداقاً ولم يكن دخل بها فاختلفوا إليه فقال: أرى لها مثل 
صداق نسائها ولها الميراث وعليها العدة فشهد معقل بن سنان النخعي أن النبي كلا 
قضى في بروغ بنت واشق بمثل ما قضى. قال الترمذي: هذا حديث صحيح . 

مسألة: إذا تزوج امرأة على امرأة كانا في القسم سواء ولا تفضل الثانية بشيء. 
قال الشافعي : تفضل البكر بسبع» والثيب بثلاث. لنا ما روي عن أم سلمة أن 
رسول الله با لما تزوجها أقام عندها ثلاثة أيام وقال: «إنه ليس لك على أهلك هوان 
فان شئت سبَّعت لك» ون سبّعت لك سبّعت لنسائي انفرد به مسلم. وله ما روي 
أن أنس بن مالك قال: لو شئت أن أقول قال رسول الله ية ولكئه قال: السنة إذا 
تزوج الرجل البكر على امرأته أقام عندها سبعاًء وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثاً. 
قال الترمذي: هذا حديث صحيح وما ذكرناه أولى لوجهين : 

أحدهما: أن حديث أنس غير مرفوع . 

والثاني: أن ما انفرد به مسلم أقوى مما انفرد به الترمذي. 

(الطلاق) مسألة: إرسال الثلاث في طهر واحد بدعة وحرام. وقال الشافعي: 
مباح. لنا ما روي أن ابن عمر طلّق امرأته وهي حائض فسأل النبي ية عن ذلك 
فقال: مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسك 
بعد وإن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء» أخرجاه 
في الصحيحين. 


Ha‏ الانتصار والترجيح للمذهب الصحيح 

(اللعان) مسألة: المتلاعنان لا تقع الفرقة بينهما إلا بتفريق الحاكم. وقال 
الشافعي: تقع بلعان الزوج وحده. لنا. ما روي عن اين عمر أنه سئل عن المتلاعنين 
أيفرق بينهما فقال: نعم لأن رسول الله ية فرق بينهما بعد أن تلاعنا أخرجاه في 
الصحيحين فإن قيل ففي الصحيحين أيضاً من حديث ابن عمر أن النبي بل قال: «لا 
سبيل لك عليها» قلنا: إنما ظنَ أن له المطالبة بالمهر وهذا في تمام الحديث أنه قال: 
يا رسول الله مالي قال: «لا مال لك إن كنت صدقت عليها فهو بما استحللت من 
فرجهاء وإن كانت كذبت عليها فذلك أبعد لك منها) . 


(القصاص) مسألة : يجري القصاص في كسر السن كما يجري في قلعها. وقال 
الشافعي : لا يجري في الكسر لنا حديث أنس أن الربيع بنت النضر عمته لطمت جارية 
فكسر سنها ففرضوا عليهم الإرش فأبواء فطلبوا العفو فأبوا فأتوا النبي إلا فأمرهم 
بالقصاص الحديث بطوله انفرد به البخاري. 

(القسامة) مسألة: يبدأ في القسمة بأيمان المدعى عليهم. وقال أحمد بأيمان 
المدعين. لنا أن النبي بيا قال لهم: «تأتون بالبينة على من قتله» قالوا: ما لنا بينة. 
قال: «فتحلفون» قالوا: لا نرضى بأيمان اليهود فكره رسول الله ب أن يطل دمه فوداه 
بمائة من إبل الصدقة أخرجاه. وفي الصحيحين بدأ أنه بأيمان المدعين وما ذكرناه 
أولى لقوله عليه السلام: «البينة على المدعي واليمين على من أنكرا. 

(الحدود) مسألة: حد الزنا لا يثبت إلا بإقراره أربع مرات. وقال الشافعي : 
يبت بإقراره مرة واحدة. لنا حديث أبي هريرة قال: جاء ماعز الأسلمي إلى 
رسول الله اة فقال: إنه قد زنى. فأعرض عنه. ثم جاءه من شقه الآخر فقال: يا 
رسول الله إنه قد زنى فأمر به في الرابعة فرجم» وفي الصحيحين فلما شهد على نفسه 
أربع شهادات دعاه النبي ية وقال: «أبك جنون؟ قال: لا يا رسول الله. قال: 
أحصنت؟ قال: نعم يا رسول الله. قال: اذهبوا به فارجموه) . 

مسألة : حد الشرب ثمانون. وقال الشافعي أربعون. لنا: إن عمر استشار الناس 
فقال عبد الرحمن بن عوف: أخف الحدود ثمانون فأمر به عمر وهذا حديث صحيح . 
فإن قيل إن النبي اة جلد نحواً من أربعين قلنا: تعزيراً لا حداً لأنه لو كان حداً لما 
جاز لهم المجاوزة. 


الانتصار والترجيح للمذهب الصحيح eV‏ 


(السير) مسألة: لا يقتل الشيخ الفاني» ولا الرهبانء ولا العميان» ولا الزمنى» 
ولا المرأة إلا إن كان لهم رأيء وقال الشافعي : يقتلون في أحد قوليه. لنا ما روي 
أن امرأة وجدت في بعض مغازي رسول الله ية مقتولة فأنكر رسول الله ية ذلك 
ونهى عن قتل النساء» والصبيان. قال الترمذي: هذا حدیث صحیح . 

(الصيد) مسألة : إذا أكل الكلب من الصيد لم يؤكل خلافً لأحد قولي الشافعي» 
وقولي أحمد» وقول مالك. لنا ما روى عدي بن حاتم قال: سألت رسول الله ية 
فقال: «إذا أرسلت كلبك المعلم فقتل فكلهء وإذا أكل فلا تأكل فإنما أمسك على 
نفسك» أخرجاه. 

هذا آخر ما اردنا ذكره من الانتصار والترجيح ولم نستقصِ من كل باب الغاية 
ولا بلغنا النهاية» وإنما ذكرنا من كل باب نبذة إذ كان المقصود منه الاختصار كي لا 
يؤدي إلى الملل والإضجار. 

تم الکتاب بحمد الله وعونه 
والحمد لله أولاً وآخراً 


4 ° 8 2 7 
الزن أصولالفتااط اهي 
دام افا کل ہا عر کرم ری 
مسرو ۵ھ ^ 


E. 


سو ومک ےت 


وه رر و2 وص 2 
امام اریہ ی مط رہن سرع یک وروی 
الر اهيز 


وےے 


ا دا از ے کے 


نظرة في المذهب الظاهري 
و اليك لابن حرم 


مضت فقهاء الأمة منذ عهد الصحابة رضي الله عنهم على الأخذ بالكتاب والسنة 
وبما جرت عليه جماعة الفقهاء» وبرد الشيء الذي لم يرد فيه نص إلى نظيره الذي 
ورد فيه نص وإن اختلفوا في وجوه دلالة تلك الأدلة وشروط الأخذ بها. وبعد انعقاد 
الإجماع على تلك الأصول حاول محاولون التشكيك في كل منها. فقال قائل: إن 
دلالة الأدلة النقلية ظنية مطلقاً وسرد في ذلك ما شاء من الوساوس» واشترط شارط 
في قبول السنة شروطاً تسقط جلها من مقام الاحتجاج» وأتى إبراهيم بن سيار التَطًام 
فأبدى وجوه تشغيب في حجية الإجماع والقياس الشرعي. ولم يتحاش في ذلك النيل 
من الصحابة. ثم وثم إلى أن جاء داود بن علي الأصبهاني - ولد بالكوفة وكان أبوه 
علي بن خلف يتولى كتابة عبد الله بن خالد الكوفي قاضي أصفهان أيام المأمون - 
فتفقه على إسحاق بن راهويه» وأبي ثور. ثم انتحل القول بالظاهر ونفى القياس في 
الأحكام قولاً واضطر إليه فعلاً فسماه دليلاً كما يقول أحمد بن كامل الشجري 
القاضي» وقد نسب إليه أنه كان يقول في القرآن: «أما الذي في اللوح المحفوظ فغير 
مخلوق» وأما الذي هو بين الناس فمخلوق» وهذا مما لا يقوله عالم وفيه يقول أبو 
العباس عبد الله بن محمد الناشىء: 

جهلت ولم تعلم بأنك جاهل فمن لي بان تدري بأنك لا تدري؟! 

ولم يكن الإمام أحمد يرضى دخوله عليه لسوء معتقده في نظره حتى إن الحنابلة 
يروون عن أحمد كلمة شديدة في حقه ضرينا عن ذكرها صفحاً. وكان من أشد الناس 
على داود» إسماعيل القاضي المالكي» وقد جرا داود العامة على ما لا قبل لهم به 
من أخذ الأحكام مباشرة من الكتاب والسنة حيث حرم عليهم التقليد» وكان يقعد 


۸1 


AY‏ رة س ملحب القاعري و بدا ١بن‏ حرم 


للمناظرة وقد دخل عليه أبو سعيد البردعي شيخ أبي الحسن الكرخي فسأله عن بيع 
أمهات الأولاد فقال: يجوز لأا أجمعنا على جواز بيعهن قبل العلوق فلا نزول عن 
هذا الإجماع إلا بإجماع مثله. فقال له البردعي: أجمعنا على أن بيعها بعد العلوق 
قبل وضع الحمل لا يجوز فيجب أن نتمسك بهذا الإجماع ولا نزول عنه إلا بإجماع 
مثله. فانقطع داود. ومن المتشددين في داود وأتباعه إسماعيل القاضي» وأبو بكر 
الرازي الجصاص» وأبو إسحاق الإسفرايني» وإمام الحرمين» حتى إنهم لا يعتدون 
بخلافهم. وحمل الجلال المحلي كلام إمام الحرمين على ابن حزم وهذا ليس بجيد 
لأن مذهب ابن حزم ما كان اشتهر في زمن إمام الحرمين في الشرق وقوله في النهاية 
صريح في آن كلامه في داود وأتباعه» كما أن كلام أبي بكر الباقلاني» وابن أبي هريرة 
صريح في ذلك. وألّف داود کتباً كثيرة في مذهبه» وخلفه ابنه بو بکر محمد بن داود 
ونشر علم والده فانتشر القول بالظاهر في الشرق حتى كان المذهب الظاهري رابع 
المذاهب الأربعة في القرن الرابع كما أحسن التقاسيم» ثم حل محله المذهب الحنبلي 
في البلاد الشرقية منذ زمن القاضي أبي يعلى الحنبلي. 


وكان من أفذاذ العلماء في المذهب الظاهري في الشرق» إبراهيم بن جابر 
البغدادي» وعبد الله بن أحمد بن محمد بن المغلس» وأبو الحسين محمد بن الحسين 
البصري الظاهري ورويم بن أحمد الصوفي» وأبو القاسم عبيد الله بن علي الكوفي 
صاحب الطحاوي وأبو بكر محمد بن موسى بن المثنى النهرواني» وعلي بن محمد 
البغدادي» وبشر بن الحسن القاضي» ومحمد بن إسحاق القاشاني» وأحمد بن 
محمد بن صالح المنصوري» والحسن بن عبيد» والحسين بن عبد الله السمرقندي» 
وعبد العزيز بن أحمد الخزري» وأبو بكر محمد بن الأخضر» وأبو الفرج الفامي» 
وأبو نصر يوسف بن عمر وأبو سعيد الرقى» وأبو الطيب بن الخلال» وإبراهيم بن 
أحمد الرباعي» ومحمد بن سعيد صاحب أصول الفتوى» وأبو الحسن حيدرة بن عمر 
الزندروذي» ويوسف بن يعقوب بن مهران» ومحمد بن عمر الداودي. وقد ولى 
جماعة منهم القضاء وكانوا يرعون الخلاف في مسائل القضاء فخفَ شذوذهم وغلوهم 
فاعتدّ بهم بعض الفقهاء ثم انطوت صحيفتهم بالشرق في القرن الخامس فجذ 
بالأندلس بعد أن مهد السبيل إليه بقي بن مخلد» وابن وضاح وقاسم بن أصبغ حيث 
قام ابن حزم بعد أن اكتهل يتفقه إلى أن أصبح يناهض فقهاء الملة فأخذ يدعو إلى 
الأخذ بالظاهر ونبذ التمذهب» وعلى سعة علمه كان كثير التهجم والاستطالة حتى عد 


نظرة في المذهب الظاهري و «النبذه لابن حزم AY‏ 


لسانه كسيف الحجاج وقد امتحن مرات في فتن إلى أن انطوت حياته في غاية من 
البؤس مع أنه كان منشأً في الحلية ربيب نعمة لأنه من بيت وزارة سامحه الله ثم تفرّق 
أصحابه في بلاد الله فقبر مذهبه هناك. وكان الحميدي صاحب الجمع بين الصحيحين 
من أصحابه الذين هربوا إلى الشرق فذاعت كتب ابن حزم في الشرق بواسطته ومنه 
أخذ أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي القول بالظاهر» وكانت ظاهرية الأندلس أكثر 
غلواً حتى إن الأمير يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن لما تولى الحكم أحرق تحزباً 
لأهل الظاهر - مدونة سحنون» ونوادر ابن أبي زيد» وواضحة ابن حبيب - وما جانس 
تلك الكتب ولم يقع مثل ذلك في الشرق. وكان ابن حزم شديد الانحراف عن 
الأشاعرة وكانت أشد حملاته على المالكية» ثم الحنفية» ثم الشافعية» وحيث كانت 
نشأته في بيت عز واعتزاز كان يطمح إلى التفرد بمذهب ليكون متبوعاً لا تابعاً ففعل 
بين ضوضاء الأخذ والرد ولم يؤده قوله بالظاهر إلى مذهب الحشوية في المعتقد بل 
كان شديداً عليهم أيضاً وكان يرى التنزيه البالغ هو مقتضى الأخذ بظاهر الكتاب 
والسنة. 

ومما یحکی أنه كان يتساير هو وابن عبد البر فاستقبلهما غلام وضيء الوجه 
فأبدی ابن حزم استحسانه فقال له ابن عبد البر: لعل ما تحت الثياب ليس هناك 
فارتجل ابن حزم شعراً وأنشده إلى أن قال: 

ألم تراني ظاهري وإنني على مابداحتى يقوم دليل 

وهذه الحكاية تذكرنا ما جرى بين ابن دقيق العيد وأبي حيان من الحديث 
المنقول في الطالع السعيد سامحهم الله. وقد أشرت في «الإشفاق» إلى قول أهل 
العلم في ابن حزم إلا أن أمهات كتبه في الفروع والأصول» والمعتقد قد طبعت 
فانتشرت آراؤه في الشرق فأصبح العلماء في حاجة إلى مدارسة كتبه ليكونوا على بيّنة 
من أمرها في حالتي الأخذ والرد وكتاب «النبذ» له في أصول الفقه الظاهري صورة 
مصغرة من كتاب الأحكام له» أله ليكون تمهيداً ومدخلاً له وفيه من البحوث ما ليس 
في الأصل مع تلخيص كتاب الأحكام في التدليل على رأيه في الإجماع والقياس وما 
إليهما من المطالب» وبالإطلاع عليه يحصل الإلمام بأصول مذهبه بأيسر مدة وأقصر 
طريق وسنشير بتوفيق الله سبحانه إلى أهم مواضع النقد فيه بقدر ما يتسع له المقام 
ومن الله جل شأنه التوفيق والتسديد. 

محمد زاهد الكوثري 


قال الشيخ الفقيه الإمام الحافظ الوزير أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن 
حزم الأندلسي القرطبي رضي الله عنه: 

الحمد لله الذي خلقنا ورزقناء وجعل لنا السمع والأبصار والأفئدة» فنسأله أن 
يجعانا من الشاكرين» وصلى الله على سيد المرسلين محمد عبده ورسوله أتم صلاة 
وأفضلها وأزكاهاء وعليه من ربنا تعالى ثم منا أفضل السلام وأطيبه» ثم على أزواجه» 
وآله» وأصحابه» وتابعيهم ولا حول ولا قوة إلا باله العلي العظيم . 


أما بعد» وفقنا الله تعالى وإياكم لإيفاء ما كلفناء وعصمنا وإياكم من مواقعة ما 
عنه نهاناء فإننا لما كتبنا كتابنا الكبير في الأصول» وتقصينا أقوال المخالفين وشبههم› 
وأوضحنا بعون الله تعالى ومتّه البراهين في كل ذلك» رأينا بعد استخارة الله تعالى» 
والقاعة اليد في جرت ان باق ألى؛ أن اتح فلك الجحل في كات الظيت» 
فيسهل تناوله» ويقرب حفظه» ويكون إن شاء الله عر وجل درجة إلى الإشراف على 
ما في كتابنا الكبير في ذلك وحسبنا الله ونعم الوكيل. 

فصل : اعلموا رحمكم الله إننا لم يُخرجنا ربنا إلى الدنيا لتكون لنا دار إقامة» 
لكن لتكون لنا محلة رحلة» ومنزلة قلعة» والمراد منا القيام بما كلفنا به ربنا تعالى مما 
بعث به إلينا رسوله ية فقط لذلك خلقناء ومن أجله أسكننا هذه الدارء ثم النقلة منها 
إلى إحدی الدارین: ل لأر لى تير 9© ك الث 
NE Nf‏ 


O 


ثم بن لنا تعالى من الأبرار؟ ومن الفجار؟ فقال عر وجل: يك خذوة الي 
ع وَرَسُوكم تخل جت تَجْری ين تما الأتعر حيبت 
کر رمش ٤ے‏ ایم و بدا 


فیا ویلک لك امور اميم © وی یع الله سوم يعد 
کا کیا یا رہ عدا میت ©@)4 [الئاء: .]٠٤ ١۳‏ 


fAo 


A1‏ النبذ في أصول الفقه الظاهري 

فوجب أن نطلب كيف هذه الطاعة؟ وهذه المعصية؟ فوجدناه تعالى قد قال: 
تا رتا نی الک ین سیو [الأنعام: ۳۸] وقال تعالى: وا ألا عك اكب إلا 
ثبب نم ايى افوا مط وشكى وة لور بيثرت 4)69 [التحل: ]٦4‏ وقال 
تعالی: ٤ا‏ ایی امنا ایلیا اه يعوا ارو ایی الا ین کین کرم فی کیو ردو 
بک اکر داشر لن گم يئر باقر زر لير [الأساء: ۹] وقال تعالى: ام 
اكت لَك وبتك [المائدة: ]١‏ فأيقتا وله الحمد بأن الدين الذي كلفنا به ربناء ولم 
يجعل لنا مخلصاً من النار إلا باتباعه» مبين كله في القرآن» وسنة رسوله بل 
وإجماع الأمة. وأن الدين قد كمل فلا مزيد فيه ولا نقص» وأيقنًا أن كل ذلك 
محفوظ مضبوط لقوله تعالى: إا حن برا لكر وإ لم نظو ®@) [الججر: 
۹ فص من هذا صحة مستيقنة لا مجال للشك فيها أنه لا بحل لأحد أن يفتي» ولا 
أن يقضي» ولا أن يعمل في الدين إلا بنص قرآن» أو نص حكم صحيح عن 
رسول الله ب أو إجماع متيقن من أولي أمر منا لا خلاف فيه من أحد منهم. وصح 
أن من نفى شيئاً أو أوجبه فإنه لا يقبل منه إلا ببرهان لأنه لا موجب ولا نافي إلا 
الله تعالى فلا يجوز الخبر عن الله تعالى إلا بخبر وارد من قبله تعالى» إما في القرآن» 
وإما في السنة» والإباحة تقتضي مبيحاًء والتحريم يقتضي محرماًء والفرض يقتضي 
فارضاً» ولا مبیح» ولا محرم» ولا مفترض إلا الله تعالی خالق الكل ومالکه لا إله 
إلا هو. 

HH e 


الكلام في الإجماع وما هو؟ 


بدأنا بالإجماع لأنه لا اختلاف فيه فنقول وبالله تعالى التوفيق: إنه لما صح عن 
الله عر وجل فرق اتباع ا بما ذکرناء وبقوله عر وجل: وم يساق ا 
من بعد ما بين له لدی و 5 كل اينه فما ول وش ا 

میا تيا €9 لالساء: وم ا الاختلاف وحرمه بقوله ع وجل: اموا 
ی اج جیما ولا قرا [آل عمران: ۱۰۳] وبقوله تعالی: ولا E‏ 
eri‏ 6 [الأنقًال: ]٤١‏ ولم يكن في الدين إلا إجماع أو اختلاف. فأخبر تعالى 
أن الاختلاف ليس من عنده عڙ وجل فقال تعالی: وو گان يِن عند عر أل لودو فيد 
ًا َا [النساء: ]۸١‏ فصح ضرورة أن الإجماع من عنده تعالى إذ الحق من 
عنده تعالى وليس في الدنيا إلا إجماع أو اختلاف . فالاختلاف ليس من عند الله تعالى 
فلم يبق إلا الإجماع فهو من عند الله تعالى بلا شك. ومن خالفه بعد علمه به أو قیام 
الحجة عليه بذلك فقد استحق الوعيد المذكور في الآية. 
فنظرنا في هذا الإجماع المفترض علينا اتباعه فوجدناه لا يخلو من أحد وجهين 
لا ثالث لهما. 
إما أن يكون إجماع كل عصر من أول الإسلام إلى انقضاء العالم ومجيء يوم 
, القيامة. أو إجماع عصر دون عصر. فلم يجز أن يكون الإجماع الذي افترض الله 
علينا اتباعه إجماع كل عصر من أول الإسلام إلى انقضاء العالم لأنه لو كان ذلك لم 
يلزم أحداً في الناس اتباع الإجماع لأنه ستأتي أعصار بعده بلا شك فالإجماع إذاً لم 
يتم بعد. وكان يكون أمر الله تعالى بذلك باطلاً. وهذا كفر ممن أجازه إذا علمه 
وعاند فيه . فبطل هذا الوجه بيقين لا شك فيه ولم يبق إلا الوجه الآآخر وهو: 
إنه إجماع عصر دون سائر الأعصار فنظرنا في ذلك لنعلم أي الأعصار هو الذي 
إجماع أهله هو الذي أذن الله تعالى في اتباعه وأن لا يخرج عنه. فوجدنا القول في 
ذلك لا يخلو من أحد ثلاثة أوجه لا رابع لها: 


AY 


E e N E ANY 


إما أن يكون ذلك العصر هو عصر من الأعصار التي بعد عصر الصحابة 
رضي الله عنهم» أو يكون عصر الصحابة فقط . أو يكون عصر الصحابة وأي عصر 
بعدهم أجمع أهله أيضاً على شيء فهو إجماع . 

فنظرنا في القول الأول فوجدناه فاسداً لوجهين برهانيين كافيين : 

أحدهما: أنه مجمع على أنه باطل لم يقل به أحد قط . 

والثاني: أنه دعوی بلا دلیل بيقین لہرهانین: 

احدهما: قوله تعالی: فل هاا كم إن نكر صروت) [البَمَرة: 
۱ النمل: ]٦٤‏ فص أن کل من لا برهان له فليس بصادق في دعواه. 

والثاني: أنه لا يعجز مخالفه عن أن يدعي كدعواه» فيقول: أحدهما هو العصر 
الثاني» ويقول الآخر بل الثالث» ويقول الثالث بل الرابع. وهذا تخليط لا خفاء به 
فيسقط هذا القول والحمد لله. 

فنظرنا في هذا القول الثاني وهو قول من قال: إن أهل العصر الذي إجماعهم 
هو الإجماع الذي أمر الله تعالى باتباعه هم الصحابة رضي الله عنهم فقط» فوجدناه 
صحیحا لبرهانین . 

أحدهما: أنه إجماع لا خلاف فيه من أحدء وما اختلف قط مسلمان في أن ما 
أجمع عليه جمع الصحابة رضي الله عنهم دون خلاف من أحد منهم إجماعاً متيقناً 
مقطوعاً بصحته فإنه إجماع صحيح لا يحل لأحد خلافه. 

والثاني: إنه قد صخ أن الدين قد كمل بقوله تعالى: ام اكت لم ونك 
[المائدة: ]١‏ فإذ قد صح ذلك فقد بطل أن يزاد فيه شيء» وصح أنه كمل فقد اتفقنا 
أنه كله منصوص عليه من عند الله عر وجل» وإذا هو كذلك فما کان من عند الله تعالى 
فلا سبيل إلى معرفته إلا من قبل النبي بيا الذي يأتيه الوحي من عند الله. وإلا فمن 
نسب إلى اله تعالی أمراً لم أت به عن الله عھد فهو قائل على الله ما لا علم له به. 
هذا مقرون بالشرك ووصية إبلیس. قال الله تعالی: فل إا حم ري لرکو ما طهر 
متا وتا بی الام اتن پتیر لی وان نرکا پاک ما کر برد ہبہ شاا وان فووا عل آل 
ك وة @4 [الأعرًاف: ۳۳] وقال الله تعالى: «ول تَعوا حطوتِ السيطن إِلَمُ 
کہ عند ی @ با بای بای التخکتہ وکن یرلا ع کر ما کا لر ©4 
[البقرّة: ۱۸ء 1۹[ فإذا قد صح أنه لا سبيل إلى معرفة ما أراد الله تعالى إلا من قبل 
رسول الله ية ولا يكون الدين إلا من عند الله تعالى. فالصحابة رضي الله عنهم هم 


النبد في اصول الفقه الظاهري ۸4 


الذين شاهدوا رسول الله ية وسمعوه. فإجماعهم على ما أجمعوا عليه هو الإجماع 
المفترض اتباعه لأنهم نقلوه عن رسول الله ية عن الله تعالى بلا شك. 

ثم نظرنا في القول الثالث من أن إجماع الصحابة إجماع صحيح» وأن إجماع 
أهل عصر ما ممن بعدهم إجماع أيضاً وإن لم يصح في ذلك عن الصحابة 
رضي الله عنهم إجماعهم فوجدناه باطلاً لأنه لا يخلو من أحد ثلاثة أوجه لا رابع 
لها: 

إما أن يجمع أهل ذلك العصر على ما أجمع عليه الصحابة رضي الله عنهم . 

A Sp RN EER ng E 
يحفظ فيه عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم قول.‎ 

وإما على أمر حفظ فيه عن بعضهم قول ولم يحفظ فيه عن سائرهم شيء. فان 
كان إجماع أهل العصر المتأخر عنهم على ما أجمع عليه الصحابة رضي الله عنهم فقد 
غنينا بإجماع الصحابة رضي الله عنهم ووجوب فرض اتباعه عمن بعدهم» ولا يجوز 
أن يزيد إجماع الصحابة قوة في إيجابه موافقة من بعدهم لهم» كما لا تقدح فيه 
مخالفة من بعدهم لو خالفهم. بل من خالفهم وخرق الإجماع المتيقن على علم منه 
به فهو كافر إذا قامت الحجة عليه بذلك وتبين له الأمر وعاند الحق. 

وإن كان إجماع العصر المتأخر على ما صح فيه اختلاف بين الصحابة 
رضي الله عنهم فهذا باطل» ولا يجوز أن يجتمع إجماع واختلاف في مسألة واحدة 
لأنهما ضدان» والضدان لا يجتمعان معا" وإذا صخ الاختلاف بين الصحابة 
رضي الله عنهم فلا يجوز أن يحرم على من بعدهم ما حل لهم من النظر ومنعهم من 
الاجتهاد الذي أداهم إلى الاختلاف في تلك المسألة ما وسع من سلف إذا دى إنساناً 
بعدهم دليل إلى ما أذى إليه الدليل بعض الصحابة لأن الدين لا يحدث على ما قلنا 
قبل وما کان مباحاً في وقت ما بعد موت الي يي فهو مباح أبداً وما کان حراماً في 
وقت ما فلا يجوز بعده أن يحل أبداًء قال الله تعالى: الوم الت اکل کم و 
[المائدة: ۴]. 


() هذا مسلم إذا كانا في زمن واحد» وأما مع اختلاف الزمن فلا مانع من الاختلاف في مسألة في 
زمن ثم الإجماع عليها في زمن آخر» كمسألة بيع أمهات الأولاد حيث اختلفت الصحابة في 
جواز بيعها ثم انعقد الإجماع على عدم جواز البيع فمنطق المصنف هنا غير سديد» ورأيه غير 
مناهض. 


4 النبذ في اصول الفقه الظاهري 


وبرهان آخر» وهو أن هؤلاء أهل هذا العصر المتأخرين ومن وافقوه من 
الصحابة إنما هو بعض المؤمنين بيقين إذا لم يدخل فيهم من روي عنه الخلاف في 
ذلك من الصحابة رضي الله عنهم فإذ لا شك في أنهم بعض المؤمنين فقد بطل أن 
يكون إجماع. لأن الإجماع إنما هو إجماع جمع المؤمنين"" لا إجماع بعضهم. لأن 
لله تعالی نص على ذلك بقوله تعالی: ایل الأ ینگ کین رع فی کیو ردو پل آم 
والرشول إن ك ومو باه رر أ4 [الساء: ]٠۹‏ فإذا أجمع بعض دون بعض فهي 
حال تنازع فلم يأمر تعالى في ذلك باتباع بعض" دون بعض لكن بالرد إلى الله تعالى 
والرسول ية فبطل هذا القول بيقين لا مرية فيه ولله الحمد. 


ثم نظرنا في القسم الثالث من إجماع العصر المتأخر على ما لم يحفظ فيه 
إجماع ولا خلاف بين الصحابة رضي الله عنهم لكن إما على حكم حفظ فيه قول عن 
بعض الصحابة رضي الله عنهم دون بعض» أو لم يحفظ فيه عن أحد منهم من 
الصحابة رضي الله عنهم شيء فوجدناه لا يصح لبرهانين: 


أحدهما: أنهم بعض المؤمنين لا كلهم» ولم يقع قط على أهل عصر بعد 
الصحابة رضي الله عنهم اسم جميع المؤمنين» لأنهم قد سلف قبلهم خيار المؤمنين» 
فإذا أهل كل عصر بعد الصحابة رضي الله عنهم إنما هم بعض المؤمنين بلا شك فقد 
بطل أن يكون إجماعهم إجماع المؤمنين» ولم يوجب الله تعالى علينا قط اتباع سبيل 
بعض المؤمنين»› ولا طاعة بعض أولي الأمر. والصحابة رضي الله عنهم فإنهم في 
عصرهم كانوا جميع أولي الأمر إذا لم يكن معهم أحد" غيرهم فصح أن إجماعهم 
هو إجماع جميع المؤمنين بيقين لا شك فيه والحمد لله رب العالمين» وبطل ذلك 


)0( إن كان يريد جميع المؤمنين أحياء وأمواتاً من الذين ولدوا والذين سيولدون فقد سبق منه أنه 
نفي للإجماع» وإن كان يريد الأحياء المتعاصرين فماذا على الإجماع اللاحق من الخلاف 
السابق؟ على أن فتح هذا الباب يقضي على مذهبه في صحة إجماع الصحابة لأن منهم من 
سبقت وفاته على وقت الإجماع فيكون المجمعون بعض المؤمنين لا كلهم وهو ظاهر» هكذا 
يكون رأي من يحاول مناهضة الأمة كلها في التأصيل والتفريع . 

() المجمعون المتعاصرون هم كل المؤمنين في أي عصر كانوا وعليه دلالة النص فمحاولة 
تخصيص الإجماع بالصحابة رأي بحت داحض متهافت فبطل شذوذه فللّه الحمد. 

(۳) كيف وفي عصر الصحابة من لا يحصون كثرة من المؤمنين الذين لم يروا النبي بل قإذن لا 
تكون الصحابة كل المؤمنين الأحياء في طبقة من الطبقات فيكون كلام المؤلف بعيداً عن 
الاتزان. 


النبذ في أصول الفقه الظاهري 441 


القول جملة إذ لا يحل لأحد أن يوجب في الدين ما لم يوجبه الله تعالى على لسان 
نبيه بء وأيضاً فإنه لا يجوز لأحد القطع على صحة إجماع أهل عصر ما بعد 
الصحابة رضي الله عنهم على ما لم يجمع عليه الصحابة. بل يكون من قطع بذلك 
كاذباً بلا شك لأن الأعصار بعد الصحابة رضي الله عنهم من التابعين فمن بعدهم لا 
يمكن ضبط أقوال جميعهم ولا حصرها . لأنهم ملأوا الدنيا وله الحمد من أقصى 
السندء وخراسان» وأرمينية» وأذربيجان» والجزيرة» والشام» ومصر» وإفريقية» 
والأندلس» وبلاد البربر» واليمن» وجزيرة العرب» والعراق» والأهواز» وفارس» 
وکرمان» ومکران» وسجستان» وأردبيل» وما بين هذه البلاد ومن الممتنع أن يحيط 
أحد بقول كل إنسان في هذه البلاد وإنما يصح القطع على إجماعهم على ما أجمع 
عليه الصحابة ببرهان أوضح . 
وهو أن اليقين قد صح على أن كل من وافق من كل هؤلاء إجماع الصحابة 
رضي الله عنهم فهو مؤمن» ومن خالفه جاهلاً باجماعهم فقوله لغو غير معتد به» ومن 
خالفه عامداً عالماً بأنه إجماعهم فهو كافر فقد سقط بذلك عن أن يكون من جملة 
المؤمنين الذين إجماعهم إجماع وليس هذا الحكم جارياً على من خالف أهل عصر 
هو منهم» وإنما صح القطع على إجماع الصحابة رضي الله عنهم» > لأنهم كانوا عدداً 
I e A EE e as‏ الله با وأن 
من استحل عصيانه عليه السلام فليس منهم بل هو خارج عن الإيمان مبعّد عن 
المؤمنين . 
وصح بيقين لا مرية فيه أن الإجماع المفترض علينا اتباعه إنما هو إجماع 
الصحابة رضي الله عنهم" فقط» ولا يجوز أن يجمع أهل عصر بعدهم على خطاً 
لأن الله تعالى قد ضمن ذلك لنا بقوله تعالی: ول يرال لف [مُرد: ۱۱۸ إلا 
8 € [مُود: 4 والرحمة إنما هي للمحسنين بنص القرآن» فإذا قطع على 
أنه لم يكن خلاف فهو إجماع على حق يوجب الرحمة ولا بد وإذا لم يكن قطع تام 
بإجماع يوجب الرحمة فهو اختلاف ولا بد» ولا يجوز أن يكون إجماع على غير ما 


(1) وهذا بعينه جار في الصحابة لتفرقهم في بلاد الله شرقاً وغرباً للجهاد في سبيل الله ولتعليم 
العلم» بل سكنوا في أقاليم متباعدة» فما أورده على إجماع من بعد الصحابة وارد على إجماع 
الصحابة الذي هو يقول به فعليه أن لا يمجج فيصرح أنه في صف منكري الإجماع كالئظام 
ومن سار »٠::‏ أو يقر بالإجماعين كالجمهور. 

(۲) من أين ساغ له هذا الحصر بدون كتاب ولا سنة؟. 


44۲ النبذ في آصول الفقه الظاهري 


يوجب الرحمة بنص القرآن مع ما حدثنا: عبد الله بن يوسف» ثنا: أحمد بن فتح» 
ثنا: عبد الوهاب بن عيسى» ثنا: أحمد بن محمد» ثنا: أحمد بن علي» ثنا: مسلم بن 
الحجاج» ثنا: سعيد بن منصور» وأبو الربيع العتكي» وقتيبة قالوا: ثنا: حماد هو ابن 
زيد» عن أيوب السختياني عن أبي قلابة» عن أبي أسماء الرحبي» عن ثوبان قال: 
قال رسول الله ية: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم 
حتى يأتي أمر الله» وزاد العتكي» وسعيد في روايتهما «وهم كذلك. 

ألخرنااعبة ال رحن بن عبد الل الممتاتي» افا آي إسساق" انبحي فا 
الفریري» 8ا اناري کا انيدي شا الولی ہنس ها ابق ایر هو ابن 
عبد الرحممن بن يزيد بن جابر» قال: حدثني عمير بن هانىء أنه سمع معاوية قال: 
سمعت رسول الله جا يقول: «لا تزال طائفة من أمتي أمة قائمة بأمر الله» ما يضرهم 
من کذبهم» ولا من خالفهم حتی يأتي مر الله وهم على ذلك». 

قال أبو محمد رحمه الله تعالى: وبما ذكرنا آنفاً في إبطال القسم الثالث بطل 
قول من قال: إن ما صح عن طائفة من الصحابة رضي الله عنهم ولم يعرف عن 
غيرهم إنكار لذلك فإنه منهم إجماع» لأن هذا إنما هو قول بعض المؤمنين كما ذكرنا 
وأيضاً فإن من قطع على غير ذلك القائل بأنه موافق لذلك القائل فقد قفا ما لا علم له 
به وهذا إجرام» قال اله تعالی: ا قف ما ایی لک يو عل إن المع صر مود 
کل اہک کہ عله مسر )€ [الإسراء: ]۳١‏ فلیتت الله تعالی کل امریء على نفسه» 
ولیفکر في أن الله تعالی سائل سمعه» وبصره» وفژاده عما قاله مما لا یقین عنده به» 
ومن قطع على إنسان بأمر لم يوقفه عليه فقد واقع المحذور وحصل له الإثم في 
ذلك. 

فإن قيل هم أهل الفضل والسبق فلو أنكروا شيئاً لما سكتوا عنه: قلنا وبالله 
تعالى التوفيق. 

هذا لو صخ لك أنهم كلهم علموه وسكتوا عليه» وهذا ما لا سبيل إلى وجوده 
في قول قائل منهم أبداء لأن الصحابة رضي الله عنهم تفرقوا في البلادء اليمن» 
ومكة» والكوفةء والبصرة» والرقة» والشام» ومصر» والبحرين وغيرها فص أن من 
ادعى في قول روي عن بعض الصحابة إما من الخلفاء أو من غيرهم أن جميعهم عرفه 


(1) وهو إبراهيم بن أحمد المستملي. 
(۲) هذا غريب من المصنف حيث أحال هنا ما سوغه فيما سبق . 


التبذ في أصول الفقه الظاهري f4r‏ 


فقد افترى على جميعهم بلا شك» وإنما يقطع على إجماعهم فيما يرى أنهم عرفوه 
كالصلوات الخمس» وصيام شهر رمضان» والحج إلى الكعبة» وتحريم الميتة» والدم» 
ولحم الخنزير» والخمر وسائر ما لا شك في أنهم عرفوه وقالوا به بيقين لا شك فيه» 
هذا على أن الفتيا لم ترو إلا عن مائة وثمانية وثلاثين منهم فقط› وهم أزيد من 
عشرين ألفاً فبطل ما ظنه أهل هذا القول بلا تحصيل. 

وأما الحنفيون» والمالكيون» والشافعيون المحتجون بهذا إذا وافق تقليدهم فهم 
أشد خلق الله تعالى خلافاً لطائفة من الصحابة لا يعرف لهم منهم مخالف كخلافه 
ما صخ عن علي» وابن عباس من إيجاب الغسل لكل صلاة أو صلاتين مجموعتين 
على المستحاضة» وعن عائشة: أن من يختسل في كل يوم عند صلاة الظهرء ولا 
مخالف لهم يعرف من الصحابة رضي الله عنهم. وغير ذلك كثير يبلغ مائتين من 
المسائل قد جمعناها وله الحمد في كتاب. نعم وخالفوا الإجماع الصحيح المتيقن 
كخلافهم جميع الصحابة أولهم عن آخرهم في إجازتهم مساقاة أهل خيبر إلى غير" 
أجل قائلين لهم ولكنا نخرجكم إذا شئنا طول خلافة أبي بكر وعمر ولا مخالف لهم 
أصلاً وغير ذلك كثير قد تقصيناه عليهم أيضاً وبالله تعالى التوفيق . 

فصل: وأما من قال إن الإجماع إجماع أهل المدينة لفضلها ولأن أهلها شهدوا 
نزول الوحي فقول خطأً من وجوه: 

أحدها: انها دعوی بلا برهان. 


والثاني : أن فضل المدينة باق بحسبه والغالب على أهلها اليوم الفسق بل الكفر 
من غالية الروافض فنقول وإنا لله وإنا إليه راجعون على ذلك. 

والثالث: إن الذين شهدوا الوحي إنما هم الصحابة رضي الله عنهم لا من جاء 
بعدهم من أهل المدينة» وعن الصحابة أخذ التابعون من أهل كل مصر. 


(۱) إلى مائة ألف أو يزيدون إلا أن المجتهدين منهم حول العشرين في التحقيق ومن يروى عنه 
مسألة أو مسألتان فقط كيف يُعد فقيهاً مجتهدا؟ وفضل الصحبة عظيم جداً إلا أنها لا تستلزم 
البلوغ إلى مرتبة الاجتهادء فمن جعلهم كلهم مجتهدين فقد نابذ الحق وأحال الإجماع. 

(۲) بعد أن صح الحديث في وضوء المستحاضة من طرق لا وجه لهذا الإلزام. 

(۳) وهذا لأهل خيبر خاصة حيث اشترطوا ذلك في عقد الذمة. وليس سائر المساقاة من هذا القبيل 
ولا سيما على أصل المصنف. وللأئمة أدلة ناهضة في اشتراط تحديد الوقت في المساقاة فلو 
كان رأيهم في أهل خيبر لكان الخلاف متصوراً لكن الأمر كما ذكرنا. 


4 التبذ في أصول الفقه الظاهري 


والرابع : أن كل خلاف وجد في الأمة فهو موجود في المدينة على ما قد سلف 
في کتبنا والحمد لله تعالى كثيراً. 

والخامس: أن الخلفاء الذين كانوا بالمدينة لا يخلو حالهم من أحد وجهين لا 
ثالث لهما. 

إما أن يكونوا قد بيّنوا لأهل الأمصار من رعيتهم حكم الدين أو لم يبينوا فإن 
كانوا قد بيّنوا لهم الدين فقد استوى أهل المدينة وغيرهم في ذلك. 

وإن كانوا لم يبينوا لهم فهذه صفة سوء وقد أعاذهم الله تعالى منهاء فبطل قول 
ھؤلاء بيقين . 

والسادس: أنه إنما قال ذلك قوم من المتأخرين ليتوصلوا بذلك إلى تقليد 
مالك بن أنس دون علماء المدينة جميعاًء ولا سبيل لهم إلى مسألة واحدة أجمع عليها 
جميع فقهاء أهل المديئة المعروفون من الصحابة والتابعين خالفهم فيها سائر الأمصار. 

والسابع : أنهم قد خالفوا إجماع أهل المدينة وغيرهم في المساقاة"“ كما ذكرناه 
وفي غير ذلك. 

فصل: وإذا اختلف الناس على قولين فصاعداً فصح النص شاهداً لأحدهما فهو 
الحق وإجماعهم في تلك المسألة هو الحجة اللازمة لأنه إجماع أهل الحقء وإجماع 
أهل الحق حق. 

فصل : في نوعين من الإجماع: إذا اجتمعت الأمة على إباحة شيء أو تحريمه 
أو إيجابه ثم ادعى بعضهم أن ذلك الحكم قد انتقل لم يلتفت إلى قوله إلا بنص وإلا 
فقوله باطل لأنه دعوى لا إجماع معها ولا نص من كتاب ولا سنة فهي ساقطة لقوله 
تعالی: ل اا رمم إن نتر صيؤت) [البَمَرَة: ]1١١‏ فصح أن من لا 
برهان له فليس صادقاً أعني في ذلك. وأما إذا جاء نص بحكم ما ثم خص الإجماع 
بعضه فواجب الانقياد للإجماع . فإن ادعى مدع أن ذلك التخصيص متماد وخالفه غيره 
فالواجب قطع ذلك التخصيص والرجوع إلى النص إذ هو البرهان. 

برهان ذلك أن دعوى التخصيص ههنا عارية من الإجماع» ومخالفة للنص فهي 
باطل . 


(۱) أين حكم مساقاة اليهود بخيبر كما سبق من المساقاة مع غيرهم؟ لكن المؤلف يحب التهويل بما 
لا تنهض فيه حجته . 


النبذ في أصول الفقه الظاهري f40‏ 


فالأول: نسميه استصحاب الحال كقولنا فيما ادعاه قوم من فسخ النكاح بالعنة» 
وبالعيب: قد صح النكاح بإجماع فلا يزول إلا بنص أو إجماع. 

والثاني : تسمية أقل ما قيل أن النص ورد بتحريم الأقوال» ثم جاء إجماع بإباحة 
شىء'منها فلا نبيح ما قاله قائل فى ذلك بزيادة ما أباحه الإجماع. فهذا 
شي ا ا جما 
الإجماع وبيانه والحمد لله رب العالمين . 

فصل: في الكلام في حكم الاختلاف: وأما يصح إجماع فقد وجب 


وقوع التنازع والاختلاف لما ذکرناه من قول اله تعالی: ونل الأ نگ کین عام في 
کیو ردو بک قو ارول [الئساء: ]٥۹‏ ولقوله تعالى: ل يرلو تلفي [مرد: 
۸ من رَحمّ ي [مُود: ۱۱۹] ولما وصفناه من أنه إذا لم يكن إجماع فلا بد 
من الخلاف ضرورة لأنهما متنافيان إذا ارتفع أحدهما وقع الآخر ولا بد» وإذا كان 
كذلك فالمرجوع إليه ما افترض اله تعالى الرجوع إليه علينا من القرآن والسنة” بقوله 
عڙ وجل: کان ترم في کیو ردو ل ألو اولي إن ا ومنو باو واوو 2 
ا ٩‏ وقال عر وجل عن نبيه :وما يق عَنِ أو © إن هو إلا و 

یی @4 [التجم: aa yr >٣‏ 
إذا كان فيما تعبدنا به خالقنا تعالى لقوله عليه السلام: «أنا أعلم بأمر دينكم» 
الحديث وقال تعالى: ورل إك لكر لين لاس ما ر إل [التحل: ]٤٤‏ 
فص أنه لا يحل التحاكم عند الاختلاف إلا إلى القرآن والسنة. 

فصل : في النقل المتواتر: فأما القرآن فمنقول نقل الكواف والتواتر» وأما السنة 
فمنها ما جاء متواتراًء ومنها خبر الآحاد العدل عن مثله» وقد يقع فيه العدل عن 
العدلين» وعن الثلاثةء والثلاثة عن الواحد. وهذا كثير وهو صحيح مسلم موجود 

فأما ما نقل الكواف فلا يختلف اثنان من المسلمين في وجوب الطاعة له وإن 
كان بعضهم قد خالف في تفصيل ذلك فنقول قولهم وأخطأوا بيقين 

فصل: في خبر الواحد وأنواعه: فأما ما نقله واحد عن واحد فينقسم أقسا 
اة : 


(۱) لا يتصور أن يتنازع المسلمون في صرائح الدلائل من الكتاب والسنة لأن ذلك ينافي الإيمان 
بهما بل إنما يتصور تنازعهم فيما لم يرد فيهما فيؤمرون برد الشيء الذي تنازعوا فيه إلى نظيره 
في الكتاب والسنة رغم ما يتحيله المصنف فتكون الآية من أدلة القياس الشرعي . 


۹ النبذ في أصول الفقه الظاهري 

أحدها: ما نقله الثقة عن الثقة حتى يبلغ رسول الله ة. 

ومنه: ما ينقل كذلك وفيهم رجل مجروح أو سيء الحفظ» أو مجهول. 

ومنه: ما نقل كذلك. 

والقطع في طريقه مثل أن يبلغ إلى التابع ثم يقول: قال رسول الله ية فهذا هو 
المرسل» وأن يقول تابع أو من دونه قال فلان الصاحب عن رسول الله اة وذلك 
القائل لم يدرك ذلك الصاحب فهذا هو المنقطع . 

فنظرنا في هذه الوجوه فوجدنا قوماً يقولون إنها كلها سواء» وأنها كلها يجب 
الأخذ بها وهذا قول جمهور الحنفيين» والمالكيين. وهذا خطأً لأن المرسل والمنقطع 
لا یدری من رواه» وإذا لم يعرف من رواه أثقة هو أم غير ثقة فلا يحل الحكم في 
الدين بنقل مجهول لا يدرى من هو ولا كيف حاله في حمله للحديث فقد يكون ثقة 
صالحاً ويرد حديثه إذا كان مغفلاً غير ضابط ولا مستقيم الحديث سيما إذا كان كاذباً 
أو داعياً إلى بدعة وكل هذا لا يؤمن في المجهول الذي يحتج به في المرسل وقد 
أمرنا تعالى بترك ما لم نعلم. قال تعالى: «وآن تقولا عل لم ما لا لو5( [البقّرة: 
۹ الأعراف: ۳۳] وقال تعالی: الا قف ما س لک بی ع [الإسراء: ]۳١‏ فمن 
أخذ ما أخبر به عمن لا يدري من هو فقد قال على الله وعلى رسوله ي ما لا علم 
به وهذا لا يحل» وكذلك ما رواه مجهول الحال. 

وأما ما رواه ا فالمجرع انق وقد قال تعالی: e‏ ليبن ءامنا إن 
جاک ای بتر َي لن یبا را مكو يخا مل ما لئ يي @) 
[الخجرات: [١‏ ومن کک برواية مجهول من مرسل» أو موقوف» مجهزل آلحال 
فقد أصاب قوماً بجهالة وإن لم يتثبت فليصبح على ما فعل من النادمين. 


(1) كلا بل الأخذ بالمرسل عند كون الراوي ثقة وعند عدم وجود معارض له أقوى جرت عليه 
الأمة إلى المائتين حيث تحصل بإرسال الثقة غلبة الظن وأما العلم فلا يحصل برواية ثقة عن ثقة 
أيضاً لاحتمال وهم الراوي عن الثقة وحيث إن المصنف يرى حصول العلم بخبر الآحاد من 
غير تقييد بالاحتفاف بالقرائن سرغ الاحتجاج لنفسه بقوله تعالى: ا قف [الإسراء: ]١١‏ 
والواقع أن الأخذ بخبر الآحاد في المسائل الظنية معلوم من الدين بالضرورة فمن أخذ به في 
الظنیات لا یکون قفا ما لیس له به علم. 

(۲) والذي يفيد الآية وجوب التثبت في نبا الفاسق لا رد خبر المجهول والمرسل ونحوهما ومن 
المجاهيل من اعتد بهم الشيخان وفي البحث تفصيل في محله. وإنما في الآية ذكر ما يترتب 
على عدم التثبت في نبا الفاسق فالمصنف يستدل بما يعود على موضوعه بالنقض . 


الثبذ في أصول الفقه الظاهري 44V‏ 


قال أبو محمد رحمه الله تعالى: ومن صح عنه أنه يدلس المنكرات على 
الضعفاء إلى الثقات فهو إما مجروح» وإما حكمه حكم المرسل فلا يجوز قبول 
روايته. ولقائل أن يقول إنه أدون حالاً من صاحب المرسل لأنه قد يرسله عن ثقة وقد 
يرسله عن غير ثقة فأخذنا بالأحوط في الكشف عن حال المرسل عنه» وليس المدلس 
للمنكرات كذلك فهو أحق بالرد منه. وبالجملة فلا يحل أن نخبر عن الله تعالىء ولا 
عن رسوله ب إلا بما أمر الله تعالى أن نخبر عنه به ولم يأتِ نص قرآن ولا سنة 
صح» ولا إجماع على وجوب قبول خبر مرسل» ولا منقطع» ولا رواية فاسق» ولا 
مجهول الحال عن الله تعالى ولا عن رسوله ية فلم يبق إلا ما رواه الثقة مبلغاً إلى 
رسول الله اة فنظرنا في هذا فوجدنا برهانین یوجب الله تعالی بهما قبوله ولا بد. 


أحدهما: قول الله تعالى: او قر من ك وة عنم طايقة فقوا في 
لين سدوا رمه إا جما ليم لملم دروت [الكربة: ]٠١١‏ فأسقط الله 
ع وجل عن جميع المؤمنين أن يتفرقوا للتفقه في الدين وإنذار قومهم بما تفقهوا فيه» 
والطائفة في لغة العرب التي بها نزل القرآن» وقال تعالى مخبر عنه : يلان عرو مين 4)9 
[السُعَرَاء: ]٠۹١‏ هي بعض الشيء ولم يخص قط بلفظ الطائفة عدداً دون عدد بل هي 
لفظة تقع على الواحد وعلى أكثر من الواحد إلى ما يمكن وجوده ولو آلاف آلاف إذا 
کانوا مضافين إلى غيرهم. وبيقين ندري أن الله تعالى لو أراد تخصيص عدد دون عدد 
لبينه» وإذ لم يبين عر وجل ذلك بيقين ندري أنه أراد الواحد فصاعداً إذ محال أن 
ينفرنا تعالى ويلبس علينا. قال تعالى: بنا لكل مى [التحل: ۸۹] فصح قبول 
نذارة الواحد الثقة النافر للثقة في الدين والأخذ بنذارته لحذر ما يخاف من عقاب 
الله تعالى في المعصية وقبول النذارة ليس إلا رواية ما يحمل الناذر. 


قال أبو محمد: وليس إلا فاسق أو عدل فسقط قبول الفاسق بقوله تعالى: 
[الحُجرّات: .]١‏ ولم يبق إلا العدل فصح يقيناً وجوب قبول نذارته وقبول قوله فيما 
يروي لنا مما تفقه فيه وبلغه إلينا عن رسول الله بلا مبلغاً ثقة عن ثقة أو ثقة عن أكثر 


من واحد أو أكثر من واحد عن ثقة وبالله تعالى التوفيق . 


(1) والصواب أنه ليس إلا فاسق في علمنا أو غيره وذلك الغير أعم ممن هو معلوم العدالة والأمر 
بالتثبت مقصور على الأول. 


4۹۸ النبذ في أصول الفقه الظاهري 


والبرهان الثاني: هو إجماع جميع الأمم مؤمنها وكافرها على أن رسول الله ي 
بعث رسله إلى القبائل والملوك داعين إلى اله ع وجل» وبعث إلى كل جهة أميراً 
يعلمهم دينهم» وينفذ عليهم أحكام الله تعالى في التعليم لهم الصلاة وأحكامهاء 
والصوم وأحكامه» والزكاة وأحكامهاء والجهاد وأحكامه» والأقضية في خصوماتهم» 
ونكاحهم» وطلاقهم» وبيوعهم وما يحل من ذلك وما یحرم» وما یلزم وما يحل 
ويحرم من المآكل» والمشارب» والملابس. هذا ما لا خلاف فيه. فإذ قد ألزمهم 
عليه السلام طاعة أولئك الأمراء وهو عليه السلام حي غائب عنهم فقد صخ أن ذلك 
يكون باقياً إلى يوم القيامة» وبعد موته عليه السلام بقين لا شك فيه لأنه خبر عدل 
لازم ولا فرق» فإن اعترض معترض بحديث ذي اليدين وأنه بي لم يصدقه حتى 
سأل الناس فهذا لا حجة لهم فيه لأن ذا اليدين إنما أخبر النبي ية بخبر عن فعل 
النبي ا لا عن غيره» وأعلمه أنه عليه السلام وهم لم يقدر عليه السلام أنه وهم 
وأمكن أن يكون ذا اليدين وهم. فلهذا تثبت النبي ية لا لما عدا ذلك. وإلا فلا 
خلاف في أنه عليه السلام كان يأتيه الواحد عن قومه فيصدقه ويعمل بخبره ويبعث 
معه المخاطبة والوالي ونحو ذلك وأنه كان يبعث المصدق وحده أو اثئين فيقوم 
الحجة بذلك على من أتاه المصدق ويلزمه أداء صدقته إليه وهكذا في كل شيء من 
الدين. 


فإن قيل الرسل»ء والأمراء كانت تأتي معهم» وقبلهم» وبعدهم بخبرهم قلنا 
وبالله التوفيق. 


لا شك فى أن الرفاق لم تأت بجميع الأحكام التي يخبرهم بها الأمراء والر 
ي لم اتيج الاججام الي يخر سل 
فبطل هذا الاعتراض بيقين والحمد لله رب العالمين . 


فصلل: العدل السيء الحفظ لا يجوز أن تقبل روايته لأن الله تعالى أمرنا بقبول 
ثذازة امن ققق امم ومن سام حف الم فة يما مح إد اة إنما هو اقيم 
والتدبر فيما حمله من الأمر الشرعي على صرافته حسبما حمله إذ من المحال أن 
یکون من ساء حفظه» ولم یتیقن ما حمله تفقه فیما لم يتيقن مما لم يضبطه. والمرأة 
والعبد» والأمة في كل ما ذكرنا سواء لعموم قوله تعالى: «طايقَة4 [آل عمرًان: ]٦١‏ 
وقد صح الإجماع على أن النساء» والعبيد» والإماء يلزمهم الدين كما يلزم الأحرار 
والرجال ولا فرق وإن اختلفت الأحكام في بعض ذلك بدليل لا بغير دليل. 


النبذ في أصول الفقه الظاهري 44 


فصل: فإذا جاء خبر الراوي الثقة عن مثله مسنداً إلى رسول الله ية فهو 
مقطوع“ على أنه حق عند الله عر وجل موجب صحة الحكم به إذا كان جميع رواته 
متفقاً على عدالتهم» أو ممن ثبتت عدالتهم» وإن اعترض معترض في بعضهم فممن 
ا ا ا 
إا حن برا رر دا َم كيظوة @) [الججر: 4 . وقد صح بيقين افتراض 
الله علينا قبول ما رواه لنا الثقات» ومن الباطل المتيقن مع حفظ الله تعالى الدين أن 
يلزمنا قبول شريعة باطلة لم يأمر الله تعالى هو بها قط. هذا أمر قد أمناه بضمان 
الله تعالى ذلك لناء وهذا بخلاف شهادة الشهود لأن الله تعالى لم يضمن لنا قط أن 
الشهود" لا يشهدون إلا بحق» بل قد بيّن لنا رسول الله اة أنهم قد يشهدون بباطل 
إذ يقول عليه السلام: «فمن قضيت له من حق أخيه بشيء فلا يأخذه فإنما أقطع له 
قطعة من النار» ومن المعلوم أن كل من حاكم إليه ية لم يكن بخصام اثنين فقط 
أحدهما ألحن بحجته من الآخر أبداً» وإنما يكون الحكم مرة بشهادة من توجب الحق 
شهادته» ومرة يتعين الحكم بفضل لحن خطاب أحدهما على الآخر ونحن على يقين 
من أنه عليه السلام لا يحكم إلا بحق عند الله تعالى» فصح أننا مأمورون بإنفاذ ما 
شهد به الشهود العدول عندنا وإن كان باطلاً في باطنه» وأن نقتل بذلك من لا يحل 
لنا قتله لو علمنا كذبهم أو إغفالهم» وأن نحكم كذلك بالمال المحرم أخذه على الذي 
يعلم باطن القضيةء وكذلك في الفروج ولا فرق ومحرم عليهم استحلال شيء من 
ذلك وهذا موجود في الديانة كما ندفع المال في فداء الأسير من كافر أو ظالم ففرض 
علينا دفع المال إن لم نقدر على استنقاذه إلا به. 

وحرام على الذي يعطاه أخذه وليس هكذا قبول الشرائعم لأنها ذكر مضمون 
حفظه من الله تعالی . 

هكذا نقطع أن كل حديث لم يأتِ قط إلا مرسلاًء أو لم يروه إلا مجهول لا 
يعرف حاله أحد من أهل“ العلمء أو مجرح متفق على جرحته» أو ثابت الجرحة 


(1) صحة الاحتجاج بخبر الآحاد الصحيح في المسائل العملية الظنية أمر مقطوع به لكن إفادة ذلك 
الخبر القطع في مدلوله فيما إذا لم يحتف بالقرائن فمما لم تقم الحجة في ثبوته. 

(۲) والمراد بالذكر القرآن عند الجمهور وما دخل من الدخيل في الأخبار لا يخفى على النقاد. 

(۳) بل الرواية من قبيل الشهادة إن لم تكن أدون منها فيجري فيها ما يجري في الشهادة وتاريخ 
الحديث يشهد بذلك وأين ضمن الله سبحانه أن الرواة لا يروون إلا الحق؟ . 

() والمجهول قد يعلم حاله الراوي عنه المعروف بالثقة . 


o‏ النبذ في أصول الفقه الظاهري 


فإنه خبر باطل لم يقله قط رسول الله َو ولا حکم به. لأن من الممتنع أن يجوز أن 
لا يرد شريعة حق إلا من هذه الطريق مع ضمان الله تعالى حفظ الذكر النازل من 
عنده» الذي أوحاه إلى نبيه بي ومع ضمانه تعالى أنه قد بيّن علينا جميع الدين 
وبهذين البرهانين نقطع على أنه لم يضع من الدين شيء أصلاً”» ولا يضيع أبداً 
ولا بد أن يكون مع كل عصر من العلماء من يضبط ما خفي عن غيره منهم» ويضبط 
غيره أيضاً ما خفي عنه فيبقى الدين محفوظاً إلى يوم القيامة ولا بد وبال تعالى 

فصل: وأما ما کان عندنا عدلاً في ظاهر أمره وكان عند غيرنا صخت جرحته 
فهذا يكون الذي خالفنا فيه محقاً عند الله تعالى وكذلك من جهله إنسان وعرف عدالته 
آخر. فالذي عنده يقين عدالته هو المحق عند الله تعالى. وإنما ينبغي أن لا يلبس 
الله تعالى الحق على خلقه ولا شيئاً من دينه على جميع خلقه لا يوقن أحد مكان 
الحق المتيقن فيه من الباطل» هذا ما لا سبيل إليه بضمان الله تعالى حفظ الدين 
ولشهادته تعالى بإكماله وأنه قد أتم النعمة علينا فيه . ورضیه لنا دیناً. قال جل ذکره: 
ام الت لگ ویک اقث عم بی وََضِيت لَك اكم را4 [المادة: ۳]. 

فصل: ومن ادعى في خبر عن النبي بُ قد صح بنقل الثقات أنه خطأ لم 
يصدق إلا ببرهان واضح من ثقة يشهد أنه حضر ذلك الراوي قد سها فحرفهء أو أن 
يقر الراوي على نفسه بأنه أخطأ فيه فقط» وكذلك من اذعى في خبر صحيح أو في آية 
من القرآن أنها منسوخة أو مخصوصة فقوله باطل إلا أن يأتي بنص آخر شاهد على 
ذلك» أو بإجماع متيقن على ما ادعى وإلا فهو مبطلء لأن الله تعالى يقول: بايا 
ايب مامثوا أيلبغ آله وأيلبغوا سل [النساء: »٥۹‏ محمد: ۳۳] فمن قال في آية أو في 
خبر صحيح أنهما منسوخان» أو إنهما ليسا على عمومهماء ولا على ظاهرهما فقد 
قال لنا لا تطيعوا هذه الآية ولا هذا الخبر» فقوله مردود وقول الله أحق وأصدق. ولو 
أراد الله تعالى ما قال لنبيه بعين دعوى هذا المدعي. قال تعالى: ييا لحل شنو 
[التحل: ]۸٩‏ وقال تعالى: لين لاس ما رل إل [التحل: .]٤٤‏ 

فصل: ولا يحل لأحد أن يحيل آية عن ظاهرهاء ولا خبراً عن ظاهره لأن 
الله تعالى يقول: يسان عو مين 49 [الشُعُرّاء: .]٠۹١‏ وقال تعالى ذامًا لقوم: 


0( هذا حق لكن لا بدل على عدم صحة الاستدلال بالمرسل بشرطه وكم من حديث متصل بسند 
مركب يروج على بعضهم ويستبين أمره الجهابذة فالمسألة ليست مسألة اتصال أو إرسال فقط . 


النبذ في أصول الفقه الظاهري ۰۱ 


مر ألكلم عن مَوَاضيد) [الساء: ١٤ء‏ المائدة: ]١١‏ ومن أحال نصاً عن ظاهره 
في اللخة بخير برهان من آخر أو إجماع فقد اذعى أن النص لا بيان فيه. وقد حرف 
كلام الله تعالى ووحيه إلى نبيه ية عن موضعه. وهذا عظيم جداً مع أنه لو سلم من 
هذه الكبائر لكان مدعياً بلا دليل. ولا يحل أن يحرف كلام أحد من الناس فكيف 
كلام اله تعالى وكلام رسوله ية الذي هو وحي من الله تعالى. ومن شغب في هذا 
بقول قائل من العلماء فليس قول أحد دون قول رسول الله يي حجة. وقد أوضحنا أن 
من شغب بهذا من هؤلاء فإنهم أترك خلق الله تعالى لقول الصحابة رضي الله عنهم 
فضلاً عن غيرهم» وأن أصحاب الظاهر من أهل الحديث رضي الله عنهم أشد اتباعاً 
وموافقة للصحابة رضوان الله عليهم منهم وبينّا ذلك مسألة مسألة في كتابنا الموسوم 
بالإيصال إلى فهم كتابنا الموسوم بالخصال والحمد لله رب العالمين . 

فالواجب أن لا يحال نص عن ظاهره إلا بنص آخر صحيح مخبر أنه على غير 
ظاهره فنتبع في ذلك بیان الله تعالی وبیان رسوله ي كما بين عليه السلام قوله تعالى: 
لور تلبسا إیستهر بر4 [الأنعام: ۸۲] أنه مراده تعالى به الكفر. كما قال ع وجل : 
إت لزق لطر عَطِي4 [لقمان: ]٠١‏ أو بإجماع متيقن كإجماع الأمة على أنه قوله 
تعالی: (بوییگ اه ن زرطم لل يل حي اَي [الئساء: ]١١‏ أنه لم يرد 
بذلك العبيد ولا بني البنات مع وجود عاصب ونحو هذا كثير أو ضرورة مانعة من 
حمل ذلك على ظاهره کقوله تعالی: اَی قال لهم الاش لی الاس قد جمعوا کک 
كأخْكَوهُم) [آل عمرًان: ]۱۷١‏ فبيقين الضرورة والمشاهدة ندري أن جميع الناس لم 
يقولوا: «إن الناس قد جمعوا لكما. 

برهان ما قلنا من حمل الألفاظ على مفهومها من ظاهرها قول الله تعالى في 
القرآن: یلان عر بین 4)69 [السَُرّاء: ]۱۹١‏ وقوله تعالی: وما سلتا ِن رَسولِ 
إلا يسان ريو ثبت € [إبراهيم : ]٤‏ فص أن البيان لنا إنما هو في حمل لفظ 
القرآن والسنة على ظاهرهما وموضوعهما فمن أراد صرف شيء من ذلك إلى تأويل 
بلا نص ولا إجماع فقد افترى على الله وعلى رسوله يي وخالف القرآن» وحصل في 
الدعاوى» وحرّف الكلم عن مواضعه» وأيضاً فيقال لمن أراد صرف الكلام عن ظاهره 
بلا برهان أن هذا سبب إلى السفسطة» وإيطال الحقائق كلها لأنه كلما قلت أنت 
وغيرك كلاماً قيل لك ليس هذا على ظاهره بل لك غرض آخر كلما أكدت قيل لك 
ليس هذا أيضاً على ظاهره ولم تنفك ممن يقول لك لعل إبطالك للظاهر ليس على 
ظاهره وهذا کما تری وبالله التوفيق . 


oY‏ النبذ في أصول الفقه الظاهري 


فصل : فإذا وقعت اللفظة في اللغة على معنبين وقوعاً مستوياً لم يجز أن يقتصر 
بها على أحدهما بلا نص ولا إجماع. لكن يحمل على كل ما يقع عليه في اللغة 
ولا بد" لما ذكرنا من ذم من حرف كلام الله عن مواضعه وإذا جاء في القرآن لفظ 
عربي منقول عن موضعه في اللغة إلى معنى آخر كالصلاة» والزكاة» والصوم والحج» 
فإن هذه ألفاظ لغوية نقلت إلى معاني شرعية لم تكن العرب تعرفها قبل ذلك فهذا 
ليس مجازاً بل هي تسمية صحيحة لأن الله تعالى خالق اللغات تعبدنا بأن نسمي هذه 
المعاني بهذه الأسماءء وأما إذا جاء لفظ لخوي منقول عن موضعه في اللغة ۳ 
يتعبدنا الله تعالى بتسمية ذلك المعنى فهذا هو المجاز مثل قول الله تعالى: «وأخْفض 


2 2 


لها جاح لدل م ألرَحَمَدٍ4 [الإسرًاء: ]۲٤‏ وما أشبه ذلك. 

فصل : O AR RE Gk r‏ 
قائل ذلك مسقط لطاعة ذلك النص» إلا بنص آخر يبين أن هذا منسوخ أو إجماع 
متيقن على نسخه وإلا فلا يقدر أحد على استعمال النص» وأما ما دام يمكننا جمع 
النصوص من القرآن والسنة فلا يجوز تركهما ولا ترك أحدهما لأن كليهما سواء في 
وجوب الطاعة» وليس ا في وجوب الطاعة أولى من بعض. قال تعالى: ن 
يط الرَسول فم أَطَاع أل ًَ4 [التساء: ]۸١‏ فالواجب حينئذ أن يستشنى الأقل من الأكثر 
إذ لا يوصل إلى استعمالهما جميعاً إلا بذلك» فإن عجزنا عن ذلك فلا يجوز التحكم 
في جمعهما بغر ما ذكرنا لأنه تحكم بلا برهان» مثل أن يقول قائل: استعمل هذا 
النص في وجه كذاء وهذا النص في وجه كذاء فهذا لا يحل له لأنه شرع في الدين 
لم یآذن الله تعالی به. 

ولا يجوز أن نخبر عن مراد الله عر وجل ولا عن مراد رسول الله ي بغير خبر 
وارد عن الله تعالى بذلك أو عن رسول الله يي ومن هذا ما قد صح من نهي 
رسول الله ية عن استقبال القبلة واستدبارها لبولء أو غائط من طريق أبي أيوب 
الأنصاري وغيره. 

وعن ابن عمر أنه رأى رسول اله ية مستقبل بيت المقدس مستدبر الكعبة 
لحاجته» فقال قوم يستعمل النهي في الصحارى»› ويستعمل الإباحة في البنيان وهذا 
خطأً لأن النبي ب لم يقل قط أني أبحت هذا في البناء وحظرته في الصحارى» ولا 


(1) ويكون حملها عليهما جميعاً خروجاً عن اللغة بل إذا لم يترجح أحدهما على الآخر يكون 
اللفظ من قبيل المجمل. 


النبد فى اصول المعه الطاهري ET‏ 


فرق بين قول هؤلاء وبين من قال: لا أبيح ذلك إلا بالمدينة إذا كان على لبنتين وإلا 
فلاء وكل هذا لا يحل القول"“ به لأنه شرع في الدين لم يأذن به الله تعالى. ومثل 
هذا فالواجب فيه الأخذ فيه بالزائد على معهود الأصل ولا بد برهان هذا أننا نعلم 
إذا ورد نصان في أحدهما إسقاط فرض وفي الآخر إيجابه بعينه» وفي أحدهما إباحة 
شيء وفي الآخر تحريم ذلك الشيء فبيقين ندري أن المسلمين قد كانوا برهة مع 
نبيهم ية لم يلزمهم ذلك الفرض» ولا حرم عليهم ذلك الشيء» ثم بيقين ندري أنه 
حين نطق النبي ية بإيجاب ذلك الشيء» أو بتحريم ما حرم فقد نسخت الحالة 
الأولى وارتفعت بشيء بيقين لا شك فيه» ومن الباطل ترك ما يتيقن أنه منسوخ هذا لو 
جاز لجاز أن تعود الحالة الأولى التي قد تيقن نسخها تبطل الحالة الثانية التي قد تيقن 
أنها ناسخة فلو كان هذا لكان ما فعلوه تركاً لليقين» وحكماً بالظنون والله تعالى قد 
أنكر هذا فقال: إن ي إل لى وإ َع لا تى يِن لق 46 [التجم: ۲۸] 
وقال ب: «إياكم والظن فإنه أكذب الحديث» فكيف ونحن نقطع ونشهد بشهادة 
الله تعالى أنه قد ضمن لنا تعالى حفظ الذكر والدين» وأنه قد كمل فلو نسخ الناسخ 
لبين ذلك بياناً جلياً. فإذا لم يفعل تعالى ذلك فنشهد بشهادة الله تعالى أن الناسخ باق 
محكماً إلى يوم القيامة» وأن المنسوخ باق منسوخاً إلى يوم القيامة لا نشك في ذلك 
ولا يجوز البتة أن يشكل شيء من الدين حتى يخفى على جميع كبرائنا إليه تعالى من 
الشرك والحمد لله رب العالمين. 


فصل: والمبادرة إلى إنفاذ الأوامر واجب لقول الله تعالى: (& وسارعراً إل 
مَمْورَق ن رَيَكم وَج عرضها الشوث والأر أودّت َف @) [آل ع مران: 
۳ ومن تأخر لم يسارع إلا أن يبيح التأخر نص فيوقف عنده كما جاء في إباحة 
تأخير الصلاة إلى آخر وقتها. 


فصل: ولا يجوز تأخير البيان عن وقت وجوب العمل بذلك الأمر إذ في تأخيره 
إلباس» وقد أمنا أن يلبس الله تعالى علينا دينه. بل هو مبين له على لسان من افترض 
عليه البيان وبالله تعالى التوفيق. 


)0( ويظهر أن المصنف لم يطلع على جامع الترمذي كما هو معروف عنه وإلا ففيه في هذا الباب 
ما يكف . 


ا بت کے کی که ری 


فصل: والقرآن ينسخ القرآن. والسنة تنسخ القرآن"“ أيضاً قال الله تعالى: ا 
ق عن افر © إن هو إل ّى ى ©4 [التجم: ١ء ]٤‏ فإن ذلك كذلك فالكل 
من عند الله ويوحيه تعالى» سمي هذا كتاباً» وسمي هذا سنة وحكمة. قال تعالى: 
نڪر ا بٿ فی ویڪ بن ٤یت‏ لھ َة له اه گات ييا ج @) 
[الأحرّاب: .]۳٤‏ 

فإن قيل السنة ليست مثلاً للقرآن ولا خيراً منه وهي بيان للقرآن. قلنا وبالله 
تعالى التوفيق : السنة مثل القرآن في وجوب الطاعة لهما إذا صحت السنةء قال تعالى : 
تن يع اسول مذ أََاع أ [الئساء: ]۸١‏ والنسخ بيان ورفع للأمرء فالناسخ مبين 
أن حكم المنسوخ قد ارتفع وانتهى أمره. قال تعالى: لين لئاس ما رذ إل 
[التحل: ]٤٤‏ وقد يأتي الخبر بما هو خير لنا مما جاء به القرآن من رفق وتخفيف 
والقرآن قد بين السنة أيضاً. قال تعالى : ييا لل ىر [التحل: ٠1۸٩4‏ 

فصل: والنسخ لا يجوز إلا في الأوامر أو في لفظ خبر معناه الأمر ولا يجوز 
النسخ في الأخبار لأنه كان يكون كذباًء وقد تنزه الله تعالى عن ذلك» وكذلك 
الرسل. وأما صحة النسخ فقول الله تعالى: ما تنخ يِن اة آؤ نها تأت بير ينبا 
آز ينل [البقرة: ]٠٠١‏ وبالله تعالى التوفيق . 

فصل: في الأوامرء والنواهي وأوامر الله تعالى» ورسوله ية كلها فرض› 
ونواهي الله تعالى ورسوله ية كلها تحريم» ولا يحل لأحد أن يقول في شيء منها 
هذا ندب» أو كراهية إلا بنص صحيح مبين لذلك أو إجماع كما قلنا في النسخ. قال 
تعالی: حدر الین الف عن نرو أن وم َة أو م عدا بد4 [النور: 
۳ وقال تعالی: 9وا ٤النگم‏ الل دو وما تنكم عه انرأ [الحشر: ۷] 
ومعنى الندب والكراهية إنما هو إن شئت أفعل»ء وإن شئت فلا أفعل هذا موضوعهما 
في اللغة ولا يفهم من «افعل إن شئت» لا تفعل» ولا يفهم من «لا تفعل إن شئت» 
فافعل» ومن ادعى هذا فقد جاء هو بالمحال»ء وقد افترض الله تعالى علينا طاعته 
وطاعة رسوله ية فمن قال هذا الأمر ندب» وهذا النهي كراهية فإنما يقول ليس 
عل آ6 تطيعرا حا الأ ولا خا الي وخا شون ف هر وجل مجر 


(1) لكن لا بد من الفرق بين القطعي والظني ثبوتاً أو دلالة وإلا يكون من لا يفرق بينهما تابعاً 
لهواه. 

(۲) وهي دليل نسخ القرآن بالسنة» أما دليل نسخ القرآن بالقرآن فظاهر وهو قوله تعالى: ما نسَح 
ن عاي [البقَرّة: ]٠٠١‏ الاية . 


ا ا ی 


فصلل : والإباحة تنقسم أقساماً ثلاثة: ندب يؤجر على فعله» ولا يعصي بتركه 
ولا يؤجر» وكراهية يؤجر على تركهاء ولا يعصي بفعلها ولا يؤجر» ومباح مطلق لا 
يؤجر على فعله» ولا على ترکه» ولا يعصي بفعله ولا بترکه. 

فصل : في الأفعال: وأفعال النبي َة على الندب لا على الوجوب إلا ما كان 
منها بياناً لأمر» أو تنفيذاً لحك مثل قوله بل: «إن دماءكم» وأموالكم وأعراضكم» 
وأبشارکم علیکم حرام» ٹم تجد رسول اله ية قد سفك دماً أو انتهك بشرة» أو 
استباح مالا أو عرضاً فندري أن ذلك الفعل منه ية فرض إنفاذه لأنه لم يستبح شيئاً 
من بعد التحريم إلا بفرض واجب» هذا إذا كان مع ذلك قرينة أمر مثل أن يخبر أن 
من فعل کذا فعلیه كذا وكذا وعاقبوا من فعل كذا ثم يفعل هو عليه السلام به فعلاً ما 
فهو فرض فإنه بيان لأمر فإن تعرَى من الأمر فإنما هو إباحة بعد التحريم فقط لأننا 
على يقين من خروجه عن التحريم إلى الإباحة وعلى شك من وجوبه . 

برهان ما قلنا في الأفعال قول النبي بلل: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم 
بالسواك لكل صلاة» وكان هو عليه السلام يكثر السواك فنص ب على أنه لو أمرهم 
بذلك لوجب ولشق عليهم» وأنه إذا لم يأمرهم لم يجب عليهم فعله. 

وما حدثنا أيضاً عبد الله بن يوسف. ثنا: أحمد بن فتح: ثنا عبد الوهاب بن 
عيسى. ثنا: أحمد بن محمد. ثنا: أحمد بن علي. ثنا: مسلم بن الحجاج حدثني: 
زهير بن حرب. حدثنا: يزيد بن هارون. حدثنا: الربيع بن مسلم القرشي» عن 
محمد بن زياد عن أبي هريرة. قال: خطبنا رسول الله َة فقال: «يا أيها الناس قد 
فرض الله عليكم الحج فحجُوا» فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ قال: فسكت وقد 
قالها ثلاثاً فقال رسول الله ب: «لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم ذروني ما 
ترکتکم» فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم» فإذا 
أمرتکم بشيء فأنوا منه ما استطعتم وٳذا نهیتکم عن شيء فدعوه. وفیه تنبیه على 
بطلان القياس"“ وعدم صدق ظنونه» فإنه قاس الحج على الصلاة المتكررة في اليوم 


(۱) كلا بل لا مناسبة له أصلاً بالقياس وإنما سأله السائل حيث لا يميز بين الأمر المطلق الذي لا 
يفيد التكرار وغيره وأنى يصح القياس حيث لا جامع؟ ولا جامع بين العبادة البدنية المحضة 
فعلاً كانت أو تركاً والعبادة المالية المحضة والعبادة المركبة من البدنية والمالية مع إطلاق الأمر 
في الأخير بخلاف ما سبقه على أنه ليس بقليل بين القياسيين من لا يجري القياس في العبادات 
لاستلزام القياس أن يكون المقيس عليه معقول المعنى. 


۲ ج ار او کے‎ ETN 


والليلة خمس مرات» وعلى الصوم الواجب في كل عام» وعلى الزكاة في وجوبها إذا 
ما وجد ما يتعلق به» فأجيب بالرد وأمر بما أمر الله تعالى به من ترك التعرض“ 
للسؤال وفيه دلالة على أن المسكوت عنه ليس لأحد أن يفتح فيه حكماً. 

قال أبو محمد: هذان الخبران برهان صحيح في وجوب فرض وإبطال دعوى 
الندب والوقف فيها وفي الآخر منهما أن ما أمر به فواجب أن يؤتى ما استطاع 
المأمور: وما نهی عنه فواجب تركه. وما ترك فلم یأمر به ولا نهی عنه فهو عفو 
متروك فبالضرورة ندري أن ما خرج عن أن یأمر به أو ینهی عنه فهو غير واجب ولا 
محرم وأفعاله کاچ ا اروا کی ع ی کر را زا فر وأيضاً فإن 
ا یا اریت اما ل كنتلا عن آباه إن د ل لک و إن تاوا 
عتا جين ر الفرمان د لگ نا اه عا وا عو حي @4 زا 
فصح أن ما لم ينزل به القرآن والوحي فهو معفو عنه» وأفعاله عليه الصلاة والسلام 
اوا القرآن بإیجابه فهو عفو» وقال تعالی: حدر أل ال ن ارو 
أن تيسم وة أر ممم عاب أيد4 [الثور: ]١۳‏ فإنما جاء الوعيد على خلاف 
الأمر الذي هو بالنطق. وقال تعالی: مڌ کن لم فی رول أل اسو حس) 
[الأحرًاب: ]۲١‏ فإنما جعل تعالى لنا أن نأتسي بفعله عليه السلام. فإن قيل إن الله 
يقول: فيدر الب َال عن أنوه أن يم َة أو مِم عاب أي [الثور: 
۳ يدخل فيه فعله عليه الصلاة والسلام لأن الأمر يعبر به عن الحالء فنقول: الأمر 
على خلاف ما يظن أي الحال قلنا وبالله تعالى التوفيق : 

ولاو ا ا ا کی ی ی 
به الوحي فضيلة والفضائل لا تنسخ» وأيضاً فإن هذه الآية إنما جاءت بعقب ذكر 


(1) والمنهي عنه هو كثرة السؤال لا السؤال نفسه فلا يبقى لكلام المصنف وجه. 

() لا تتنافی هذه الآية مع قوله تعالى: «قعتاا َل أل إن كر لا نرد [النحل: ]٤١‏ لعدم 
تواردهما على شيء واحد لأن النهي هنا عن موالاة السؤال عن أشياء إبداؤها يسوؤهم ويسوغ 
للرسول عليه السلام عدم إبدائها فدلت على أنها ليست مسائل تكليفية وتشريعية حان تبلیغهاء 
وإلا لما وسعه الكتمان لقوله تعالى: إن لر َمل فا بك رسال4 [المائدة: .]١۷‏ ومن 
الدليل على ذلك ما أخرجه البخاري في سبب نزولها: كان قوم يسألون رسول الله ية استهزاء 
فيقول الرجل مَن آبي؟ ويقول الرجل تضل ناقته أين ناقتي؟ فأنزلها الله فيهم. ثم إن الجمع 
المنكور في سياق النهي ليس كالغرد المنكور فبين عموميهما بون بعيد فيكون للسائل عن أمر 
دينه ملء الحق في السؤال حيناً بعد حين من غير موالاة كلما أتت نوبته من غير مزاحمة 
للآخرين فيذهب رأي ابن حزم في الآية أدراج الرياح . 


النبذ في اصول الفقه الظاهري oV‏ 
المتسللين لواذاً عنه وعن دعائه فصح أن الأمر المذكور فيها إنما هو الأمر بالقول 
فقط» وأيضاً فإنه لا خلاف في أن أفعال النبي ية ليست فرضاً عليه بمجردها وإذ 
ليست فرضاً عليه لأن الأصل فيها غير فرض» فمحال أن تصير بغير أمر بها فرضاً 


علینا بالدعوی . 
قال أبو محمد رحمه الله تعالى: وليس في قوله تعالی: وما ٤ائنگم‏ أل 
م وور و ر 


ذو وما تنكم عن اهأ [الحشر: ۷] حجة لمن قال بوجوب الأفعال لمجردها 
لأن الإتيان في لغة العرب هو الإعطاءء ولا يقع في اللغة على الفعل إعطاء وإنما هذا 
في الأوامر والنواهي لا سيما وقد وصل الآية بقوله عر وجل: وما هنكم عله انرا 
[الحشر: ۷] ولو كانت الأفعال لمجردها تفيد الوجوب لكان تكليفنا بما لا يطاق من 
المشي حيث مشى رسول الله بيو والأكل كما أكل» والشرب كما شرب. نعم 
والسکنی حیث سکن» وما أشبه هذا» ووجوب هذا باطل بإجماع» وخلاف لاتباعه 
أيضاً لأن حقيقة اتباعه أن یکون له ولم يفرض عليه مباحاً وغير فرض علينا» وما کان 
له عليه السلام ترکه کان لنا ترکه وإنما کان لنا فيه الفضل کما کان له فيه الفضل ولا 
مزید. 

ولا ينبغي أن نخص بعض الأفعال دون بعض ونفرق بين أقسامها بلا دليل إلا 
فيما ورد منها فيه الأمر» والأمر هو الموجب لها لا هي لمجردهاء فإن قال فإن 
اللہ تعالی قال: لتد ٤ی‏ لک ھی ان ع لی کات بیغ آله وام اید ومن بن بإ 
اله هو أل ليد ©4 [المُمعحئة : ]٦‏ قالوا فقوله تعالى: لن كان برجا له ولم 
اكير [الاحراب: ]۲١‏ ومن بول ب أله هر اَي لبيد [الخديد: ]۲١‏ وعيد 
وتهديد» ثم قوله: ن أله هو ألم ايد4 [الحديد: ۲] فإن هذا ليس كما 
تأوله» ولیس في قوله تعالى: لس كن برج أله وليم الجر [الأحرًاب: ]۲١‏ وعيد 
أصلاً. ولو كان إيجاباً أو وعداًء أو وعيداً لكان اللفظ على من كان يرجو الله واليوم 
الآخر. فلما جاء النص بلفظ لمن كان يرج أل [الأحرًاب: ]۲١‏ صخ أن ذلك 
لأهل هذه الصفة لا عليهم. وهذا بين واضح . 

وأیضاً فإنه لا يقال فيما هو فرض علینا مڌ کان كم في سول ر [الأحراب: 
١‏ في وجوب هذا الفرض عليه «أسوءٌ حَسََةٌ4 [الأحراب: ]۲١‏ وأيضاً فإذا كانت 
الأفعال فرضاً كما أن الأوامر فرض لم يبق شيء يكون فيه به عليه السلام أسوة حسنة 
وبطل معنى الآية وفائدتها وهذا لا يجوز. ووجه آخر وهو إنما ندب الله تعالى إلى 
الايتساء بالنبي بي في هذه الآية المسلمين لا الكفار» والمسلمون هم الذين يرجون 


°۸ النبذ في اصول الفقه الظاهري 


الله تعالى واليوم الآخرء ولم يندب قط كافراً إلى الايتساء بالنبي ية بهذه الآيةء ولا 
منعوا أيضاً من ذلك فبطل دعوى الوعيد في اللفظ جملة وبالله تعالى التوفيق . 

وآما قوله تعالی: ومن بول ن اه هو ألمي ليد [الحديد: ]۲١‏ فإن هذه 
قضية قائمة بنفسهاء مكتفية بحكمهاء غير متعلقة بما قبلهاء ولا ما قبلها مفتقر إليها 
ولا معلق بها ولا دليل على ذلك أصلاً فحصلوا أيضاً على دعوى ثانية بلا برهان. 
وأيضاً لو قلنا إن قوله تعالى: ومن بول [الحديد: ]۲١‏ فإن الله غني عمن تولى عن 
ظاهر الآية. وقال إني ليس لي الاتساء به عليه السلام ولا بما فيه من أسوة حسنة» 
ومن قال هذا فهو كافر. فهذا هو المتولي عن الآية حقاً لا من ترك أن يأتسي غير 
ممتنع ولا راغب عن الاستیساء ولو کان هذا لکان قولاً لا داقع له وهذا بن جداً. 

وأيضاً فإن القائلين بهذا تعلقوا بذلك في مسائل يسيرة جداً وتركوا ما لا يحصى 
من أفعاله عليه السلام فقد تناقضوا فإن ادعوا إجماعاً على أنها ليست فرضاً كانت 
دعوى زائدة وافتراء على الأمة» وكل دعوى لا يقوم بصحتها دليل فهي باطل. قال 
الله تعالی: فل انوا برهدنگ ۾ إن كد ميوت @) [التمل: ê‏ 

فصل آخر: ESB SE E‏ 
الله تعالى يقول» وقد ذكر أهل الفضل: یل تًا هُمٌ) [ص: ]۲٤‏ وقال تعالى: إن 
کترعم فی کیو ردو پک الکو اسول إن كم ومنو يا اليم ال [الساء: ]١١‏ 
ومنازعة الواحد منازعة توجب الرد القرآن والسنة ولم يأمر الله تعالى قط بالرد إلى 
الأكثر. والشذوذ هو خلاف الحق ولو أنهم أهل الأرض لا واحد. 

برهان ذلك: أن الشذوذ مذموم» والحق محمود» ولا يجوز أن يكون المذموم 
محموداً من وجه واحد ويسأل من خالف هذا عن خلاف الاثنين للجماعة. ثم خلاف 
الثلاثة لهم ثم الأربعة وهكذا أبداً. فان حدَ حداً کان متحکماً بلا دلیل وقد خالف 
أبو بكر رضي الله عنه جمهور الصحابة رضوان الله عليهم وش عن كلهم في حرب 
أهل الردة وكان هو المصيب ومخالفه مخطئاًء برهان ذلك: القرآن الشاهد بقوله ثم 
رجوع جميعهم إليه 

فصل : ولا حكم للخطأء ولا للنسيان» ولا لاإكراه إلا حيث أوجب له النص 
حكماً وإلا فلا يبطل شيء من ذلك عملاً ولا يصح عملاً. مثال ذلك: من أكره على 
المشي في الصلاة أو نسي افصلاته تامة» ومن نسي فصلى قبل الوقت أو أكره على 
ذلك لم تجزه وهكذا في كل شيء. برهان ذلك: قوله تعالی: اوش كم جح 


ا ناث پو ن ما مدت وفك [الأحراب: ]١‏ وما صخ عن النبي بل آنه 
عفا لأمته عن الخطأً والنسيان وما استكرهوا عليه . 


فصل : ولا يصح عمل من أعمال الشريعة إلا بنية متصلة بأول الشرع فيه لا 
يحول بين النية والدخول في العمل زمان أصلاً. برهان ذلك: قول الله تعالى: را 
أا إل يتنثا آله عيب له ل حت [البكة : ]٠‏ وقوله بل «إنما الأعمال بالنيات 
ولکل امریء ما نوی . وقد صح أن أعمال الشريعة كلها عبادة ودين فلم يأمر الله تعالى 
بنص القرآن إلا أن نؤدي كل ذلك بالإخلاص والإخلاص هو القصد بالقلب إلى ذلك 
وهو النية نفسها. 

فصل: وكل ما صخ بيقين فلا يبطل بالشك فيه. سواء الطهارة» والطلاق 
والنكاح» والملك» والعتق» والحياةء والموت» والإيمان» والشرك» والتمليك» 
وانتقاله وغیر ذلك. برهان ذلك قوله تعالى: ول َع لا تى ِن لي م( [التجم : 
٨۸‏ والشك والظن شيء واحد لأن كليهما امتناع من اليقين» وإن كان الظن أميل إلى 
أحد الوجهين إلا أنه ليس يقيناًء وما لم يكن يقيناً فهو شك ولا يحل القطع به . 

فصل: وكل عمل في الشريعة فهو إما معلق بوقت محدود الطرفين» أو بوقت 
مخدرة العا خن دود الآخر فما كان معلقاً بوقت محدود الطرفين لم يجز أن 
یوفی به في غير وقته ولا قبل وقته ولا بعده إلا بنص أو إجماع بالمجيء به في غير 
وقته فيوقف عنده وإلا فلا كالصلاة» وصيام رمضان» والحج› والأضحية ونحو ذلك»› 
وما كان معلقاً بوقت محدود الأول غير محدود الآخر فلا يجزي قبل وقته فإذا وجب 
لدخول وقته لم يسةط أبداًء كالزكاة والكفارات» وقضاء المسافر» والمريض» 
والحائض والنفساء» والمبقي في رمضان وما أشبه ذلك. برهان ذلك: قول الله 
عر وجل: ياك حو آل د نوما [المَرَة: ۲۲۹] وقوله تعالی: #ومن بعد سود 
أو قد طلم سَ4 [الطادق: ]١‏ وقوله رسول اله ية: «من عمل عملاً ليس عليه 
أمرنا فهو رد» وبيقين يدري كل ذي حس أن من صلّى الصلاة قبل وقتها أو بعد 
خروج وقتها عامداً» أو صام رمضان قبل وقته أو بعد خروجه عامداًء أو أدى الزكاة 
قبل وقتهاء» أو حجَ قبل الوقت أو بعد الوقت فقد تعدى حدود الله فهو ظالم في ذلك 
وعمله ظلم والظلم لا يجزي من الطاعة. وكذلك بلا شك آنه قد عمل عملا ليس 
عليه أمر الله تعالى ووضع عمله في غير موضعه فهو مردود بلا شك . 


0( نعم إلا أن التعبد بغلبة الظن في الحكم من أهله مما علم من الدين علماً لا يشوبه شوب 
فذهب ما ذهب إليه أدراج الرياح . 


فصل: وما صح وجوبه غير موقت بنص آوإجین فاد سعط إل بص اراق 
GR‏ ينص أو إجماع. والبرهان في ذلك قوله تعالى: ياي اَن 
اموا ایوا آله رايعو ارول ولي الأ م4 [النساء : ]٩‏ فص آنه لا يجب شيءَ إلا 
بنص ا5 إجماع فإذا وجب شيء بنص أو إجماع فمن ادعى إسقاطه بغير نص أو 2 
فقد عارض أمر الله تعالى بالرد من قبل نفسه فأمره هو و د و اھا ام 
الله فمقبول لازم وكذلك من أراد إلزام شيء بغير نص E‏ 
لم يأذن به الله فهو باطل. قال الله تعالی: ولا شرا صف اينڪ ١‏ الْكذِب هدا 
حل وهنا حرام قاروا على آم لب4 [التحل: .]١١١‏ 

فصل: ولا يلزم الخطأإلا عاقلا بالغاً قد بلغه الأمر. قال الله تعالى: لري 
لالس [آل عمران: ۰ الزمر: ۲۱] وقال تعالی : لأ پوه وَس ب4 [الأنعام: .]۱١‏ 

وقال رسول الله ار: ة: «رفع القلم عن ثلاث» فذكر الصبي حتى يبلغ والمجنون 
یی تی دازي راع أعمال الأبدان. وأما لوازم الأموال فخلاف ذلك لأن الحكام 
هم المخاطبون بإخراجها. 

فصل: والاستشناء جائز من جنس الشيء ومن غير جنسه. قال تعالى: إل 
اليس كان يِن الجن [الكهف : ]١‏ وهذا ابتداء كلام» وكذلك الاستثناء من جملة 
يبقى منها أصلها لأن الاستشناء اء معروف في لخة العرب فلا يجوز المنع منه بغير نص 
ولا | إجماع. 

فصل : وکل من روی عن صاحب ولم يسمه فإِن کان ذلك الراوي ممن لا 
يجهل صحة قول مدعي الصحبة من بطلانه فهو خبر مسد تقوم به حجة. لأن جميع 
الصحابة عدول. قال الله تعالی : لق الممجرن لي رجا ين يرهم نوله 
يفون فضا من آل و ورضراً ويلصرون اله وسو اوك م لصي @ وان برو لار 
لابن ن يور مو من ماج للم وا جدود فى رهم عاب َا اوا وشوه 
اشم کے ۴ چم کد ون و کے ي ويك هم ليخ @4 
[الحشر: ]٩ ٠۸‏ فشهد الله تعالى لجميع المهاجرين والأنصار بالصدق والفلاح فقد تبقنا 
عدالتهم . 

وإن كان الراري ممن يمكن أن يجهل صحة قول مدعي الصحبة فهو حديث 
مرسل إذ لا يؤمن فاسق من الناس أن يدعي لمن لا يعرف الصحابة أنه صاحب وهو 
كاذب في ذلك. فأما إذا روى الراوي الثقة عن بعض أزواج النبي ية خبراً فهو حجة 
لأنهن لا يمكن اا و د بے لین ایرد لالز 


النبذ في آصول الفقه الظاهري e1‏ 


فصل: وإذا روى الصاحب حديثاً عن النبي َة وروى عن ذلك الصاحب أنه 
فعل“ خلافاً لما روي فالفرض الح أخذ روايته وترك ما روي عنه. يعني أن يؤخذ 
بما۔-رواه لا بما رآه من فعله أو فتياه لبراهین: 

أحدها: أن الفرض علينا قبول نقله عن النبي ية لا قبول اختياره إذ لا حجة 
في أحد دون النبي ي . 

وثانيها: أن الصاحب قد ينسى ما روي في ذلك الوقت وربما ينساه جملة كما 
نسي عمر قول لله تعالى: إلك ت وم به €3 [الرْمَر: ]۳١‏ وقوله تعالى: 
اتيد دده قنطارًا [النساء: ]۲١‏ حتى قال: ما مات رسول الله ي ولا يموت 
حتى يكون آخرنا. فلما ذكر بالآية خر إلى الأرض وحتى قال على المنبر: لا يزيدن 
أحدكم في صدقات النساء على أربع مائة درهم. فلما ذكرته امرأة بالآية ذكر وأذعن. 
وقد يذكر الصاحب ما روي إلا أنه تأول فيه تأويلاً يصرفه به عن ظاهره كما تأول 
قدامة به مظعون رضی الله عنه قول الله تعالی: لی عل آلزیت امنا وملا للحت 
فا يثرا [المائدة: ۹۳ الآية. 

وثالشها: أنه لا يحل لأحد البتة أن يظن بالصاحب أن يكون عنده نسخ لما 
روي فيسكت عنه ويبلغ إلينا المنسوخ لأن الله تعالى يقول: إن أبن يكو با 
يئوت ©4 [البقرة: ]٠١١‏ وقد نزههم الله تعالى عن هذا. 

وراإبعها: أن الله تعالى يقول: إا حن بر لكر و ام يطرة @4 
[الججر: ]٩‏ فضمان الله تعالى قد صح في حفظ كل ما قاله رسول الله ي فبطل أن 
يكون عند أحد من الصحابة رضي الله عنهم شيء عن النبي ية فلا يبلغه. والصاحب 
ليس معصوماً من الوهم في اختياره وهو معصوم من طي الهدى وكتمانه . 

وخامسها: أن يقال إذ لا بد من توهين إحدى الروايتين» فتوهين الرواية عن 
الصاحب في خلافه لما روى أولى من توهين روايته عن النبي بل لأن هذه هي 
المفترض علينا قبولها. وأما ما كان موقوفاً على الصاحب فليس فرضاً علينا الطاعة به 
وبالله التوفيق . 
() وکم لأمثال ابن المديني وأحمد وغيرهما من النقاد من إعلال الحديث به كما تجد بسط ذلك 


في شرح علل الترمذي لابن رجب وليس قول بعض متأخري النقلة بحتم في ذلك. 
(۲) وتأوله هذا لم يحل دون إيقاع الحد عليه. 


o1۲‏ النبذ في أصول الفقه الظاهري 


والقول بالدليل الذي لا يحتمل إلا وجهاً واحداً واجب وذلك مثل قوله تعالى: 
لن هم ككلم أو ميب 4)69 [مود: قفخ ات اليس فيا وسل قول 
النبي ية «كل مسكر خمر» وكل خمر حرام؟ فصح أن كل مسكر حرام فهذا الدليل 

هو النص بنفسه. 

فصل : والمتشابه من القرآن هو الحروف المقطعة والأقسام فقط . إذ لا نص في 
شرحها ولا إجماع وليس فيما عدا ذلك متشابه على الإطلاق. قال رسول الله ل : 
«الحلال بين والحرام بين» وبين ذلك مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس». فصح أنه 
يعلمها بعض الناس. قال تعالى: بسا لحل مىر [التحل: .]۸٩‏ 

فصل: ولا يلزم الفرض إلا من أطاقه إلا أن يأتي نص أو إجماع بأنه يلزمه 
ويؤدیه عنه غیره فیجزیه. قال الله تعالی: لا کلف آله نشا إل وَسَعَماً َا م 
کسبت وعَا م ایپ 1٦‏ وقال تعالی: وا حمل مک في الین ت 
َج [الحج : ۸] ولما أ مر النبي ب المرأة أن تحج عن أبيها وهو شيخ زين 
يطيق النقلة. وقال النبي بل: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه» E‏ 
عن الميت وقال: «دين الله أحق أن يقضى أو أحق بالقضاء» وجب الانقياد لكل ذلك 
فيقضى الحج فرضه ونذره عن الميت وعن الحي العاجز» ويقضى صوم النذور» 
والفرض عن الاستحاضة» وتقضى الصلاة المنسية» والمنوم عنها وساثر النذور. 

فصل : O‏ ا 
غرفة ول يجکر ٠‏ لأنه لا حجة في سواء. قال الله تعالى: لن يكن لاس عل له 
حك بعد اسل [النساء: .]٠٠١‏ 

فصل: والحجة لا تكون إلا في نص قرآن» أو نص خبر مسند ثابت عن 
رسول الله کیا او في شيء رآه عليه السلام فأقره لأنه ية مفترض عليه البيان. قال 

يک آل ڪر ل للم [التحل: ]٤‏ وقال تعالی: 


تعالى: وارلا لك 
یا السو بلغ ما أل إّنك ين كيك ون لر تمل فا بت رسالتة واه بتوغدك ي 
لاس4 [المائدة: ]٦۷‏ وقال تعالی: را يَطِی عن افر 9© ن هو إل و بى ©4 
[التجم: ۳ .]٤‏ 

وقال تعالی: هو الى بعك في الأ رسو منم ياوا وم ایو ورم 
ولمم التب الیک ون گا ین بل نى صلل بن (O‏ [الجْمَعَة: ۲]. والآيات 
ما أنزل تعالى من القرآن» والحكمة ما أوحي من السة. 


النبذ في أصول الفقه الظاهري o1‏ 


فصح يقيناً أنه ئة لا يدع شيعا من الدين إلا يبينه من الكتاب بالكتاب أو من 
الكتاب بالسنة» يهن الس التة: وهو عليه السلام لا يقر على منكر فإذا علم 
عليه السلام ث شيئاً ولم ينكره فهو مباح حلال» وليس غيره كذلك لأن غيره يخطىء 
وينسى وينفي ويتثقف لبعض الأمر. 

فصل : والحق من الأقوال كلها في واحد وسائرها خطاً. قال الله تعالی: مادا 
بعد إل سَ4 [بُونس: ۳۲] وقال تعالی: و کا يِن عند َر ألم جوأ في 
حًا صَبا) [النساء: ۸۲] وبال تعالى التوفيق. وإذا كان في المسألة أقوال متعددة 
محصورة فبطلت كلها إلا واحداً فذلك الواحد هو الحق بيقين لأنه لم يبق غيره والحق 
لا يخرج عن أقوال جميع الأمة لما ذكرنا من عصمة الإجماع. 

فصل: ولا يحل الحكم بشرعية نبي من قبلنا لقوله تعالى: لكل جنا كم 
َة يناجا [المائدة: ]٤۸‏ فإن ذكروا قول الله تعالى: يدهم فة [الانعام: 
۰ قلنا نعم فیما اتفقوا فیه لا فیما اختلفت فیه شرائعهم. . قال الله تعالی: تا يقال 
ك إلا ما قد فيل الرس ین بيك إن رك ئو مَعْفِرز وذو عاب ير ©@6) [فُصَلّت: 
۳] فما اتفقوا فيه کالتوحید ونحوه فهو حق» وما اختلفوا فيه فلا يمكن الأخذ بجميع 
ذلك. ولا يجوز أن يؤخذ بعض دون بعض لأنه تحكم بلا برهان. فإن قيل نأخذ 
بشريعة عيسى عليه السلام لأنه آخرهم قلنا هذا خطأً ببرهانين : 

أحدهما: أن الله تعالى منع من هذا بقوله: يله یکم 5 ي4 [الحَخ: ۷۸] 
فأخبرنا أن الذي الزمنا هو ملة إيراهيم ب وهي ملة محمد 5 قال الله تعالی : ا 
أت رة نجل إل من بدو أف يوك4 [آل عِمران: ]٠١‏ فقد منع ع وجل 
من الأخذ بالتوراة والإنجيل المنرّل على عيسى عليه السلام بإلزامه إيانا شريعة إبراهيم 
عليه السلام. 

والبرهان الثاني : قوله ية : «فضلت على الأنبياء بست فذكر منها أن النبي كان 
يُبْعث إلى قومه اة وأنه عليه الصلاة والسلام بُعث إلى الأحمر والأسود والناس 
كافة) فإذ قد صح هذا فقد بطل أن يلزمنا شريعة أحد من الأنبياء عليهم السلام حاشى 
شريعة محمد إل فقط لأنه لم يبعث الله تعالى إلينا أحداً من الأنبياء غيره عليه الصلاة 
والسلام. وإنما كان غيره يبعث إلى قومه فقط لا إلى غير قومه. 

فصل: والفرض أن يحکم كل مؤمن وكافر ا الإسلام أحبوا أم كرهوا 


ر و غ 4 


E E EE‏ ریشم خی ا تكرت فة ويڪو اين ڪلم له 


o4‏ النبذ في أصول الفقه الظاهري 


[الأنقال: ۳۹] ولقوله تعالی: ان اخم بم پا أَرَل اه ولا َي اهرهم وأعْدَرَهم آن 
بولک ع بض ا أل أله إلك4 [المائدة: .]٤٩‏ 


فصل في الرأي: لا يحل لأحد الحكم بالرأي. قال الله تعالى: تا رطا في 
الكت ین سئو) [الأنعام: ۳۸] وقال تعالى: ا اي امنا ليغا أ وآيليخوا ارس 
وای الا ینک کین ترم فی کیو ردو إل اتو اسول إن كم ليئو باه الوم ال4 
[التساء: .]٠۹‏ وقال رسول الله : «فاتخذ الناس رؤوساً جهالاً فأفتوا بالرأي فضلوا 
وأضلوا» أو كما قال عليه السلام: وهذا حديث صحيح أخرجه البخاري وغيره وحدثنا 
أبو بكر حمام بن أحمد القاضي . قال: حدثني أبو محمد عبد الله بن محمد التاجي. 
قال ثنا: محمد بن عبد الملك بن أيمن. قال ثنا: أبو ثور إبراهيم بن خالد. قال ثنا: 
وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال 
رسول الله ا: «لا ينزع العلم من صدور الرجال» ولكن ينزع العلم بموت العلماء 
فإذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فأفتوا بالرأي فضلوا وأضلُو»"“. قال 
عبد الله بن عمرو بن العاص: لم يزل أمر بني إسرائيل مستقيماً حتى نشأ فيهم أبناء 
سبايا الأمم فقالوا بالرأي فضلوا وأضلوا. 


قال أبو محمد رضي الله عنه: وصح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه 
قال: اتهموا الرأي. وقال سهل بن حنیف: اتهموا آراءکم على دينکم» وقال علي بن 
أبي طالب رضي الله عنه: «لو كان الدين بالرأي”" لكان باطن الخفين أحق بالمسح» 
وهكذا جاء عن غيرهم من الصحابة رضوان الله عليهم فإن ذكروا حديث معاذ «أجتهد 


(1) هذا الحديث بعيد عن الدلالة على ما يقصده ابن حزم إذ ليس لتخبيط الجاهل في رأيه المجرد 
الخالي عن علم الكتاب والسنة دخل في رد القياس الصادر من أهله الجامع لشروط الاجتهادء 
وأما ما حكاه عن بني إسرائيل فلو ورد عن المعصوم لكنا قبلناه بكل تسليم ولعلمنا منه أن هذا 
المنتمي ولاء إلى يزيد بن أبي سفيان مدعياً أنه من أبناء فارس العبيد حاول مناهضة الصحابة 
وباقي الأمة بالرأي الخالي عن الدليل فضلَ وأضلَ. 

9) ذكر المسح يدل على آنه أراد بالرأي تحكيم العقل بدون أصل في الكتاب والسنة» وهذا مما لا 
شأن له في الرأي بمعنى رد الشيء إلى ما في الكتاب والسنة وكل ما ورد في ذم الرأي ففي 
الرأي عن هوى بدون مدد الكتاب والسنة» وقد صح عن الراشدين وباقي فقهاء الصحابة 
والتابعين القول بالرأي كما تجد تفصيل ذلك بسرد أسانيد كل منهم في جامع بيان العلم لابن 
عبد البر» وفي الفقيه والمتفقه للخطيب ولا يتسع المقام لتقل ذلك. 


النبذ في أصول الفقه الظاهري 0\0 


رأيي ولا آلو» فإنه حديث""“ باطل لم يروه أحد إلا الحارث بن عمرو وهو مجهول لا 
يدری من هو عن رجال من أهل حمص لم يسمهم. ومن الباطل المقطوع به أن 
قر رسول الله إل لمعاذ: «فإن لم تجد في كتاب الله ولا في سنة رسول الله» وهو 
يسمع وحي الله إلیه: تا رتا نی الککي بن كىو) [الأنعام: ۳۸] و الوم الث لك 


(0) 


(0 


قال أبو بكر الرازي الجصاص في «الفصول: فإن قيل إنما رواه عن قوم مجهولين من أصحاب 
معاذ قيل له لا يضره ذلك لأن إضافة ذلك إلى رجال من أصحاب معاذ توجب تأكيده لأنهم لا 
ينسبون إليه أنهم من أصحابه إلا وهم ثقات مقبولو الرواية عنه ومن جهة أخرى أن هذا الخبر 
قد تلقاه الناس بالقبول واستفاض واشتهر عندهم من غير نکیر من أحد منهم على رواته ولا رد 
له اه. وقال الخطيب البغدادي في «الفقيه والمتفقه»: وقول الحارث بن عمرو عن أئاس من 
أصحاب معاذ يدل على شهرة الحديث. وكثرة رواته وقد عرف فضل معاذ وزهده والظاهر من 
حال أصحابه الدين» والغقة» والزهد» والصلاح وقد قيل: إن عبادة بن نسي رواه عن 
عبد الرحمُن بن غنم عن معاذ وهذا إسناد متصل» ورجاله معروفون بالثقة على أن أهل العلم 
قد تقبلوه واحتجوا به فوقفنا بذلك على صحته عندهم اه. وقال أبو بكر بن العربي في 
«العارضة٠:‏ اختلف الناس في هذا الحديث فمنهم من قال: إنه لا يصح ومنهم من قال: هو 
صحیح» والذي أدين به القول بصحته فإنه حديث مشهور يرويه شعبة بن الحجاج رواه عنه 
جماعة من الفقهاء والأئمة منهم يحيى بن سعيد» وعبد الله بن المبارك» وأبو داود الطيالسي» 
والحارث بن عمرو الهذلي الذي يرويه عنه وإن لم يعرف إلا بهذا الحديث فكفى برواية شعبة 
عنه وبكونه ابن أخ للمغيرة بن شعبة في التعديل له والتعريف به وغاية حطه في مرتبته أن يكون 
من الأفراد ولا يقدح ذلك فيه» وليس أحد من أصحاب معاذ مجهولاً ويجوز أن يكون في 
الخبر إسقاط الأسماء عن جماعة ولا يدخله ذلك في حيز الجهالة إنما يدخل في المجهولات 
إذا كان الراوي واحداً فيقال حدثني رجل» حدثني إنسان ولا يكون الرجل للرجل صاحباً حتى 
یکون له به اختصاص فکیف وقد زید تعریفاً بهم أن أضيفوا إلى بلدء وقد خرج البخاري الذي 
شرط الصحة في حديث عروة البارقي «سمعت الحي يتحدثون عن عروة» ولم يكن ذلك 
الحديث في جملة المجهولات. وقال مالك في القسامة : أخبرني رجال من كبراء قومه» وفي 
الصحيح عن الزهري حدثني رجال عن أبي هريرة من صلى على جنازة فله قيراط اه. وبهذا 
البيان يظهر مبلغ تهور ابن حزم في رد الحديث وفي مناهضته لفقهاء الملَة في القياس وكم 
للجمهور من الأدلة للقياس غير هذا ولبسطها موضع آخر. وقول البخاري في التاريخ الأوسط 
جرى منه على مصطلح النقلة بل عدم الاتصال قد لا ينافي الصحة وكم من مرسل صححه 
النقاد من أهل الحديث كما ذكرت وجه ذلك فيما علقته على شروط الأئمة ثم من الغريب 
مجاراة البخاري لبعض الرواة النقلة في نفي القياس مع أنك تجد في صحيح البخاري كثيراً من 
آراء ارتآها هو ولا مدرك لها غير القياس وهذا مما يحتم آن البراعة في علم لا تستلزم البراعة 
في علم آخر بل يكون التعويل في كل علم على آهل ذلك العلم خاصة. 

يتجاهل عدم انتهاء النوازل إلى انتهاء تاريخ البشر» ومن كمال الدين وعدم تفريط الكتاب ما قام 
فيه من الأدلة على القياس الذى يرجم إليه فى التوازل ال لا تسه.. 


۱ النبذ في أصول الفقه الظاهري 


وبتك [المائدة: ۴] فما كمل بشهادة الله تعالى فمن الباطل أن لا يوجد فيه حكم نازلة 
من النوازل فبطل الرأي في الدين مطلقاً . 

فصل: فلو صح لما خلا ذلك من أن يكون خاصة لمعاذ لأمر علمه منه 
رسول الله بيا ويدل عليه قوله عليه السلام: «أعلمكم بالحلال والحرام معاذا. 
فسرغ إليه شرع ذلك» أو يكون عاماً لمعاذ وغير معاذ. فإن كان خاصاً لمعاذ فلا 
يحل الأخذ برأي أحد غير معاذ وهذا ما لا يقوله أحد في الأرض» وإن كان عاماً 
لمعا بوغير معاة افا رآ أحد من الاس أول من براي غيره فيطل الدين“ وصار 
هملاًء» وكان لكل أحد أن يشرع برأيه ما شاء وهذا كفر مجرد. وأيضاً فإنه لا 
يخلو الرأي من أن يكون يحتاج إليه فيما جاء فيه النص فهذا ما لا يقوله أحد 
لأنه لو كان ذلك لكان يجب بالرأي تحريم الحلال» وتحليل الحرام» وإيجاب ما 
لا يجب وإسقاط ما وجب» وهذا كفر مجرد وإن كان إنما يحتاج إليه فيما لا 
نص فيه فهذا باطل من وجهين: 

أحدهما: قول الله تعالی: تا رتا فی الكت يِن سیو [الأنعَام: ۳۸] وقوله 
تعالی: با لکل نو [النحل: ]۸٩‏ وقوله تعالی: الوم الت کم دینگ4 
[المائدة: ۳] وقوله تعالى: بين لاس ما رل إل [التحل: ]٤٤‏ فإذ قد صح يقيناً 
بخبر الله تعالى الذي لا يكذبه مؤمن أنه لم يفرط في الكتاب شيئاًء وأنه قد بيّن فيه 
كل شيء» وأن الدين قد كمل» وأن رسول الله ي قد بين للناس ما نزل إليهم. فقد 
بطل يقيناً بلا شك أن يون شيء من الدين لا نص فيه ولا حكم من الله تعالى 
ورسوله لا عن . 

والثاني : أنه حتى ولو وجد هذا فقد أعاذ الله تعالی ومنع من أن يوجد لكان من 
شرع في هذا شيئاً فقد شرع في الدين ما لم يأذن به الله وهذا حرام قد منع القرآن منه 
فبطل الرأي والحمد لله رب العالمين . 

فإن قالوا: قد قال الصحابة رضي الله عنهم بالرأي. قلنا: إن وجدتم عن أحد 


(۱) کان هذا یرد لو كان المراد بالرأي ما تهوى الأنفس بدون كتاب ولا سنة وإذ ليس فليس. 

(۲) ولیس في شيء منها ما يتوخاه اين حزم لأن التبيين أعم من النص على الشيء ومن الإرشاد إلى 
ما يدل عليه من قياس ودليل عقلي» ومن كمال الدين إنباؤه عما يدل على حجية القياس فيرجع 
إليه في النوازل التي لا تحصى فلا يكون في الكتاب تفريط بعد أن أرشد إلى أصول الأدلة على 
تقد أن الم اد بالكتاب هر القر آن. 


النبذ في أصول الفقه الظاهري E‏ 


منهم تصحيحاً لقول بالرأي وجدتم عنه" التبرؤ منه وقد بيتا هذا في كتابنا الإحكام 
لأصول الأحكام وفي رسالة النكت غاية البيان وبالله تعالى التوفيق 

فصل في القياس: ولا يحل الحكم بالقياس في الدين والقول به باطل مقطوع 
على بطلانه عند الله تعالی . 

برهان ذلك: ما ذكره آنفاً في إبطال الرأي 

فإن قالوا: إن القول بالقياس ة RG SR‏ عرو بوم 
بانیم دآبرى المرمدين اتير يتأي الاسر [القر: ۴]. وجرا اليد وكذلف 
الجروع قلا لهم ليس ممن اعتروا في لغة المرب قيسوا ولا عرف ذلك ا أحد من أهل 
اللغة وإنما معنى اعتبروا" تعجبوا واتعظوا. قال الله تعالى: از ا 
ي الاك (بُوف: ..١‏ أي عجب وموعظة. وقال تعالی: ئن لک 

م ن ر نا حالصا ساپت ا 5 


مرت ايلي التي دو مته ڪا و ورا سنا إل في ذلك لاي لور ب 
[التحل: ١٦ء .]٦۷‏ أي عجباً بل في هذه الآيات إبطال القياس لأنه تعالى أخبر أن 
اللبن حلال وهو خارج من بين فرث ودم حرام» وأن ثمرة واحدة يخرج منها رزق 
حسن حلال» وسکر حرام فبطل أن یکون للنظیرین حکم واحد. 


ولو کان معنی اعتبروا قيسوا للزمنا إخراب بيوتنا كما أخربوا بيوتهم فإذا ليس 
الأمر كذلك فقوله تعالى: تبروا [الحشر: ۲] إبطال للقياس وحتى لو كان عنى 


)0( يقضي على خيال المصنف ما ذكره صاحبه في جامع بيان العلم (۲ _ )٠١‏ وأفاض فيه إلى أن 
E AS ERS‏ 
ماجهوللعالم ب ي لقا انت 
r a E‏ 

(۲) والاعتبار من العبور في أصل اللغة يذكر في الكتاب غالبا با أثر حادثات جزئية ترتبت عليها أحكام 
فينتقل التالي من ذلك إلى أن من عمل مثل هذا العمل يترتب على عمله مثل ما ترتب على 
عمل ذاك العامل وهو رد النظير إلى النظير في الحكم لاشتراكهما في العلة وهو القياس 
الفقهي» والتعجب والاتعاظ ونحوهما ليست معاني أصلية للكلمة بل من لوازم ذلك الأصل. 
قال ثعلب: الاعتبار أن يعقل الإنسان الشيء فيفعل مثله أو أن يفرع عليه مثله. 

)9 أي دلالة يعبر ويتتقل بها من الجهل بال إلى معرفته جل جلاله لأن إتقان المصنوع يدل على 
إتقان الصانع جل جلاله. : اووصف ذاكة ارك والدم الحرم لا يتمتور ها داما في بعلن الحجوان 
لا يتناولهما إنسان وإنما لحرمة وصف فعل المكلف» ثم السكر قد يراد به النيء من العصير فلا 
یبقی اتزان في کلامه کل ارات ان 


o1۸‏ النبذ في أصول الفقه الظاهري 


اعتبروا قيسوا ولم يحتمل معنى غيره لما كان في ذلك إیجاب ما يدعونه من 
القياس» لأنه كان يكون حينئذ من المجمل الذي لا يفهم من نصه المراد به وإنما 
کان یکون مثل قوله تعالى: ةيمو اللو واوا وة [البعَرة: ]٤١‏ ومغل قوله 
تعالی: واوا حَقَم يوم حمکادو4 [الأنعام: .]٠٤١‏ فهذا الأمر لا يفهم منه ما هي 
الصلاةء والزكاة» ولا ما هو حق الله تعالى في ما حصد ما لم يعين. ولا كيف 
تۇدى الصلاة والزكاة» حتى جاء بيان النبي ية بكل ذلك. فلو كان معنى اعتبروا 
قيسوا وسلمنا هذا لما علم أحد كيف يكون هذا القياس. ولا على ماذا يقيس» ولا 
على الشيء الذي يقيس» ولاضطررنا في ذلك إلى بيان رسول الله ب وإذا لم يأته 
بذلك کله" بیان کف نعمل فبيقین ندري أن الله تعالی لم یکلفنا ما لا ندري کیف 
هو» ولا ما هو. ولا كلفنا البناء على أقوال مختلفة لا يقوم بشيء منها دليل فبطل 
أنها تفهم بهذه الآية بيقين› وصح أنه لم يرد تعالى قط بها القياس بيقين لا شك فيه 
وبالله تعالى التوفيق. 


وأما جزاء الصيد فلا مدخل فيه للقياس أصلاً”“ لأنه أمر الله تعالى من قتل 
صيداً متعمداً وهو حرام أن يجزيه بمثله من النعم لا بالصيد فقد شهدت الآية بإبطال 
القياس» وأما كيك لس [ق: ]١١‏ فإبطال للقياس بلا شك لأن إخراج الموتى 
مرة في الأبد يشمر خلوداً في النار أو الجنة» وإخراج النبات من الأرض يكون كل عام 
ثم یبطل وکل ما ذکروا من هذا وغیره فلا يجوز أن يؤخذ منه تحريم بيع التين بالتين» 
متفاضلاً وإلى أجل. 


وبرهان قاطع في کل ما يوهمون به من القرآن والحديث» وهو ان قولنا: هو أن 
الحق في الدين إنما هو فيما جاء به القرآن وحديث رسول الله بيا ثم قالوا هم 
بالقياس وأبطلناه نحن وكل آية أتونا بهاء وكل حديث ذكروه فكل ذلك حق وكل ما 
أرادوا هم أن يضيفوه إليه فهو باطل» ولم يزيدونا على أكثر من أن كرروا لنا قولهم 
بالقياس فقط» وفي هذا نازعناهم» ولا يجوز أن يحتجوا لقولهم بقولهم» وإنما كان 


() بل اتی البيان في السنة حيث درب التبي بيه فقهاء الصحابة على وجوه القياس. راجع جامع 
بیان العلم (۲ ۔ .)٠١‏ 

() أقام مثل الشيء مقام الشيء فدل على أن حكم الشيء يعطى لنظيره وهو القياس واستدل بالآية 
الشافعي على اجتهاد الرأي» وما ذكره المصنف في الآيتين مما يدل على أنه لم يحذق مراد 
القوم بالقياس. 


النبد في أصول الفقه الظاهري 9 


O ha E E 
النص الذي يشبهه» فإن لم يجدوا هذا - ولا سبيل إلى وجوده أبداً فلا حجة لهم في‎ 
bG شيءَ من من القرآن والأخبار لما ذكرنا من أن القرآن كله وصحيح الحديث حق» و‎ 
يريدون هم إضافته إلى ذلك فهو باطل. وعنه طالبناهم بالدلیل الذي لا يجدونه وبالله‎ 
تعالى التوفيق.‎ 

ومن البراهين في إبطال القياس قول الله تعالى: ول انرک ن طون اتهم 

لا تکشر سیا [التحل: ۷۸] وقال تعالی: ویم تا کم كوا ES‏ 

i iy A E O Er وقال تعالی: فل إلا حم َي نوو‎ [٠١ 
[rr وان شرا بای ما کر برل ہی اطا وان فووا ل لم ما ا كماو )€ [الأعراف:‎ 

فحرّم الله تعالى أن نقول عليه ما لا نعلم وما لم يعلمنا فلما نجد الله أمر 
بالقياس ولا علمنا إياه أنه باطل لا يحل القول به في الدين» وأيضاً فإنه يقول: في أي 
شيء يحتاج إلى القياس آما في ما جاء به النص والحكم من الله تعالى ورسوله بل أم 
فیما لم يأتٍِ به نص ولا حکم من الله تعالی ولا من رسوله عليه السلام ولا سبيل إلى 
ثالث. 

فإن قالوا: فيما جاء به النص علم أنه باطل لأنه لو كان كذلك لكان الواجب 
تحريم ما أحل الله تعالى بالقياس. وتحليل ما حرم الله تعالى» وإيجاب ما لم يوجبه 
الله تعالى» وإسقاط ما أوجبه الله عر وجل. 

وإن قالوا: بل فيما لا نص فيه. قلنا: قد ذم الله تعالى هذا وكذب قائله. فأما 
ذمه ذلك فقوله ع وجل: ام کر شرڪڙا رغ لهم ن الي ما م باذ يد 


)١(‏ ليس بضروري وجود هذا اللفظ في الكتاب والسنة وكفى ورود ما يفيد معناه فيهما وقوله 
تعالى : اروا [الحشر: ۲] وحده يدل على الأمر برد الشيء إلى نظيره وقد صخ عن ثعلب 
وهو من أئمة اللغة أن الاعتبار رد الشيء إلى نظيره كما في الكشف وغيره وما في الآيات 
والأحاديث من الدليل على القياس لا يخفى إلا على من انطمست بصيرته وجرى فقهاء 
الصحابة على ذلك - وهم الذين شهدوا الوحي ۔ یقطع کلام کل خطیب حت إن ابن عبد البر 
الذي يطريه المصنف إطراء بالغاً يقول في جامع العلم: وعلى ذلك كان العلماء قديماً وحديثاً 
إلى أن حدث التظا ؤیغول ایشا وقد جاء عن الصحابة رضي الله عنهم من اجتهاد الرأي 
والقول بالقياس على الأصول ما يطول ذكره» ويقول أيضاً ناقلاً عن المزني: الفقهاء من عصر 
رسول اله ية إلى يومنا استعملوا المقاييس في الفقه في جميع الأحكام اه ومع كل هذا لا 
يأبى المصنف استيلاد اليقين من هواجس» ما أنزل الله بها من سلطان نسأل الله السلامة. فلا 
نطيل الكلام بأكثر من هذا. 


of.‏ النبذ في أصول الفقه الظاهري 


ال [الشوری: ]۲١‏ وأما تكذيبه تعالى من قال ذلك فقوله تعالی: تا رلا ف 
آلکتب ین مىر [الأنعَام: ۳۸] ييا لكل مَىو) [التحل: 1۸4. وين لاس ا 
رل للم [التحل: .]٤٤‏ فصح يقيناً"“ بطلان القياس. وأيضاً فإن القياس عند أهله 
إنما هو أن تحكم لشيء بالحكم في مثله لاتفاقهما في العلة الموجبة للحكم أو لشبهه 
به في بعض صفاته في قول بعضهم فيقال لهم أخبرونا عن هذه العلة التي ادعيتموها 
وجعلتموها علة التحريم أو التحليل أو بالإيجاب من أخبركم بأنها علة الحكم» ومن 
جعلها علة الحكم. 

فإن قالوا إن اله تعالى جعلها علة الحكم كذبوا على الله عر وجل إلا أن يأتوا 
بنص منه تعالى في القرآن» أو على لسان رسول الله َة بأنها علة الحكم وهذا ما لا 
يجدونه. 

فإن قالوا: نحن شرعناها فقد شرعوا من الدين ما لم يأذن به الله تعالى هذا 
حرام بنص القرآن. 

وإن قالوا قلنا إنها علة لغالب الظن"" وهذا هو قولهم قلنا لهم : فعلتم ما حرم 
الله تعالی عليكم إذ يقول: إن بم إل أل ملل أل ا يى ي لي ئ4 [التجم: 
٨۸‏ وإذ يقول رسول الله ية: «إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث» . 

قال أبو محمد رحمه الله تعالى: وعللهم مختلفة فمن أين لهم بأن هذه العلة 
هي مراد الله تعالى منا دون أن ينص لفاعليها وهو تعالى قد حرم علينا القول بغير علم 
والقول بالظن. وكذلك يقال لهم في قياسهم الشيء لشبهه به ونزيدهم بأن نقول لهم 
ما هذا الشبه أفي جميع صفاتهما أم في بعضها دون بعض. 

فإن قالوا: في جميع صفاتهما فهذا باطل لأنه ليس في العالم شيئان يشتبهان في 
جميع صفاتهما. وإن قالوا في بعض صفاتهما قلنا من أين قلتم هذا وما الفرق بينكم 
وبين من قصد إلى الصفات التي قستم عليها فلم يقس عليهاء وقصد إلى الصفات التي 
لم تقيسوا عليها فقاس هو عليها. 


(۱) کم للمؤلف من يقن عن وساوس. 

(۲) وغلبة الظن هي مدار الحكم في الأحكام العملية كما لا يخفى على من تتبع موارد الشرع ويناء 
الأحكام عليها في الشرع مقطوع به وإن كان بين الفروع ما هو ظني ومعاني العلم والظن في 
الكتاب والسنة لا تخفى إلا على من يجد لذة في مخالفة الجماعة وليست المطالب اليقينية 
والمطالب الظنية متواء وإن كانت الظاهرية لا يميرون بينهماء 


النبذ في أصول الفقه الظاهري o1‏ 


ويقال لهم: ما الفرق بينكم وبين من قال بل أفرق بين حكم الشيئين ولا بد من 
افتراقهما في بعض صفاتهما فمن أين وجب أن يحكم لهما بحكم واحد لاتفاقهما في 
بعض الصفات دون أن يفرق بين حكميهما لافتراقهما في بعض الصفات وهذا ما لا 

فقد صح أن القول بالقياس والتعليل"“ باطل وكذب» وقول على الله تعالى بغير 
علم وحرام لا يحل البتة لأنه إما قطع على الله تعالى بالظن الكاذب المحرم وإما شرع 
في الدين ما لم يأذن به الله تعالى وكلا الأمرين باطل بلا شك والحمد لله رب 
العالمين. 

فإن قالوا: إن العقول تقتضي أن يحكم للشيء بحكم نظيره قلنا لهم: أما نظيره 
في النوعية» أو الجنس فنعم. وأما في ما أقحموه بآرائهم مما لا برهان لهم أنه مراد 
الله تعالى فلا. وهكذا نقول في الشريعة لأنه إذا حكم الله ع وجل في البرء كان ذلك 
في كل بر» وإذا حكم في الزاني كان ذلك في کل زان» وهکذا في کل شيء ولا فما 
قضت العقول قط ولا الشريعة في أن للتين حكم البر» ولا للجوز حكم التمر» بل 
هذا هو الحكم للشيء بحكم ما ليس نظيراً. وهكذا في العقليات فمن حكم للعرض 
بحكم الجسم» أو حكم لاإنسان بحكم الحمار فقد أخطأً لكن إذا وجب في الجسم 
الكلي حكم كان ذلك في كل جسم» وإذا حكم إنسان بحكم كان ذلك في كل إنسان 
وما عرف العقل قط غير هذا. 

فصل: والشريعة كلها إما فرض وهو الواجب واللازم» وإما حرام وهو المنهي 
عنه والمحظور» وإما حلال» وإما تطوع مندوب إليه» وإما مباح مطلق. فوجدنا 
اله تعالی قد قال: کی کم ا فی الأرضِ جمييئا) [البَفَرَة: ۲۹] وقال تعالى: 
لود ل کم ا عم کم [الانعام: ۱۱۹] وقال تعالى: ندر ليبن مالف من 
نوه أن تيم وة أو ميم داب أيد4 [الثور: .]۳١‏ وصخ عن النبي با أنه 
قال: «ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكشرة سؤالهم واختلافهم على 
أنبيائهم . فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم» وإذا نهیتکم عن شيء فات روه . 


(۱) والمصنف يقول يإفادة خبر الآحاد العلم فكفى في ثبوت القياس على أصله صحة حديث معاذ 
مع أن ما يدل على القياس من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة مما لا يمكن إنكاره إلا من 
مکابر» وما في جامع بيان العلم من ذلك كاف شاف وأما من نفى التعليل فقد ناهض ما يزيد 
على عشرة آلاف نص في الكتاب والسنة فحسبنا الله ونعم الوكيل. 


oY‏ النبذ في أصول الفقه الظاهري 


فصح بهذا النص أن ما أمرنا الله تعالى به أو رسوله َة فهو فرض إلا أن يأتي 
نص أو إجماع بأنه ندب» أو خاص» أو منسوخ. وما نص الله تعالى بالنهي عنه أو 
رسوله َة فهو حرام إلا أن يأتي نص أو إجماع أنه مكروه» أو خاص» أو منسوخ. 
ما لم أت به آمر ولا نهي فهو مباح لقوله تعالی: عا کم تا فی الأرزض جیا 
[البَقَرَة: ۲۹]. 

ويأمرنا عليه السلام أن لا نترك منه إلا ما نهان" عنه ولا يلزمنا إلا ما استطعنا 
مما أمرنا به. 


وبما صح عنه بي من قوله: «وسكت عن أشياء فهي عفوا وقال تعالی: ل 
تاوا عن اشيا إن ند کم سڑم ون شلوا عتا ین شرل الفرءان بد تكم عا آله 
عن [المائدة: ]1٠١‏ فلا شيء في العالم مخرج عن هذا الحكم. فبطلت الحاجة 
إلى القياس جملة. وصح أنه لا يحل الحكم به البتة في الدين وبال تعالى التوفيق. 


واعلموا أنه لا يوجد أبداً عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم إباحة القول" 
بالقياس إلا في الرسالة الموضوعة عن عمر رضي الله عنه ولا تصح البتة لأنها إنما 
رواها رجلان متروکان““ وقد جاء عن عمر رضي الله عنه بأشبه من ذلك الطريق 


(1) غفل المصنف عن أن ما شمله القياس على ما في الكتاب والسنة في جملة ما ورد الأمر به» أو 
النهي عنه فيهما فينهد كلامه هذا وما یلیه . 

(۲) قد سبق بيان عدم دلالة هذه الآية على ما يتوخاه. 

(r)‏ وفي جامع بيان العلم لابن عبد البر )٥١  ۲(‏ ما يفند كلام ابن حزم هذا أشد تفئيد حيث ساق 
بأسانيده القول بالقياس من كثير من الصحابة. وأما رسالة عمر إلى أبي موسى فقد أخرجها 
الدارقطني في السنن بطريق أحمد عن سفيان بن عيينة . وابن حزم في أحكامه بطريق ابن أبي 
عمر عن سفيان - وهو راويته المشهور وإن جهله ابن حزم - والخطيب في الفقيه والمتفقه بطريق 
ابن بشار عن سفيان عن عبد الله بن إدريس ولفظ الخطيب: أنه قال: «أتيت سعيد بن أبي بردة 
فسالته عن رسائل عمر بن الخطاب التي كان يكتب بها إلى أبي موسى الأشعري وكان أبو 
موسى قد أوصى بها إلى أبي بردة فأخرج إلي كتباً فرأيت في كتاب منها. . .“ وفيها «واعرف 
الأشباه والأمثال ثم قس الأمور بعضها ببعض» ورجال هذا السند جبال في الثقة والأمانة» وخط 
عمر معروف عند المودع والمودع عنده فلا يلتفت إلى قول من يحاول إعلال هذا الخبر - لحاجة 
في النفس - بعد رواية هؤلاء الثلاثة عن ابن عيينة لتلك الرسالة. 

() ويقول ابن حزم في موضع آخر: «وهذه رسالة لم يروها إلا عبد الملك بن الوليد بن معدان 
عن أبيه وهو ساقط بلا خلاف وأبوه أسقط منه أو ممن هو مثله في السقوط؟ لكن كلامه هذا 
هو الساقط من كل ناحية لأن عبد الملك لم ينفرد بروايتها بل رواها أحمد وابن آبي عمر وابن = 


النبذ في أصول الفقه الظاهري ofr‏ 


تحريم القياس بل قد صح عن جميع الصحابة رضي الله عنهم الإجماع على إبطال 
القياس والرأي لأنهم وجمیع أهل الإسلام يعتقدون بلا شك طاعة القرآن وما سنه 
رسول الله ية . وتحريم الشرع في الدين عن غير الله تعالى وهذا إجماع مانع من 
الرأي والقياس لأنهما غير المنصوص في القرآن والسنة وبالله تعالى التوفيق . 


فصل: وإذا نص النبي بي على أن حكم كذا في أمر كذا لم يجز أن يتعدى 
بذلك الحكم ذلك الشيء المحكوم فيه فمن خالف ذلك فقد تعدّى حدود الله ونعوذ 
باش من ذلك» وهذا مثل قوله ب : «أما السن فإنه عظم» وأما الظفر فإنه مُدى 
الحبشة» فلا يجوز أن نتعدى بهذا الحكم السن والظفر. 


فصل: في دليل الخطاب والخصوص: ولا يحل القول بدليل الخطاب. وهو أن 
يقول القائل إذا جاء نص من الله تعالى أو رسوله عليه السلام على صفة» أو حال» أو 
زمان» أو مكان» وجب أن يكون غيره يخالفه كنصه عليه السلام على السائمة فوجب 
أن يكون غير السائمة بخلاف السائمة في الزكاة. وكنصه تعالى على نكاح الفتيات 
المؤمنات لمن لم يجد طولاً وخشي العنت فوجب أن تكون غير المؤمنات بخلاف 
المؤمنات. وكنصه تعالى على وجوب الكفارة في قتل الخطأ فوجب أن يكون غير 
الخطأ بخلاف الخطأ. واعلم أن هذا المذهب والقياس ضدان متفاسدان لأن القياس 
هو أن يحكم للمسكوت عنه بحكم المنصوص عليه وكلا المذهبين باطلء لأنهما 
تعدي حدود الله وتقدم بین يدي الله ورسوله وقد قال الله تعالی: ون ينعد خود أل 
مد ظَلَّم َفْسَمٌْ4 [الطلاق: .]١‏ وقال تعالى: يام الین اموا لا يم بين بتي أله 
سول [الحُجرّات: ]١‏ وإنما الحق أن تؤخذ الأوامر كما وردت وأن لا يحكم لما 


= بشار عن سفيان بالسند السابق وليس فيه عبد الملك ولا أبوه ولأن عبد الملك صالح عثد ابن 
معین فالقول بأنه ساقط بلا خلاف یکون کذباً بلا خلاف ولأن أباه لم يتكلم فيه أحد من أهل 
الشأن قبل ابن حزم - ودونك كتب الجرح - بل ذكره ابن حبان في الثقات على استغناء الرواية 
في حد ذاتها عن عبد الملك وأبيه لورودها بالطرق التي أشرنا إليها فيكون قول ابن حزم في أبيه 
من أسقط الكذب كما أن رأيه في المسألة من أسقط الآراء وقد رويت رسالة عمر إلى شريح 
بعدة طرق أيضاً في الفقيه والمتفقه وغيره - وهي بمعناها - كما روي ما بمعناها أيضاً عن ابن 
مسعود بطرق في كثير من الكتب فلا مجال للحيدة عما جرت عليه جمهرة فقهاء الصحابة 
رضي الله عنهم من قياس ما لم يرد في الكتاب والسنة بما ورد فيهما بشرطه وأما ما ورد في ذم 
الرأي والقياس فمحمول على الرأي بدون أصل كما هو مبسوط في موضعه ودعوى الإجماع 
ضد ما ثبت بالإجماع تهور شنيع يستعاذ منه. 


o4‏ النبذ في أصول الفقه الظاهري 


ليس فيها بمثل حكمها لكن يطلب الحكم في ذلك من نص آخر. فلم يفرط الله تعالى 
في الكتاب شيئاً. وكذلك القول في الخصوص فهو باطل وهو ضد القياس ودليل 
الخطاب. لأن القياس إدخال المسكوت عنه في حكم المنصوص عليه. ودليل 
الخطاب إخراج المسكوت عنه عن حكم المنصوص عليه عن حكم نفسه وهذا أيضاً 
کل ةا کر کی وای ف ان اور ادیک 
بعض ما نص لنا على حكمه عن الجملة التي نصها لنا ولا يبين ذلك فصح ضرورة أن 
النص إذا ورد فالفرض أن يؤخذ كما هو ولا يخص منه شيء إلا بنص آخر أو إجماع 
ولا يضاف إليه ما ليس فيه نص آخر أو إجماع فهذه هي طاعة الله تعالى» والأمان من 
ميه والحجة القائمة لنا يوم القيامة فليحذر كل امرىء على نفسه أن يحرم ما لم 
یخبره الله تعالی ولا رسوله ية أنه منهي عنه» أو يسقط وجوب ما أمر الله تعالی به أ 
رسوله ی فیلقی الله تعالى عاصياً له» مخالفاً أمره» شارعاً في الدين ما لم يأذن به الله 
عر وجل» قائلاً على الله عر وجل ما لا علم له به» وقائلاً على رسوله بء ما لم يقل 
فليتبوأ مقعده من النار» أو حاكماً عليه بالظن الذي هو أكذب الحديث ولا يغني من 
الحق شيئا ونعوذ بالله تعالى من البلاء. 

فصل: وإذا أمر الله تعالى رسوله َة بأمر فهو لازم لكل مسلم إلا إذا صح 
يأتي نص ا وإجيل مقن خم بدلا برهان ذلك قوله تعالی: 9 آذ 
ماش من آنرو أن صم َة أو بم داب ايم [الور: .]١۳‏ 

فقوله تعالى : عن اترو [الثُور: ]٠١‏ يقتضي أن الأمر المضاف إليه أنه هو كان 
الآمر به فلا تخصص لاآية إلا ببرهان. 

فصل: في التقليد: والتقليد حرام" . ولا يحل لأحد أن يأخذ بقول أحد بلا 
برهان. 

برھان ذلك: قول تعالی: ائیغا تا ازل الیک ین کیک ولا کیٹا ین ونی از 
کاڈ تا رة © لالاعرا : ۳] وقوله تعالی: کا قل کم اقیشا 1 رل له الوا 

بقَرَة: ۱۷۰] وقال تعالی مادحاً لقوم لم يقلدوا: : فير 

الق تيتيوة لسك اوليك الي دنهم اله اريك هم أو 


(1) رأى الظاهرية في التقليد قلة تبصر في عواقب ما يرون وفيه تعطيل المصالح الدنيوية كلها بحمل 
الأمة على ما لا قيل لعامتهم به بل المنصوص المتوارث أن يجري العالم على ما يعلم وأن 
يسأل غير العالم العالم تتلا أَهََّ آلو لن کنر لا تن [التحل: .]٤١‏ 


النبذ في أصول الفقه الظاهري oo‏ 


الأب @4 [الرْمر: ۱۷» ۱۸] فلا يزهد امرؤ في ثناء الله تعالی بأنه قد هداه» وأنه 
من أولي الألباب. وقال تعالی: کین كترم فی کیو ردو إل او شرل إن کم وينو 
لَه َم الك [النُساء: ۹] فلم يبح الله تعالى الرد إلى أحد عند التنازع دون 
القرآن وستة نبيه عليه الصلاة والسلام وقد صح إجماع جميع الصحابة رضي اله عنهم 
أولهم عن آخرهم» وإجماع جميع التابعين أولهم عن آخرهم على الامتناع والمنع من 
أن يقصد منهم أحد إلى قول إنسان منهم أو ممن قبلهم فيأخذه كله فليعلم من أخذ 
بجميع قول أبي حنيفة» أو جميع قول مالك» أو جميع قول الشافعي» أو جميع قول 
أحمد“ بن حنبل رضي اله عنهم ممن يتمكن من النظرء ولم يترك من اتبعه منهم إلى 
غيره أنه قد خالف إجماع الأمة كلها عن آخرها واتبع غير سبيل المؤمنين نعوذ بالله من 
هذه المنزلة. 

وأيضاً فإن هؤلاء الأفاضل قد نهوا عن تقليدهم وتقليد غيرهم فقد خالفهم من 
قلدهم» وأيضاً فما الذي جعل رجلاً من هؤلاء أو من غيرهم أولى بأن يقلد من 
أمير المؤمنين عمر بن الخطاب. أو علي بن أبي طالب» أو ابن عباس. أو عائشة 
أم المؤمنين فلو ساغ التقليد لكان هؤلاء أولى بأن يتبعوا من أبي حنيفة» ومالك» 
والشافعی» وأحمد ومن ادعى من المنتسبين إلى هؤلاء أنه ليس مقلداً هو نفسه أول 
عالم بأنه كاذب" ثم ساثر من سمعه لأنا نراه ينصر كل قولة بلخته لذلك الذي انتعى 
إليه وإن لم يعرفها قبل ذلك وهذا هو التقليد بعينه . 

فصل: قال أبو محمد رحمه الله تعالى: والعامي والعالم في ذلك سواء وعلى 
كل أحد حظه”" الذي يقدر عليه من الاجتهاد. 

برهان ذلك: أننا ذكرنا آنفاً النصوص في ذلك ولم يخص الله تعالی عامياً من 
عالم وما كان ربك نسياً فإن ذكروا قول الله تعالى: ناوا اَل ال4 [النحل: 
۳ الأنبياء: ۷] قيل لهم ليس أهل الذكر واحد بعينه فالكذب على الله ع وجل لا 


00 هذا ما لم يقع أصلاً إلا عند من ليس له أهلية النظر على أنه ليس مذهب من تلك المذاهب إلا 
وعلماؤه نوا على المتعين من آراء إمامهم مع توهين الواهي منها فيكون من اتبع غير سبيل 
المؤمنين هو من خرق إجماعهم وتقول عليهم. 

(۲) أين التقليد من الاتباع لما انشرح صدره إلى دليله» ومن نصر العالم إنما ينصر بدليل وصاحب 
الدلیل لا يون مقلداً ولا مانع من أن يكون منتسباً كانتساب أبي محمد اليزيدي لداود. 

(۳) وحظ العامي من الاجتهاد أن يتخير عالماً يراه الأعلم الأورع فيذهب ما أطال به المصنف أدراج 
الرياح . 


o1‏ النبذ في أصول الفقه الظاهري 


يجوز وإنما نسأل أهل الذكر ليخبرونا بما عندهم من أوامر الله تعالى الواردة على 
لسان رسوله ب لا عن شرع يشرعونه لنا. وأيضاً فنقول لمن أجاز التقليد للعامي 
أخبرنا من تقلد؟ فإن قال عالم مصر قلنا فإن كان في مصر عالمان مختلفان كيف 
يصنع ليأخذ اھا ھا وتا یجید رجاف 4 آد کرت کیان لفان ي 
مسألة واحدة حرام حلال معاً من عند الله تعالى. ثم العجب كله أن يكون فرض 
للعامي الذي مقامه بالأندلس تقليد مالك» وباليمن 1 الشافعي» وبخراسان تقليد 
أبي حنيفة وفتاويهم متضادة هذا دين الله تعالى منه فوالله ما أمر الله تعالى بهذا قط 
بل الدين واحد» وحکم الله تعالی قد بین لنا: وؤ کا ين عند ع ألو رجدو فيو 
انوا َو [التساء: ۸۲] ولكن العامي والأسود المجلوب من غانة"“ ومن هو 
مثلهم إذا أسلم فقد عرف بلا شك ما الإسلام الذي دخل فيه» وأنه أقرَ بالل أنه 
الإله لا إله غيره» وأن محمداً رسول الله إليه» وأنه قد دخل في الدين الذي أتى به 
محمد رسول اله َة هذا ما لا يخفى على أحد أسلم الآن. فكيف من شدا" من 
الفهم شيئاً. فإذ لا شك في هذاء فالسائل إنما يسأل عما ألزمه الله تعالى في الدين 
الذي دخل فيه بلا شك فإذ ذلك كذلك فقد فرض الله عليه أن يقول للمفتي إذا 
أفتاه. أكذا أمر لله تعالى أو رسوله ية فإن قال له المفتي نعم لزمه القبول. وإ 
قال له لاء أو سکت» أو انتهره» أو ذكر له قول إنسان غير النبي ية فما زاد فهمه 
فقد زاد اجتهاده وعليه أن يسأل أصح هذا عن النبي بي أم لا؟ فإن زاد فهمه سأل 
عن ا والمرسل» والثقة» وغير الثقة. فإن زاد سأل عن الأقاويل وحجة كل 
قافز ويفضي ذلك إلى التدرج في مراتب العلم نسأل الله تعالى أن يجعلنا من 
أهلها آمين آمين رب العالمين . 


فصل: وإنما افترض الله تعالى علينا اتباع رسوله محمد ية فمن اتبعه وأقرَ به 
مصدقاً بقلبه ولسانه فقد وفق وهو مؤمن حقاً باستدلال كان أو بغير استدلال إذ لم 
يكلف الله تعالى قط غير ذلك ولا أمرنا بدعاء إلى غير ذلك» ولا دعا الخلفاء 
والصالحون إلى غير ذلك فمن روى له حديث لم يصح عن النبي ية وهو لا يدري 


(1) غانة جزيرة في وسط النيل الغربي الجاري في بلاد التكرور وهي مغمورة جداً بالسودان. من 
هأمش الأصل. 

(۲) يقال شدا من العلم شيئاً أي أخذ. 

RE E (0 


جعل مک في لين ين حرج [الحج: ۷۸]. 


النبذ في أصول الفقه الظاهري ¥ 


أنه غير صحيح فهو مأجور"“ أجراً واحداً لقوله ب: «إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله 
أجر» وإذا اجتهد فأصاب فله أجران» أو كما قال ية وكل من أخذ بمسألة فقد حكم 
بقبولها واجتهد في ذلك وهذا هو المجتهد لا غيره لأن الاجتهاد إنما هو إنفاذ الجهد 
في طلب الوت ف الدين» في القرآن» والسنةء والإجماع حيث أمر الله تعالی بأخذ 
أحكامه لا من غير هذه الوجوه فمن أصاب في ذلك فله أجران» ومن أخطأً فله أجر 
واحد ولا إثم عليه 

فصل : E ER E‏ 
له تعالی» آثم بتقليده» ولا سلامة ولا أجر له على موافقته للحق وما يدري كيف 
هذا؟ فإنه لم يقصد إلى الحق» وإن طا ي أثم إثمان. إثم تقليده» وإثم خلافه 
للحقء ولا أجر له البتة ونعوذ بالله من الخذلان. 

فصل : ا 
له. قال قبالی: ومن ياق ارول من بعد ما بين له الى وَيَيع عير سيل اموم 
ولا تول وي اک اا (O‏ 1 [اشساء: .[N\o‏ 

فصل : SON Ê pA aA a‏ 
يفتي بها . ومن علم جمهور الدين كذلك» ومن خفي عليه ولو مسالة حل له الفتيا 
فیما علم» ولا يحل الفتيا فيما لم يعلم ولو لم يفت إلا من أحاط بالدين كله علماً لما 
حل لأحد أن يفتي بعد رسول الله ب . وفوق كل ذي علم عليم» وحسبنا الله ونعم 
آلوکیل. 


(۱) وهذه مجازفة وأنى يكون للعامي ما للحاكم أو القاضي من الأجر عندما يخطىء أو يصيب؟ 
لكن الهوى يحمل على القول بدون بصيرة. 


فهرس المحتويات 


الإمام الكوثري بقلم الأستاذ الكبير الشيخ محمد أبو زهرة وكيل كلية 


الحقوق وأستاذ الشريعة بجامعة القاهرة (رحمهما الله تعالى) ج 0 
الفصل الأول: في سرد تاريخ حياته من المولد إلى الوفاة E A‏ 
الفصل الثاني : ذكر أهم الأحداث في حياته على ترتيبها الزم 9 
الفصل الثالث: وصفه وصفًا دقيقًا ۲۸ 
تعصبه المزعوم ۳ 
زهده الفريد وعفافه النادر i EO POONER YOON‏ 
الفصل الرابع : قصيدتي فيه وهي ۷١‏ بيا مع شرحها . ۳٤‏ 

4 

o 
8% 
۳۸ 
۳۹ 
0 


E O OTE القسم الأول‎ 


to 
6 
BN sêst eS الفصل السادس: في أمور خاصة بينه وبيني‎ 


الفصل السابع : بيان بعض شيوخه وبعض مأثور كلامه من منظوم ومنثور ... ۵۷ 
الفصل الثامن: تلامذته مرتبة أسماء من تعيه الذاكرة منهم على حروف 
f‏ 


AY 


D2‏ فهرس المحتويات 


ذكرى مرور عام على وفاة فقيد الإسلام الإمام الكوثري بمصر يوم الأحد 


E eS as رضي الله عنه‎ ٠۳۷١ من ذي القعدة سنة‎ ٩ 
۷1 
vr 
VV .. تقديم‎ 
۸۰ الرأي والاجتهاد‎ 
A AEE الاستحسان‎ 
۳ شروط قبول الأخبار‎ 
۹۸ منزلة الكوفة من علوم الاجتهاد‎ 
EN ar .... طريقة أبى حنيفة فى التفقيه‎ 
I aes بخن :کار الحمَّاظ وكبار المحدثين من أصحابه وأهل مذهبه‎ 
1۹ تكملة وتذييبل‎ 
\ré كلمة في كتب الجرح والتعديل‎ 
إحقاق الحق بإبطال الباطل في مغيث الخلق» ويليه: أقوم المسالك في‎ 
VE HORROR بحث رواية مالك عن أبي حنيفة ورواية أبي حنيفة عن مالك‎ 
\f 
۱16۹ 
I .. خاتمة‎ 
أقوم المسالك في بحث رواية مالك عن أبي حئيفة ورواي‎ 
0 مالك‎ 
1۷ 
۹ 
e .. أخذ أبي حنيفة عن مالك رضي الله عنهما‎ 
O ORES الإشفاق على أحكام الطلاق‎ 
SIN aasesucarteaatotea pekeke essa rass تقدیم‎ 
۳ هل يحل الطلاق الرجعي عقد النكاح‎ 
۲٤ . تقسيم الطلاق إلى مسنون وغيره‎ 
۷ صحة الطلاق في الحيض‎ 
rr الطادق الثلاث بلفظ واحد‎ 


حديث ابن عباس في إمضاء عمر للثلاث N SS MAES Eh‏ 


or\ 
کک کتک جک‎ 


تعليق الطلاق والحلف به FUNK ico iivaesne aOR Ga se‏ 
ن الصحابة والتابعين كما يزعم 


YY المتمجهد‎ 

الإجماع الذي يقول به الفقهاء ۷۲ 
الطلاق والرجعة يصحان بدون إشهاد E 1 Carita‏ 
1۸۱ 
A۲‏ 
YAT‏ 


تة اا إلى الكتاب عالم أزهري علي القدر ممن ألين له نحت 
القوافي 1۸4 
۹۱ 
Af‏ 
14۳ 
۹4 
4 
۳1۰ 
PV‏ 
rv‏ 
tt‏ 
TE‏ 
ااا 
VY‏ 
PVE‏ 
Vo‏ 
۷4 
۳۸۰ 
PAY‏ 
A٤‏ 
۳۸٦‏ 
FAA‏ 


الباب الأول: في ذكر ثناء المحدثين على أبي حنيفة وتوثيقهم إياه وروايتهم 


الباب الثاني : في وجه الجواب عن مثالب ذكرها عنه بعض المحدثين O ant‏ 
الباب الثالث : شي ذكر نبذة من مناقبه o E‏ 
الباب الرابع : في ذكر من لقي من الصحابة وروى عنه 0۹ 
الباب الخامس: في تفضيله على غيره EY‏ 


الباب السادس: في تفضيل مذهبه على مذهب غيره 4 
الباب السابع : في أن الأخذ بمذهبه أحوط لاإمام وأدفع للحرج عن الأمة .. ٤٠١‏ 
الباب الثامن: في أخذه بالكتاب والسنة الصحيحة ومخالفة الغير إياهما وهذا 


أيضاً مما يوجب ترجيح مذهبه أيضاً 5 
النبذ في أصول الفقه الظاهري 4 


نظرة في المذهب الظاهري و «النبذه لاہن حزم OEE IN EYEE‏ 


يات 
ھر ی 


تقديم . 


ا 
ما هو؟ 
اا و 
في الإجماع 
للام في 
1 


نتویات 
س المحتوي 
فهر